القائمة الرئيسية

الصفحات



المستفيد من الغش في التشريع الجمركي

المستفيد من الغش
 في  التشريع الجمركي




وزارة العــــدل                                                                                                                                 
 

مذكرة تخرج لنيل شهادة المدرسة العليا للقضاء

المستفيد من الغش
 في
 التشريع الجمركي

                                                                                                                                                                                                                 إعــداد الطـالب القـاضي                                                                                                         الدفـعة الرابعـة عـشرة             
             بــوقنـدورة  سليـمان                                                                                                                             سنة  2005/2006    



المقدمـــــــــــة

       الأصل أن المنازعات الجمركية الجزائية جزء من المنازعات الجزائية التي تعرض على القضاء و تطبق عليها ذات القواعد الإجرائية ، غير أن قانون الجمارك تضمن بعض الأحكام المتميزة التــي تخرج عن نطاق و أحكام القانون العام ، مما أضفى عـليها طابعا مميزا جعلها توصف بقانون عقوبـات خاص (1) و تنـصب بالخصوص على قواعد التجريم كالتوسع في تحديد الركن المادي ، و إسهـام السلطة التنفيذية في تحديده و كذا التضييق من نـطاق الشروع في الجريمة و ضعف الركن المعنوي  و كذلك من حيث الإثبات و تحديد المسؤولية الجزائية التي تقع أساسا على الفاعل الظاهر في القانـون الجمركي؛ و هـو إما حائز البضاعة محل الغش و إما ناقلها و إما المصرح بها أو الوكيل لدى الجمارك.
     و نتيجة لذلك كثيرا ما يفلت من العقاب الجناة الحقيقيون ، و يحل محلهم مجرد وسطاء غالبـا ما تكون مسؤوليتهم دون خـطأ لعدم الاعتداد بالنية في الجرائم الجمركية ، و لقد لطف المـشرع من حدة هذه المسؤولية بحصر نطاقها في المجال الجبائي و اشترط لتطبيق عقوبات الحبس ارتكاب خطأ شخصـي. 
      إن ما يـضفي هذا الطابع المتميز و الخصوصي للمنازعات الجمركية ؛ سـواء من حيث التجريـم أو من حيث العقاب  أو المسؤولية و عبء الإثبات يرجعه الباحثون في هذا المجال إلى سببين أحدهمــا بسيكولوجي و الآخر تقني(2).
     أما السبب البسيكولوجي فهو أن الرأي العام لا يستهجن الجريمة الجمركية بقدر ما يستهجن جرائـم القانون العام، و أن مرتكبها يجد تعاطفا بين الناس وحتى في الوسط القضائي لتعلقها بالحقوق و الرسوم المستحقة للدولة في ظل سواد عقلية البايلك.
     و أما السبب التقني فيعود إلى تميز الجرائم الجمركية لاسيما التهريب بالسرعة و بالتـالي زوالـها و عدم ثباتها و صعوبة اكتشافها في تلك اللحظة.
   و هناك من الدارسين من يضيف(3) أن القانون الجمركي يستمد أسس تشدده في المنازعات الجزائية من أسباب اجتماعية؛ فالرأي العام يتأثر و يتألم من العنف الممارس ضد السلامة الجسدية أكثر من تأثره من الجنحة الضريبية أو الجمركية، و قد ظهر الميل إلى التشدد في العقاب عندما صار المساس الخفـي أو الظاهر بالاقتصاد و الإضرار به من خلال الجرائم الجمركية كبيرا.
     أما على صعيد الاعتبارات المحضة للجريمة الجمركية، و زيــادة على كون الغـش الضـريبي يمتـاز بالسرعة ، فإن أولئك الذين يتصرفون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بحسن أو بسوء نيـة في إطـار مخطط الغش، يجب أن يتأكدوا من أنهم سيعاقبون على إتيانهم تصرفا من تصرفات الغش. 
     و لما كان نظام الاشتراك المنصوص عليه في القانون العام، لا يتسع لاحتواء نطـاق المسؤوليـة الجزائية الجمركية بسبب اشتراطه توافر القصد الجزائي لدى الشريك، لجأ المشرع إلى إحداث نظــام للاشتراك بدون قصد جزائي خاص بالمنازعات 

--------------------------
(1)-  احسن بوسقيعة – خصوصيات المنازعات الجمركية – دراسة منشورة في المجلة القضائية – العدد 2 / 2000 – ص 15 .
(2)-  احسن بوسقيعة – المنازعات الجمركية – الطبعة الثانية 2001 – ص39..
(3)-  عمرو شوقي جبارة– الإقتناع الشخصي للقضاة على محك القانون الجمركي – ترجمة قسم الوثائق بالمحكمة العليا –المجلة القضائية – عدد خاص – الجزء الثاني -2002 – ص 58 و59. 

الجـمركية و هو ما يسمى بالاستفادة من الغش ؛ و الذي يطبق في أوسـع نطاق ممكن لما يتيحه من مـزايا عملية لا يمكن أن تتحقق في ظل اشتراك القواعـد العامة.
      فما هي يا ترى مميزات هذا النظام بالمقارنة مع الشريك في القانون العام؟ و كيف تطـور مفهـوم المستفيد من الغش عبر الحقب الزمنية للسياسة التشريعية في المجال الجمركي؟
    و ما هي الآثار  و النتائج المترتبة عن قيام المسؤولية عن الاستفادة من الغش؟
    هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذه الدراسة؛ من خلال التعرض إلى القواعد العامة للاشتراك فـي فصل تمهيدي باعتبار أن الاستفادة من الغش ما هي إلا تطبيق خاص لاشتراك القواعد العامة ، و عليـه ارتأينا أن نبدأ من العام إلى الخاص، و هذا حتى تتضح الفوارق الجوهرية بين المفهوميـن وفي نفـس الوقت لكثرة الإحالة إلى مفهوم الشريك عند دراسة المستفيد من الغش.
      أما في الـفصل الأول من هذه الدراسة فنتحدث فيه عن تـطور مفهوم المستفيد من الغـش؛ بـدءا بما جاء في الـنظام التشريعي الفرنسي باعتباره الرائد في هذه النظريـة، وصولا إلى التشريع الجمـركي الجزائري عبر مختلف مراحله، كون هذا الأخير مقتبس من الأول نظرا للاعتبارات التاريخية.
    و في الفصل الثاني نتطرق إلى المسؤولية عن الاستفادة من الغش بإبراز أسس قيامها، و تأثيـرها على الغير و النتائج المترتبة عن قيامها من جزاء و تضامن.
    كل هذا على ضوء القانون و الآراء الفقهية للمختصين في هذا المجال، و في كنف الممارسات القضائية على أعلى مستوياتها مبرزين في ذلك المزايا من استحداث هذه المؤسسة، سواء الفعالية فـي تحصيل الحقوق و الرسوم المستحقة للخزينة العامة و هي الغاية المباشـرة، أو مرد وديتها فـي قمـع الجرائم خاصة مع الاتجاهات الحديثة لمكافحة التهريب و كل ما له صلة به كالجريمة المنظمة بتأثيراتها السلبية على الصعيد العالمي، خاصة مع توجه الجـزائر إلى الانفتاح على السـوق العالمية بالانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، و ما يفرضه من تشدد في القمع على كل المستويات و منها الجمركي. 
    و محاولين في نفس الوقت تقريب وجهات النظر بين المفارقات التي قد تحصل عند تطبيق مفهوم المستفيد من الغش، و هذا أمام المحاكم الفاصلة في القضايا الجزائية خاصة مع قصر معرفة القضـاة بالمجال الجمركي هذا من جهة ،و قصر معرفة المهنيين الجمركيين بالمجال القانوني من جهة أخرى.










الفصــل التمهيــديالقواعــد العامــة للاشتراك


        سنقسم دراستنا لهذا الفصل التمهيدي إلى مبحثين
1- مفهوم الاشتراك
2- شروط معاقبة الشريك

المبحــث الأول     مفهــوم الإشتــرااك

      لقد ورد تعريف الشريك في الفصل الأول من الباب الثاني من قانون العقوبات، تحـت عنـوان المساهمون في الجريمة؛ فعندما ترتكب الجريمة  الواحدة من عدة أشخـاص نكون بصدد المساهمة الجنائية.
     وإذا كان تعدد المساهمين لا يثير جدلا، فإن وحدة الجريمة تقتضي توافر ركنين، الأول هو الوحدة المادية للجريمة فتعدد أفعال المساهمين قد تختلف لكنها تلتقي لإحداث واقعة إجرامية واحدة، بحيث يؤدي كل فعل منها دوره في تحقيق النتيـجة من حيث وقوعها أو جسامتها أو وقت حدوثـها، أما الركن الثاني فهو الوحدة المعنوية للجريمة؛ و التي مؤداها أن يتحقق لدى الجناة رابطة ذهنية واحدة تجمعهـم على ارتكاب الجريمة، كالاتفاق السابق على ارتكابـها و التخطيط لتنفيـذها و توزيع الأدوار(4)، و عليه وجب التطرق إلى تعريف الشريك و تمييزه عن الفاعل الأصلي في مطلبين.

المطلــب الأول     تعريــف الشريــك

      تنص المادة 42 من قانون العقوبات على أنه يعتبر شريكا في الجريمة،  من لم يشترك اشتراكا مباشرا و لكنه ساعد بكل الطـرق و عاون الفاعل أو الفاعليـن على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلـة أو المنفذة لها مع علمه بذلك.
     فـقد حصر المشرع عمل الشريك، في المساعدة أو المعاونة على ارتكاب الأفعـال التحضيريـة عرضية أو ثانوية(5)، و لقد اعتبرت المحكمة العليا أن العناصر المكونـة لجريمـة المشاركـة هي المساعدة بكافة الطرق على الأعمال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة، و إن خلو سؤال الإدانة من إبراز كيفية أو طريقة مساعدة الفاعلين يجعله غامضا يترتب عنه النقض(6)


-------------------------
(4)-  عبد الله سليمان- شرح قانون العقوبات القسم العام- الجزء الأول- الجريمة- دار الهدى- عين مليلة- ص156 و 157.
(5)-  احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- الديوان الوطني للأشغال التربوية- طبعة2002- ص 148.
(6)-  قرار المحكمة العليا-الغرفة الجنائية- بتاريخ 01/10/2002  ملف رقم 277625 – المجلة القضائية العدد 2/2002- قسم  الوثائق 2004.            
    و تنص المادة 43 من نفس القانـون على أنه يأخـذ حكم الشريـك، من اعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجــأ أو مكانا للاجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار اللذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام، أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمه بسلوكهم الإجرامي.
     و لما كان عمل الشريك يقتصر على الأعمال التحضيرية و المساعدة، فهو فرعي غير مجـرم بذاته بل استمد الصفة الإجرامية لاتصاله بالفعل الإجرامي الذي ارتكبه الفاعل، و عليه سنميـز بينه و بين الفاعل الأصلي في المطلب الموالي.

المطلــب الثاني     التمييــز بين الفاعل و الشريــك


     لقد اختلفت التشريعات حول الوضعية القانونية للشريك مقارنة بالفاعل الأصلي، و أن المشـرع الجزائري أخذ بتبعية الشريك للفاعل الأصلي تبعية كاملة من حيث التجريم، و تبعية نسبية من حيث العقاب(7).
      فـالفاعل هو من يقوم بالأعمال المادية المشكلة للجريمـة، و تتحقق في شخصه أركان الجريمـة كاملة،  و قد يكون الفاعل الأصلي فاعلا ماديا مع غيـره و هو من قـام شخصيا بالأعمال الماديـة المكونة للجريمة، غير أنه لم يرتكبها بمفرده و إنما برفقة شخص آخر أو أكثر إذ يكون كلهم فاعلين ماديين للجريمة، و التمييز بين الفاعل المادي مع غيره و الشريك لها أهمية من حيث المسؤولية في التشريعات التي أخذت بنظام تبعية مسؤولية الشريك لمسؤولية الفاعل تبعية تامة كما في فرنسا  إذ يمكن متابعة الفاعل الأصلي المساعد مستقلا عن باقي المساعدين، كما يمكن تسليط العقوبة عليه عندما يعترض تسليطها على فاعل آخر ظرف شخصي كالإعفاء من العقوبة بسبب القرابة في جرائم الأموال م 368 ق ع(8)
   و في هذا الصدد اعتبرت المحكمة العليا فاعلا أصليا كل من ساهـم مساهمة مباشرة فـي ارتكاب الفعل الإجرامي وفقا للمادة 41 ق ع، و أنه قد يرتكب الفعل من طرف شخص واحد و قد يتعـدد  الفاعلون في ارتكابه ماديا، كأن ينهـال أشخاص على الضحية بالضرب حتى وفاتها و قد تقسم الأدوار فيما بينهم، فيقوم أحدهم بالحراسة و الثاني بإمساك الضحية و الثالث بضربها وكل واحـد منهم يعتبر فاعلا أصليا مادامت نيتهم متحدة في ارتكاب الفعـل، و كانـوا متواجديـن في مسرح الجريمة(9).
      كما قد يكـون الفاعل الأصلي فاعلا معنويا كالمحـرض فالمادة 41 ق ع اعتبرت فاعلا كل محرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطـة، أو الولايـة أو التحايل أو التدليس الإجرامي، فلابد لقيام التـحريض أن تتأثر إرادة الجاني مباشرة نحو ارتكاب الجريمة، و باستعمال إحدى الوسائل المبينة في صلب النص، و هناك صور أخرى للفاعل المعنوي أشار إليها المشرع في مواد مختلفة من قانون العقوبات.
       و بالمقابل فإن الشريك ينحصر دوره في المعاونة على ارتكاب الجريمة بالقيام بعـمل مادي يختلف عن الركن المادي 

----------------------
(7)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 150،151،152.
(8)- احسن بوسقيعة- المرجع أعلاه – ص 143.
(9)- قرار المحكمة العليا-الغرفة الجنلئية- بتاريخ 25/07/2000- ملف رقم 251929- المجلة القضائية- العدد2- سنة 2000-  ص 201.
للجريمة، غير أن عقوبة الشريك هي نفسها عقوبـة الفاعل الأصلي لذا فأهميــة التمييز تترتب عنها نتائج؛ منها ما يتعلق بوصف الجريمة و التي تتوقـف على الصفة الشخصيـة للفاعل و ليس على صفة الشريك، و من ثمة فإن الظروف المشددة 
و تقدير الأركان المكونة للجريمة يتم اعتبارا للفاعلين الأصليين و ليس الشركاء، و من النتائج ما يتعلق بالعقاب على الجريمة في حد ذاتها كما في المخالفة فيعاقب الفاعل دون الشريك إلا في حالات استثنائية، كمخالفـات الضــرب و الجروح العمدية و المشاجرة و أعمال العنف الأخرى المواد 442-1، 442 مكرر ق ع. 
     و كذلك إذا كان الحكم على الفاعل يتطلب إثبات الأركان المشكلة للجريمة فحسب، فإن معاقبـة الشريك يقتضي إثبات توافر الأركان المكونة للاشتراك و هذا ما سنراه في المبحث الثاني.

المبحــث الثاني       شروط معاقبــة الشريــك


       حتى يتم الحكم على الشريك يجب أن تتوافر شروط ، أهمها قيام أركان الاشـتراك و هذا ما سنراه في المطلب الأول و بعدها نعرض لجزاء الشريك في المطلب الثاني كالتالي.

المطلــب الأول     أركــان الاشتراك

     باعتبار أن أركان الاشتراك هي أهم جزء من شروط معاقبة الشريك، لذا سنتحدث عنها بشيء من التفصيل بالتكلم عن الأركان الثلاثة تباعا، الركن الشرعي ثم المادي فالركن المعنوي.

أولا :  الركن الشرعي في الاشتراك

     أفعال الشريك هي أعمال تحضيرية لا عقاب عليها، و إنما تنجذب إلى دائرة التجريم بوصفها حلقة من حلقات المساهمة الجنائية التبعية في ارتكاب الجريمة، فلا يعاقب عليـها إلا إذا ارتكب الفاعل الجريمة أو شرع فيها(10) و بذلك يتوقف تجريم عمل الشريك على عمل الفاعل الأصلي و يكون الفعل معاقبا عليه و يشكل جريمة (11) إذ لا يسأل عن الاشتراك إذا كان الفعل الأصلي غير مجرم، و كذلك لا يسأل عن الاشتراك في جريمة شرع فيها فقط و كان الشروع غير معاقب عليه كما في بعض الجـنح، أو إذا توقف عمل الفاعل عند الأعمال التحضيرية فقط ، و كذلك إذا كان للـجريمة المرتكبة لها ما يبررها قانونا كالدفاع الشرعي أو أمر أو إذن القانون، و لا يسأل عن الشروع في الاشتراك.
     غير أنه لا يتوقف تجريم عمل الشريك على تسليط العقوبة فعلا على الفاعل الأصلي، كما إذا لم يكن محل متابعة جزائية 

-----------------------
(10)- عبد الله سليمان- المرجع السابق- ص 178.
(11)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 153-154.
أو استـحال تسليط العقوبة عليه لكـونه ظل مجهولا، أو توفي أو كان صغير السن أو مجنونا أو استفاد من عفو شامل ذي
طبيعة شخصية أو استفاد من عذر معفي. 

ثانيا:  الركن المادي في الاشتراك

        و يـتمثل العمل المادي هنا كما بينته المواد 42،43 في أعمال المساعدة أو المعاونة، و الأعمال التي تعد في حكم المساعدة كتقديم مسكن لإيواء الأشرار، و عليه سنوضح هذا الركن بالنظر إلـى العنصرين التاليين كالآتي:

1- المساعدة و المعاونة:

      و تشمـل الأعمال التي يقـوم بها الشريك و التي من شأنها تسهيل القيام بالجريمة، سواء بالتحضير لها أو أثناء تنفيذها أو بعد تمامها، و يجب أن يتمثل الاشتراك في القيام بعمل إيجابي إذ لا اشتراك بالامتناع، و أن ينفذ هذا السلوك الإيجابي فلا محاولة في الاشتراك(12).
      أما الأعمال التحضيرية أو السابقة المساعدة على ارتكاب الجريمة فتتمثل في الأعمال السابقة على مرحلة التنفيذ كاتخاذ تدابير من أجل تسهيل ارتكاب الجريمة.
    أما الأعمال المعاصرة للجريمة فصورتها عندما يتدخل الشريك لتقديم يد المساعدة للفاعل الذي بدأ بتنفيذ الجريمة؛ بغية تمكينه من الاستمرار فيها و إنهائها على النحو الذي يضمن تحقيق النتيجة الإجرامية التي يصبو إليها(13).   
    أما الأعمال المساعدة اللاحقة على تمام الجريمة فليست وسيلة من وسائل الاشتراك(14)، و هذا لم يمنع المشرع من اللجوء إلى تجريم الأعمال المساعدة اللاحقة كجرائم خاصة مستقلـة، مثـل إخفاء أشياء متحصله من جناية أو جنحة المنصوص عليها في المادة 387 ق ع، و إخفاء الجناة م 180-1 .

2-إيواء الأشرار و مساعدتهم:

       حصرت المادة 43 أعمال المساعدة لاعتبار من يقوم بها شريكا في تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان للاجتماع لواحد أو       أكثر من الأشرار اللذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة، أو الأمـن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال بتوافر        شرطي الاعتياد و العلم بالسلوك الإجرامي.

-----------------------
 (12)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 156.
(13)- محمود نجيب حسني- شرح قانون العقوبات- القسم العام- دار النهضة العربية-1977-رقم2- ص 456 – نقلا عن عبد الله سليمان- المرجع السابق - ص 180.
(14)-- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع أعلاه- ص157.
        و هذه من صور المساعدة اللاحقة، ولا يقتصر هذا على تقديم المسكن بل هنـاك أعمال لاحقـة أخرى نصت عليها المادة 91-2 بأنه عـلاوة على الأشـخاص المبينين في المادة 42 يعاقب باعتباره شريكا؛ من يرتكب دون أن يكون فـاعلا أو شريكا أحد الأفعال التالية:
- تـزويد مرتكبي الجنايات و الجنح ضد أمن الدولة بالمـؤن أو وسائل المعيشة و تهيئة مـساكن لهم   أو أماكن  لاختفائهم أو لتجمعهم، و ذلك دون أن يكون وقع عليه إكراه و مع علمه بنواياهم.
- حمل مراسلات مـرتكبي هذه الجنايات و تلك الجنح،و تسهيل الوصول إلى مـوضوع الجناية أو الجنحة أو إخفائه أو نقله أو توصيله، و ذلك بأي طريقة كانت مع علمه بذلك.

ثــالثا:   الركن المعنوي في الاشتراك

     يقتضي على من ساعد الفاعل الأصلي أن يكون قد ساهم و هو على دراية في ارتكاب الجريمــة الرئيسية، و أن يكون يعلم بأنه يشترك في جناية أو جنحة، و يجب توافر نية الإسهام في عمل إجرامي نفذه أو حاول تنفيذه الغير.
     فالنية لدى الشريك تتمثل دائما في خطأ قصدي، أي إرادة الاشتراك عمديا في الفعل الإجرامي للفاعل الرئيسـي، و لذلك لا يمكن متابعة مرتكب خطأ عدم الاحتياط كشريك(15)، و في هذا الصدد نقضـت المحكمة العليا الحكـم الذي تضمن سؤالا حول جريمة الاشتراك في اختلاس أموال عمومية بصيغة لم يبرز فيها عنصر العلم المعتبر العنصر الأساسي في هذه الجريمة(16).

المطلــب الثانــي       جــزاء الشريــك


        نصت المادة 44 من قانون العقوبات على أنه يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة.
       و الـواضح من النص أنه قد تتطابق عقوبة الشريك مع عقوبة الفاعل الأصلي و هذا لا يؤخذ على إطلاقـه، فقد تؤثر الظروف الشخصية و الموضوعية بتشديد العقوبة أو بتخفيضها على أحدهما دون الآخر، فالظروف الشخصية كما نصت عليها م 44/2 و التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة لا تؤثر إلا بالنسبة للفاعل أو الشريك الذي تتصل به هذه الظروف.

     إذن فالظروف الشخصية لصيقة بالشخص، كصغر السن أو الجنون أو حالة العود، فالظرف الشخصي لا يغير في الوصف القانوني للجريمة وإنما يغير فقط العقوبة بالتشديد أو التخفيض أو الإعفاء.

     أما الظـروف الموضوعية اللصيقـة بالجريمـة حسب م 44/3 و التي تؤدي إلى تشديد أو تخفيض العقوبة التي توقع على من ساهم فيها، يترتب عليها تشديدها أو تخفيضها بحسب ما إذا كان يعلم أو لا يعلم بهذه الظروف.
------------------------------
(15)-- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص159.
(16)- قرارالمحكمة العليا – الغرفة الجنائية-  بتاريخ 24/06/2003- ملف رقم 302683- المجلة القضائية- العدد 1- 2003 – ص 384،383. 
       إذن هذه الظروف تغير في وصف الجريمة كحمل السلاح في جريمة السرقة، يغير وصفها من جنحة إلى جناية فتشدد بالتالي العقوبة، و من هذه الظروف ما يخفف العقوبة كأعذار الاستفزاز، و هناك ظروف مختلطة أخذ بها القضاء الفرنسي.

     فلقد قضت المحكمة العليا بأن واقعة الاشتراك في الجريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية، و أن الظروف الشخصية المخففة أو المشددة لكل من الفاعل أو الشريك لا تؤثر في تخفيف أو تشديد العقوبة بالنسبة للآخر وفقا للمادة 44 ق ع.

     و حـيث أنه لمعرفة تطبيق الظرف المشدد على الشريك أو عدمه؛ يتعين أن يدرس هذا الظرف أو لا هل هو شخصي أم موضوعي؟ فإذا تبين أنه موضوعي فإن العقوبة تكون مماثلة بالنسبة لكل منهما شرط أن يكون الشريك على علم بهذا الظرف.

    و حيث أن الفرق بين الظرف الشخصي و الظرف الموضوعي هو أن الأول يشكل صفة  أو حالة تتعلق بصاحبها وحده لا دخل للطرف الآخر فيها، أما الظرف الموضوعي فهو لصيــق بالجريمة ذاتها.

    و حيث أن ظرفي سبق الإصرار و الترصد شخصيان يخصان الفاعل الأصلي وحده فإن معاقبة  الشريك بهما يشكل خطأ في تطبيق القانون ينجر عنه النقض(17).

      هذا مجل التفصيل الموجز حول القواعد العامة للاشتراك؛ كون المستفيد من الغش ليس سوى تطبيق خاص لهذه القواعد، فكيف تطور هذا النظام عبر مختلف الحقب الزمنية؟

     هذا ما سنحاول تفصيله في الفصل الموالي آخذين بعين الاعتبار نشأته و تطوره في فرنسا ثم في الجزائر لتوافق التشريعين في هذا المجال.










---------------------------------- 
(17)- قرار المحكمة العليا- الغرفة الجنائية- بتاريخ 29/04/2003-ملف رقم 303401- المجلة القضائية- العدد1-2003- قسم الوثائق 2004- ص 388،387.
الفصــل الأول
تطــور مفهــوم المستفيــد من الغــش

       إن مفهوم المستفيد من الغش عرف نشأته في فرنسـا ثم أخذ به المشرع الجزائري نظرا للاعتبارات التاريخية و عليه سنقسم دراسة هذا الفصل إلى مبحثين، الأول نتكلم فيه عن المستفيد من  الغش في فرنسا، و الثاني عن المستفيد من الغش في الجزائر، كل هذا على ضوء النصوص القانونية  و الآراء الفقهية، و الاجتهادات القضائية.

المبحــث الأول      مفهــوم المستفيــد من الغــش في فرنســا


       إن لمفهوم المستفيد من الغش دلالة تتميز بأصالتها الكبيرة(18)،و التي تجد دلالتها في الفقه و القضاء الفرنسي، و هو من خصوصيات قانون الجمارك(19)، و لتوضيح ذلك كان من الواجب  معرفة كيفية تكون هذا النظام في مطلب أول، ثم تبيان دلالته في مطلب ثاني.

المطلــب الأول:    تكــون نظــام الاستفادة من الغــش

      لكي تستبين معالم نشأة مفهوم المستفيد من الغش، يجب بادئ ذي بدء التعرف على أسباب ظهوره، ثم تطور المراحل التي بلورت هذه الفكرة.

الفــرع الأول:     أسبــاب ظهور نظــام المستفيــد من الغــش

      إن تطبيق القواعد العامة التي تحكم التجريم و العقاب على الجرائم الجمركية التي تتميـز بخصوصيات معقدة و توسع دائرة المساهمين فيها، و المستفيدين منها نظرا لامتدادها في المكان و الزمان و صعوبة تنفيذها إلا بتخطيط محكم؛ فإن تلك القواعد لا تستجيب لكل متطلبات القمع الجمركي، خاصة ضيق الحدود المادية في الاشتراك واتساع رقعة القصد الجنائي بعنصريه الإدراك و الإرادة، هذه الأخيرة التي تضمحل في قانون الجمارك الذي يتميز بالتشدد و الصرامة، فكانت من أهم العوامل المتسببة في ظهور هذا النظام، لهذا نتطرق إليها تباعا.


------------------------------- 
(18)-  بلال مروش- المستفيد من الغش مميزاته و تأثيراته على القمع- مذكرة نهاية التربص- السنة الثالثة-المدرسة الوطنية للإدارة  - فرع إدارة الجمارك- 2002/2003 – ص 4.
(19)- عمرو  شوقي جبارة- محاضرات ألقيت في المدرسة العليا للقضاء- طلبة الدفعة 14- السنة الأولى- 2003/2004.
أولا:  خصوصية الجريمة الجمركية و توسع دائرة المسؤولية

     فالجريمة الجمركية مستمرة في الزمان و ممتدة في المكان، و تتطلب نشاطا جماعيا يوزع أداؤه على العديد من المتدخلين في إطار مخطط الغش يـصعب الوصول إليهم و معاقبتهم بتطبيق القواعد العامة للاشتراك ؛ خاصة و أن الجريمة الجمركية 
هي جريمة لياقات بيضاء مرتكبوها ذووا مستويات فكرية و قانونية ؛ تـسمح لهم بالبحث عن الثغرات القانونية و تطوير الجريمة بشكل لا تحتويه القـواعد العامة حيث أن المستفيدين من الغش يسألون بالتضامن مما يوسع مجـال المتابعة و يعطي إمكانيـة أفضل لتحصيل الحقوق و الرسوم الجمركية(20).

ثانيــا:   ضيق الركن المادي في القواعد العامة للاشتراك

     حدد القانون الأعمـال التي تدخل في تكوين الركن المادي للاشتراك، و حصـرها في الأعمال السابقـة أو المعاصرة أي التحضيرية أو المنفذة كما سبق تبيانه في الفصل التمهيدي، و هذه الحدود يحترمها القضاة و بالتالي تخرج عن هذا النطاق الأعمال اللاحقة على تمام الجريمة أي من دائرة القواعد العامة للاشتراك و كذلك ضرورة إتيان نشاط إيجابي و مجرد الامتناع يتعارض مع مختلف مظاهر الركن المادي كما حددها القانون.

     فهذه الحدود التي تضبطها القواعد العامة للاشتراك بالرغـم من أنها  لا تمنع من تسليط العقاب على بعض المساهمين في الغش الجمركي باعتبارهم شركاء فيـه، إلا أنها لا تسمح في كثير من الحالات من توقيع العقاب على المستفيدين الحقيقيين من هذا الغش، مما يجعلها قاصرة و لا تستجيب بكفاية لمتطلبات القمع الجمركي(21).

      فـقد كان القضاء في خلال القرن19 م يميز بين الشريك و المستفيد من الغش، على أساس أن الاستفادة من الغش تتميز بكونها مـساهمة مالية أ معنوية و مـن المستحيل أن تكون مساهمة مادية في الغش؛ و التي كانت تتابع على أسـاس الاشتراك(22) ، لكـن مع مرور الوقت و باعتبار الجريمة الجمركية مستمرة تغير موقف القضاء ليقر بإمكانية الاستفادة من الغش الناتجة عن مساهمة مادية في مخطط الغش، ليصبح مفهوم المـستفيد من الغش موازيا للشريك في روحه و يخالفه في خصائصه(23).


------------------------------- 
 (20)-  يوسف ابرادشة-نظرية الاستفادة من الغش-مذكرة السنة الرابعة- إدارة الجمارك- المدرسة الوطنية للإدارة-2001 ص 12.
(21)- CL.J.BERR et H.TREMEAU.OP.CIT.2ème éd N 670 P396. 
J.F.DURAND.pénal annexe art 110.
                    - نقلا عن عبد المجيد زعلاني- خصوصية قانون العقوبات الجمركي- أطروحة دكتوراه- جامعة الحقوق بن عكنون- 1998- ص 75.
(22)-  بلال مروش- المرجع السابق- ص5.
(23)- أي أن المساهمة المادية في الاستفادة من الغش تتسع لتشمل الأعمال اللاحقة.

ثالثــا:  اتساع الركن المعنوي في القواعد العامة للاشتراك

       يشترط لقيام الاشتراك طبقا للقواعد العامة كما رأينا وجوب توافر القصد لدى الشريك أما في مجال الاستفادة من
 الغش(24)؛ فتسودها قاعدة استبعاد حسن نية المتهم إلا ما أستثني بنـص خاص   كما سنرى لاحقا.

     فتتجاوز بذلك الاستفادة من الغش شرط الطبيعة العمدية لرابطة المساهمة المنصوص عليها في القواعد العامة للاشتراك، تحقيقا لـفكرة سائدة  في القانون الجمركي مؤداها رغبة المشرع في تفادي فتح النقاش حول هذه النقطة أي القصد ، أمام القضاء الجزائي لإمكانية نطق القضاء ببراءة مجرمين خطيرين لعدم ثبوت سوء نيتهم؛ في حين هم الأدمغة المفكرة في عملية الغش و يستفيدون منها دون أن يظهروا كشركاء فيها.

    و كذلك يترتب على فتح النقاش حول القصد في الميدان الجمركي إدخال نوع من التنـاقض في بنية القانون الجمركي الذي يقوم على أحد المبادئ الأساسية المتمثلة في استبعاد حسن نية المتهم(25)

الفــرع الثــاني     تـطور نـظرية المـستفيد من الغــش


        إن المفهوم الحديث للـمستفيد من الغش لم يتبلور إلا بعد مرحلة ساد فيها الغموض و التوسع سواء على المستوى التشريعي أو القضائي(26) و هذا بدءا بـصدور الأمر الإمبراطوري بتاريخ 18 أكتوبر 1810، ثم التعديلات التي أدخلت
على قانون الجـمارك الفرنسي لسنة 1934 بتأثير مواقف القضاء و كذلك إصلاحات 1948 و 1958.

    و في هذا الصـدد و من أجل الوصول إلى المفهوم الحديث للمستفيد من الغش، لابد من معرفة المرحلة التي شملها توسع المفهوم و غموضه في نطاق التشريع (أولا) ثم في نطاق القضاء (ثانيا).


------------------------------------------------------------------------------، 
 (24)- عبد المجيد زعلاني- المرجع أعلاه- ص75-112.
(25)- غير أن المشرع الفرنسي أدخل إصلاحات على قانون الجمارك، لاسيما المادة 369 منه المقابلة للمادة 282 ق ج الجزائـري و التي تمت على مرحلتين، تم تعديل نص المادة 369-2 في المرحلة الأولى بموجب القانون رقم 77-1453 المؤرخ في 29-12-1977 بالتنصيص على عدم جواز تبرئة المخالف تأسيسا على نيته، و لم يلبث المشرع الفرنسي أن أعاد النظر في المادة المذكورة فخطا خطوة جريئة في سبيل إرساء دعائم دولة القانون و إحلال العدل بالرجوع على قواعد القانون العام، حيث ألغى المادة 369-2 المذكـورة في المـرحلة الثانية بمـوجب القـانون رقم 87-502 المؤرخ في 08-07-1987 و بذلك لم يعد ممنوعا على القاضي التصريح ببراءة المخالفين لغياب النية أو القصد، الأمر الذي صارت معه الجرائم الجمركية في كل صورها جرائم عمدية مثلها مثل جرائم القانون العام يلزم لقيامها توافر الركن المعنوي.
- أنظر في هذا الصدد – احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 22.
(26)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 76-77.
أولا:  ظهور النظرية و غموضها في التشريع الفرنسي

     لم تكن تترتب على مسؤولية المستفيدين من الغش سوى جزاءات ذات طابع مالي، أما العقاب فيسلط بالدرجة الأولى على منفذي الغش و هذا قبل ظهور فكرة الاستفادة من الغش(27).
     و يتضح من المـرسوم الإمبراطوري أعلاه الذي أنشأ مجالس قـضائية تابعة للجمارك و أسند لها  اختصاص النظر في جنايات التـهريب مع حمل السلاح، و الذي أملته على نابليون موجبات الحصار القـاري، و الـذي أفشلته إلى حد كبير مقاولات التهريب التي لم تنجح في هذه الفترة بالارتكاز على العنف؛ و إنما باللجوء إلى تنظـيم محكم يستند على شـبكة من الجواسيس و المساعدين في إخفاء بضائع الغش، و لذلك فقد استوجبت محاربة هذه المقاولات البحث عـن رؤوسـها القائمة في الخفاء بالتخطيط و التمويل و إعطاء الأوامر، و لهذا الغرض بالذات جاء النص الإمبراطوري(28).
        و قـد شملت أحكام هذا النص إلى جانب المستفيدين من الغش؛ العديد ممن يمكن أن تكون لهم عـلاقة به كرؤساء العصابات و السائقين و المشرفين على اجتماعات المهربين و المقاولين و المؤمنين و شركائهم، و فضلا عن ذلك فإن القانون لم يميز بين المستفيدين من الغش عمن ذكروا إلى جانبهم من رؤساء مشاريع التهريب و المؤمنين و غيرهم، و لم يورد بشأنهم أي تعريف خاص بهم و لعل ذلك يرجع إلى أن الاستفادة من الغش تشكل مفهوما متطورا بالنسبة للوقت الذي عـرفت ظهورها فيه(29).
     جاء قانون 28 أفريل 1816 الذي خول وكلاء الملك سلطات خاصة لغرض القيام بإجراء المتابعات ضد المساهمين في ارتكاب الغش ، حيث جاء في المادة 53 منه أن من بين الأشخاص الذين يمكن أن تشملهم أحكامه؛ و الـذين يتحملون بالتضامن الغرامة المحكوم بها مع غيرهم مـن المساهمين في الغش المستفيدين بكيفية ما من فعل التهريب، و غموض هذه العبارة التي كانت وقت ظهورها في حاجة ماسة إلى التوضيح فتح المجال أمام الاجتهاد القضائي.

ثــانيا:  غــموض النظرية في الــقضاء الفرنسي

      من النتائج المترتبة على غموض التشريع فيما يخص مفهوم المستفيد من الغش هو فتح الباب أمام الاجتهاد القضائي و الذي ما فتئ يحترم القواعد العامة و الحدود المرسومة فيها، و بالتالي التحفظ في تفسيره النصوص المتضمنة فكرة الاستفادة من الغش و التي ينظر إلـيها من زاوية المصلحة المالية أو المعنوية، أما المساهمة المادية فكانت تخضع لقواعد الاشتراك و هذا طيلة القرن التاسع عشر .
--------------------------- --------------------------------
- B.NEEL. l’intérèt . J.C.P. 199.I.doct 2448.(27)  
                                                                                                                - نقلا عن عبد المجيد زعلاني- المرجع اعلاه- ص 77.   
(28)- M. PNAZARIO et M. HOGUET. OP.CIT.N 196 p113
                                                                                                                              -  نقلا عن نفس المرجع أعلاه- ص 78.   
                                                                                                         (29)- B.NEEL.art.n3
                                                                                                                                        -  نقلا عن نفس المرجع أعلاه.

     و مع حلول القرن الحالي خرج القضاء عن تحفظه و أخذ بمفهوم مـوسع للاستفادة من الـغش  و كان هذا الانقلاب إثر جدل كبير ثار بصدد محاكمة شهيرة في قضية تهريب البضائع بين فرنـسا و سويسرا و يـعتبر هذا الاجتهاد القضائي حاسما في تحديد مفهوم الاستفادة من الغش، و لأهميته وجب التذكير بوقائعها و الخلاصة الصادرة بشأنها(30).

قرار مبدئي صادر في 22 نوفمبر 1900 – قضية روكبان-

      في سـنة 1898 سلم مـقاول تهريب سويسري للسيد روكبان و هو ميكانيكي يعمل في السكك الحديدية، عدة مـرات دلاء مملوءة بعلب السجائر بغرض إدخالها على الـتراب الفرنسي، و قد كان يخفي تلك الدلاء في خزانات المياه لقاطرته لسترها عن أعين الرقابة الجمركية و يودعها بعد ذلك عند عائلة تروفي، و لم تتمكن مصالح الجمارك من اكتشاف الغش بل أكتشفه عرضا مراقبوا الضرائب غير المباشرة بمناسبة تفتيش هذه العائلة.
    و من خلال التـحقيق القضائي اكتشف أن السيد روكبان قد حصل على مبلغ 400 فرنك فرنسي قدم له من مقاول التهريب مقابل مساهمته في المشروع، مما أدى إلى متابعته المزدوجة كمستفيد من الغش بناء على المـصلحة المالية المتمثلة في المبلغ المالي، و كفاعل لتنفيذه الأعمال المادية المؤدية إلى إدخال البضائع عبر الحدود.
     أما الـحل النهائي الذي توصلت إليه محكمة النقض و الذي أخذ بعين الاعتبار في تعديل قانون الجمارك سنة 1934 و الفقرة الخاصة بمفهوم الاستفادة من الغش كانت كالآتي:
      " وقائع التهريب المنسوبة إلى المتهم ليست أعمالا فردية صرفة ؛ فهي ترتبط بمجموعة أعمال قام بها عدد من الأفراد يعملون بتنـسيق معه وفقا لمخطط تهريب أعد مسبقا ، و قد دبر كل شئ من أجل ضمان النتيجة المراد تحقيقها من طرف الجميع و يستخلص من كل هذا أن المتهم كانت له مصلحة في مـشروع التهريب الذي ساهم فيه، و يـجب بالتالي أن تطبق عليه أحـكام المادتين 52-53 من قانون 28 أفريل1816."
      فأصبح بالتالي المفهوم الموسع للاستفادة من الغش هو المعمول به أمام القضاء بوجه عام و على كـل المستويات(31)، و لم يتـغير الاتجاه بعد تعديل قانون الجمـارك سنة 1934 بل تأكد تطبيقا لنصوصه إذ أصبح القـضاء يعتبر استفادة من الغش؛ كل مساهمة أيا كانت و مـهما يكن شكلها في أعمال مرتكبي الجرائم الجمركية، منذ إعداد مخطط الغش إلى غاية إتمامه و كل فعل له صلة بالغش يتابع من صدر منه كمستفيد. 


-------------------------------------------------------------------------------- 
- crim 27 janv 1905. B.C.n 40(30)
                                                                                   - نقلا عن عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 80
(31)- حكم بتاريخ 01/02/1927 لمحكمة إبتدائية جاء فيه ان التكييف الجنائي للمستفيد من الغش يشمل بغض النظر عن كل علم بالجريمة و كل استفادة شخصية محتملة، كل تدخل يأخذ شكل مساعدة مادية في الغش و أيضا كل مساهمة احتياطية في الأعمال السابقة او المعاصرة لتمام الجريمة لان الأمر يتعلق هنا بكيفية خاصة من الاشتراك خارجة عن القواعد العامة و خاضعة بوجه خاص كأغلب الجنح الجمركية للقاعدة الأساسية التي تمنع القاضي من مسامحة المخالف بناء على نيته.
- أنظر عبد المجيد زعلاني- نفس المرجع أعلاه.

      و في هذا الصدد قضي في فرنسا أن المحرض على التهريب بغرض ضمان التموين من بضاعة نادرة يصعب الحصول عليها، يعد مستفيدا من الغش(32).
     إن هذا التميز الصارم أدى إلى ردود فعل في الفقه و القضاء الذي يميل إلى التخفيف من حدة المفهوم بل تحديثه طبقا للتغيرات و هذا ما سنراه في المطلب الموالي.

المــطلب الثــاني     الــدلالة الحـديثة لـمؤسسة الـمستفيد من الــغش


         إن الغـموض الذي ساد هذه الفكرة في نهاية القرن 19 م و بداية القرن20 و كذلك تضارب الآراء و اختلاف التفسير و التطبيق، أدى بالمـشرع الفرنسي إلى التدخل بمقتضى إصلاح قانون الجمارك سنة 1948 و الذي تمم بإصلاح سنة 1958 (33).

إصلاح سنة 1948:

        اتجه التشريع الجديد نحو الحد من تضخم هذه النظرية؛ بوضع حدود واضحة محاولا التفرقة بين الحـالة التي يتم فيها حيازة و شراء بضائع محل غش بسوء نية؛ و التي تطبق فيها القواعد العامة للاستفادة من الغش، و الحالة التي يتم فيها ذلك بحسن نية فلا يطبق إلا نظام عقابي مخفف.
     هذا التحديد القائم على أساس نية المتدخل في المرحلة اللاحقة على ارتكاب الغش، تم كذلك تحديد أحد أهم الجوانب في هذه النظرية و الذي يعتبر أكثر توسعا و هو مخطط الغش الذي عرف بدوره نوعا من التضييق فيما يعتبر مـساهمة فيه.

إصلاح سنة 1958: 

      بمقتضى الأمر 58/1238 بتاريخ 17/12/1958 ، و الذي أتى بمكنة قانونية لإعفاء المستفيد من الغش من المسؤولية حالة ثبوتها إذا قام بالفعل و هو في حالة الضـرورة(34)  ، أو كان فعله ناتجـا عن غلط قاهر؛ والذي عرفته محكمة النقض الفرنسية بأنه ذلك الغلط الذي لا يمكن تجنبه بقدر من الفحص و الحذر(35).
----------------------------------------------------------- 
(32)- crim 22 nov 1918. D.1979.200
                                                                                       - نقلا عن احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 407.
(33)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 81-82.
(34)- و هي تلك الحالة التي يكون فيها الشخص مضطرا لارتكاب الجريمة و ذلك بدافع سلامة نفسه أو غيره أو للحفاظ على ملك أساسي.
- احسن بوسقيعة- المرجع أعلاه- ص410.
(35)- crim 24 nov 1980. bull . crim . n 313.
                                                                                                                      - نقلا عن احسن بوسقيعة- نفس المرجع أعلاه.

         غير أن الصياغة المعتمدة في المادة 399 ق ج ف(36)، بخصوص الاستفادة من الغش و التي تحمل قراءة مزدوجة، أي استفادة مباشرة و غير مباشرة و هذا ما سنعرض له بشئ من التفصيل.

الــفرع الأول-  الاستفادة الــمباشرة من الــغش

       و في هذا الصدد نميز بين الاستفادة المباشرة من الغش بوجه عام ، و استفادة مباشرة مفترضة اعتبارا لصفات معينة أو لنشاط ممارس.

أولا :  الاستفادة المباشرة الأصلية

    و تعتبر هـذه الاستفادة الصورة المثلى للمستفيد من الغش(37)، و يدخل في هذا الإطار كل من يستفيد بكيفية مباشرة من الغش دون أن يقع تحت حكم القرائن المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 399 ق ج ف.

      و هذه الاستفادة قد تتحقق بشكل واسع كقبض عائدات بيع بضائع الغش ، كذلك تـزويد مرتكبي الغش بمعلومات تسهل عملية التهريب و الإفلات من رقابة الجمارك، أو من خلال حـراسة الطرق و المسالك التي تـسلكها وسائل النقل التي تـخفي البضائع محل الغش، أو بتضليل الفرق العاملة في مختلف النقاط.

     و المهم هو أن المستفيد من الغش في صورته المثالية ألا يدخل في حكم الفقرة الثانية من المادة 399 ق ج ف، كما سنراه ثانيا.



----------------------------------------------------------- 
(36)-ARTCLE  399 ordonnance n 58-1238 du 17 décembre 1958 art. 13 journal officiel du 18 décembre 1958.
1-ceux qui ont participé comme intéressés d’une manière quelconque à un délit de contrebande ou un délit d’importation ou d’exportation sans déclaration sont passibles des mêmes peines que les auteurs  ،de l’infraction et, en outre, des peines privatives de droit édictées par l’article 432 ci après
2- sont réputés intéressés :
a)- les entrepreneurs , membres d’entreprise, assureurs, assures, bailleurs de fonds, propriétaires de marchandises, et, en général, ceux qui ont un intérêt direct à la fraude.
 b)- ceux qui ont coopéré d’une manière quelconque à un ensemble d’actes accomplis par un certain nombre d’individus agissant de concert,d’après  un plan de fraude arrêté  pour assurer le résultat poursuivi en commun ;
c)- ceux qui ont,sciemment , soit couvert les agissements des fraudeurs ou tenté de leur procurer 
 l’impunité soit acheté ou détenu même en dehors du rayon des marchandises provenant d’un délit de contrebande ou d’importation sans déclaration.
3- l’intérêt à la fraude ne peut être imputé à celui qui a agi en état de nécessité ou par suite d’erreur invincible. 
 (37)- بلال مروش- المرجع السابق- ص 12.
ثــانيا:  الاستفادة من الغش اعتبارا لصفات أو وظائف معينة

    إذ يعد مستفيدا من الغش حسب المادة 399/2 أ الأشخاص الآتي بيانهم :

- مسير مقاولة الغش:  فكـرة مقاولة الغش تدل عموما على شكل عال من التنظيم تخضع العلاقات بين أعضائه لنوع من السلطة السلمية، و يستخلص القضاء وجودها خاصة من تكرار سلسلة الأفعال التي يقوم بها أفراد وفقا لخطة منظمة و تحت إشراف إدارة موحدة و يخرج عن تكييف المستفيد من الغش كعضو في مقاولة من يقوم بفعل معزول(38).
- أعـضاء مقاولة الغش: يعتبر أي عضو في مقاولة الغش مستفيدا من الغش الذي ترتكبه المقاولة دون أن تـكون إدارة الـجمارك بـحاجة إلى إثبات مشاركته الشخصية، غير أنه قضت محكمة النقض الـفرنسية بتاريخ 08 أكتوبر 1958، بـأنهم لا يعدون مستفيدين من الـغش الأشخاص اللذين ضبطوا داخل سيارة تحمل بضائع محل غش، إذا ثبت أنهم ركبوا فيها بصفتهم مستأجرين ليس إلا، و أنهم يجهلون إن كانت تحمل بضائع محل غش كما و اعترف السائق بأنه الـمسؤول الوحيد عن الغش(39).
- الممول: و في هذا الصدد قضي بأن مجرد دفع مبلغ من المال لتيسير ارتكاب جريمة جمركية من طـرف الغير، يشكل استفادة من الغش دون أن تكون الإدارة بحاجة إلى إثبات المشاركة الشخصية للمتهم في ارتكاب هذه الجريمة إذ يكفي لها أن تبين مصلحته المباشرة و الشخصية في ارتكابها(40).
- مالك البضائع محل الغش: و يعد مستفيدا من الغش بصفته هذه من غير حاجة إلى إثبات مشاركته في الـغش، و يجب إثبات صفة المالك عند بدء عملية الغش فلا تقوم هذه القرينة لمن حول قبل ذلك الملكية للغير، و لا لمن تلقاها بعد ارتكاب الجريمة الرئيسية غير أن هذا الأخـير يمكن أن يتهم كمشتر.
- المؤمنون و المؤمن لهم :  لقد اعتبرت محكمة النقض بتاريخ 28 ماي 1928 هذه العقود مشروعة رغم مخالفتها للنظام العام حينما يكون محلها ضمان عمليات غـش ترتكب في الخارج، ويقصد بهذه الحالة ؛ وجود عقد تأمين يضمن بمقتضاه المؤمن دفع تعويض في حالة إخفاق عملية الغش و هي لا تخرج عن عقود التأمين البحري التي تضمن مقابل مبالغ مرتفعة أخطارا خاصة(41).

-------------------------------------- ----------------------------
(38)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 84.
(39)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 409.
40)- crim 09 nov 1944 . doc. Cont N 736.)
                                                                                         - نقلا عن احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 409.
- كما يكيف استفادة مباشرة من الغش تقديم الوسائل المادية لمرتكبيه لأنه يحقق فعالية أكثر في العقاب باعتبار أن هذا التكييف يصح و لو تعلق الأمر بتدخل لاحق للممول الذي يعاقب في هذه الحالة على كل عمليات الغش بما فيها العمليات التي تمت قبل ذلك و حتى إذا لم يتم أي فعل غش بعد تحقق عملية التمويل و هذا ما لا يسمح به اشتراك القواعد العامة .
- crim 27 juillet 1944 . doc . cont N 732 .(41)
                                                                                                                نقلا عن عبد المجيد زعلاني – المرجع السابق – ص 87 .
الــفرع الثــاني:  الاستفادة غير المـباشرة مـن الـغش

    و تتمثل هده الصورة أساسا في التعاون في تنفيذ مخطط الغش، و كذلك في الأعمال اللاحقة لتنفيذ الغش.

أولا: التعاون في تنفيذ مخطط الغش

   إذ يعتبر في مفهوم المادة 399 ق ج ف مستفيدين من الغش الأشخاص الذين يتعاونون في أعمال تـقوم بها مجموعة من الأفراد، يعملون بتدبير حسب مخطط مضبوط لضمان الوصول إلى النتيجة التي يسعى إليها الجميع(42)، و من شروط قيام التعاون:
- أن يكون هذا العمل قد تم بين البدء في التنفيذ و إنجاز مخطط الغش.
- أن يكون مرتبطا بمخطط الغش و من أجل ضمان نجاح المخطط ، سواء بصورة مـباشرة أو غير مباشرة و لا يهم أن يكون المستفيد من الغش على علم بالمخطط أو أن يكون هذا المخطط قد تم إنجازه، و هذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في 26 فيفري1963.
- أن يشكل تعاونا في أعمال مقاولة الغش أو مجموعة أشخاص يمتهنون الغش.
     و المقصود بمخطط الغش حسب كلود بار أن بدايته تتوافق مع بدء الأعمال التنفيذية التي ترمي مباشرة إلى الحصول على النتيجة المبتغاة من قبل منفذي الغش و يمكن اعتباره بمثابة الشروع في التـهريب ، أما عن نهاية المخطط و التي يفترض أن تنتهي بتحقق النتيجة الإجرامية و هي وصول السلع إلى وجهتها الأخيرة.
   و في ظل هذا الاتجاه التقليدي يمكن للإدارة فقط أن تثبت أن المعني ينتمي إلى مقاولة الغش حتى تثبت في جانبه مساهمته في الجريمة الجمركية.
   غير أن القضاء حديثا تخلى عن هذا الموقف ليتبنى قاعدة مفادها ضرورة إثبات عمل مساهمة مادي صادر عن المتهم بجنحة الاستفادة من الغش(43)،  هذا ما قضت به محكمة النقض الفـرنسية بتاريخ 18 مارس 1985 في قضية تصدير غير قانوني لموارد إستراتيجية، قضت بأن العمل المادي المتهم به الشخص المتابع كمستفيد من غش ارتكبه الغير يثبت بإظهار تعاون ما من طـرف هذا الشخص في أعمال الغش التي قام بها هذا الأخير، و ليس بمجرد مـساهمة المعني في مرحلة سابقة للعمل المجرم هي في ذاتها قـانونية و قابلة للفصل عن المرحلة النهائية المعلنة غير شرعية.
    و لقد اعتبر القضاء أعمالا مساعدة ؛ وضـع منزل تحت تصرف المهربين، استكشاف الطريق التدليل عن الطريق، قيادة سيارة المهربين.
      لـكن الاستفادة غير المـباشرة تتعدى هذه المحطة ، لتـشمل المستقبل النهائي للبضائع و هو الحائز أو المشتري كما سنرى لاحقا.

 ------------------------------                                                    
(42)- احسن بوسقيعة- المرجع أعلاه- ص 410.
(43)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 92.
ثــانيا:  الأعمال اللاحــقة عـن الــغش

    و تنقسم بدورها إلى أعمال المساعدة اللاحقة و اقتناء بضائع الغش.

1- المساعدة اللاحــقة:

     و في هذه الحالة يشترط سوء النية ليكيف فاعلها على أساس أنه مستفيد من الغش، و هذا طبقا للتعديـلات الجديدة لقانون الجمارك الفرنسي، أي يجب تـوافر القصد و هو الإرادة و العلم، و هذا يعتبر استثناء من القواعد العامة التي تعتد بالقصد فقط في الأعمال السابـقة أو المعاصرة لارتكاب الجريمة.
   و على هذا الأساس قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 16 فيفري 1950 باعتبارها استفادة من الغش؛ تغطية وكيل معتمد لدى الجمارك لتصريح كاذب خلال عمليات التحقيق الجمركية كذلك قبول عون جمركي لبيانات كاذبة مع علمه بذلك دون أن يضبط المخالفين.
     و بصفة عامة يعتبر مستفيدا من الـغش و يعاقب على هذا الأساس؛ كـل من قدم عن دراية لمرتكبي الجنح الجمركية مساعدة قصد ضمان عدم عقابهم ؛ خاصة بتسهيل تهربهم من عمليات الـبحث و التحري التي تقوم بها إدارة الـجمارك و ذلك بإخفاء أدلة إثبات الجنح أو بتعطيل عمل العدالة؛ بتقديم معلومات أو وثائق أو شهادات خاطئة(44).

2- اقـتناء بــضائع الـغش:

        يـعتبر قانون الجمارك كمستفيد؛ كل مـن يشتري أو يحوز بضائع الغش مع علمه بمصدرها و هذا بغرض حصار مخططات الغش بردع المشترين المحتملين لبضائع الغش و منع المهربين من تسريب بضائعهم(45)، و هذا الحكم يطبق فقط إذا تعلق الأمر ببضائع مهربة و يكون الشراء عن دراية.
       فقد قضي في فرنسا بأن شراء بضائع من الخارج مصدرة عن طريق التهريب يعد فعلا مكونا للاستفادة من الغش متى ثبت أن الشراء تم عن دراية ، و أن يكون للشاري سبق المعرفة بالمصدر غير الشرعي للبضائع، و قضي كذلك أنه لا يكفي أن تكون البـضائع محل الإخفاء ناتجة عن جنحـة من القانون العام بل يجب أن يكون مـصدرها تهريبا أو استيراد بدون تصريح(46).


-----------------------------------------------------------------------------  
F.DURAND.j.cl. pénal annex N 195   (44)-                                                                     
   - نقلا عن عبد المجيد زعلاني- المرجع أعلاه- ص 95.
(45)-  يوسف ابرادشة- المرجع السابق- ص 19.
crim 30 oct 1965.doc.cont N 1477 (46)   
                                                                                          -نقلا عن احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص408

المبحــث الثــاني       المــستفيد من الغــش في الجــزائر


          صدر أول قانون للجمارك بتاريخ 21 جويلية 1979 بمقتضى القانون رقم 79/07 الذي عدل و تمم بموجب القانون رقم 98/10 المؤرخ في 22 أوت 1998 و على هذا الأساس ستكون دراستنا لنظرية المستفيد من الغش عبر مراحل مختلفة في الزمن أخذا بتاريخ صدور قانون 1998 كمعيار للتقسيم.

المـطلب الأول      الـمستفيد من الغـش قـبل سـنة 1998

    و نقسمها إلى المستفيد من الغش قبل صدور قانون 79/10 في فرع أول ثم بعد صدوره في فرع ثان.

الفـرع الأول   المستفيد من الغش قبل قانون 1979

           بقيت النصوص الفرنسية سارية المفعول بموجب القانون رقم 62/157 المؤرخ في 31 ديسمبر 1962 المتضمن تمـديد العمل بالنصوص المعمول بها إلى غاية صدور قوانين جـزائرية ، هذا القانون الملغى بالأمر رقم 73/29 المؤرخ في 05 جويلية 1973 و يسري هذا الإلغاء بداية من تاريخ 05 جويلية 1975 بصدور قوانين جزائرية أي بعد سنتين و هذا ما كان فعلا.
        غير أن قانون الجمارك لم يصدر إلا بتاريخ 21 جويلية 1979 بمعنى أنه ساد فراغ تشريعي طيلة مدة تقارب الأربع سنوات ، و التي طرحت إشكالات في القانون الـواجب التـطبيق.
       و في هذا المضمار صدر قرار عن المجلس الأعلى- المحكمة العليا حاليا- الغرفة الجنائية الثانية القسم الثاني بتاريخ 30 أفريل 1981 ملف رقم 24730 في طعن قدمته إدارة الجمارك في قضية (جمارك ورقلة) ضد (ت ص)  عن الوجه الوحيد المأخوذ من خـرق الأمر رقم 73/29 الصادر بتاريخ 05 جويلية 1973 لكونه يتضمن تحفظا بشأن تطبيقه  –  المادة 03 من الأمر - و بانعدام صدور هذه التعليمات يـظل قانون الجمارك  القديم ساري المفعول، حين ارتكاب المخالفة الجمركية المعاقب عليها و بالفعل لا يزال هذا القانون مطبقا لعدم صدور التعليمة الرئاسية الوارد ذكرها في المادة 03 من الأمر ؛ إذ أن نشر قانون الجمارك الجديد بالجريدة الرسمية  كان بتاريخ 21/07/1979.
       مما يستتبع أن تصريح مجلس قضاء ورقلة بأن قانون الجمارك القديم كان ملغى حين ارتكاب الوقائع المؤاخذ عليها في 19/04/1979 و كان بذلك خارقا للقانون(47). 
         و عليه فإن أحكام القانون الفرنسي ظلت مطبقة إلى غاية صدور قانون الجمارك بتاريخ 21/07/1979 و بالتالي يصلح على هذه الفترة الزمنية كل ما قيل في المبحث السابق، و عليه ستقتصر دراستنا على الفترة الممتدة من هذا التاريخ إلى غاية تعديله سنة 1998 في الفرع الثاني كالآتي:
-------------------------------------- 
(47)- عمرو شوقي جبارة-  A PROPS DU VIDE JURIDIQUE -  المدرسة العليا للقضاء- المرجع السابق.
 الفــرع الثاني:  الاستفادة من الغش في ظل قانون 79/07
                                                     المــؤرخ في 21 جويــلية 1979

         لقد ورد مفهوم المستفيد من الغش تحت عنوان الشركاء في الغش و المستفيدون منه، فبالنسبة للشريك فبمقتضى المادة 309 ق ج قبل إلغائها التي تنص على أنه تطبق أحكام المادتين 42 و 43 من قانون العقوبات على الشركاء في ارتكاب أي مخالفة جمركية، و في هذا الإطار يصلح كل ما قيل في الفصل التمهيدي عند التكلم عن الاشتراك.

      لكن يثور التساؤل حول صياغة المادة بهذه الكيفية " على الشركاء في ارتكاب أي مخالفة جمركية " لأن في القواعد العامة لا اشتراك في المخالفة، و هذا ما يجعل النص متناقض في روحه.

     أم أن قصد المشرع بالمخالفة يعني به الجريمة الجمركية على إطلاقها؛ الجنح و المخالفات، أم أنه أفرد المخالفة الجمركية بالطابع المـميز لقانون الجمارك فيطبق عليها أحكام الاشتراك، أما الجنح فيطبق عليها أحكام المستفيد من الغش و المتميز بعموميته ؟.

  و ربما هذا ما أدى بالمشرع إلى إلغاء هذه المادة بموجب القانون 98/10 المؤرخ في 22/08/1998 لتفادي فتح النقاش في هذه المسألة، لأن القضاء الفرنسي قضى باستبعاد معاقبة الشريك عندما تكتسي الجريمة الجمركية طابع المخالفة(48).
   غير أن ما ذهبت إليه محكمة النقض منتقد لسببين(49) :

      من باب القانون تختلف المخالفة الجمركية عن المخالفة في قانون العقوبات من حيث الطبيعة؛ إذ تكتسي المخالفة في قانون الجمارك طابعا جبائيا يختلط فيه الجزاء بالتعويض؛ و تشمل الغرامة أو المصادرة أو  قيمة الحقوق  و الرسوم مضاعفة أو بالغرامة و المصادرة معا حسب المواد من 319 إلى 323، و من ثمة يصعب تسويتها بالمـخالفة في قانون العقوبات التي تكتسي طابعا جبائيا محضا ، و تكون العقوبة فيها إما الغرامة أو الحبس أو كليهما.

     و من باب الملائمة فإن التكييف السائد للجرائم الجمركية يشمل المخالفات، و بتطبيق القواعد العامة للاشتراك في المخالفة يؤدي حتما إلى إفلات نسبة معتبرة من المجرمين من الجزاء الجمركي مما يؤثر سلبا على الخزينة العامة.

     أما بخصوص المستفيد من الغش فنقسم دراسته بالتطرق إلى الاستفادة المباشرة ثم إلى الأعمال اللاحقة على الغش في النقطتين التاليتين بشئ من التفصيل.
------------------------------------------------------------------ 
(48)- crim 14 avril 1982 bull. crim, N 87
                                                                                        -  نقلا عن احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 405.
    (49)- احسن بوسقيعة- نفس المصدر أعلاه.
أولا:   الإستــفادة  المـباشرة من الغـش في قانون 1979

     تنص المادة 310/1 ق ج 79/07 على أنه يعتبر في مفهوم هذا القانون مستفيدين من الغش الذين شاركوا بصفة ما في جنحة  أو جنحة إستيراد أو تصدير بدون تصريح و الذين يستفيدون مباشرة من هذا الغش.

 أ-   فيما يخص أعمال التهريب فسيأتي عنها تفصيل موجز لاحقا نظرا للتعديلات التي طرأت عليها بموجب قانون سنة 1998 و كذلك الأمر رقم 05/06 المؤرخ في 23 أوت 2005 المتعلق بمكافحة التهريب ، و عليه سنـقتصر بإيجاز على أعمال الإستيراد أو التصدير بدون تصريح في ظل القانونين 79/07 و 98/10 (50) ،كونها ملغاة من أحكام المادة 310 المتعلقة بالإستفادة من الغش الفعلية أو المباشرة بموجب قانون الجمارك لسنة 1998 كما تخلى عن هذا المصطلح و استبدل بالمخافات التي تضبط في المكاتب كما يلي: 
        و هو ذلك الإستيراد أو التـصدير الذي يتم عن طريق مكاتب جمركية بدون تصريح مفصل و هـذا التعريف يبقى صالحا في ظل القانون الجديد مع إضافة المراكز للمكاتب؛ إذ يقع على عاتق كـل مستورد أو مصدر أن يمر بمكتب جمركي و أن يصرح بالبضاعة، و انعدام التصريح المفصل يعد الصورة المثلى للمخالفات التي تضبط في المكاتب و هذا ما نصت عليه المادة 330 من قانون الجمارك لسنة 1979، و لتحقق هذا الفعل يجب توافر شرطين:
1- المرور ببضاعة على مكاتب جمركية.
     2- عدم التصريح بالبضاعة؛ الذي يأخذ عدة أشكال و هي:
-  التصريح بالنفي
- إخفاء البضائع عن تفتيش أعوان الجمارك و الذي كان يشكل تهريبا في ظل قانون 1979.
- الإنقاص من البضائع الموجودة تحت مراقبة الجمارك م 325/1 من قانون 1998.
- عدم التصريح بالبضائع المحظورة في بيانات الشحن و عدم ذكرها في وثائق النقل، عندما تكتشف هذه البضائع على متن السفن و المركبات الجوية الموجودة في حدود الموانئ و المطارات التجارية م 325/2.
- مخالفة أحكام المادة 21 ق ج؛ فإذا كان الفعل يتعلق ببضاعة محظورة حظرا مطلقا تقوم الجريمة بمجرد استيراد أو تصدير هذه البضاعة  في حين لا تقوم الجريمة عندما يتعلق الأمر ببضاعة محظورة حظرا جزئيا؛ في حالة ما إذا رفعت القيود المضروبة عليها بصفة مشروعـة ، أما إذا كانت البضاعة المحظورة عند الجـمركة فتقوم الجريمة ؛ إذا لم تكن هذه البضاعة مصحوبة  برخصة أو شهادة أو أي سند قانوني أو كان السند المقدم غير قابل للتطبيق أو إذا لم تتم الإجراءات الخاصة بالجمركة بصفة قانونية، كما ويمنع إعارة هذه الرخص أو التنازل عنها و يعد الإستيراد المخالف لهذا المنع؛ بدون تصريح(51).
- شحن أو تفريغ البضائع المصرح بها قانونا بدون ترخيص إدارة الجمارك م 325/7.
------------------------------- 
(50)- لمزيد من التفصيل- أنظر احسن بوسقيعة – المنازعات الجمركية- المرجع السابق- الباب الأول- الفصل الأول- المبحث الثاني و الثالث- ص من93 إلى 121.
(51)- احسن بوسقيعة – المرجع أعلاه- ص 102-103.

- بيع أو شراء وسائل النقل من أصل أجنبي بطريقة غير شرعية و وضع لوحات ترقيم مخالفة للتنظيم. 
تحويل البضائع عن مقصدها الإمتيازي.

       أما الاستيراد أو التصدير بتصريح مزور فيأخذ عدة أشكال كالآتي:

- الحصول على إحدى السندات المنصوص عليها في المادة 21 ق ج أو محاولة الحصول إليها عن طريق التزوير.325/3.
- التصريح المزور قصد التغاضي من تدابير الحظر 325/4.
- التصريح المزور من حيث النوع و القيمة و المنشأ أو من حيث تعيين المرسل إليه الحقيقي.
- التصريح المزور أو المحاولة الرامية إلى استرداد أو إعفاء أو رسم مخفض أو أي امتياز آخر يتعلق بالاستيراد أو التصدير.

      أما عن الأعمال الشبيهة بالإستيراد أو التصدير بدون تصريح فهي:

- عدم تقديم التصريحات و بيانات الحمولة م 319/ب.
- المخالفات المرتكبة بمناسبة نقل البضائع الموضوعة في نظام العبور ؛ كعدم احترام المسالك و الأوقات المحددة أو استبدال البضائع أثناء نقلها، و هذه الأفعال كانت تشكل تهريبا بموجب قانون 1979 في المادة 327-د قبل تعديلها.
- بعض المخالفات المتعلقة ببضائع محظورة عند الجمركة أو خاضعة لرسم مرتفع.

     و هناك أعمال شبيهة بالاستيراد أو التصدير بتصريح مزور في المواد 319 إلى 322 ق 1998 :

- السهو أو عدم الصحة الذي يرد في محتوى التصريحات.
- النقص في التصريحات الموجزة و في بيانات الشحن و كذا الاختلاف في نوعية البضائع المقيدة فيها و النقص غير المبرر في الطرود.
- تقديم عدة رزم أو طرود مغلقة كوحدة في التصريحات الموجزة.
-  التصريحات المزيفة من حيث نوع البضائع أو قيمتها أو منشئها أو من حيث تعيين المرسل إليه الحقيقي.

ب-  فيما يخص مضمون النص ؛  فـقد تميز بالعمومية و يخلـو من التفصيل الذي جاءت به المادة 399 ق ج  ف خاصة              فيما  يتعلق بالاستفادة المفترضة؛ اعتبارا لصفة أو وظيفة بعض الأشخاص .
   غير أن هذه التفصيلات قد تحتويها المادة 310 نظرا لمرونتها ، و بالتالي يفتح المجال أمام إدارة الجمارك لمتابعة أي شخص يحتمل مساهمته في ارتكاب الغش؛ خاصة و أن الصياغة التي جاء بها المشرع  - الذين شاركوا بصفة ما في جنحة أو جنحة إستيراد  أو تصدير بدون تصريح، و الذين يستفيدون مـباشرة من هذا الغش- تفتح المجال أمام التفسيرات المختلفة للقضاء فيما يخص أعمال المساهمة و صفة الأشخاص المستفيدين من الغش .
        أما فعل المـساهمة فيجب أن يكون مثبت و أن يكون فعال في تنفيذ الغش، بغض النظر عن كيفيته؛ سواء بالتدخل المـعنوي كالتحريض(52)، أو التدخل المادي؛ بإتـيان الأفعال المساعدة على إتمام عملية الغش شريطة أن تتحقق استفادة مباشرة جراء هذه المساهمة؛ سواء تجسدت في مصلحة مالية أو معنوية كالمجاملة.

      أما صفة الأشخاص المستفيدين من الغش فتختلف بـاختلاف مركزهم القانوني إزاء الوقائع المساهم فيها؛ كالمسؤولية الشخصية للمصرح عن إرتكاب المخالفة و مسؤولية صاحب البضاعة كمستتفيد من الغش دونما حاجة إلى إثبات مساهمته في ارتكاب الغش لأن هذه مفترضة في حقه لأنه الممول للمشروع و المستفيد منه بالدرجة الأولى، و في هذا الصدد قضت 
المحكمة العليا في قـرار لها بتاريخ 23/06/1995 أنه كان على المجلس القضائي التمسك بمسؤولية القائم بالعبور ؛ المصرح
المسؤول عن المخالفات المعاينة في التصريح طبقا لنص المادة 306 ق ج و بمسؤولية صاحب البضائع بصفته المـستفيد من الغش و ذلك تطبيقا لنص المـادة 310 ق ج، و في نفس السياق في قرار بتاريخ 17/12/1995 أنه كان على المجلس أن ينطق بمسؤولية المصرح لدى الجمارك بصفته مصرحا و كذا صاحب البضاعة بصفته مستفيدا من الغش  وفق م 310 (53).

      و لعل المحكمة العليا هنا أخذت بالاستفادة المباشرة المفترضة في صاحب البضاعة؛ إقتداء بالتشريع و القضاء الفرنسيين و أخذا كذلك بالمفاهيم الأخرى كمقاولات الغش و مخطط الغش، هذا ما يؤكد لجوء القضاء إلى التفسيرات التي جاء  بها  الفقه الفرنسي نظرا لعمومية و غموض المادة 310 ق ج و ما يؤكد ذلك الأمثلة التالية:

1- أمثلة عن الإستفادة من الغش في جنح التهريب:

      جاء قرار بتاريخ 07/07/1987 ملف رقم 42953 أنه إذا كان الغش لا ينحصر في عمل واحد للتهريب فإنه يشمل عدة أفـعال تعرض أشخاص عديدين للمسؤولية ؛ إذ أن كل مشاركة على أي مستوى كان في مخطط الغش و بأية وسيلة كانت تعطي وصفا للمخالفة حسب المادة 310 ق ج(54).

  كذلك في قـرار للمحكمة العليا بتاريخ 12/03/1990 ملف رقم 60152 أنه عندما لم يكن هناك فعل واحد للتهريب و إنما مؤسسة تهريب حقيقية ، يعد كل عنصر من هذه المؤسسة مسؤولا عن مجموع وقائع التهريب التي ارتكبتها الجماعة ؛ سواء كان فاعلا أو شريكا من دون أن يستوجب على إدارة الجمارك إثبات مسؤولية الشخص في كل واقعة طبقا لقاعدة ثابتة؛ أنه يعد جميع أعضاء منظمة التهريب مشاركين برمتهم في عملية التهريب(55).

------------------------------------  
(52)- يعتبر المحرض طبقا للقواعد العامة فاعلا أصليا طبقا للمادة 41 من قانون العقوبات- أنظر الصفحة 04 – من الفصل التمهيدي
       (53)- احسن بوسقيعة- التشريع الجمركي مدعم بالإجتهاد القضائي- الديوان الوطني للأشغال التربوية- الطبعة الثانية-2001- ص96.
       (54)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 89. 
       (55)- يوسف ابرادشة- المرجع السابق- ص 19.
2-أمثلة عن الإستفادة من الغش في جنح الاستيراد أو التصدير بدون تصريح:

          سنعرض في هذا الصدد قرار للمحكمة العليا موجزين الوقائع و التسبيب ثم نبدي ملاحظات بشأنه كدليل على غموض مفهوم المستفيد من الغش.
ملف رقم 268482 بتاريخ 07/01/2003 (56)
قضية إدارة الجمارك ضد (ي ط) و ( النيابة العامة)

الموضوع:    تهريب- مستفيد- مسؤول عن الغش- نعم.
المــبدأ :    يعتبر مستفيدا من الغش كل شخص يشارك بصفة ما في التهريب و يستفيد مباشرة منه.

    فصلا في الطعن بالنقض المؤرخ في 31/01/2000 الذي تقدم به الطرف المدني إدارة الجمارك، ضد القرار الصادر بتاريخ 30/01/2000 عن الغرفة الجزائية بمـجلس قضاء أم البواقي القاضي ببراءة المدعو (ي ط) مـن تهمة الإستيراد بدون تصريح حسب المواد 330/6-9 و المادة 324 من قانون الجمارك 79/07 مع مصادرة السيارة.

     عن الوجه الوحيد المأخوذ من خرق القانون م 500/7 ق إ ج المقدم من قبل إدارة الجمارك.

     إن المتهم يعترف أمام المحكمة بأنه اشترى السيارة محل النزاع من عند المدعو (ز م) بموجب عقد توثيقي، إن شراء سيارة 
غير مجمركة و مرقمة في الخارج دخلت الإقليم الجمركي تحت نظام الدخول المؤقت؛ يعتبر مخالفة للقانون و يعتبر حائز هذه السيارة شريكا في التهريب طبقا لنص المادة 310 من ق ج التي تنص بأنه يعتبر مستفيدا من الغش؛ الأشخاص الذين شاركوا بصفة ما في جنحة تهريب و الذين يستفيدون مباشرة من هذا الغش، و المـتهم بشرائه للسيارة محل النزاع على الحالة التي هي عليها يكون حسب القانون شريكا في الغش نظرا لاستفادته المباشرة من هذا الغش، إضافة إلى ذلك أن المتهم ضبط و هو يقود السيارة محل الغش و المادة 303 ق ج تعتبر الحائز للبضاعة مسؤولا عن الغش و أن القضاء بخلاف ذلك يعد خرقا للقانون يتعين معه  النقض.

        فيما يخص تأسيس المحكمة العليا:

      حيث حسب الملف فإنه بتاريخ 12/02/1998 تم إيقاف المدعى عليه من قبل رجال الدرك الوطني و هو يقود سيارة من نوع بيجو 205 المرقمة تحـت رقم تسجيل أجنبي ، كما تبين أن شهادة العبور من الجمارك لتلك السيارة المؤرخة في 31 أوت 1997 قد إنقضت مدة صلاحياتها منذ 30/09/1997.
------------------------------------  
 (56)- قرار المحكمة العليا- الغرفة الجزائية- العدد 2/2003- ص 364-365-366.
     حيث زيادة على ذلك فإنه تبين من الخبرة القضائية أن سنة أول استعمال تلك السيارة هي سنة 1987 و ليس سنة 1994 
كما هو مثبت من بطاقتها الرمادية و مثل هـذا الفعل يدخل تحت طائلة أحكام المادة 330/6-9 من قانون الجمارك و يعاقب عليها بالمادة 324 من هذا القانون ، و حـيث أن المدعى عليه ضـبط على متن السيارة عين النزاع تطبق عليه أحكام م 303.
      حيث أنه بالنظر لكل ما سبق فإن المجلس تجاهل التشريع الجمركي و أخطأ في تطبيقه مما يجعل الوجه في محله و يترتب عنه النقض في الدعوى الجبائية.

      و الملاحظ على هذا القرار أنه:

1- جاء في المبدأ أنه يعتبر مستفيدا من الغش ؛ كـل شخص يشارك بصفة ما في التهريب و يستفيد مباشرة منه و هذا يتناقض و قضية الحال المتعلقة باستيراد بدون تصريح و ليس بالتهريب.
   و ما يؤكد ملاحظتنا ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا في قضايا مشابهة بقيام الاستيراد بدون تصريح في حق مواطن جزائري اشترى سيارة استوردها أجنبي تحت قيد النظام السياحي، و قد سلمت له لهذا الغرض بطاقة سياحية قصد العبور بالتراب الوطني صـالحة لمدة ثمانية أيام يستوجب عند انقضائها تصدير السيارة ، غـير أن المستورد أخل بتعهده و تنازل عن السيارة للمواطن الجزائري الذي شرع في استعمالها في نشاطه التجاري(57).
      و قضت كذلك بقيام فعل الاستيراد بدون تصريح في حق من يستورد سيارة من أصل أجنبي و يضع عليها لوحة ترقيم من شأنها أن توهم بأنها قد سجلت بصفة قانونية بالجزائر دون القيام بالإجراءات القانونية للجمركة(58).

2- العبارة الواردة في المبدأ ؛ مستـوحاة من المادة 310 ق ج المعدلة سنة 1998 في حين أن المادة المطبقة هي المادة 310 قبل تعديلها بما أن الوقائع يعود تاريخها إلى 12/02/1998 أي قبل صدور قانون الجـمارك الجديد ، و ما الجدوى من إيـراد هذا 
المبدأ عن المستفيد من الغش في حين أن الإدانة كانت على أساس مسؤولية الحائز طبقا للمادة 303 ق ج.

3- عن الوجه الذي أثارته إدارة الجمارك و الذي جاء كالتالي " إن شراء سيارة غير مجمركة و مرقمة في الخارج دخلت الإقليم الجزائري تحت نظام الدخول المؤقت يعتبر مخافة للقانون و يعتبر حائز هذه السيارة شريكا في التهريب طبقا لنص المادة 310 من قانون الجمارك و التي تنص بـأنه يعتبر مستفيدا من الغش ؛ الأشخاص الذيـن شاركوا بصفة ما في جنحة  التهريب و الذين يستفيدون مباشرة منه. 
     و الملاحظة المبـداة هي نفسها الأولى أي الخـطأ في الوصف القانوني ، لأن الفعل ليس تهريبا و إنما استيراد بدون تصريح و المادة المؤسس عليها الوجه هي المعدلة سنة 1998 رغم أن الوقائع ارتكبت و ضبطت قبل تعديلها.
---------------------------- 
(57)- ملف رقم 122170 قرار 04/12/1994 .
- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية – المرجع السابق- ص 105.
(58)- ملف رقم 142256 قرار 17/03/1997 ، ملف رقم 143766 قرار 14/04/1997 - المرجع أعلاه- ص 104.
  4- تضيف إدارة الجمارك أن المتهم ضبط و هو يقود السيارة محل الغش و المادة 303 تعتبر الحائز للبضاعة مسؤولا عن الغش فهل إضافة هذا الوجـه يعني أن الإدارة لا تثق في فعالـية  المتابعة على أساس الاستفادة من الغش ؟ و هذا ما كان عليه موقف المحكمة العليا التي نقضت القرار على أساس مسؤولية الحائز وفقا للمادة 303 ، فرغم حداثة القرار نوعا ما فإن مفهوم المستفيد من الغش لا يزال غريبا عن القضاء الجزائري.
         
ثــانيا :  الأعـمال اللاحـقة على الـغش

       تنص المادة 311 ق ج 79/07 المؤرخ في 21/07/1979 على حالات ثلاث يعد فيها الشخص مستفيدا من الغش(59).

1- محاولة منح مرتكبي المخالفة إمكانية الإفلات من العقاب عن دراية ، على غرار قانون الجمارك الفرنسي الذي يتحدث في هذا المجال عن تغطية تصرفات مرتكبي الغش و لا يذكر المحاولة ، و يشترط لذلك أن يقوم الفاعل بسلوك إيجابي يتمثل في البدء في التنفيذ و أن يكون الغرض من هذا السلوك؛ منح مرتكبي الغش إمكانية الإفلات من العقاب بصرف النظر عن تحقق النتيجة  و أن يكون هذا السلوك عن دراية.  

2- حيازة بضائع مهربة بمكان ما عن دراية ، و يشترط القانون لذلك فقط أن تكون البضائع مهربة و لم يتحدث عن البضائع التي تكون محل استيراد أو تصدير بدون تصريح، و المقصود بالحيازة هنا ليست الحيازة الكاملة التي لا تتحقق إلا بتوافر السيطرة المادية على الشئ و الظهور عليها مظهر المالك أو صاحب الحق ؛ و إنما مجرد الإحراز الذي يتحقق بالاستيلاء المادي على الشئ.

3- شراء بضائع مهربة عن دراية ، و يشترط القانون لذلك أن يتم شراء البضاعة و أن تكون هذه الأخيرة مهربة.
     هذا كقاعدة عامة ؛ بأن الاستفادة من الغش لا تكون إلا في الجنح الجمركية أما الاستثناء فقد جاءت به م 312 ق ج على أنه في حالة عدم توفر عنصر الدرايـة يعاقب الأشخاص الذيـن اشتروا أو حازوا بضائع مستوردة عن طريق التهريب أو بدون التصريح بها بكمية تفوق احتياجاتهم العائلية بالعقوبات المقررة للمخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية.

أ-  الأعــمال اللاحــقة عن قــصد:

       تنص المادة 311 على أنه يعتبر مستفيدين من المخالفة  الأشخاص الذين حاولوا عن دراية منح مرتكبي المخالفات إمكانية الإفلات من العقاب و الذين حازوا بمكان ما بضائع مهربة أو اشتروها.
       و الملاحظة الأولى على صياغة هذا النص؛ وجود عبارة مرتكبي المخالفات و التي تتميز بعدم الدقة فقد يفهم منها المخالفة كوصف قانوني للجريمة الجمركية في حين المقصود بها هو الجـرائم الجمركية عامة بل الجنح خاصـة ، بدليل أن المادة 311 لها ارتباط بالمادة 310 بل هي استثناء عن الاستفادة بغير قصد؛ حينما يكون التدخل لاحقا عن الغش بإتيان أعمال تغطية المخالفين
---------------------------------------- 
(59)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 407-408.
أما المادة 312 فهي بمثابة استثناء عن الاستثناء في التدخل اللاحق عن الغش كما سنرى لاحقا. 
     و يشترط لتحقق هذه الأعمال توافر ركنين:

1- الــركن المــادي: و ينقسم بدوره إلى عدة عناصر:
      - يمكن أن يدخل تحت تكييف الاستفادة من الغش على أساس المساعدة  المقدمة لاحقا لمرتكبه؛ كل عمل أيا كان يكون الغرض منه منح هذا الأخير إمكانية الإفلات من العقاب، كحيلولة شخص دون توقيف مرتكبي الغش، تغطية وكيل معتمد لدى الجمارك لتصريح كاذب خلال عمليات التحقيق الجمركية، معارضة حجز بضائع....إلخ (60).  
     - حيازة بضائع الغش في مكان ما أو شراؤها، و قد سبق التطرق إلى هذه النقطة.
2- الــركن الــمعنوي:  و المتمثل في العلم و الإرادة و هـو ما اصطلح عليه المشرع بالدراية، و لعل هذه المادة تعتبر استثناء عن عدم مسامحة المخالف في الجريمة الجمركية استنادا على نيته، و عن قاعدة ضعف الركن المعنوي في قانون الجمارك.
     إذن الأعمال اللاحقة يشترط لقيامها توافر القصد، لكن هذا ليس على إطلاقه بل أورد المشرع استثناء كالآتي.

ب- الأعــمال اللاحــقة بدون قــصد:

      تنص المادة 312 ق ج على أن الأشخاص الذين اشتروا أو حازوا بضائع مستوردة عن طريق التهريب أو بدون التصريح بها بكمية تفوق احتياجاتهم العائلية يخضعون لعقوبات المخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية.
     فالحيازة لبضائع الغش هنا قد تصطدم مع الحيازة التي تقع تحت طائلة المادة 303 و التي حسب مقتضاها  يعتبر مسؤولا عن الغش ؛ كل شخص يحوز بضائع محل غش ، فيجب إذا ألا تنطوي الحيازة على أفعال معزولة بل في إطار مخطط الغش.
     إن التجـريم في هذه المادة مرتبط أساسا بكمية البضاعة، فيجب ألا تفوق الاحتياجات العائلية ، فما هو الضابط أو المعيار للفصل بين ما يعد كمية مسموح أو ممنـوع بها و لمن يعود تقديرها ؟ هل لإدارة الجمارك أم للقضاء ؟ و هي مسألة موضوعية تعود لاختصاص القضاء حسب الوقائع.
      فـإذا كانت المادة 225 مكرر ب من قانون 84-21 المؤرخ في 24/12/1984 المعـدل لقانون الجمـارك تنص على الحاجيات العادية للـحائز المخصصة لتموينه العائلي أو المهني و المقدرة عند الاقتضاء  حسب الاستعمال المحلي، فإن صفة الحائز  و حالته العائلية لها أهمية بمكان لأن حاجيات الأعـزب غير حاجيات المتزوج، و حاجيات العائلة الصغيرة غير حاجيات العائلة الكبيرة وز يؤخذ في الحسبان سن الأفراد و مركزهم الاجتماعي و معدل استهلاكهم المحلي(61).
    و لعل العلة من وجود هذا النص هو توسيع دائرة المسؤولية؛ ففيما يعاقب المستفيد في جنحة بتدخله اللاحق مع إثبات القصد وفق م 311 ق ج تأتي المادة 312 لتعاقب المستفيد من المخالفة دون قصده ضمانا لحقوق الخزينة(62).
------------------------------- 
(60)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق – ص 95-96.
(61)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 83.
(62)- و يذهب البعض إلى اعتبار المساهمة في هذه الحالة من نوع خاص تطبق في مجال المخالفات و تتميز عن الاستفادة من الغش و عن الاشتراك و هذا الرأي يجد سندا في القضاء الفرنسي الذي يعتبرها مساهمة خاصة بمقتضى م 400 ق ج ف – أنظر في هذا الصدد- عبد المجيد زعلاني- المرجع أعلاه- ص 99.
الــمطلب الثــاني:   الاستفادة مـن الــغش بـعد 1998

          بصـدور قانون الجمارك 98/10 المؤرخ في 22/08/1998 ألغـيت المادتين 309 و 311 و حذفت جنح الاستيراد أو التصدير بدون تصريح من مضمون المادة 310 و أبقي على جـنح التهريب، هذه الأخيرة ألغيت بمقتضى الأمر رقم 05/06 المؤرخ في 23 أوت 2005 المتعلق بمكافحة التهريب و عليه سنبرز أحكام المستفيد من الغش في ظل قانون 1998 ثم نرى مدى تأثير الأمر على مفهوم المستفيد من الغش كما يلي:

الفـرع الأول:  الاستـفادة مـن الـغش في ظـل القانـون رقم 98/10
المــؤرخ في 22 أوت 1998

     بصدور قانون الجمارك 98/10 المؤرخ في 22/08/1998 ورد مفهوم المستفيد من الغش تحت عنوان المستفيدون من الغش  و ألغي مصطلح الشركاء بمعنى تخلي المشرع عن تطبيق القواعد العامة للاشتراك بإلغاء المادتين 309 و 311 و هذا راجع لعدة أسباب كما سنرى و بالتالي تأثر مضمون النظرية و عليه سنعرض أولا أسباب التعديل ثم مضمون النظرية كالآتي:

أولا- أسبــاب التــعديل:

    جاء التعديل لتفادي الفراغات و الإشكالات المطروحة في القانون السابق و لعل من أهمها:

1- قصور قواعد الإشتراك:

           و هذا يبرز من خلال:
-   إلـغاء أحكام المادة 309 و بالتالي إزالة الشك فيما يخص تطبيق أحكام المستفيد من الغش في المخالفات الجمركية لأن في القواعد العامة لا اشتراك في المخالفة، زيادة على ذلك إعطاء السيادة لنظرية المستفيد من الغش في مجال الجرائم الجمركية تأكيدا لأصالة النظرية(63).
- تفادي فتح النقاش حول القصد الجنائي و بالتالي العودة إلى خاصية التشدد التي تطبع القانون الجمركي؛ باستبعاد عنصر العلم عن أعمال المساعدة اللاحقة بإلغاء المادة 311.
- خلق نظام عقابي خاص بقانون الجمارك.
- تميز مفهوم المستفيد من الغش عن الشريك لأن له دلالة أوسع من حيث الأفعال و أضيق من حيث القصد لذا فهو لا يحتويه بل منفصل عنه.
---------------------------- 
(63)- يوسف ابرادشة- المرجع السابق- ص 27.
2- شمـولية نـص المـادة 310:

   بإلغاء المشرع لنص المادة 309 ق ج يعتبر تخلي عن اشتراك القواعد العامة باعتبار أن الأفعال المكونة للركن المادي للاشتراك تحتويه المادة 310 ق ج في صياغتها " شاركوا بصفة ما " و بالتالي يشمل المساعدة بكل الطرق أو معاونة الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها؛ المنصوص عليها في المادة 42 ق ع، و حتى الأفعال المنصوص عليها في المادة 43 ق ع و المتمثلة في الاعتياد على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكانا للاجتماع......... و لعل الإحالة على هذه الأخيرة كان بغير جدوى لأن قائمة الأشرار محددة و لا يوجد من بينها الجرائم الجمركية ، هذه الأفعال يبدو أنها تدخل في إطار مخطط 
الغش بالمعنى الفني للمصطلح رغم عدم وروده في صلب النص.

   أما فيما يخص إلغاء المادة 311 فهذا يعني أن شطرها الأول المتمثل في الركن المادي أي محاولة منح مرتكبي المخالفات إمكانية الإفلات من العقاب و الذين حازوا بمكان ما بضائع مهربة أو اشتروها ؛ تدخل ضمنيا في المشاركة بصفة ما الواردة في م 310 ق ج ، أما شطرها الثاني المتعلق بالدراية فقد تخلى عنه المشرع صراحة ليتأكد القول أن المستفيد من الغش هو اشتتراك و لكن بدون قصد.

ثـانيا- مضــمون النــظرية:

       لعل الإشكالات التي طرحت في ظل قانون 79/07 و التأويلات المترتبة عنها على مستوى القضاء و النقاش الدائر حول القصد الجنائي و الذي يحترمه القضاة بشدة ؛ أدى بالمشرع في المجال الجمركي و احتراما لخصوصياته و محاولة الاستقلال بنظامه و تميـزه عن القانون العام ؛ إلى إلغاء المادتين 309 و 311 و الإبـقاء على المادتين 310 و 312 .
      و باستقـراء هاتين المادتين نستنتج أن الاستفادة المباشرة الفعلية مقتصرة على جنح التهريب، أما التدخل اللاحق يكون في المخالفات و الذي نعتبره بدورنا استفادة من  الغش بحكم القانون كما سنرى.

1- الاستفـادة الفـعلية مـن الـغش:

       تنص المادة 310 من قانون 98/10 المؤرخ في 22/08/1998 على أنه يعتبر في مفهوم هذا القانون مستفيدين من الغش الأشخاص الذين شاركوا بصفة ما في جنحة تهريب و الذين يستفيدون مباشرة منه ، و لينـجلي الغموض بخصوص هذا النص و للأهمية في تحديد المسؤولية  وجب التطرق إلى المعاني التي يتضمنها ؛ بخصوص جنـحة التهريب و كذلك المشاركة بصفة ما و الاستفادة المباشرة من الغش.



1 - 1- جنــح التــهريب:


    و عليه كان لابد من التطرق إلى أعمال التهريب ليستبين التكييف القانوني لجنح التهريب كما يلي:

1-1-1- صور أعمال التهريب(64)  :

        * التهريب الفعلي: و يستخلص من المادة 324 ق ج و يشمل:

- استيراد البضائع أو تصديرها خارج المكاتب الجمركية و هي الصورة المثلى.
- عدم إحضار البضائع أمام الجمارك عند الاستيراد أو التصدير.
- تفريغ و شحن البضائع غشا.
- الإنقاص من البضائع الموضوعة تحت نظام العبور.

     * التهريب الحكمي: و هو مستوحى من المادة 324/2 ق ج باعتباره تهريبا خرق أحكام المواد 25-221-222-223-225-225مكرر-226 ق ج وتصنف إلى مجموعتين:

المجموعة الأولى: أعمال التهريب ذات الصلة بالنطاق الجمركي:

        - تنقل البضائع الخاضعة لرخصة التنقل في المنطقة البرية من  النطاق الجمركي (65) مخالفة لأحكام المواد 221-222-223-225 ق ج و تتعلق بتنقل بضائع معينة محددة قائمتها بموجب قرار وزاري مشترك بين الوزير المكلف بالمالية و وزيـر الداخلية المـؤرخ في 23/02/1999 .
          هذه الرخصة تمنحها إدارة الجمارك داخل النطاق الجمركي أما إذا كانت وجهتها من الإقليم إلى النـطاق فيمكن أن تمنحها إدارة الضرائب ، و يجـب احترام البيانات الواردة فيها بخصوص كمية البضاعة و نوعها و المسلك و المدة كما أن القرار السابق الإشارة إليه يحدد حالات الإعفاء من الرخصة ؛ إما بـسبب كمية البضاعة أو بالنظر إلى مكان ضبطها أو لصفة الأشخاص الحائزين للبضاعة(66). 

-------------------------------------  
(64) – لمزيد من التفصيل أنظر احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 44 و ما يليها.
(65)- و النطاق الجمركي كما حددته المادة 29 ق ج يشمل منطقة بحرية تتكون من المياه الإقليمية و المنطقة المتاخمة لها و المياه الداخلية ، و المنطقة البرية تمتد على الحدود البحرية للساحل إلى خط مرسوم على بعد 30 كلم و على الحدود البرية من حد الإقليم الجمركي إلى خط مرسوم على بعد 30 كلم منه و يمكن أن تمدد المنطقة البرية من 30 إلى 60 كلم و تمدد هذه المسافة إلى 400 كلم في ولايات تندوف و أدرار و تمنراست.
(66)- قرار وزاري مشترك بتاريخ 23 فبراير 1999- أنظر احسن بوسقيعة- التشريع الجمركي مدعم بالاجتهاد  القضائي- المرجع السابق- ص 127.
- الحيازة في النطاق الجمركي لأغراض تجارية لبضائع محظور استيرادها (67) أو خاضعة لرسم مرتفع(68) و نقلها دون أن تكون مصحوبة بمستندات قانونية ، و كذلك الحيازة في النطاق الجمركي لبضـائع محظور تصديرها دون أن تكون مبررة بالحاجيات العادية للحائز، مع ملاحظة أنه يصعب التمييز بين البضائع المحظورة عند الاستيراد من تلك المحظورة عند التصدير.

المجموعة الثانية: أعمال التهريب ذات الصلة بالإقليم الجمركي (69):

    - نقل البضائع الحساسة القابلة للتهريب المحددة بموجب قرار وزير المالية المؤرخ في 30 نوفمبر 1994 دون أن تكون مرفقة بوثائق قانونية(70).
   - حيازة البضائع الحساسة القابلة للتهريب لأغراض تجارية بدون وثائق مثبتة.

 1-1- 2 – الـوصف الـجنحي للتهريب :

      يقسم قانون الجمارك  الجنح الجمركية المتعلقة بأعمال التهريب إلى ثلاث درجات الثانية و الثالثة و الرابعة أما جنحة الدرجة الأولى فتتعلق بجنح المكاتب و هي كالتالي:
- جنحة الدرجة الثانية: وردت في المادة 326 ق ج و هي الجنحة الأصلية لأنها لا تتضمن ظروف التشديد و يجب لقيامها أن يكون الفعل؛ عملا من أعمال التهريب و أن تكون البضاعة محل الغش من البضائع المحظورة أو الخاضعة لرسم مرتفع.
- جنحة الدرجة الثالثة: وردت في المادة 327 ق ج و هي المرتكبة من قبل ثلاثة أشخاص فأكثر سواء حملوا كلهم البضاعة محل الغش أم لا و لا يؤخذ في الاعتبار لتحديد التعدد إلا الأفراد الذين ساهموا مساهمة شخصية و نشطة في ارتكاب الجنحة و ينطبق هذا المفهوم على كاشفي الطريق  غير أنه لا ينطبق على المدبرين و المستفيدين من الغش في حالة غيابهم عن مكان ارتكاب الجنحة(71).
----------------------------- 
(67)- البضائع المحظورة عند الاستيراد ثلاثة أنواع:
- حظر مطلق: و يشمل البضائع التي منع استيرادها بصفة قطعية كالمنتجات المادية  المتضمنة علامات منشأ مزور أو التي منشؤها بلد محل مقاطعة تجارية كإسرائيل أو المنتجات الفكرية كالنشريات التي تتضمن مساسا بالأخلاق الإسلامية و للقيم الوطنية و حقوق الإنسان أو التي تدفع إلى العنف و الانحراف أو مخالفة الآداب العامة
- حظر جزئي: و يتعلق الأمر بالبضائع الموقوف استيرادها على ترخيص من السلطات المختصة كالأعتدة الحربية و المخدرات و تجهيزات الاتصال و الأملاك الثقافية و النشريات الدورية الأجنبية و أصناف الحيوانات و النباتات المهددة بالانقراض و المنظار بعيد المدى و صفائح التدريع  و أدوات القياس.
- قيود عند الجمركة: و هي البضائع التي لم يحظر استيرادها و لا تصديرها بصفة صريحة غير أن جمركتها معلقة على تقديم سند أو رخصة أو شهادة أو إتمام إجراءات خاصة كالسيارات السباحية و النفعية المستوردة من قبل المجاهدين و كذلك المستوردة من قبل الخواص، الحيوانات و المواد الحيوانية أو ذات مصدر حيواني و المواد الزراعية الغذائية الخاضعة لرقابة المطابقة و كذا مواد التجميل و غيرها.
أنظر لمزيد من الإيضاح- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص من 69 إلى 76.
(68)- المادة 5/ق من قانون الجمارك تعرفها بأنها تلك البضائع الخاضعة للحقوق و الرسوم التي تتجاوز  نسبتها 45 في المائة.
(69)- و المقصود بالإقليم الجمركي حسب المادة الأولى من ق ج؛ الإقليم الوطني و المياه الداخلية و المياه الإقليمية و المنطقة المتاخمة و الفضاء الجوي الذي يعلوها.
(70)-قرار وزير المالية بتاريخ 30/11/1994- أنظر احسن بوسقيعة- التشريع الجمركي مدعم بالإجتهاد القضائي- المرجع السابق- ص 127.
(71)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع أعلاه- ص 145.
- جنحة الدرجة الرابعة: منصوص عليها في المادة 328 ق ج و هي المقترنة بظرف استعمال وسيلة من وسائل النقل و تكون كذلك عند استعمال الحيوانات أو المراكب الجوية أو السيارات أو السفن التي تقل حمولتها عن 100 طنة صافية أو 500 طنة إجمالية أو سلاح ناري.

1-2- الارتبـاط بين المـشاركة و الاستفـادة:

     فلكي تتحقق الاستفادة؛ لا بد من المساهمة بكيفية ما بمعنى فعل مساهمة مثبت، ثم الاستفادة المباشرة الناتجة عن هذا الفعل.

1-2-1- فعل مساهمة مثبت:

     إن التشريع الجـمركي بتطلبه للاستفادة من الغش؛ فعل مساهمة مثبت اقتدى بالاجتهاد القضائي الفرنسي الحديث الذي يؤكد على ضرورة إثبات وجود عمل مساهمة مادي في الغش، خلافا للقاعدة التقليدية المستوحاة من مبررات وجود الاستفادة من الغش ذاتها؛ و التي كان مفادها أن واقعة كون الشخص مستفيدا من الغش كافية وحدها لقيام الجنحة، و دون أن تتحمل إدارة الجمارك عبء إثبات عمل مساهمة شخصية للمتهم، و خلافا لهذا الاتجاه تبنى القضاء الفرنسي حديثا قاعدة مقتضاها ضرورة إثبات عمل مساهمة مادي صادر عن المتهم بجنحة الاستفادة من الغش، و قد تبنى القضاء هذه القاعدة الجديدة بمقتضى حكم صادر عن الغرفة الجنائية لمحكمة النقض بتاريخ 13 مارس 1978 (72).
     أما فيما يخص مشاركة المستفيد من الغش بصفة ما في ارتكاب الجنحة فلم يحصر المشرع وسائل الاشتراك في سلوك معين كما فعل بالنسبة للشريك، بل يفهم من عمومية العبارة أن أي سلوك آخر غير ذلك الذي ورد في تعريف الشريك يصلح شرطا لقيام الاستفادة من الغش متى توافرت باقي الشروط(73). 

1-2-2- أن يستفيد الجاني مباشرة من الغش:

     لم يوضـح قانون الجمارك الكيفية التي تتم بها الاستفادة من الغش و في غياب ذلك يقع عبء إثبات الاستفادة المباشرة من الغش على عاتق إدارة الجمارك، و لقد وضح القضاء الفرنسي هذا المفهوم بقضائه أن المحرض على التهريب بغرض ضمان تموينه من بضاعة نادرة يصعب الحصول عليها يعد مستفيدا من الغش ، و في نـفس السياق قضي بأن مسير الشركة الذي يساهم في التخطيط للغش يعد مستفيدا مباشرة منه(74).
       هذا فيما يخص الاستفادة الفعلية المباشرة من الغش، غير أن المشرع أضاف صورة أخرى يعتبر فيها من تثبت في حقه أنه مستفيد من الغش بحكم القانون دونما حاجة لإثبات المساهمة الفعلية في الغش، و هو ما نصطلح عليه الاستفادة الحكمية .
----------------------------- 
(72)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 92.
(73)- (74)-  احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 407.
2- الاســتفادة الحكمية مــن الغــش

         نصـت المادة 312 من قانون الجمارك على أن الأشخاص الذين اشتروا أو حازوا بضائع مستوردة عن طريق التهريب أو بدون التصريح بها بكمية تفوق احتياجاتهم العائلية، يخضعون لعقوبات المخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية.
       نستنتـج أنه لقيام الاستفادة  الحكمية يجـب توافر عدة شروط حتى نخلص إلى تكييف الاستفادة الحكمية طبقا لقانون الجمارك كالتالي:

2-1- شـروط قيام الاستفـادة الحكـمية:

     من جملة الشروط الواردة في المادة 312 ق ج :
     - أن تقوم على أفعال لاحقة تتمثل في الشراء و الحيازة، أي دون حاجة لإثبات المساهمة في الغش.
     - أن تتجاوز كمية البضاعة الاحتياجات العائلية للحائز أو المشتري(75).
     - أن تكون البضاعة مستوردة عن طريق التهريب أو دون التصريح بها و في هذه الحالة يجب ألا تكون البضاعة خاضعة لرسم مرتفع أو محظورة، فإما أن تكون خاضعة لرخصة التنقل و ضبطت في النطاق الجمركي، و إما أن تكون بضاعة حساسة ضبطت في كافة الإقليم الجمركي و هي صور التهريب الحكمي التي رأيناها سابقا و كذلك صور الاستيراد بدون تصريح.
     و نظرا لارتباط هذه الحالة بالتكييف فستتضح جليا عند تطرقنا لذلك كالآتي:

2-2- تكـييف الاستـفادة الحكـمية:

    أخضعت المادة 312 ق ج صراحة هذا الفعل إلى عقوبة المخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية، و عليه فإن إخضاع الفعل لصنف معين من العقاب؛ يجب أن يندرج الفعل في التكييف المتضمن للعقوبة، و بالتالي فهي مخالفة جمركية بمفهومها الضيق.
   و الملاحظ على أن المادة 312 ق ج التي لم يشملها تعديل 1998؛ تحيل بخصوص الجزاءات إلى العقوبات المقررة للمخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية التي كانت تنص عليها المادة 322 ق ج لسنة 1979 المعدلة بموجب قانون 1998 حيث لم تعد تنص على هذا الصنف من العقوبات و من ثم يجب تعديل نص المادة 312 لضمان انسـجامها مع باقي أحكام القانون (76).
و بالرجوع إلى المادة 322 ق ج لسنة 1979 المعدلة بالقانون رقم 90/16 المؤرخ في 1990 و التي تعتبر مخالفات من الدرجة الثانية:
أ- كل عمل تهريبي و كذلك كل عمل استيراد أو تصدير بدون تصريح عندما تتعلق المخالفات ببضائع ليست من صنف البضائع المحظورة أو الخاضعة للرسم المرتفع عند الدخول أو المحظورة.
     ----------------------------- 
(75)- أنظر الصفحة 27.
(76)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 408.
     و مـنه فإن التعديل يجب أن يحيل بخصوص الجزاءات إلى عقوبة المخالفات حسب الأفعال، و بالتالي يكون العمل تهريبي إذا تعلق ببضائع غير محظورة و غير خاضعة لرسم مرتفع و هي مخالفة من الدرجة الخامسة حسب المادة 323 ق ج الجديد  و عليه يفترض أن تكون البضاعة حساسة قابلة للتـهريب ، أو بضاعة خاضعة لـرخصة التنقل على أن تضبط هذه الأخيرة في النطاق الجمركي، و تسمى مخالفات التهريب.
    أما المخالفات الأخرى و المتعلقة باستيراد البضائع و تصديرها عند مرورها عبر المكاتب أو المراكز الجمركية أو أثناء تواجدها أو تنقلها داخل الإقليم و تضم مخالفات الدرجة الأولى و الثانية و الثالثة و الرابعة و تسمى مخالفات المكاتب(77).
   فمخالفات الدرجة الأولى نصت عليها المادة 319 ق ج بأنها كل مخالفة لأحكام القوانين و الأنظمة التي تتولى إدارة الجمارك
تطبيقها عندما لا يعاقب عليها القانون بأكثر صرامة و أوردت المادة حالات على سبيل المثال لا الحصر.
     و بالنسبة لمخالفات الدرجة الثانية حسب م 320 كل مخالفة لأحكام القوانين و الأنظمة التي تتولى إدارة الجمارك تطبيقها عندما يكـون الهدف منها أو نتيجتها هو التملص أو التغاضي من تحصيل الحقوق و الرسوم ، و عندما لا تتعلق هذه المخالفة ببضاعة محظورة أو خاضعة لرسم مرتفع، و الحالات محددة في صلب النص على سبيل الحصر.
     أما مخالفات الدرجة الثالثة وفق المادة 321 ق ج هي التي يكون محلها إما بضاعة من البضائع الخاضعة لقيود عند الجمركة  المنصوص عليها في المادة 21/2 ق ج و إما بضاعة من البضائع المزيفة أو التي تحمل علامات أو بيانات مزورة وإما بضاعة من البضائع الخاضعة لرسم مرتفع؛ عندما تضبط أثناء مراقبة الطرود و المظاريف البريدية أو عندما ترتكب هذه المخالفات من طرف المسافرين.
   و بخصوص مخالفة الدرجة الرابعة م 322 فيتعلق الأمر بالتصريحات المزورة من حيث نوع البضاعة أو قيمتها أو منشئها أو في تعيين المرسل إليه الحقيقي، عندما تكون البضاعة ليست محظورة و لا خاضعة لرسم مرتفع.

الفـرع الثــاني:  تأثــيرات الأمـر 05/06 المؤرخ في 23 أوت 2005
على مضــمون الاستــفادة مـن الـغش

        بصدور الأمر 05/06 المؤرخ في 23/08/2005 المتعلق بمكافحة التهريب، وردت الإشارة إلى المستفيدين من الغش في المادة 26 من الأمر ، تحت عنوان المساهمون في الجريمة و التي نصت على أنه  تطبق على أفعال التهريب المنصوص عليها في هذا الأمر؛ الأحـكام المنصوص عليها في قانون العقوبات بالنسبة للمساهمين في الجريمة ، و في قانون الجمارك بالنسبة للمستفيدين من الغش.
        و الملاحظ مبدئيا ؛ عـودة المشرع إلى تطبيق القواعد العامة على المساهم الشريك ، فهل هذا يدل على قصور مفهوم المستفيد من الغش ؟ أم بسبب اتساعه و رغبة من المشرع في منح القـصد الجنائي مكانة في جرائم التهريب لمعاقبة المشاركين ؟          أم أن  الغـاية المرجوة هي التأكيد على تميز هذا النظام تماما عن الاشتراك ؟ و من جهة أخرى تتضح إرادة المشرع في إخضاع المستفيدين من الغش لأحكام قانـون الجمارك المتـميزة بالتشدد و الصرامة حـتى لا يفلت من العقاب المدبرون و المخططون
    ----------------------------- 
 (77)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 140-141.
لعـمليات التهريب.
     و في هذه المناسبة سنحاول إبراز جوانب تأثير الأمر 05/06 على الاستفادة من الغش بسبب إلغائه المواد 326-327-328 من قانون الجمارك التي كانت تنص على جنح التهريب و التي يعاقب بمقتضاها المستفيد من الغش استفادة فعلية حسب المادة 310، ثم نعرض تأثيره على الاستفادة الحكمية في مخالفة التهريب حسب المادة 312 ق ج.

أولا    على مستوى المادة 310 ق ج:

     هذه المادة المتعلقة بالاستفادة الفعلية نصت على أنه يعتبر..... مستفيدين من الغش؛ الأشخاص الذين شاركوا بصفة ما في جنحة تهريب. و جـنح التهريب كانت تنص عليها المواد 326-327-328 أي الدرجة الثانية و الثالثة و الرابعة و يشترط أن تتعلق أعمال التهريب ببضـائع محظورة أو خاضعة لرسم مرتفع ، و التي ألغيت بموجب المادة 42 من الأمر 05/06 و لم تـعد لجنح التهريب درجات و لم يعد يقتصر على البضاعة المحظورة أو الخاضعة لـرسم مرتفع ، و لم يعد يقتصر التهريب على الجنح فقط كتهريب البضائع م 10/1 و التهريب بظرف التعدد م 10/2 و التهريب باستعمال وسـائل النقل م 12 و التـهريب مع حمـل سلاح ناري م 13؛ بل يتعداه ليوصف التهريب بالجناية كتهريب الأسلحة م 14 أو التهريب الذي يشكل تهديدا خطيرا حسب  م 15، و لم ينـص الأمر صراحة على كونها جنح أو جنايات بل يستشف من التمييز بين مصطلحي الحبس و المتعلق بالجنح و مصطلح السجن المتعلق بالجنايات.

      فبقاء المادة 310 على صياغتها الحالية؛ تعتبر قاصرة في تجسيد السياسة التشريعية عن طريق أمر بخصوص مكافحة التهريب   و بروز الميول نحو التشدد و ليس الليونة، إذ لا يعقل أن نتصور الاستفادة من الغش في أعمال التهريب المتعلقة ببضائع مهما كان نوعها و لا يكون ذلك في أعمال التهريب المتعلقة بالأسلحة أو التهريب الذي يشكل تهديدا خطيرا و هذه الأخيرة أولى بالعقاب على الاستفادة من الغش فيها.
   و من المفروض تعديل المادة 310 ق ج حتى تتوافق مع روح الأمر 05/06 و تـكون بحذف عبارة جنحة تهريب و استبدالها بـ..... أعمال التهريب.....

     و الدليل من جـهة أخرى على الميول نحـو التشدد ؛ ليس فقط عقوبة السجن المؤبد بل في إلغاء المواد 326/327/328    و التخلي عن التـجنيح الذي يقتصر على البضائع المحظورة أو الخاضعة لرسم مرتفع، هو التوسيع من دائرة تخصيص البضائع في المادة 10 مـن الأمر التي نصت على أنه يعاقب على تهريب المحروقات أو الوقود أو الحبوب أو الدقيق أو المواد المطحونة المماثلة أو المواد الغذائية أو الماشية أو منتجات البـحر أو الكحول أو التـبغ أو المواد الصيدلانية أو الأسمدة التجارية أو التحف الفنية أو الممتلكات الأثرية أو المفرقعات – هذا على سبيل المثال- أو أي بضاعة أخرى بمفهوم المادة 2 من الأمر و التي تعرف البضائع على أنها كل المنتجات و الأشياء التجارية أو غير التجارية و بصفة عـامة جميع الأشياء القابلة للتداول و التملك ، وهـو نفسه التعريف الذي جاءت به المادة 5 من قانون الجمارك في فقرتها ج.

     و واضح جـليا من عمومية المادة 10 من الأمر المتـمثلة في عبارة أي بضاعة أخرى، و حتى من البضائع الواردة في صلب النص  أن هناك من البضائع ما كانت تشكل مخالـفة في ظل القانون 98/10 كحيازة البـضائع الحساسة القابلة للتهريب في الإقليم الجـمركي دون وثائق تثبت الحالة القـانونية و هي مخالفة من الدرجة الخامسة ؛ ستصبح جنحا في ظل الأمر 05/06   و نفس الشئ يقال عن البضاعة الخاضعة لرخصة التنقل إذا توافرت عناصر التهريب بشأنها و المذكورة آنفا.
    إذ من بين البـضائع الحساسة الوارد ذكرها في قرار 30/11/1994 و ذكـرت صراحة في المادة 10 من الأمر ؛ سوائل كحولية، تبغ، مواد صيدلانية.
    و مـن بين البضائع الخاضعة لرخصة تنقل الواردة في القرار المؤرخ في 23/02/1999 و ذكرت في النص السالف الذكر الماشية و الحبوب و الدقيق و البنزين.
   و لعل الغاية المنشودة من إيراد نوع من البضائع على سبيل المثال في المادة 10 هو تجنيح أعمال التهريب المتعلقة بهذه البضائع  مما يؤكد نظرتنا نحو ميول الأمر إلى التشدد ليشمل أعمال التهريب المتعلقة بكافة الإقليم الجمركي.

ثـانيا    على مستوى المادة 312:

        و تتعـلق هذه المادة كما رأينا ؛ بالاستـفادة الاعتبارية من الغش بسبب حـيازة أو شراء بضائع مستوردة عن طريق التهريب أو بدون التصريح بها بكمية تفوق الاحتياجات العائلية، و التي تخضع لعقوبة المخالفات .

       و لقد أشـرنا سابقا إلى الانتقادات الموجهة بشأن صياغتها و ضرورة تعديلها سابـقا، و قلنا كذلك أن إخضاع فعل ما لعقوبة مخالفة فيجب أن يوصف الفعل بوصفها أي أن يكون مخالفة، كحيازة أو شراء بضائع مستوردة عن طريق التهريب لكي تكـون مخالفة طبقا لقانون 98/10 المادة 323 أن تكون بضـاعة حساسة ضبطت في كافة الإقليم الجمركي  مخالفة للتشريع، أو بضاعة خاضعة لرخصة التنقل مضبوطة في النطاق الجمركي مخالفة للتشريع، هذه الأفعال التي أصبحت تشكل جنحا في ظل الأمر 05/06 ، فلا يمـكن إخضاع فعل يشكل جنحة إلى عقوبة مخالفة مما يقتضي معه تعديل المادة 312 كإلغاء الجزء المتعلق بالتهريب لأنه أصبح يشكل على الأقل جنحة في ظل الأمر الجديد.

      بعد عرض الملامح الرئيسية للسياسة التشريعية في مجال الاستفادة من الغش في كل من القانون الفرنسي و مثيله الجزائري عبر مختلف الحقب الزمنية و أسباب مجاراة التعديلات الحديثة للمفهوم، بقي لنا أن نعرض في الفصل الثاني إلى المسؤولية عن الاستفادة من الغش ، و النتائج المترتبة عن قيامها.




الفــصل الثــاني
المســؤولية عـن الاستــفادة مـن الغـش

        إن المسؤولية عن الاستفادة من الغش لها ارتباط بالمسؤولية المقررة طبقا للقواعد العامة، سواء في القانون الجزائي أو المدني لوحدة القانون بصفة عامة، و تختلف عنها في بعض الجوانب نظرا لخصوصية القانون الجمركي و عدم استيعاب نطاق المسؤولية الجزائية التقـليدية لكافة الجزاءات الجمركية بل و تعتبر المسؤولية عن الاستفادة من الغش ؛ أحد أهم المجالات التي لا تستوعبها دائرة المسؤولية في القواعد العامـة نظرا لارتباط هذه الأخيرة بالركن المعنوي و مـوانعه هي موانع المسؤولية. هذا الركن الذي يضمحل وجوده في تطبيق القواعد الخاصة بالاستفادة من الغش أي الاشتراك بدون قصد كما سنرى.

     فما هي الأسس التي تقوم عليها المسؤولية عن الاستفادة من الغش ؟ و هل تؤدي حتما إلى قيام مسؤوليات طبقا للاتجاهات الحديثة حول المسؤولية ؟ و ما هي أهم النتائج المترتبة عن قيامها ؟.

    هذا ما سنحاول الإجابة عنه بالتطرق إلى أسس قيام المسؤولية و أسباب الإعفاء منها في مبحث أول، ثم النتائج المترتبة عنها كجزاء المستفيد من الغش و التضامن في المبحث الثاني على التوالي. 

المبــحث الأول     أسس قيام المسؤولية و أسباب الإعفاء منها

     تستمد مسؤولية المستفيد من الغش أساسها من قواعد العامة للقانون سواء الجزائي أو المدني بصفة عامة و من خصوصيات قانون الجمارك في مجال الاستفادة من الغش بصفة خاصة، و نفس الشئ بالنسبة لشروط الإعفاء من المسؤولية عند قيامها و هذا ما نفصله بإيجاز في مطلبين على التوالي.

المطــلب الأول:  أسس قيــام المســؤولية

        لتقرير العقاب في حق من استفاد من الغش؛ لا بد من إثبات قيام المسؤولية في حقه سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا و سواء كانت مؤسسة على أحكام القانون الجزائي أو المدني، أو مؤسسة على أحكام قانون الجمارك  و هذا ما سنتناوله بشئ من التفصيل في الفرعين المواليين نظرا لأهمية قيام المسؤولية في تقرير الجزاء.




الفــرع الأول :  المسـؤولية المـؤسسة على أحكـام القـانون الجـزائي

      و نقسم دراستها إلى قسمين:
- المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي.
- المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي.

أولا: المسؤولية الجـزائية الشخـص الطبيـعي:

              المسؤولية الجزائية تعني تحمل الشخص تبعة عمله المجرم(78) ، و هذا بالطبع تطبيقا للقاعدة التي مفادها هو شخصية الجزاء و تفريده ، و هي النتيجة الحتمية المترتبة عن قيام المسؤولية، و هي مسؤولية مباشرة عن الخطأ الشخصي.

     و لم يكن الخطأ أساسا للمسؤولية الجزائية بل كان الفعل المادي هو أساسها و كان الإنسان يسأل عن فعله باعتباره مصدرا للضرر بصرف النظر عما إذا كان قاصدا فعله أو غير قاصد له (79).

     في حـين هناك من يرى أن الخطأ لا يرتبط مطلقا بالقـصد بل قد يتحقق بصورة موضوعية ؛ عندما يحصل خرق للقاعدة الجزائية ، إلا أن المساءلة عنه تستوجب توافر الإدراك و الوعي لدى الفاعل ، و يقصد به المقدرة العقلية التي تمكنه من أن يفقه أعماله و تجعله حرا في اختيارها، ففاقد الوعي و الإدراك يخطئ إلا أنه لا يتحمل نتائج خطئه و منها العقاب، كالمجنون و صغير السن كما سنراه لاحقا في أسباب الإعفاء من المسؤولية.

    فضلا على أن المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي لا تثير جدلا باعتبار أن الكائن الإنساني له القدرة وحده على تحمل المسؤولية الجزائية و إنما الجدل يثور حول مسؤولية الشخص المعنوي و الذي نعرضه بشئ من التفصيل كالآتي.

ثـانيا:  المسـؤولية الجـزائية للشـخص المـعنوي:

        لقد ثار نقاش فقهي حول أساس قيام مسؤولية الشخص المعنوي و لكل مواقفه و حججه، حتى أن موقف المشرع تميز بعدم الوضوح إلا مؤخرا و عليه ستقتصر دراستنا على نظرة حول القوانين التي أقرت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي طبقا للتسلسل الزمني ثم شروط إقامة مسؤولية الشخص المعنوي.


-------------------------------------  
(78)- عبد الله سليمان- المرجع السابق- ص 199.
(79)- احسن بوسقيعة- الوجيز في  القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 166-167-168.
1- القوانين التي أقرت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي:

     - الأمر 69/107 المؤرخ في 31/12/1969 المتضمن قانون المالية لسنة 1970 و المتعلق بتنظيم الصرف في المادة 55 منه الذي فرض أحد الشروط الأساسية لقيام المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية، يتمثل في كون جرائم الصرف المعاقب عليها قد ارتكبت من طرف قائمين بإدارة الشخص المعنوي، و قد ألغي العمل بهذه التشريعات الخاصة سنة 1975 بمقتضى الأمـر رقم 75/47 المؤرخ في 17/06/1975 المعدل لقانون العقوبات الذي ألغى العديد من القوانين الخاصة و أدمجت ضمنه (80) .        
   و لقد حل محله الأمر 96/22 المؤرخ في 09/07/1996 المتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال الذي أقر صـراحة المسؤولية الجزائية للشخص المـعنوي في المادة 5 على أنه تطبق على الشخص المعنوي الذي ارتكب المخالفات .... المنصوص عليها في هذا الأمر العقوبات الآتية.... غرامة... مصادرة محل الجنحة، مصادرة وسيلة النقل المستعـملة في الغش ، فضلا عن عقوبات أخـرى متمثلة في المنع من مزاولة عمليات تجارية و من عقد صفقات عمومية و من الدعوة العلنية للإدخار، هذا النص الذي لم يحدد نطاق المسؤولية الجزائية فعدل بموجب أمر 19/02/ 2003 و حصر المسؤولية  الجزائية في بعض المؤسسات مستبعدا الدولة و الجماعات المحلية.

      - الأمر 75/37 المؤرخ في 29/04/1975  المتعلق بالأسعار و قمع المخالفات الخاصة بتنظيم الأسعار حيث أقرت المادة 61 منه صـراحة المسؤولية الجزائية للشخص الـمعنوي ، و ألغي هذا النص بموجب القانون رقم 89/12 في 05/07/1989 المتعلق بالأسعار و هو القانون الذي تخلى عـن المسؤولية الجزائية للشخص المـعنوي ، و هذا الأخير ألغي بدوره بموجب الأمر 95/06 المؤرخ في 25/01/1995 المتضمن قانون المنافسة الذي ألغي في 20/07/2003 بالأمر 03/03 (81).

      - قانون الضرائب المباشرة و الرسوم المماثلة  الصادر بموجب القانون رقم 90/36 المؤرخ في 31/12/1990 المتضمن قانون المالية لسنة 1991 المادة 38 منه المعدل بالقانون رقم 91/25 المؤرخ في 18/12/1991 المتضمن قـانون المالية لسـنة 1992 المواد من 4 إلى 57 حـيث كرست النصوص الضريبية كلها المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، و هكذا نصت المادة
303 في المقطع 9 من قانون الضـرائب المباشرة أنه عندما ترتكب المخالفة من قبل شركة أو شخص معنوي آخر تابع للقانون الخاص يصدر الحكم بعقوبات الحبس المستحقة و العقوبات التكميلية ضد المتصرفين و الممثلين الشرعيين أو القانونيين للمجموعة و تضيف الفقرة الثانية .. و يصدر الحكم بالغرامات الجزائية المستحقة ضد المتصرفين أو الممثلين الشرعيين و ضد الشخص المعنوي دون الإخلال فيما يخص هذا الأخير بالغرامات الجبائية المنصوص على تطبيقها (82).
     - قانون رقم 03/09 مؤرخ في 19/07/2003 المتضمن قمع الجرائم الكيمـاوية م 18 نصت على فرض عقوبات على الشخص المعنوي الذي يرتكب إحدى الجرائم المتعلقة بالأسلحة الكيماوية.
---------------------------- 
(80)- عبد المجيد زعلاني- الإتجاهات الحديثة لتشريع جرائم الصرف- محاضرة ألقيت بالمحكمة العليا يوم الأثنين 19/05/1997- المجلة القضائية- العدد 1/1996 ص 67.
(81)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 191.
(82)- احسن بوسقيعة- المخالفات الضريبية ( الغش الضريبي)- دراسة منشورة – المجلة القضائية العدد 1 – سنة 1998 – ص 9.
  - القانون رقم 04/14 المؤرخ في 10/11/2004  المـعدل لقانون الإجراءات الجزائية:
        في المواد 65 مكرر إلى 65 مكرر 4 و المتضمنة قـواعد المتابعة و التحقيق و المحاكمة في الفصل الثالث بعنوان المتابعة الجـزائية للشخص المعنوي  من الباب الثاني في التحقيقات، و كـذلك المادة 172 منه المتعلقة باستئناف أوامر قاضي التحقيق و منها التدابير المنصوص عليها في م 65 مكرر 4 و التي يجوز استئنافها من طرف الشخص المعنوي أو من ينوبه.

     - القانون رقم 04/15 المؤرخ في 10/11/2004  المعدل لقانون العقوبات:
 نـص صراحة على العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في مواد الجنح و الجنايات في م 18 مكرر و العقوبات المطبقة عليه في مواد المخالفات في م 18 مكرر1 و هذا في الباب الأول مكرر تحت عنوان العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية  كذلك في أحكام المادة 177 مكرر1 أن الشخص المعنوي يكون مسؤولا جزائيا وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة 51 مكرر عن الجرائم المنصوص عليها في م 176 المتعلقة بتكوين جمعيات الأشرار.

     - القانون رقم04/18 المؤرخ في 25/12/2004  المتعلق بالـوقاية من المـخدرات و المؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها:
 في م 25..... يعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في المـواد من 13 إلى 17 من هذا القانون بغرامة تعادل خمس (5) مرات الغرامة المقررة للشـخص الطبيعي، و في حالة ارتكاب الجـرائم المنصوص علـيها في المواد من 18 إلى 21 يـعاقب الشخص المـعنوي بغرامة تتراوح من 000 000 50 د ج إلى 000 000 250 دج و في جميع الحالات يتم الحكم بحل المؤسسة أو غلقها لمدة لا تفوق 5 سنوات.

    - القانون رقم 05/01 المؤرخ في 26/02/2005  المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب و مكافحتهما:
 في المادة 24 التي نصت على أنه يعفى الأشخاص الطبيعيون و المعنويون الخاضعون للإخطار بالشبهة و الذين تصرفوا بحسن نية من أية مسؤولية إدارية أو مدنية أو جزائية.
     
     - الأمر 05/06 المؤرخ في 23/08/2005  المتعلق بمكافحة التهريب:
      و الـذي أقر المسؤولية الجزائية  للشخص المعنوي في المادة 24 مـنه بنصها على معاقبة الشخص المعنوي الذي قـامت مسؤوليته الجزائية لارتكاب الأفعال المجرمة في هذا الأمر  بغرامة قيمتها ثلاثة (3) أضعاف الحد الأقصى للغرامة التي يتعرض لها الشخص الطـبيعي الذي يرتكب نفس الأفعال و تضيف الفـقرة الثانية أنه إذا كانت العقوبة المقـررة للشخص الطبيعي هي السجن المؤبد؛ يعاقب الشخص المعنوي الذي ارتكب نفس الأفعال بغرامة تتراوح بين 000 000 50- 000 000 250 دج .




2- شـروط إقـامة مسـؤولية الشـخص المعنـوي (83) :

        تخـضع الأشخاص المعنوية من القانون الخاص للمساءلة الجزائية أيا كان هدفها ، سواء كانت تهدف إلى كسب الـربح أو كانت خيرية و هكذا تسأل جزائيا الشركات التجارية و التجمعات ذات المصلحة الاقتصادية و الشركات المدنية، كما تسأل  الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي أو الثقافي أو الرياضي.
      و تستثنى الدولة و المقصود بها الإدارة المركزية ( رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، الوزارات ... ) ، أما الجماعات المحلية لا تسأل عن الأعمال التي تصدر عنها بمناسبة ممارسة صلاحيات السلطة العامة في حين تخضع كل الأشخاص المعنوية من القانون العـام للمساءلة الجزائية أيا كانت هيكلتها القانونية ( شركة ذات أسهم ، هيئة عمومية ذات طابع صناعي و تجاري أو إداري  أو شركة اقتصادية مختلطة ) ، هـذا ما جاءت به م 51 مكرر من القـانون 04/15 المعـدل لقانون العقوبات التي اسـتثنت الدولة و الجماعات المحلية و الأشخاص التابعة للقانون العام كما أضـافت أن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تمنـع من مساءلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في نفس الأفعال.
     فبخـصوص السلوك محل المساءلة فإن المادة 121/2 من قانون العقوبات الفرنسي نصت على أن الشخص المعنوي يكون مسؤولا عن الجرائم المرتكبة لحسابه من طرف هيئاته أو ممثليه، أي أنه يسأل عن الأفعال التي يتم تحقيقها لمصلحته و فائدته و لا يسأل عن الأعمال المنجزة لحساب المدير أو شخص آخر ، و هيئات الشخص المعنوي يقصد بها ؛ الممثلين القانونيين كالـرئيس و المدير العام و المسير و كـذا مجلس الإدارة و الجمعية العامة للشركاء أو للأعضاء و المصفي في حالة تصفية الشركة أما المدير الفعلي فيستبعده الفقهاء لعدم النص عليه صراحة، و عليه يستبعد كذلك المستخدمين و الأجراء إذا ارتكبت الجريمة بمبادرة منهم حتى و إن استفاد منها الشخص المعنوي نظرا لقصر النص على الممـثلين ، و قـد ذهبت محكمة النقض الفـرنسية إلى اعتبار الشخص الطبيعي الذي تلقى تفويض سلطات من هيئات الشخص المعنوي فيكون ممثلا عنه كمدير مصنع أو مدير وحدة إنتاج.
     فضـلا عن ذلك فإنه لا يجوز متابعة الشخص المعنوي إلا إذا وجد نص يجيز ذلك صراحة لكونها مسؤولية خاصة و متميزة  و لـعل هذا ما جعل القضاء الجزائري يستبعد صـراحة المسؤولية الجزائية للشخص المـعنوي بناء على مبدأ شخصية العقوبة و تفريدها فرفض الحكم على الشخص المعنوي بالجزاءات الجبائية المقررة في قانون الجمارك (84) ، غير أن هذا المبدأ لا يصلح في ظل الأمر 05/06 الذي نص صراحة على المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم التهريب.
  و في هذا الصدد نقضت محكمة النقض الفرنسية قرار محكمة الاستئناف إيكس أون بروفانس الصادر بتاريخ 27/02/2002  القاضي ببراءة المتهم بصفته تقني تجاري في المؤسسة و كذلك شركة   office maritime monegasque de marseille  من تهمة 
الاستـفادة من الغش على أساس أن قانون الجمارك لا يـعرف المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ، و مما جاء في قرار محكمة  النقض أن القانون العام يطبق إذا لم يوجد نص مخالف في قانون الجمارك، و بما أن المادة 131-37 ق ع تقر المسؤولية الجزائية  
للأشخاص المعنوية و بما أن قانون الجمارك لا يتضمن أحكام مخالفة فإن قضـاء مجلس الاستئناف بأن قانون الجمارك لا يعرف المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي فإنهم يكونون قد خرقوا المواد 399-407 من قانون الجمارك (85).
--------------------------------------------------------------------------------------------    
(83) – احسن بوسقيعة – الوجيز في القانون الجزائي العام – المرجع السابق – ص 194 و ما يليها.
(84)- ملف رقم 115884 قرار بتاريخ 22/12/1997 غ ج م ق 3 – احسن بوسقيعة – المرجع اعلاه ص 190.
(85)-élargissement jurisprudentiel du domaine d’application de la responsabilité pénale des personnes morales . jean claude  planque, n sous cass 5-02 – 2003 Dalloz 2003 j 2855 in : www.courdecassation.org .  
      و إن كانت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تحـجب مسؤولية الشخص الطبيعي و إن قام بالعمل الجرمي لحساب الشخص المعنوي ، فإن متابعة الشخص الطبيعي ليست شرطا ضروريا لمساءلة الشخص المعنوي ، فوفاة الشخص الطبيعي مثلا لا يحول دون متابعة الشخص المعنوي للجريمة المرتكبة من أجله و كذلك الحال إذا استحال التعرف على الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة لحساب الشخص المعنوي (86).

الفـرع الثــاني:  المسـؤولية المـؤسسة على أحـكام القـانون المـدني

       و تنقسم بدورها إلى مسؤولية مدنية محضة، مستمدة من القانون المدني كالمسؤولية عن فعل الغير و مسؤولية الوالدين على أفعال أولادهما القصر من جهة و مسؤولية مدنية مؤسسة على أحكام قانون الجمارك.

أولا:   المـسؤولية المـدنية المحـضة

     ونفصلها كالآتي:
- مسؤولية المتبوع عن عمل تابعه.
- مسؤولية الوالدين عن أعمال أولادهم القصر.

1- مسؤولية المتبوع عن عمل تابعه (87) :

        تنص المادة 136 من القانون المدني على أنه يكون المتبوع مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها.
     فرابطة التبعية مترتبة أصلا عن عقد العمل بمجرد بسط السلطة الفعلية و الرقابة و التوجيه للمتبوع على التابع، فقد قضي في فرنـسا أن مسؤولية المتبوع تقـوم على أساس الإخلال بواجب الرقابة الذي يقع على عاتقه و من ثمة فإنه يكون مسؤولا عن الأفعال الشخصية الصادرة عن تابعيه أو المخالفات التي تضبط في التصريحات التي كلفوا بتحريرها.
      أما الشرط الثاني المتعلق بخطأ التابع في حالة تأدية وظيفته أو بسببها فلقد اعتبرت المحكمة العليا أن القضاء بمسؤولية المتبوع – رب العمل- المدنية عن فعل مستخدمه الذي أخذ السيارة في غيابه من المستودع و استعملها لأغراض شخصية؛ لا صلة لها بالوظيفة فإنهم بقضائهم هذا قد أخطأوا في تطبيق القانون (88).
      و في فرنسا اعتبـرت شركة النقل بالسكك الحديدية مسؤولة عن أعمال التهريب المرتكبة من قبل موظفيها الذين استغلوا 
-----------------------------------------------
 (86)- احسن بوسقيعة- الوجيز  في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 196.
(87)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 435.
(88)- ملف رقم 32817 – قرار بتاريخ 25/05/1985- الغرفة المدنية- المجلة القضائية- العدد2 – سنة 1990- ص 41.
- عمر بن سعيد – الاجتهاد القضائي وفقا لأحكام القانون المدني- دار الهدى- عين مليلة- الجزائر- ص 98.
التسهيلات التي توفرها لهم طبيعة الخدمة التي كلفوا بأدائها(89)  و في نفس السياق اعتبرت مسؤولة عن الجزاءات المقضي بها  على تابعيها و أعوانها من أجل أعمال الغش المرتكبة من قبلهم حال تأدية عملهم طبقا لأحكام المادة 1384 ق م ف (90) .

2- مسؤولية الوالدين عن أعمال أولادهما القصر:

      نصت المادة 135/1 من القانون المدني على أنه يكون الأب و بعد وفاته الأم مسؤولين عن الضرر الذي يسببه أولادهما القصر الساكنون معهما... و لتحقق هذه المسؤولية يجب توافر شرطين:
   - شرط السكن معهما.
   - شرط القصر، و القصر بالمفهوم المدني هم الذين لم يبلغوا سن التاسعة عشرة ، و بالمفهوم الجزائي هم الذين لم يبلغوا سن الثامنة عشرة ، و وفق المادة 49/3 فإن القاصر بين سن 13 و 18 سنة حينما يقـضى عليه بغرامة فإنها تحت مسـؤولية الولي  و لقد نقضت المحكمة العليا قرارا قضى بتحميل قاصر دون الثامنة عشرة ؛ الغرامة الجمركية (91).
    و تقوم مسؤولية الولي على أساس خطأ مفترض فيه أنه أهمل مراقبة و تربية الولد.

ثـانيا:  المسؤولية المدنية المؤسسة على أحكام قانون الجمارك (92):

    طبقا للمادة 315/1 ق ج؛ يعتبر أصحاب البضائع مسؤولين مدنيا عن تصرفات مستخدميهم فيما يتعلق بالحقوق و الرسوم و المصادرات و الغرامات و المصاريف، و هذه الفقرة هي التي تهمنا في دراسة المسؤولية عن الاستفادة من الغـش ، لأن الفقرة الثانية تتعلق بالكفالة في إطار بعض النظم الجمركية و التي تستوجب اكتتاب سند بكفالة.
   إن مسـؤولية المالك المقررة في قانون الجمارك مطلـقة ، إذ يكفي إقامة الدليل على أنه صاحب البضاعة محل الغش لتحميله المسؤولية المدنية دون حاجة إلى البحث فيما إذا كان الخـادم ارتكب المخالفة أثناء أو بمناسبـة أداء وظيفته ، و هذا خلافـا للمسؤولية عـن فعل الغير التي تشترط لقيامها إثبات خطأ التابع في حالة تأدية وظيفته أو بسببها، لأن قانون الجمارك غالبا مـا يعاقب على الجرائم الجمركية بمصادرة البضائع محل الغش و وسائل النقل و الأشياء التي ساعدت على عملية الغش بغض النظر عن كون هذه الأشياء ملكا لمرتكب المخالفة أو للغير و سواء استعملت هذه الأشياء بمعرفة المالك و إرادته أو بدون علمه.
    و لا يهم أن يكون المتهم قد تصرف بدون علم المستخدم أو مخالفة لتعليماته أو لحسابه الشخصي، و يجوز علاوة على ذلك أن تمارس الدعوى المدنية ضد المالك في نفس الوقت الذي تمارس فيه الدعوى الجبائية ضد التابع، كما يجوز أن تمارس لاحقا أمام الجهات التي تفصل في المسائل المدنية.

-------------------------------------------------------------------------------------------- 
(89)-crim 22-03-1907,D.P.1909,1 ,406.
                                                                                                                     -  نقلا عن احسن بويقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 436
(90) – نفس المرجع أعلاه.
(91)- غ ج م ق 3 ملف 151964 قرار 28/09/1997 – المرجع أعلاه- ص 428.
(92)- نفس المرجع- ص 440.
المطــلب الثـاني:   أسبـاب الإعفـاء من المسـؤولية

     و نتناول فيها أسباب الإعفاء من المسؤولية الجزائية في الفرع الأول ثم أسباب الإعفاء من المسؤولية المدنية كفرع ثاني.

الفـرع الأول:  أسباب الإعفاء من المسؤولية الجزائية

أولا: أسباب الإعفاء في القانون العام:

   1- الجنــون:
      تنص المادة 47 ق ع أنه لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة...، و يمكن تحديد المقصود بالجنون على أنه حالة تفقد الوعي و تجعله غير قادر على تمييز الأفعال، و هي مسألة واقعية ترجع إلى ذوي الاختصاص لتقرير ثبوتها من عدمه و تمييز حالة المرء العاقل من المرء المجنون (93) .
    و يشمل الجنون بمعناه العام؛ كل نقص في الملكات الذهنية كالعته و البله ، سواء كان وراثيا أو مكتسبا و قد يكون مستمرا أو متقطعا و يشمل كذلك الأمراض العصبية و النفسية التي تجرد الإنسان من الإدراك كالصرع و اليقظة النومية، كما لا يدخل  السكر و تناول المخدرات ضمن موانع المسؤولية بسبب فقدان الوعي (94).
  و لقد قضت المحكمة العليا بأن جزاء الجرائم الجمركية بتطبيق العقوبات المقررة لها و لا يعفى منها إلا من ثبتت لفائدته إحدى  موانع المسؤولية الجزائية كثبوت حالة الجنون وقت ارتكاب الجريمة (95).

2- صـغر السـن:
      حسب م 49 ق ع لا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشرة إلا تدابير الحماية أو التربية و في الفقرة الثالثة ؛ يخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 إما لتدابير الحماية أو لعقوبات مخففة، فالقاصر دون الثالثة عشرة منعدم المسؤولية و هذا لا يحـول دون متابعته أمام محكمة الأحداث التي تأمر بأحد تدابير الحماية ،أما إذا تجاوزها دون بلوغ سن الثامنة عشرة ؛ فـإن الغرامة الجمركية المحكوم بها تكون تحت مسؤولية الولي كما رأينا في المطلب السابق.

3- الإكــراه:
    تنص م 48 ألا عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعها، فالإكراه المادي ؛ كأن يتعرض المرء لقوى مادية خارجية تعدم إرادته و تحمله على القيام بالواقعة الإجرامية ، و قـد يكون الإكراه المادي خارجيا بفعل الطبيعة أو الحيوان
-------------------------------------- 
(93)- عبد الله سليمان- المرجع السابق- ص 267.
(94)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام – المرجع السابق- ص 169.
(95)- قرار بتاريخ 19/12/1993- ملف رقم 101792- أحمد لعور- نبيل صقر- قانون العقوبات طبقا لأحدث التعديلات و مزود بقرارات المحكمة العليا- دار الهلال للخدمات الإعلامية- 2005- ص 34.
أو إنسان آخر و قد يكون داخليا بفعل الإنسان نفسه (96).
       أما الإكراه المـعنوي ؛ فهو ضـغط يمارس على إرادة الفاعل بتحريك مشاعره كتخويفه أو تهديده بإلحاق الأذى بنفسه أو بشخص آخر يحبه و لقد ذهب القضاء في فرنسا إلى تبرئة خادم نقل بضائع مهربة بناء على أمر مخدومه على أساس أن الخادم لم يكن في وضع يسمح له بطلب تفصيلات حول طبيعة البضاعة (97).

4- كما يضيـف الأستاذ بوسقيعة أن المسؤولية الجزائية للمتبـوع عن عمل تابعه تنتفي في حـالة تفويض الصلاحيات ، هذا الأسلوب الذي يلجأ إليه رؤسـاء المؤسسات بتفـويض المديرين و رؤساء المصالح بعض الصلاحيات نظرا لصـعوبة الإشراف و الرقابة الكاملة على المؤسسة، بحيث يتحمل كل شخص المسؤولية المباشرة و الشخصية في إدارة ما أوكل إليه.

ثـانيا: أسباب الإعفاء في قانون الجمارك

1- القـوة القـاهرة:
     تنص المادة 56 ق ج أنه لا يجـوز للسفن التي تقوم برحلة دولية أن ترسو إلا في الموانئ التي يوجد فيها مكتب للجمارك ماعـدا في حالة القوة القاهرة المثبتة قانونا و في هذه الحالة يجب على ربان السفينة أن يحضر فور الرسو أمام قائد المحطة البحرية لحراس الشواطئ، أو عند عدم وجوده ؛ قائد فرقة الدرك الوطني أو محافظ الشرطة أو رئيس المجلس الشعبي البلدي لمكان الرسو و يقدم له يومية السفينة للتأشير عليها، و التي يجب أن تسجل فيها مسبقا أسباب الرسو.
    و تنص المادة 64 على أنه يمنع تفريغ البضائع أو إلقاؤها أثناء الرحلة إلا في حالة وجود أسباب قاهرة أو برخصة خاصة من السلطات المختصة بالنسبة لبعض العمليات.
    و لقد أخذ القضاء الجزائري بالقوة القاهرة كسبب للإعفاء من المسؤولية الجزائية في المجال الجمركي بشرط أن تكون غير متوقعة و غير ممكنة الدفع و غير راجع قيامها إلى خطأ المتهم.

2- الغـلط المـبرر:
      و قـد عرفته محكمة النقض الفرنسية أنه ذلك الغلط الذي لا يمكن تجنبه بقدر من الفحص و الحذر و فيه يكون الفاعل قد ارتكب فعله و هو يعتقد مشروعيته و يكون اعتقاده مقبولا؛ إذا لم يكن ناشئا عن خطئه أو إهماله.
    و قد ذهبت محكمة النقض إلى الإعفاء من المسؤولية عن الجريمة الجمركية في حالة الغلط المبرر،و يتطلب أن يثبت الفاعل أنه قام بكل التحقيقات اللازمة التي كان عليه القيام بها ، و أنه بذل من العـناية التي كان عليه بذلها أي أنه كان في حالة استحالة اكتشاف الغلط (98).

------------------------------------------ 
(96)- حسن صادق المرصفاوي- قواعد المسؤولية الجنائية في التشريعات العربية- 1972 ص 212 – نقلا عن عبد الله سليمان – المرجع السابق- ص 275.
(97)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 427.
(98)- احسن بوسقيعة- المرجع أعلاه- ص 431-432.
الفـرع الثـاني: أسباب الإعفاء من المسؤولية المدنية
     
    و نقسمها إلى أسباب إعفاء الأبوين عن أعمال أبنائهم القصر أولا، ثم أسباب إعفاء المتبوع عن عمل تابعه ثانيا كالآتي

أولا: إعفاء الأبوين من المسؤولية المدنية عن أعمال أبنائهم القصر

     تنص المادة 135/2 من ق م " و يستطيع المكلف بالرقابة أن يتخلص من المسؤولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أثبت أن الضرر كان لابد من حدوثه و لو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية."
   و كما رأينا سابقا أن أساسها الخطأ المفترض في الرقابة، و هي قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس بإثبات المكلف بالرقابة أنه لم يقصر في رقابته.
   و في هذا الاتجاه اعتبرت المحكمة العليا أن مسؤولية الأب تقوم على أساس خطأ مفترض فيه أنه أهمل مراقبة و تربية ولده و لا تسقط هذه القرينة إلا إذا أثبت الأب أنه قام بواجب الرعاية و التوجيه. و ارتكاب هتك العرض من قبل ولد قاصر مميز يثبت بصفة قطعية؛ إهمال الأب تربية ابنه (99). 

ثـانيا: إعفاء المتبـوع من المسـؤولية المدنـية عن فعل تابـعه

      كـما سلف الذكر أنه يشترط لقيام المسؤولية؛ وجود رابطة التبعية و أن يسبب التابع ضررا للغير في حال تأديته وظيفته أو بسببها فإذا انتفى هذا الشرط انتفت المسؤولية.
     و لقد ذهبت المحكمة العليا في هذا الاتجاه فقضت بأن الضرب المتعمد الواقع من العامل أثناء تأديته وظيفته لا يكتسي أي طابع مصلحي و لم يكن بسبب الوظيفة ، فإن قـضاة الموضوع بتحميلهم المسؤولية المدنية للمؤسسة المستخدمة يكونون قد أخطئوا في تطبيق القانون (100) .
   و قضي في فرنسا على أن مسؤولية المتبوع تنتفي إذا أثبت أن التابعين تصرفوا خارج وقت أداء وظيفتهم و لا بمناسبة أدائها  فقضي بأنه في حالة تفريغ بحارة بضاعة و مؤن السفينة عن طريق الغش و كانت البضاعة ملكا لهم، فلا يكون صاحب الباخرة مسؤولا مدنيا إلا عن مؤن السفينة إذا ثبت أن تابعيه تصرفوا حال ممارسة وظائفهم  (101).
    هذا فيما يخص أسس قيام المسؤولية و أسباب الإعفاء منها فما هي يا ترى النتائج المترتبة عن قيامها ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه بشئ من التفصيل في المبحث الموالي.
  
----------------------------------------------------------------------  
(99)- قرار بتاريخ 02/03/1982- ملف رقم 30064- عمر بن سعيد- المرجع السابق- ص 96.
(100)- قرار بتاريخ 16/01/1993- ملف رقم 87411-  نشرة القضاة- العدد 50- سنة 1997- ص 55.
(101)- Rouen , 13/11/1947 , Doc. Cont. N 345.
                                                                                                                   - نقلا عن احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 437.
المبحث الثاني     النتـائج المتـرتبة عن قـيام المسـؤولية

        إن المسؤولية عند قيامها سواء كانت جزائية أو مدنية فإن لها آثار على المستفيد من الغش سواء بفعله الشخصي أو بفعل تابعـيه أو من هم تحت رقابته، و هذا ما يظهر جليا في جزاء المستفيد من الغش سواء كانت جزاءات أصلية شخصية أو مالية  أو جزاءات تكميلية هذا ما سنراه في مطلب أول و كذلك التضامن كوسيلة لتنفيذ الجزاء على عاتق المدينين و المترتب عموما عن المسؤولية كمطلب ثاني.

المـطلب الأول    جـزاء المستفـيد من الغـش

       تنص المادة 310/2 ق ج على أن يخضع المستفيدون من الغش كما ورد تعريفهم أعلاه، لنفس العقوبات التي تطبق على مرتكبي المخالفة المباشرين.
      و العقوبات إما أن تكون أصلية أو تكميلية، و عليه سنتحدث عن كليهما في الفرعين التاليين:

الفـرع الأول: الجـزاءات الأصلـية

      بما أن م 310 ق ج تتكلم عن جنح التهريب، و كما هو معلوم فعقوباتها إما الحبس أو الغـرامة و المصادرة حسب طبيعة الفعل ، فيما تخضع المادة 312 ق ج الاستفادة الحكـمية لعقوبة المخالفات و التي تقتصر على الغرامة أو المصادرة أي العقوبات الجبائية، لهذا قسمنا دراسة هذا الفرع إلى الجزاءات الشخصية أولا و ثانيا الجزاءات المالية.

أولا: الجـزاءات الشخصـية
      و المقصود بها العقوبات التي تطبق على جسم المستفيد من الغش فتسلبه حريته و نصطلح عليها بالعقوبات السالبة للحرية و هي نـوعان: عقوبة الحبس ، و الإكراه البـدني المسبق ، و نستبعد التكلم عن عقـوبة السجن حسب الأمر 05/06 لأنه لا إستفادة من الغش في جنايات التهريب حسب م 310 ق ج.

1- عقـوبة الحـبس:
    نص قانون الجمارك على عقوبة الحبس فقط بالنسبة للجنح، و بما أن الاستفادة من الغش تكون في جنح التهريب فقط لهذا سنرى مدد الحبس في المواد 326-327-328 ق ج قبل إلغائها بموجب الأمر 05/06،ثم سلطة القاضي في تطبيقها.
1-1- مدد الحبس في جنح التهريب:
     و الملاحظة الأولى هو أن الجنح بموجب الأمر 05/06 لم تعد فيها درجات بإلغاء المواد المتعلقة بجنح التهريب إذا فبقاء المادة 325 ق ج بصياغتها الحالية –  تعد جنحا من الدرجـة الأولى - و باقي الدرجات ملغاة ؛ يجعلها غير منسجمة لأنه لا توجد 
درجة بعدها و من الأفضل أن تعدل هذه المادة و تصبح مثلا ... تعد من جنح المكاتب.. بصيغة مجردة من الدرجة.
- الجنحة من الدرجة الثانية:  نصت عليها م 326 قبل إلغائها و مدة الحبس فيها تتراوح بين حـدين أدنى و أقصى أي الحبس مـن ستة (06) أشهر إلى اثنى عشر (12) شهرا ، و تقابـلها المادة 10/1 من الأمر 05/06 و مدة الحبس من سنة إلى خمس سنوات عندما لا تكون هناك ظروف واقعية مشددة في أعمال تتعلق بتهريب البضائع.
- الجنحة من الدرجة الثالثة: نصت عليها م 327 قبل إلغائها و مدة الحبس فيها من اثني عشر (12) شهرا إلى أربعة و عشرين (24) شهرا ، و تقابلها م 10/2 من الأمر السابق و تكون العقوبة الحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات عندما يرتكب التهريب من طرف ثلاثة أشخاص فأكثر ، و نفس العقوبة عندما تكتشف البضائع المهربة داخل مخابئ أو تجاويف أو أي أماكن أخرى مهيأة خصيصا لغرض التـهريب، و نفس العقوبة عندما يحوز الشخص داخل النطاق الجمركي مخزنا معدا ليستعمل في التهريب أو وسيلة نقل مهيأة خصيصا للتهريب حسب م 11 من الأمر.
- الجنحة من الدرجة الرابعة: منصوص عليها في أحكام المادة 328 الملغاة و مدة الحبس فيها تتراوح بين أربعة و عشرين(24) شهرا إلى ستين (60) شهرا،تقابلها المادة 12 من الأمر عندما يتعلق الأمـر بالتهريب باستعمال وسائل النقل، أو التهريب مع استعمال سلاح ناري م 13 و مدة الحبس من عشر(10) إلى عشرين(20) سنة.

1-2 سلـطة القـاضي في الحـكم بعقـوبة الحـبس:
    إن عقوبة الحبس في المجال الجمركي هي ذات طابع جزائي محض، فإن القواعد المطبقة في قانون العقوبات من تخفيف العقوبة و تشديدها تسري على الجزاءات الجمركية و كذلك القواعد المستمدة من قانون الإجراءات الجزائية كوقف التنفيذ، و كل هذا يخضع لسلطة القاضي المطلقة وفق الحدود المرسومة في القانون.

1-2-1  تطبيق القواعد المقررة في قانون العقوبات:
    و يتعلق الأمر هنا بمنح الظروف المخففة و تشديد العقوبة حال توافر ظروفها و شروطها.
أ- الظروف المخففة:
أ-1 الظروف المخففة في قانون الجمارك:
    تنص م 281 ق ج في فقرتها الثانية على أنه إذا رأت جهات الحكم إفادة المخالفين بالظروف المخففة يجوز لها أن تحكم ب:
- فيما يخص عقوبات الحبس تخفيف العقوبة وفقا لأحكام المادة 53 من قانون العقوبات.
    بالرجوع إلى المادة 53/3 إذا كانت العقوبة المقررة قانونا هي الحبس المؤقت أو الغرامة تعين في جميع الحالات تخفيض مدة الحبس إلى يوم واحد...كما يجوز أن تستبدل بالحبس الغرامة على ألا تقل عن 20دج، و القاضي غير ملزم بتبيان تلك الظروف    أو الإشارة إليها بل تفهم ضمنيا بمجرد أن ينزل إلى ما دون الحد الأدنى، مع الإشارة إلى م 53 فلقد قضت المحكمة العليا أن النزول أقل من الحد الأدنى للعقوبة المقررة قانونا يقتضي وجوبا الإشارة إلى أحكام م 53 من ق ع (102).

---------------------------------------  
(102)- الغرفة الجزائية- ملف رقم 212841- قرار بتاريخ 27/09/2000- المجلة القضائية- عدد خاص- الجزء 2- سنة 2002- ص 172.
أ-2  الظروف المخففة في ظل الأمر 05/06: 
       جاءت المادة 22 من الأمر تحت عنوان استبعاد الظروف المخففة بنصها؛ لا يستفيد الشخص المدان لارتكابه أحد الأفعال المجرمة في هذا الأمر من ظروف التخفيف المنصوص عليها في م 53 ق ع :
- إذا كان محرضا على ارتكاب الجريمة.
- إذا كان يمارس وظيفة عمومية أو مهنة ذات صلة بالنشاط المجرم و ارتكب الجريمة أثناء تأدية وظيفته أو بمناسبتها.
- إذا استخدم العنف أو السلاح في ارتكاب الجريمة.
    ففي غير هذه الحالات يمكن للقاضي تطبيق الظروف المخففة السابق بيانها، و بالنسبة للحالة الثانية و الثالثة فلا إشكال و إنما يثور فيما يخص المحرض لأنه يمكن تصور إحدى صور المستفيد من الغش المتمثلة في المحرض لعمومية نص المادة 310 ؛ المشاركة بصفة ما مع الاستفادة المباشرة من الغش و استبعاد القصد الجنائي، غير أن المادة 26 من الأمر نصت بتطبيق الأحكام المنصوص عليها في قانون العقوبات بالنسبة للمساهمين في الجريمة، و الذين ينقسمون إلى فاعلين أصليين ماديين أو معنويين كالمحرض م 41 ق ع و إلى شركاء م 42-43 ق ع و بالتالي يجـب مراعاة أركان جريمة التحريض بتوافر إحدى الوسـائل المذكورة في م41     و كذلك القصد الجنائي.
       لكن الحكم الذي جاءت به المادة 28 من الأمر تحت عنوان تخفيض العقوبة؛ بأن تخفض العقوبة التي يتعرض لها مرتكب جرائم التهريب أو من شارك في ارتكابها إلى النصف، إذا ساعد السلطات بعد تحريك الدعوى العمومية في القبض على شخص أو أكثر من الأشخاص المبينين في المادة 26 أعلاه- المساهمين و المستفيدين من الغش- و إذا كانت العقوبة المقررة السجن المؤبد تخفض إلى عشر(10) سنوات سجنا.
      فهل يفهم من هذا النص استبعاد تطبيق الظروف المخففة الواردة في م 53 ق ع مطلقا ؟ أم أن نص المادة 28 يعتبر استثناء عن المادة 22 التي منعت تطبيق الظروف المخففة في حالات ثلاث سبق تبيانها أعلاه ؟ فإذا كان من يبلغ السلطات بعد تحـريك الدعوى العمومية تخفض عقوبته إلى النصف، فبمفهوم المخالفة من لم يبلغ السلطات لا تخفض عقوبته حتى و لو لم يدخل ضمن حالات المنع المنصوص عليها في م 22 من الأمر.
     و مـنه نستنتج أن المادة 22 هي الأصل و استثناؤها حالة وحيدة هي التخفيض إلى النصف و من السجن المؤبد إلى عشر  سنوات سجن في حالة مساعدة السلطات في القبض على أحد الفاعلين أو الشركاء أو المستفيدين من الغش، و بالنتيجة فإنه لا جدوى من تحديد حالات المنع الثلاث المنصوص عليها في م 22 من الأمر.

ب-   الظـروف المشـددة:
      لقد نص قانون الجمارك على ظروف إذا طرأت على الوقائع تشدد العقوبة دون أن يتغير وصف الجريمة، على عكس قانون العقوبات الذي قد يتغير فيه الوصف من جنحة إلى جناية و العقوبة من الحبس إلى السجن ، و هي الظروف التي كان منصوص عليها في المادتين 327-328 ق ج قبل إلغائهما و ضم محتواهما في الأمر 05/06 ، و هي التعدد و التهريب باستعـمال وسائل النقل و إعداد مخـازن لاستعمالها في التهريب و التهريب مع حمل سلاح ناري ، و أضاف الأمر نوعين من الأعمال و اعتبرهما جناية و هما تهريب السلاح و التهريب الذي يشكل تهديدا خطيرا، و هي لا تعتبر ظروف واقعية شددت من وصف الجريمة بقدر ارتباطها بنوع من البضاعة تشكل خطرا على الأمن الوطني أو الاقتصاد أو الصحة العمومية و كذا الأسلحة،  لهذا سنركز على الظرف العام المتعلق بالعود.
     نص قانون الجمارك 98/10 على العـود دون تحديد أحكامه و حدوده و بالتالي كانت تطبق على العود في جنح التهريب القواعد العامة الواردة في م 56 ق ع هذا ما يستشف من المادة 281/ب ق ج.
    لكـن بصدور الأمر 05/06 يبدو أن المشرع تخلى جزئيا عن تطبيق القواعد العامة للعود في جرائم التهريب بنصه في م 29 على أن تضاعف عقوبات السجن المؤقت و الحبس و الغرامة المنـصوص عليها في هذا الأمر في حالة العود ، و يفهم من النص مضاعفة الحدين الأدنى و الأقصى، فمثلا تهريب البضائع عقوبتها الحبس من سنة إلى خمس سنوات و بغرامة تساوي خمس مرات قيمة البضاعة المصادرة، و بتطبيق أحكام العود المنصوص عليها في الأمر تصبح العقوبة في حالة العود هي بين حد أدنى مقدر بسنتين و الحد الأقصى عشر سنوات و غرامة تساوي عش مرات قيمة البضاعة المصادرة.
    و لم يبين النص شرط التماثل و المدة الزمنية للعود إلى الجريمة ، و عليه بالرجوع إلى القواعد العامة تنص المادة 56 ق ع أن الأمـر كذلك بالنسبة للمحكوم عليهم لجـنحة بالحبس مدة تزيد عن سنـة إذا ثبتت إدانتهم في نفس الأجل بالجنحة نفسها و المقصود بالأجل هنا هو المنصوص عليه في م 55 لارتباطهما أي خلال خمس (5) سنوات التالية لانقضاء العقوبة أو سقوطها بالتقادم و أن يكون الحكم نهائي.
  و بخصوص الجنحة نفسها فيشترط قانون الجمارك أن يكون التماثل حقيقيا و ذلك باتحاد العناصر المكونة للجريمتين، فإذا كان الحكم البات الذي صدر من أجل جنحة تهريب فلا يتحقق العود إلا إذا كانت الجريمة الجديدة  جنحة تهريب (103)، و هناك التماثل الحكمي في نص المادة 57 ق ع التي اعتبرت بعض الجرائم من نفس النوع لتحديد العود رغم اختلاف العناصر المكونة لها كالسرقة و إصدار شيك بدون رصيد و القتل الخطأ و الهرب و القيادة في حالة سكر، و على خلاف المشرع الجزائري فإن المشرع الفرنسي نص على التماثل الحكمي باعتباره كل الجرائم الجمركية من نفس النوع لتحديد العود.

1-2-2  تطبيق القواعد المقررة في قانون الإجراءات الجزائية:
   و يتعلق الأمر هنا بنظام وقف التنفيذ طبقا لنص المادة 592 ق إ ج التي تجيز للقاضي تعليق تنفيذ العقوبة بتوافر شروط منها:
أ- الشروط المتعلقة بالجريمة:
    أن تكون الجريمة جنحة أو مخالفة، أو جناية قضي فيها بعقوبة جنحية- الحبس- و بما أن أحكام الاستفادة من الغش لا تكون إلا في جنح التهريب أصلا، و في حالات تكون في المخالفات فيصلح فيها وقف التنفيذ.
ب- الشروط المتعلقة بالجاني:
     فوقف التنفيذ متاح للمتهم الذي لم يسبق الحكم عليه بالحبس لجناية أو جنحة من جرائم القانون العام (104) و عليه لا يعتد بما قضي بـه في المخالفات حتى و لو كانت بالحبس ، و لا بعقوبة الغرامة المقضي بها في الجنح و الجنايات ، و لا بعقوبة الحبس 
المقضي بها في الجرائم العسكرية و السياسية.
--------------------------------------------
(103)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 366.
(104)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 282.
ج- الشرط المتعلق بالعقوبات:
    فوقف التنفيذ لا يكون إلا بالنسبة لعقوبات الحبس و الغرامة أي العقوبات الأصلية دون التكميلية، و عليه يجوز تطبيق إجراء 
وقف التنفيذ على عقوبة الحبس المقررة للجنح الجمركية دون الغرامات و المصادرات الجمركية التي تمتزج فيها العقوبة بالتعويض المدني، ووقف التنفيذ أمر جوازي متروك لسلطة القاضي (105).

2- الإكــراه البدنـي المسـبق:

       تنص المادة 299 ق ج بأنه يحبس كل شـخص حكم عليه لارتكاب عمل تهريب إلى أن يدفع قيمة العقوبات المالية الصادرة ضد ه، و ذلك بغض النظر عن كل استئناف أو طعن بالنقض ، إلا أن مـدة الحبس لا يمكن أن تتجاوز المدة التي حددها التشريع فيما يخص الإكراه البدني.

     و بما أن المادة 293 ق ج تضمنت مكـنة تنفيذ الأحكام و القرارات المتضمنة حكما بالإدانـة و الصادرة عن مخالفة جمـركية بالإكراه البدني طبقا لأحكام ق إ ج، و بالرجوع إلى المادة 597 ق إ ج في الفقرة الثانية التي تنص على أن الأداء يكون واجبا بمجرد صيرورة الحكم بالإدانة حائزا لقوة الشيء المقضي به ، فإن نص المادة 299 ق ج يعتبر استثناء إذ يحبس الشخص رغم الاستئناف أو الطعن بالنقض.

     و هذا  من مميزات التشدد التي تطبع الجزاءات الجمركية ، فالإكراه البدني المسبق هو إجراء إداري يطبق بناء على طلب إدارة الجمارك موجه إلى وكيل الجمهورية المختص بتنفيذ العقوبات ، إضافة إلى عدم تحديد المادة 299 مدة الإكراه البدني هل المقصود بها الحد الأدنى أم الأقصى وفق م 602 ق إ ج (106).
       و أضافت المادة 317 ق ج أنه يعتبر مالكو البضائع محل الغش و المستفيدون من الغش متضامنين و خاضعين للإكراه البدني من أجل دفع الغرامات و المبالغ التي تقوم مقام المصادرة.

     غيـر أنه لا يجوز الحكم بالإكراه البدني طبقا للمادة 602 ق إ ج حالة الحكم بالسجن المؤبد كما في تهريب الأسلحة طبقا للأمر 05/06 و هذا نستبعده من مجال الاستفادة من الغش المقتصرة على جنح التهريب.
     كما لا يطبق على الشخص الذي بلغ الخامسة و الستين من عمره أو إذا كان عمر الفاعل يـوم ارتكاب الجريمة يقل عن الثامنة عشرة .
      و تضيف المادة 601 أنه لا يجـوز المطالبة بتطبيق الإكـراه البدني ضد الزوج و زوجته في آن واحد و لو كان ذلك لتغطية وفاء مبالغ متعلقة بأحكام مختلفة.

-------------------------------------------  
(105)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 369.
(106)- لمزيد من الإيضاح أنظر المرجع أعلاه ص 371-372.
ثــانيا:  الجـزاءات المالـية

    و تتمثل في الغرامة و المصادرة اللتين نتناولهما بشيء من التفصيل مبرزين في ذلك مقدار كل من الغرامة و المصادرة كل حسب طبيعة الفعل ثم نبين سلطة القاضي في تقدير كل منهما كما يلي.

1- الغـرامة الجـمركية

   هي جزاء مالي يوقع على مرتكب المخالفة الجمركية بسبب الضرر الذي أحدثه أو كاد أن يحدثه للخزينة العمومية (107)

أ- مقدار الغرامة الجمركية:

     يختلف مقدار الغرامة الجمركية حسب درجة كل فعل من المخالفات إلى الجنح كما سنرى:
      فبالنسبة للمخالفات، فمخالفة الدرجة الأولى و الرابعة حسب م 319-322 ق ج قدرها 500 دج، أما مخـالفة الدرجة الثانية فالغرامة تساوي ضعف مبلغ الحقوق و الرسوم المتملص منها أو المتغاضي عنها م 320، و مخالفة الدرجـة الخامسة قدر الغرامة فيها 10000دج حسب م 323.

      أما مقدار الغرامة في الجنح فليس ثابتا بل مرتبط بقيمة البضاعة محل الغـش ، فجنحة الدرجة الأولى م 325 الغرامة فيها تساوي قيمة البضائع المصادرة، و التي تخرج من نطاق الاستفادة من الغش باعتبارها من جنح المكاتب.
    و جنحة الدرجة الثانية م 326 الملغاة غرامة تساوي مرتين قيمة البضائع المصادرة، و تقابلها جنحة تهريب البضائع المنصوص عليها في م 10 من الأمر 05/06 و الغرامة تساوي خمس مرات قيمة البضائع المصادرة.

   و جنحة الدرجة الثالثة م 327 الملغاة فالغرامة كانت تساوي ثلاثة أضعاف قيمة البضائع المصادرة، و أصبحت بموجب م 10 الفقرة الثـانية من الأمر تساوي عشر مرات قيمة البضائع المصادرة ، و نفسها عنـدما تكتشف البضائع المـهربة داخل مخابئ أو تجاويف أو أي أمـاكن أخرى مهيأة خصيصا لغرض التهريب حسب م 10/3 و نفسها في حالة التهريب باستعمال سلاح ناري طبقا للمادة 13 من الأمر السابق الذكر.

    أما عن جنحة الدرجة الرابعة م 328 الملغاة كانت الغرامة تساوي أربع مرات القيمة المدمجة للبضائع المصادرة و وسائل النقل و أصبحت بمقتضى م 12 من الأمر عشر (10) مرات مجموع قيمتي البضاعة المصادرة و وسيـلة النقل ، و هي نفسها في حالة حيازة المخازن ووسائل النقل المخصصة للتهريب داخل النطاق الجمركي حسب م 11 من الأمر .
-------------------------------------------  
(107)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 297.
ب- سلطة القاضي فيما يتعلق بالغرامة الجمركية:

   نصت المادة 281 ق ج 79/07 على عدم جواز التخفيض من الحقوق و العقوبات المنصوص عليها في قانون الجمارك و مع تعديلها بمـوجب قانون 1998 نصت بأنه يجوز لجهات الحكم فيما يخص العقوبات الجبائية إعفاء المخالفين من مصادرة وسيلة النقل و بمفهوم المخالفة فإنه لا يجوز التخفيض من الغرامة.
    إن المحكمة العليا في كثير من قراراتها نقضت الأحكام و القرارات الصادرة بتخفيض الغرامة الجمركية (108) ، لكن جمـلة الأسباب التي مؤداها أن القضاة لم يقدموا الحجج و لم يبرزوا أسباب تخفيضهم الغرامات الجمركية  قد يفتح مجـالا لإمكانية لم تنص عليها م 281 ق ج فالمنع الصريح بمقتضى هذه المادة يكفي لنقض القرار (109).
    كما اعتبرت المحكمة العليا من خلال نقضها للكثير من القرارات بأن الطرف المختص بتحديد الغرامات الجمركية هو إدارة الجمارك و القاضي ملزم بأخذ طلباتها بعين الاعتبار ما لم يطعن المتهم (110).
      و لقد تضمن التعديل المقترح للمادة 281 قبل الاستقرار على الصياغة الحالية على تخفيض مبلغ الغرامة المقررة قانونا عقابا على الجريمة المرتكبة إلى النصف و لا تطبق هذه الفقرة في حالة العود و كان هذا المسعى بغرض إيجاد التوازنات بين الصلاحيات الممنوحة لأعوان الجمارك و تقدير القضاة في مجال منح الظروف المخففة (111).غير أن التعديل استبعد هذه الفقرة.
.
2- المـصادرة الجـمركية (112)
            
         تخـتلف المصادرة عن الغرامة في كون الأخيرة يتم سدادها نقدا، بينما المصادرة فهي جزاء عيني تنفذ بنقل ملكية الأشياء المصادرة إلى الدولة ، و قد عرفها المشرع الجزائري في م 15 ق ع على أنها الأيلـولة النهائية إلى الدولة ؛ لمال أو لمجموعة أموال معينة.
   و قد نص التشريع الجمركي في القسم التاسع المعنون بأحكام جزائية على المصادرة كجزاء أساسي في بعض المخالفات و كل الجنح في الفرع الأول و الثاني من القسم التاسع و كجزاء تكميلي في الفرع الثالث م 329  التي نصت على مصادرة البـضائع التي تستبـدل أو تكون محاولة استبدال أثناء النقل إذا كانت بسند كفالة أو بوثيقة مماثلة، و كذلك أثناء وجود البضاعة في نظام المستودع الخاص أو الصناعي أو المـصنع الموضوع تحت المراقبة الجمركية و في كل أنواع الاستبدال التي تخص البضائع الموجودة تحت مراقبة الجمارك. أما بدل المصادرة فقد ورد في الفرع الرابع من القسم المذكور أعلاه.
    و عليه ستكون دراستنا مقتصرة على المصادرة كجزاء أساسي في المخالفات مع التركيز على الجنح لارتباط الاستفادة الفعلية من الغش بها ، ثم بدل المصادرة كالآتي:
-------------------------------------------- 
(108)- غرفة الجنح و المخالفات- ملف رقم 233415 قرار 25/06/2001 ، ملف رقم 242326 قرار 05/6/2001 – المجلة القضائية- عدد خاص- الجزء الثاني- سنة 2002- ص  166-177.
(109)- عمرو شوقي جبارة- الاقتناع الشخصي للقضاة على محك قانون الجمارك- المرجع السابق- ص 61.
(110)- ملف رقم 196256 قرار 24/04/2000- المجلة القضائية- المرجع أعلاه- ص 170.
(111)- عمرو شوقي جبارة- نفس المصدر أعلاه.
(112)- لمزيد من التفصيل- أنظر احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص من 399 إلى 359.
أ-  المصادرة في المخالفات الجمركية:

      المصادرة في المخالفات منصوص عليها في المواد 321-322-323 أي الدرجة الثالثة و الرابعة و الخامسة.
 ففي مخالفة الدرجة الثالثة تصادر البضاعة المتنازع عليها م 321، و في مخالفة الدرجة الرابعة تصادر البضائع محل الغش أو تدفع قيمتها المحسوبة وفق م 16 ق ج هذا حسب م 322، و في مخالفة الدرجة الخامسة تصادر البضائع محل الغش م 323.

ب-   المصادرة في الجنح الجمركية:

   نص قانون الجمارك على مصادرة البضاعة محل الغش و البضائع التي تخفي الغش في الجنح من الدرجة الأولى إلى الثالثة و نص على مصادرة البضائع محل الغش و وسائل النقل في الجنحة من الدرجة الرابعة، فالجنح المتعلقة بالتهريب نقل محتواها إلى الأمـر 05/06 الذي تنص م 16 منه على أن تصادر لصالح الدولـة ؛ البضائع المهربة و البضائع المستعملة لإخفاء  التهريب و وسائل النقل إن وجدت في الحالات المنصوص عليها في م 10-11-12-13-14-15 من الأمر.
    و هناك حالات للإعفاء من المصادرة منها ما يتعلق بالبضاعة و منها ما يتعلق بوسيلة النقل كما سنرى.

ب-1  الإعفاء من مصادرة البضاعة:
     نصت م 335 ق ج أنه عند إنشاء مكتب جمارك جـديد؛ لا تخضع البضائع غير المحظورة للمصادرة بسبب عدم توجيهها مباشرة إلى هذا المكتب إلا بعد شهرين من تاريخ نشر المقرر المنصوص عليه في م 32 من هذا القانون التي تحدد إنشاء مكـاتب و مراكز الجمارك و كذا اختصاصاتها و تاريخ فتحها بمقرر من المدير العام للجمارك و تنشر هذه المقررات في الجريدة الرسمية. 

ب-2   الإعفاء من مصادرة وسيلة النقل:

- حالات المادة 281 ق ج:  
      نصت م 281 في فقرتها ب أنه فيما يخص العقوبات الجبائية ؛ إعفاء المخالفين من مصادرة وسائل النقل في أعمال التهريب الخاصة ببضائع غير محظورة عند الاستيراد أو التصدير حسب مفهوم م 21/1 و المقصود بها المحظورة حظرا مطلقا (113) ، إذن فمصادرة وسيلة النقل حتى في ظل الأمر 05/06 جوازية ماعدا في حالتي البضاعة المحظورة و في حالة العـود كما رأينا سابقا   و العود المقصود هنا هو العود ضمن أعمال التهريب إلى التهريب المعاقب عليه بمصادرة وسيلة النقل.
     و في إطار دراسة اللجنة المختصة بتعديل م 281 ق ج قبل الصياغة المستقر عليها فإن إعفاء المخالفين من مصادرة وسيلة النقل يعد نوعا من إعادة التوازن للصلاحيات التي ينطق بها القاضي ضمن الظروف المخففة (114) . 
-------------------------------------- 
(113)- أنظر الهامش رقم 67- ص 31.
(114)- عمرو شوقي جبارة- الاقتناع الشخصي للقضاة على محك قانون الجمارك- المرجع السابق – ص 69.
حالات المادة 340 مكرر:
      تنص هذه المادة على ألا تتعرض وسائل النقل المنصوص عليها في هذا القانون للمصادرة:
- في حالة المخالفات المذكورة في م 304 و المقصود بها المخالفات الجمركية المرتكبة على متن السفن و المراكب الجوية.
- في حالة التفريغ أو الشحن غشا في الموانئ أو المطارات المفتوحة للملاحة الدولية. 
       
ت-   بـدل المصـادرة

      تنص المادة 336 ق ج على أن تصدر المحكمة بناء على طلب إدارة الجمارك؛ الحكم بدفع مبلغ يعادل قيمة الأشياء القابلة للمصادرة ليحل محلها و تحسب هذه القيمة حسب سعر هذه الأشياء في السوق الداخلية اعتبارا من تاريخ إثبات المخالفة.
     و المـلاحظ أن هذه المادة لم تذكر الحالات التي يطبق فيها بدل المصادرة، إذن تستشف هذه الحالات من خلال اجتهادات القضاء (115) و هي كما يلي:
  - إذا لم تضبط البضائع محل الجريمة ، فلقد قضت المحكمة العليا في عدة قرارات بأنه متى تعذر حجز البضاعة و كانت المخالفة المرتكبة تعرض مرتكبها لمصادرتها، تعين على جهات الحكم أن تصدر بناء على طلب إدارة الجمارك؛ حكما بدفع مبلغ يعادل قيمة تلك البضاعة ليحل محل المصادرة، علاوة على الغرامة الجبائية المقررة جزاء للمخالفة (116)
  - إذا كانت وسيلة النقل مملوكة للدولة.
  - الحالات المنصوص عليها في م 246 التي تفرض على الأعوان المثبتين للمخالفات الجمركية؛ عرض رفع اليد عن وسائل النقل وجوبا عندما تكون ملكا للغير حسن النية- الذي أبرم عقد نقل أو إيجار أو قرض إيجار– بدون كفالة أو إيداع قيمتها و كذلك عرض رفع اليد عن وسائل النقل القابلة للمصادرة تحت كفالة قابلة للدفع أو إيداع قيمتها.
    فإذا ما رفعت إدارة الجمارك اليد عن وسيلة النقل وفق م 246 وتعذر عليها فيما بعد استرجاعها تقضي جهات الحكم بناء على طلب إدارة الجمارك على المخالف بمبلغ مالي يقوم مقام مصادرة وسيلة النقل. 

الفــرع الثـاني   الجـزاءات التكـميلية

      إن العقوبات التكميلية المطبقة على المخالفين منها ما هو منصوص عليه في قانون الجمارك 98/10 ومنها ما هو منصوص عليه في الأمر 05/06 المتعلق بمكافحة التـهريب و المطبق على مرتكبي التهريب وعليه سنعرضها تباعا بدءا بقانون الجمارك ثم نركز على العقوبات التكميلية الواردة في الأمر المتعلق بمكافحة التهريب كما يلي:


---------------------------------------------  
(115)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 352.
(116)- ملف 119851 قرار 24/03/1996 ، ملف 139467 قرار 27/01/1997 ، ملف 139539 قرار 24/02/1997 – احسن بوسقيعة- التشريع الجمركي مدعم بالاجتهاد القضائي- المرجع السابق- ص 106. 
أولا: العقوبات التكميلية في قانون الجمارك 98/10

         جاء في م 329 ق ج أنه فضلا عن العقوبات الأخرى المنصوص عليها في القانون تصادر البضائع التي تستبدل أو تكون محـل محاولة استبدال أثناء النقل إذا كانت بسـند كفالة أو بوثيقة مماثلة ،  أو أثناء وجود البضاعة في نـظام المستودع الخاص أو المستودع الصناعي أو المصنع الموضوع تحـت المراقبة الجمركية ، و في كل أنواع الاستبدال التي تخص البضائع الموجودة تحت مراقبة الجمارك. 
        و نصت م 330 على الغرامة التهديدية في نوع معين من المخالفات و هي مخالفة المادة 48 المتعلقة بتسليم بعض الوثائق لأعوان الجمارك، و هي مخالفة من الدرجة الأولى م 319/و. و الرأي الأنسب حول طبيعتها أنها لا تشكل عقوبة جزائية رغم ورودها تحت عنوان العقوبات التكميلية، و إنما هي جزاء ذو طابع مدني تنتسب إلى الغرامة التهديدية المنصوص عليها في القانون المدني أكثر مما تنتسب إلى الغرامة الجزائية في قانون العقوبات(117)
        و عليه سنركز بحثنا على العقوبات التكميلية المنصوص عليها في الأمر 05/06 و التي تهم أكثر الاستفادة الفعلية و المباشرة من الغش المرتبطة بجنح التهريب كالآتي:

ثانـيا: العقـوبات التكميلية في الأمـر 05/06 المتعلق بمكـافحة التهريب

    و بما أن الاستفادة الفعلية من الغش لا تكون إلا في جنح التهريب، فإن العقوبات التكميلية المطبقة على المستفيدين من الغش عن أعمال التهريب هي الواردة في الأمر 05/06 المتعلق بمكافحة التهريب في المادة 19 منه التي تنص على ما يلي:
    في حـالة الإدانة من أجل إحدى الجـرائم المنصوص عليها في هذا الأمر ، يعاقب الجاني وجوبا بعقوبة تكميلية أو أكثر من العقوبات التالية:
- تحديد الإقامة.
- المنع من الإقامة.
- المنع من مزاولة المهنة أو النشاط.
- إغلاق المؤسسة نهائيا أو مؤقتا.
- الإقصاء من الصفقات العمومية.
- سحب أو توقيف رخصة السياقة أو إلغائها مع المنع من استصدار رخصة جديدة.
- سحب جواز السفر.
      و الملاحظة المبداة بشأن هذا النص هو إيراد عدة عقوبات تكميلية وجوبية دون تحديد حدودها و لا المقصود بها على غرار 
بعض القوانين، و عليه وجب الرجوع إلى القواعد العامة لتفسير مضامينها كالآتي:

------------------------------------------------ 
(117)- احسن بوسقيعة – المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 379.
1- تحديد الإقامة:  يجد أصله في القواعد الموضوعية الواردة في قانون العقوبات بخصوص العقوبات التكميلية حيث عرفته المادة
11 منه بأنه إلزام المحكوم عليه بأن يقيم في منطقة يعينها الحكم و لا يجوز أن تجاوز مدة خمس سنوات، و يبدأ تنفيذ تحديد الإقامة من يوم انقضاء العقوبة الأصلية أو الإفراج عن المحكوم عليه.
   و يبلغ الحكم إلى وزارة  الداخلية التي يمكن لها أن تصدر أذون انتقال مؤقتة داخل المنطقة، كما ويعاقب الشخص المحددة إقامته بالحبس من 03 أشهر إلى 03 سنوات إذا خالف أحد تدابير تحديد الإقامة.

2- المنع من الإقامة:  عـرفته المادة 12 من ق ع بأنه الحظر على المحكوم عليه أن يوجد في بعض الأماكن و لا يجوز أن تجاوز مدته خمس سنوات في مواد الجنح و عـشر سنوات في مواد الجنايات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. و آثـار هذا المنع و مدته لا تبدآن إلا من اليوم الذي يفرج فيه عن المحكوم عليه و بعد أن يكون قد بلغ إليه قرار المنع من الإقامة.

3- المنع من مزاولة المهنة أو النشاط:  وقد ورد ضمن التـدابير العينية في م 19/3 من قانون العقوبات، و نصت م 23 ق ع على أنه يجوز الحكم بالمنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن على المحكوم عليه لجناية أو جنحة؛ إذا ثبت للقضاء أن للجريمة التي ارتكبت صلة مباشرة بمزاولة المهنة أو النشاط أو الفن، و أنه يوجد خطر من تركه يمارس أيا منها، و يجوز أن يؤمر بالنفاذ المعجل لهذا الإجراء . 
    و على العكس من الأمر 05/06 المتعلق بمكافحة التهريب، فإن الأمر 04/18 المؤرخ في 25/12/2004 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها الذي حدد مدة المنع من مزاولة المهنة أو النشاط في المادة 29 منه بمدة لا تقل عن خمس سنوات.
   و كذلك يستمد أصله من جهة أخرى من القواعد الإجرائية الواردة ضمن مستلزمات الرقابة القضائية المنصوص عليها بالمواد 125 مكرر1 رقم 5 من قانون الإجراءات الجـزائية و هي عدم القيام ببعض النشاطات المهنية عندما ترتكب الجريمة إثر ممارسة أو بمناسبة ممارسة هذه النـشاطات و عندما يخشى من ارتكاب جريمة جديدة.

4- إغلاق المؤسسة نهائيا أو مؤقتا:  مستمد من التدابير العينة المنصوص عليها بالمادة 20/2 من قانون العقوبات و نصت م 26 منه على أنه يجوز أن يؤمر بإغلاق المؤسسة نهائيا أو مؤقتا في الحالات و بالشروط المنصوص عليها في القانون.
     و لقد ورد في الأمر 04/18 المتعلق بالوقاية من المخدرات السالف الذكر، على الغلق المؤقت لمدة لا تزيد عن عشر سنوات بالنسبة للفنـادق و المنازل المفروشة و مراكز الإيـواء و الحانات و المطاعم و النوادي و أماكن العروض أو أي مكان مفتوح للجمهور أو مستعمل من قبل الجمهور، على عكس الأمر 05/06 المتعلق بمكافحة التهريب الذي لم يحدد مدة الغلق المؤقت.

5- الإقصاء من الصفقات العمومية:  و هو تجـريد المحكوم عليه من أهلية إبـرام الصفقات العمومية، و لم يحدد المشرع هذا الإقصاء أهو نهائي أم مؤقت.

6- سحب أو توقيف رخصة السياقة أو إلغائها مع المنع من استصدار رخصة جديدة:  و لعل هذه العقـوبة مستوحاة من 
القانون 01/14 المؤرخ في 19/08/2001 المعدل بالقانون 04/16 المؤرخ في 10/11/2004 المتعلق بتنظيم حركة المرور عبر الطرق و سلامتها و أمنها الذي نصت م 110 منه على أنه يمكن أن يكون تعليق رخصة السياقة أو إلغاؤها و كذا منع تسليمها من العقوبات التكميلية التي يمكن أن تحكم بها الجهات القضائية المختصة، و يمكن الحكم بالتنفيذ المعجل لهذه العقوبات التكميلية كتدبير وقائي.
    زيادة على ذلك يطبق على عدم الامتثال لهذا المنع؛ مقتضيات المادة 105 من القانون المتعلق بتنظيم حركة المرور التي تعاقب بالحـبس من شهرين إلى ستة أشهر و بغرامة من 1500 إلى 5000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل شخص يستمر في قيادة مركبة ذات محرك يقتضي لأجل قيادتها وثيقة ما رغم تبليغه القرار الصادر بشأنه و المتضمن تعليق أو إلغاء رخصة السياقة أو منع تسليمها، كما وتطبق نفس العقوبات على كل شخص يستلم تبليغ قـرار صادر بشأنه و يتضمن تعليق أو إلغاء رخصة السياقة و يرفض تسليم الرخصة المعلقة أو الملغاة إلى العون التابع للسلطة المكلفة بتنفيذ القرار . 
     و بخـلاف هذين القانونين المحـدد فيهما مدة السحب أو التوقيف أو المنع من تسليم رخصة السياقة في م 109 من قانون 04/16 و المادة 111 من قانون 01/14 حسب كل حالة و المـنع النهائي في م 113 من هذا الأخـير، فإن المشرع في الأمر 05/06 المتعلق بمكافـحة التهريب لم يحدد مدد السحب أو التوقيف أو المنع المـؤقت عكس ما فعله في الأمر 04/18 المتعلق بالوقاية من المخدرات فقد حددت المادة 29 منه مدة السحب بخمس سنوات.
7- سحب جواز السفر:  مستمد من مستلزمات الرقـابة القضائية  الواردة بالمادة 125 مكرر رقم 4 من ق إ ج و المتضمنة تسليم كافة الوثائق التي تسمح بمغادرة التراب الوطني، غير أن هذه الأخيرة ينتهي مفعولها برفع الرقابة القضائية سواء بطلب من وكيل الجمهورية أو من المتهم، و قد ورد سحب جواز السفر في الأمر 04/18 السالف الذكر المتعلق بالوقاية من المخدرات في المادة 29 منه بمدة لا تقل عن خمس سنوات.
 
المـطلب الثـاني   التضـامـن 

     يجد نظام التضامن أصله في القانون المدني و منه انتقل إلى القانون الجزائي و من هذا الأخير إلى قانون الجمارك، و عليه ارتأينا أن نقسم هذه الدراسة بتبيان ماهية التضامن بدءا من أصله في القانون المدني ثم التضامن في قانون الجمارك بشيء من الإيجاز في الفرع الأول ثم نبين شروط التضامن في فرع ثان تباعا كما يلي:

الفـرع الأول   ماهـية التضامـن

أولا: التضامـن في القـانون المـدني

     التضامـن بين المدينين لا يفترض و إنما يكون بناء على اتفاق أو نص في القانون ، هذه القاعدة جاءت بها المادة 217 من القانون المدني ، فإذا تعدد المدينين ؛ يصبح كل مدين مسؤولا نحو الدائن عن كامل الدين و يعد ضمانا للدائن بإمكانية استيفاء كامل الدين منهم جميعا أو من أحدهم و منه فلا يضار من عسر أحدهم ، غير أن وفاء أحد المدينين مبرئ ذمة الباقين ، و على هذا الأخير أن يعـود على كل واحد بمقدار مسؤوليته ، إذ تنص م 234 ق م أنه إذا وفى أحد المدينين المتضامنين كل الدين فلا يرجع على أي من الباقين إلا بقدر حصته في الدين ، و لو كان بدعوى الحلول محل الدائن، و يقسم الدين بالتساوي بين المدينين ما لم يكن هناك اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك.

 و إذا أعسر أحد المدينين المتضامنين تحمل هذا الإعسار من وفى الدين و سائر المدينين الموسرين كل بقدره، و لقد قضت المحكمة العليا (118) بأنه لما كانت قواعد المسؤولية التقصيرية تسمح للدائن عند تعدد طرفي الالتزام ؛ مطالبة المدينين المتضامنين مجتمعين
أو منفردين ، فإنه لا يجـوز للمدين المعارضة على الوفاء بكل الدين ما دام القانون قد خـول له حق الرجوع على من شاركه في الضرر بقدر حصته في المسؤولية.

ثـانيا:  التضـامن في قـانون الجمـارك (119)

        بمقتضى القاعدة التي وردت في م 217 من القانون المدني أن التضامن بين المدينين لا يفترض و إنما يكون بناء على اتفاق أو نص في القانون، انتقل نظام التضامن إلى القانون الجـزائي فقد نصت م 4 ق ع في فقرتها الخـامسة على اعتبار الأشخاص المحكوم عليهم بنفس الجريمة متضامنين في الغرامة و رد الأشياء و الضرر و المصاريف مع مراعاة بعض القواعد الإجرائية في حالة إعفاء أحد المحكوم عليهم من جزء من المصاريف وجعله على عاتق الخزينة العمومية.

     و منه انتقـل إلى قانون الجمارك الذي بدوره نص على نوعين من التضامن في م 316 منه المتعلقة بتضامن المحكوم عليهم لارتكابهم الغش نفسه بالنسبة للعقوبات المالية التي تقوم مقام المصادرة و بالنسبة للغرامات و المصاريف على حد سواء .
      أما المادة 317 فقد نصت على تضامن مالكي البـضائع محل الغش و المستفيدين من الغش و خضوعهم للإكراه البدني من أجل دفع الغرامات و المبالغ التي تقوم مقام المصادرة.

    و يجد التضامن أساسه في الطابع التعويضي الذي تشتمله الغرامات و المصادرة الجمركية باعتباره يضمن حماية مصالح الخزينة العامة ، و يحقق لإدارة الجمارك غرضها الأساسي المتمثل في حمايتها كدائن ضد خطر إعسار أحد المحكوم عليهم. 

   و هو لا يعـدو أن يكون مجرد وسيلة لتنفيذ العقوبات المالية الجمـركية كضمانة لتحصيل تلك الغـرامات و عليه فمن غير الضروري تصريح القضاة في حكمهم على التضامن، و يشمل التضامن كذلك؛ بدل المصادرة و المصاريف القضائية.



------------------------------------------ 
 (118)- الغرفة المدنية- ملف رقم 26330 قرار 30/03/1983- المجلة القضائية – العدد 4/1989- ص 42- عمر بن سعيد- المرجع السابق- ص 141.
(119)- لمزيد من الإيضاح- أنظر احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 442 و ما يليها.
الفـرع الثـاني   شـروط التضـامن

أولا:  الشروط المتعلقة بالفعل:

      الشرط الأساسي لقيام التضامن هو وحدة فعل الغش، أي أن يتعلق الأمر بنفس الجريمة، و تقدير الارتباط مسألة موضوعية تعود للقضاة ، فلقد قضت المحكمة العليا في عدة قرارات بأنه تكون الأحكام الصادرة في مواد المخالفات الجمركية على العديد من الأشخاص لارتكابهم الغش نفسه و قضت بأنـه مادامت المتهمات قد ضبطت وهن يحـزن مفرقعات مستوردة عن طريق التهريب، فإن الغرامة الجمركية المحكوم بها تكون بالتضامن فيما بينهن ، و قضت كذلك أنه طالما أن المتهمين ضبطوا في سيارة واحدة و كل منهم يحمل بضاعة من صنف البضائع الحساسة القابلة للتهريب بدون وثائـق تثبت حيازتها الشرعية إزاء التنظيم الجمركي فإن الغرامة الجمركية تكون بالتضامن فيما بينهم (120).

ثـانيا:  الشروط المتعلقة بالأشخاص

         يجب أن يتعلق الأمر بذات المشاركين في الجريمة ، سواء كانوا فاعلين حسب المادة 316 من قانون الجمارك ، أو كانوا مالكين للبضائع حمل الغش أو مستفيدين من الغش حسب مقتضيات المادة 317 من نفس القانون.
    و لقد قضت المحكـمة العليا أنه طالما أن صاحب الشاحنة لم يضبط و هـو يحوز البضاعة محل الغش ، كما أنه لم يثبت من أوراق الدعوى أنه ساهم بأي شكل من الأشكال في ارتكاب المخالفة الجمركية ، أو أنه استفاد منها مباشرة فإن أحكام المادتين 303 و 310 لا تنطبق عليه ، غير أنه يبقى متضامنا مع المتهمين لدفع الغـرامات الجمركية طبقا لأحكام م 317 ق ج (121)،
أي على أساس أنه مالك للبضاعة محل الغش.
      و بمفهوم المخالفة لما قضت به المحكمة العليا ، فإن المستفيد من الغش كي يكون متضامنا ؛ يجب أن تتوافر فيه أحكام المادة 310 من قانون الجمارك على أساس الاستفادة الفعلية المباشرة من الغش و هي المشاركة بصفة ما في جنحة تهريب و الاستفادة مباشرة من الغش.
       كذلك يجب تـوافر أحكام المادة 312 من نفس القانون على أساس الاستفادة الحكمية بسبب الحيازة بمكان ما أو شراء بضائع مستوردة عن طريق التهريب أو بدون التصريح بها بكمية تفوق الحاجيات العائلية.
       هذه الشروط التي سبق تبيانها بشئ من التفصيل في المبحث الثاني من الفصل الأول.




---------------------------------------------- 
(120)- ملف رقم 152787 قرار 22/12/1997، ملف رقم 156676 قرار 22/12/1997، ملف رقم 161986 قرار 27/12/1997.
        - احسن بوسقيعة- التشريع الجمركي مدعم بالاجتهاد القضائي- المرجع السابق- ص 97. 
(121)- ملف رقم 156703 قرار 22/12/1997- نفس المصدر اعلاه. 
الخــاتمـــــــة

      هذه مجمل الدراسة المتعلقة بنظام الاستفادة من الغش ، التي حاولنا من خلالها الإسهام في توضيح معالمه و خطوطه العريضة متبعين في ذلك ، التدرج المنهجي في الطرح بدءا بالقـواعد العامة للاشتراك ، ثم التطور الزمني لهذا المفهوم مـن خلال تأصيله وبيان أسباب ظهوره في القانون الفرنسي ، لننتهي بعد ذلك إلى نطاقه ضمن المسؤولية عن الجرائم الجمركية في التشيع الجمركي الجزائري.

         و لقد راعينا في هذه الدراسة توضيح كل ما يهم الجانب القضائي من فهم بالدرجة الأولى لهذا النظام و مبرزين حدوده و أسس قيام المسؤولية عن الاستفادة من الغش و أسباب الإعفاء منها ، و ما يترتب عن قيام هذه المسؤولية من جزاء و تضامن لتنفيذ هذا الجزاء ، بدرجة ثانية عند تطبيق أحكام قانون الجمارك على المستفيدين من الغش.

        و توخينا جانب الدقة في محاولة للإلمام بكل ما يحتمل أن يثور من إشكالات عند تطبيق أحكام الاستفادة من الغش فيما يخـص جانب  تطبيق الجزاءات الجـمركية الجبائية منها و الجزائية المحضة ، محاولين في ذلك إجلاء الغموض حول حدود سلطة القضاء عند توفرها ، للحفاظ على الموازنة بين جانبي المعادلة  التي تعمل السلطة القضائية على إرساء دعائمها و المتمثلة في حق المجتمع في ردع الخارجين عن القانون و جبر الضـرر الحاصل بالخزينة العامة من جهة ، و من جـهة أخرى الحفاظ على حرية الأشخاص و حماية أملاكهم و أموالهم من كل تعسف خارج عن حدود القانون.

      و لقد اعتمدنا في كل هذا على المؤلفات الجزائرية لذوي الاختصاص و الدراية في هذا المجال ، و الذين كان لهم الدور البارز في توضيح المفاهيم الغامضة و ملاحظاتهم القيمة بخصوص الفراغات القانونية ، سواء منهم ذوي الاختصاص في الشؤون القانونية و بالموازاة من ذلك ؛ المختصين في المجال الجمركي كل هذا ليصب في مصب واحد هو خدمة العدالة.

      و لقد ارتأينا تدعيم هذه الدراسة بالاجتهادات القضائية على أعلى مستوياتها لإضفاء الطابع التطبيقي و تغليبه على الجانب النظري ، و لقد تسنا لنا إبداء بعض الملاحظات حول الأمر 05/06 المتعلق بمكافحة التهريب ، بإبراز جوانب تأثيره على المواد التي من المفروض أن تعدل و التي تأثرت بإلغاء جنح التهريب و التوسيع من دائرته خاصة المادة 323 ، و بصـفة أخص المادة 310 المتعلقة بالاستفادة الفعلية من الغش و ضرورة تعديلها لتشمل كافة أعمال التهريب و منها الجنايات المستحدثة بمـوجب الأمر السالف الذكر و عدم قصرها على جنح التهريب لتحقيق الغاية المرجوة في إطار مكافحة التهريب، و نفس الشيء يقال بخصوص المادة 312  لتأثر مخالفات التهريب بمقتضيات الأمر 05/06 ، السالف الذكر.

     
       

  قائــمة المراجــع

أولا   القــوانين
        - الأمر رقم 66/155 مؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق 08 يونيو سنة 1966 يتضمن قانون الإجراءات الجزائية معدل و متمم................... مختصر ق إ ج.
         - الأمر رقم 66/156 مؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق 08 يونيو سنة 1966 يتضمن قانون العقوبات معدل و متمم   ....................... مختصر ق ع.
       - الأمر رقم 75/58 مؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة  1975 يتضمن القانون المدني معدل و متمم ............................. مختصر ق م.
       - قانون رقم 79/07 مؤرخ في 26 شعبان عام 1399 الموافق 21 يوليو سنة  1979 يتضمن قانون الجمارك المعدل بالقـانون رقم 98/10 مؤرخ في 29 ربيع الثاني عام 1419 الموافق 22 غشت 1998 ...... مختصر ق ج.
       - الأمر 05/06 مـؤرخ في 18 رجب عام 1426 الموافق 23 غشت سنة 2005 الجريدة الرسمية رقم 59. 

ثـانيا   المــؤلفات
     - الدكتور احسن بوسقيعة   - المنازعات الجمركية - الطبعة الثانية - 2001.
                                    - الوجيز في القانون الجزائي العام - الديوان الوطني للأشغال التـربوية                                               طبعة 2002.
                                         - التشريع الجمركي مدعم بالاجتهاد القضائي- الديوان الوطني للأشغال                                          التربوية- الطبعة الثانية- 2001. 
       - الدكتور عبد الله سليمان    – شرح قانون العقوبات القسم العام- الجزء الأول الجريمة- دار الهدى عين                                        مليلة- الجزائر.
   - عمر بن سعيد –  الاجـتهاد القضائي وفقا لأحكام القانون المدني - دار الهدى - عين مليلة - الجزائر.
   - نبيل صقر و أحمد لعور- قانون العقوبات طبقا لأحدث التعديلات و مـزود بقرارات المحكمة العليا -                                     دار الهلال للخدمات الإعلامية- سنة 2005.

ثـالثا  الأطـروحات
     - الدكتور عبد المجيد زعلاني- خصوصية قانون العقوبات الجمركي- أطروحة دكتوراه - جامعة الحقوق                                       بن عكنون- الجزائر- سنة 1998.
رابـعا  البحوث و الدراسات
       - الدكتور احسن بوسقيعة  - خصوصيات المنازعات الجمركية - دراسة منشورة- المجـلة القـضائية                                             العدد الثاني سنة 2000 - قسم الوثائق للمحكمة العليا - 2001. 
                                     -  المخالفات الضريبية ( الغش الضريبي )- دراسة منشورة- المجلة القضائية                                        العدد الأول- سنة 1998.
       - الدكتور عبد المجيد زعلاني- الاتجاهات الحديثة لتشريع جرائم الصرف- محاضرة ألقيت بالمحكمة العليا                                        يوم الاثنين12 ماي 1997- المجلة القضائية – العـدد الأول – سـنة 1996                                            قسم الوثائق للمحكمة العليا- 1999. 
     - الأستاذ عمرو شوقي جبارة –  الاقتناع الشخصي للقضاة على محك القانون الجمركي - ترجمة قسم                                           الوثائق للمحكمة العليا - المجلة القضائية - عدد خاص – الجـزء الثاني                                             سنة 2002. 
                                     - محاضرات ألقيت في المدرسة العليا للقضاء - طلبة الدفعة 14 – السـنة                                            الأولى- سنة 2003/2004.
        - يوسف ابرادشة- نظرية الاستفادة من الغش - مذكرة السنة الرابعة – المـدرسة الـوطنية للإدارة                                     فرع  إدارة الجـمارك - تأطير الأستاذ عمرو شوقي جبارة - سنة 2001.
        - بلال مروش –  المستفيد من الغش مميزاته و تأثيراته على القمع - مذكرة السنة الثالثة – المـدرسة                              الوطنية للإدارة- فرع إدارة الجمارك- تأطير الأستاذ سعادة إبراهيم- سنة 2003.

     خـامسا   المجـلات القـضائية
         - نشرة القضاة – العـدد 50 - سنة 1997.
          - العدد الثاني 2000- قسـم الوثائق 2001.
          - عدد خاص-  الجـزء الثاني - سنة 2002.
          -  العدد الثاني 2002 - قسم الوثائق 2004.
          - العدد الأول 2003 - قسم الوثائق 2004.
          - العدد الثاني 2003 - قسم الوثائق 2004.





الفـــــهرس

المـقدمــة                                                                                                  1
الفصل التمهيدي   القواعد العامة للاشتراك                                                       3
المبحث الأول         مفهوم الاشتراك                                                            3
المطلب الأول              تعريف الشريك                                                                     3  
 المطلب الثاني             التمييز بين الفاعل و الشريك                                                        4
المبحث الثاني          شروط معاقبة الشريك                                                                             5
المطلب الأول               أركان الاشتراك                                                                    5
المطلب الثاني               جزاء الشريك                                                                       7
الفصل الأول       تطور مفهوم المستفيد من الغش                                             9
المبحث الأول         مفهوم المستفيد من الغش في فرنسا                                             9
المطلب الأول             تكون نظام الاستفادة من الغش                                                      9 
الفرع الأول              أسباب ظهور نظام المستفيد من الغش                                                9
        أولا                 خصوصية الجريمة الجمركية و توسع دائرة المسؤولية                                          10
        ثانيا                   ضيق الركن المادي في القواعد العامة للاشتراك                                                   10 
        ثالثا                  اتساع الركن المعنوي في القواعد العامة للاشتراك                                                  11 
 الفرع الثاني            تطور نظرية المستفيد من الغش                                                          11
      أولا                ظهور النظرية و غموضها في التشريع الفرنسي                                                      12  
       ثانيا                 غموض النظرية في القضاء الفرنسي                                                                 12 
المطلب الثاني            الدلالة الحديثة لمؤسسة المستفيد من الغش                                             14
الفرع الأول            الاستفادة المباشرة من الغش                                                            15
      أولا                 الاستفادة المباشرة الأصلية                                                                           15 
     ثانيا                الاستفادة من الغش اعتبارا لصفات أو وظائف معينة                                               16
الفرع الثاني            الاستفادة غير المباشرة من الغش                                                        17
     أولا                 التعاون في تنفيذ مخطط الغش                                                               17  
    ثانيا               الأعمال اللاحقة على الغش                                                                         18



المبحث الثاني    المستفيد من الغش في الجزائر                                                  19 
 المطلب الأول       المستفيد من الغش قبل سنة 1998                                                        19
الفرع الأول        المستفيد من الغش قبل قانون 1979                                                        19
الفرع الثاني         الاستفادة من الغش في ظل قانون 79/07                                                       20
       أولا            الاستفادة المباشرة من الغش في قانون 1979                                                     21
      ثانيا          الأعمال اللاحقة على الغش                                                                  26 
المطلب الثاني       الاستفادة من الغش بعد1998                                                             28
الفرع الأول       الاستفادة من الغش في ظل قانون 98/10                                                  28
      أولا          أسباب التعديل                                                                                                     28      
      ثانيا          مضمون النظرية                                                                                           29
الفرع الثاني       تأثيرات الأمر 05/06 على مضمون الاستفادة من الغش                                   34
      أولا        على مستوى المادة 310                                                                           35
     ثانيا         على مستوى المادة 312                                                                          36
الفصل الثاني   المسؤولية عن الاستفادة من الغش                                             37
المبحث الأول    أسس قيام المسؤولية و أسباب الإعفاء منها                                         37
المطلب الأول       أسس قيام المسؤولية                                                                     37
الفرع الأول        المسؤولية المؤسسة على أحكام القانون الجزائي                                          38
        أولا         المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي                                                           38
        ثانيا        المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي                                                                      38
الفرع الثاني       المسؤولية المؤسسة على أحكام القانون المدني                                              42
       أولا          المسؤولية المدنية المحضة                                                                                  42
      ثانيا           المسؤولية المدنية المؤسسة على أحكام قانون الجمارك                                            43
المطلب الثاني     أسباب الإعفاء من المسؤولية                                                              44
الفرع الأول     أسباب الإعفاء من المسؤولية الجزائية                                                       44
      أولا        أسباب الإعفاء في القانون العام                                                                          44
      ثانيا         أسباب الإعفاء في قانون الجمارك                                                                        45
الفرع الثاني     أسباب الإعفاء من المسؤولية المدنية                                                        46
       أولا        إعفاء الأبوين من المسؤولية المدنية عن أعمال أولادهم القصر                                      46
      ثانيا         إعفاء المتبوع من المسؤولية المدنية عن فعل تابعه                                                         46



المبحث الثاني   النتائج المترتبة عن قيام المسؤولية                                               47
المطلب الأول     جزاء المستفيد من الغش                                                                   47
الفرع الأول       الجزاءات الأصلية                                                                          47
        أولا          الجزاءات الشخصية                                                                                     47
       ثانيا           الجزاءات المالية                                                                                          48
الفرع الثاني       الجزاءات التكميلية                                                                        55
       أولا          الجزاءات التكميلية في قانون الجمارك                                                                  56
       ثانيا         الجزاءات التكميلية في الأمر 05/06 المتعلق بمكافحة التهريب                                      56
المطلب الثاني     التـضامن                                                                                58
الفرع الأول     ماهية التضامن                                                                             58
      أولا          التضامن في القانون المدني                                                                       58
      ثانيا          التضامن في قانون الجمارك                                                                             59
الفرع الثاني      شروط التضامن                                                                           60
     أولا           الشروط المتعلقة بالفعل                                                                                 60
     ثانيا           الشروط المتعلقة بالأشخاص                                                                            60
الخـاتمـــة                                                                                           61


تعليقات