حقوق الإنسان في الإسلام
وأثرها على سلوك المسلم الاقتصادي
حقوق الإنسان في الإسلام
وأثرها على سلوك المسلم
الاقتصادي
إعداد
الشيخ
راشد الغنوشي
بحث مقدم
للدورة الثامنة عشرة
للمجلس - دبلن
جمادى الثانية/ رجب
1429 هـ / يوليو 2008 م
1-
مقدمة حول موضوع حقوق
الإنسان :
يمثل موضوع حقوق الإنسان في زمننا هذا وبالخصوص بعد
انتهاء الحرب الباردة أهم محاور الجدل والصراع بين الشعوب المطالبة باحترام حقوقها
وبين الحكومات المتهمة بانتهاكها. كما أنها غدت الميزان الذي توزن به سياسات الدول
حسنا أو قبحا بحسب مدى احترام تلك الحقوق. وأكثر من ذلك تحول موضوع حقوق الإنسان إيديولوجية
لبعض الدول وسيفا مسلطا تستخدمه في سياساتها الهيمنية ضد من تشاء وقت ما تريد تسويغا لإصدار إدانة ضد المستهدف والمضيّ حتى إلى
إخضاعه لشتى العقوبات التي قد تصل إلى حد فرض الحصار الاقتصادي عليه وحتى العسكري
الممهد غالبا لغزوه ووضعه تحت السيطرة.
ولقد تأسست على امتداد العالم شبكات واسعة تحت مسمى
الدفاع عن حقوق الإنسان غدت تمثل أنشط مؤسسات المجتمع المدني، كثيرا ما تولت
تمويلها مؤسسات غربية خاصة أو رسمية لمراقبة سلوك الدول ومدى احترامها لحقوق الإنسان.
وبعض هذه المؤسسات تحتضنها منظمة الأمم المتحدة ولها نظام للقاءات الدورية
ومندوبون يجوبون أقطار الأرض يرفعون التقارير حول سلوك هذه الدولة أو تلك من جهة
مدى احترامها لحقوق الإنسان كما نصت عليه المواثيق الدولية وبالخصوص ذلك المعروف بـ«الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان» الذي أقرته الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية
سنة 1948 وتتالى منذئذ صدور سيل من النصوص والمواثيق والدراسات تشرح وتفصل وتستكمل
الإعلان الأممي الأول الذي مهدت له :«منابع حقوق الإنسان ومراضعها
جمعيات النظراء الفضلاء».. فهو تراكم خلقي ساهم في توريثه للإنسان أمراء انجلترا
حين فرضوا الماجنا كارتا على الملك منذ أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، وساهم
فيه سييس ورفاقه في الثورة الفرنسية، وساهم قبل ذلك إعلان جفرسون والثائرون الأمريكان
على الاستعمار البريطاني.. وازدهت البرجوازية بحقوقها الفردية الأنانية.. ولقد
عكفت لجان مختصة كثيرة بتكليف من الأمم المتحدة على إعداد نصوص مهمة جدا لمشاريع
عهود ومواثيق تفصّل الإعلان وتعمقه وتكمّله،
ليغطي أوسع الساحات المتصلة بحقوق الإنسان. وبعد إقرارها تم عرضها على
الدول الأعضاء من أجل التوقيع عليها مثل إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال
التمييز العنصري واتفاقية المساواة في الأجور واتفاقية حظر الرفض من العهد الدولي
للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حماية اللاجئين والعهد
الدولي للحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية واتفاقية القضاء على جميع أشكال
التمييز ضد المرأة.
كما تعززت هذه الاتفاقيات بعدد من الإعلانات صدرت عن بعض الدول مثل فرنسا وألمانيا أو عن جماعات إقليمية أو دينية مثل الإعلان الأوروبي لحقوق الإنسان والإعلان الإفريقي والإعلان العربي والإعلان الإسلامي.
ومع ذلك استمرت موجات العلمنة المتطرفة تزحف على هذا
المجال الحيوي في مسعى ناصب دؤوب لاحتلاله والسيطرة عليه واحتكاره جملة. ولقد بدا
ذلك سافرا خلال انعقاد المؤتمرات الدولية للسكان مثل مؤتمر القاهرة ومؤتمر بيكين
حيث برز استقطاب سافر ساخن بين التيار العلماني المتطرف وبين التيارات الدينية
بقيادة تحالف ميداني إسلامي كاثوليكي، إذ عمل الأول على نسف الأساس الديني لقيم الأسرة
من خلال الدعوة إلى أشكال جديدة للأسرة على أساس الجنسية المثلية «الشذوذ» -
والعياذ بالله-، وتصدى لهم الاتجاه الديني دفعا عن قيم العفة والأسرة المعروفة،
وهو ما شكل استقطابا علمانيا دينيا وتحالفا بين المسلمين والكنيسة الكاثوليكية.
أما المؤاخذة الرئيسية على هذه الإعلانات والعهود فلا تتعلق غالبا بالمضامين فهذه في الجملة محل قبول ورضى من الجميع بل تبقى مركزة على غلبة الشكلانية على هذه المواثيق والعهود الدولية فهي تقر للأفراد بحقوق جميلة في حياتهم الخاصة والعامة حقوق في التملك والزواج والتعبير والانتماء والمشاركة في إدارة الشؤون العامة والانتقال وحتى مقاومة الظلم، إلا أنها تقف عند هذا المستوى النظري البهيّ.
ويزيد الأمر سوء الأسلوب المتبع في التعامل مع هذه الحقوق من قبل الدول الكبرى والصغرى على حد سواء وبالخصوص الدولة الأعظم المتخذة لنفسها وظيفة حراسة هذه الحقوق ومراقبة مدى التزام الآخرين بها، فهي طالما تورطت في ما يدعى المعايير المزدوجة، فقد تحمل بشدة على دولة بتهمة انتهاكها لحقوق الإنسان إلى حد فرض الحصار عليها وتعريض الملايين من مواطنيها لشتى الأخطار التي قد تصل حد الغزو العسكري بينما هي تدعم دولا أخرى لا تقل توحشا عن تلك بل إن الدولة الحارسة لحقوق الإنسان والماسكة بميزانه لم تتردد في الانتهاك السافر للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الأسرى مثلا وبحقوق الحماية لمن هم تحت احتلالها، أو تلك المتعلقة بحماية البيئة أو المتعلقة باتفاقيات التجارة أو المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، فهي تباح للبعض وتحظر عن البعض الآخر.
2-
حقوق الإنسان في
الإسلام:
إن التصورات الغربية في مجال الحريات وحقوق الإنسان تمتد
جذورها إلى الفلسفة الطبيعية بافتراض طبيعة للإنسان تنبثق عنها حقوق للإنسان، ولقد
رأينا مدى ما تردت فيه تلك التصورات من تلاعب وازدواجية معايير ونسبية وخضوع لمنطق
موازين القوة وخدمة لمصالح أقلية قد لا تتجاوز 5% من البشر تضع يدها على معظم
الموارد وتدفع بالكثرة الكاثرة إلى لجج الفقر والمجاعة والأوبئة وتسخر ثمار البحث
العلمي لمصالحها الخاصة مطلقة العنان لأنانيتها على حساب الضعفاء، بما غدا يمثل
تهديدا حقيقيا للسلام الدولي وللبيئة وللمصير البشري جملة بما يكاد يفقد مواثيق
حقوق الإنسان كل تأثير حقيقي على المسالك الفردية والسياسات المحلية والدولية. والسبب
الحقيقي هو خواء هذه المواثيق من مضمون عقدي يعطي معنى لحياة الإنسان ويقدم أساسا
متينا لحقوق وموازين، يكون العبث بها وإخضاعها للنسبية ومواقف الانتهاز عسيرا.
بينما التصورات الإسلامية للحقوق والحريات وسائر القيم
والموازين المعيارية تتأسس على حقيقة بدهية ينطق باسمها كل شيء في هذا الكون: إن
لهذا الكون العجيب خالقا ومالكا متصرفا هو أعلم بمخلوقاته فهو المشرع الأعلى
والآمر المطلق. الناس كلهم سواسية من حيث كونهم عباده، قد استخلفهم في ملكه بما
استحفظهم من أمانات العقل والإرادة والحرية والمسؤولية، وبما منّ عليهم من بعثات
رسولية هدتهم إلى ما ارتضاه لهم ربهم من أصول وموازين وتصورات تكفل لهم السعادة في
العاجل والآجل إن هم فقهوها على وجهها الحقيقي واتبعوا هديها وإلا وقعوا في لجج
الشقاء الأبدي.
ولقد ارتضى كثير من المفكرين الإسلاميين المعاصرين
الباحثين في موضوع حقوق الإنسان المنظور المقاصدي الذي أسسه الفقيه الأندلسي
الكبير أبو إسحاق الشاطبي في موسوعته الشهيرة «الموافقات» وطوره وجوّد صياغته
خليفته التونسي الشيخ الطاهر ابن عاشور في كتابه «مقاصد الشريعة» ارتضوه إطارا
عاما لحقوق الإنسان، على اعتبار أن غاية الشريعة العليا هي تعريف الناس بربهم
وعبادته وفق ما جاءت به رسله، ولخّصته رسالة خاتم الأنبياء عليهم السلام. إن
المنظور المقاصدي يقوم على اعتبار أن غاية الشريعة هي تحقيق المصالح الكبرى للبشرية
التي صنفها الشاطبي إلى ضروريات لا غنى للناس عنها وحاجيات تغدو الحياة دونها في
حرج ومصالح تحسينية تضفي على الحياة بهاء. وقد حدد في الصنف الأول مراتب متدرجة من
المصالح الضرورية التي لا غنى للإنسان عنها وإلا حل به الشقاء والبلاء تبدأ بحفظ
الدين باعتباره الركن الأعظم في البناء ويليه حفظ النفس ثم العقل ثم حفظ النسب
فحفظ المال وألحق ابن عاشور مقصد العدل ومقصد الحرية، وكشف آخرون عم مقاصد أخرى
مثل وحدة الأمة والإنسانية وحفظ البيئة... ولقد كشف الشاطبي أن كل شرائع الإسلام
تدور حول إيجاد هذه المصالح وتحصيلها ودرء ما يناقضها ويفسدها. وفي هذا المنظور
يمكن أن تندرج المنظومة المعاصرة لحقوق الإنسان باعتبارها مناهج لتحقيق مصالح
الإنسان ودرء المفاسد عنه، وما يقتضيه ذلك من إقامة نظام للجماعة على أساس العدل وكذا
تأسيس علاقات دولية تكفل السلام والعدل والتعاون بين الأمم بديلا عن التحارب
واستغلال الأقوياء حاجات الضعفاء.
إن تيارات التجديد في الفكر الإسلامي الحديث إذ لا تني
تكشف عن ثغرات المشروع الغربي ونزعاته الهيمنية وضروب ازدواجية ممارساته الحقوقية لم
تتردد في الإقدام على تقنين الشريعة وتقديم صياغات حديثة لحقوق الإنسان وفق
المنظور الإسلامي وعلى أسسه وبيان مواطن اللقاء والاختلاف مع المنظور الغربي
وبالخصوص في مجال الأصول الفلسفية المتباينة جدا بين المنظورين. فعلى حين يؤكد
مفكرو الإسلام أن الإيمان بالله هو معين وأساس الحقوق والواجبات ذلك أن حقوق
الإنسان وحرياته وواجباته هي فروع لتصوره الكوني ولمنزلته في الكون والغاية من
وجوده، يؤكد التصور الغربي ، استنادها إلى الطبيعة بما يطبع إعلانات حقوق الإنسان
في المحصلة - وإن دون تصريح- بطابع علماني يجعل الأولوية للإنسان وأنه مركز الكون،
فيما التصور الإسلامي يؤكد ارتباط كل قيمة بالمصدر الذي تستمد منه كل الموجودات
معناها ألا وهو الله تبارك وتعالى واجب الوجود وسبب كل موجود. إن الحقوق هنا تغدو
واجبات مقدسة لا يحق للعبد المستخلف أن يفرط فيها لأنها ليست ملكا له بل مطلوب منه
التصرف في كل ما يملك وفق إرادة الواهب فهو المالك الأصلي والإنسان مستخلف. فما
بيد الإنسان من ثروة وصحة وما تحت يده من إمكانات كلها هبة من الله مطلوب منه مراعاة
شروط المالك الأصلي في التصرف فيها الذي سيقتضيه حسابا على ذلك في الدنيا والآخرة
جزاء أو عقابا.
وإذا كانت التجارب البشرية قد أثبتت أن الإنسان لا يعيش
من غير أن يتخذ لنفسه إلها فإن استناد حقوق الإنسان إلى خالق الكون رب العالمين
يهبها قدسية وثباتا يدرأ عنها النسبية والعبث والمعايير المزدوجة ويجعلها أمانة في
عنق كل مؤمن وليست مرتهنة لحاكم، محروسة فقط بشرطته عندما تحضر، ويعطيها أبعادها الإنسانية
بمنأى عن الاعتبارات القومية التي تتأطر فيها منظومات حقوق الإنسان كما هي في
العالم اليوم. كما يعطيها شمولا وإيجابية تخرج بهما عن الشكلانية والجزئية.
ثم إن ارتباط
حقوق الإنسان بالشريعة لا يعرضها لخطر قيام حكم ثيوقراطي يتحكم فيه رجال الدين، إذ
ليس في الإسلام سلطة دينية تحل وتحرم وتنطق باسم السماء،بل سلطة مدنية من كل وجه
يؤسسها الناس ومنهم تستمد شرعية قيامها وبقائها أو زوالها إذ ليس بعد ختم النبوة
من يملك أن يصدق في ادعائه النطق باسم السماء ، فالأمر متروك لحظوظ الناس في الفهم
والاجتهاد لنصوص الشريعة ومقاصدها وتنزيلها على واقع جديد متميز لاستنباط حكم
يلائمه حسب آليات الاجتهاد المتعارفة. ولقد كانت خطبة رسول الإسلام التوديعية عليه
السلام إعلانا عاما لحقوق الإنسان سبق كل الإعلانات بمئات السنين.
3- أثر تصور حقوق الإنسان في الإسلام على النشاط الاقتصادي للفرد والجماعة:
ليس من اليسير تجلية هذا المقصد في هذا الحيز المحدود،
فنكتفي بإبراز النقاط التالية :
أ- إن للمال في الإسلام
مكانة مهمة جدا عند تحصيله وحفظه جعلته مقصدا من مقاصد الشريعة، إذ يتوقف عليه
السير الطبيعي لحياة المسلم العابد وقيامه بواجباته الدينية ولذلك اقترن ورود
الصلاة بالزكاة في الكتاب العزيز تنبيها على أهمية المال والنشاط الدنيوي على أن
يكون ذلك النشاط مدفوعا بدوافع صحيحة ومتقيدا بقيود الشريعة في تحصيله وصرفه « نعم
المال الصالح للمرء الصالح »[1]،
ذلك أن المالك الأصلي للمال هو الله سبحانه والإنسان مستخلف فيه. هو مستخلف
باعتباره فردا في جماعة.
ب- ولأن الله سبحانه هو المالك الأصلي بينما من بيده
المال مستخلف فيه، فليس من حقه أن يتصرف فيه خارج دائرة الشريعة تحصيلا أو تثميرا
أو استهلاكا، مقامرة أو إتلافا أو احتكارا أو سرفا وتبذيرا.
ج- إن استخلاف الإنسان على المال الذي بيده يفرض
التقيد بقيود الشريعة ومنها أداء وظيفته الاجتماعية باعتبار الفرد جزءاً من جماعة
لها مصالح ذات أولوية بالقياس إلى مصالح الأفراد، فحق الجماعة في مال الأفراد (ويدعى
حق الله) ثابت لا يقتصر على أداء الزكاة
د- إن الخلفية العقدية
التي تستند إليها حقوق الإنسان في الإسلام تصاحب كل مسالك الإنسان وأفكاره
وخواطره، ما يجعل صاحب المال- مثلا- في رقابة ذاتية دائبة لتصرفه تمثل ضمانة كبرى
لانضباط تلك التصرفات بمقتضى الشريعة وما يحقق المصلحة العامة. إن عقيدة الإيمان
بالله سبحانه وباليوم الآخر مهمة جدا في تحقيق هذه الرقابة الدائمة وتثبيط
الاندفاع للاستسلام للرغبات الإنسانية الجامحة في الربح باعتباره المبدأ الرئيسي
الذي يحكم الاقتصاد العلماني بينما الفاعل الاقتصادي المسلم يبحث هو الآخر عن
الربح ولكنه بحث مطئن غير محموم، بحث لا ينفلت من ربقة استشعار الحضور الإلهي في
السوق وكذا حضور اليوم الآخر بما يضفي على العملية الاقتصادية طابعا إنسانيا، لا
مجال فيه للغني أن يستغل حاجة الفقير فيرابيه ولا للجاهل بالغش «من غش فليس مني»[2]
ولا بالاحتكار، والفاعل المسلم يعوض عن ذلك الربح الدنيوي بربح في الآخرة. فعوض أن
يقرض بربى انسياقا مع شهوة الربح الدنيوي يقرض من دون ربى ابتغاء ما عند الله، وقد
يبلغ حرصه على الربح الأخروي حط أصل الدين عنه
ويكفي أن نعلم أن اتساع
مفهوم الربح متجاوزا مجال الدنيا المحدود إلى رحاب الآخرة الفسيح قد أوقف على
مصالح المسلمين العامة القسم الأعظم من ملكيات الأفراد حتى بلغ في عدة بلاد إسلامية
ثلث أو نصف الممتلكات في البلاد أو أكثر اعتقادا في (النحل/96) وعملا
بالحديث الشريف«إذا مات العبد انقطع عنه عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم
ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له»[3]
هـ- لم يكل الإسلام حقوق
الناس لضمائرهم وحسب وإنما أرسل إليهم الرسل والشرائع ودعاهم إلى إقامة نظام سياسي
عادل يحتكمون إليه كلما وهنت الضمائر عن كبح الرغائب والاندفاعات. ومن واجبات
النظام الإسلامي في موضوع المال استعادة التوازن كلما اختل على نحو لا يجعل المال. قال فليست
الزكاة تطوعا وإنما فريضة تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء. ولكن وظيفتها لا
تقتصر على تلبية حاجة الفقير وإنما تؤدي وظيفة ربما أهم لدى الغني إذ تزكيه وتطهره
من الأنانية والعبودية للناس أو لشهوة الجمع والتكديس وترفع درجته الإنسانية
وتقربه إلى الله عز وجل. وهو ما جعل النظام الإسلامي مفترقا عن أي نظام من حيث أن
شريعته الحقوقية قد توفرت لها ضمانات استمرار تطبيقها في كل الأحوال بما أحيطت به
من وضوح لدى الجميع وما يصحبها من رقابة متعددة: رقابة الله على ضمير الفرد ورقابة
المجتمع أمراً بمعروف ونهياً عن عن منكر ورقابة الدولة القانونية. فإذا توفر كل
ذلك عرفت الحقوق الشرعية أعلى مستوى أدائها لكن إذا حصل خلل أو ضعف أو غياب لمصدر
من مصادر الرقابة استمرت الشريعة تعمل وإن مع ضعف. إن غياب الدولة الإسلامية المستخلصة
للزكاة مثلا لا يعفي الغني من أدائها بل هي في رقبته مسؤول أن يبحث جهده عن مصرف
شرعي لأدائها، بينما الضريبة لا تعمل إلا بحضور رقيب واحد هو الدولة فإذا غابت أو
غفلت أو تمكن الغني من التهرب منها كان ضميره في غاية الراحة والسعادة.
و-إن المسلم الصالح يستشعر
مسؤولية دائمة وتعاطفا مع كل مبتلى، مسلما أو غير مسلم وبخاصة
إذا كان هذا المبتلى يملك عليه إضافة لحق الاخوة الإنسانية حقا مثل أخوة الإسلام
أو كان ذا رحم أو كان جاراً فهنا يشتد شعوره بالمسؤولية فيبذل وسعه لإراحة ضميره
تقرباً إلى ربه ونجاة من التبعة والعقوبة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس
المؤمن الذي يشبع وجاره جائع»[4].
وإن ما يجتاح العالم من
استعار للأسعار وبخاصة المواد الغذائية بما عرض ويعرض عشرات الملايين للمجاعات وللأوبئة
، بينما يبلغ الترف والجشع وخرائب ضمائر الأغنياء إلى حد التخلص من كميات مهولة من
الأغذية بإلقائها في البحار حمافظة على ارتفاع الأسعار، إلى جانب ما يلقى من أغذية
للكلاب وللقطط بما يكفي حاجة مئات من ملايين البشر إضافية لهو التعبير عن إفلاس
الفلسفة المادية التي يقوم عليها النظام العالمي السائـد كما تعبير عن مدى الخلل
في النظام الاقتصادي والأخلاقي السائد، بما يفرض إعادة النظر في هذا النظام فلسفة
وأخلاقا واقتصادا. قال تعالى
بعض المراجع:
البيان العالمي لحقوق
الإنسان في الإسلام، باريز1981
التونسي، خير الدين، أقوم
المسالك في معرفة أحوال الممالك، الدار التونسية للنشر، 1972
عثمان، فتحي، اصول الفكر
السياسي الإسلامي، بيروت. مؤسسة الرسالة، ط 1984
العيلي، عبد الحكيم حسن،
الحريات العامة في الإسلام.
الشاطبي، أبو اسحاق،
الموافقات في اصول الشريعة ،.بيروت، دار
المعرفة،ج2، ص5
ابن عاشور، الشيخ محمد
الطاهر، مقاصد الشريعة الإسلامية، الدار التونسية للنشر
الغنوشي، راشد، الحريات
العامة في الدولة الإسلامية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت،1993.
قطب، سيد ، خصائص التصور
الإسلامي ومقوماته، دار الشروق، القاهرة
الفاسي، علال، مقاصد
الشريعة الإسلامية ومكارمها.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم