القائمة الرئيسية

الصفحات



الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي

الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي

الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي




الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي
د. أسامة محمد عثمان خليل 
مقدمة: 
تحظى مسألة الملكية الفكرية باهتمام بالغ، ليس على مستوى الدول فحسب بل على المستوى الإقليمي والدولي، حتى أضحى الاهتمام بها من قبل أي دولة أو مجمع علمي دليل على مواكبة التطور والحداثة وإقرار للمجتمع المتمدن، وبهذا الفهم أصبحت الملكية الفكرية صنو لحقوق الإنسان تذكر حيثما ذكر. 
لذا يجيء بحث هذه المسألة في الفقه الإسلامي إبرازًا لحقيقة ثابتة للفقه الإسلامي سعة وشمولاً لكل القضايا العصرية، بل كان له موقف وعلاج ورأي وإن لم تكن تلك الوقفات تحت المصطلح نفسه. 
اهتم البحث وهو يعالج المسألة فوضع مقدمات ضرورية لتكون ركائز لموضوعاته وهي: 
[1] حددت الشريعة الإسلامية الأسس التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي وتناول علماء المسلمين الأوائل هذه الأسس بالدراسة في ضوء متطلبات حياة المجتمع وأطواره وتحت مسميات تناسب تلك الفكرة. ومن المتفق عليه بين جمهور العلماء أن الإسلام جاء بتنظيم شامل لأمور الدين والدنيا (العقيدة وتحسينات الحياة)، فوضع الأحكام إلى تنظيم سلوك الإنسان في المجتمع في كافة العلاقات. 
[2] إبراز الدول الأوربية وغيرها من الدول المتقدمة للمسائل ذات البريق والصيت الآن لمسألة الملكية الفكرية ما هو – في اعتقادنا – إلاّ سبق ومزاحمة لنظمها للنظم الإسلامية وكانت لها الغلبة تخصيصًا وتنظيمًا للمسألة وترويجًا لها تحت هذا المصطلح (الملكية الفكرية). وفي المقابل ران على دولنا بعض الركود ولم تحظ المسألة بالعناية المطلوبة رغم معرفة فقهاء المسلمين بجوانب المسألة وجزئياتها كغيرها من المسائل الحديثة، إذ كانت الشريعة الإسلامية تفرد بحكم العالم الإسلامي حتى القرن الثامن عشر. 
[3] وكانت نتيجة هذا الركود تقاعسًا من جانب علماء المسلمين في مواجهة الحضارة الأوربية بمخترعاتها ومبتكراتها وقوانينها التي تنظم وتحمي هذه المخترعات منذ أواسط القرن الثامن عشر وإبرام الاتفاقيات التي تؤكد الحماية الإقليمية والدولية لهذا الحق، إذ أصبح هؤلاء العلماء متلقين لحضارة أقوى ونظمها؛ الأمر الذي أدى إلى قصور في الدراسات الفقهية في البلدان العربية والإسلامية حيث أراح جل العلماء أنفسهم من عناء البحث والتنقيب بالتوجه شطر الثقافة القانونية للبلد الأجنبي الذي ارتبطت بها دراسته وكلٌّ بما لديهم فرحون. 

على ظلال هذه المقدمات؛ بحثنا مسألة الملكية الفكرية تحت عدد من المحاور: 

في المحور الأول وقفنا على ملامح من تقدير العرب والإسلام للتأليف والابتكار من شعر وكتابة وتأليف. 
ومن ثم أبرزنا في المحور الثاني معرفة الفقه الإٍسلامي لعديد من المفاهيم للملكية الفكرية، وأزلنا – ونحن نبحث هذه المفاهيم – شبهة الاحتكار من الحماية المطلقة للملكية الفكرية. 
وثالثًا بيّنا مقصود الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي بمعالجة قضية المصطلح والتأكد كذلك في معرفة الفقه الإسلامي "للملكية الفكرية" بوضع الشواهد الممثلة في بعض الوقائع الجزئية التي حدثت على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وبالنظر إلى القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية. 
وفي المحور الرابع بيّنا طبيعة حقوق المؤلف في التشريعات الوضعية وتتبعنا نشأة وتطور حماية هذه الحقوق داخليًا ودوليًا. 
وفي المحور الخامس بحثنا وسائل وضوابط هذه الحماية. 
وخلصنا في خاتمة البحث إلى النتائج والتوصيات التالية: 
[1] إن حق الملكية الفكرية الممثل في حق المؤلف جديرة بالحماية القانونية إذ بها تحقق مصلحة عملية وشرعية لحماية حق المبتكر أو المؤلف ماليًا وأدبيًا. 
[2] وجود مفاهيم إسلامية وقواعد شرعية تؤكد أهمية هذا الحق كالمصلحة المرسلة مما يؤكد معرفة الفقه الإسلامي هذه الملكية وحمايتها. وهذه المعرفة في اعتقادنا امتداد لمعرفة العرب حماية الشعر والكتابة والتأليف، ولا يضعف وجود هذا الحق عدم استخدام الفقه الإسلامي مصطلح (الملكية الفكرية). 
[3] رغم توفر وسائل وضمانات الحماية التي كفلتها القوانين للملكية الفكرية؛ يُلاحظ من الناحية العلمية أنه يصعب كثيرًا تحقيق هذه الحماية خاصة في الدول النامية ومنها الدول الإسلامية. لذا نرى أن العلاج يكون بالدخول في الاتفاقيات الدولية وإنفاذ مشروع الاتفاقية الإسلامية لحماية الملكية الفكرية. 
[4] إنشاء هيئات جماعية لإدارة هذه الحقوق وحمايتها. 
[5] تشكيل محاكم خاصة للقضايا المتعلقة بهذه الحقوق. 
[6] الاهتمام بتوفير سبل تشجيع وتطوير الأبحاث العلمية والإنتاج الفكري في الدول العربية الإٍسلامية ولا سيما المتعلقة بالعلوم التطبيقية مثل الصناعات الثقيلة والهندسة العالية والفيزياء النووية حتى نواجه عصر العولمة ومن بعد نهتم بحماية حق من يبتكر ويؤلف في تلك المجالات. 
[1] تعريف الحق: 
الحق في اللغة: نقيض الباطل، وجمعه (حقوق)، وهو يعني: ثبوت الشيء ويقال: حق الشيء: إذا ثبت ووجب(1)، ومن ذلك قوله تعالى: (لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون)(2). 
ولفظ (الحق) ذكر كثيرًا في القرآن الكريم(3) قال تعالى: (ولا تلبسوا الحق بالباطل)(4)، ويقصد بالحق: الواقع لا محالة، والحق: العلم الصحيح، والحق: العدل، والحق، الصدق. 
أما الفقهاء المعاصرون فقد اختلفوا في تعريف الحق حيث عرفه الدكتور/ عبد الرازق السنهوري بأنه: "مصلحة ذات قيمة مالية يحميها القانون"(5). وعرّفه الشيخ/ علي الخفيف بأنه: "مصلحة مستحقة شرعًا"(6) ويرى الشيخ الخفيف بأن الحق متنوع، كالحق المالي، والحق الأدبي، ويرى البعض أن الحق: سلطة إدارية يستعملها صاحب الحق في حدود القانون وتحت حمايته"(7). وعُرّف بأنه: "سلطة على شيء أو اقتضاء وأداء من آخر وتحقيقًا لمصلحة معينة"(8). 
وعلى ضوء هذه التعريفات للحق؛ نتساءل: هل عرّف الفقه الإسلامي حقوق المؤلف أو المُبتكِر؟ 
[2] ملامح من تقدير العرب والإسلام للتأليف والابتكار: 
[أ] في الشعر: 
لا ينكر أحد أن العرب في تاريخهم الفكري الطويل ملامح من تقدير واحترام لحق المبتكر المتفرد في مجال الشعر والأمثال والخطابة؛ مما يشير إلى معرفة العرب بحق من يؤلف أو يبتكر ولا سيما في مجال الشعر، إذ أن أوائل ما وصلنا من الشعر الجاهلي يبدأ بإقرار عطاء الأقدمين، وهو عطاء غير مجزوز "وما أرانا أن نقول إلا معادا"(9). 
وتسجل لنا كتب التراث كثيرًا من حوادث سرقات الشعرن بل يكون أول من نادى بضرورة حماية حق المؤلف من العرب قبل المؤتمرات الحديثة التي تدعو إلى حماية حق المؤلف من أنشد الشعر: 

ii        أجزني إذا أنشدت شعرًا iiفإنما
ii        بشعري أتاك المادحون مرددا

[ب] الكتابة في الجاهلية: 

كان الاهتمام بالكتابة وأدواتها في الشعر الجاهلي اهتمامًا كبيرًا، فقد عرف العرب المهارق، وهي الكتب الدينية أو كتب العهود والمواثيق(10). 
قال المرقش الكبير، وقيل أنه سمّي المرقش لذكره الترقيش أي الكتابة في بيت الشعر: 

ii        الدار  قفر والرسوم iiكما
ii        رقش في ظهر الأديم قلم

وعرف العرب في الجاهلية أنواعًا متعددة من الكتابات فيها العهود والمواثيق والإملاء والرسائل وغيرها(11). 
أما اهتمام الإسلام بالكتابة فظاهر لا يحتاج إلى تفصيل. 
[ج] النساخة: 
وهي عملية نسخ الكتب وكتابتها حيث أصبحت عملية ملازمة لانتشار الكتاب والتأليف، بل تحولت بعد مجيء الإسلام إلى صناعة إسلامية(12). حيث أصبح الناسخ فئة مؤثرة، إذ أصبحت النساخة تجلب الأجر المجزي، وكذلك أصبحت عملية تقليد الخطوط ومحاكاتها من العمليات التي لاقت رواجًا، وقد مارسها الكثير دون حرج. 
وأصبح النساخ والورّاقون طبقة لها شأن تؤثر في نشر العلم، وتؤثر – بلا شك – في حق العالم، المؤلف أو المبتكر، حيث يذكر أن أحدهم قال: "آفة العلم خيانة الوراقين"(13). 
لذا كان العلماء الأوائل يحرصون على نسخ كتبهم بأنفسهم حيث عرف علماء المسلمين النسخ كوسيلة لإبراز مؤلفات تخطها أيديهم على الورق بعد بذل الجهد في التفكير والكتابة بل وإعداد المداد حرصًا على مؤلفاتهم من التحريف أو السرقة، إذ من النساخ من كان يخون أمانته العلمية، فقد ذكر أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار إن وراقهُ أبا العباس المصري خانه واختزل عيون كتبه وأكثر من خمسمائة جزء من اصوله(14). ولكن لم نعثر على أمثلة تعكس كيفية حماية حقوق أولئك العلماء في ملؤلفاتهم. 
[د] التأليف عند المسلمين: 
لم يتجه الصحابة والتابعون في صدر الإسلام الأول إلى التأليف، وذلك لقرب عهدهم من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوفر الثقاة من الصحابة، الشيء الذي أعفاهم من التدوين والتأليف حتى أن بعضهم كره كتابة العلم، واستدلوا بما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه نهى عن الكتابة وقال: "إنما ضل من قبلكم بالكتابة". بالإضافة أنهم كانوا يعتمدون على الحفظ وكان الحافظ منهم إمامًا. 
ثم بدأ التدوين والاهتمام بالكتابة التأليفية شيئًا فشيئا، وأخذ العلم تتسع دائرته فغلب على كل طائفة منهم ميل خاص إلى بعض المسائل والموضوعات واشتهر بها. وأخذت المسائل المتشابهة يوضع تحت مصدر. وأخذ التأليف يأخذ شكلاً واحدًا ممثلاً في تأليف مسألة جزئية مفردة لا يتجاوز منها حدود المسألة محورها أحد الأحاديث النبوية الشريفة، لذا ظهرت فروع في التفسير والمغازي والتاريخ والطبقات. 
وقد بدأت حركة التأليف تشق طريقها إلى الوجود بصورة بارزة منذ عصر معاوية بن أبي سفيان الذي يقال أنه كان ينام ثلث الليل ثم ينهض فيحضر دفاتر فيها سِير الملوك ومكائدهم وأخبار حروبهم لتقرأ عليه،(15) واستمر الاهتمام طيلة القرنين الأول والثاني من الهجرة، وكذلك العصر العباسي. 
وذهب الرأي الراجح لدى فقهاء المذاهب الأربعة إلى جواز أخذ المؤلف عِوضًا على مؤلفه(16). هذا بالطبع بجانب الحقوق الأدبية وهو الجانب المكمل للحق المالي للحقوق الفكرية. 
[3] معرفة الفقه الإسلامي لمفاهيم مرتبطة بالملكية الفكرية: 
من الثابت أن الإسلام يحرص أشد الحرص على صون الأصول العامة التي تحمي الحقوق الأمر الذي يدعونا أن نقر بأن الفقه الإسلامي عرف كثيرًا من المفاهيم المرتبطة بالملكية الفكرية والإنتاج الفكري الإنساني عمومًا. ونتج عن هذه المعرفة ظهور قواعد وضوابط تحكم تطور هذه الملكية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. 
أولاً: المفاهيم المباشرة (تجميد حماية الملكية الفكرية): 
[1] وضع القواعد والضوابط التي تحكم الملكية الفكرية كفالة للمحافظة على الإنتاج الفكري والابتكار الذهني عمومًا، وذلك بوضع القواعد الضابطة لاستنساخ المصنفات وما يرتبط بها من مظاهر كالأمانة العلمية واستهجان السرقات الأدبية. 
[2] ففي مجال الابتكار الذهني أكّد فقهاء الشريعة الإسلامية على أهمية الابتكار بالنسبة للمؤلف(17) باعتباره شرطًا أساسيًا للإبداع الذهني الذي يجب توفره في العالم فقد اشترط ابن رشد في مقدمته(18) في العالِم خمسة شروط هي: الذهن الثاقب، الشهوة الباعثة، العمر الطويل، والجدة، والأستاذية، وهي شروط أغلبها ضرورية ولا يتوفر الإبداع الذهني للعالِم بدونها. 
كما أكّد ابن المقفع على إدراك العرب الأقدمين لأهم خصائص التأليف التي تتمثل في الابتكار أو الإبداع الذهني، وحدد بصورة مباشرة إلى ضرورة لجوء العالِم إلى اختراع المعاني – أي التأليف والابتكار – للأمور المحدثة التي لم يقع قبلها أو لم يسبق سابق كتابتها لأن الحوادث والوقائع لا تنتهي ولا تقف عند حد. 
[3] هناك تلازم بين اهتمام الإسلام بالإنسان وأهمية الفكر وبالتالي يتأتى أهمية الملكية الفكرية من أهمية الفكر حيث يعد التفكير أهم مظهر من مظاهر وجود الإنسان، إذ بالتفكير يتبوأ الإنسان المرتبة السامية ويتميز عن عالم الحيوان كذلك بالتفكير، يواجه الإنسان كل ما حوله ليكتشف منه ما يساعده على التكيف والبقاء وإنشاء الحضارات. 
ولقد جعل الله الإنسان خليفته في الأرض وحمّله الأمانة الكبرى من أجل أن يحقق مسؤوليته من خلال التفكير ويقوم بالتكاليف التي فرضت عليه عند قبوله تلك الأمانة قال تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً)(19). وبهذا يمكن القول إن التفكير نعمة وهي فطرة، والإسلام دين فطرة. لذا تأتي أهمية صون نعمة التفكير. 
[4] يكاد علماء الإسلام يجمعون على القول بحجية العقل في مجاله، قال الإمام الشافعي – رحمه الله –: "إن الله تعالى – جل ثناؤه – منّ على العباد بعقولهم بدرجات مختلفة، وهداهم السبيل إلى الحق نصًا ودلالة"(20). ومن هنا تأتي أهمية الملكية الفكرية من أهمية العقل بالإسلام إذ لا هداية إلا بالعقل(21). 
[5] وفي مجال الحث على العلم والانتفاع به نظرت الشريعة الإسلامية إلى المؤلف أو المبتكر نظرة تقدير وإجلال فأصبغت عليه لفظ (العالِم). حيث ورد هذا التمجيد والتعظيم من شأنه في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة قال سبحانه وتعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)(22). كما أوجبت الشريعة الإسلامية على الناس التعلم والانتفاع بالعلم، ولم يعادِ الإسلام التوسع في المعرفة الإنسانية بل حث أتباعه على البحث والنظر ومعرفة التاريخ والاعتبار بالأمم والأيام بل حث على أخذ الحكمة من أي وعاء خرجت لأن الكلمة الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها(23). 
وفيما يتصل بتطور الحياة العلمية تركت الشريعة الإسلامية مجالاً رحبًا وواسعًا للعقل البشري كي يتحرك في دائرة السنن الكونية والاجتماعية تبعًا لثبات أو تغير تلك السنن. وهذا التغير الدائم في الحياة وما يقابله من تغيير السنن والقوانين اعترف بها الإسلام ولا يريد أن يقف أمامها أو يجمد المجتمع الإسلامي دونها. 
وفي سبيل تحريك وتفعيل الفكر الإسلامي في داخل ثوابته من الأصول والقواعد العامة عدّ الإسلام الاجتهاد عملاً صحيحًا ومحببًا في حالتي الصواب والخطأ. وإذا نظرنا إلى الفكر الاجتهادي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم نجد أنه على الرغم من أن الفقه الإٍسلامي في هذا العصر كان فقهًا مبنيًا على الوحي الإلهي ممثلاً في الكتاب والسنة؛ إلاّ أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في مسائل معينة تشريعًا لأمته. فمن اجتهاداته عليه السلام أخذه الفداء من أسرى بدر، وإذنه للمتخلفين عن غزوة تبوك بالبقاء في المدينة لما قدموه من أعذار(24). 
وإذا وصلنا النظر في العصر الحديث لدى رواد تجديد الفكر الإسلامي الشمولي الحركي لدى الشيخ/ حسن البنا نجده في مجال الاقتصاد يقرر حرمة المال واحترام الملكية الفكرية الفردية الخاصة ما لم تتعارض مع المصلحة العامة(25). 
بل يعزي البعض أن حركة الركود في العالم الإسلامي خاصة في مجال التقنية والابتكارات عمومًا راجعة في كثير من جوانبها في تكرار المؤلفات والابتكارات في الدول والجامعات الإسلامية؛ لذا يرون أن معالجتها تتم بالتنسيق بين الدول الإسلامية بوضع آلية إشرافية موحدة(26) لهذه المؤلفات ولا سيما الرسائل الجامعية والبحوث العلمية لعدم تكرارتها كسبًا للوقت ووفرًا للجهد. ومن قبل الاهتمام بالبحث العلمي والإنتاج الفكري كأمر متلازم بالبحث عن وسائل حماية هذا الإنتاج الفكري، إذ نرى أن تقدم الدول العربية والإسلامية مرهون بالتقدم العلمي ونحن ندلف في الألفية الثالثة، خاصة والبعض يشير أن هنالك إحصائيات علمية بالغة الدقة تؤكد على أن الطاقات العلمية والإبداعية والفنية العربية إلى انحسار واضح في جميع المجالات، وبشكل خاص في حقول البحث العلمي والإنتاج الإبداعي عمومًا. فالطاقات التي كانت موجودة في كثير من الجامعات ومراكز الأبحاث العربية قد اضطرت إلى الهجرة إلى أوربا وأمريكا بسبب الروتين الحكومي القاتل، الأمر الذي يدعو إلى تهيئة المناخ والعلماء وتدارك الوضع بالسرعة القصوى بالاهتمام بالجامعات والمراكز البحثية(27). 

ثانيًا: المفاهيم غير المباشرة (المفاهيم المرتبطة بحقوق الإنسان وحرياته): 

[1] الإسلام دين ودنيا قال تعالى: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا)(28)، حيث أتى الإسلام بنظام كامل وشامل للحياة ليحكم علاقات الناس وكافة أنماط السلوك سواء أكان هذا السلوك فرديًا أم جماعيًا، وليحكم كذلك غيرها من العلاقات كالاقتصادية والاجتماعية(29). وبالتالي يكون لكل فرد في المجتمع الحق في ممارسة العمل المناسب له والملائم لقدراته الذي يكفل له العيش الكريم، وعلى الدولة أن تهيء الفرص اللازمة لطالبيها حتى يكون لكل فرد عمل أو مهنة تكون مصدرًا للعيش الحلال يحميه من الالتجاء إلى الطرق غير الشرعية للعيش كالسرقة وغيرها. لذا يحث الإسلام على العمل بالاعتماد على عمل اليد قال تعالى: (فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله)(30)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"(31). 
هكذا يؤكد أن الإسلام كفل حق العمل في جميع صوره وصان كذلك ممتلكات الفرد وأجلّها حق الملكية. 
[2] وإذا نظرنا إلى مسألة تحريم مهددات الفرد وممتلكاته؛ نجد أن الإسلام عرف أن النفس البشرية حريصة دومًا وتواقة للبحث عن الأمن والطمأنينة تنشدهما أينما وجدنا، وما ذلك إلا حبًا في الاستقرار الذي جُبل عليه الإنسان. والاستقرار لا يتم إلاّ بالمحافظة على الكليات الخمس وهي: (النفس، المال، العقل، العرض، الدين). ولا شك أن في حفظ المال ضرورة قصوى، وكيف لا والمال عصب الحياة لذا يكون صون وحماية حق الملكية ضرورة ما بعدها ضرورة ومن ثم يكون الاعتداء عليه بالسرقة(32) جريمة تؤثر على أمن الفرد والمجتمع. 
[3] شدد الإسلام على حرية الرأي، وهذا التعبير قد يتجلى في مؤلف أو مبتكر، بل جعل التعبير عن الرأي واجبًا على كل مسلم وخاصة إذا كان من النوع الذي يدعو إلى الخير وينهى عن المنكر، وهذا التعبير يتجلى من مؤلف أو مبتكر، لذا نجد هذه الحقوق الفكرية الحماية الشرعية من الإسلام. وبالتالي لا نتردد بالقول إن صون وحماية هذه الحقوق الفكرية تكون أولى ونحن نشاهد في هذا العصر كيف أن كافة الأمم تقدس هذه الحقوق وتعد وتحشد لها المؤتمرات والإعلانات العالمية(33). 
[4] حماية الملكية الفكرية وضوابطها وشبهة الاحتكار: 
خلصنا من تناول المفاهيم المتصلة بالملكية الفكرية إلى أنّ هذه الملكية الفكرية مصونة من الاعتداء، ونرى أن هذه الحماية والصون تقوم على ثوابت معينة ممثلة ف الآتي: 
[1] الملك لله وحده وأن الناس ما هم إلا مستخلفون. 
[2] حق الملكية يتصل بوجود الفرد وبكرامته من جهة، وبناموس العمران من جهة أخرى، وبهذا المعنى لا تدرك هذه الملكية إلاّ بوجود صاحب الملكية حيث وجدت الملكية له ووجد لها(34) وتزداد أهمية الملكية كلما يقطع الفرد أشواطًا في المدنية كما هو حاصل الآن من اهتمام زائد بهذه الحقوق الفردية. 
[3] حق الناس المحتاجين لهذه الملكية مما يحتم وضع قيود عن هذه الحقوق الفردية، وعليه يكون حسبها المطلق وكأن في الأمر احتكارًا. 
لذا رأت التشريعات المختلفة وضع قيود على هذه الحقوق، وهي قيود ضرورية تحد من أخطار الملكية المطلقة وتوجيهها الوجهة الصحيحة، نجد هذا في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يمنع الضرر، (لا ضرر ولا ضرار)(35) وغيرها من القواعد الشرعية، لذا فلا يجوز للملكية الفردية عمومًا أن تنمو نموًا يلحق الضرر بالمصالح الجماعية. 
لذا فإذا نمت الملكية الفردية بطرق تخالف المبادئ الأخلاقية التي أوجب الإسلام رعايتها فلوَلي الأمر حينئذ تقييد هذه الملكية لتحقيق المصلحة العام، ومن ثم تجد هذه الملكية في إطار تلك القيود الحماية القانونية والشرعية. 
بعدها نتساءل: هل في هذه الحماية المطلقة للملكية الفكرية شبهة احتكار؟ 
جاء في المصباح: "احتكر فلان الطعام: إذا حبسه إرادة الغلاء و(الحكر) – بفتح الحاء والكاف أو إسكانها – بمعنى الاحتكار. 
وفي الاصطلاح الفقهي يعرف: "حبس السلع أو جمعها من الأسواق حتى تشتد حاجة الناس إليها"(36). ويقول: الحَصْكَفِي في شرح الدر المنتهي: "إن الاحتكار شرعًا اشتراء الطعام ونحوه إلى الغلاء لمدة اختلفوا في تقديرها. وكلمة "نحو" في التعريف تجمعل الاحتكار شاملاً للقوت وغيره مما يحتاج إليه الناس(37). 
بالنظر لهذه التعريفات وخاصة التعريف الموسع للسلع(38) باعتبارها كل كل ما يحتاج إليه الإنسان ربما أدخل ذلك الملكية الفكرية في مفهوم السلع، وبالتالي إمكانية تصور الاحتكار فيها. بل تلحق هذه الشبه حتى إذا اعتبرنا حق الملكية الفكرية هي أعمال، إذ من المعروف أن الاحتكار يمكن أن يلحق بالأعمال(39) في حالة قيام المشتغلين في المهن أو الحِرَف استغلال أعمالهم قصرًا عليهم بقصد أن يكسبوا كسبًا كبيرًا دون الآخرين. 
وإذا أعملنا القواعد الشرعية العامة كقاعدة: (أن الأحكام – ولا سيما في المعاملات – معللة بجلب المصالح ودفع المفاسد)، وقاعدة: (لا ضرر ولا ضرار)، وعموم الحديث الشريف: (من احتكر فهو خاطئ)(40)؛ نخلص إلى أن الحماية المطلقة للملكية الفكرية ربما تحقق معها معنى الاحتكار(41). ولعل هذا ما دفع التشريعات لتحديد فترة الانتفاع بهذه الحقوق حدًا ومنعًا للاحتكار، ونحن نضع في ذهننا مفهوم الإسلام للعدالة الاجتماعية حيث تسامى بمدلولاته على أن تكون مجرد قوانين محددة تحمي أو تقيد حق الملكية الفكرية، إنما النظرة تتعدى إلى تحقيق هذه العدالة الاجتماعية بموازنة بين حق الفرد من ناحية، وحق المجتمع في الانتفاع بهذه الافكار والمبتكرات. والنظر والإقرار كذلك عند تنظيم هذه الملكيات بأنها ليس فقط لمجرت توزيع هذه الثروة المتحققة من عائد هذه المؤلفات والابتكارات الفكرية إنما تتعدى المسألة إلى حق العلم ونشره كوسيلة لقضاء الحوائج لتبادل المنافع(42). 
[5] ماذا نقصد بالملكية الفكرية في الفقه الإسلامي؟ 
إن قضية المصطلح بصفة عامة لا يمكن فهمها إلا في إطار المنظومة الحضارية التي تنتهي إليها، وتكون الأهمية القصوى في حضاراتنا الإسلامية بل تعدّ من أدق مسائلها(43)، وإذا تساءلنا: لماذا؟ نجيب بالآتي: إن فقهاء المسلمين لم يقرروا أحكام المسائل الفقهية على أساس النظريات العامة وما ترتب عليها من بياناهم للمسائل المتفرعة عنها على غرار القوانين الحديثة السائدة في هذا العصر، حيث كانوا يهتمون بالفتوى والتصنيف للمسائل والجزئيات والفروع، لذا لا نجانب الصواب إذ قلنا إن فقهاء المسلمين كانوا يعرفون بأنّ سرقة مجهود الغير جناية، وإنّ احترام العقل والعلم في موقع اهتمام دون بحث هذه المسائل تحت عنوان حماية حق المؤلف – كما نعرفه اليوم –. 
وبالتالي لا نشك كذلك في أنّ بعض الوقائع الجزئية التي حدثت على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وكان له فيه قول أو تنبيه أو إرشاد له صلة بحماية هذه الحقوق بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة (كالمفاهيم المرتبطة بهذا الحق التي تناولناها حالاً). ولعل هذا يدخل في فهم القاعدة الكلية بأن الإسلام صالح وشامل لكل المعاملات في كل زمان ومكان، وصدق من قال: "لا أغلط أبدًا إن أكدت أنّ أي موضوع جديد على الحياة الإنسانية المعاصرة كلها له بشكل أو بآخر أصل في الكتاب أو السنة أو وقائع السلف الصالحين"(44). 
لذا نخلص إلى أنّ حق الفرد في التأليف والابتكار الذي يعالج في الفقه الوضعي الحديث تحت لافتة حق الملكية الفردية، هو حق مصان شرعًا على أساس المفاهيم التي سبق تناولها وعلى أساس مصادر التشريع كالمصلحة المرسلة(45)، وإن لم يشهد له دليل معين من الشرع إذ يكفي القول بأنّ حماية هذا الحق بمثابة جلب مصلحة للمؤلف ودفع مفسدة من مُعتدٍ على هذه المصلحة، وهو أمر مطلوب شرعًا. 
ومن منظور العدالة؛ فإن المبتكر أو المؤلف قد بذل جهدًا كبيرًا في إعداد مؤلفه أو مبتكره، وبالتالي يكون أحق الناس به، سواء فيما يمثل الجانب المادي وهي الفائدة المادية المرجوة من عمله، أو الجانب المعنوي وهو نسبة العمل إليه، حيث يظل هذا الحق المزدوج خالصًا له ثم لورثته. وبناءً عليه يعتبر حق تقليد المبتكر أو إعادة طبع مؤلف أو نسخه اعتداء على الملكية الفكرية وسرقة توجب الإثم، ورتب حق تعويض للمؤلف المعتدى عليه وإتلاف أو مصادرة النسخ المطبوعة. 
هذه الحماية تدخل في الشرع في دائرة حماية الحقوق الشخصية، إذ تعد هذه الحقوق من المنافع التي تعد في رأي جمهور الفقهاء غير الحنفية هي من الأموال(46)، إذا أنّ الأشياء والأعيان تقصد لمنافعها لا لذواتها والغرض الأظهر من جميع الأموال هو منفعتها كما قال شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام(47). بل إنّ متأخري الحنفية أفتوا بضمان منافع المغصوب في ثلاثة أشياء: 
[1] المال الموقوف. 
[2] ومال اليتيم. 
[3] والمال المعد للاستغلال. 
وذكروا أيضًا: "إنّ المنافع أموال مقدمة حتى تضمن بالعقود فكذا بالغصوب"(48)، ولا شك أن المؤلف حينما يطبع كتابه يقصد به أمرين: نشر العلم، واستثمار مؤلفه. 
[6] حماية الملكية الفكرية النشأة والتطور: 
تعتبر الملكية الفكرية هي ترجمة التعبير الإنجليزي (Intellectual Property) يشتمل فنيًا على نوعين من الملكية هما: 
[1] الملكية الصناعية (Industrial Property). 
[2] الملكية الأدبية والفنية (Literature and Artistics Property). 
حيث تشمل الملكية الصناعية: براءة الاختراع، النماذج والرسوم الصناعية، وأسماء العلامات التجارية والإشارات وغيرها. أما الملكية الأدبية والفنية فتشمل: ملكية القصص والأشعار والكتابات العلمية وغيرها(49). 
وتحديد هذا المعنى للملكية الفكرية كمصطلح من الأهمية بمكان، لأن هذا يعني أنّ هذا المصطلح يُقصد به: "مجموع ما يبتكره ويؤلفه الفرد". 
أما حماية حق المؤلف على مؤلفاته الأدبية وابتكاراته العلمية هي حماية حديثة ظهرت في أواسط القرن الثامن عشر(50). 
حظي حق المؤلف بعناية كبرى منذ قيام الثورة الفرنسية باعتبار أن حماية هذا الحق هو مظهر من مظاهر شخصية الفرد. ويرجح البعض أنّ حماية حق المؤلف قد ظهر في عهد الملكية قبل الثورة حيث كان يحصل من يرغب في طباعة كتاب على إذن عن طريق الترخيص الملكي(51). 
صدر أول قانون لحماية حق المؤلف في فرنسا، وذلك في يناير 1871م، بعد قيام الثورة الفرنسية، بعدها صدر قانون 1892، وبموجبه امتدت الحماية إلى جميع المصنفات الأدبية والفنية وعقبه صدرو قانون 1896م، ثم قانون 1957م، وهو قانون شامل. 
في إنجلترا ظهر أول قانون في عام 1710م وكان عبارة عن تشريع لحماية المؤلفات المطبوعة ثم صدر القانون الأساسي الخاص بحقوق المؤلف في 16 ديسمبر 1911م ناصّـًا على حماية المؤلفات الأدبية والموسيقية والفنية وحماية الرسوم والنماذج الفنية والتماثيل والرسوم الزيتية وأعمال الهندسة والنحت والصور الفوتوغرافية(52). 
في السودان صدر أول قانون(53) عام 1974م، وسُمّي بقانون حماية حق المؤلف، واستبدل به قانون 1996م، وهو قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة. 
أما في الأردن فقد صدر أول قانون لحماية حق المؤلف في مارس 1910م، ونسبة لقدم القانون وعدم مواكبته للتطورات الثقافية والعلمية والتكنولوجية التي شهدها الأردن، أدّى لإصدار قانون جديد، وأعد بالفعل مشروع من قبل وزارة الثقافة والإعلام سُمي بمشروع قانون حماية حق المؤلف وذلك في الثمانينات من هذا القرن إلا أنّ القانون صدر أخيرًا في عام 1992م، وهو القانون النافذ الآن الذي ينظم حماية المؤلف في مختلف جوانبه(54). 
وكانت مصر الدولة العربية الأولى التي اتصلت بالفعاليات الدولية الخاصة بحقوق المؤلف، إذ أنها دُعيت عام 1925م للانضمام إلى اتفاقية (برن)، كما أنها اشتركت في مؤتمري روما وبلغراد حول حقوق المؤلف عام 1928م، وعقب ذلك محاولات لإصدار قانون بحماية حق المؤلف وذلك بتقديم مشروع لمجلس الشيوخ عام 1948م، إلاّ أنه صدر أول قانون عام 1954م أي بعد قرابة نصف قرن من اتفاقية برن، ثم أدخلت عليه تعديلات في عام 1975م، وأخيرًا التعديل الذي تم لقانون قم 38 لسنة 1992م، حيث أدخل بموجبه مؤلفو الحاسب الآلي في نطاق الحماية القانونية. 
وكان ثمرة جهد هذه الجمعية معاهدة برن التي أبرمت بين كثير من الدول لحماية حقوق المؤلفين سنة 1887م، ومن ثم نُقِّحت هذه الاتفاقية في مؤتمر باريس 1896م، ومؤتمر برلين سنة 1908م، ومؤتمر روما سنة 1928م، وذلك من أجل تضمين المخترعات الحديثة في الحقوق المحمية. 
وكلما تطورت وسائط المعرفة تكون هنالك حاجة إلى إجراء التعديلات مما ينتج عنه في الغالب اختلاف الدول حول تمديد نطاق هذه الحماية، وخير شاهد على ذلك ما حصل في منتصف نيسان (أبريل) 1994م عندما وقّع ممثلو (125) دولة على اتفاقيات (الغات) على 35 وثيقة، حيث اختلفت الآراء حول مفهوم الإنتاج السمعي والبصري على وجهتين: 
[1] وجهة نظر أمريكية. 
[2] وجهة نظر أوربية قاتها فرنسا. 
لذا قررت الاتفاقية استبعاد المشكلة. وهذا يوضح أهمية موضوع تحديد حقوق المؤلف. 
وهذا الاختلاف ناتج لارتباط هذا التحديد وتأثيره بالهوية الثقافية من جهة، وخضوعه من جهة أخرى لاعتبارات عديدة منها اعتبارت تحرير التجارة الدولية. 
عليه نخلص إلى القول بأنّ التصدي لمسألة حماية الملكية الفكرية قد يثير نقاطًا شائكة وعويصة حيث تثير مسألة كبيرة قد تهم الدولة أو دول العالم، وقد تنحصر هذه الأهمية في فرد واحد وفي مسألة خاصة جدًا كالأستاذ الذي واجبه التدريس كيف له أن يتمسك بحقه في ملكيته لما قال لطلابه، أو كيف لأديب أن يحمي حقه في عبارات استشهد بها شخص آخر في خطاب(55). هذا يقودنا إلى أن نتعرف على طبيعة هذا الحق. 
[7] طبيعة حقوق المؤلف في التشريعات: 
ثار جدل في شأن تحديد طبيعة حق المؤلف هل هو حق ملكية بالمعنى الصحيح؟ إن تشبيه حق المؤلف بحق الملكية قد أتى من الاعتقاد في أنّ كل ما يبتكر أو ينتج شيئًا يملكه. 
يرى البعض أن استعمال لفظ (المِلْك) أو (المِلْكِية) هو استعمال مجازي، حيث من المعروف أن الأشياء المادية هي التي يمكن أن تقبل بطبيعتها لأن تكون محلاً للملكية ويصح حيازتها(56). أما الأفكار والحقوق المعنوية عمومًا بطبيعتها لا تقبل الاستئثار والحيازة باعتبار إنها لمجرد إذاعتها ونشرها تخرج من صاحبها وتشيع في المجتمع، وفي إشاعتها هذه ربما تصادف هوى في نفس صاحبها حيث يصبح الذيوع والشيوع لهذه الأفكار دليلاً لنجاح صاحبها، لذا يبررون هذه النظرية بأنّ المؤلف أصلاً لا يقصد أن تظل هذه الأفكار مقصورة إنما يقصد نشرها. 
ثم إنّ حق المؤلف حق مؤقت على خلاف الملكية، فإذا رد بأن حق الملكية قد تزن في بعض صورها مؤقتة فإن ذلك التوقيت هو أمر استثنائي، ولهذه الأسباب يرى أصحاب هذا الاتجاه بأن حق الملكية الفكرية لا يعتبر حق ملكية. 
وقد ذهب البعض إلى اعتبار حق المؤلف نوعًا من الحقوق العينية لأنه يخول صاحبه القدرة على القيام بأعمال معينة كحق الاستعمال والاستغلال والتصرف كصاحب الحق العيني سواء بسواء(57). 
وبالطبع هذا يخالف النظرة التقليدية للحق العيني الذي لا يقع إلا على الأشياء المادية. ثم إنّ هذا الحق لا يمكن اعتباره من الحقوق الشخصية كحق الدائن قبل مدينه، لأنه لا يوجد رابطة بين صاحبه وبين شخص أو اشخاص معينين، وليس محله عملاً من الأعمال. 
ويرى البعض أنّ حق المؤلف حق من نوع خاص لا يندرج تحت التقسيم التقليدي للحقوق، هذا ما سارت عليه محكمة النقض الفرنسية حيث وضعته في أحد أحكامها (أنّ حقوق المؤلف والاحتكار الذي تخوله تسمى خطأ سواء في اللغة التجارية أو لغة القانون باسم الملكية كما عرّفها ونظمها التقنين المدني بالنسبة للمنقولات والعقارات، فهي تقتصر على إعطاء صاحبها امتيازًا مقصورًا عليه في استغلالها استغلالا مؤقتًا(58). 
ويرجع البعض أن صعوبة تحديد طبيعة حق المؤلف تأتي في صورة استغلال هذا الإنتاج الفكري (الحق الأدبي) حيث بموجب الحق الأدبي المجرد يصبح للمؤلف وحده تقرير مدى صلاحية الفكرة للنشر أو لا. ومتى ما نشرت الفكرة يجب أن تُنسب دائمًا إليه. كما يجب أيضًا أن تبقى الفكرة في الصورة التي أعرب عنها دون تغيير أو حذف. ولاحظ أن هذا الحق دائم وإن انتهى الحق المالي للمؤلف، وهذا يعني أن هذا الحق لا يجوز التصرف فيه ولا حيازته ولا رهنه أو الحجز عليه، لأن الحق الأدبي لا يدخل في حساب الذمة المالية، أما الشق الآخر وهو الحق المالي، فهو الذي يتمثل في إمكان الفرد من استغلال لهذه الأفكار حيث يستفيد المؤلف من هذه الحقوق المالية التي تدخل في الذمة خلاف الحق الأدبي، لذا يجوز التصرف فيه ورهنه والحجز عليه. وبهذا المعنى يرون بأن حق المؤلف هو حق مزدوج(59). 
ويرجح بعض الشراح الحق الأدبي على الحق المالي للمؤلف، وعليه يرون أن هذا الحق شخصي، أي حق هو ملازم لشخصية الفرد وامتداد له باعتبار أن المؤلف هو من يملك حق تقرير نشر هذه الأفكار أو عدم نشرها. 
ونخلص من استعراض الآراء المختلفة حول طبيعة حق المؤلف من أن تحديد هذه الطبيعة لا تخرج من كون هذا التحديد تحديدًا لطبيعة الحق الشخصي والحق العيني، والنظر كذلك إلى أحكام الحق أي الآثار المترتبة عليه بعد ثبوته لصاحبه على الوجه التالي: 
[أ] بالنسبة لتقسيم الحق إلى: حق شخصي وحق عيني، فإن الحق الشخصي هو الحق الذي يقره الشرع لشخص على آخر، ومحله إما أن يكون قيامًا بعمل كحق البائع في تسليم الثمن أو امتناع عن عمل، والحق العيني هو ما يقره الشرع لشخص على شيء معين بالذات، أي هي العلاقة القائمة بين صاحب الحق وشيء مادي معين بذاته والتي بموجبها يمارس المستحق سلطه مباشرة على الشيء هو الحق العيني مثل حق الملكية. وواضح من أن هذا الشق من الحقوق هو الحق العيني، وهذا الحق في الغالب هناك خلاف حول طبيعته وحول آثاره. 
[ب] أما بالنسبة للآثار المترتبة على حق المؤلف بعد ثبوته لصاحبه نرى أنّ هذه الأحكام تتمثل في أمرين: 
الأمر الأول: هو استيفاء الحق إذ لصاحب الحق – هو المؤلف – أن يستوفى حقه بكل الوسائل المشروعة، والأصل في استيفاء الحق أن يكون بالعدل الممثل في مراعاة المصلحة العامة. 
والأمر الثاني: هو حماية الحق حيث تقرر الشريعة الإسلامية حماية حق المؤلف من أي اعتداء بأنواع مختلفة من وسائل الحماية منها: المسؤولية المدنية، والمسؤولية الجنائية، ومن قبلها المسؤولية أمام الله الممثلة في الوازع الديني، وأيضًا تكون هناك حماية للمجتمع بنشر وابتكار ما ينفع الناس وذلك يتحقق بالدرجة الأولى بتوفير الوازع الديني للمؤلف أو المبتكر. 
وهكذا تحمي الشريعة الإسلامية كل أنواع الحقوق الدينية والمدنية الخاصة والعامة لحق المؤلف باحترام حقه وعدم الاعتداء عليه وبمعاقبة المعتدي. 
وكذلك تحمي التشريعات الوضعية هذا الحق ذا الطبيعة الخاصة وذلك بحماية المظاهر الأدبية الأمر الذي يضمن استمرار التوافق بين شخصية المؤلف وبين أثر إنتاجه (المادة 7 من قانون جماية حق المؤلف والحقوق المجاورة السوداني لسنة 1996م). 
أما الحقوق المالية فتتمثل في استغلال المؤلف وحده أفكاره في أية صورة من صور الاستغلال، حيث لا يملك أحد استغلال المبتكر أو المصنف دون اذن سابق من المؤلف أو من يخلفه (المادة 18 من قانون حماية حق المؤلف السوداني). 
والسؤال هو: هل هذه الحقوق مطلقة؟ 
من الثابت أن حق المؤلف حق مقيد أي غير مطلق، وذلك ليستفيد به كافة الناس بقدر استفادة المؤلف نفسه. 
وضع المشرع السوداني من القيود على هذا الحق في المادة 1/14 من قانون 1996م، حيث نصت المادة على الآتي: 
1- مع مراعاة المادة (18)؛ يجوز للصحف والمجلات والنشرات الدورية والإذاعة والتلفزيون: 
[أ] تنشر مقتبسًا أو مختصرًا أو بيانًا موجزًا من المصنف بغرض التحليل والدراسة أو التثقيف أوا لاخبار. 
[ب] تنقل المقالات أو المحاضرات أو الأحاديث الخاصة بالمناقشات السياسية أو الاقتصادية أو العلمية أو الدينية أو الاجتماعية التي تكون محل اهتمام الرأي العام في وقتها. 
[ج] تنشر أو تنقل أي صور أخذت لحوادث أو وقعت علنًا أو كانت لأشخاص رسميين أو مشهورين ويجب في كل الأحوال أن يذكر اسم المصنف المنقول عنه واسم مؤلفه. 
2- يجوز للفرق الموسيقية وقوات الشعب المسلحة والشرطة والمحليات والمسرح أن تقوم بإيقاع أو تمثيل أو أداء أو عرض أي مصنف بعد نشره على أن لا يحصل على مقابل مالي نظير ذلك. 
3- يجوز في الكتب المدرسية أو المعدة للتعليم في كتب التاريخ آداب وفنون: 
[أ] نقل مقتطفات قصيرة للمصنفات سابقة النشر. 
[ب] نقل أي رسومات أو صور أو تصميمات أو مخطوطات أو خرائط على أن يختصر النقل على ما هو ضروري لتوضيح المكتوب. 
4- يجوز نقل أو ترجمة أو اقتباس مصنف منشور لأغراض الاستعمال الخاص أو الشخصي عدا برامج الحاسب أو بنوك المعلومات وتقليد المصنفات الرسمية. 
5- يجوز لأعضاء المكتبات العامة لخدمات الأرشيف نقل مصنف منشور لأغراضهم الداخلية مثل تجديد النسخ التالفة أو استعادة النسخ والمخطوطات المفقودة وينسحب ذلك على التبادل الداخلي للمكتبات ودور الإرشيف. 
6- يجوز لمؤسسات التعليم لأغراض غير تجارية نقل المصنفات القصيرة أو المقالات أو أجزاء قصيرة من المصنفات المنشورة بالإضافة إلى إدخالها في البرامج الإذاعية المدرسية والتسجيلات الصوتية لأغراض الوسائل الإيضاحية في عمليات التدريس. 
7- يجوز لمؤسسات البحوث التجارية الخاصة نقل المقالات العلمية أو المصنفات العلمية القصيرة أو أجزاء قصيرة منها لأغراض داخلية وخاصة للإيفاء بمتطلبات الذي يقومون بإعداد الدراسات والبحوث. 
8- يجوز استعمال مصنف منشور لاغراض الإجراءات القانونية إذا دعت الحاجة إليه. 
9- يجوز لهيئات البث أن تتيح باستعمال معداتها التسجيلات المؤقته للمصنفات لأغراضها الإذاعية، كما يجوز إبادة التسجيلات خلال ستة أشهر من إنتاجها، ومع ذلك يجوز الاحتفاظ بنسخة من هذه التسجيلات لأغراض الوثائقية. 
10- يجوز للاشخاص الذين يمتلكون بصورة مشروعة نسخة من برامج الحاسوب أو من بنك المعلومات للإلكترونات الاقتباس منها ويجب عليها الحفاظ على نسخ المصنفات بغرض حماية الأصل المنتج منها. 
من خلال استعراضنا للمادة (14) والتي اخترناها كنوذج باعتبار القانون السوداني من أحدث القوانين، وصدوره كذلك من مشروع توجه شطر الفقه الإسلامي في كل قوانينه منذ عام 1983م، بالإضافة إلى أنّ هذه القيود تكاد تكون مطابقة في أغلب التشريعات وهي ترد على حق المؤلف لتحقيق المصلحة العامة إذ الهدف دائمًا أن تكون الدولة والأمم تشجع تيسير سبل الثقافة والابتكارات العلمية للنفع العام من نعمة نتاج العقول والكسب الإنساني عمومًا دون احتكار وحبس لهذه الأفكار. 
[8] وسائل تحقيق الحماية: 
تكفل القوانين حماية فعالة لحق الملكية الفردية (حق المؤلف) بوسيلة فرض عقوبات جنائية وأخرى مدنية توقع على من يعتدي على الحق هذا الحق، ومن ناحية أخرى يجعل المشرع للمؤلف أو المبتكر الذي يعتدي على حقه طلب إزالة آثار ذلك الاعتداء، وذلك بمطالبة تعويض الأضرار التي ترتبت نتيجة هذا الاعتداء. 
ويلاحظ أن القوانين تأخذ في الاعتبار أنّ النزاع بين المؤلف والمعتدي قد يطول لذا يخول للمؤلف المعتدى على حقه بعض الإجراءات التحفظية لمواجهة الاعتداء على حقوقه والمحافظة عليها لحين الفصل في الدعوى وتتخذ بهذه الإجراءات التحفظية في وقت نشر المصنف أو عرضه أو صناعته(60). 
إذا أخذنا القانون السوداني كمثال نجد أنّ المادة 36-(1) من قانون حق المؤلف والحقوق المجازة لسنة 1996م تبين كيفية الحماية الجنائية بالنص على: 
(يعاقب كل من يرتكب جريمة الاعتداء على حق المؤلف بغرامة يترك تقديرها للمحكمة أو السجن لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات أو بالعقوبتين معًا). 
وتقضي الفقرة الثانية من نفس المادة بعقوبة تبعية، وهي المصادرة أو إبادة نسخ ذلك المؤلف إذا رأت المحكمة أنّ تلك النسخ ناتجة من الاعتداء على حق المؤلف. 
كذلك أعطى القانون اختصاصًا للمحاكم المدنية بنظر دعاوى التعويض في حالة الاعتداء. وللمحكمة المدنية كذلك بناءً على طلب المؤلف المعتدى على حقه أن تصدر أمرًا بتوقيع الحجز على المصنف المقلد أو المصنف موضوع النزاع لحين الفصل في الدعوى، فيجوز للمحكمة أن تقوم بالإجراءات التحفظية اللازمة. وإذا ثبتت المسؤولية المدنية بتوافر شرائطها من: خطأ، وضرر، ورابطة سببية؛ يقع على المعتدي التزام رد الشيء إلى أصله وذلك بإتلاف النسخ أو الأشياء المقلدة. بالإضافة إلى ذلك تجوّز للمحكمة تعويض المؤلف عما لحقه من ضرر (المادة 38 من القانون السوداني). 
وإن كانت هذه الوسائل كفيلة بتحقيق حماية لحقوق المؤلف إلاّ أننا نلاحظ أن هنالك في الغالب عدم الملائمة المرجوة بنظر قضايا الملكية الفكرية المقدمة أمام المحاكم العادية لطبيعة هذه الحقوق المعنوية، وكذلك لطبيعة أطراف الدعوى مما يدعونا إلى المطالبة بإنشاء محاكم(61) لمثل هذه القضايا بقضاء مؤهل تأهيلاً متصلاً بهذه الحقوق، وكذلك اتباع إجراءات خاصة لإثبات هذه الحقوق وغيرها من الإجراءات مثل تخفيض رسوم التقاضي وإشراك جهات فنية علمية كمحكمين أو موفقين لمساعدة المحكمة للوصول للقرارات السليمة. 
[9] حماية حق المؤلف دوليًا: 
حماية حق المؤلف لا تقف عند حد حماية الدولة، إنما تتعدى إلى عناية العائلة الدولية لهذا الحق، وذلك عن طريق التشريعات الوطنية وتنظيم هذه الحماية إقليميًا ودوليًا. 
كمثال للرعاية الدولية لحق المؤلف؛ نضع بالتفصيل ما جاء بنصوص مشروع الاتفاقية الإسلامية لحماية حق المؤلف في الدول الإسلامية والتي وضعتها المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم(62). 
حماية حق المؤلف طبقًا لمشروع الاتفاقية الإسلامية لحماية حقوق المؤلفين: 
قدم المشروع للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في خطتها للعام 1994م باسم: "مشروع الاتفاقية الإسلامية". بينت المادة (2) من المشروع أهمية حماية حقوق المؤلفين، وذلك بالنص على الآتي: 
(إدراكًا من الدولة الإسلامية المتعاقدة لأهمية نظام لحماية حقوق المؤلفين يلائم جميع الدول الأعضاء، لذلك كانت الحاجة لتجد هذه الحماية اتفاقية محددة تكفل استكمال الوثائق الإقليمية والدولية النافذة دون أن تمس بما من شأنه أن يشجع على الإبداع وعلى نشر المصنفات التي يمكن أن تسهم في بناء صرح الحضارة الروحية والمادية للعالم الإسلامي). 
حددت الاتفاقية المصنفات المحمية في: 
[أ] الكتب والكتيبات وغيرها من المواد المكتوبة. 
[ب] المحاضرات والخطب الدينية وغير الدينية. 
[ج] المؤلفات المسرحية. 
[د] المصنفات الموسيقية سواء كانت مصحوبة بكلمات أم لا. 
[هـ] مصنفات تصميم الرقصات والتمثيل الإيمائي. 
[و] المصنفات الإذاعية ذات الخصائص الإبداعية والمصنفات السينمافوتغرافية وغيرها من المصنفات السمعية والصوتية. 
[ز] أعمال الرسم والتصوير والعمارة والنحت والنقش والحياكة الفنية. 
[ح] أعمال التصوير الفوتوغرافي بما في ذلك الأعمال التي يستخدم فيها اسلوب شبيه بالتصوير الفوتوغرافي. 
[ط] أعمال الفنون التطبيقية سواء كانت حرفية أو صناعية. 
[ي] الصور والخرائط الجغرافية والتصاميم والمخططات والأعمال التشكيلية المتصلة بالجغرافيا والطبوغرافيا وفن العمارة والعلوم. 
[ك] مصنفات الفلكلور وبصفة عامة المصنفات المندرجة في عداد التراث الثقافي التقليدي والسعي بما فيها المخطوطات. 
وتقضي المادة (4) حماية الحقوق المالية للمؤلف وذلك بمنحه هذا الحق شخصيًا أو لمن يفرضه وحصر حق استنساخ المصنف في أي شكل أو عرضه للجمهور لصاحبه. 
بالإضافة للحق الأدبي من أن ينسب المصنف لأسمه وحقه في التعديل كذلك أوضحت الاتفاقية نقل حقوق المؤلف حيث ذكرت في هذا الشأن: بأنه يجوز التنازل بلا مقابل كليًا أو جزئيًا عن الحقوق المالية للمؤلف. 
أما في شأن الحقوق المعنوية فذكرت الاتفاقية أنّ هذه الحقوق غير قابلة للتصرف أو التقاضي حيث قيدت استفادة الوراثة من هذا الحق الأدبي انقضاء الحقوق المالية. 
نظمت الاتفاقية كيفية إدارة حقوق المؤلف بقيام الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بإنشاء أجهزة وطنية تعمل على التطبيق الفعلي للقوانين الوطنية التي تحمي الإبداع الفكري وتشجع التنمية الثقافية والوطنية مع ترك الأمر للتشريعات الوطنية في كيفية تحقيق هذه الحماية الفعالة للحقوق المادية والمعنوية للمؤلفين. 
وأوضحت الاتفاقية وسائل حماية حق المؤلف ولخصتها في الآتي: 
1- تنشأ لجنة دولية حكومية لحقوق المؤلف يناط بها ما يلي: 
[أ] دراسة المشكلات المتعلقة بتطبيق هذه الاتفاقية(63). 
[ب] إعلام الدول الأطراف عن تطور حماية حقوق المؤلف. 
[ج] تقديم توصيات إلى المدير العام بشأن ما ترجو اللجنة تحقيقه من مناشط في إطار المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة. 
2- تتألف اللجنة الدولية الحكومية من نصف عدد الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية. 
3- يحدد النظام الداخلي للجنة طرائق انتخاب أعضاء اللجنة وإعادة انتخابهم عند الاقتضاء. 
وحرصت الاتفاقية للإشارة بعدم تأثيرها على الحقوق والالتزامات الدولية للدول المتعاقدة تجاه غيرها من الدول وفقًا للاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية حق المؤلف، وكذلك لا تؤثر في المعاهدات النافذة بين الدول المتعاقدة والتشريعات الوطنية. 
خلاصة القول بشأن هذه الاتفاقية المقترحة من قبل المنظمة الإسلامية العربية أنها تؤكد أهمية حماية حق المؤلف في الدول الإسلامية. وأنها إعمال لتلك المفاهيم التي تناولناها في هذه الورقة التي كفلت الحماية للفرد في جميع حقوقه، وبالتالي تكون حماية هذه الحقوق الهامة أولى في الإسلام بل إنّ الأولوية تكون قصوى، ونحن نرى اهتمام جميع التشريعات بهذه الحماية والإسلام بالطبع أكثر حرصًا على رعاية مصالح العباد. 
لذا نقول وإن فات عل فقهاء المسلمين الأوائل التنظيم الدقيق لوسائل الحماية والضمان لهذه الحقوق فهنالك – والحمد لله – السياج القوي في فقهنا الإسلامي القائم على قواعد كلية تحقق هذه الحماية أدناها ما يتحسسه الفرد في سريرة نفسه، حيث: (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاس)(64). 
لذا تخلص إلى أنّ الملكية الفكرية – أي حق المؤلف – أصبح معترفًا ومصانًا في القوانين والأعراف، وأصبح التعدي عليه بغير حق عدوانًا وظلمًا يكون المسلم أحرص على صون ورعاية هذا الحق حيث أنه مأمور بالوفاء بالذمم والعهود. 
---------- 
(1) ابن منظور: لسان العرب، دار المعارف، طبعة منقحة، القاهرة باب (حق)، 2/939-940. 
(2) سورة يس، الآية (7). 
(3) ورد لفظ الحق في القرآن الكريم (194) مرة ولفظ حقًا (11) مرة انظر: المعجم لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، أشار إليه د. عوض الحسن النور في كتابه "حقوق الإنسان في المجال الجنائي" الطبعة الأولى 1993م. 
(4) سورة البقرة، الآية (42). 
(5) السنهوري: مصادر الحق في الفقه الإسلامي "دراسة مقارنة بالفقه العربي"، طبعة معهد البحوث والدراسات الإسلامية، 1967م، 1/9. 
(6) الشيخ علي الخفيف: الحق الذمة، مكتبة وهبة، 1947م، 36. 
(7) حسن كبرة: أصول القانون مطبعة دار المعارف، 1960م، 553. 
(8) فتحي الدريني: الحق وسلطان الدولة في تقيده، مطبعة دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 163. 
(9) أشار إليه د. جورج صبور: الملكية الفكرية حقوق المؤلف، سوريا، دمشق، دار الفكر، 1996. 
(10) د. عون الشريف قاسم: دراسات متقدمة في اللغة العربية "مذكرات الخرطوم" معهد الخرطوم الدولي للغة العربية، 1984م، 2. 
(11) قاسم عثمان النور: الكتابة والمكتبة في الحضارة الإسلامية منظر تاريخي "رسالة دكتوراه غير منشورة"، كلية الآداب جامعة الخرطوم، 1994، ص 7 وما بعدها. 
(12) قاسم عثمان النور: الكتابة والمكتبة، المرجع نفسه، 181. 
(13) المصدر السابق، 185. 
(14) المرجع نفسه 189. 
(15) السعودي علي بن الحسن "أبو الحسن": مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، مصر، مطبعة السعادة، 1383، 5/78. 
(16) د. نواف كنعان: حق المؤلف النماذج المعاصرة في حق المؤلف ووسائل حمايته، الطلعة الأولى 1407هـ، - 1987م ص 21 وما بعدها. 
(17) د. نواف كنعاني: حق المؤلف، المرجع السابق، ص 21 وما بعدها. 
(18) انظر: ابن رشد، المقدمة، الجزء الأول والثاني، مطبعة السعادة القاهرة، 31. 
(19) سورة الأحزاب، الآية (72). 
(20) الرسالة للإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق وشرح أحمد محمد شافع، دار الفكر، باب الاجتهاد وذم التقليد. 
(21) أورد الشاعر الفيلسوف محمد إقبال في كتابه عن "التجديد في الفكر الإسلامي" مؤداها أن محمد صلى الله عليه وسلم كان لا بد أن يكون خاتم الأنبياء، وأن تكون رسالته آخر الرسالات، لأنه جاء ليدعو إلى تحكيم العقل فيما يعرض للناس من مشكلات وما دمت قد ركنت للعقل؛ فلم تعد بحاجة إلى هداية سواء ما تمليه عليك الأحكام. أشار إليه د. زكي نجيب محمود، تجديد الفكر العربي، القاهرة، دار الشروق، الطبعة التاسعة، 1993م. 
(22) سورة المجادلة، الآية (11). 
(23) أخرجه الترمذي في سننه برقم 2611، كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة. وانظر: شرحه تحفة الأحوزي، 3/382، دار الكتاب بيروت، وابن ماجة باب الحكمة، 2/281. 
(24) محمد عبد الملك ابن هشام: السيرة النبوية، دار القلم، مصر، 4/171-173. 
(25) محسن عبد الحميد: تجديد الفكر الإسلامي "سلسلة قضايا الفكر"، المعهد العالي للفكر الإسلامي، 1416هـ-1995. 
(26) د. أكرم ضياء العمري: التراث والمعاصرة، كتاب الأمة، العدد (10)، 1405هـ. 
(27) الباحث د. مسعود ضاهر: مقال بعنوان "هل يواجه العرب عصر العولمة بمراكز أبحاث علمية معطلة؟"، جريدة الاتحاد، الإمارات العربية، العدد 8964، 2 يناير 2000. 
(28) سورة القصص، الآية (77). 
(29) د. فيصل شطناوي: حقوق الإنسان وحرياته الاساسية، دار حامد، عمان، 1998م، ص 18 وما بعدها. 
(30) سورة الجمعة، الآية (10). 
(31) أخرجه البخاري في صحيحه برقم 1930، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده. 
(32) السرقة: هي أخذ المال خفية مثله بلا شبه، والمراد بأخذ المال؛ هو الاستيلاء عليه دون علم المجني عليه أي خفية عنه. انظر في ذلك: فارس عبد الرازق القدومي: حدية السرقة بين الاعمال والتعطيل وأثره على المجتمع الإسلامي "رسالة ماجستير جامعة الأزهر"، 1397هـ - 1977م، دار التوفيقية للطباعة والنشر، مصر، 1984م، ص 26 وما بعدها. 
(33) نصت المادة (17) من الإعلان الفرنسي على أن حق الملكية باعتباره حقًا مقدسًا غير جائز المساس به ولا يمكن أن يحرم أحد منه إلا إذا رأي المشرع أن هنالك ضرورة قصوى تقضي بذلك وبشرط أداء تعويض سابق وعادل. 
(34) د. عبد السلام الذهني: الحقوق وتعارضها وأحوالها، مطبعة مصر، القاهرة، 1945م. 
(35) سنن ابن ماجة، كتاب الأحكام، برقم 2332. 
(36) د. عبد الكريم الخطيب: "السياسة المالية في الإسلام وصلتها بالمعاملات المعاصرة"، دار الفكر العربي، 1380هـ - 1960م. 
(37) د. محمد سلام: مقال بعنوان: "الاحتكار وموقف التشريع الإسلامي"، مجلة القانون والاقتصاد، العدد الثاث، السنة السادسة والثلاثون، 1966. 
(38) قانون الرقابة على السلع السوداني لسنة 1978م، تعديل 1989م المادة (3) حيث وسع من نطاق الاحتكار (التخزين) حيث هنا احتكار كل السلع وساوى في المنع حق الملكية والحيازة. 
(39) د. محمد سلام مذكور، المقال السابق. 
(40) أخرجه مسلم برقم 3012، كتاب المساقاة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات. 
(41) نرى أن هذا المووضع يحتاج إلى بحث عميق لا تسعه هذه الورقة. 
(42) د. صبحي الصالح: النظم الإسلامية نشأتها وتطورها، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة، مايو 1978م، ص 60 وما بعدها. 
(43) محسن عبد الحميد: تجديد الفكر الإسلامي؛ المرجع السابق. 
(44) المرجع السابق نفسه. 
(45) د. وهبة الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر، دمشق، سوريا، الطبعة الرابعة، 1418هـ - 1997م، 4/2861. 
(46) أنظر: المغني واشرح الكبير على متن المقنع، 5/256 و420. انظر كذلك: الأم، الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي مع مختصر المزني، كتاب الغضب، دار الفكر للطباعة والنشر، 1403هـ - 1983م، 8/216 وما بعدها. انظر كذلك: الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، العلامة أبي البركات أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، 53. 
(47) د. وهبة الزحيلي، المرجع السابق، 2862. 
(48) البناية شرح الهداية، لأبي محمد محمود بن أحمد العيني، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1411هـ - 1990م، 10/291. 
(49) د. جورج حبور: في الملكية الفكرية – حقوق المؤلف، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1996م، ص 19 وما بعدها. 
(50) د. عبد المنعم البدراوي: شح القانون المدني في الحقوق المدنية الأصلية، مطابع دار الكتاب العربي، مصر، الطبعة الثانية، 1956م، ص 175 وما بعدها. 
(51) د. عبد الرازق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، مصر، 1967م، 8/383. 
(52) د. أحمد سويلم العمري: حقوق الإنتاج الذهني، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1967م، 30. 
(53) قانون حماية حق المؤلف في ملف التشريع رقم 320. 
(54) راجع المادة (3) من قانون حماية حق المؤلف الأردني، لسنة 1992م. 
(55) فشل سياسي أمريكي في الحزب الديمقراطي هو جورج بايدت من ترشيح نفسه في الحزب لرئاسة الجمهورية مع دوكاليس مرشح الحزب للرئاسة عام 1987م، وذلك إثر انسحابه بعد أن عُرف أنه اقتبس عدة أسطر من خطاب لينوك الزعيم العمالي البريطاني. كذلك نشرت الصحف عام 1988م بأنّ وكالة الأنباء الليبية اتهمت الرئيس الأمريكي ريغان بأنه يأخذ أفكار الرئيس القذافي من الكتاب الأخضر وينسبها إليه. 
(56) د. عبد المنعم البدراوي: شرح القانون المدني، المرجع السابق، 228. 
(57) شفيق شحاته: شرح القانون المدني الجديد، المطبعة العالمية، القاهرة، 1951م، 1180. 
(58) د. عبد المنعم البدراوي: المرجع السابق، 229. أساس أشار إلى الفرز، 1903، 1-5. 
(59) المصدر السابق نفسه، ص 230. 
(60) د. محمد حسن قاسم: الحقوق وغيرها من المراكز القانونية، الإسكندرية. 
(61) أنشئت حديثًا محكمة خاصة للملكية الفكرية بالخرطوم. 
(62) المستشارة ابتسام عوض المهدي: "بحث غير منشور في حقوق المؤلف"، بدون تاريخ، الخرطوم، أشارت إلى مشروع الاتفاقية (المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم). 
(63) نفاذ الاتفاقية يكون بعد انقضاء شهر على إيداع الوثيقة الخاصة للتصديق أو القبول أو الانضمام حيث بعدها تصبح الاتفاقية تأخذ تجاه كل دولة تصدق عليها. 
(64) أخرجه مسلم في صحيحه برقم 4632، كتاب البر والصلة والآداب، باب تفسير البر والإثم. أخرجه غيره من أصحاب السنن بروايات مختلفة. 


تعليقات