القائمة الرئيسية

الصفحات



المساهمة الجنائية

المساهمة الجنائية







المساهمة الجنائية
مقدمة
وجد الخير والشر منذ أن أوجد الله الإنسان في هذه المعمورة، ولا يزولان إلا بأن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن
المعروف أن أساليب الشر تختلف وجرائمه تتعدد وتتطور بتطور المجتمع البشري
في جميع الميادين، ولأدل على ذلك تطور الجرائم مما هو تقليدي إلى الجرائم
المعقدة وحتى العابرة للحدود والدول، ومنذ زمن ليس بالقريب ولهذه الأسباب
المخلة بنظام وأمن المجتمعات، سعت هذه الأخيرة قدر الإمكان لمحاربتها شر
محاربة بسن التشريعات والقوانين التي من شأنها أن تنظم وتصنف الجرائم قصد
الوقاية وعلاج المجتمع منها، هذه القوانين الوضعية تساير روح التطور
فتتطور معه، ومن شأنها أن تعدل وتتمم وتلغى في بعض الأحيان، تسعى من
ورائها السلطات المختصة لمعاقبة المجرمين كل حسب ما اقترفه من جرم،
وللإشارة فإن الجريمة قد يرتكبها شخص واحد، وقد تتعدد الجرائم ويكون
الفاعل شخصا واحدا، كما أنها قد تتعدد بتعدد الجنات، ومن جانب آخر قد تتخذ
الجريمة وحدتها بتعدد أيدي المجرمين فيها، وليس بالضرورة أن تتساوى
أفعالهم حتى تتحقق هذه الجريمة، وهذا ما اتفق فقهاء القانون على تسميته
بالمساهمة الجنائية.
فما هي المساهمة الجنائية؟ ومتى وكيف تتحقق؟
من
أجل هذا حاولنا الإجابة في مذكرتنا عن هذه الإشكالية، وقسمناها إلى فصلين
الأول: هو مفهوم المساهمة الجنائية وأهم النظريات التي قيلت فيها والتفرقة
بين المساهمة والاشتراك، أما الفصل الثاني فتمثل في أركان المساهمة
الجنائية الأصلية والتبعية والعقوبة المقررة لها.

الفصل الأول:مفهـوم المساهمـة الجنائيـة

وأهم النظريات التي قيلت فيها والتفرقة بين المساهمة والاشتراك
المبحث الأول:
تعريف المساهمة الجنائية والاشتراك
المطلب الأول: تعريف المساهمة الجنائية

المساهمة
الجنائية هي تعدد الجناة الذين ارتكبوا الجريمة، يتضح من خلال ذلك أن
الضرر أو الخطر الذي يهدد الفرد أو المجتمع لا يعتبر ثمرة لنشاط شخص واحد،
وإنما نتاج تعاون بين مجموعة من الأشخاص لكل واحد منهم دوره في قيام الفعل
الإجرامي، وتضم المساهمة الجنائية صور عديدة، وذلك حسب الأدوار التي قام
بها كل فرد، فجريمة القتل مثلا إذا ساهم فيها مجموعة من الأشخاص، فإن
تعاونهم يتخذ صورا مختلفة فأحدهم حرض على الجريمة وثانيهم اشترى السلاح،
وثالثهم جمع المعلومات عن المجني عليه وعاين المكان والزمان لارتكاب
الجريمة، والرابع وقف متربصا أمام مسكن المجني عليه كي لا ينجده أحد أو
يشير إلى زملائه بالهرب في الوقت المناسب، أما خامسهم فأمسك المجني عليه
وحال بينه وبين المقاومة، في حين استعمل السادس السلاح في القتل وبذلك تمت
الجريمة .
وللعلم فإن الأدوار التي يقوم بها الجنات في ارتكاب الجريمة
تعاون من حيث جسامتها ودرجة أهميتها، أي من حيث قدر مساهمة كل واحد في
تحقيق الجريمة، وإذا كانت كلها قد ساهمت، فإن بعضها أكثر أهمية من البعض
الآخر .
إن القول بوجود المساهمة الجنائية يقتضي أن نكون بصدد جريمة
واحدة، ارتكبها عدة جناة، الأمر الذي يتطلب التأكد من هذين العنصرين الذين
تقوم عليهما فكرة المساهمة وهما وحدة الجريمة وتعدد الجناة، ومن هنا فلا
مجال للحديث عن المساهمة في حالة تعدد الجرائم ويكون الجاني واحدا .
حتى نستطيع الحديث عن وحدة الجريمة يجب علينا أن نتأكد من وحدتها المادية والمعنوية.
1- الوحدة المادية:
إن
أفعال المساهمين تختلف ولكنها تلتقي في نقطة واحدة، هي تحقيق واقعة
إجرامية واحدة، بحيث يؤدي كل فعل منها دوره في إحداث النتيجة، سواء من حيث
وقوعها أو جسامتها أو وقت حدوثها. إن الرابطة السببية بين فعل الفاعل
والنتيجة تنتفي إذا كانت لا تؤثر تماما في إحداث النتيجة، بحيث لو سحبت
مساهمة الفاعل لما طرأعلى النتيجة أي تغيير.
وتتحقق وحدة الركن المادي للجريمة من خلال وحدة النتيجة وارتباطها بكل فعل ساهم في تحقيقها برابطة السببية.
2- الوحدة المعنوية:
لا
تتوافر المساهمة الجنائية بتحقيق الوحدة المادية للجريمة فقط، بل يجب توفر
الوحدة المعنوية لها أيضا، ويعني ذلك توفر رابطة ذهنية واحدة تجمع الجناة
على ارتكاب الفعل الإجرامي وذلك بالانفاق أو التفاهم، كأن يتفق الجناة على
القتل، وتوزيع الأدوار بينهم، وقد يغيب الاتفاق وتتحقق الوحدة المعنوية
كأن يرى فرد المجني هاربا للتخلص من خصمه الذي يجري وراءه لقتله ومع
إدراكه لذلك يسرع في إمساكه لتمكين الجاني من قتله.
في هذه الحالة لم يحصل الاتفاق السابق مع توفر الوحدة الذهنية بتوفر العلم والإرادة في تحقيق النتيجة.
ففي
المثال السابق لو أن المتدخل لم يكن على علم بما يحدث وأنه أمسك المجني
عليه ليهدأ من روعه، فاستغل الجاني ذلك وقتله، فلا مساهمة هنا في ارتكاب
الجريمة، ويبقى الفاعل المسؤول الوحيد عنها، إذا فقدت الوحدة المعنوية في
الجريمة بانتفاء الرابطة الذهنية بين الجناة، تحولت إلى مجموعة من الجرائم
تتعدد بتعدد الجناة، ولكل جريمة منها خاصيتها وظروفها، ومثال ذلك: فرار
المجني عليه من الجاني الذي يحاول قتله فيراه فرد آخر مجروحا فيستغل
الفرصة ويقتله لأخذ ماله، في هذه الحالة ارتكب الفرد الثاني جريمة قتل،
أما الأول ارتكب جريمة الشروع في القتل بدون وجود مساهمة بينهما.
من
خلال ما سبق ذكره نلاحظ أنه إذا تعددت الرابطة المادية والمعنوية فإننا
نكون أمام تعدد في الجرائم، بحيث يتعدد الجناة وتتعدد جرائمهم رغم إمكان
اتحادها في الزمان والمكان كالجرائم التي يرتكبها المتظاهرون والتي يتبعها
التعدد في الدعاوي الجنائية، فيسأل كل واحد منهم عن الجريمة التي اقترفها.
المطلب الثاني: تعريف الاشتراك
يعتبر شكلا من أشكال المساهمة الجنائية، ونطلق عليه المساهمة التبعية في الجريمة، كمرادف للاصطلاح الفرنسي (complicité) .
ويعتبر
الشريك كل من ساهم في الجريمة مساهمة غير مباشرة واقتصر دوره على المشاركة
في مساعدة الفاعل الأصلي في تحقيق الهدف الإجرامي "وهذا النشاط الذي يقوم
به الشريك هو نشاط غير مجرم لذاته" .
فالاشتراك لا يزيد عن كونه عملا
تحضيريا، وإنما اكتسب صفته الإجرامية لصلته بالفعل الإجرامي الذي ارتكبه
الفاعل، ولما كانت الأعمال التحضيرية تسبق الأعمال المادية في تحقيق
الجريمة فإن عمل الشريك يسبق عادة عمل الفاعل أو يزامنه في بعض الأحيان.
لقد
حدد المشرع الجزائري معنى الشريك في المادتين 42 و43 من قانون العقوبات
الجزائري حيث جاء في نص المادة 42 "يعتبر شريكا في الجريمة من لم يشترك
اشتراكا مباشرا، ولكنه ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين، على
ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة المنفذة لها مع علمه بذلك". كما جاء
في نص المادة 43 "يأخذ حكم الشريك من اعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجأ أو
مكانا للاجتماع لواحد أو أكثر من الأفراد الذين يمارسون اللصوصية أو العنف
ضد أمن الدولة أوالأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمهم بسلوكهم
الإجرامي".
مما ورد في نص المادتين المذكورتين سابقا من قانون العقوبات
الجزائري، فإن الاشتراك يصنف إلى اشتراك حقيقي بالمساعدة والمعاونة،
والاشتراك الحكمي الذي لا تتوفر فيه شروط قيام الاشتراك، وذلك عن طريق
تقديم مسكن أو ملجأ لاجتماع أشرار .

1- الاشتراك الحقيقي:

يتمثل في
المساعدة والمعاونة المقدمة للفاعل وذلك بتقديم الوسائل التي من شأنها أن
تسهل العمل الإجرامي، وهذا يعني أن الشريك يقوم بفعل تحضيري من شأنه أن
يسهل ارتكاب الجريمة، بشرط أن يكون على علم بأن ما يقوم به من أفعال يكون
بنية المساعدة على ارتكاب الجريمة، وأن لا تكون على مسرح الجريمة، كأن
يقدم الشريك سلاحا لمن يريد ارتكاب جريمة سرقة أو قتل.
ومن الملاحظ أن
المساعدة على ارتكاب الجريمة قد لاتتخذ مظهرا ماديا واضحا، كما ورد في
المثال السابق، وإنما يقتصر دور الشريك في المساعدة بإعطاء تعليمات أو
إرشادات لمن ارتكاب الجريمة، ولاتعتبرالمساعدة اشتراكا إلا إذا كانت:
سابقة
أو معاصرة للسلوك المادي المراد إتيانه، ورغم اقتصار المساعدة على العمل
التحضيري إلا أن فاعلها يمكن أن يعتبر فاعلا أصليا للجريمة أو شريكا فقط
بحسب ما إذا كان متواجدا على مسرح الجريمة أم لا.
2- الاشتراك الحكمي:
لقد
نظم قانون العقوبات الجزائري الاشتراك الحكمي في موضوعين أولهما: المادة
43 منه –الاعتياد على تقديم مسكن أو ملجأ- ثانيهما المادة 91، 177 مكرر
و394 مكرر 05 من الأحكام الخاصة منه.
أولا: الاعتياد على تقديم مسكن أو
ملجأ: حسب ما تنص عليه المادة 43 من قانون العقوبات الجزائري، أن الشريك
حكما من اعتاد تقديم مسكن لأحد المجرمين أو لمجموعة منهم، بغرض الاجتماع
فيه لممارسة اللصوصية والعنف ضد الأمن العام أو أمن الدولة أو حتى أمن
الأشخاص والأموال مع العلم بذلك وصفة الاشتراك الحكمي تتجسد في شرطين: 
1)
الاعتياد على تقديم مسكن أو ملجأ لجمعيات الأشرار أو أحد أفرادها لأن عدم
توفر شرط الاعتياد ينفي عن الفعل صفة الاشتراك الحكمي، فتكون جريمة خاصة
ومميزة، ما جاء في المادة 180 من قانون العقوبات الجزائري "فيما عدى
الحالات المنصوص عليها في المادتين 42 91 فقرات 2، 3 و4 كل من أخفى عمدا
شخصا يعلم أنه ارتكب جناية أو ان العدالة تبحث عنه بسبب هذا الفعل، وكل من
حال عمدا دون القبض على الجاني أو البحث عنه أو شرع في ذلك وكل من ساعد
على الاختفاء أو الهرب يعاقب...".
2) أن يعلم من يقدم المسكن أو الملجأ
أو مكانا للاجتماع بما ينويه من يقدم لهم يد المساعدة من سلوك إجرامي، لأن
عدم علمه بذلك ينفي صفة الشريك حكما.
ثانيا: الحالات المقررة في الأحكام الخاصة: مما نص عليه قانون العقوبات الجزائري في أحكامه الخاصة على وصف الشريك حكما في:
1)
إضفاء وصف الشريك حكما: على أشخاص لا تتوفر فيهم صفة الفاعل ولا الشريك،
ما جاء في المادة 91 الفقرة 2، 3 و4 : "علاوة على الأشخاص المبينين في
المادة 42، يغاقب باعتباره شريكا من يرتكب دون أن يكون فاعلا أو شريكا أحد
الأفعال الآتية:
أ- تزويد مرتكبي الجنايات أو الجنح ضد أمن الدولة
بالمؤن أو وسائل المعيشة وتهيئة مساكن لهم أو أماكن لاختفائهم أو لتجمعهم
وذلك دون أن يكون قد وقع إكراه ومع علمه بنواياهم.
ب- حمل مراسلات
مرتكبي هذه الجنايات وتلك الجنح وتسهيل الوصول إلى موضوع الجناية أو
الجنحة أو إخفائه أو نقله أو توصيله وذلك بأي طريفة كانت مع علمه بذلك".
2)
الاشتراك في جمعية أشرار: إذ تنص المادة 177 مكرر من قانون العقوبات
الجزائري: "دون الإخلال بأحكام المادة 42 من هذا القانون، يعد إشتراكا في
جمعية الأشرار المنصوص عليها في هذا القسم:
أ- كل اتفاق بين شخصين أو
أكثر لارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 176 من هذا القانون،
بغرض الحصول على منفعة مالية أو مادية أخرى.{ كل جمعية أو اتفاق مهما كانت
مدته وعدد أعضائه تشكل أو تؤلف بغرض الإعداد لجناية أو أكثر، أو جنحة أو
أكثر...ضد الأشخاص أو الأملاك تكون جمعية أشرار وتقوم هذه الجريمة بمجرد
التصميم المشترك على القيام بالفعل }.
ب- قيام الشخص عن علم بهدف جمعية الأشرار أو بعزمها على ارتكاب جرائم معينة بدور فاعل:
1) نشاط جمعية الأشرار وفي أنشطة أخرى تضطلع بها هذه الجماعة مع علمه أن مشاركته ستساهم في تحقيق الهدف الإجرامي للجماعة.
ـــــــــــــــــــــــــ
)
تنظيم ارتكابجريمة من قبل جمعية الأشرار أو الإيعاز بارتكاب تلك الجريمة
أو المساعدة أو التحريض عليه أو تيسيره أو إبداء المشورة بشأنه".
3)
المشاركة في مجموعة: أو الاتفاق لارتكاب جريمة من جرائم المساس بأنظمة
المعالجة الآلية للمعطيات، إذ تنص المادة 394 مكرر 05 من قانون العقوبات
الجزائري "كل من شارك في مجموعة أو في اتفاق تألف بغرض الإعداد لجريمة أو
أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القسم مكان هذا التحضير مجسدا بفعل
أو عدة أفعال مادية..."
المبحث الثاني:

أهم النظريات التي قيلت في المساهمة الجنائية


إن
فكرة المساهمة الجنائية في الفقه تؤسس لها مجموعة من النظريات قامت على
طرح مشكلات وطبيعة العلاقة بين الفاعل والشريك، فمن غير المنطقي أن يتساوى
المساهمون في الجريمة، ولهذا وجب التفريق بين فئتين هما الفاعلين
الأساسيين (المساهمين الأصليين) والشركاء (المساهمين التبعيين)، فالفاعلون
هم الذين يقومون بالأدوار الرئيسية، أما الشركاء فيقوم دورهم على المساعدة
والمعاونة، ولابد من الإقرار بوجود علاقة واقعية بينهما لا يستطيع القانون
أن يتجاهلها، وبالرغم من هذه العلاقة إلا أن هناك فروق جوهرية بين عمل
الفاعل والشريك من الناحيتين المادية والمعنوية.
إن الإقرار بأهمية هذه
العلاقة قانونا يجرنا إلى القول أن الأعمال التي يقوم بها الشريك ليست
أعمالا تحضيرية فحسب، إنما تدخل في دائرة التجريم.
وعلى الرغم من
الإقرار الواقعي والقانوني لهذه العلاقة وأهميتها، إلا أن آراء الفقه
وطرقه القانونية تختلف في التعبير عن هذه العلاقة، وظهرت نظريات متعددة في
هذا الإطار وهي نظرية الاستعارة بنوعيها المطلقة والنسبية، نظرية التبعية
ونظرية الاستقلالية ونتعرض لها فيما يلي:
المطلب الأول: نظرية الاستعارة
تقوم
هذه النظرية مبدئيا على القول بأن الشريك يستمد إجرامه من فعل الفاعل
الأصلي، فلا توجد مساهمة جنائية يعاقب عليها مالم يكن هناك سلوك إجرامي
معاقب عليه قانونيا، وتتجلى العلاقة بين الفاعل والشريك في علاقة استعارة
تضفي على الشريك الصفة الإجرامية، وتعرف هذه النظرية أيضا بالنظرية
التقليدية وقد تمحورت في اتجاهين:
نظرية الاستعارة المطلقة:
مفاد
هذه النظرية هو أن الشريك يستمد تجريمه الكامل من الفاعل الأصلي، ولهذا
يتساوى الطرفان في المسؤولية والعقاب، إذ أن الفاعل يلقي بظله كاملا على
الشريك. وبالنظر إلى عمل الشريك الذي يعتبر تحضيرا فإنه غير معاقب عليه
لذاته، وإنما لارتباطه بما يقوم به الفاعل إذ هو الذي أسبغ عليه الصفة
الإجرامية، فهما بالضرورة متساويان في المسؤولية والعقوبة، وبهذا فإن كل
ما يتوافرللفاعل من ظروف سواء كانت مشددة أو مخففة أو معفية، يؤثر في
الشريك معه في جريمته. ومن هذا الأساس تؤدي نظرية الاستعارة المطلقة إلى
النتائج التالية:
1- بالنسبة للظروف: 
تطبق على الشريك كافة الظروف
الخاصة بالفاعل، سواء كانت ظروفا مخففة أو مشددة للعقاب أو معفية منه، أو
حتى ظروفا موضوعية أو شخصية، إذ يشدد العقاب على من يشترك مع الفاعل في
ارتكاب جريمة قتل الأصول، ويعفى الشريك من المسؤولية أو العقاب إذا توفر
للفاعل مانع من موانع المسؤولية أو العقاب، إذ لا يعاقب الشريك إذا كان
الفاعل في جريمة القتل مجنونا أو صغيرا في السن، أو يتمتع بصفة الأصل أو
الفرع أو الزوجية في جرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة، فالشريك لا
يعاقب في جريمة السرقة إذا كان الفاعل هو الإبن الذي سرق مال أبيه.
2- بالنسبة للتحريض:
إذ
لا يعاقب المحرض على ارتكاب الجريمة حسب هذه النظرية على تحريضه، إذا لم
يرتكب المحرض الجريمة، أو إذا كان التحريض موجها نحو شخص غير مسؤول جنائيا
.
ومما يعاب على هذه النظرية هو أن نتائجها غير منطقية من جانب، ومن
جانب آخر تناقضها مع ما تذهب إليه التشريعات العقابية على النحو التالي:
1)
تناقض النتائج التي تؤدي إليها هذه النظرية وعدم منطقيتها، وذلك أن من
يساهم بالاشتراك في القتل يشدد عليه العقاب، وذلك لتشديده على الفاعل
الإبن في حين عندما يكون الغير هو الفاعل والإبن مساعدا أو شريكا يعاقب
على جريمة قتل عادية، وبالتالي يستفيد الإبن باعتباره شريكا فيسأل عن
القتل العادي وهي نتيجة غير منطقية.
2) عدم تلاؤم هذه النظرية مع
الاتجاهات الحديثة في التشريعات العربية التي تعاقب على التحريض، بغض
النظر عن موقف المحرض من ارتكاب الجريمة أو عدم ارتكابها، مثلما ذهب إليه
المشرع الجزائري في المادة 46 من ق ع ج التي تعاقب على التحريض على
الجريمة، بغض النظر عن موقف المحرض عليها، ارتكبها أم لم يرتكبها أصلا،
فتنص "إذا لم ترتكب الجريمة المزمع ارتكابها لمجرد امتناع من كان ينوي
ارتكابها بإرادته وحدها فإن المحرض عليها يعاقب رغم ذلك بالعقوبات المقررة
لهذه الجريمة".
وللتخفيف من حدة هذه الانتقادات في نظرية الاستعارة
المطلقة ظهرت بعض التعديلات في أحكامها ونتائجها مما عجل بميلاد الاستعارة
النسبية.

نظرية الاستعارة النسبية: 

من الملاحظ أنها تقوم على أسس
نظرية الاستعارة المطلقة، إلا أنها تخفف من آثارها إذ تتبنى عدم تأثر
الشريك بكل الظروف التي تحيط بالفاعل وتتوفر لديه، والتي من شأنها أن تؤثر
في المسؤولية الجنائية للفاعل سواء بالتخفيف أو التشديد أو الإعفاء،
وتمثلت نتائجها فيما يلي:
1) أن معاقبة الشريك رغم استعارة فعله للصفة
الاجرامية من فعل الفاعل الأصلي، لم تعد مرتبطة بمعاقبة الفاعل الأصلي
لأنه يمكن معاقبته حتى ولو كان الفاعل غير ممسؤول جنائيا لأسباب تتعلق
بشخصه كالمجنون وصغير السن، وهذا ما ذهب إليه القانون الجزائري.
2) إمكانية تحقيق العقاب على الشريك في الجريمة باقترافه أفعالا أقل خطورة من أفعال الفاعل.
3)
تعطي حكما عاما للظروف الموضوعية أو المادية المشددة منها أو المخففة
للعقاب بتطبيقها على كل من ساهم في الجريمة، وتطبق على الشريك سواء علم
بوجودها أم لم يعلم.
4) الظروف الشخصية أصرها خاص، فلا تؤثر إلا في من
توفرت فيه ولا يعتدي أثرها إلى من يساهم في الجريمة بأي صورة كانت، سواء
كان فاعلا أو شريكا.
المطلب الثاني: نظرية التبعية
تقوم هذه النظرية
على فكرة مفادها، تبعية المساهم في الجريمة مساهمة غير مباشرة للمساهم
فيها مساهمة مباشرة، فيكون أولا تابعا وثانيا متبوعا، وتجرم هذه النظرية
الفعل الاشتراكي لذاته، بشرط أن تقع الجريمة التي ساهم فيها، لأنه لا يمكن
تصور مساهمة في الجريمة لم تقع أصلا، أو أوقف الفاعل فعله عند حد العمل
التحضيري .
ومن هنا فأن الفعل الأصلي للجريمة يجب أن يكون من الأفعال الخاضعة لقانون العقوبات لمؤاخذة الشرك على اشتراكه في الجريمة.
وحسب
هذه النظرية فإن الفعل المجرم هو الواقعة المادية للمجرم (الركن المادي)
بغض النظر عن الركن المعنوي، فيعاقب الشريك متى قتم الفاعل غير المشروع
ولو توافرت للفاعل ظروفا شخصية تنفي مسؤولية الجاني.
إن القول باستقلال المساهمين (الفاعل الأصلي والشريك) كل منهم بفعله وظروفه يؤدي إلى نتائج هامة تتلخص فيما يلي:
1- من حيث مقدار العقوبة:
تراعى
مسؤولية الشريك حسب خطورته الخاصة، وليس حسب خطورة الفاعل مما يجعل عقوبة
الشريك أشد أو أخف من عقوبة الفاعل الأصلي حسب الأحوال.
2- استبعاد مسؤولية الشريك عن الجرائم المحتملة: 
يتحدد
نطاق مسؤولية الشريك في نطاق قصده الجنائي، فلا يسال عن جريمة اقترفها
الفاعل، ولو كانت الجريمة محتملة حسب السيرالعادي للأمور، إذا لم تدر في
ذهنه عند الاشتراك.
3- استقلال الفاعل بموانع المسؤولية وموانع العقاب: 
لا
يتأثر الشريك بموانع المسؤولية، أو موانع العقاب التي تتوفر للفاعل
الأصلي، وعليه فإن مسؤولية الشريك لا تسقط عندما تنقضي الدعوة الجنائية عن
الفاعل الأصلي، مثل التقادم أو العفو الشامل أو تنازل المجني عليه إذا جاز
له التنازل.
4- احتساب المسؤولية المدنية: 
تتم مسؤولية الشريك فيما يخص المسؤولية المدنية نحو مستقل عن مسؤولية الفاعل الأصلي .

المطلب الثالث: نظرية الاستقلالية

تنطلق
نظرية الاستقلالية من رفضها للنتائج التي أدت إليها نظرية الاستعارة
بفرعيها المطلقة والنسبية، لأنها نتائج غير عادلة وغير منطقية، كاستعارة
فعل الشريك للصفة غير المشروعة من فعل الفاعل الأصلي، وتكون العقوبة على
أساس مساهمته في الفعل المجرم، فقد يتعرض لعقاب أشد أوأخف من العقاب الذي
يطبق عليه، وذلك طبقا للاستعارة، فالذي يساعد فرعا في قتل أحد أصوله يعاقب
بعقوبة جريمة القتل العمدي للأصول والتي يطرأعليها التشديد، في حين عندما
يكون هو الفاعل في نفس الجريمة يؤاخذ ويعاقب على جريمة قتل عادية، كذلك
بالنسبة للمحرض في حالة تخليه عن المكان الذي كان ينوي ارتكاب الفعل
الإجرامي الذي حرض عليه، بحيث لا يتعرض إلى أية عقوبة رغم توفر النية
الإجرامية وهذه النتائج التي أدت إلى انتقاد هذه النظرية (نظرية
الاستعارة).
لقد اعتمدت نظرية الاستقلالية في أساسها على استقلال كل من
يساهم في الفعل الإجرامي عن بقية المساهمين بظروفه الشخصية، فالمساهمة
بالنسبة لهذه النظرية تعتبر جريمة متميزة عن طريق تجريم الاشتراك كجريمة
قائمة بذاتها واستقلال مسؤولية الشريك عن مسؤولية الفاعل الأصلي .
إن
نظرية الاستقلالية أغفلت بإفراط للروابط بين المساهمين في جريمة واحدة وهي
رابطة ذهنية أو معنوية، تربطهم حول مشروع إجرامي واحد، فهي نظرية لا تتفق
في مضمونها مع خاصية المساهمة الجنائية (الوحدة المادية والوحدة
المعنوية)، فلا يمكن تصور قيام مجموعة من الجرائم بعدد المساهمين في
الجريمة الواحدة.
المطلب الرابع: موقف المشرع الجزائري من النظريات
اتخذ
المشرع الجزائري مذهبا وسطا بين نظرية التبعية وونظرية الاستقلالية، إلا
أنه تأثر بنظرية التبعية في المساهمة الجنائية في المظاهر التالية:
1-
ينص على معاقبة الشريك بنفس العقوبة المقررة للجريمة سواء كانت جناية أو
جنحة، حسب ما نصت علية المادة 44/1 من ق ع ج: "يعاقب الشريك في جناية أو
جنحة بعقوبة مقررة للجناية أو الجنحة."
2- ينص المشرع الجزائري حول
تأثر المساهم في الجريمة بالظروف المادية أو الموضوعية اللصيقة بالجريمة
المشددة منها والمخففة، متى كان المساهم يعلم بها فتنص المادة 44/3 من ق ع
ج: "والظروف المواضوعية اللصيقة بالجريمة التي تؤدي تشديد أو تخفيف
العقوبة التي توقع على من ساهم فيها، يترتب عليها تشديدها أو تخفيفها بحسب
ما إذا كان يعلم أو لا يعلم بهذه الظروف".
ويبدو تأثر المشرع الجزائري بالنظرية الاستقلالية في الأمور التالية:
أ-
ينص قانون العقوبات على معاقبة المحرض على جريمة بالعقوبةالمقررة للجريمة
المحرض عليها، بغض النظر عن موقف المحرض عليها، حتى في حالة امتناع من كان
ينوي ارتكابها بإرادته المستقلة ، فتنص المادة 46 من ق ع ج: "إذا لم ترتكب
الجريمة المزمع ارتكابها لمجرد امتناع من كان ينوي ارتكابها بإرادته وحدها
فإن المحرض عليها يعاقب رغم ذلك بالعقوبات المقررة لهذه الجريمة".
ب-
ينص قانون العقوبات على مسؤولية الفاعل المعنوي طبقا للمادة 45 من ق.ع.ج:
"من يحمل شخصا لا يخضع للعقوبات بسبب وضعه أو صفته الشخصية على ارتكاب
جريمة يعاقب بالعقوبات المقررة لها".
3- وقد نص كذلك على استقلال كل من
ساهم في الجريمة بظروفه الشخصية فتنص المادة 44/2: "ولا تؤثر الظروف
الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف للعقوبة أو إعفاء منها إلا بالنسبة
للفاعل أو الشريك الذي تتصل به هذه الظروف".
4- كما نص المشرع الجزائري
على استقلالية تجريم مساهمة الأم فاعلة أو شريكة في قتل إبنها حديث العهد
بالولادة، بعقوبة السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة، على عكس من
ساهم معها فاعلا أو شريكافي إتيان نفس الفعل، فلا تطبق عليه نفس العقوبات
المقررة للأم ، وهذا ما نصت عليه المادة 261/2 من ق.ع.ج والتي جاء فيها:
"ومع ذلك تعاقب الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو شريكة في قتل إبنها حديث
العهد بالولادة، بالسجن المؤقت من 10 سنوات إلى 20 سنة، على أن لا يطبق
هذا النص على من ساهموا أو شاركوا معها في ارتكاب الجريمة".
ومما سبق
ذكره فإن العقوبة المطبقة على الأم لا تطبق على من ساهم معها فاعلا أو
شريكا بل هي عقوبة الإعدام وهو الحكم المقرر في المادة 261/1 إذ جاء فيها:
"يعاقب بالإعدام كل من ارتكب جريمة القتل Assassinat."


المبحث الثاني:التفرقة بين نوعي المساهمة (المباشرة وغير المباشرة)

إذا
كان المشرع الجزائري قد وضع تعريفا لكل من الفاعل والشريك، على أن الأول
هو من يساهم مساهمة مباشرة في ارتكاب الجريمة، والشريك هو من لم يساهم
فيها مساهمة مباشرة، فإن مسألة التفرقة بينهما على أساس المساهمة المباشرة
وغير المباشرة، كانت مثار جدل فقهي من حيث تحديد الأفعال التي تقوم بها
المساهمة المباشرة، وتلك التي تقوم بها المساهمة غيرالمباشرة، ووضع الحدود
الفاصلة بينهما، وتزيد التفرقة بينهما صعوبة، عندما يتعلق الأمر بالأفعال
المساعدة المعاصرة لارتكاب الجريمة، فظهرت مذاهب في ذلك نصفها كما يلي: 
المطلب الأول: المذهب الموضوعي أو المادي
تستند
النظرية الموضوعية في تفريقها بين الفاعل والشريك، على السلوك الذي يأتيه
المساهم في الجريمة، فتجعل من مقدار مساهمته من الناحية المادية في إحداث
النتيجة الإجرامية هو المعيار المميز بينهما، فكلما كان الفعل أكثر مساهمة
في عملية تحقيق النتيجة كان مقترفه فاعلا، وكلما كان السلوك أقل خطورة
وأضعف مساهمة في إحداث النتيجة كان القائم بها شريكا في الجريمة، وهي
تستند في هذا الموقف على أن المشرع الجنائي في تجريمه للسلوكات، يعتمد على
الفعل المادي فيضفي صفة عدم المشروعية عليه.
وعليه فإن المساهم الأصلي
هو كل من يرتكب فعلا تنفيذيا للجريمة، وهو الفعل الذي يقوم عليه الركن
المادي للجريمة، لأنه يحقق العناصر المادية المكونة للجريمة، ويكفي أن
يرتكب المساهم جزءا منه ليوصف بالفاعل، وإذا كان الفعل التنفيذي يتكون من
أكثر من فعل واحد، فيكفي القيام بإحداها أو جزء منها، ليضفي على القائم
بوصف الفاعل، وتطبيقا لقواعد المشرع طبقا للمذهب المادي أو الموضوعي، أن
من شرع في إتيان مثل تلك الأفعال يعتبر فاعلا أصليا .
أماالشريك في
الجريمة طبقا لهذا المذهب، فهو كل من لم يأت تلك الأفعال، ولكنه أتى فعلا
تحريضيا أو تمهيديا، يرتب به الفاعل إتيان الفعل الأصلي، عن طريق إيتاح
الفرصة له ليتمم فعله الإجرامي بتحقيق النتيجة الإجرامية، وهذا يعني أن
الشريك أو المساهم مساهمة غير مباشرة، لا يلعب دورا رئيسيا في الجريمة، إذ
يقتصر عمله على دور ثانوي أو تبعي كالعمل التحريضي، فلا يقوم بفعل يدخل في
تكوين الركن المادي للجريمة.
تقييم المذهب الموضوعي:
يتميز المذهب
ببساطته ووضوحه، إذ يكفي للتفرقة بين الفاعل والشريك الرجوع إلى النص
الجنائي المقرر للجريمة، لمعرفة الركن المادي الذي تقوم عليه، للقول بعد
ذلك أن المساهم فاعل أو شريك، بحسب ما إذا قد أتى ذلك الفعل أو جزء منه،
فمثلا جريمة السرقة يقوم ركنها المادي على أخذ مال مملوك للغير بنية
تملكه، وفي القتل يقوم الركن المادي فيه على إزهاق روح إنسان حي، فإذا لم
يقم المساهم بأخذ مال الغير بنية التملك أو لم يشرع في ذلك، أولم يزهق روح
المجني عليه أو لم يشرع في ذلك لا يعتبر فاعلا، لأنه الأفعال التي يمكن أن
يكون قد أتاها لا تعدو أن تكون أفعالا تحضرية يعتبر القائم بها شريكا في
الجريمة، نلاحظ أيضا أن جريمة الخطف التي يقوم ركنها المادي على فعلين،
فعل أول وهو نزع المخطوف من مجتمعه أو بيئته، وفعل آخر هو الإخفاء، فكل من
يأتي فعلا من الفعلين يعتبر فاعلا للجريمة، في حين أن المساهم الذي يقتصر
دوره على ارتكاب فعل مساعد، لا ينطبق عليه وصف أحد الفاعلين السابقين
يعتبر شريكا.
وينتقد المذهب من حيث تضييقه لدائرة الأفعال التي يضفي
عليها الطابع الجرمي، لإقتصاره على الأفعال المكونة للركن المادي للجريمة،
فيؤدي ذلك إلى التضييق في نطاق المصالح المحمية قانونا، خاصة وأن الاشتراك
يتطلب للعقاب عليه أن تقع الجريمة الأصلية محل الاشتراك أويشرع فيهاعلى
الأقل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
***********************************
وقد
حاول جانب من الفقه المؤيد للنظرية الموضوعية نظرا لما وجه لها من نقد، أن
وسع من نطاق دائرة الفاعلين المباشرين للجريمة أو الفاعلين
الأصليين،بتقريرهم أنه يعتبر فاعلا أصليا كل من ارتكب يعتبر ضروريا
لارتكاب الجريمة، مثل إيقاف شخص لسيارة الضحية المارة لتمكين الجاني من
التصويب الجيد،ويغتبر فاعلا أصليا مثل الذي ارتكب فعل القتل، ووكذلك من
يمسك بالمجني عليه لتمكين الجاني منه، أو من يقوم بعملية الترصد أو كسر
الباب أو قفل الخزانة. وبعبارة أخرى أن الفاعل هو كل من يقوم بفعل تنفيذي
يدخل في تكوين الركن المادي للجريمة أو يقوم بأي فعل يعتبر في نظر القانون
ظرفا مشددا للعقاب، ورغم هذه التوسعة في مجال الأفعال التي تشملها
المساهمة المباشرة، فقد بقي المذهب الموضوعي عاجزا عن إضفاء الحماية
الكافية للمصالح المراد حمايتها، لأن مثل تلك الظروف التي توسع من الحماية
وتضفي وصف الفاعل على مرتكبيها، ليست عامة لأنها ظروف مرتبطة بنوع معين من
الجرائم.
المطلب الثاني: المذهب الشخصي.
تستند النظرية الشخصية في
تمييزها بين الفاعل والشريك علىالجانب او الاعتبارات الشخصية، مرد هذه
الاعتبارات وهو الارادة، أي الاعتماد على إرادة من يساهم في الجريمة
للتفرقة بينهما، بحيث أن نية كل منهما تختلف عن نية الآخر فالمساهم الأصلي
يجب أن تتوافر لديه نية ارتكاب الجريمة باعتبارها جريمتهن أي انها مشروعا
إجراميا خاصا فهو من لم تتوافر لديه مثل تلك النية، ولكن تتوافر لديه نية
الاشتراك في جريمة لغيره، أنم يقوم بمساعدة الغير في تحقيق مشروعه
الاجرامي فالدور الذي يقوم به الشريك يعتبر دورا ثانويا، لا يرقى لأن يكون
تنفيذيا .

تقييم المذهب الشخصي:
تعرضت النظرية الشخصية للنقد
"يقيم الفقهاء التفرقة بين الفاعل والشريك على المصلحة، فالأول هو كل من
يستهدف من الجريمة تحقيق مصلحة خاصة به في حين أن الثاني غرضه تحقيق مصلحة
لغيره، وهي نظرية شخصية، لا تختلف عن النظرية السابقة، لأن صاحب المصلحة
هو من ينظر للجريمة على أنها تعتبر مشروعه الخاص به، في حين أن الشريك لا
مصلحة له في الجريمة، فتتجه إرادته إلى تحقيق مشروع إجرامي لغيره.
وسبب
تعرض هذه النظرية للنقد من حيث أنها نظرية لا يمكنهاالتفرقة بين الفاعل
والشريك بالاستناد إلى النية، لانها تقوم على مجرد مجاز فالمساهمعند
ارتكابه لنشاطه لا يفكر فيما إذا كان نشاطه أصليات أو تبعيا، وليس هناك من
وسيلة ممكنة لهذا التمييز بالكشف عن النية، إلا بالعهودة إلى العمل المادي
الذي أتاه المساهم وفي هذه الحالة تستند لفكر المذهب الموضوعي .
وللإشارة
فإن هناك مذهب ثالث يسمى بالمذهب المختلط يقوم على الجمع بين عذة ضوابط
ودمجها معا في واحد لتفادي أسباب النقد الموجهة لكل ضابط على حدى، وما
يميز هذا الاتجاه اعتماده على عناصر موضوعية ومن جانب آخر مزجه بين عناصر
موضوعية وأخرى شخصية.
المطلب الثالث: موقف المشرع الجزائري من المذهبين
يعتنق
المشرع الجزائري النظرية الشخصية، أي أنه يستند في التمييز بين الفاعل
والشريك إلى نية وإرادة المساهمين في الجريمة، من حيث مدى ما تتضمنه تلك
الإرادة من خطورة إجرامية على أمن الجماعة وسكينتها، فيعتبر كل من ساهم
مساهمة مكباشرة فاعلا، ومن ساهم بصفة غير مباشرة يعتبر شريكا طبقا لحكمي
المادتين 41و42 ق.ع.ج.
المادة 41 من القانون رقم 82-04 المؤرخ في:
13/02/1982 "يعتبر فاعلا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة أو
حرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة
او الولاية او التحايل او التدليس الاجرامي".
المادة 42 من القانون رقم
82-04 المؤرخ في: 13/02/1982 "يعتبر شريكا في الجريمة من لم يشترك اشتراكا
مباشرا ولكنه ساعد بكل الطرق او عاون الفاعل او الفاعلين على ارتكاب
الأفعال التحضيرية أوالمسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك".
ويبدو
اعتناق المشرع الجزائري للنظرية الشخصية واعتماده عنصر النية في النص، على
أن المحرض يعتبر فاعلا للجريمة، باعتباره ثمرة بواعثه وباتجاه إرادته إلى
الجريمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن معاقبة المحرض غير مشروطة بارتكاب
الجريمة التي حرض الغير على ارتكابها.وقد اختلف الفقه في تحديد اعتناق
المشرع الجزائري لهذه النظرية، على الرغم من اتفاقه على أن مشكلة التفرقة
بين الفاعل والشريك يجب حصرها في الأفعال المعاصرة؛ "إن الأفعال المسهلة
والمتممة السابقة للجريمة، لاتعدو أن تكون أعمالا تحريضية، تستبعد من مجال
التفرقة بين المساهمة المباشرة والمساهمة غير المباشرة، وكذلك الشأن
بالنسبة للأفعال اللاحقة على ارتكاب الجريمة، حيث لا يثور بشأنها خلاف لأن
الأفعال السابقة كل من يقومبها يعتبر شريكا والأفعال اللاحقة لا صلة لها
كأصل بالمساهمة" هذا حسب نص المادة 43 من ق ع ج.
نص المادة 43 "يأخذ
حكم الشريك من اعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجأ أو مكانا للاجتماع، لواحد أو
أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف، ضد 
أمن الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمه بسلوكه الإجرامي". 
وهذه الأفعال المعاصرة لارتكاب الجريمة يمكن حصرها فيما يلي:
رأي يذهب إلى أن مآل التفرقة بين الفاعل والشريك هو التواجد على مسرح الجريمة.
رأي
يعتمد الركن المعنوي للمساهمة الجنائية، فكل من يتوفر لديه الركن المعنوي
للمساهمة الأصلية يكون فاعلا، أما من يتوفر لديه الركن المعنوي للاشتراك
فيكون شريكا، لأن الركن المعنوي القائم على عنصر الإرادة والعلم، وإن كان
واحدا من جوهره فإنه يختلف من حيث مداه ونطاقه، لأن إرادة المساهم الأصلي
تنصرف إلى ارتكاب الجريمة وبصورة مباشرة، بينما الشريك تنصرف إرادته ّإلى
مساعدة ومعاونة الفاعل أو الفاعلين على تنفيذها؛ ويستخلص من هذا أن إرادة
الشريك إرادة تبعية وغير مباشرة، لأنها لا تنص على الفعل الأصلي، فلا يقبل
ارتكاب الجريمة بنفسه، وإنما هو يريد ويقبل ارتكاب الجريمة بتقديم يد
المساعدة والعون للفاعل، وبالتالي يرجع للشريك قرار ارتكابها لأن قرارها
بيد الفاعل الأصلي للجريمة.
ويختلف هذا الرأي الأخير عن الرأي الأول،
فإنه لا يشترط التواجد على مسرح الجريمة كشرط التفرقة بين الفاعل والشريك،
لأن مثل هذا التواجد لا يكفي لمثل تلك التفرقة، لأن إرادة المساهم قد
تنصرف لارتكاب الجريمة لوحده، فتنصرف لمساعدة ومعاونة الفاعل، وهو ما يتفق
مع جوهر النظرية الشخصية التي تقوم عليها المساهمة الجنائية، وتعريف
القانون للفاعل الأصلي بأنه من يساهم مساهمة مباشرة، وللشريك بأنه هو من
لم يساهم مساهمة مباشرة بطريق غير مباشر في الجريمة .
الفصل الثاني:

أركان المساهمة الجنائية
الأصلية والتبعية
المبحث الأول:
أركان المساهمة الأصلية 
(تعدد الجناة ووحدة الجريمة)

المطلب الأول: تعدد الجناة
يعاقب
المشرع على الجريمة عندما تكتمل أركانها، بغض النظر عن من قام بها، فقد
يرتكبها شخص واحد وقد يرتكبها عدة أشخاص، وعندما يرتكب الجريمة الواحدة
عدة أشخاص نكون بصدد المساهمة الجنائية، بشرط أن يجمع بين هؤلاء الأشخاص
رابطة معنوية واحدة لتنفيذ الجريمة، وصورة ذلك أن يعمد عدة أشخاص لتنفيذ
جريمة قتل واحدة، بحيث يساهم كل منهم بدوره في تنفيذها، فتتحقق الواقعة
نتيجة لمجموعة أفعالهم.
فالقول بوجود المساهمة الجنائية يقتضي أن نكون
بصدد جريمة واحدة اقترفها عدة جناة، الأمر الذي يتطلب منا أن نتأكد من
وجود هذين العنصرين الذين تقوم عليهما فكرة المساهمة (وحدة الجريمة وتعدد
الجناة)، وهذا يعني أن لا مجال للكلام عن المساهمة الجنائية في حالة تعدد
الجرائم، فالمطلوب أن تكون الجريمة واحدة، كما أنه لا مجال للكلام عن
المساهمة الجنائية في حالة أن يكون الجاني واحدا لأن المساهمة تفترض تعدد
الجناة .
فتعدد الجناة ركن للمساهمة الجنائية فإذا كان الجاني واحدا
فلا يتوفر أحد ركني المساهمة الجنائية، ولا تثور بطبيعة الحال المشاكل
التي توضح قواعد المساهمة الجنائية لحسمها، ذلك أن ارتكاب شخص واحد
للجريمة يعني أن يطبق عليه نص القانون الخاص بهذه الجريمة، وأن توقع عليه
العقوبة المحددة في هذا النص، ولا يتصور التساؤل عما إذا كان هذا النص
يطبق على أشخاص آخرين، وعما إذا كان القانون يجعل لهم ذات الوضع، أم وضعا
آخر، وهي المشاكل التي تثور في المساهمة الجنائية .
الفرع الأول:
مساهمة الفاعل المباشر: يعد ارتكاب الأعمال التنفيذية التي يتكون منها
الركن المادي للجريمة، جوهر المساهمة المباشرة، فلا خلاف على أن مرتكب هذه
الأعمال كلها في حالة انفراد شخص واحد بتنفيذ الجريمة أو بعضها، في حالة
تعدد الجناة هو فاعل الجريمة، فمن يساهم في أي فعل يدخل ضمن الأفعال التي
يتكون منها الركن المادي يعد مساهما مباشرا في تنفيذها، ويحاسب كما لو
ارتكبها بمفرده .
ونتكلم فيما يلي عن الركنين المادي والمعنوي للجريمة،
ذلك لأن الركن الشرعي لا يتميز بأحكام خاصة، فالفاعل هو من يرتكب الواقعة
المنصوص عليها كجريمة في القانون.
الركن المادي: حددت المادة 41 من
ق.ع.ج الركن المادي للجريمة بقولها: " يعتبر فاعلا كل من ساهم مساهمة
مباشرة في تنفيذ الجريمة ويعني ذلك أن الركن المادي للجريمة يتمثل في
المساهمة المباشرة في تنفيذ الجريمة. ويلاحظ أن هناك أعمالا تخرج عن الركن
المادي للجريمة، ولكنها ذات أهمية كبيرة في تنفيذها، تبرر -برأي البعض-
بأن يعتبر فاعلها في مصف من يرتكب جزءا من أجزاء الركن المادي، وعليه تكون
فكرة المساهمة المباشرة –حسب هذا الرأي- أوسع من أن تتحدد بالركن المادي
للجريمة فقط، ومن أمثلة ذلك أن يمسك أحدهم بالمجني عليه لتمكين خصمه من
قتله، أو كمن يراقب الطريق لتمكين زملائه من السرقة، وكخادم يترك منزل
سيده مفتوحا لتمكين اللصوص من السرقة.
في هذه الأمثلة لا تعد الأعمال
التي قام بها ماسك الشخص أو مراقب الطريق أو الخادم، من الأفعال التي تكون
الركن المادي للجريمة، ولكنها ذات أهمية في التنفيذ، وتلتصق بالجريمة
فتحقق المساهمة المباشرة (الأصلية)، وتجعل مرتكبها فاعلا لا مجرد شريك.
الركن
المعنوي: إن الفاعل هو من يحقق ماديات الجريمة ومعنوياتها أيضا، ففي
الجرائم العمدية يتطلب القانون قيا القصد الجنائي وهذا يعني وجوب أن يتحقق
للفاعل العلم والإرادة، وبوصفهما عنصرا القصد الجنائي، فالفاعل هو من يعلم
بالعناصر المكونة للجريمة ويريد ارتكابها.
وتكون الصورة واضحة في حالة
أن ينفرد شخص واحد بارتكاب الجريمة وإن كان الأمر يحتاج إلى بعض التوضيح
عند تعدد الجناة، ففي الحالة الأولى يكون الفاعل على علم بعناصر الجريمة
ويتوقع النتيجة ولذلك فإنه يسيطر على سلوكه ويتوقع ويدير نتيجة عمله ويجب
أن لا يختلف الأمر في الحالة الثانية عندما يتعدد الجناة، إذ يجب ان يكون
الفاعل –ضمن الرابطة الذهنية الواحدة- على علم بكافة الأفعال التي تتظافر
لتحقيق الركن المادي للجريمة، ما كان منها نتيجة لفعله أو لفعل غيره على
حد سواء، ولا يكفي العلم بكافة العناصر إذ يتطلب الأمر ضرورة ان يريد
النتائج المتوقعة معلية فلا مساهمة إذا لم يتوفر للجناة وحدة الرابطة
الذهنية التي يقوم عليها الركن المعنوي في جرائم المساهمة .
الفرع
الثاني: التحريض كمساهمة أصلية: أصبح المحرض فاعلا للجريمة بموجب القانون
رقم 82-04 المؤرخ في 13/02/1982 بعد أن كان يعد فيما سبق شريكا وليس
فاعلا، وبهذا الخصوص فقد نصت المادة 41 من قانون العقوبات الجزائري على ما
يلي: "يعتبر فاعلا كل من .......حرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو
التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس
الإجرامي".
واتجاه المشرع الجزائري هذا هو اتجاه جديد يخرج عن الاتجاه
التقليدي الذي تأخذ به معظم التشريعات والذي يعتبر المحرض مجرد شريك لا
فاعل، كما يخالف أيضا توصيات المؤتمر الدولي السابع لقانون العقوبات
المنعقد في أثينا سنة 1957 والذي أوصى بإخراج التحريض من المساهمة
والتبعية وجعله كصورة مستقلة عن المساهمة الجنائية فالتحريض كما يرى
المؤتمر لا يمكن اعتباره مساهمة أصلية لأنها تقتصر على التنفيذ، كما لا
يجوز القول بأن نشاط المحرض هو نشاط تبعي لأنه في حقيقته هو الذي يخلق
التصميم الإجرامي في ذهن الفاعل.
التحريض هو خلق فكرة الجريمة لدى شخص
آخر، والدفع به إلى التصميم على ارتكابها فالتحريض عمل يؤدي دوره في
التأثير على نفسية شخص آخر، إذ يوحي إليها المحرض بفكرة الجريمة ويزرعها
في ذهنه باذلا جهده لإقناعه وخلق التصميم لديه لتنفيذها تنفيذا ماديا.
الركن
المادي: بالرجوع إلى نص المادة 41 ق.ع.ج يتبين لنا أن المشرع الجزائري قد
حدد على سبيل الحصر الأعمال التي يقوم عليها التحريض وهي: الهبة أو الوعد
أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس
الإجرامي.
ويكون المشرع بنصه على هذه الأعمال قد اعتد بأعمال مادية
يمكن إدراك ماهيتها ودورها في تنفيذ الجريمة، فالتحريض يمكن أن يتم بأي
وسيلة كانت ولكن المشرع اختار أهمها واعتد بها دون غيرها وسنعمل فيما يلي
إلى توضيح الوسائل التي اعتد بها القانون وهي:
1- الهبة: ويعني ذلك أن
يسعى المحرض إلى تحريض الغير وإقناعه على ارتكاب الجريمة مقابل شيء ما
يقدمه له كهبة، ولا يشترط في الهبة أن تكون مبلغا من المال، فقد تكون
مبلغا من المال وقد تكون سلعة أو عقارا أو أي شيء آخر يمكن تقييمه بمال.
ويكون تقديم الهبة قبل ارتكاب الجريمة لكي تعتبر وسيلة من وسائل التحريض،
فإذا قدمت بعد ارتكاب الجريمة كمكافأة فلا تعد وسيلة من وسائل التحريض.
2-
الوعد: وقد يسعى المحرض لإقناع الغير بارتكاب الجريمة مقابل وعد يقطعه على
نفسه، ومفهوم الوعد أوسع من مفهوم الهبة فقد يكون الوعد بتقديم هبة أو
القيام بخدمة أو غير ذلك ويشترط أن يكون الوعد قد تم قبل تنفيذ الجريمة
حتى يمكن الاعتداد به كوسيلة من وسائل إغراء الجاني.
3- التهديد:
والتهديد هنا يفد معنى الضغط على إرادة الغير لإقناعه بتنفيذ الجريمة،
وذلك كأن يهدد المحرض الغير بإفشاء سر معين، أتهديده بوقوع فعل ما لا يرغب
فيه إن لم يقم بالجريمة، وهان أيضا يجلب أن يكون التهديد سابقا على ارتكاب
الجريمة.
4- إساءة استعمال السلطة أو الولاية: وصورة ذلك أن يكون
للمحرض سلطة قانونية أو فعلية على الغير فيستغلها فلإقناع الغير بتبني
مشروعه الإجرامي وتكون السلطة قانونية كما في حالة الرئيس والمرؤوس كما
تكون السلطة فعلية كسلطة المخدوم على خادمه، وقد يكون التحريض عن طريق
استغلال الولاية إذ يعمد المحرض بما له من سلطة على إقناع من يخضع ولايته
على القيام بالجريمة، ومن صور ذلك أن يكون الأب هو المحرض والابن هو
المنفذ.
5- التحايل والتدليس الإجرامي: وقد يقع التحريض بالتحايل على
الغير لإقناعه بتنفيذ الجريمة، والتحايل هنا يفيد مباشرة المحرض لأعمال
مادية تشجع الغير على اتخاذ موقفه، ويختلط مفهوم التحايل والتدليس
الإجرامي الذي يقوم على تعزيز الكذب بأفعال مادية ومظاهر خارجية تساهم في
إقناع الغير بالانصياع إلى رغبة المحرض.
هذه هي الوسائل التي يعتد بها القانون ويقوم عليها الركن المادي لجريمة التحريض وسيان بعد ذلك أتم التحريض بواحدة منها أو أكثر.
ويشترط
في التحريض -إلى جانب الوسائل التي حددها القانون- أن يكون مباشرا وفوريا،
ويعني ذلك أن يتوجه المحرض إلى جان محدد أو إلى عدة جناة محددين بأفرادهم
لتحريضهم عل القيام بجريمة أو جرائم معينة.
الركن المعنوي: لا يكفي أن
يتوافر ر للتحريض جانبه المادي، بل يتطلب الأـمر زيادة على ذلك أن يتوفر
له الجانب المعنوي أيضا، حيث أن جريمة هي جريمة عمدية.
إن صورة الركن
المعنوي تظهر في توافر القصد الجنائي لدى المحرض، بعنصريه العلم والإرادة
فإذا كانت إرادة المحرض سليمة أي مدركة ومميزة، ثم أحاط علما بكل عناصر
الجريمة التي سيقدم عليها المنفذ لتحريضه بالوسائل المنصوص عليها في
القانون فإنه يعد مرتكبا لجريمة التحريض إذا ما أراد النتيجة التي يتوقع
أن تحدث، أما إذا حدثت نتيجة لم يكن الفاعل يتوقعها أو يريدها فإنه لا يعد
مسئولا عنها، كما لو انصب التحريض على السرقة فقام المنفذ بالقتل فهنا
تبقى مسؤولية المحرض محصورة في جريمة السرقة فحسب.
الفاعل المعنوي:
يلتقي الفاعل المعنوي مع المحرض من حيث أن كلاهما ينفذ الجريمة بواسطة
غيره، وأن كلاهما يعد السبب الحقيقي للجريمة، ولكنهما مع ذلك مختلفان ففي
حين يلجأ المحرض إلى شخص عادي يعتد بإرادته لإقناعه بارتكاب الجريمة فان
الفاعل المعنوي يلجأ إلى شخص غير مسئول وصفه القانون بأنه لا يخضع للعقوبة
بسبب وضعه أوصفته الشخصية، وهذا يعني أن من يقوم بالتنفيذ في جريمة يديرها
الفاعل المعنوي هو شخص غير مسئول كأن يكون صغيرا غير مميز أو مجنونا أو
مكرها، وقد وقع تحت تأثير من حمله على ارتكاب الجريمة. ومن أمثلة ذلك أن
يلجأ الجاني إلى مجنون يستغله في نقل متفجرات ويضعها في مكان مزدحم لتتفجر
بعد ذلك وتقتل عددا من المارة، ومن يلجأ إلى طفل غير مميز لحمله على وضع

النار في منزل مجاور لإحراق


تعليقات