اتفاقيات التعاون القانوني والقضائي في تسليم المجرمين
مقدمــــــــة
يمثّل التعاون الدولي- بهذا المعنى - أحد جانبي العلاقات الدولية حيث
يقابله في الجانـب الآخر "الصراع الدولي ", فالمتأمل في التاريخ يرى أنّ
النظام العالمي يعيش منذ ظهوره حالة من التأرجح, والتعاون الدولي في مكافحة
الجريمة يمثل أحد صور التعاون الدولي بمفهومه الشامل السابق الإشارة إليه, وقد
اختلفت صوره عبر الزمان, كما اختلفت أشكاله وأساليبه وآلياته, وكذا اتساع مجالاته
وطموحاته فنتيجة لتطور الجريمة ومناهج الإجرام كانعكاس للتطوّر الحضاري
والتكنولوجي لاسيما في مجال المواصلات والاتصالات والمعلومات, كان من الضروري أن
تتطوّر خطط ومناهج التصدي لها.
وقد يكون التعاون القضائي الدولي من أسمى مظاهر التعاون الدولي في مكافحة الجريمة , إذ يوفّق بين استقلال كل دولة في ممارسة اختصاصها الجزائي على حدود إقليمها , وبين ضرورة ممارسة حقها في العقاب , وبدون هذا التعاون , فلا يمكن للدولة أن تمارسه, ولعلّ أنّ هذا التعاون قد أدّت إلى ظهوره الأسباب التالية :
أولا : تقيّد سلطات الدولة بحدود إقليمها, إذ لا
يمكن أن تسري قوانينها العقابية أو مباشرة الإجراءات خارج حدود الإقليم الوطني
للدولة لأن ذلك سيمس بسيادة الدولة الأجنبية.
ثانيا : تلازم حق الدولة في العقاب ومجال الدعوى
العمومية تطبيقا لتشريعاتها الجزائية.
وهكذا فإنّ التعاون الدولي قد انحصر في التخلص من مشكلة الحدود الإقليمية
بين الدول, التي تحول دون قدرتها على محاكمة الجاني طبقا لقانونها أو تنفيذ
العقوبة عليه. وقد كان نظام تسليم المجرمين أفضل وسيلة لتحقيق ذلك , فراحت الدول
إلى إصدار تشريعات داخلية لتنظيمه أو الارتباط بمعاهدات ثنائية أو جماعية فيما
بينها.
قبل التطرق إلى تبرير خطة البحث فإنه ينبغي طرح
الإشكالية التالية :
1- هل نظام
تسليم المجرمين بجميع خصائصه وإجراءاته كفيل بأن يوازن بين التنازع القائم بين
سيادة الدول واختصاصها القضائي؟ والذي يمكن
أن نستخلص منه طرح الإشكاليات
الجزئية التالية :
أ- ما هي
مبررات إقرار نظام تسليم المجرمين على الصعيد الدولي ؟ هل يعود ذلك لاستفحال ظاهرة
الإجرام والإفلات من العقاب ؟ أم لمتطلبات التكامل الدولي في جميع الميادين مما
اقتضى تعميمه ليشمل الميدان القضائي؟
ب- وما مدى إلزامية التسليم بالنسبة للدول وما هي شروطه العامة وإجراءاته
؟
ج-هل لإجراءات التسليم طابع موّحد تتفق على نهجه
جميع الدول ؟
د- وما هي الآثار المترتبة عن حدوث التسليم ؟
وقد أتبعنا في بحثنا هذا منهج التحليل المقارن,
إذ أخذنا قواعد التسليم الواردة في الاتفاقيات التي أبرمتها الجزائر والتشريعات
الداخلية التي تأخذ في التفسير والمقارنة بإحدى المدارس والمذاهب والاتجاهات التي
بينت بشكل أو بآخر القواعد العامة والمبادئ الأساسية للتسليم.
ولذا ارتأينا إلى تقسيم خطتنا في البحث على النحو
التالي :
كفصل أول نتناول فيه مفهوم تسليم المجرمين على
ضوء الاتفاقيات الدولية من تعريف للتسليم و طبيعته وأساسه والاتفاقيات الدولية
كمصدر له وقوتها الإلزامية, وفي فصل ثان الشروط العامة للتسليم, فيما يتعلق بالجريمة والشخص محل طلب التسليم
والاختصاص, وفي فصل
ثالث إجراءات التسليم والآثار المترتبة عنه.
الفصـل الأولمفهوم تسليم المجرمين على ضوء الاتفاقيات الدولية
المبحث
الأول :
تعريف
تسليم المجرمين طبيعته وأساسه القانوني
إنّ
تعريف تسليم المجرمين هو المعنى المتوخى من التسمية والذي يعبّر فيه عن النظام
بإيجاز,وقد يكون بناءا على معايير كما قد يكون مباشرا, ويتغيّر التعريف مع التطوّر
الحاصل مع نظام التسليم إذ يعّد الضابط له الذي يلازمه ,وهذا ما نتطرق له في المطلب
الأول من تعريف لتسليم المجرمين وتطوّره التشريعي والفقهي والقضائي.
كما أنّ لطبيعة التسليم
أهميّة بالغة لاسيما في تحديد الشروط والإجراءات والآثار المترتبة عنه وأنّ هذه الطبيعة تتأثر بالأسس القانونية و القضائية
التي تقوم عليها, فإننا نتطرق في المطلب
الثاني إلى طبيعة التسليم وفي مطلب ثالث إلى أساسه القانوني.
المطلب الأول : تعريف تسليم المجرمين
إن اصطلاح " تسليم المجرمين " يعد
الترجمة العربية لكلمة EXTRADITION الفرنسية التي استعملت لأول مرّة في مرسوم 19 فيفري 1791 في
فرنسا . ولكلمة EXTRADITION الإنجليزية التي اشتقت من الفرنسية واستعملت
لأول مرّة في بريطانيا في قانون التسليم سنة 1870.
ولم يتفق أغلب الفقهاء على تعريف واحد
لتسليم المجرمين وذلك يعود إلى أسباب أهمها الاختلاف حول طبيعة التسليم ومدى تسليم
الرعايا من عدمه, وكذلك تفرع هذا النظام وامتداده على الصعيدين الداخلي والدولي
والتي أدت إلى تعدد تعاريف هذا النظام و نذكر من بينها:
تعريف الدكتور جندي عبد
المالك للتسليم بأنه " عمل تقوم بمقتضاه الدولة التي لجأ أرضها شخص متهم
أو محكوم عليه في جريمة بتسليمه إلى الدولة المختصة بمحاكمته أو تنفيذ العقوبة
عليه "[1]
.
ويعرفه الدكتور محمد الفاضل بأنه " هو
أن تتخلى دولة عن شخص موجود في إقليمها إلى دولة أخرى بناءا على طلبها لتحاكمه عن جريمة يعاقب عليها قانونها أو
لتنفيذ فيه حكما صادرا عليه من إحدى محاكمها "
ويعاب على هذا التعريف استعماله لفظ
التخلي الذي يفيد بأن الدولة طالبة التسليم تمارس سلطاتها ( القبض والتنقل داخل
الدولة المطلوب منها التسليم ) وهذا ما يتعارض مع ما هو متفق عليه في الاتفاقات
الدولية بشأن التسليم.
كما يعرّفه عبد الأمير حسن جنيح بأنه
"أحد مظاهر التضامن الدولي لمكافحة الجريمة تقوم بموجبه دولة ما بتسليم
شخص مقيم في إقليمها إلى دولة أخرى تطلبه لتحاكمه عن جريمة انتهك بها حرمة
قوانينها أو لتنفيذ فيه حكما صادرا عليه من إحدى محاكمها"[2]
ويرجح التعريف الأخير كونه يعرّف التسليم
على أنه أحد مظاهر التعاون الدولي لمكافحة الجريمة وكذا الأركان الأساسية التي
يقوم عليها (وجود طرفي في التسليم دولتين أو أكثر).
إلاّ أنّ هذا النظام في
التسمية غير دقيق ويعود إلى:
1- التسليم هو عمل تقوم به الدولة المطلوب منها التسليم أما
عمل الدولة الطالبة للتسليم فهو الاستراد أو الاستلام.
2- أما كلمة المجرمين فتعوزها الدقة في التعبير عن الشخص محل
التسليم فهي بقدر ما تنطبق على وصف المحكوم عليهم, فهي تتعارض وغير المحكوم عليهم
( المتابعين ) وذلك إعمالا بمبدأ المتهم برئ حتى تثبت إدانته, إلا أنه ينبغي العمل
بالتسمية المتعارف عليها – تسليم المجرمين – رغم عدم دقتها للتعبير عن النظام
المرجو منه.
تجدر الملاحظة إلى أنه من
الضرورة بمكان أن نتطرق إلى لمحة وجيزة عن التطوّر التشريعي والفقهي والقضائي
للتسليم قبل دراسة طبيعة التسليم وأساسه القانوني في المطالب الموالية :
التطور التشريعي والفقهي والقضائي للتسليم
إنّ الحاجة إلى مكافحة الجريمة التي باتت
تهدد كيان المجتمعات ولاسيما مصالحها, وكذا إقرارها من جميع الشرائع فقد اعترضتها
صعوبة معاقبة المجرم الذي عادة ما يسلك طريق الهروب بعد ارتكابه للجرم مما يتعذر
معه المتابعة والاقتصاص منه, وهو الأمر الذي دفع إلى نهج طريق التسليم وتتبع المجرم
حيثما نزل, حتى لا يفلت من العقاب, وقد عرف هذا النظام تطورا على الصعيد التشريعي
والقضائي والفقهي وهذا ما نشير ّإليه في هذا المطلب:
أولا- التطور التشريعي
إنّ التسليم قبل ظهور
الثورة الصناعية لم يكن بالأهمية التي هو عليها الآن ,ويعود ذلك إلى أنّ نفوذ
الكنيسة حال دون ذلك عند لجوء الفاعلين لحماية الكنيسة من قساوة العقاب المقرر
عليهم إلا أنه وبعد ظهور الثورة الصناعية واتساع المدن وتطوّر وسائل النقل ازدادت
حركة الهروب من بلد إلى آخر ,وكان نتيجة لذلك أن تخلت الدول عن مبدأ حق اللجوء
واقتصر منحه على اللاجئين السياسيين فقط, ومظاهر التطور في مجال التشريع يتجلى في:
1 - عقد المعاهدات الثنائية: وهي معاهدات تنظم موضوع
تسليم المجرمين وتحدد الشروط الواجب توفرها في الجريمة والشخص محل طلب التسليم
وارتفع عدد هذه المعاهدات لاسيما مع مطلع القرن العشرين حيث سجّلت 50 معاهدة لدى
هيئة الأمم المتحدة مابين 1945-1946 وهي في ازدياد مستمر.
2-عقد المعاهدات الإقليمية
والجماعية: وهي معاهدة يعود انعقادها إلى روابط جغرافية أو سياسية أو
اقتصادية فعلى سبيل المثال:
معاهدة AMIENS المنعقدة في 1806 في بريطانيا وفرنسا
واسبانيا وهولندا والتي تعد أول معاهدة جماعية في تسليم المجرمين.
اتفاقية تسليم المجرمين بين كل من الأردن –
سوريا- العراق والسعودية واليمن ولبنان ومصرالتي أقرها مجلس الجامعة العربية في 1953.
3 - التشريعات الداخلية: وهي الوسيلة الثالثة التي
ركنت إليها الدول لمعالجة مسألة تسليم المجرمين في تنظيمه على الصعيد الداخلي في
شكل مجموعة نصوص قانونية داخلية.
نجد أن معظم هذه النصوص الداخلية باختلاف
البلدان تتلاقى في هذه النقاط لمعالجة نظام
تسليم المجرمين.
-
تحديد شروط التسليم
الاختياري حال عدم وجود معاهدة أو اتفاق دولي.
-
تحديد شروط التسليم
الاختياري في الحالة التي لا تشملها المعاهدات والاتفاقيات.
-
تنظيم إجراءات التسليم
وأصوله.
- وضع الخطوط الرئيسية والقواعد العامة التي يمكن أن تكون
أساسا لما تعقده الدولة في المستقبل من معاهدات واتفاقات تتعلق بتسليم المجرمين.
وكانت هذه العناصر بمثابة
منهج قامت عليه أغلب التشريعات الداخلية منها على سبيل المثال القانون الفرنسي
الصادر سنة 1927 , القانون العراقي سنة 1923 القانون السوري 1955 .
ثانيا- التطور الفقهي
والقضائي لتسليم المجرمين
لقد ساهم كل من الفقه والقضاء في تطور فكرة
التسليم وبلورتها سواء كان ذلك على شكل مؤتمرات قانونية أو آراء فقهية بحتة أو
أحكام قضائية وقد كان لإنشاء معهد القانون الدولي سنة 1873 ومؤتمراته المتوالية
لاسيما التي عقدت في أكسفورد سنة 1880 وجنيف 1890 لها أثرها في توضيح الأسس التي
تبنى عليها فكرة التسليم التي نهجت منحاها كل من الاتفاقيات القضائية أو التشريعات
الداخلية .
وفي سنة 1924 كونّت
عصبة الأمم لجنة من الخبراء للنظر في تدوين القانون الدولي واتخذت هذه اللجنة
قراراتها سنة 1926 وأوصت بإدماجها في اتفاقية دولية أهمها:
1- مسألة مرور الأشخاص المسّّلمين عبر إقليم دولة ثالثة
2- مسألة تعدد طلبات التسليم عن نفس الشخص
3- مسألة تنازع الاختصاص بين الدولة الطالبة للتسليم والدولة
المطلوب منها.
4- المسائل المتعلقة بمبدأ التخصيص وإعادة التسليم.
5- المسألة المتعلقة بتأييد قاعدة أنّ مصاريف التسليم تقع على
عاتق الدولة الطالبة
أما في مجال الفقه فقد كان لجهود الفقهاء
الكبيرة وآراءهم القيّمة أثرا كبيرا في تطوير نظام التسليم ودفعه للأمام [3]
ولاسيما إسهام الفقهاء العرب في هذا المجال بشكل كبير[4] .
ولقد
ساهم القضاء هو الآخر مساهمة كبيرة في توضيح الأحكام و المبادئ الخاصة بالتسليم
كما كان للسوابق القضائية في موضوع تسليم المجرمين أثر كبير في تطور فكرة التسليم
وتحديد أسسه.
المطلب الثاني : طبيعة التسليم
إنّ
لمعرفة طبيعة التسليم أهمية خاصة عند البحث في شروطه وأحكامه, و انقسم الفقهاء في
تحديد طبيعته إلى ثلاث فئات :
الفئة الأولى : ترى أنّ التسليم يعد من أعمال القضاء غايته إيقاع
العقاب العادل بالمجرم الذي انتهك حرمة قوانين الدولة طالبة التسليم ,والتي تتشابه
مع قوانين الدولة المطلوب منها ذلك والتي تهدف كلّها إلى إحقاق الحق وإقامة العدل.
ويؤيد
أصحاب هذا الرأي[5]
موقفهم بأن السلطة التي تقوم بإجراءات التسليم والفصل فيه هي السلطة القضائية, كما
أنّ رفض أو قبول التسليم يكون بقرار قضائي نهائي غير قابل لأي طريق من طرق الطعن
فيه.
لكن
هذا لا يمنع من انتقاد هذا الرأي كون التسليم يعد بمثابة تأمين مثول الجاني أو
المتابع أمام الجهات القضائية المختصة لمحاكمته فقط, فهو لا يعدّ من قبيل الأعمال
القضائية هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أن أحكام القضاء المتعلقة بالتسليم, وخاصة
بالنسبة للبلدان التي تأخذ بالنظام القضائي في التسليم لا تلزم السلطة التنفيذية
إذ تبقى هذه الأخيرة حرة في قبول التسليم أو رفضه[6]
الفئـــة الثانية: ويرى
أنصار هذا الرأي[7]
أن التسليم هو عمل إداري من أعمال السيادة تباشر ه الحكومة بمقتضى هذا الحق، ولا
يمكن للسلطة القضائية أو الدولة طالبة التسليم إجبار حكومة الدولة المطلوب منها
التسليم على التسليم، إذا ما رأت هذه الأخيرة أن شروط التسليم غير متوفرة أو أنه
لا يجوز التسليم في مثل هذا النوع من الجرائم، أو لأي سبب أخر يحول دون التسليم
القانوني.
وما يعاب على هذا الرأي، أن تتجاهل الأنظمة التي
تأخذ بالنظام القضائي بالتسليم سواء التي تأخذ بإلزامية أحكام القضاء الايجابية
والسلبية في التسليم [8]،أو
التي تأخذ فقط بإلزامية أحكام القضاء السلبية فقط[9].
الفئـــة الثالثة : ويري أنصار هذا الرأي أن صعوبة الإقرار بوجود
طبيعة واحدة للتسليم يقتضي التسليم بوجود طبيعة مزدوجة للتسليم، فهو من جهة يعتبر
عملا قضائيا من حيث الإجراءات التي يقوم بها القضاء، في إصدار أوامر بالقبض
والتحقيق وإصدار قرار التسليم، والتي تهدف كلها إلى إنزال العقاب بالجاني أو
المتابع من أجل جريمة .
ومن
جهة أخرى فإن القرار النهائي لقبول التسليم، أو رفضه يبقى للسلطة السياسية, ويصبح
دور القضاء دورا استشاريا.
موقف المشرع الجزائري : إنّ الجزائر على غرار باقي الدول،ولتنظيم التسليم فإنها سنت موادا في قانون الإجراءات
الجزائية، بالإضافة إلى نصوص الاتفاقات الدولية الثنائية منها والمتعددة بشأن
التعاون القانوني والقضائي، ولتحديد طبيعة التسليم، ما هو النظام الذي اعتمدته
الجزائري تسليم المجرمين ؟.
وبالرجوع إلى أحكام المواد 704 إلى 710
من قانون الإجراءات الجزائية فإنّ الإجراءات المتعلقة بالاستجواب والقبض المؤقت،
الفصل في طلب التسليم بالقبول أو الرفض كله يعود إلى الجهة القضائية – الغرفة
الجنائية بالمحكمة العليا. حتى أن ّ إقرار الشخص المطلوب قبوله بالتسليم دون اتخاذ
الإجراءات القانونية اللازمة، فإنه وجوبا يخضع لاثباثه من طرف القضاء [10]
.
كما أنّ الفصل في طلب التسليم بالقبول أو الرفض
يتميّز بالطابع النهائي الذي لا يقبل الطعن فيه بأي طريق[11].
واستخلاصا لما سبق ذكره فإن المشرّع الجزائري
أخذ بالنظام القضائي في التسليم واعتبر التسليم عمل قضائي وكل ما يتعلق به مرجعه
القضاء من حيث فحص الشروط و الإجراءات وكذا
قبوله أو رفضه , وما على السلطة التنفيذية إلا
تنفيذ الأحكام القضائية بوسائلها القانونية [12]
المتوفرة لديها .
المطلب الثالث : الأساس القانوني للتسليــم
تعددت الأسس التي يقوم عليها التسليم، وقد اختلف
الفقهاء حول تحديد هذه الأسس التي يقوم عليها التزام الدول عند التسليم.
فمنه من يرجعه إلى أنه حق من حقوق الملك المستمدة
من الله [13]
،ومنهم من يرى أنّ الأساس في التسليم هو حق العقاب، أي تمكين الدولة الطالبة
للتسليم من إنزال العقاب بالجاني الذي ارتكب الجرم في إقليمها [14]
،ومنهم من يرى أنّ أساس التسليم هو الدفاع عن القانون [15]،
ومنهم من يرى أنّ أساس التسليم هو المصلحة المشتركة [16]
للدول ، لمنع وقوع الجرائم وضمان المعاقبة عنها .
ومنهم من يرى أنّ أساس التسليم يرجع إلى أمرين [17]ّ:
1- أنّ
المجرم اللاجئ تقتضي محاكمته من طرف قاضي الدولة، التي وقعت فيها الجريمة حيث
تتوفر أدلة الجريمة.
2- وجود
الجاني الهارب على أرض الدولة المطلوب منها التسليم، يكون خطرا عليها لذا يقتضي
تسليمه إلى الدولة طالبة التسليم، لإنزال العقاب عليه وتخليصها من خطره، وإبقاء
لحسن العلاقات الدولية، فمن واجب الدولة طالبة التسليم معاقبة الجاني بإنزال
العقاب العادل بحقه،لكونها ممثلة المجتمع الذي اقترفت فيه الجريمة، ومن واجب
الدولة المطلوب منها التسليم، إبداء المساعدة القضائية للدول الأخرى باعتبارها عضو
في المجتمع الدولي.
المبحث الثاني
الاتفاقيات
الدولية كمصدر للتسليم
ما هو متفق عليه أنّ قواعد التسليم كان ظهورها
نتيجة تعاون دولي بناءا على أحكام القانون والعرف الدوليين, والذي راحت الدول إلى
إدراجه ضمن تشريعات داخلية, لتنظيم حالات التسليم بدقّة.
غير أنّ التشريع الدولي يتميّز عن التشريع
الداخلي بعدم إلزاميته المطلقة وهو ما يدفعنا للتساؤل عن مصادر التسليم المختلفة
ومدى إلزاميته للدول, وهذا ما سنتناوله في هذا المبحث.
المطلب الأول : الاتفاقية كمصدر للتسليم
تعتبر
الاتفاقيات الدولية في ريادة المصادر التي يستمد منها التسليم شروطه وإجراءاته و
قوته الإلزامية إذ تعد النصوص الاتفاقية أولى القواعد القانونية التي تنظم
التسليم, وقد ذهبت الدول إلى سن هذه النصوص الاتفاقية ضمن تشريعاتها الداخلية حتى
يتسنى لها تطبيقها على الصعيد الداخلي وقد راعت في ذلك التعارض الذي قد يحدث بين
النصوص الاتفاقية والتشريع الداخلي للتسليم بوجوب تطبيق التشريع الداخلي مالم
يخالف النصوص الاتفاقية.
المعاهدات والاتفاقات الدولية: وهي أهم المصادر التي يقوم عليها نظام تسليم
المجرمين، وتتضمن بنودها الأسس والشروط العامة للتسليم، وتحديد الجهات المختصة
للقيام بهذه العمليّة, وتميل الدول إلى عقد معاهدات التسليم مع الدول المجاورة
لها، أو الأكثر ارتباطا بها سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا في شكل طابع جماعي أو
ثنائي.
ويلاحظ أنه توجد بعض الدول ترفض تسليم اللاجئين لها، مالم تكن هناك معاهدة
للتسليم بين الدولة الطالبة للتسليم والمطلوب منها [18]،
وأكثر من ذلك فإنّ بعض الدول تشترط إلى جانب وجود المعاهدة، أن يكون مصادقا عليها
من قبل الهيئات المختصة بذلك[19].
غير أنه توجد بعض المصادر للتسليم مكملّة لمصدر
الاتفاقيات الدولية والتي لا تقل أهمية عن الاتفاقية الدولية كمصدر للتسليم.
أولا- قوانين التسليم : وهي قوانين داخلية تنظم إجراءات وشروط التسليم ,
ولقد ظهر أول قانون بذلك في العالم في بلجيكا عام 1833، ثم توالى بعد ذلك
سنّ تشريعات داخلية لبقية دول العالم .
إلاّ
أنه ما يميّز هذه النصوص التشريعية،أنه في بعضها تقيّد الدولة التي شرعتها وسنتها،
في تسليم المجرمين إذا كان المطلوب تسليمه لا تتوافر فيه شروط الجريمة التي يجوز
فيها التسليمأو في الشخص ذاته محل طلب التسليم، كما تمنعها من عقد اتفاقات تتجاوز
فيها حدود هذا القانون، لكن هناك بعض القوانين [20]
قد تداركت هذه العوائق ، إذ نصّت في بنودها
على أنه يجوز الاتفاق على مخالفة أحكام القانون
الداخلي، شريطة أن تتم المصادقة على هذه المعاهدات من البرلمان.
ثانيا -العرف الدولي : وهو مصدر موجود دائما بخلاف المصادر الأخرى،
التي قد تغيب تجاهلا من الدول لها، كإبرام المعاهدات والاتفاقات أو سن القوانين
الداخلية، و تستسقي منه الدول التي لا تتوافر على معاهدة، أو اتفاق لتسليم
المجرمين،أو حال غياب قانون داخلي ينظم التسليم في معالجة قضايا التسليم التي تعرض
عليها، ومن بين الدول التي لازالت تعمل بهذا المصدر،جمهورية مصر التي تنظم تشريع
داخلي ينظم التسليم،ولم تعقد سوى معاهدات قليلة بشأن التسليم.
ثالثا - المعاملة بالمثل: يقصد بها الرد على أنها أعمال غير ودية ,أو غير
عادلة قامت بها دولة ما اتجاه دولة أخرى ,فهي بهذا تسير في خط مواز مع حق الدفاع
عن النفس .
ويلجأ إلى هذا المصدر في حالة عدم وجود معاهدة تسليم مع الدولة الطالبة,
فإذا كانت هذه الدولة تقر مبدأ المعاملة بالمثل كان بالإمكان الاستجابة لطلبها
,أما إذا كانت لا تقر بهذا المبدأ فللدولة المطلوب منها التسليم, الخيار في قبول
طلبها أو رفضه.
وقد
أقر معهد القانون الدولي في أكسفورد عام 1880 [21],
بأن مبدأ المعاملة بالمثل تقضي به الاعتبارات السياسية دون أن تستلزمه مقتضيات
العدالة, وأوصى به المؤتمر الدولي العاشر لقانون العقوبات في روما سنة 1969 الذي
جاء في توصياته بأنه " لا تتطلب
العدالة التبادل كشرط للتسليم ومن المرغوب فيه ألاّ يكون التبادل قاعدة جامدة في
قانون التسليم " .
ويأخذ شرط المعاملة بالمثل أحيانا صورة بيان رسمي ,تعلن فيه الدولتان عن
رغبتهما في إتباع هذا المبدأ في المستقبل, وقد جعلت بعض التشريعات قيام هذا المبدأ
أمرا قطعيا في عملية التسليم, إذ لا يمكن
حصوله دون قيامه مثل القانون الألماني والبلجيكي والياباني إلخ.
في حين تركت بعض التشريعات تقدير الأمر إلى
الحكومات ,إن شاءت تمسكت به وإن شاءت تخلت عنه كالقانون الفرنسي والجزائري و
الإيطالي واللبناني.
مصادر التسليم في الجزائر :
تنقسم مصادر نظام التسليم في الجزائر إلى:
1- الدستور : ينص الدستور الجزائري على مبدأين أساسيين
يتمثلان ,في جواز تسليم أي شخص بناءا على قانون تسليم المجرمين وتطبيقا له (المادة
65 من الدستور سنة 1996 ) و عدم إمكانية التسليم أو طرد لاجئ سياسي يتمتع قانونا
بحق اللجوء[22].
2- الاتفاقيات
الدولية : عقدت
الجزائر منذ استقلالها اتفاقيات ثنائية
للتعاون القضائي وتسليم المجرمين مع الدول التالية : المغرب ( 15 مارس 1963
) تونس ( 14 نوفمبر 1963 ) جمهورية مصر العربية ( 29 جويلية 1965 ) فرنسا ( 29
جويلية 1965) و ( 14 أكتوبر 1966) موريتانيا ( 15 جانفي 1970 ) بلجيكا ( 8 أكتوبر
1970 ) ألمانيا الديمقراطية 21 نوفمبر 1973 كوبا ( 30 أوت 1990 ) .
تفضل
الجزائر الاتفاقيات الثنائية غير أنّ ذلك لم يمنعها من الانظمام إلى الاتفاقيات
الدولي الإقليمية المتعددة [23]
,وهذا لتكريس مبدأ التعاون الدولي وتنمية العلاقات الودية بين الدول على أساس
المساواة والمصلحة المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية التي ينص عليه
الدستور في مادته 27 . وقد أعطت لنصوص الاتفاقيات الدولية مكانة تسمو على القانون
الداخلي من حيث التطبيق وهذا ما تبينه المادة 132 من الدستور المادة 694 من
قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه يكون التسليم بناءا على قانون
الإجراءات الجزائية مالم تنص الاتفاقيات الدولية على خلاف ذلك.
والاتفاقيات
الدولية التي عقدتها الجزائر تشبه إلى حد كبير الاتفاقيات الأوروبية وتأخذ
بالمبادئ الأساسية الواردة في الاتفاقيات النموذجية لتسليم المجرمين التي أقرتها
الجمعية العامة للأمم المتحدة 35-116.
3- التشريع الداخلي : أما الأحكام
المنظمة لتسليم المجرمين ,فإنها وردت في قانون الإجراءات الجزائية, حيث أفرد لها
المشرع باب كامل يحتوي على 27 مادة [24]
, وهو الباب الأول للكتاب السابع ,الخاص بالعلاقات مع السلطات القضائية الأجنبية.
المطلب
الثاني : القوّة الإلزامية لنصوص
الاتفاقيات الدولية في تسليم المجرمين
هناك إجماع شبه تام على أنّ التسليم واجب قانوني
في حالة وجود معاهدة, إلاّ أن الخلاف يظهر في حالة عدم وجود اتفاقية دولية
للتسليم, فمنهم من يرى أنه واجب سياسي مثل PIGGOT كون التسليم يعود إلى أعمال السيادة
, التي تمارسها الحكومة في الدولة المطلوب منها التسليم, في حين يرى آخرون مثل MARTENS بأنه التزام ناقص – أي أنه وإن كان التزام
قانوني فإنّ عدم القيام بهذا الالتزام لا يؤثر على مركز الدولة المطلوب منها التسليم
في حين الكتاب العرب أجمعوا على أنّ الالتزام القانوني الصريح يكون قائما بوجود
المعاهدة , ويتحوّل إلى التزام طبيعي( أدبي ) عند تخلّف المعاهدة[25]
,وبالتالي الإخلال بهذا الالتزام لايرتب نفس الآثار التي تترتب عند الإخلال
بالتزام قانوني.
ولقد أقر معهد القانون الدولي في مؤتمره الثاني في اكسفورد
بـ" أنّ المعاهدات ليست وحدها التي تضفي الصفة القانونية على عمل التسليم
,وإنما يمكن إجراءه بدونها , دون أن يؤثر ذلك على صفته."
أي بمعنى أنّ المعاهدة الدولية ليست وحدها هي التي تمنح صفة
الإلزام من عدمه,بل قد يمتد إلى العرف الدولي أو مبدأ المعاملة بالمثل , والذي
انتهجته عدّة دول دون وجود اتفاقيات دولية, كما هو الحال في مصر ومعظم دول أوروبا
الغربية كبريطانيا.
كما نجد أنّ الفقه انقسم إلى مذهبين :
-
المذهب الأمريكي : الذي لا
يقبل التسليم إلاّ إذا سبقته معاهدة .
وبالرجوع إلى موقف المشرع الجزائري ولاسيما
أحكام المواد 67 – 68 – 69 من الدستور الجزائري لسنة 1996, فإنّ
التسليم لا يتّم خارج قانون تسليم المجرمين, واستقراءا للنصوص السابقة وكذا نصوص
قانون التسليم[27] فإن المشرع كان غامضا في بناء موقفه من المذهبين
السابقين أي بمعنى هل يجوز التسليم خارج الاتفاق الدولي كما هو الحال في المذهب
الفرنسي, أو لا يجوز في أي حال من الأحوال إذا لم تسبقه معاهدة دولية.
لكن ما
هو ثابت من التشريع والقضاء الجزائريين فإن الجزائر قد انتهجت المذهب الفرنسي في
التسليم, فهو لا يمكن أن يتم خارج قانون التسليم كما لا يمكن أن يبقى مقيدا بوجود
معاهدة سابقة وهذا ما أقرّه قرار المحكمة العليا الصادر يوم 11 جويلية 1978, القاضي
بالموافقة على تسليم المواطن الألماني "شولت فرانز جوزيف"وزوجته
"أوسترايديت " إلى
السلطات الألمانية دون سابق إتفاق دولي للجزائر معه.
الفصل الثاني شروط
تسليم المجرمين
بعدما تعرضنا في مبحث تمهيدي عن ماهية
التسليم ومصادره فإنه من الأهمية بمكان أن نلم بأهم الشروط المتعلقة بالتسليم، لذا
ارتأينا تقسيم هذا الفصل إلى ثلاث مباحث نتناول في المبحث الأول الشروط التي تتعلق
بالجريمة وفي مبحث ثان الشروط المتعلقة بشخص الهـارب المطلوب تسليمه وفي مبحث ثالث
الشروط المتعلقة بالاختصاص.
المبحث الأول
الشروط
المتعلقة بالجريمة
يقول
بيكاريا " من أنجح الوسائل لمنع الجريمة التيقن من عدم وجود مكان، يمكن أن
يفلت منه العقاب "[28]،وعليه
فالتسليم حتى يقوم لابد أن تكون هناك جريمة ارتكبها شخص مطلوب تسليمه، ولما كانت
الجريمة ومكافحتها هي الغاية من وجود نظام التسليم، فما هي الشروط الواجب توفرها
في الجريمة المطلوب التسليم بشأنها .
المطلب
الأول: الشروط العامة للجريمة في نظام التسليم .
إن الشروط العامة للجريمة المطلوب التسليم
بشأنها لا تخرج عن إطار جسامة الوقائع ومبدأ التجريم ومكان ارتكاب الوقائع وسير
الدعوى العمومية، وهذا ما نتناوله بشيء من التفصيل.
الفرع
الأول: شرط جسامة الوقائع
تختلف الجرائم من حيث خطورة وقائعها إلى
جنايات وجنح ومخالفات فمنها ما تستوجب عقوبة جسيمة قد تصل إلى الإعدام، ومنها ما
هو مخالفة لا تستوجب سوى عقوبة بسيطة تتناسب وخطورتها على المجتمع.
لكن هل
من الممكن طلب تسليم مرتكب مخالفة بسيطة ليس لها من الخطورة ما يبرر الإجراءات
والنفقات التي يتطلبها التسليم عادة ؟ وبناءا على هذه الإشكالية : كيف يتم تحديد
الجرائم الجسيمة القابلة للتسليم ؟ وعلى ضوء ذلك اتبعت الدول طريقتين الترقيمية
وطريقة الاستبعاد.
أولا-الطريقة
الترقيمية :وهي
تعداد أسماء الجرائم وإدراجها في بنود الاتفاقية أو المعاهدة سوءا الثنائية منها
أو الجماعية أو في نصوص القانون الداخلي المتعلق بالتسليم أو في قائمة ملحقة بها[29]
وقد شاع استعمال هذه الطريقة بين الدول
الأوروبية، فمنذ زمن طويل إذ كان التسليم يقتصر على جرائم محددة حصرا – ذات خطورة –
على أمن المجتمعات آنذاك،إ لا أن هناك بعض البلدان أخذت بهذه الطريقة في
اتفاقياتها ليس حصرا للجرائم وإنما بيانا لها واستدلالا، إذ يجوز التسليم في غير
الجرائم الواردة في بنود المعاهدة بناءا على مبادئ المجاملة والمعاملة بالمثل [30].
وقد
تم العدول عن هذه الطريقة لعيوب تخللتها أهمها:
ـ قد
تظهر جرائم جديدة بعد نفاذ المعاهدة، وعند تطبيقها يتطلب عقد معاهدة جديدة أو
إحداث ملحق بالمعاهدة، الذي يتطلب وقتا لا يتلاءم وعملية التسليم.
ـ قد يتم
إدراج جرائم في معاهدة رغم قلة أهميتها، على حساب جرائم أخرى أكثر جسامة.
ثانيا-
طريقة الاستبعاد:وهي
طريقة تعتمد على معيار العقوبة أساسا لها في تحديد الجرائم القابلة للتسليم، ويكفي
للقانون الداخلي أو الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتسليم الإشارة إلى الحد الأدنى
أو الأقصى للعقوبة المقررة قانونا للجريمة المطلوب بشأنها التسليم.
ولقد
اتبعت هذه الطريقة لأول مرة في القانون الجنائي الدولي الموقعة سنة 1899 في
مدينة مونتيفيديو والتي ضمت خمس دول ( البرغواي، الأرجنتين، بوليفيا، البيرو
والأرغواي )
وهناك
العديد من الاتفاقيات الجماعية لتسليم المجرمين التي اتبعت هذه الطريقة منها على
سبيل المثال، اتفاقية جامعة الدول العربية سنة 1952، والميثاق الأوروبي
للتسليم سنة 1957.
تجدر الملاحظة إلى أن المشرع الجزائري اتبع
في ما مضى الطريقة الترقيمية شأنه شأن باقي الدول أما حاليا فإنه انتهج طريقة
الاستبعاد وهذا ما تشير إليه أحكام المادة 697 ق إ ج التي تشترط في التسليم أن
يكون:
* الشخص
متابع بوقائع تحمل وصف جناية أو جنحة وعليه فإنه لا يجوز التسليم إذا كانت الجريمة
ذات وصف مخالفة.
* أن
تكون العقوبة المراد تنفيذها والمحكوم بها تساوي أو تجاوز شهرين حبس.
الفرع الثاني: شرط ازدواج التجريم:
يقصد بازدواج التجريم أن يكون الفعل
المطلوب التسليم بشأنه معاقبا عنه في قوانين كلتا الدولتين الطالبة للتسليم
والمطلوب منها ذلك، وإذا لم يتحقق هذا الشرط بالنسبة للدول التي تتمسك به فإنه
يرفض التسليم لعدم توفر شرط من شروطه.
وقد أطلق الفرنسيين على هذا الشرط تسمية
وحدة الأصل، بينما يسميه الإنجليزيين
والأمريكيين بازدواج التجريم ،حيث قامت معظم المعاهدات الثنائية[31] والجماعية [32]
الخاصة بالتسليم ومعظم التشريعات الجنائية للدول
على إدراج هذا الشرط ضمن نصوصها، كما أقره معهد القانون الدولي في دورته التي عقدت
في أكسفورد عام 1880، بعد تعديله بإدخال بعض الاستثناءات عليه بقوله: " يقتضي
كقاعدة عامة أن تكون الأفعال التي يجري من أجلها التسليم معاقبا عنها في تشريع
البلدين، ما لم تكن ظروف الفعل التي تؤلف الجريمة لا يمكن قيامها في بلد الملجأ،
أما بسبب نظمه الخاصة أو بسبب وضعه الجغرافي ".
وطلب
المؤتمر الدولي العاشر لقانون العقوبات المنعقدة في روما سنة 1969 التخلي عن شرط
الازدواج في التجريم، إذا كانت ظروف الدولة الطالبة للتسليم تتطلب الردع.
وقد رفض القضاء التسليم في قرارات عديدة لعدم
توفر شرط الازدواج في التجريم، إذ جاء في قـرار المحكمة العليا الأمريكية عام 1903
" المبدأ العام في القانون الدولي، يقضي بأنه في كل حالات تسليم المجرمين
فإن الفعل الذي طلب من أجله يجب أن يكون جريمة في قوانين كلتا الدولتين "[33].
وقد أكد الفقهاء[34]
على ضرورة وجود هذا الشرط أثناء عملية التسليم، وذهب بعضهم إلى المغالاة في هذا
الشرط بإقراره، وإن لم تنص عليه المعاهدات الدولية في بنودها.
أولا - مبررات
شرط ازدواج التجريم:دافع
الفقهاء المؤيدون لشرط ازدواج التجريم على ضرورة وجود هذا الشرط في نظام التسليم،
الذي يعتبر جوهريا وقدموا حججا لتأييد موقفهم من بينها:
* ضمان
هيبة العدالة واحترامها مع المحافظة على حقوق الأفراد وحرياتهم، فوجـــود تجريم
مزدوج لوقائع متابع بها شخص من شأنها ضمان تحقيق العدالة بإنزال العقاب على الجاني
وتفادي تقديم شخص بريء للمحاكمة.
* لتحقيق
الغاية من مبدأ المعاملة بالمثل الذي يقوم على تبادل المصالح بين الدول، فانعدام
التجريم في قانون إحدى الدولتين الطالبة للتسليم أو المطلوب منها ذلك لا يجعل
المبدأ مبــــررا لغياب المصلحة الذي يجب أن يقوم من أجلها.
* لتحقيق
مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، لإنزال العقاب بشخص لابد أن يكون هناك نص يقر
بالعقاب كما يجب أن يكون هناك نص يجرم الأفعال، وعليه فالدولة الطالبة للتسليم
غايتها إنزال العقاب بالجاني، ولما تكون الأفعال غير مجرمة تنتفي معه العقوبة.
والحال كذلك فالدولة المطلوب منها التسليم
غايتها من التسليم التخلص من المجرمين الفارين ولما تكون الأفعال المرتكبة من
طرفهم غير مجرمة فلا فائدة من التخلص منهم وتسليمهم.
ثانيا - عيوب
شرط ازدواج التجريم: لا يخلو
شرط ازدواج التجريم من عيوب نذكر بعضا منها:
لما كانت
وظيفة شرط الازدواج هي التأكد من كون الجريمة المطلوب التسليم بشأنها معاقبا عليها
من قوانين كلتا الدولتين، فإن المحكمة التي تنظر في التسليم يستوجب عليها الإطلاع
على قانون الدولة الطالبة للتسليم ودراسته ومقارنته،ولما قواعد التفسير تختلف من
دولة إلى أخرى فانه يترتب لا محالة صعوبات[35] ، تواجه المحكمة في اتخاذ قرارها بشأن التسليم
والذي ينعكس سلبا على عملية التسليم .
* اختلاف
نظر كل دولة لتشريعات الدولة الطرف الثاني، وهو أمر طبيعي لذا يكفي للدولة المطلوب
منها التسليم مراقبة مجرى الإجراءات لتحقيق العدالة بعد التسليم، قد تغيب بعض
الجرائم في دولة ما نظرا لظروفها، مثلا الجرائم المتعلقة بالملاحة البحرية التي
تنص عنها تشريعات الدول المطلة على البحار والمحيطات، في حين لا فائدة منها في
الدول الداخلية وأمام غياب هذا الازدواج في التجريم فإنه يعطل نظام التسليم.
* مادام
التجريم يلحق به العقاب فإن الدولة الطالبة للتسليم، هي من تقوم بتسليط العقاب
ويكفي لتشريعاتها أن تنص على التجريم والعقاب تحقيقا لمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا
بنص، فالتسليم هو عمل من أعمال المساعدة القضائية وليس عملا قضائيا وبالتالي فلا
مبرر لوجود نص في تشريع الدولة المطلوب منها التسليم يجرم الأفعال المطلوب بشأنها
التسليم.
* قد
تختلف أوصاف الجرائم من دولة إلى أخرى رغم وحدة عناصر الأفعال المجرمة الذي تختلف
معه العقوبات.
و السؤال
الذي ينبغي طرحه، هل يكفي لقيام شرط ازدواج التجريم أن يكون معاقبا على الفعل من
تشريع كلا الدولتين, أم يجب أن يتّحد الوصف الجزائي للأفعال ؟
هناك
رأيان في هذا الشأن:
الرأي الأول:
يرى
ضرورة تحقق شرط ازدواج التجريم هو أن يتّحد الوصف القانوني والتسمية للفعل المطلوب
بشأنه التسليم في قانوني كلتا الدولتين.
الرأي
الثاني: ويرى
أصحاب هذا الرأي أنه يكفي لتحقق شرط الازدواج في التجريم أن تكون الوقائع تشكل
جريمة بالنسبة لقوانين كلتا الدولتين, ومن بين هؤلاء الفقهاء الفقيه الإنجليزي
اللورد KILLOWEN الذي أعلن أنه لا يؤيد عدم جواز التسليم بسبب اختلاف التسمية, إذا
كانت الوقائع التي تكون جرائم معاقبا عليها بشدة في كلتا قوانين الدولتين الطالبة
للتسليم والمطلوب منها ذلك.
ثالثا- موقف
المشرع الجزائري من شرط ازدواج التجريم : نجد أن المشرع الجزائري قد أخذ بضرورة توفر
شرط ازدواج التجريم إلا أنه لم يغالي في هذا الشرط ،كأن يشترط تطابق الوصف
والتسمية, بل اكتفى بأن تكون الأفعال المطلوب بشأنها التسليم تشكل جناية أو جنحة
في قانون الدولة طالبة التسليم وبالمقابل يعاقب عنها التشريـــع الجزائري.[36]
وهذا ما
تؤكده الاتفاقيات التي أبرمتها الجزائر الجماعية [37]
منها والثنائية, والتي لم تخلو بنودها من إدراج شرط ازدواج التجريم كما هو الحال
في اتفاقية الجزائر ـ مالي المصادق عنها بالمرسوم رقم 83/399 المؤرخ في:
18/06/1983 المادة 29/1 منها( يخضع لأمر التسليم:
1 ـ
الأفراد المتابعون من أجل جنايات أو جنح تعاقبهما قوانين الطرفين المتعاقدين
بعقوبة عامين حبس ).
الفرع
الثالث: شرط مكان ارتكاب الوقائع
يلاحظ إجماع شبه كلي للاتفاقيات الدولية
الثنائية منها والجماعية في مجال تسليم المجرمين, وكذا التشريعات الداخلية التي
تنظم عملية التسليم على مبدأ إقليمية قانون العقوبـات والإجراءات الجزائية, ولما
امتدت الجريمة خارج إقليم الدولة, إذ أصبحت ذات طابع عالمي كالإرهاب وترويج
المخدرات وتبييض الأموال, وأصبح من الضرورة إنزال العقاب لمرتكبي هذه الجرائم
الخطيرة التي تهدد كيان الفرد والمجتمع, وعندما كان إطلاق مبدأ إقليمية قوانين
العقوبات يؤدي إلى نتائج لا يمكن قبولها, إذ التمسّك بالسيادة لا ينبغي أن يحول
دون تضامن الدول في المصالح المشتركة, ولا سيما في مكافحة الجريمة وهو ما ينجم عنه
نظام تسليم المجرمين الذي راح في شروطه يحافظ على سيادة الدول في تجسيد التعاون
والقضاء على الصعوبات التي قد تعترض تطبيق هذا النظام, فظهر نظام مكمّل له وهو
مبدأ عالمية حق العقاب الذي يقر بأن مصلحة الدول جميعا تقتضي عدم ترك الجاني بدون
عقوبة.
أولا - ارتكاب الوقائع في إقليم الدولة الطالبة
للتسليم:وهو شرط
ورد في بنود الاتفاقيات الدولية للتسليم الجماعية منها والثنائية, إذ يعد المبرر
المباشر لطلب الدولة الطالبة للتسليم, باعتبار الوقائع وقعت على إقليمها الذي
يخولها الاختصاص في متابعة الجاني وإنزال العقاب به حيث تواجد الأدلة التي تثبت
إدانة الجاني بالأفعال المنسوبة إليه, وهذا تسهيلا للعمل القضائي وتحقيق مسعاه في
تجسيد العدالة.
وقد أشار إلى ذلك المشرع الجزائري في قانون
الإجراءات الجزائية لاسيما المادة 696 منه عندما اشترط أن تكون الأفعال المطلوب
التسليم من أجلها قد وقعت على إقليم الدولة الطالبة للتسليم.
ثانيا-ارتكاب الوقائع خارج إقليم الدولة الطالبة
للتسليم :وهو أن
يرتكب الفاعل وقائع مجرمة في إقليم دولة غير الدولة الطالبة للتسليم أو الدولة
المطلوب منها ذلك, ويضبط على إقليم الدولة المطلوب منها التسليم, فإذا فرضنا أن
الجريمة تمس بأمن الدولة الطالبة للتسليم, فما هو أساس طلب التسليم في هذه الحالة
وأمام غياب مبدأ الإقليمية ؟ فإنه من الضروري أن يكون هناك مبرّر لطلب الدولة
الطالبة للتسليم حتى يكون مقبولا عند إبدائه وتقتضي فيه مصلحة هذه الدولة.
ويمكن
للدولة طالبة التسليم أن تبرر مطلبها في التسليم بناءا على مبدأ الشخصية،وهو أن
يكون الفاعل أحد رعاياها وهو مبرر قانوني، إذا لم تعترضه صعوبة وهو مطالبة الدولة
التي ارتكبت على إقليمها الوقائع ،أو بناءا على مبدأ الاختصاص العالمي وهو اختصاص يمتد خارج حدود الدول, يخول
المتابعة في بعض الوقائع التي تكون جرائم خطيرة تهدد الأمن الداخلي للدول والأمن
العالمي بصفة تبعية .
ثالثا- ارتكاب الوقائع في إقليم الدولة المطلوب
منها التسليم : لا يجوز
قبول طلب التسليم إذا ما كانت الوقائع المتابع لأجلها الشخص المطلوب تسليمه قد
وقعت بإقليم الدولة المطلوب منها ذلك, فإنه وبالرجوع إلى مبدأ إقليمية قانون
العقوبات, فإن ولاية الاختصاص تعود للدولة المطلوب منها التسليم ، ولما يكون
الجاني أحد رعايا هذه الدولة أو أجنبي عنها, فإنّ مبدأ الإقليمية تبقى له الأفضلية
في التطبيق ,بناءا على ما تقدم من تسهيلات تكفل للجاني من محاكمة عادلة .وعدم جواز
التسليم في مثل هذه الحالة هو الحفاظ على مبدأ سيادة الدولة دون تخط التعاون
الدولي،الذي يجب أن يحترم سيادة الدول وكذا تبادل الثقة في الأجهزة القضائية التي
هدفها إنزال العقاب بالجاني، حسب ما تقتضيه درجة المسؤولية الجزائية للفاعل وهو
مبدأ مكرس في القوانين الداخلية وكذا الاتفاقيات الدولية .
الفرع
الرابع: شرط عدم انقضاء الدعوى العمومية
ويقصد بهذا الشرط أن تكون الدعوى العمومية للجريمة
التي أتهم بارتكابها الشخص المطلوب تسليمه وكذا العقوبة الصادرة بحقه لا تزال
قائمة ولم تسقط أو تنقضي لأي سبب من أسباب الانقضاء القانونية منها أو القضائية,
فعدم تحقق هذا الشرط يفقد التسليم أهميته ويصبح بدون جدوى ما دام الشخص مطلوب
لوقائع لن يتابع لأجلها كسبب انقضاء الدعوى العمومية، أو يسلّم بشأن عقوبة سقطت
سيفرج عنه حتما بعد التسليم.
غير
أنّ المشكلة التي تطرح هنا تتعلق بتحديد القانون الواجب التطبيق لمعرفة أسباب
الانقضاء أو سقوط العقوبة، فهل هو قانون
الدولة طالبة تسليم أم قانون الدولة المطلوب منها ذلك؟
وللإجابة
عن هذه الإشكالية فإنه نكون أمام صورتين :
أولا: العبرة
بقانون الدولة الطالبة للتسليم : وهو ما ورد في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب
, إذ ترى أنّ التسليم لا يجوز عندما تكون الجريمة أو العقوبة قد سقطت بالتقادم
طبقا لقانون الدولة طالبة التسليم [38]
.
ثانيا: العبرة
بقانون إحدى الدولتين الطالبة للتسليم أو المطلوب منها ذلك, وهو ما أخذت به
اتفاقية تسليم المجرمين [39]
لدول الجامعة العربية لعام 1952 دون تحقق هذا الشرط في نفس الوقت, وهو
الاتجاه السائد في معاهدات التسليم المبرمة على المستوى العالمي[40]
وبعض قوانين تسليم المجرمين في الدول العربية[41].
إلاّ أنّ تطبيق هذه الصورة أظهر تباينا نظهره على النحو التالي :
1) سقوط
الدعوى العمومية بالتقادم بمقتضى قانون الدولة المطلوب منها التسليم يؤدي إلى عدم
جواز التسليم ورفضه ،ومثال على ذلك المعاهدة التي عقدتها سويسرا مع كل من إيطاليا
والبرازيل , بريطانيا وروسيا والبرتغال واسبانيا وألمانيا.
2) - جعل التسليم اختياري حال سقوط الدعوى
العمومية أو انقضاء العقوبة بالتقادم ومثال ذلك معاهدة سويسرا – فرنسا سنة 1969.
وسويسرا –بلجيكا سنة 1874.
3)- منع التسليم إذا ما تحقق سقوط الدعوى
العمومية أو انقضاء العقوبة بمقتضى قانون أحد الدولتين الطالبة للتسليم أو المطلوب
منها ذلك، ومن أمثلة ذلك معاهدة بوستامنتة وهو ما تفضله الدول حاليا[42].
إلا أنه
يطرح تساؤل – في أي مرحلة من مراحل التسليم يكون سقوط الدعوى العمومية أو انقضاء
العقوبة مبررا لرفض التسليم ؟
قد ذهب فريق إلى حصول التقادم وقت إجراء عملية
التسليم [43]
وفريق آخر إلى حصوله وقت وصول طلب التسليم إلى الدولة المطلوب منها ذلك [44]
وفريق اشترط لحصول التقادم أن يكون قبل القبض على المتهم وإحالته على التحقيق[45]
.
وتجدر الملاحظة إلى أنه مادام انقضاء الدعوى
العمومية أو سقوط العقوبة، بالتقادم أو لأي سبب آخر من النظام العام فإنه يجوز
للشخص المطلوب تسليمه إثارته في أي مرحلة من مراحل متابعته، ولو صدر قرار المحكمة
القاضي بتسليمه، لأنّ هذا الأخير ليس قرار يقضي بإدانته.
المطلب
الثاني: الاستثناءات في قبول التسليم
هناك
أنواع من الجرائم التي لا يجوز التسليم فيها مهما كانت خطورة الوقائع فيها ويعود
ذلك لأسباب عديدة تخص كل جريمة نذكر منها الجرائم السياسية والجرائم العسكرية وقد
نص الدستور الجزائري[46] على هذا الاستثناء وكذا التشريعات الداخلية [47]
والمعاهدات والاتفاقيات الدولية الثنائية [48]
منها والجماعية [49]
سواء المتعلقة منها بالتعاون القضائي والقانوني أو المعاهدات المتخصصة بالتعاون
الدولي لمكافحة جريمة معينة ,كما هو الحال في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب
في مادتها السادسة التي تنص :" لا يجوز التسليم في أي من الحالات الآتية
:
1- إذا كانت الجريمة المطلوب فيها التسليم تعتبر
بمقتضى القواعد القانونية لدى الدولة المتعاقدة المطلوب التسليم إليها جريمة لها
صبغة سياسية.
2- إذا كانت
الجريمة المطلوب من أجلها التسليم تنحصر في الإخلال بواجبات عسكرية.
الفرع
الأول: الجرائم السياسية
من الصعب إيجاد مفهوم شامل للجريمة
السياسية وذلك يعود لقابليته للتغيير السريع وارتباطه ببعض أنواع الجرائم مثل الجرائم
الإرهابية، مما يصعب معه تقرير ما إذا كانت الجريمة في مجموع وقائعها سياسية فيعفى
مرتكبيها من التسليم، أو من الجرائم الإرهابية فيجب التسليم فيها.
وأمام غياب تعريف للجريمة السياسية في
التشريع فإنّ كلا من الفقه والقضاء يقدم محاولات:
أولا -
تعريف الجريمة السياسية : يعد
الفقيهTRAVERS من بين
الفقهاء القلائل الذين عرّفوا الجريمة السياسية بقوله : " الجريمة التي
تخل بنظام البلاد السياسي والتي تهدف أو يكون من شأنها تعريض سلامة الدولة
الداخلية للخطر".
وقد
عرفها القضاء الفرنسي بأنها " الجريمة التي يكون غرضها الوحيد هدم أو
تعكير النظام السياسي في ركن من أركانه ,أو
تغيير نظمه بطريق غير مشروع, أو المساس بتنظيم السلطات العامة أو تعريض استقلال
الأمة أو سلامة أراضيها ,أو علاقة الدولة الفرنسية بغيرها من الدول للخطر).
مما سبق يمكن أن نحصر عناصر تعريف الجريمة
السياسية بأنها كل فعل يخّل بالنظام السياسي, يقصد من وراءه تغيير النظام القائم
والذي يترتب عنه خطر داخلي يمس الأمن والاستقرار للأفراد والسلطات العامة, وقد
يمتّد هذا الخطر لأن يمس العلاقات الخارجية للدولة.
ثانيا -
تمييز الجريمة السياسية عن الجرائم العادية : جاء الفقه والقضاء بمعايير للتمييز بين الجريمة
السياسية التي تمتاز بإجراءات خاصة عن الجرائم العادية, فانقسم إلى قسمين :
المذهب الشخصي : وقد اعتمد أنصاره على أنّ الدافع هو الضابط
لتحديد نوع الجريمة فإذا كان سياسيا كانت كذلك, والباعث مسألة دقيقة يمكن تعريفه بأنه
الحافز الذي دفع الفاعل بالتحرك نحو تحقيق غاية سياسية ( كإسقاط نظام فاسد لإحلال
نظام بديل له ) وهو كذلك كل باعث لا ينصب على تحقيق مأرب شخصي.
ولقد انتقد هذا المذهب كونه يعرّف الجريمة على
عنصر,لا يدخل في عناصر الجريمة وهو الباعث.
المذهب الموضوعي : قد اعتمد أنصار هذا المذهب موضوع الجريمة كضابط
لتحديد نوع الجريمة, ومن ثمّ تعد جريمة سياسية الجرائم التي تخل بنظام وسير
السلطات العمومية , والتي تمس بالمصلحة السياسية للدولة.
وسواء تمّ الأخذ بالمذهب الشخصي الذي يعاب عليه
ضيقه أو بالمذهب الموضوعي الذي يعاب عليه اتساعه, فإن التمييز يزداد تعقيدا في
الجرائم المختلطة[50]
أو المرتبطة [51]
إلاّ أنّ هذا النوع من الجرائم أخذ في الانكماش,إذ أصبح عددها يتقلص خاصة في
الآونة الأخيرة , ويعود هذا إلى إخراج بعض الجرائم منها من دائرة الجرائم السياسية
خاصة بعد ظهور التعاون الدولي في مكافحة مثل هذا النوع من الجرائم ( مثلا الجرائم
الإرهابية )[52]
والجرائم التي تقع على رؤساء الدول وأفراد أسرهم[53].
ثالثا- مبررات الإعفاء من التسليم : وقد جاء الفقهاء ببعض الحجج التي تبرر عدم تسليم
المجرم السياسي منها :
1- أنّ
المجرم السياسي ليس من العصاة, إذ يتميّز بالشرف والأخلاق الحسنة وأنّ دافع
الوطنية هو الذي دفع به إلى إصلاح النظم التي يعتقد أنها خطأ أو صواب لا تحقق
المصلحة الاجتماعية.
2- أنّ
تسليم المجرم السياسي قد يوتر العلاقات بين الدول ,إذا ما تطورت الأحداث إلى حصول
انقلاب في النظام السياسي للدولة طالبة التسليم.
3- اعتبار
الإجرام السياسي هو منبع الدولة وأنظمتها.
4- قد يعرض
تسليم المجرم السياسي إلى فرض عقوبات قاسية وشديدة , على غرار المجرم العادي, لأنّ
تحقيق العدل في الجرائم السياسية أصعب منه في الجرائم العادية.
5- وجود
المجرم السياسي في إقليم الدولة المطلوب منها التسليم لا يشكل خطرا على أمنها
واستقرارها من شأنه يستوجب التسليم والتخلص منه.
رابعا- الجريمة السياسية في التشريع الجزائري : لم يرد للمشرّع الجزائري تعريفا للجريمة السياسية
بخلاف بعض التشريعات المقارنة[54]
وإنما اكتفى بالإشارة إليها في المادة 698 من ق إ ج ولم يحدد المعايير لاعتبار
الجريمة سياسية من عدمها وإنما ترك تقدير ذلك للسلطات المعنية غير أنه جرى العمل والتنظيم الدولي على أنّ
الجرائم الإرهابية ليست جرائم سياسية.
وبالرجوع إلى الاتفاقيات الثنائية و الجماعية
التي عقدتها الجزائر وصادقت عليها, فإنها وإن تطرقت للجريمة السياسية فإنها لم
تحدد مفهوم هذا النوع من الجرائم وإنما اكتفت باستثنائها من التسليم.
الفرع الثاني : الجرائم العسكرية
بما
أنّ هذا النوع من الجرائم يخضع لطابع خاص وتشريع مستقل, مما يميزها بخصوصية
الإجراءات والمتابعة وحتى العقوبة , لذا فقد جاء إعفاء التسليم في مثل هذا النوع
من الجرائم.
أولا -تعريف الجريمة العسكرية : يعرفها الفقهاء بأنها : " تلك الجرائم
التي يعاقب عليها قانون العقوبات العسكري
وتعتبر إخلالا بواجبات خاصة لفريق من الأفراد هم أفراد القوات المسلحّة
,راجعة إلى حالتهم أو وظيفتهم ", وراح التشريع يقدّم محاولات لتعريف
الجريمة العسكرية كما هو الحال في القانون السوفياتي [55]بأنها
" الجريمة التي تقع من أحد العسكريين بالمخالفة للنصوص المتعلقة بالخدمة
العسكرية " .
ثانيا-
أهميّة التمييز بين الجرائم العسكرية والجرائم العادية: إنّ للتمييز بين الجرائم العسكرية والجرائم
العادية أهمية , من حيث الإجراءات وكذا العقوبات :
1- من
حيث الإجراءات والاختصاص: تختص المحاكم العسكرية بالنظر في مثل هذا النوع من
الجرائم ذات الطابع العسكري المحض[56]
مهما كان مركز الفاعل أصليا أو مساعدا أو شريكا , وسواء كان عسكريا أم لا.
كما أنها
تختص بالجرائم ذات الطابع العام التي يرتكبها أشخاص لهم صفة عسكري.
2-من حيث
العقوبات : تختلط
العقوبة الجزائية بالطابع التأديبي في العقوبات المقررة للعسكريين ( كالعزل ,
فقدان الرتبة ) كما لا يطبق نظام وقف العقوبة المحكوم بها ولا يعتد بالعود لتشديد
العقوبة في مثل هذا النوع من العقوبات.
3-من حيث التسليم : وقد اتبعت الدول الأساليب التالية بشأن التسليم
في الجرائم العسكرية.
3-1 طريقة النص على عدم التسليم في الجرائم العسكرية
الصرفة[57]
دون تحديد لماهية هذه الجرائم أو الشروط الواجب توفرها فيها.
3-2 طريقة النص على عدم التسليم في الجرائم العسكرية
التي يقرر العقاب عنها في القوانين العسكرية فقط[58].
3-3 طريقة
النص على عدم جواز التسليم في الجرائم العسكرية والجرائم المرتبطة بها[59].
3-4 الطريقة التي تشترط إمكانية التسليم في الجرائم
العسكرية إذا كان التسليم جائزا بالنسبة لنفس الجريمة إذا كان التسليم جائزا
بالنسبة لنفس الجريمة إذا كان مرتكبها شخص لا يخضع للقانون العسكري[60].
وقد نصت
على هذه الطريقة المادة 4 من الميثاق الأوروبي لتسليم المجرمين لعام 1957على أنّ
الجرائم التي تخضع للقانون العسكري والتي لا تكون جرائم طبقا للقانون الجنائي الاعتيادي
مستثناة من أحكام هذا الميثاق.
وقد أقرّ هذا المبدأ معهد القانون الدولي
في دورته المنعقدة في أكسفورد عام 1880و أثبته العرف الدولي في تسليم بحارة
المراكب والبواخر التجارية والعسكرية الهاربين من تلك البواخر دون اتخاذ الإجراءات
الأصولية للتسليم طبقا لما تقتضيه مستلزمات التعاون الدولي خاصة ما يتعلق منها
بالتجارة الدولية.
ثالثا - مبررات
الإعفاء من التسليم في الجرائم العسكرية:قد طرحت أسباب لتبرير الإعفاء من التسليم في
الجرائم العسكرية منها :
1 - كون الجرائم العسكرية لها علاقة بالجرائم
السياسية لذا يطلق عليها اسم الجرائم شبه سياسية [61]
2- انعدام مصلحة الدولة المطلوب منها التسليم في
قبوله إذا ما كان الشخص الفار ليس من مرتكبي الجرائم الخطيرة التي تهدد كيانها أو
الأمن الدولي يخشى انتشارها.
رابعا - الجرائم
العسكرية في التشريع الجزائري: وقد
قسمّها قانون القضاء العسكري إلى فئتين
الفئة
الأولى :وهي
جرائم عسكرية بحثة وتنقسم إلى:
1-جرائم الإفلات من الخدمة
العسكرية
2-جرائم الإخلال بالشرف والواجب
3-الجرائم المرتكبة ضد النظام –
مخالفة التعليمات
الفئة
الثانية : وهي
الجرائم التي يعاقب عنها القانون العام ويرتكبها عسكريون أو شبه عسكريون وهي قسمين
:
1- جرائم
القانون العام التي يرتكبها عسكريون ضمن الخدمة أو داخل المؤسسات العسكرية فهي ضمن
الجرائم العسكرية.
2- جرائم
القانون العام المرتكبة خارج الخدمة وخارج المؤسسات العسكرية وليس لدى المضيف فهي
لا تعد جرائم عسكرية.
ويستفاد
من الفقرة الأخيرة من المادة 697 ق إ ج بأن التسليم في الجرائم العسكرية على النحو
الذي تمّ طرحه سابقا يكون في الجرائم المحضة[62]
بخلاف الجرائم العادية التي يرتكبها العسكريون أو البحارة أو من في حكمهم.
وبهذا تكون الجزائر قد حددت الجرائم
العسكرية القابلة للتسليم وانتهجت في تحديدها الطريقة الأولى وهي طريقة النص على
عدم جواز التسليم في الجرائم العسكرية الصرفة دون تحديد لماهية هذه الجرائم أو
الشروط الواجب توّفرها.
المبحث الثاني
الشروط المتعلقة بشخصية الجاني الهارب
قد
يكون الجاني من رعايا الدولة التي ارتكبت فيها الوقائع, ثم فرّمنها هروبا من إنزال
العقاب وقد يكون من رعايا دولة أخرى كما قد يكون من رعايا الدولة المطلوب منها
التسليم, وقد يكون الجاني عديم الجنسية أو يحمل أكثر من جنسية في كل هذه الحالات
كيف يتم استرداد الجاني من طرف الدولة طالبة التسليم وإنزال العقاب به ؟
المطلب
الأول : الشروط العامة للشخص في حالة جواز التسليم
الأصل أنّ جميع الأشخاص اللاجئين إلى أرض
الدولة يجوز تسليمهم لكن العرف الدولي والاتفاقيات والمعاهدات الجماعية منها
والثنائية قد أتت باستثناءات [63]
تخرج عن هذا الأصل.
إلاّ أنه
يوجد بعض الدول انفردت بالأصل دون الاستثناء بتقرير مبدأ التسليم ولو كان الجناة
المطلوب تسليمهم رعاياها, مثل انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى ضوء
ما تقدم فإنه يطرح الإشكال التالي: ماهي الشروط العامة التي يجوز فيها التسليم
كأصل عام باتفاق الدول؟
الفرع
الأول ّ: حالة الشخص المطلوب يحمل جنسية الدولة الطالبة للتسليم
عندما يكون الجاني أحد رعايا الدولة التي
ارتكبت فيها وقائع الجريمة أو يكون الجاني من رعايا الدولة الطالبة للتسليم
وارتكبت الجريمة في دولة أخرى, ثمّ يفرّ منها فهل يحق للدولة أن تسترد مواطنيها ؟
لا يوجد خلاف في هذا الحق المقرر للدولة
طالبة التسليم ,بل ذهبت بعض التشريعات والمواثيق الدولية إلى منح الأولوية في مثل
هذه الحالة من التسليم [64]
كما ذهبت معاهدات أخرى إلى التحقق من شروط التسليم الأخرى, كشرط ازدواج التجريم[65]
واقتصرت معاهدات أخرى على تسليم رعايا الدولة الطالبة للتسليم دون غيرهم [66]
.
ويقع عبئ
إثبات أن ّ الشخص المطلوب تسليمه من رعايا الدولة الطالبة للتسليم من عدمه على
عاتق الدولة طالبة التسليم.
الفرع
الثاني : حالة الشخص المطلوب يحمل جنسية دولة ثالثة
وهي الحالة التي يكون فيها الجاني أحد رعايا دولة
ثالثة وقد ارتكبت جريمة في إقليم الدولة الطالبة للتسليم وتمّ ضبطه في إقليم
الدولة المطلوب منها ذلك, فإذا تقدمت الدولة المتضررة من فعل الجاني الهارب بطلبها
في التسليم فإن للدولة المطلوب منها التسليم أن ترجع إلى بنود المعاهدة المنعقدة
بينهما ,فإذا وجد شرط استشارة الدولة التي ينتمي إليها الجاني قبل التسليم فإنها
ملزمة بالقيام بهذا الإجراء , وإلاّ كان التسليم غير قانوني والعكس إذا كانت
المعاهدة لا تتضمن هذا الشرط أو لا يوجد اتفاق دولي للتسليم فإن الدولة المطلوب
منها التسليم لها الخيار, فإذا رأت أنّ الاستشارة ضرورية طبقا لقواعد المجاملة
أخذت بها , وإذا رأت خلاف ذلك فإنها تقوم بالتسليم دون إشعار الدولة الثالثة, ولم
تلزم اتفاقية تسليم المجرمين لدول الجامعة العربية لعام 1952 الدول الأعضاء بضرورة
استشارة الدولة التي ينتمي إليها الشخص المطلوب تسليمه.
الفرع
الثالث : حالة الشخص المطلوب تسليمه يحمل جنسيات متعددة
قد يثبت للدولة المطلوب منها التسليم أنّ الشخص
محل طلب التسليم يحمل عدّة جنسيات مثل :
أولا ـ كأن يكون يحمل جنسية الدولتين الطالبة للتسليم
والمطلوب منها ذلك ودولة ثالثــــة فأي جنسية يعتد بها ؟
اتفق
الفقهاء على أنّ جنسية الدولة المطلوب منها التسليم هي التي يعتّد بها باعتباره
موجود في إقليمها ومادامت تأخذ بمبدأ عدم تسليم رعاياها.
ثانيا ـ قد يكون للشخص المطلوب تسليمه جنسيتان ,جنسية
الدولة الطالبة للتسليم جنسيته الأصلية وجنسية الدولة المطلوب منها التسليم عن
طريق التجنس, فهل يحق للدولة المطلوب منها التسليم رفض تسليمه باعتباره أحد
رعاياها أم تنظر في القصد من رواء التجنس ؟
تباينت
تطبيقات الدول تجاه هذه المسألة :
1- فمنها
من اعتبرت المتجنسين رعاياها ولو حصل هذا التجنس بعد ارتكاب الوقائع المتابع بها
والمطلوب التسليم لأجلها وبالتالي لا يجوز تسليمه[67].
2-ومنها
من اعتبرت أنه لا قيمة للتجنس إذا حصل بعد ارتكاب الجريمة ,إذ يعد في نظرها غش
قانوني [68]
,وقد أقرّ القضاء الفرنسي ذلك إذ سلّم أحد المتجنسين بالجنسية الفرنسية عام 1950
وقد ارتكبت الوقائع بإيطاليا سنة 1945.
موقف المشرع الجزائري
جاء في أحكام قانون الإجراءات الجزائية
لاسيما المادة 696 بأنه يجوز تسليم رعايا الدولة الطالبة للتسليم سواء ارتكبوا
وقائع الجرائم داخل إقليم الدولة الطالبة للتسليم أو دولة ثالثة.
إلاّ
أنها اشترطت في تسليم الأجنبي إلى الدولة طالبة التسليم في الجرائم التي يرتكبها
الجاني خارج أراضيها أن تكون من الجرائم التي يعاقب عليها القانون الجزائري وهو
شرط ازدواج التجريم [69]
,وعليه فإن الجزائر لم يرد لها شرط استشارة الدولة الأجنبية في عملية تسليم
الأجانب وبالتالي لها الخيار في ذلك [70]
متى توفرت شروط التسليم الباقية دون توجيه إشعار للدولة التي ينتمي إليها الشخص
المطلوب تسليمه.
مادامت الجزائر تأخذ بمبدأ عدم تسليم
رعاياها فإنهّ يكون في حكم رعايا الدولة الجزائرية كل من يحمل الجنسية الجزائرية أصلية
كانت أو عن طريق التجنّس, ويكون هذا الأخير غير قابل للتسليم إذا كان تجنسّه قبل
ارتكاب الجريمة ,وهذا ما نصت عليه المادة 698 فقرة أولى " لا يقبل التسليم
في الحالات التالية:
1- إذا كان
الشخص المطلوب تسليمه جزائري الجنسية والعبرة في تقدير هذه الصفة بوقت وقوع الجريمة
المطلوب التسليم من أجلها " .
المطلب
الثاني : الاستثناء الوارد عن مبدأ جواز التسليم
إذا كان الهارب من رعايا الدولة المطلوب
منها التسليم فكيف يتم ذلك وهل هو جائز أم لا ؟
الفرع
الأول : تعريف مبدأ عدم تسليم الرعايا
ويقصد به أن يكون الهارب المطلوب تسليمه من أحد
رعايا الدولة المطلوب منها التسليم سواءا من الرعايا الأصليين أو من المتجنّسين
بجنسيتها, والذي لا يجوز تسليمه مهما كانت الوقائع التي ارتكبها من خطورة تستوجب
تسليمه. وتعد المعاهدة المبرمة بين فرنسا وبلجيكا سنة 1834 أول معاهدة [71]
نصت على هذا المبدأ وهو الاتجاه الذي سارت عليه الدول في الوقت الحاضر
حسب ما يستشف من قوانينها الداخلية[72]
المتعلقة بالتسليم أو المعاهدات[73]
الثنائية منها أو الجماعية.
الفرع
الثاني : موقف الفقه والقضاء من مبدأ تسليم الرعايا
قد أحدث مبدأ تسليم الرعايا من عدمه انقساما
بين الفقهاء, بين مؤيد للمبدأ ومعارض له ولكل فئة مبرراتها وهذا ما سنوضحه على
النحو التالي :
أولا - مبررات
عدم تسليم الرعايا : ويتذرع
أنصار هذا المبدأ بالحجج التالية :
1-
أنّ التسليم يؤدي إلى تجريد المتهم من قضاته
الطبيعيين وهم القضاة الذين يحملون جنسية بلده , وليس قضاة البلاد الذي انتهكت
قوانينه.
2- أنه من
حق المتهم حمايته من الدولة التي ينتمي إليها في مقابل القيام بواجباته واحترام
قوانينها , ومادام لم يخرق حرمة قوانين بلاده فإنه يقابل ذلك الحماية القانونية
له, ولا يحق لدولته أن ترمي به تحت رحمة قانون وقضاء أجنبيين , وهو الأمر الذي
يتنافى وهيبة الدولة وكرامتها.
3- عدم وجود
ضمانات كفيلة تضمن المحاكمة العادلة والمعاملة المماثلة للمسلّم مثل الجاني الذي
ينتمي إلى البلد المسلّم له.
4- مادامت
الغاية من التسليم هي إنزال العقاب بالجاني , فإنه من الممكن لدولة المطلوب منها
التسليم محاكمة رعاياها عن الجرائم التي يرتكبونها خارج إقليمها استنادا إلى مبدأ
الاختصاص الشخصي لقضائها.
ثانيا - مبررات تسليم الرعايا : ويبرر أنصار هذا الرأي , مبدأهم بالحجج التالية :
1-
كون القاضي المختص للنظر في الجريمة هو القاضي
الذي انتهكت الجريمة قانونه.
2- التسليم
كنظام عادة يتم بين الدول التي تأخذ بالنظام القضائي في التسليم والذي تتوافر فيه
الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة.
3- التسليم
يكون نتيجة عدم التزام الجاني الهارب بقوانين الدولة التي ارتكب جريمته بها.
4- عدم
التسليم قد لا يؤدي إلى محاكمة الجاني الهارب, خاصة إذا كانت الدولة المطلوب منها
التسليم تأخذ بمبدأ إقليمية القانون الجنائي بصفة مطلقة.
5- عدم
التسليم قد يؤدي إلى توزيع الاختصاص بين عدّة محاكم يصدر عنها أحكام قد تتناقض
وتتنافى مع فكرة العدالة.
وقد اقترح الفقهاء حلولا بديلة للتخفيف من
حدّة الانقسام , نذكر منها :
أولا-
حريّة الاختيار : وهو أن
يكون للدولة الطرف الحريّة في التصرّف في تسليم رعاياها من عدمه , إلاّ أنّ هذا
الحل , جاء دون جدوى, كون الدول استقرت في تطبيقها لمبدأ عدم تسليم رعاياها.
ثانيا-
التسليم من أجل المحاكمة فقط: إنّ
الدولة الطالبة للتسليم تهدف من وراءه محاكمة الجاني الهارب في مكان ارتكابه
للجريمة , الذي تتوافر فيه أدلّة الإدانة مما يدفع الطمأنينة في المجتمع الذي
انتهكت حرمة قوانينه, في حين أنّ الدولة المطلوب منها التسليم تخشى على رعاياها من
أن يتعرضوا للعقوبة القاسية في سجون الدولة الطالبة, فنكون أمام ثلاث مصالح
متعارضة.فكيف يتّم التوفيق بينها؟
اقترح
بعض الفقهاء أن تقوم الدولة الطالبة بمحاكمة المطلوب تسليمه, وتسترجعه الدولة
المطلوب منها ذلك بعد تسليمه لتنفيذ العقوبة عليه.
ويبدوا
أنّ هذه الطريقة لا يمكن أن تحقق ما تصبوا إليه الدول من آمال في مكافحة الجريمة,
نظرا لتكاليف النقل في عملية تسليم واسترجاع الشخص المطلوب للمحاكمة.
كما أنها
تتطلب تعديل القوانين الداخلية من حيث تنفيذ الأحكام الأجنبية, إضافة إلى أنّ
تنفيذ الأحكام الأجنبية لا تكون بنفس الجديّة التي تنفذ فيها الدولة الأحكام
الصادرة عن سلطاتها القضائية, كما قد يفرج عن الشخص قبل انقضاء العقوبة بسبب صدور
عفو خاص.
موقف
التشريع الجزائري من مبدأ عدم تسليم الرعايا :
يأخذ المشرع الجزائري بقاعدة أنّ الدولة
لا تسلم الأشخاص الخاضعين لولايتها القضائية[74]
سواء بناءا على مبدأ الإقليمية لقانون العقوبات أو بناء على مبدأ شخصية
الاختصاص أو على أساس المتابعة أو كون العقوبة محل التنفيذ في الجزائر على نفس
الوقائع التي هي محل طلب التسليم.
وقد كان
موقف التشريع الجزائري واضحا في ما يتعلق بمبدأ عدم جواز التسليم وذلك على الصعيد
الدولي كما جاء به قانون الإجراءات الجزائية وهذا ما أقرته الاتفاقيات الدولية
الثنائية[75]
أو الجماعية[76].
المبحث الثالث
شـرط الاختصـاص
إنّ شرط الاختصاص ضروري في نظام التسليم,
إذ لا يمكن أن تصوّر التسليم دون أن تكون هناك ولاية للدولة طالبة التسليم للنظر
في الجريمة, وإذا جرى التسليم دون هذا الشرط فإنه يقع باطلا كونه يفقد الغاية منه.
وقد عرف الاختصاص في الوقت الحاضر توسعا إذ أصبح لا يقوم على مبدأ الإقليمية فحسب
بل امتد إلى الأخذ بالمبدأ الشخصي والعيني, وحتى الاختصاص الشامل في بعض الجرائم[77]
مما أدى إلى ظهور تنازع في الاختصاص القضائي للدول ويظهر أثر هذا التنازع في نطاق
تسليم المجرمين. وهذا ما سنتطرق له حالة بحالة في كل مطلب :
المطلب
الأول : الجريمة من اختصاص الدولة طالبة التسليم
قد ينعقد الاختصاص للدولة طالبة التسليم
بناءا على مبدأ الإقليمية, وهي الحالة الأكثر شيوعا وبهذا الصدد يطرح التساؤل ما
هي الوسائل التي تحدد الاختصاص للدولة طالبة التسليم دون غيرها من الدول :
الفرع
الأول : الاستناد إلى التشريعات الداخلية
من المعلوم أنّ التشريع هو من يحدد الجهة
المختصة للنظر في كل جريمة , لكن عندما يكون الاختصاص بين دولتين تتميّز كلا منها
بتشريع مستقل , قد لا يتفق مع التشريع الذي يقابله , فهل يمكن الاستناد لتحديد
الاختصاص على قوانين الدولة الطالبة للتسليم أو قوانين كلتا الدولتين.
أولا -الاستناد
على قوانين الدولة طالبة التسليم : ويتّم
بموجب هذه الطريقة تحديد الاختصاص بناءا على قوانين الدولة طالبة التسليم فيما إذا
كانت مختصة للنظر في الجريمة المطلوب التسليم من أجلها أم لا.
ثانيا-
الاستناد على قوانين كلتا الدولتين : يشترط في هذه الطريقة أن يكون الاختصاص الذي تنص
عليه قوانين الدولة طالبة التسليم نفسه ما تنص عليه قوانين الدولة المطلوب منها ذلك[78]
إذ لا
يمكن أن تطلب الدولة طالبة التسليم استرداد شخص
بناءا على الاختصاص العيني الذي لا تأخذ به قوانين الدولة المطلوب منها التسليم.
وقد أقرّ
معهد القانون الدولي في أكسفورد عام 1880 هذه الطريقة , ونصّ في المادة 08 منه على
أنّ " اختصاص الدولة الطالبة للتسليم يجب أن لا يتعارض مع قوانين الدولة
المطلوب منها التسليم ".
الفرع
الثاني : استنادا لمعاهدات التسليم
وهو أن يرد في بنود المعاهدة نص أو أكثر
يحدد الاختصاص في إجراء التسليم ,وبالتالي تكون الدول الأطراف ملزمة بهذا النص وقد
أخذ أسلوبين :
أولا- أن يحدد
الاختصاص للدولة المطلوب منها التسليم والجرائم التي تقع تحت طائلة هذا الاختصاص
والتي يستوجب معها التسليم[79].
ثانيا - قد تحيل المعاهدة في تحديد قواعد الاختصاص إلى
مبادئ القانون الدولي أو إلى قانون إحدى الدولتين الطرفين[80].
المطلب
الثاني : اختصاص الدولة الطالبة للتسليم والمطلوب منها ذلك
قد علمنا أنّ الاختصاص ينعقد لجهة ما
بناءا على مبدأ من المبادئ التي جرى العمل بها لتحديد الاختصاص, وهو مبدأ
الإقليمية والمبدأ الشخصي والمبدأ العيني ومبدأ الاختصاص الشامل. فقد ينعقد
الاختصاص للدولتين الطرفين كلا حسب مبدأ رغم وحدة وقائع الجريمة المطلوب التسليم
بشأنها. وقد ينعقد الاختصاص للدولتين الطرفين حسب مبدأ واحد يعود إلى أكثر من
واقعة إجرامية وهذا ما سنوضحه في الفرعين الآتين:
الفرع
الأول : تعدد
الاختصاص في جريمة واحدة
هناك
اتفاق كامل للتشريعات ولآراء الفقهاء على أن من حق الدولة المطلوب منها التسليم أن
تمتنع عند إجراء التسليم إذا ما كـان
الاختصـاص ينعقـد لأحد محاكمـها , مهما كـان نـوع هذا الاختصاص [81]
( إقليمي – شخصي أو عيني ) إذ لا ترجيح لاختصاص على آخر, لكن هذا التمسك بالاختصاص
قد يخلق بعض الصعوبات والعراقيل أمام عملية التسليم وبالتالي أمام التعاون الدولي
في مجال مكافحة الجريمة , ولا سيما عندما ترفض التسليم من جهة ثم تمتنع عن معاقبته
فينفلت الجاني من العقاب , إلاّ أنّ بعض القضاء لم يلتزم الثبات حيال هذا الموقف[82]
مرة يقبل التسليم على أساس أنّ القضاء مختص, إلا أنه لم يحرك ساكنا.ومرّة يرفض
تسليم المجرم كون قضاء الدولة المطلوب منها التسليم مختص بوضع يده على الواقعة أو
أنه فصل فيها , إلاّ أنه يطرح التساؤل الآتي هل يكون هذا الحكم الصادر في الواقعة
المجرمة المطلوب التسليم بشأنها مانع من التسليم , أم أنه يجوز التسليم بعد ذلك ؟
فهناك من
يذهب إلى أنه يجب التمييز في هذه الحالة بين كون الحكم يقضي بالإفراج والبراءة [83]
مستندا إلى نصوص القانون وبين الحكم الذي يستند إلى عدم كفاية الأدلة,إذ لا يجوز
التسليم في الحالة الأولى لعدم جواز معاقبة المتهم أكثر من مرّة,ويجوز التسليم في
الحالة الثانية فقد تكون الأدلة كافية للإدانة في الدولة الطالبة للتسليم منه في
الدولة المطلوب منها ذلك.
أما إذا
انتهت محاكمة الجاني بصدور حكم يفرض عقوبة فإنه وبناءا على قاعدة عدم جواز محاكمة
الجاني أو معاقبته أكثر من مرّة على نفس الوقائع.
فإنه لا
يجوز التسليم غير أنّ هناك من يجيزه في هذه الحالة لما تقتضيه قواعد الإنصاف,إذ
أنّ الضرر الذي يصيب الدولة طالبة التسليم أكثر منه من الضرر الذي يصيب الدولة
المطلوب منها ذلك, وبالتالي تكون العقوبة المقررة للجاني على الوقائع غير مطابقة
للضرر الذي أصاب الدولة طالبة التسليم.
وتجدر الملاحظة إلى أنّ القانون الجزائري
يأخذ بعدم جواز ثنائية المحاكمة فالمادة 698/4 من ق إ ج لا تجيز التسليم إذا كانت
الجريمة المطلوب التسليم من أجلها قد تمت المتابعة والحكم فيها نهائيا بالجزائر ,
ولو كانت قد ارتكبت خارج الإقليم الجزائري.
وهو
الأمر الذي اتجهت إليه الجزائر في اتفاقياتها القضائية التي عقدتها مع دولة [84]
أو مع الدول في إطار اتفاقيات جماعية[85].
الفرع
الثاني : تنازع الاختصاص عند تعدد الجرائم
قد يحدث أن تطلب دولة شخص لمتابعته بوقائع
ارتكبها على إقليمها من دولة ثانية تتبين لهذه الأخيرة أن الشخص محل طلب التسليم
متابع أمام جهاتها بوقائع أخرى.فهل يجوز التسليم هنا؟
أجمع
الفقهاء حول عدم جواز التسليم إلى أن يفرغ من متابعته نهائيا لأنه قد يرفض طلب
استردادها لهذا الشخص بعد تسليمه ولا ضرر إذا فصلت في طلب التسليم بعد انتهاء
متابعته للشخص المطلوب تسليمه.
لكن إذا انتهت المتابعة بعقوبة سالبة
للحرية فهل يبت في طلب التسليم أم يؤجل إلى غاية تنفيذ العقوبة ؟ هذا ما قد يؤدي
إلى انقضاء الدعوى العمومية في الدولة الطالبة التسليم أو إلى ضعف أدلة الإثبات (
وفاة بعض الشهود ....صعوبة إحضارهم ) وإزاء ذلك فقد جاءت التشريعات والمعاهدات
الدولية ببعض الحلول لمعالجة هذه الصعوبات.
أولا - التسليم
بصورة مؤقتة[86] : وهو
أن يسلّم الشخص المطلوب تسليمه إلى الدولة طالبة التسليم للمحاكمة فقط وفور
انتهائها يعاد إلى الدولة المطلوب منها التسليم لتنفيذ العقوبة.
ثانيا-تأجيل
التسليم مؤقتا : وهو أن
يؤجل البت في طلب التسليم إلى أن يفرغ من متابعة الشخص المطلوب تسليمه وتنفيذ
العقوبة عليه [87]
وبصفة عامة أن تنقطع صلته بالقضايا التي ينظر فيها قضاء الدولة المطلوب منها
التسليم.
وتجدر
الملاحظة إلى أنّ المشرع الجزائري, أخذ بالتسليم بصورة مؤقتة, إذ يجوز تسليم الشخص
محل طلب التسليم , والذي هو محل متابعة من الجهات القضائية الجزائرية أو محل تنفيذ
عقوبة جزائية, لأجل المحاكمة في الجهات القضائية للدولة طالبة التسليم ثم يرد إلى
الجزائر, كما أنه يشترط رد الشخص المسلّم مؤقتا بمجرد قيام القضاء الأجنبي بالفصل
في الدعوى المتابع بها وهو ما نصت عليه المادة 701 / 2 من قانون الإجراءات
الجزائية.
كما أنه أخذ من جهة أخرى بتأجيل التسليم [88]
وهذا ما ذهبت إليه المادة 701 فقرة 1 من ق إ ج إذ يمنع التسليم إلى غاية الانتهاء
من متابعة الشخص أو تنفيذ عقوبته أمام الجهات القضائية الجزائرية.
المطلب الثالث : تعدد الاختصاص
قد
يرتكب شخص جريمة في دولة ما ضد سلامة دولة أخرى , فيفرّ إلى دولة ثالثة , ثمّ يطلب
من هاته الدولة تسليمه,وقد يرتكب شخص آخر جريمة ما في دولة أولى ثمّ جريمة أخرى في
دولة ثانية وجريمة ثالثة في دولة ثالثة ثم يفر إلى دولة رابعة يطلب منها تسليمه من
قبل الدول المتضررة من أفعاله. فنكون في الحالة الأولى أمام تعدد الاختصاص في
جريمة واحدة,وفي الحالة الثانية نكون أمام تعدد الاختصاص في جرائم متعددة. وهذا ما
سنتطرق إليه في الفرعين التاليين :
الفرع الأول : تعدد الاختصاص في الجريمة الواحدة
لقد
عالجت المعاهدات الدولية والتشريعات الداخلية مشكلة تعدد الاختصاص على النحو
الآتي:
أولا - التسليم طبقا لمبدأ الاختصاص الإقليمي[89]
وهو أن
يعطى الأفضلية للطلب الذي يستند في اختصاصه على المبدأ الإقليمي, وإذا تعددت
الطلبات بشأن ذلك فإنه تعطى الأفضلية للطلب الذي يصل أولا, في حين ذهبت بعض
المعاهدات في إعطاء الأفضلية في التسليم إلى الدولة التي وقع فيها العمل الرئيسي
للجريمة[90].
ثانيا - التسليم طبقا لمبدأ الاختصاص الإقليمي أو
الشخصي
إلاّ
أنّ بعض المعاهدات تقوم بتسليم الشخص إلى الدولة التي وقع الجرم على إقليمها, مع
إشعار الدولة التي يحمل جنسيتها الشخص المطلوب, وذلك إذا لم تطلب استرداده[91].
إلاّ أنّ
المشرع الجزائري قد أخذ بأفضلية طلب الدولة التي ألحقت الجريمة أضرارا بمصالحها أو
الدولة التي وقعت الجريمة على إقليمها[92]
. وهو الرأي الأقرب إلى الصواب إذ أنه أجدر بالدولة المتضررة مصالحها من الجريمة
لإنزال العقاب بالجاني, فإنه وإن كان في أغلب الأحيان تكون مصالح الدولة متضررة
كلما كانت وقائع الجريمة وقعت على إقليمها,فهذا لا يمنع من وقوع الجريمة على إقليم
دولة ما في حين تتضرر مصالح دولة أخرى, كتزييف عملة غير عملة الدولة التي وقعت على
إقليمها الجريمة.
الفرع
الثاني : تنازع الاختصاص في جرائم متعددة
عندما تكون دولة ما مطلوب منها التسليم من
دول عديدة لشخص قد ارتكب عدّة جرائم على أقاليم هاته الدول , فإنّ على الدولة
المطلوب منها ذلك أن تضع في اعتبارها أولا أهميّة الجريمة ثمّ خطورتها ومكان
ارتكابها وجنسية الهارب تمّ تاريخ وصول طلب التسليم , وهذا كلّه بالرجوع إلى
التشريع الداخلي الذي ينظّم التسليم, وكذا نصوص المعاهدات التي عقدتها سواء
الثنائية منها أو الجماعية, وللتمكن من طلب التسليم فإنّ التطبيقات العمليّة بهذا
الصدد قد أحدثت تباينا واختلافا فمنها :
أولا- من تأخذ بخطورة الجريمة , أي أنّ الاستجابة
لطلب التسليم تكون الأفضلية فيه إلى الدولة التي ارتكبت على إقليمها أخطر الجرائم[93]
المقدّم طلبات التسليم بشأنها, وإذا تساوت خطورة الجرائم تكون العبرة بتاريخ
وصول الطلب أي الأفضلية للطلب الذي يرد أولا إلى الدولة المطلوب منها التسليم.
تجدر الملاحظة إلى أنّ المشرع الجزائري وعلى
غرار التشريعات المقارنة, فإنه أخذ بمعيار خطورة الجريمة ومكان ارتكابها, وتاريخ
وصول طلب التسليم أو طلب التعهّد بإعادة تسليم ولما كان ورود هذه المعايير بهذا
الترتيب فإنه أقرب إلى تفسير هذه المادة أن يكون في مقدّمة هذه المعايير خطورة
الجريمة المطلوب التسليم بشأنها, ثمّ الرجوع إلى مكان ارتكابها تكملة للمعيار
الأول, وإذا ما تساوت المعايير السابقة كان معيار تاريخ الوصول هو الفاصل في تحديد
الأفضلية لطلب التسليم.
الفصل الثالث
إجراءات التسليم وآثاره
حتى يقوم التسليم صحيحا ويرتب أثاره
القانونية كاملة لابد من أن يسلك مجموعة من الإجراءات المحددة طبقا للتشريع أو
الاتفاق الدولي، وعليه سوف ننظر في مبحث أول إلى هاته الإجراءات وفي مبحث ثان إلى
الآثار المترتبة عن عملية التسليم .
المبحث الأول
إجراءات
التسليم
إن إجراءات التسليم هي مجموعة الأعمال القانونية
المنصوص عنها في القوانين الداخلية للتسليم أو بنود الاتفاقيات والمعاهدات الدولية
التي يشترطها التسليم حتى يرتب أثاره صحيحة.
وقد
اختلفت الدول في سن هذه الإجراءات فمنها ما تتسم بالتعقيد [95]
ومنها ما تتسم بالبساطة [96]
ويمكن تقسيم هذه الإجراءات إلى ثلاث مراحل نتناول كل مرحلة في مطلب.
المطلب
الأول : تقديم طلب التسليم
يعتبر تقديم الطلب لسلطات الدولة المطلوب منها
التسليم الخطوة الأولى لإجراءات التسليم ولما كانت للطلب أهمية بالغة في التسليم
وتقدم إجراءاته فلا بد أن يتضمن أحكام عامة وأن يقدم بطريقة محددة قانونا وهذا ما
سنوضحه في الفرعين التاليين.
الفرع
الأول : الأحكام العامة لطلب التسليم
وهي جملة الشروط التي يشترطها القانون في تسليم
المجرمين أو بنود الاتفاقات الدولية منها :
أولا-الكتابة: إنّ النصّ على شرط الكتابة في طلب التسليم قد
يكون صراحة [97]
وقد يستفاد منه إذا تضمنت النصوص الداخلية أو بنود الاتفاقيات عبارة " يجب
أن يرفق بطلب التسليم الوثائق..." التي يفهم منها أنه يستوجب في طلب التسليم الشكل
الكتابي [98]
، غير أن بعض الاتفاقيات في حالات الاستعجال تسمح بأن يكون الطلب بواسطة الفاكس أو
الهاتف على أن يعزز بطلب لاحق مكتوب [99]
.
ثانيا-إرفاقه
بالوثائق : وهي
مجموعة الوثائق التي تسهل على الدولة المطلوب منها التسليم التعرف على هوية
المطلوب تسليمه والقبض عليه بأسرع وقت وأقل جهد ، إذ غالبا ما تكون الوثائق
المطلوب إرفاقها بالطلب تبيّن الهوية الكاملة للشخص محل الطلب ( أوصافه
البدنية العلاقات المميزة للشخص ، صورته
الفوتوغرافية ، عاداته الاجتماعية .....)
كما أن هذه الوثائق تدفع الاطمئنان في
الدولة المطلوب منها التسليم على جديّة متابعة الشخص المطلوب وسلامة هذه المتابعة
من أي تجاوزات للقانون مما يدفع بها إلى الجدية في البحث على الشخص المطلوب تسليمه
.وحتى تكون هذه الوثائق تحمل الطابع الرسمي فنجد بعض الدول تشترط التوقيع على هذه
الوثائق من الجهات الرسمية [100]
في حين تكتفي دول أخرى بورود هذه الوثائق عبر الطريق الدبلوماسي الذي يعد ضمانة
لرسميتها [101]
. إلا أنه ما هو مستقر عليه يجب أن تكون الوثائق كفيلة بالإجابة عن الهوية
الكاملة للشخص المطلوب – جنسية الشخص المطلوب – الجريمة المتابع بها ، أو العقوبة
المراد تنفيذها عليه – وقائع وظروف ارتكاب الجريمة – القوانين التي توضح صحة
المتابعة والعقوبة المنزلة بالجاني ..إلخ
ثالثا-
موقف المشرّع الجزائري : إنّ
المشرع الجزائري كغيره من باقي التشريعات المقارنة فإنه يشترط طلب التسليم كأول
إجراء لعملية التسليم ,ولم يشترط الكتابة فيه صراحة إلا أنه يفهم من نص المادة 702
من ق إ ج " بأن يرفق الطلب بحكم صادر بالعقوبة أو كل الوثائق التي تثبت
متابعته القضائية [102]
" بأن الطلب يشترط فيه أن يكون مكتوبا ، في حين أن المعاهدات الدولية
التي عقدتها الجزائر سواء الثنائية منها أو الجماعية فإن شرط الكتابة ورد صريحا
كما هو الحال في المادة 34 من اتفاقية الجزائر – كوبا المصادق عنها بالمرسوم
02/102 المؤرخ في : 06/03/2002 ، وكذا المادة 54 من اتفاقية دول إتحاد المغرب
العربي المنعقدة براس لانوف ليبيا بتاريخ : 9-10/مارس/1991 غير أنه في الحالة
الإستعجالية فإن الجزائر يجوز توجيه طلب التسليم بكل وسائل الاتصال السريعة التي
تترك أثر مكتوبا [103]
على أن يؤكد هذا الطلب لاحقا بطلب رسمي عبر الطريق الدبلوماسي .
أما عن الوثائق المرفقة بالطلب فإن المشرع
الجزائري لم يخرج عن النقاط المتفق عليها و السابق ذكرها فإذا كان الشخص في مرحلة
المتابعة فإن الطلب يرفق بأمر القبض الصادر من الجهة القضائية للدولة طالبة
التسليم به عرض موجز للوقائع المتابع من أجلها كما يرفق بنسخة مصادق عليها للنص
القانوني المطبق على تلك الوقائع ونسخة من مستندات التحقيق إن وجدت على أن تقدم
أصولها أو نسخ رسمية منها [104]
أما إذا كان الطلب خاصا بتنفيذ عقوبة فإن الوثائق الواجب إرفاقها هي نسخة أصلية أو
مطابقة للأصل من الحكم الذي يقضي بالعقوبة [105]
.
الفرع
الثاني : طريقة تقديم طلب التسليم
اختلفت الدول في تحديد طرق التسليم التي يسلكها
طلب التسليم ليصل إلى الدولة المطلوب منها التسليم إلا أن الطلب في كل الأحوال
يسلك إحدى الطرق التالية :
أولا ـ
الطريق الديبلوماسي : وهو
الطريق الأكثر شيوعا من حيث الاستعمال إذ تقوم الدولة الطالبة بتنظيم طلب التسليم
وتسليمه إلى وزارة العدل الذي ترسله بدورها إلى وزارة الخارجية لتوصله إلى سفارتها
أو قنصليتها المتواجدة بالدولة المطلوب منها التسليم كي تبلغه إلى وزارة خارجية
تلك الدولة ، ومن بين الاتفاقيات الدولية التي اتبعت هذا الطريق ، اتفاقية دول
إتحاد المغرب العربي لسنة 1991 [106]
واتفاقية دول الجامعة العربية لسنة 1952 [107]
.
ثانيا ـ
إحالة الطلب مباشرة بين وزارتي العدل للبلدين : وهو أن يتم تسليم الطلب من وزارة العدل للدولة
طالبة التسليم إلى وزارة العدل للدولة المطلوب منها التسليم [108]
.
ثالثا ـ الطريق القضائي : وهو أن يتم إرسال طلب التسليم مباشرة من السلطة
القضائية للدولة طالبة التسليم إلى الجهة القضائية المقابلة لها في الدولة المطلوب
منها التسليم [109]
.
وعلى
الرغم من تعدد المراحل التي يمر بها طلب التسليم من خلال إتباع الطريق الدبلوماسي
وماقد يلحقه هذا إضرار بحريات الأفراد وحقوقهم الأساسية لعدم توفر الضمانات
القضائية لهم إلا أنه ينبغي الأكثر ملائمة لطبيعة التسليم باعتباره عمل من أعمال
السيادة حسب رأي الكثير من الفقهاء [110]
.
موقف
المشرع الجزائري :
كان اتجاه المشرع الجزائري في تحديد
الطريق الذي يسلكه طلب تسليم المجرمين بين الجزائر وغيرها من الدول واضحا وهو
الطريق الديبلوماسي [111]
، وهذا ما أقرته المادة 702 ق إ ج ( يوجه طلب التسليم إلى الحكومة
الجزائرية بالطريق الديبلوماسي ..... ).
غير أنه تنازل عن هذا الطريق عندما يتعلق
الأمر بإحدى دول المغرب العربي عند عملية التسليم الذي يكفي سلوك الطريق بين
وزارتي العدل للدولتين الطرفين وهذا ما نصت عليه المادة 54 من اتفاقية دول الإتحاد
المغربي بنصها " يقدم طلب التسليم كتابة من وزارة أو أمانة العدل لدى
الطرف المتعاقد الطالب مباشرة إلى وزارة أو أمانة العدل لدى الطرف المطلوب إليه
التسليم ..."
المطلب
الثاني : إجراء القبض المؤقت
ما دام نظام التسليم يشترط إتباع إجراءات معينة
فقد تطول هذه الإجراءات ويصل دونها إلى علم المطلوب تسليمه خير طلب استرداده
فيغادر البلاد التي يقيم عليها وبالتالي تصبح إجراءات التسليم المتخذة دون جدوى،
لذا فقد لجأت الدول إلى إتباع أساليب جديدة تؤمن سرعة القبض على المجرمين وشل
حركتهم وانتقالهم وذلك عن طريق الأخذ بنظام القبض المؤقت وعليه فإننا نعالج في هذا
المطلب أولا الأحكام العامة للقبض المؤقت ثم الهيئات المكلفة بإتخاد هذا الإجراء .
الفرع
الأول : الأحكام العامة لإجراء القبض المؤقت
تنظم الدولة التي ترغب في القبض المؤقت طلبا بذلك
وتقدمه إلى الدولة المطلوب منها التسليم ,وذلك بوسائل إتصال سريعة كالفاكس أو
الهاتف إذ يتضمن هذا الطلب تفاصيل هوية الشخص المطلوب والجريمة المتابع بها
والإشارة إلى صدور أمر بالقبض ضده وطلب توقيفه وضبط المواد التي بحوزته .وعند وصول
الطلب إلى الدولة المطلوب منها التسليم فإنها تسعى لإلقاء القبض على هذا الشخص
وحبسه مؤقتا مع ضبط ما بحوزته وتقوم بإشعار الدولة الطالبة بنتائج الإجراءات
المنجزة .
كما أن
النصوص التشريعية الداخلية أو نصوص الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الثنائية
والجماعية ولتحقيق الموازنة بين واجبات التسليم والضمانات القانونية لحقوق الشخص
المطلوب تسليمه فإنها تشترط أن لا يتعدى وقف الشخص أكثر من المدة المحددة قانونا
وتختلف هذه المدة من تشريع لأخر [112]
ومن معاهدة لأخرى [113]
.
وتجدر
الملاحظة إلى أن القبض المؤقت يختلف عن القبض الوقائي، فإن الأول وإن كان مصدره
القانون أو الاتفاق فإن الثاني بمثابة التزام طبيعي فهو إجراء أولي تقوم به الدولة
المطلوب منها التسليم لتخطر به الدولة طالبة التسليم والتي تسارع في إصدار أمر
القبض ليفرغ فيه الإجراء، ولا يكون هذا الأخير إلا في الدول التي لا تمانع
تشريعاتها بإلقاء القبض دون صدور عمل قضائي يقضي بذلك.
موقف
المشرع الجزائري :
الأصل أن إلقاء القبض على شخص في الدولة
الجزائرية لا يبرره إلا عمل قضائي [114]صادر
عن السلطات الجزائرية أوعمل قضائي صادر عن سلطة قضائية أجنبية واردة إلى الحكومة
الجزائرية بالطريق المحدد قانونا ( أي عن الطريق الديبلوماسي ) ، وعليه فإن إلقاء
القبض المؤقت على الشخص المطلوب تسليمه يكون بناءا على أمر القبض الوارد مع طلب
التسليم والذي يستجوب من طرف النائب العام للتحقق من هويته ويبلغ المستند الذي قبض
عليه بموجبه وذلك خلال 24 ساعة من تاريخ إلقاء القبض عليه [115]
ويحرر محضر بهذه الإجراءات .
كما ينقل
الشخص المقبوض عليه إلى سجن العاصمة في أقصر الآجال ويحبس به [116]
.
غير أنه في حالة الاستعجال يكفي الإخطار
الوارد عن طريق البريد المستعجل إلى السلطات القضائية لإحداث القبض على الشخص
المطلوب تسليمه والذي يجب أن يبلغ إلى وزارة الخارجية ووزارة العدل والنائب العام
لدى المحكمة العليا في الوقت ذاته ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تتجاوز مدة إيقاف
الشخص خمس وأربعين يوما عند عدم وصول المستندات الواجب تسليمها من
الدولة الطالبة والذي يتقرر بعده الإفراج بناء على قرار صادر عن المحكمة العليا
خلال08 أيام من تقديم عريضة بذلك غير قابل للطعن فيه [117]
.
غير أن
الإفراج لا يحول دون استئناف الإجراءات إذا ما وصلت الوثائق المستند عليها في
إلقاء القبض وتسليمه إلى الدولة طالبة التسليم [118]
.
الفرع
الثاني : الهيئات المساعدة في إجراء القبض المؤقت
إن ضرورة المجتمع الدولي لمكافحة الجريمة دفعت
إلى إنشاء أجهزة أمنية من شأنها تقوم بتتبع حركات المجرمين المتابعين وهذا بربط
الهيئة المركزية بباقي فروعها على مستوى أنحاء العالم والمتواجدة بالدول الأعضاء ،
فقد ظهرت منظمة عالمية وأخرى جهوية وقد كان لهاتين المنظمتين دورا فعالا في عملية
التسليم وهذا ما نلمسه من خلال الطرح الذي نتقدم به.
أولا ـ
المنظمة الدولية للشرطة الجنائية INTERPOL : وهي هيئة دولية أنشأت سنة 1923 اتخذت من باريس
مقرا لأمانتها العامة ولها مكاتب على مستوى عواصم الدول الأعضاء وينظم عملها دستور
يحدد اختصاصاتها والتي تنقسم إلى :
في حالة
الإجراءات العادية : يتم
اتصال المنظمة بطلب القبض المؤقت عن طريق المكتب الوطني الذي تقع فيه الجهة
القضائية التي أصدرت أمر القبض على الشخص المطلوب والذي يتفحصه المكتب إذا ما كان
لا يتعارض وأحكام المادة الثالثة من دستور المنظمة ,[119]
ليرسل بعد ذلك إلى الأمانة العامة والتي تعمم الطلب على باقي مكاتب المنظمة
المنتشرة في الدول الأعضاء بواسطة نشرة قبض حمراء [120]
وتعتبر هذه النشرة بمثابة أمر قبض دولي .
وبعد أن
تتسلم المكاتب هذه النشرة تبدأ في البحث عن الشخص المطلوب وتعقبه فتلقي عليه القبض
إذا ما كانت قوانين تلك الدولة لا تستلزم أمر قضائي بالقبض أو تطلب من الأمانة
العامة إرسال أمر القبض حتى يتسنى لها إكمال إجراءات التسليم.في حالة اشتراط
قوانين الدولة المضبوط فيها الشخص وجود أمر قضائي بالقبض.
في حالة
الإجراءات المستعجلة : وهي أن
يقوم المكتب الوطني المخطر بأمر القبض المؤقت بالتأكد من عدم مخالفة أحكام المادة
3 من دستور المنظمة وتعميم نشرة القبض المؤقت الحمراء على باقي مكاتب المنظمة دون
الرجوع إلى الأمانة العامة وذلك لظرف الاستعجال في بعض الجرائم ذات خطورة ، وبعد
مرور 03 أشهر من الإعلان دون نتيجة يرجع إلى الحالة العادية للإجراءات ،بالرجوع
إلى الأمانة العامة واستكمال الإجراءات .
كما أن
عمل المنظمة تعترضه بعض الصعوبات لا سيما من القوانين الداخلية لبعض الدول التي
تشترط لإلقاء القبض وجود أمر قضائي يقضي بالقبض، وعليه تنقص من قيمة نشرة القبض
الحمراء التي تصدرها المنظمة إذ يمنع أي اعتقال للأشخاص المتابعين بموجب النشرية
السابقة الذكر .
ثانيا ـ
المكتب الدولي العربي للشرطة الجنائية : وهو أحد المكاتب الثلاث المستحدثة بموجب اتفاقية
معقودة بين الدول العربية المصادق عليها بقرار جامعة الدول العربية المؤرخ في :
10/04/1960 وذلك تحت تسمية ( المنظمة الدولية العربية للدفاع الاجتماعي ) الذي يقع
مقره في دمشق [121]
وهو أشبه بمنظمة الأنتربول إذ له شعب إتصال على مستوى الدول العربية الأعضاء
للجامعة العربية ويتلخص دوره في مجال تسليم المجرمين هو تعميم إعلان البحث عن
الشخص المطلوب توقيفه وتسليمه على مستوى جميع الشعب المتصلة بالأمانة العامة
المتواجدة بدمشق بعد أن تتأكد أن أمر القبض لا يتعارض ونصوص اتفاقية المنظمة
الدولية العربية للدفاع الاجتماعي ولا سيما المادة 22 منها [122]
، ثم تقوم بالبحث عن الشخص المطلوب بعد إعلان البحث عنه في جميع الشعب بإصدار (
إذاعة البحث ) التي بدورها تقوم بإخطار جميع دوائر الشرطة ، وعند ضبط المبحوث عنه
فإنه يوقف احتياطيا مع إبلاغ المكتب وشعبة الاتصال الطالبة للتسليم التي تهيأ ملف
الاسترداد لدى الجهات المختصة لاستكمال عملية التسليم .
إلا أن
المكتب الدولي العربي للشرطة الجنائية يواجه صعوبات منها :
1 ـ عدم ملائمة نصوص اتفاقية تسليم المجرمين
المنعقدة بين الدول العربية بمقتضيات التسليم كعدم تحديد دقيق للجرائم السياسية
واشتراط مبدأ ازدواج التجريم ، وعدم النص على وجوب تسليم الرعايا .
2 ـ عدم
اهتمام سلطات بعض الدول بالدور الذي يقوم به المكتب وبالتالي عدم التجاوب لانعدام
التعاون والتبادل بين شعب الاتصال.
3 ـ ضعف
وسائل الاتصال سوءا بين الشعب نفسها أو الشعب والأمانة العامة.
المطلب
الثالث : الفصل في طلب التسليم
بعد أن تستلم الدولة المطلوب منها التسليم ملف
التسليم كاملا فإنه عليها أن تفصل فيه بالإيجاب أو الرفض, إلا أن الدول منها من
انتهجت الطريق القضائي للفصل في طلب التسليم ومنها من انتهجت الطريق الإداري وهذا
ما نتناوله في فرعين وموقف المشرع الجزائري من هاته الأنظمة فرع ثالث .
الفرع
الأول : النظام الإداري
ويتم بموجب هذا النظام الفصل في طلبات التسليم
على مستوى السلطة التنفيذية [123]
إذ يحال طلب التسليم من وزارة الخارجية إلى وزارة العدل التي تبت في الطلب قبولا
أو رفضا والتي ترد به إلى وزارة الخارجية لتبليغه للمثل الدبلوماسي للدولة طالبة
التسليم ويبرر أنصار هذا النظام بأن إناطة مهمة الفصل في طلب التسليم إلى السلطة
التنفيذية كونه يعتبر من أعمال السيادة، كما أنه قد يثير مسائل سياسية تكون السلطة
التنفيذية كفيلة بمعالجتها.
رغم ما
يتميز به هذا النظام من بساطة الإجراءات, إذ يكفي لدراسة ملف التسليم التأكد من
مطابقة الهوية الواردة في الطلب مع الشخص الموقوف قيد التسليم وأن الجريمة المتابع
بها من الجرائم القابلة للتسليم.
إلا أنه
يعاب على هذا النظام أنه لا يوفر للشخص المسلم الضمانات القانونية الكافية إذ يسلم
الشخص دون أخد رأيه أو الاعتراض على قرار التسليم، كما أن الإجراءات القانونية
المتخذة من السلطة التنفيذية قد تتأثر بالاعتبارات السياسية مما يشوبها عيب الدقة
وبالتالي فقد تؤدي إلى خلاف ما يقتضيه التسليم.
الفرع
الثاني : النظام القضائي
يقوم هذا النظام على منح مهمة الفصل في طلب
التسليم إلى الهيئات القضائية إذ تقوم هاته الأخيرة بعد اتصالها بالطلب إصدار أمر
بالقبض على الشخص وتحديد جلسة للنظر فيه وتنتهي بقرار يكون إما بقبوله إذا ما توافرت الشروط القانونية للتسليم, أو
بالرفض إذا ما تخلف أحد الشروط السابقة ويكون قرارها هذا ملزما للسلطة التنفيذية
التي تبلغه إلى السلطة التنفيذية المقابلة للدولة طالبة التسليم .إلا أن الدول
التي تأخذ بهذا النظام تختلف في النظر في طلبات التسليم ، ففي فرنسا مثلا : يكتفي
القضاء بمراقبة وجود الوثائق ( أمر القبض....) والتحقق من هوية الشخص وكذا تطابق
النصوص القانونية مع الوثائق المتابع بها .
في حين
في الدول الأنجلوسكسونية التي تأخذ بهذا النظام [124]
ترى أنه يجب أن تكون الأدلة المقدمة كافية لإدانة الشخص المطلوب تسليمه.
ويقصد
بكفاية الأدلة هو ثبوت الجريمة ظاهريا مما يبعث في المحكمة بأن الشخص المطلوب
تسليمه قد ارتكب فعلا الجريمة المطلوب لأجلها.
ويرجعه
اتجاه الدول الأنجلوسكسونية لضرورة توفر أدلة الاتهام لقبول التسليم يعود لعدم ثقة
هذه الدول بالقضاء الأجنبي ,لذا لا يكفي صدور أحكام منها أو أوامر بالقبض، في حين
يذهب آخرون إلى تمسك تأخذ بذلك يعود إلى عوامل تاريخية [125]
.
إلا أنه
الأقرب إلى ما دفع بهاته الدول أن تشترط كفاية أدلة الاتهام حتى يقبل التسليم هو
كونها تجيز تسليم رعاياها لذا كان من الواجب التأكد من ثبوت الجريمة وتوفر أدلتها .
الفرع
الثالث : موقف المشرع الجزائري من هذه الأنظمة
يأخذ المشرع الجزائري بالنظام القضائي للفصل في
طلب التسليم [126]
فقبل النظر في طلب التسليم فإنه يكون قد فحص من قبل وزير الخارجية أولا ثم من طرف
وزير العدل [127],
ليحال الملف على القضاء ,و يستجوب المقبوض عليه من النائب العام لدى المحكمة
العليا ويحرر محضر بذلك خلال 24 ساعة ترفع المحاضر والمستندات إلى الغرفة الجنائية
للمحكمة العليا وتحدد له جلسة في أجل أقصاه 08 أيام تبدأ من تاريخ تبليغ المستندات
كما يجوز أن تمدد هذه المدة إلى 08 أيام إضافية إذا ما طلب ذلك الشخص المطلوب أو
النيابة العامة [128]
وللشخص المطلوب أن يستعين بمحام معتمد لدى المحكمة العليا للدفاع عنه كما تجري
المحاكمة في جلسة علنية مالم يتقرر خلاف ذلك بناءا على طلب النيابة العامة أو طلب
الشخص المطلوب تسليمه .
وإذا
تنازل الشخص المطلوب تسليمه عن تلك الإجراءات فإنه يتعين إثبات ذلك الإقرار من طرف
المحكمة [129]
.
عندما
تصدر المحكمة رأيها في طلب التسليم في شكل قرار بالرفض لعدم توفر الشروط القانونية
فإنه يشترط أن يكون قرارها مسبب [130]
والذي يكون نهائيا وملزم للسلطة التنفيذية أما إذا أصدرت قرار بقبول التسليم أو
بإقرار المطلوب تسليمه بتنازله عن الإجراءات فإنه يعرض على وزير العدل الذي يوقع
ذلك على شكل مرسوم الإذن بالتسليم إلا أن سريان صحة هذا المرسوم تنقضي بعد شهر من
تاريخ تبليغه للدولة طالبة التسليم ولا يجوز المطالبة به لنفس
السبب [131]
.
نجد أن
القضاء عند فحصه لطلب التسليم فهو يراقب مدى تطابق هوية الفاعل مع هوية الشخص
المطلوب تسليمه وكذا مدى صحة المتابعة في الوقائع المطلوب التسليم لأجلها مع نصوص
الدولة طالبة التسليم وأن مراقبة كفاية الأدلة من عدمه غير وارد كون المشرع لم
يشترط أن تقدم أدلة الإثبات أو ما يفيد وجود أدلة من شأنها تؤدي إلى الإدانة بل
اكتفى إلى تقديم إلى ما يفيد الإحالة بهذه الوقائع [132]
وبهذا يكون قد نهج المذهب الفرنسي.
المبحث الثاني
آثار التسليم
إنّ تسليم الشخص المطلوب تسليمه إلى الدولة
طالبة التسليم يجعله تحت سلطة قضاءها ما ينبغي محاكمته عن الأفعال المتابع لأجلها
أو تنفذ عليه العقوبة المحكوم بها عليه , لكن هل يمكن للدولة طالبة التسليم أن
تتابعه عن الجرائم السابقة للوقائع المطلوب التسليم لأجلها واللاحقة لها أم لا ؟
كما أنّ وصف الجريمة المتابع بها قد يتغيّر
بعد التسليم , فهل يجوز محاكمته أم لا ؟ كما أنّ تسليم شخص يستوجب التنفيذ و قد
يستدعي المرور به عبر إقليم دولة أخرى وكذا فإنه يتطلب نفقات. وهذا ما نجيب في
المطالب التالية بالترتيب :
المطلب
الأول : مبدأ التخصيص
ويقصد به أن تنحصر متابعة الشخص عن الوقائع
المتابع بها والمسلّم لأجلها وقد نصت عليه المعاهدات الجماعية [133]
والثنائية [134]
وأقرّه معهد القانون الدولي في دورته المنعقدة في أكسفورد عام 1880, والذي نصّ
" أنّ الحكومة التي سلّم لها مجرم هارب مجبرة على عدم محاكمته أو عقابه
إلاّ عن الفعل المحدد الذي سلّم من أجله إلاّ إذا كان هناك اتفاق خاص ينص على خلاف
ذلك".
وتختلف
المعاهدات والقوانين الداخلية في نصّها على هذا المبدأ, فمنها :
-
من ينص على عدم جواز معاقبة أو محاكمة المسلّم عن
غير الوقائع المسلّم لأجلها.
- ومنها
من ينص على جواز ذلك عند موافقة الدولة
المطلوب منها التسليم [135]
غير أنّ هناك من تنص على عدم إمكانية الدولة المطلوب منها التسليم أن
ترفض الموافقة على محاكمة من سلّم لجرائم لم يطلب بشأنها لكنها من ضمن الجرائم
المدرجة في المعاهدة [136]
.
أساس
مبدأ التخصيص : يرى بعض
الفقهاء أنّ التسليم بمثابة عقد بين الدولة طالبة التسليم والدولة المطلوب منها ذلك,
ولا يجوز لأحد هما الإخلال بالالتزامات المترتبة عن هذا العقد, إذ لا يجوز أن
يحاكم الشخص عن غير الجرائم المسلم لأجلها.
غير أنّ
المبرر الحقيقي لظهور المبدأ و ترسيخه ليرقى إلى مكانة مبدأ من مبادئ القانون
الدولي هو القضاء على التحايل والغش [137]
في التسليم كأن يطلب لأجل جريمة عادية لكن الغاية من التسليم هو المتابعة لأجل
جريمة سياسية.
إلاّ أنّ
أساس مبدأ التخصيص : هو حق اللجوء الذي هو مخول لجميع الدول والذي أقرته الجمعية
العامة للأمم المتحدة بالإجماع على الإعلان الخاص – باللجوء الإقليمي في
14/12/1967 , وعندما تقوم الدولة الذي يلجأ إليها شخص متابع بتسليمه فإنها تتنازل
عن جزء من حقّها انطلاقا من مستلزمات التعاون الدولي في مكافحة الجريمة , وعليه
تبقى الدولة طالبة التسليم ملزمة بمحاكمة الشخص المسلم لها بمقدار ما سمحت لها به
الدولة المطلوب منها التسليم ولا يجوز أن تحاكمه عن غير الجرائم المسلم لأجلها إلا
بناء على قبول الدولة صاحبة حق اللجوء.
الاستثناءات
الواردة على مبدأ التخصيص : وهي مبررات متى توفرت فإنه يجوز المساس بمبدأ
التخصيص منها :
أولا -
الإقامة في الدولة الطالبة لمدّة تزيد عن المدّة القانونية [138]
بعد متابعته أو تنفيذ الحكم عليه وتحدد غالبا بشهر كما هو الحال في
اتفاقية تسليم المجرمين بين الدول العربية المادة 14 منها وكذا الميثاق الأوروبي
لتسليم المجرمين م 14 / فقرة ب منه والتي تعطي بعد انقضاء هذه المدة الحرية للدولة
الطالبة في محاكمته عن أي جريمة دون أن يشكل عملها انتهاكا لمبدأ من مبادئ القانون
الدولي.
ثانيا : القبول الاختياري عندما يستجيب الشخص
المطلوب إلى طلب التسليم بحريّتة التامة فإنه يتم تسليمه اختياريا وقد ظهر اختلاف
حول طبيعة التسليم الاختياري فمنهم من يرى أنه تسليم حقيقي [139]
لا يختلف
عن التسليم الإجباري سوى أنّ الشخص آثر أن يستغرق إجراءات التسليم باستعداده
للمثول أمام جهات الدولة الطالبة دون اتخاذ الإجراءات القانونية للتسليم, بينما
اتجاه ثان[140]
يرى أنه في حالة القبول الاختياري لا نكون أمام حالة تسليم وإنما حالة رجوع الشخص
لقضائه الطبيعي ولما لم يكن هناك تسليم فلا وجود لتطبيق أحكام المعاهدة أو القانون
والأرجح من هذين الاتجاهين, وهو أنّ الدولة الطالبة للتسليم بتقديمها طلب التسليم
قد قيّدت حقها في المحاكمة عن باقي الجرائم
كما أن موافقة الشخص عن المثول كانت قد انحصرت في الجرائم المطلوب لأجلها ,
إضافة إلى كون التسليم عمل من أعمال السيادة وليس عمل يتوقف على موافقة فرد أو
رفضه فهو يتّم متى كان قانونيا رغم رفض الشخص له.لكن عندما يقبل الشخص المسلّم بعد
تسليمه محاكمته , عن جرائم غير التي سلّم من أجلها فهل يجوز المساس بمبدأ التخصيص
أم لا؟
اختلفت التشريعات والمعاهدات الدولية في
هذا الشأن , فمنهم من تضمن هذا الاستثناء كالقانون للتسليم في مادته (11)
والقانون السوري (22) رقم 53/55 المؤرخ في 05/04/1955.
بينما لم
تعترف معاهدات عديدة بهذا الاستثناء كون قبول الشخص لا يعتبر مبرر الانتهاك مبدأ
التخصيص مثل الميثاق الأوروبي لتسليم المجرمين واتفاقية التسليم للمجرمين لدول
الجامعة العربية.
ثالثا - موافقة الدولة المطلوب عنها التسليم :
يجوز محاكمة الشخص المسلّم عن جرائم غير التي سلّم من أجلها إذ ما أبدت
الدولة المطلوب منها موافقتها, وهذا ما نصت عليه الاتفاقات الدولية كاستثناء لمبدأ
التخصيص.
رابعا -
تغيّر الوصف القانوني للجريمة : قد
نصّت جهات الحكم الوقائع المسلم لأجلها بوصف جديد , غير الذي وصفت به عند إجراءات
التسليم فهل هذا التغيير يؤثر في محاكمة الشخص على أساس الوصف الجديد طبقا لمبدأ
التخصيص أم لا؟
لقد كان
هذا الأمر موضع خلاف بين الفقهاء وفي قرارت المحاكم وانقسموا إلى اتجاهين:
الاتجاه
الأول : ويرى
أنصاره [141]
أنّ تغير وصف الجريمة يعني ظهور جريمة أخرى ظهور غير الجريمة التي طلب التسليم من
أجلها ,وعليه لا يجوز محاكمة الشخص على أساس الوصف الجديد إلا بعد موافقة الدولة
المطلوب منها التسليم.
ويبررون موقفهم على السماح بالمحاكمة,
سيفتح أمام الدول باب الغش والتحايل إذ يمكن استرداد أي شخص بناءا على جرائم
ويحاكم على جرائم أخرى في حين يرى آخرون [142]
أنه لا يؤثر الوصف الجديد للوقائع بعد التسليم إذ ما كان
الوصف من ضمن الجرائم المنصوص عليها في معاهدة التسليم.
الاتجاه
الثاني: ويرى
أنصار هذا الاتجاه أن العبرة بوحدة الوقائع وليس الوصف الذي بني عليه الاتهام [143]
لذا يجوز للدولة طالبة التسليم أن تحاكم الشخص على أساس وصف جديد للوقائع
المسلم لأجلها. وقد تمسّك القضاء البريطاني بهذا الاتجاه أيضا ورفضت المحكمة
العليا البريطانية الاعتراض الذي تقدّم به GORRGAN سنة 1911 الذي حكمت عليه إحدى المحاكم
الإنجليزية عن جريمة احتيال بينما كان الوصف القانوني الذي سلّم لأجله من فرنسا هو
الكسب غير المشروع, علما أنّ الحكم قد صدر عن نفس الوقائع.
ملاحظة :غير أنه لا يحول مبدأ التخصيص دون الأخذ
بالأعذار القانونية التي قد تنزل بالعقوبة المقررة للجريمة المسلّم من أجلها دون
الحد الأدنى لها أو الظروف المشددة التي قد تضاعف العقوبة.
موقف
المشرع الجزائري : قد أخذت الجزائر بمبدأ التخصيص كسائر الدول في
تشريعها الداخلي وكذا الاتفاقات الدولية التي عقدتها مع الدول سواء الثنائية [144]
منها أو الجماعية [145]
.
غير أن
هذا المبدأ قد وردت عليه استثناءات
1. وهي بقاء
الشخص المسلّم على أرض الدولة طالبة التسليم مدة تزيد على ثلاثين يوما ولم يغادر
أراضيها بعدم الإفراج عنه, وقد أتيحت له فرصة الخروج والمغادرة أو عاد إليه بعد
مغادرته.
2. عندما
يوافق الشخص المسلم على محاكمته شريطة أن يقدم طلب موافقة الدولة التي سلمته
لتمديد التسليم ويرفق هذا الطلب بوثائق مثل الوثائق التي سلمت بشأن وقائع التسليم
الأولي بالإضافة إلى محضر قضائي يثبت موافقة الشخص على المحاكمة وكذا ما يفيد أنه
مكن عن طريق تقديم مذكرة دفاع إلى الجهة المختصة التابعة للدولة التي سلمته أول
مرّة.
كما أنّ
المشرع الجزائري قد أخذ بوحدة الوقائع عند المتابعة فتغيّر الوصف القانوني للجريمة
لا يحول دون قيام محاكمة الشخص المسلّم, لأن الجهة القضائية الخاصة بالتحقيق أو الحكم
الطالبة للتسليم هي صاحبة الحكم في الوصف المعطى للأفعال التي بررت طلب التسليم
وهذا ما جاءت به أحكام المادة 715 ق إ ج بقولها: " إنّ الجهة القضائية
الخاصة بالتحقيق أو الحكم هي صاحبة الحكم في الوصف المعطى للأفعال التي بررت طلب
التسليم "
غير أنّ الجزائر في اتفاقياتها الدولية وإن
أخذت بوحدة الوقائع – لصحة محاكمة الشخص المسلم فإنها اشترطت فوق ذلك , أن يكون
الوصف الجديد من الجرائم المنصوص عنها بمعاهدات التسليم ويجوز التسليم لأجلها,
وهذا ما تضمنته المادة 62 /2 من اتفاقية دول اتحاد المغرب العربي بنصّها.
" إذا
وقع أثناء الإجراءات تغيّر وصف الجريمة المنسوبة إلى الشخص المسلم فإنه لا يقع
تتبعه ولا يحاكم إلاّ إذا كان التسليم جائز في الجريمة حسب وصفها الجديد".
المطلب
الثاني : تنفيذ التسليم
وهي المرحلة التي تلي إجراءات الموافقة
على التسليم وتبدأ بصدور أمر الموافقة على التسليم من طرف الدولة المطلوب منها
التسليم بالمكان والزمان المحددين للتسليم.
أولا -
مدّة التسليم : أغلب
المعاهدات والنصوص القانونية حددت مدّة زمنية[146]
.يجب أن يجري خلالها التسليم, و إذا لم يتّم خلال هذه المدّة جاز للدولة
المطلوب منها التسليم إطلاق سراح الشخص المطلوب في حين ذهبت قوانين أخرى ليس
لإطلاق سراح الشخص المطلوب فحسب وإنما إلى
رفض التسليم ولوجدد الطلب مرّة أخرى عن نفس الجريمة[147]
.
إلا أن
تعذر تنفيذ عملية التسليم في الوقت المحدد يجب أن يبرر بوجود ظروف طارئة حالت دون
تنفيذه قبل انقضاء مدّة التنفيذ.
وما يعاب
على بعض المعاهدات حينما اكتفت في تحديد مدّة التسليم بعبارة ( مدّة معقولة ) وهنا
تركت الاختيار للدولة الطالبة للتسليم , ويعتبر ذريعة لها للتحلل من التزاماتها.
كما أنه يجعل تقدير هذه المدّة للدولة المطلوب منها ذلك اقتناعها بأن المدّة كافية
لانتظار عملية التسليم مما يعني إطلاق سراح الشخص المطلوب, وعليه فإنه يكون أفضل
تحديد المدة تحديدا واضحا.
ثانيا -
مكان التسليم : وقد
جرى العمل على أن يكون مكان التسليم هو أحد موانئ أو مطارات الدولة المطلوب منها
التسليم أو أحد نقاط الحدود بالنسبة للتسليم الذي يتم بين الدول المتجاورة وهناك العديد من الاتفاقيات التي تحدد مكان
التسليم وكيفية التسليم[148]
.
وقد ذهب
الفقيه FIELD في
مشروع التسليم الذي وضعه: " أن تكون الامتيازات والحقوق التي يتمتع بها
ممثلو الدولة الطالبة على أرض الدولة المطلوب منها التسليم عند التسليم شبيهة
بموظفين الدولة المستقبلة وكل عمل يعترض مهامهم يعاقب عليه بنفس أحكام عرقلة مهام
موظفين تلك الدولة أمام محاكمها ".
ثالثا - المرور عبر إقليم دولة ثالثة : قد تطول المسافة بين الدولة طالبة التسليم
والمطلوب منها وتتوسطهم دولة أو أكثر مما يقتضي لتنفيذ التسليم المرور على إقليم
هاته الدول : فماذا يتعيّن على الدولة طالبة التسليم أن نقوم به للمرور على إقليم
هاته الدول ؟
هناك
إجماع على ضرورة استحصال موافقة الدولة التي سيتم العبور عبر إقليمها , غير أنّ
الدولة المراد العبور على إقليمها غير ملزمة قانونا بالموافقة على هذا المرور[149] فلها أن تقبل في قضية وترفض في أخرى[150]
في حين يرى آخرون أنّ المرور أشبه بالتسليم لذا يشترط أن تتوافر حالة من حالات
التسليم حتى يتّم العبور , وقد ثار الخلاف حول شروط السماح بالعبور من عدمه فمنهم
من يرى :
- أنّ توفر
شروط التسليم [151]
كفيلة لإحداث الموافقة عند الدولة التي يعبر على إقليمها الشخص المراد تسليمه,
كما تشترط بعض المعاهدات على أن لا يكون الشخص أحد رعايا الدولة المطلوب منها
المرور على إقليمها[152]
في حين هناك من الدول لا تشترط ذلك [153].
وقد ميّز الميثاق الأوروبي لتسليم المجرمين في
المادة 21 منه بين :
1. المرور
عن طريق البرّ : ويجب
أن يقدمّ طلب رسمي بالتسليم على أن لا تكون الجريمة المسلّم بشأنها سياسية أو
عسكرية.
2.المرور عن طريق الجو : وقد ميّز بين ثلاث حالات :
1.2-
المرور في المجال الجوي : ويكفي إخطار الدولة المراد المرور على إقليمها بتقديم
نسخة من أمر القبض وصورة عن الحكم الصادر ضد الشخص.
2.2 -الهبوط على إقليم الدولة بدون سابق موعد :
يكفي تقديم طلب شبيه بطلب القبض.
3.2- الهبوط على إقليم
الدولة مع سابق موعد : يجب أن يقدم طلبا رسميا .
ويعاب
على هذه الشروط أنها معقدّة قد تعطل عملية التسليم إذا التقدم بالطلب يعني فحصه
ودراسته الذي يأخذ وقتا إضافيا ومصاريف أكثر.
موقف
المشرع الجزائري :
قد جاء في بنود الاتفاقيات[154]
التي عقدتها الجزائر أن مكان التسليم وزمان تنفيذه وغالبا ما تقترحه الدولة
المطلوب منها التسليم.
غير أنه
في حالة عدم الاتفاق مسبقا فإنّ الشخص يساق إلى مكان تعينه لها الدولة طالبة
التسليم في التاريخ والمكان المحددين.
ويكون
التسليم خلال المدّة المتفق عليها والتي غالبا ما تحدد بمدّة شهر , وبعد انقضاء
هذه المدّة فإنه يخلى سبيل الشخص الموقوف وفي حالة وجود ظروف طارئة حالت دون قيام
التسليم فإنه يجب إخطار الدولة المطلوب منها ذلك قبل انقضاء هذه المدّة.
وفي حالة العبور على الإقليم الجزائري أو
على متن باخرة جزائرية فإنه يجوز المرور بغض النظر عن جنسية الشخص المنقول شريطة
أن يكون ذلك بطلب مرفق بالوثائق اللازمة بواسطة الطريق الدبلوماسي , وذلك إذا ما
كانت الدولة طالبة العبور من الدول التي تعمل بمبدأ المعاملة بالمثل ,كما أن
المرور يكون تحت إشراف ممثلي السلطة الجزائرية وعلى نفقة الدولة طالبة التسليم.
ولقد اتبعت المعاهدات التي عقدتها الجزائر
الميثاق الأوروبي في تسليم المجرمين حينما ميّزت بين العبور على البرّ والعبور عبر
الطريق الجوي[155]
الذي يتميّز بحالات ثلاث لاستصدار موافقة الدولة المراد العبور على إقليمها.
في حين
أضافت اتفاقية دول اتحاد المغرب العربي في مادتها 64 فقرة ب , وجوب استصدار موافقة
الدولة المراد العبور على إقليمها عندما تكون هذه الأخيرة إحدى الدول التي طلبت
تسليمه.
المطلب
الثالث : نفقات التسليم وإعادته
إنّ عملية التسليم تتطلب إنفاق بعض
الأموال وقد تكون ذات قيمة معتبرة نظرا لإجراءات المتخذة فمن يدفع هذه الأموال ؟ فهل تتحمل الدولة طالبة
التسليم كل هذه النفقات باعتبارها صاحبة المصلحة ؟ أم تتحمل الدولة المطلوب منها
التسليم جزءا منها باعتبار التسليم ومكافحة الإجرام واجب على جميع الدول ؟
وهذا ما
سنجيب عليه في الفرع الأول.
وقد يطلب
من الدولة التي استلمت الشخص أن يسلّم إلى دولة أخرى فهل يستلزم إعادة التسليم
موافقة الدولة المطلوب منها التسليم أم لا؟ وهذا ما سنتناوله في الفرع الثاني ,
وموقف المشرع الجزائري في فرع ثالث .
الفرع
الأول : نفقات التسليم
يتجلى من ظاهر التطبيقات العملية أنّ الدول قد
سارت في اتجاهين لتحديد عبئ تكاليف التسليم.
الاتجاه
الأول : وهو أنّ عبئ تكاليف التسليم تقع على عاتق الدولة
طالبة التسليم وقد يتّم تعويض الدولة المطلوب منها التسليم عن كل ما أنفقته[156]
حتى يتّم استكمال التسليم .
الاتجاه
الثاني : وهو
أن تتحمل كل دولة النفقات التي تتطلبها عمليّة التسليم التي تنفق من قبلها في
إقليمها[157]
.
الفرع
الثاني : إعادة التسليم
ويقصد به أنّ تسلم الدولة التي استلمت
الشخص إلى دولة أخرى بناءا على طلبها , بنفس إجراءات التسليم التي تم بها جلبه
إليها والسؤال يطرح هل موافقة الدولة المطلوب منها التسليم لأول مرّة واجبة لإعادة
التسليم أم لا ؟.
ما دامت
للدولة المطلوب منها التسليم السيادة على التسليم فإنّ ضرورة الإطلاع على موافقتها
أمر لا يمكن الإغفال عنه عند إعادة التسليم إذ سيادة الدولة الطالبة للتسليم ما هي
إلاّ سيادة عارضة وفي حدود الجريمة التي تمّ التسليم من أجلها.
الفرع
الثالث : موقف المشرع الجزائري من نفقات التسليم وإعادة التسليم
أولا -
نفقات التسليم : وقد تطرق لها المشرع الجزائري في بنود
الاتفاقيات الدولية التي عقدتها الجزائر الثنائية[158]
منها والجماعية [159]
إذ أن النفقات التي تتحملها الدولة الجزائرية هي كل النفقات التي تتم على أراضيها
إذا كانت طالبة للتسليم.
وبالتالي
فإن الجزائر قد أخذت بالاتجاه الثاني الذي يقسم عبئ النفقات على الدولتين طالبة
التسليم والمطلوب منها ذلك كون التسليم مناطه مكافحة الجريمة ويعد واجبا دوليا
يتعين التضامن والتعاون من أجله. غير أن نفقات التسليم في ما يتعلق بالعبور على
إقليم الدولة الجزائرية فإنه يقع على عاتق الدولة طالبة التسليم[160].
ثانيا:اعادة
التسليم:
ذهب المشرع الجزائري شانه شان باقي
التشريعات, إلى إقرار السيادة في التسليم إلى الدولة المطلوب منها ذلك, إذ لا يجوز
إعادة تسليم الشخص المسلّم إلى دولة أخرى بناءا على إجراءات التسليم , إلاّ بعد
استصدار موافقتها ويعود ذلك إلى كون سيادتها مازالت قائمة في حين سيادة الدولة
الجزائرية على الشخص المسلّم لها عارضة وفي حدود الجريمة المسّلم بشأنها. غير أنّ
هذه السيادة ليست دائمة[161]
,فهي تسقط إذ ما كان في إمكان الشخص المسلّم أن يغادر الأراضي الجزائرية, وقد مرّت
عليه المدة القانونية والمحددة بشهر وعليه يجوز تسليمه دون الرجوع إلى موافقة
الدولة التي سلمته لأول مرّة.
خاتمــــة
إذا
كان نظام تسليم المجرمين يعد من أبرز صور التعاون التي تحققت للمجتمع الدولي في
مكافحة الجريمة , والذي تنظم شروطه وأحكامه
الاتفاقات الدولية المبرمة في هذا الشأن, إذ يكفل عدم إفلات المجرم من
العقاب إذا التجأ إلى دولة أخرى غير تلك التي ارتكب فيها الجريمة, غير أنّ هذا
النظام لم يبلغ بعد المرحلة التي يمكن أن تحقق معها كل الفائدة المرجوة منه , فمن
المبادئ المقررة بصفة عامة : " أنه لا يجوز التسليم من أجل بعض الجرائم (
الجرائم السياسية والعسكرية , الدينية ) , كما لا يجوز تسليم رعايا الدول المطلوب
منها التسليم , ولا شك أنّ هذه المبادئ من الممكن والجائز أن تتفق على خلافها
الدول تماشيا مع ما تقتضيه روح التضامن الدولي في مكافحة الجريمة لكن ليس بصفة دائمة
ومطلقة....
وأمام هذا فإن نظام التسليم وإن كان له دور في
التقليل من التضارب القائم بين السيادة للدول والاختصاص القضائي فإنه يبقى عاجزا
عن تحقيق الغاية كلما ساءت العلاقات الدولية أو عندما تتمسك الدول بالمبادئ
السابقة دون التنازل عنها, فأصبح من الضرورة بمكان من إيجاد نظام عالمي مكملا له
وهو مبدأ عالمية العقاب وهذا عندما تثور صعاب بالنسبة للعمل بنظام تسليم
المجرمين.
قائمــة
المراجــع
أولا الكتب :
1- الدكتور
أحسن بوسقيعة , الوجيز في القانون الجزائي العام .ديوان الأشغال التربوية طبعة
2003.
2- الدكتور
حسن عبد الأمير جنيح – تسليم المجرمين في العراق – طبعة 1988.
3- الدكتور
جندي عبد المالك – الموسوعة الجنائية – الجزء الثاني – مطبعة دار الكتب المصريّة
بالقاهرة 1350 هـ - 1932 م .
4- الدكتور
محمود شريف سيوني وعبد العظيم الوزير – الإجراءات الجنائية في النظم القانونية
وحماية حقوق الإنسان –دار العلم-.
5- الدكتور
محمد منصور الصاوي أحكام القانون الدولي في مكافحة الجرائم الدولية المخدرات , دار
المطبوعات الجامعية الإسكندرية.
6- الدكتور
علاء الدين شحاتة – التعاون الدولي لمكافحة الجريمة – أيتراك للنشر والتوزيع
الطبعة الأولى 2000.
7- الدكتور
عبد الغني محمود –تسليم المجرمين على أساس المعاملة بالمثل – دار النهضة العربية.
8- الدكتور
عبد القادر بقيرات – العدالة الجنائية الدولية 1991 – دار المطبوعات الجامعية
2005.
ثانيا الدوريات :
-
مقال الأستاذ جيلالي بغدادي موسوعة الفكر القانوني العدد الخامس من ص 42-48
دار الهلال للخدمات الإعلانية 2004.
-
اتفاقيات قضائية – وزارة العدل , الديوان الوطني
للأشغال التربوية – الطبعة الأولى 1992.
-
اتفاقيات قضائية – وزارة العدل , الديوان الوطني
للأشغال التربوية الطبعة 2003.
ثالثا التقنينات :
-
الدستور الجزائري لسنة 1963,1976,1989,1996.
-
قانون الإجراءات الجزائية الجزائرية الصادر
بالأمر رقم 66/155 المؤرخ في 18 ؟؟؟عام 1386 والموافق ل 08 جوان 1966 والمعدل
والمتمم بالقانون رقم 04/14 المؤرخ في 10/11/2004.
-
القانون المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال
وتمويل الإرهاب ومكافحتها- ؟أشغال التربوية 2005.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم