📁 آخر الأخبار
مفهوم القانون الدستوري

مفهوم القانون الدستوري



            

   
                                                        السنة الأولى : علوم قانونية و إدارية (حقوق)


                                              
? من إعداد الطلبة:
                                                                                 تحت إشراف الأستاذ:
* دوارة نصر الدين
* بسبــاس كلـثوم                                                  * مساهل مخلوف


  
                             

 

الموضوع: مفهوم القانون الدستوري


                                      الـخــطـة

         المقدمة
         المبحث الأول :
                            تعريف القانون الدستوري أهميته وهدفه
         المطلب الأول:
                   تعريف القانون الدستوري
         المطلب الثاني :
                   أهمية القانون الدستوري
         المطلب الثالث :
                   هدف القانون  الدستوري
         المبحث الثاني :
                            علاقة القانون الدستوري بالقوانين الأخرى وطبيعته وقواعد مصادره
         المطلب الأول:
                   علاقة القانون الدستوري بالقوانين الأخرى
         المطلب الثاني :
                   طبيعة قواعد القانون الدستوري
         المطلب الثالث :
                   مصادر القانون الدستوري
         الخــاتـمة





المقدمة :


         الإنسان اجتماعي بطبيعته لا يستطيع أن يعايش ظروف الحياة بمفرده ، وإنما يجب أن ينخرط ضمن جماعة من الناس ، وهذا ما يستتبع بالضرورة دخول الإنسان الفرد مع الجماعة التي يعيش فيها ومعها في علاقات ومعاملات عديدة يستطيع من خلالها إشباع حاجاته .
إلا أن قيام مثل هذه العلاقات بين الإنسان الفرد مع الجماعة وأفرادها، يؤدي إلى قيام التعارض بين مصلحته كفرد، ومصلحة الآخرين هذا التعارض من شأنه أن يخلق الفوضى والإضطراب في المجتمع.ومن ثم كان من الواجب وضع تنظيم للعلاقات التي يجريها الإنسان الفرد مع غيره، وذلك رغبة في إيجاد نوع من التوازن بين المصالح المعارضة ، وتنظيم هذه العلاقات لا يكون إلا من خلال وضع القواعد القانونية الملزمة لتحديد حقوق الأفراد قبل الجماعة التي يعيشون فيها وقبل بعضهم البعض ، وكذا تحديد الواجبات التي تلقى على كاهل كل واحد منهم لصالح الجماعة أو لصالح الأفراد الآخرين، ولتحديد ضوابط سلوك كل فرد في علاقته مع الجماعة أو أفرادها ، مع فرض الصفة الإلزامية للقواعد حتى يتعين على الأفراد احترامها والخضوع لها .
ومن هذا تبدو الحاجة الماسة للقانون فهو الذي يقيم التوازن بين مصالح الأفراد المعارضة أو التوفيق بينها ، مما يؤدي إلى الإستقرار في المجتمع وعدم الإضطراب في السلوك الاجتماعي للإنسان كل ذلك يؤدي إلى صدق هذا القول، أن لا إنسان اجتماعي بدون جماعة، ولا جماعة مستقرة ومنظمة بدون قانون .



تعـريف القانـون :
للقانون مدلولات عديدة ومتنوعة فقد يقصد بالقانون كل قاعدة مطردة مستقرة ، يفهم منها نتائج معينة وهذا هو المقصود العام للقانون، وهو لفظ يستعمل في المجالات المختلفة ، العلمية والرياضية ، والاقتصادية ، والاجتماعية كأن يقال قانون (الطفو) أو قانون (الجاذبية) أو قانون (العرض والطلب) إلخ.
         وقد يقصد بالقانون بمجموعة القواعد القانونية التي تصدرها السلطة التشريعية، يقصد تنظيم مسألة معينة مثالها ، قانون الوظيفة العامة ، الذي يبين كيفية تعيين الموظف وترقيته ، وعزله وإحالته إلى التقاعد ، أو قانون تنظيم الجامعات أو المحاماة .
         وقد يقصد بالقانون كذلك لتدليل على فرع  معين من فروع القانون، فيقال على سبيل المثال القانون المدني ،أو القانون التجاري ،أو قانون تنظيم الجامعات ، أو المحاماة.
و قد يقصد بالقانون أخيرا ، بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع ، و التي يتعين عليهم الخضوع لها و لو جبرا اذا اقتضى الأمر ذلك .
         في الواقع أننا لا يمكن إعتماد المدلول الأول للقانون ، على أساس أن هذا المدلول لا ينطبق إلا على الظواهر الطبيعية كما رأينا عند وضعه ، و الأمر كذلك ، بالنسبة للمدلول الثاني على أساس أن التشريع الذي تضعه السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة ليس إلا مصدر من مصادر القانون ، مع أن للقانون مصادر عديدة كما و أن لا يعرف بمصادره التي يستقي منها قواعده 

المطلب الأول :
تعريف القانون الدستوري :
و هو مجموعة القواعد التي تحدد طبيعة نظام الحكم في الدولة ، و تبين السلطات العامة فيها و اختصاص كل منها و علاقاتها مع بعضها البعض، كما تبين حقوق الأفراد السياسية و ما يجب لحرياتهم من ضمانات .
         و يعتبر القانون الدستوري في طليعة فروع القانون العام الداخلي فهو أساس كل تنظيم في الدولة ، حيث يضع الأسس التي تقوم عليها الدولة ، وعلى هذا فإنه لا يجوز مخالفة هذا القانون بقانون آخر يصدر داخل الدولة ، لأن كل القوانين الأخرى أقل منه في المرتبة .

المطلب الثاني :
أهمية القانون الدستوري
         إذا كانت الدولة تهتم بالتوفيق بين الحرية و المصلحة العامة فإن مهمة القانون الدستوري هي تنظم التعايش السلمي بين السلطة و الحرية في إطار الدولة و هذا لن يأتي إلا بالتوفيق بين فردية الإنسان و أنانيته التي تبين حقوق الفرد و حرياته وواجبات الدولة إتجاه الجماعة حتى أن الأستاذ (بريلو) يقول بأن القانون الدستوري أداة السلطة أو تقنية السلطة . فالقانون الدستوري حسب وجهة نظره هو ظاهرة السلطة العامة في مظاهرها القانونية .


المطلب الثالث
الهدف من القانون الدستوري

المسائل التي ينظمها القانون الدستوري :
من التعريف السابق للقانون الدستوري ، يتبين أن المسائل التي ينظمها و يعتني في تحديد أحكامها هي :
أولا:- يبين نظام الدولة السياسي ، ملكية أم  جمهورية ، ديمقراطية أم دكتاتورية نيابية أم غير نيابية ، بسيطة أم اتحادية إلخ
ثانيا :- يبين السلطات العامة في الدولة السلطة القضائية السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية و يبين الهيئات التي تباشرها فالسلطة القضائية تقوم بها المحاكم و المجالس القضائية على نطاق الولايات في الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ، و المجلس الأعلى الذي يقوم مقام محكمة النقض و مركزه الجزائر العاصمة أمالا السلطة التشريعية فيقوم بها المجلس الوطني الشعبي أما السلطة التنفيذية فيقوم بها رئيس الجمهورية و يعاونه في ذلك الوزراء كما يبين القانون الدستوري في هذا الخصوص علاقات السلطة العامة بعضها مع بعض ، و يبين ما إذا كانت هذه السلطات منفصلة عن بعضها أم أن لكل سلطة منها الحق بالتدخل في نشاط السلطتين الأخيرتين و ما حدود هذا التدخل .
ثالثا : - و يحدد القانون الدستوري حقوق الأفراد في الدولة و كما يقرر الحريات التي يتمتع بها كل فرد، و ترجع هذه الحقوق و هذه الحريات إلى حقين جوهريين الحرية و المساواة فالحرية تشمل الحرية في التملك ، الدين و العقيدة ، السكن،  و الحرية الشخصية، و التعليم ، أما المساواة فهي تتضمن المساواة في الحقوق و الواجبات ، أي المساواة في ما تخوله الدولة من  مزايا و تكاليف كالمساواة في تولي الوظائف العامة وواجب أداء الخدمة الوطنية أو أداء الضرائب .
أنواع الدساتير :
تنقسم الدساتير من حيث المصدر الذي تخرج منه ، إلى قسمين :
القسم الأول : عندما يكون الدستور منحة من الحاكم أو السلطات إلى شعبه ، ينزل فيه عن بعض سلطاته للشعب ، و القسم الثاني عندما يصدر الدستور عن الشعب ، أي يكون الشعب هو مصدر الدستور ، وهذا هو ما تم بالنسبة للدستور الجمهورية الجزائرية الشعبية الجديد عندما طرح للإستفتاء على الدستور.
و تنقسم الدساتير كذلك من حيث قوة أحكامها وأماكن تعديلها إلى دساتير مرنة و دساتير غير مرنة و تسمى بالدساتير الجامدة . و الدساتير المرنة هي الدساتير التي يجوز تعديل أحكامها بقانون عادي ، و مثال ذلك الدستور الإنجليزي ، حيث يمكن تعديل أي حكم فيه بقانون عادي يصره البرلمان أما الدساتير الجامدة فهي التي لا يمكن تعديلها بقانون عادي و إنما لابد لتعديلها من إتخاذ إجراءات خاصة كأن يكون لرئيس الجمهورية أو البرلمان طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور .
المبحث الثاني :
المعاني المختلفة للدستور :
يتفق أغلب الفقه على أن القانون هو ذلك الموضوع الذي ينظم العلاقات الاجتماعية بين الأفراد من أجل ضمان العدالة بينهم ، ومن المعروف أن القانون ينقسم إلى قسمين : القانون الخاص privé  والقانون العام أو العمومي public  .
3
 
فالقانون الخاص ينظم العلاقات الخاصة بين الأفراد كعلاقات البائع مع المشتري والمؤجر مع المستأجر ، أما القانون العام فهو الذي ينظم العلاقات التي يمكن أن تقوم بين أحد الأشخاص المعنوية العمومية Personnes  morales  publiques   وأحد الأشخاص الخاصة الطبيعيين أو الأشخاص المعنوية العمومية (شخص واحد أو أكثر) ومن الأمثلة على هذه التصرفات قيام الدولة بنزع ملكية شخص من أجل تحقيق منفعة عامة أو تعاقدها مع مقاول للقيام بأشغال لصالحها، أو توريد أشياء لها مقابل مبلغ معين، أو نقل ملكية من شخص إلى آخر كما هو الشأن بالنسبة لنقل طريق مملوك للولاية أو البلدية إلى الدولة أو العكس. ومن بين فروع القانون العام الدستوري الذي يحدد شكل النظام السياسي للدولة والذي يجد أهم قواعده في الدستور الذي يحمل معاني مختلفة لغوية وسياسية وقانونية
1-المعنى اللغوي :
         نعتقد مع جميع الفقهاء العرب أن عبارة " دستور" ليست عربية وأن معناها هو القانون الأساسي، غير أن هذا الإصطلاح العربي اختلف بشأنه، فنجد بعض الدول قد استعملته للدلالة على معنى الدستور كالعراق مثلا في دستور 1925 وإيران في دستور 1979 في حين أن البعض الآخر يستعمله للدلالة على قوانين لا تصل إلى مرتبة الدستور، ولكنها تعد أساسية بإعتبارها تتضمن مبادئ عامة تتناولها بالشرح أو التفسير قوانين أخرى ومثل ذلك القوانين الأساسية في الجزائر (القانون الأساسي العام للعامل مثلا)
والحقيقة أن مصطلح الدستور الآن في معظم الدول العربية يقابله بالفرنسي والإنجليزي مصطلح Constituion  الذي يعني التأسيس أي النظام أو القانون الأساسي ونتيجة لهذا الإختلاف يفضل استعمال اصطلاح الدستور لما يحمله من معاني السمو ومظاهر الاحترام
فالدستور لغة هو اذن مجموعة القواعد الأساسية التي تبين كيفية تكوين وتنظيم الجماعة، ولا يشترط فيه أن يكون مكتوبا أو عرفيا، لذلك فان الدستور بهذا المعنى يوجد في كل جماعة، من الأسرة حتى الدولة ، وأن هذا المعنى الواسع غير محدد وغير دقيق لكونه يحتوي على معاني يمكن أن تنصرف إلى كل تنظيم يمس أية مجموعة بشرية، في حين أن المعنى الحقيقي للدستور هو الوثيقة المنظمة للدولة وشؤون الحكم .
2-المعنى السياسي والمذهب الدستوري:
         لقد تضمن إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789 شروطا معينة يجب توافرها في الدستور وتتمثل في تضمينه لحقوق الإنسان وحرياته وضمانات ممارستها إلى جانب ضرورة الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات حتى لا تتداخل اختصاصاتها و تقتضي على السلطة المطلقة و ذلك تأثرا بالمذهب الدستوري Constitutionnalisme  الداعي إلى قرار التوفيق ين السلطة و الحرية .
 و يقصد بالمذهب الدستوري تلك الحركة التي ظهرت في عصر النهضة الأوربية وحلت محل الأعراف السائدة آنذاك غير الواضحة و التي تركت مجالا واسعا للملك لممارسة السلطة التقديرية ، فظهرت الدساتير المكتوبة للحد من إطلاق السلطة و استبدادية الملوك ، و لذلك طالب الأحرار بتحديد أنماط اسناد ممارسة السلطة السياسية بموجب نص واضح دفعا لأي إطلاقا للسلطة ، ومن ثمة فالدستور في مفهومه الشكلي يتعارض مع التعسف ، لأنه يحدد دولة القانون التي يمكن أن يكون فيها سواء ما هو مطابق للقواعد التي يضعها ذلك الدستور .
         و المعلوم أن المذهب الدستوري يجد مصدره في فكرة العقد المعارضة لاطلاق السلطة و التي ظهرت بوادر  لها في القرن 16 و سيطرت في القرن 18 والتي دفعت إلى إنشاء المجتمع المدني في قالب عقد بين مختلف الأطراف بعيدا عن تأثير العوامل الدينية، وأعتبر الدستور شكلا قيدا على السلطة المطلقة للملوك، وبالتطور أصبح لأغلب الدول دستور في مفهومه الشكلي إلا أن الممارسة السياسية لم تكن في كل الأحوال متماشية مع الدستور وهو ما تسبب في اختلال بين النصوص الدستورية والممارسات السياسية، وإن كان هذا الاختلال ليس من ذات الطبيعة الواحدة والدرجة والأثر في كل الأنظمة .
ومن هنا فإن أي نظام لاسيما إذا كان رسميا، مثلما هو في الدستور، كان دائما له معنى اجتماعي لكونه تعبيرا عن علاقات قوى موجودة ضمن نظام سياسي في مرحلة معينة، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كانت كل قاعدة دستورية تحمل في طياتها فكرتها المضادة بالمفهوم الهيغلي أو الماركسي، ذلك أنه وإن كانت الحرية مقررة دستوريا إلا أنها عمليا صعبة التحقيق وسهلة التقييد وحتى الإلغاء الوقتي لا سيما من حيث تنظيمها قانونا، وعليه فإن التفسير التناقضي السالف الذكر يعني رفض النظرة المنسجمة للمذهب الدستوري .
        
4
 
والمؤكد أن الطبقة البورجوازية استعملت المذهب الدستوري لتقييد السلطة المطلقة واعتبرت نفسها المعبر عن رأي واردة الشعب في مواجهة تلك السلطة، وهي الفكرة التي تبنتها طبقات مختلفة كالمجاهدين، والجيش والبورجوازية في الدول النامية حيث اعتبرت نفسها هي الشعب والمعبر الحقيقي الوحيد عن الشعب ودفع بها ذلك الموقف إلى اعتبار أن كل ما يخالف وجهة نظرها ومصلحتها، ولو كان ذلك واردا من الشعب يعتبر مرفوضا يجب محاربته ورفضه، وهو ما يطرح تساؤلا في هذه الأنظمة حول ماإذا الدستور في النهاية هو أداة للدعاية داخليا وخارجيا للنظام عما هو قائم، الأمر الذي قد يؤدي إلى أن يصبح الدستور يحمل معنى شعاريا أكثر من كونه ذو معنى اجتماعي سياسي، ومهما يكن من رأي حول المذهب الدستوري ونتائج الأخذ به فإن المعنى السياسي للدستور رسميا ونظريا يقصد به تلك الوثيقة التي تتناول كيفية تنظيم السلطة السياسية في الدولة على أساس الفصل بين السلطات، وتتضمن حقوق وحريات الأفراد وضمانات ممارستها باعتبارها قيودا على سلطة الحكام عليهم احترامها وعدم الاعتداء عليها .
3-المعنى القانوني :
         من المعروف أن الأفراد في حاجة إلى قواعد قانونية تنظم العلاقات فيما بينهم، وكذلك الحال بالنسبة للدولة، فهي في حاجة إلى قواعد قانونية تنظم شؤونها وعلاقتها، وأن الحكام عندما يمارسون وظائفهم واختصاصاتهم لا يفعلون ذلك باعتبارهم يمارسون حقوقا أو امتيازات شخصية، وإنما اختصاصات أو وظائف منظمة ومحددة بقواعد دستورية تستمد منها القواعد القانونية الأخرى وجودها وشرعيتها .
ومن المعلوم أن للدستور مفهومين أحدهما شكلي والأخر موضوعي :
         المفهوم الشكلي : ويقصد بالمفهوم الشكلي مجموعة القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية، وعليه فإن المفهوم الشكلي ينحصر فيما هو وارد من أحكام في الوثيقة الدستورية، الموضوعة من طرف جهة مختصة دون أن يمد إلى غير ذلك من القواعد .
         والذي لاشك فيه أن الإعتماد على هذا المفهوم لا يتماشى والواقع لأن في ذلك انكار لوجود دساتير عرفية كدستور انجلترا فضلا عن الدساتير تتضمن بعض القواعد التي لا صلة لها بالتنظيم السياسي مثل النص في الدستور الجزائري على ان اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية، ونص الدستور الفرنسي لسنة 1848 على إلغاء عقوبة الإعدام في الجرائم السياسية، والغرض من ذلك هو كفالة ثباتها واستقرارها أكثر بالمقارنة مع القوانين العادية فتصبح بعيدة عن التأثيرات السياسية .
وبالمقابل فإن هناك قواعد دستورية بطبيعتها لاتتضمنها الوثيقة الدستورية مثل قوانين الانتخابات وقوانين تشكيل وتنظيم البرلمان ونظمها الداخلية، والأخذ بالمفهوم الشكلي يعني ابعادها من الدستور خلافا للواقع.
         المفهوم الموضوعي :أما المفهوم الموضوعي فيقصد به مجموعة القواعد التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم وطبيعة العلاقة بين السلطات واختصاصاتها، وكذلك القواعد التي تبين حقوق الأفراد وحرياتهم وضماناتها دون نظر إلى ما إذا كانت مدرجة ضمن الوثيقة الدستورية أو وثيقة قانونية أخرى مهما كان مصدرها وتدريجها في الهرم القانوني أو كانت عرفية . ونتيجة لاختلاف المفهومين فإن الفقهاء اختلفوا حول المعيار الذي يمكن الاعتماد عليه بشأن تعريف الدستور.
فمنهم من اعتمد المعيار الشكلي بحيث يسند على الوثيقة الدستورية، أي النصوص المدونة فيها والهيئة والإجراءات التي اتبعت في وضعها والمصادق عليها، ومنهم من استند على المعيار الموضوعي الذي يعتمد على جوهر نظام الحكم ومضمون الدستور .

5
 
وعليه يعرف أنصار المعيار الشكلي الدستور بأنه مجموعة القواعد التي تضعها هيئة خاصة وتتبع في ذلك إجراءات خاصة تختلف عادة عن إجراءات وضع القوانين العادية، أما أنصار المعيار الموضوعي فيعرفون الدستور بأنه مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتبين سلطتها العامة وعلاقتها ببعضها وعلاقة الأفراد بها، كما تقرر حقوق الفرد وحرياته المختلفة وضمانتها .
أما المدرسة الاشتراكية فتعرفه بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تثبت وفقا لمصالح الشغيلة النظام الاجتماعي والسياسي في الدولة وكذلك مبادئ تنظيم هيئات السلطة ونشاطها وأسس الوضع القانوني للأفراد في الدولة الاشتراكية  ويرى الدكتور نوري لطيف بأن القانون الدستوري هو مجموعة القواعد القانونية التي تثبت نظام الحكم في دولة موافقا لمصالح الطبقات والفئات الاجتماعية السائدة في ضوء فكرة قانونية معينة .
وقد رجح معظم الفقهاء التعريف الموضوعي عن التعريف الشكلي لما له من احاطة أكبر بالموضوع نظرا لأن المعيار الشكلي يعاب عليه كونه لا يشمل بعض الموضوعات ذات الصفة الدستورية، وغير المدونة مثلما ذكرنا آنفا. فضلا عن أن استناده على الدستور ونصوصه يجعلنا عاجزين على إيراد تعريف الدستور في الدول التي ليس لها دساتير مكتوبة، وأخيرا فإن التعريف الذي يستند على المعيار الشكلي لا يمكن الأخذ به في جميع الدول نظرا لاختلاف دساتيرها، وبالتالي فإن التعريف لا يكون واحد بل متعددا

         التفرقة بين القانون الدستوري وبعض الاصطلاحات الأخرى :

بجانب اصطلاح القانون الدستوري مصطلحات أخرى تشبهه، وهي قريبة منه لكنها ليس لها ذات المعنى، ونقصد بذلك الدستور والنظام الدستوري، ونظرا للتشابه اللغوي والاختلاف في المعنى بين هذه الاصطلاحات والقانون الدستوري، يتوجب علينا التميز بين مفاهيم هذه التسميات :
1-فالدستور بمفهومه الموضوعي موجود في كل الدول ولو أنه شكلا غير موجود في بعضها، لأنه لا يتصور قيام مجتمع سياسي دون دستور.
وفضلا عن ذلك فإن المفهوم الشكلي للدستور يجعل منه مصدرا من بين مصادر القانون الدستوري، وأن كان هو الذي يحتل المرتبة الأولى .
2-أما النظام الدستوري فيقصد به ذلك النظام الحر أي الحكومة الدستورية في الدولة، ولكي تكون كذلك يشترط الفقه الفرنسي لاضفاء صفة النظام السياسي على دولة معينة واعتباره نظاما دستوريا أن تكون الحكومة خاضعة لقواعد قانونية دستورية أعلى منها، لا يجوز لها التحلل منها والخروج عنها، وإنما عليها التقيد والالتزام بما هو وارد فيها من قيود وفصل بين السلطات تكون الغلبة في هذا النظام للبرلمان المنتخب من طرف الشعب.
ومن هنا فإن الحكومة الاستبدادية والمطلقة والحكومة الفعلية تتنافى وفقا لهذا الرأي مع قيام النظام السياسي لانتقاء الشروط السابق ذكرها فيها، والحقيقة أن هذا الرأي لم يعد مقبولا في عصرنا الحاضر لكونه يتنافى مع المفهوم الحديث للدستور الذي يقصد به الوثيقة المتضمنة نظام الحكم في الدولة دون نظر إلى أساس هذا النظام وشكله كما أن التعريف الشائع للقانون الدستوري باعتباره القواعد الخاصة بنظام الحكم لم يعد يهتم بشكل النظام ولا أساسه أيضا .
         نخلص مما  سبق إلى أن القانون الدستوري أوسع من النظام الدستوري وبالتالي فإن انعدام هذا الأخير في الدولة إذا أخذناه بمفهومه السابق لا يحول دون وجود القانون الدستوري، فالمرحلة الممتدة من 19 جوان 1965 إلى سنة 1976 تاريخ وضع الدستور الثاني (الدستور الأول كان في سنة 1963) لا تعني أنها مرحلة إنعدم فيها وجود القانون الدستوري أنها مرحلة تميزت بأسلوب حكم ونظام خاص معتمد على المشروعية الثورية واحترام النصوص القانونية التي وضعها النظام سواء كانت بالمواضيع التي تدخل ضمن القانون الدستوري أو غيره .

6
 
 
المبحث الثاني :
المطلب الأول :
         علاقة القانون الدستوري بالقوانين الأخرى :
يمكن القول باختصار شديد أن العلاقة بين القانون الدستوري وفروع القانون العام الأخرى تتمثل في الآتي :
لعل أهم القوانين اتصالا بالقانون الدستوري هو القانون الإداري لما لهما من علاقة وطيدة، ومع ذلك فالقانون الدستوري أسمى من القانون الإداري من جهة، حيث يقرر القواعد والمبادئ الأساسية لكل فروع القانون العام بما فيها القانون الإداري الذي يقتصر دوره على وضع هذه المبادئ والقواعد موضوع التنفيذ، ومن جهة ثانية فالقانون الدستوري يتناول نشاط الدولة السياسي، في حين أن القانون الإداري يهتم بتحديد النشاط الإداري في الدولة .
وإذا كان القانون الدستوري ينظم السلطات العامة في الدولة ويحدد الحقوق والحريات العامة للأفراد وضمانات حمايتها، فان القانون الإداري لا يهتم إلا بالوظيفة الإدارية للسلطة التنفيذية، معتمدا في ذلك على مبادئ وقواعد الدستور .
         وفيما يخص علاقة الدستور بعلم المالية، فإنها أيضا متينة بين الاثنين، ولذلك فإن علم المالية يهتم بالتشريع المالي بقصد تنظيم وإدارة أملاك الدولة، وأن كان البعض لا يسلم باستقلالية هذا العلم والقانون لاحتوائه على مجالين الأول خاص بوضع التشريع المالي أي الميزانية وهو مجال يدخل في ميدان التشريع، اما المجال الثاني فهو صرف هذه الأموال أو تحصيل الضرائب والرسوم وهو عمل إداري، وبالتالي فلا وجود لقانون مالي منفصل عن التشريع أو القانون الإداري .
وللقانون الدستوري علاقة بالقانون الجنائي، الذي هو الآخر يستمد ويستلهم أحكامه من القواعد والمبادئ الدستورية، وغايته هي حماية نظام الحكم ككل من الإعتداء عليه من قبل الأفراد أو الحكام، فيحدد الجرائم والعقوبات المقابلة لها، ولا أدل على ذلك من نص الدساتير على العديد من القواعد العامة التي يتناولها القانون الجنائي بالتفاصيل مثل قاعدة عدم جواز القبض على الأشخاص إلا طبقا لاحكام القوانين وحق الدفاع .
وهناك أيضا علاقة بين القانون الدستوري والقانون الدولي العام، نظرا لأن الأول هو الذي ينظم كيفية ابرام المعاهدات وإجراءات التمثيل في الخارج، كما يبين مدى أخذه بمبادئ أحكام القانون الدولي كميثاق الأمم المتحدة، ولا أدل على تلك العلاقة من ضمين الدساتير الحديثة أحكاما تتعلق بمدى القوة القانونية للمعاهدات الدولية التي تبرمها الدول فيما بينها، واحترام الدول وسيادتها وعدم التدخل في شؤونها واحترام حقوق الإنسان .



المطلب الثاني :
طبيعة قواعد القانون الدستوري :
اختلف الفقه بشأن مدى الزامية القواعد الدستورية، وانقسم إلى اتجاهين الأول إنجليزي بزعامة أستن Austin والثاني فرنسي بزعامة ديجي Duguit   .
1-المدرسة الإنجليزية :
         تعتمد هذه المدرسة في تحديد مدى طبيعة القواعد القانونية والزاميتها على مدى توافر عنصر الجزاء المتبدي في الإكراه الماديcontrainte matérielle   الذي تضمن السلطة العامة توقيعه بما لها من وسائل .
 7
 
ومن هنا يقول زعيم هذه النظرية الفقيه أستن أن قواعد القانون الدستوري لا تعدون أن تكون مجرد قواعد آداب مرعية تحميها جزاءات أدبية بحتة ذلك أن الحاكم لدى مخالفته لقاعدة دستورية يوصف عمله بأنه غير دستوري لكنه لا يكون مخالفا لقاعدة بالمعنى الصحيح، مما يستتبع عدم وصفه بأنه غير قانوني.
تقدير الرأي : إذا كانت هذه المدرسة قد اعتمدت في التمييز بين قواعد القانون الدستوري والقانون الدولي من جهة القانون العادي من جهة أخرى على المحاكم الذي يضفي على الأخير الصفة الإلزامية بتوقيع الجزاء على مخالفيه لما يملك من وسائل وهي المنعدمة في القانون الدستوري والقانون الدولي، فإن الذي غاب على أنصار هذه المدرسة هو أن بعض القواعد القانونية العادية لا نجد لها جزاءا ماديا يترتب على عدم احترامها، لكونها مفسرة أو أنها مجيزة لتصرف أو تصرفات معينة، مثل حق المالك في الايصاء بأمواله، كما أن هذه المدرسة لا تعير أي اهتمام للقواعد الدينية باعتبارها أساسا أو جزءا لا يتجزأ من القواعد القانونية لبعض الدول كالدول الإسلامية .

2-المدرسة الفرنسية :         
ترى هذه المدرسة بأنه ينبغي الاعتداد بالجزء المعنوي، لأن كل قاعدة تحتوي على جزاء يتمثل في رد الفعل الاجتماعي contrecoup  social على حد قول زعيم المدرسة ديجي، وبهذا فإن كل قاعدة لها جزاءها وان كان الاختلاف بين القواعد القانونية يبدو واضحا من حيث ذلك الجزاء الذي يبدأ من المعنوي المتمثل في رد الفعل الاجتماعي إلى العقاب الجسماني الذي توقعه السلطة العامة في الدولة، وعليه فإن أصحاب وأنصار هذه المدرسة يقرون بأن قواعد القانون الدستوري هي قواعد قانونية بالمعنى الصحيح .
تقدير هذا الرأي : بالنظر إلى ما وصلت إليه الأنظمة القانونية الحديثة وتطور الحكم الديمقراطي يمكن القول بأن القواعد القانونية الدستورية ينبغي ان تحترم من قبل ممارسي السلطة إذا أريد لهم أن يحترموا من قبل الشعب صاحب السيادة، فهذه القواعد تحدد كيفيات ممارسة السلطة من قبل مؤسسات الدولة والتي يحق لكل  منها ، اعتمادا على ما ورد في الدستور ، أن توقف غيرها عند حدود اختصاصاتها و سلطاتها مما يعد جزاءا يترتب على كل تجاوز للإختصاص و السلطات ، بل و قد يمتد عدم احترامها إلى حد تدخل الشعب لإجبار مؤسسة أو مؤسسات على إحترام أحكام الدستور ، و ذلك اما ردعها بالوسائل المختلفة كالضغوط و المظاهرات أو التجمهر وإجبارها على القيام بتصرف معين او الإمتناع عنه بما يثبت تراجعها والاعتراف بخطئها، بل وقد يصل ذلك إلى حد الإطاحة بها مثلما لاحظنا في مصر سنة 1952 وليبيا سنة 1969 وإيران سنة 1979 وما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية للرئيس السابق نكسون لدليل على دور الشعب في فرض احترام احكام الدستور، فقد استقال في 9 أوت  1974 نتيجة قيامة بأفعال مخالفة لأحكام الدستور، وعرفت باسم فضيحة واترقايت Watergate  .

المطلب الثالث :
         مصادر القانون الدستوري :
تعتبر المصادرات ذات أهمية بالغة في النظرية العامة للقانون لأنها منبع القواعد القانونية فالمقصود بالمصدر لغة هو المكان الذي ظهر فيه الشيء بعد أن كان خفيا، اما في موضوعنا فإن المقصود بالمصدر له عدة معان ما يهمنا منها هو المصدر الرسمي الذي يضفي على القاعدة القانونية الصفة الإلزامية والمصدر الموضوعي (أو المادي أو الحقيقي) الذي تستمد القاعدة القانونية منه مضمون خطابها أو موضوعها .
8
 
والقول بهذا يعني أن المصدر الرسمي يأتي دائما بعد المصدر الموضوعي أو المادي لأن القاعدة لا تكتسب الصفة الإلزامية إلا إذا مرت بمراحل معينة تختلف بإختلاف المجتمعات وتأثير العوامل عليها. والمتفق عليه كما سبق أن رأينا أن سلوك الأفراد يتطور بتطور المجتمع، فقد يتحول إلى عرف ثم يتحول إلى قاعدة مكتوبة بظهور الدولة. وإذا كانت الأعراف هي السائدة في الماضي كقواعد تحكم العلاقات بين الأفراد فإن تدخل الدولة قد كان عاملا مؤثرا في الإكثار من سن القوانين لتنظيم أمور المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما أستتبع تراجع العرف إلى المرتبة الثانية واحتلال التشريع للمرتبة الأولى كمصدر أول للقوانين وسوف لن نخوض في التفاصيل ونقتصر على التعرض لأهم المصادر المتمثلة في التشريع والقضاء والعرف والفقه .
1-التشريع : يقصد به النصوص القانونية المدونة والصادرة عن هيئة خاصة وفقا لإجراءات معينة وعادة ما تسمى هذه السلطة بالسلطة أو المؤسسة التشريعية على أن القواعد التشريعية هي الأخرى تخضع لمبدأ التدرج إذا كنا بصدد دستور جامد، ذلك أن تعديله يخضع لإجراءات خاصة تختلف عن تعديل التشريع العادي مما يضفي على التعديل الأول صبغة قانونية أسمى من التعديل الثاني، وعليه فإن التشريع العادي يضع للتشريع غير العادي، وقد إزادت أهمية التشريع كمصدر للقوانين نتيجة لتزايد تدخل الدولة وتعقيد نشاطها بالتالي وزيادة ارتباطها بالأفراد والجماعات والدول
هو تلك المجموعة من الأحكام التي أصدرتها المحاكم بشأن تطبيق القانون على ما يعرض عليها من منازعات .
وتنقسم أحكام القضاء إلى قسمين :
القسم الأول : وهو الذي لا يخرج عن كونه تطبقا للقانون ويسمى بالأحكام العادية.
القسم الثاني : وهو الذي يتضمن مبادئ لم يتعرض لها القانون أو تضع حدا لخلاف في القانون وتسمى الأحكام الأساسية .
وإذا قلنا بأن القضاء مصدر من مصادر القانون الدستوري، فان علينا أن نميز بين الدول ذات الدساتير العرفية كإنجلترا، والدول ذات الدساتير المكتوبة كالجزائر وفرنسا، ففي إنجلترا يعتبر القضاء مصدرا رسما لما ينشئه من سوابق قضائية بشأن القضايا المطروحة أمامه أو التي تطبق فيما بعد على القضايا المشابهة لها من طرف المحاكم ذات الدرجة الواحدة أو الأدنى منها. ومن الدول التي تأخذ بالسوابق القضائية، الولايات المتحدة الأمريكية واستراليا ونيوزلندا ، أما في فرنسا فإن القضاء كمصدر ضعيف جدا في المجال الدستوري، نظرا لأن المحاكم غير مقيدة باحكامها السابقة ولا بالأحكام التي تصدرها تلك الأعلى منها في الدرجة .
3- العــرف :
يقصد بالعرف " اتباع الناس سلوكا معينا في موضوع معين بصفة مطردة ولمدة طويلة يجعل الناس يشعرون بقوته الالزامية كالقانون المكتوب"
ويتضح مما سبق أن هناك ركنان للعرف : مادي ومعنوي .
فالركن المادي يفيد اتباع الأفراد سلوكا معينا في تصرفاتهم بصفة مطردة أما الركن المعنوي فيعني استقرار الإحساس في ضمير الجماعة بأن ذلك السلوك أصبح ملزما لهم، فبغير الاعتقاد بالزاميته لا نكون بصدد عرف بمعناه القانوني ويشترط في العرف ان يكون عاما وقديما وثابتا، وأن لا يكون مخالفا للقوانين والآداب العامة، وإذا كان العرف هو ما سبق ذكره باختصار، فإن الفقه اختلف بشأن مدى الزاميته فقد ذهب انصار المذهب الشكلي المتطرفين ومن بينهم الفقيهان الإنجليزي والفرنسي كارى دمالبرغ إلى أن العرف لا قيمة له إلا أقره التشريع او القضاء، أما المعتدلون من هذا المذهب فيعترفون له بالصفة الإلزامية ، وبالنسبة للمذهب الموضوعي فيرى أنصاره وعلى رأسهم ديجي Duguit  وجوي Guet  بأن القانون ما هو إلا تعبيرا عن ضمير الجماعة الذي يمثل العرف، ولذلك يقولون بأنه مصدر رسمي للقانون وبعد أن عرفنا قيمة العرف كمصدر للقانون نبحث الآن دوره في العرف الدستوري، لقد تأثر فقهاء القانون الدستوري بفقه القانون الخاص بشأن أركان العرف، فالركن المادي يتمثل في وجود قاعدة مستقرة ومطردة التطبيق من قبل السلطات العامة في الدولة، وهذا يعني الثبات وتوافر مدة معقولة غير أن الحقائق تثبت أن المدة لا يمكن تحديدها نظرا لظهور أعراف دستورية في مدة قصيرة مثل بعض سلطات رئيس الدولة ورئيس الوزراء في فرنسا التي نظمت بمقتضى عرف نشأ بعد الحرب العالمية الأولى في حين أن مسؤولية الوزارة في إنجلترا تقررت بعرف يعود إلى القرن الثامن عشر. أما الركن المعنوي فيشترط فيه صفة الالزام التي يردها البعض إلى الإرادة المفروضة للمشرع بينما يردها البعض الآخر إلى إرادة الجماعة المتمثلة في السلطات والأفراد. والعرف إما يكون مفسرا أو مكملا أو معدلا .

9
 
 

أ-العرف المفسر: هو الذي يهدف إلى تفسير نص من نصوص الدستور، فدوره هنا ليس انشاء أو تعديل قاعدة دستورية، وإنما يبين كيفية تطبيق قاعدة معينة غامضة إلا أن هذا التفسير يصبح جزءا من الدستور فيكتسب صفة الإلزام، ومن الأمثلة على ذلك جريان العرف أن لرئيس الجمهورية الفرنسية طبقا لدستور 1875 أن يصدر اللوائح استناد إلى المادة التي تنص على أن رئيس الجمهورية يكفل تنفيذ القوانين .
ب-العرف المكمل : هو الذي ينظم موضوعات لم يتناولها الدستور حيث يسد الفراغ الموجود في الدستور، ونظرا لكونه كذلك فانه يختلف عن العرف المفسر في كونه لا يستند على نص دستوري في ظهوره، ومثل ذلك نشوء قاعدة في فرنسا تمنع من ابرام عقد قرض عمومي إلا إذا صدر قانون يأذن بذلك، إذا كان القانون والدستور الصادران في 1815 ينصان على تلك القاعدة فإن الدساتير التي تلتها لم تنص عليها غطلاقا ومع ذلك استمر تطبيقها لإستقرارها عرفيا فغدت بذلك عرفا دستوريا مكملا ونص دستور 1875 على أن الإنتخاب يتم على أساس الإقتراع العام دون أوضاع هذا الانتخاب فكمله العرف بأن جعله على درجة واحدة
ج-العرف المعدل: يراد به تلك القواعد العرفية التي تغير بأحكام الدستور إضافة أو حذفا ومن امثلة العرف المعدل في شكل إضافة ما جرى به العمل في الاتحادات الفيديرالية من زيادة في سلطات الحكومات المركزية على حساب السلطات المحلية وأن يتولى رئاسة في لبنان ماروني والوزارة سني والبرلمان شيعي رغم ان الدستور لا ينص على طائفية في لبنان فجاء العرف بها مكملا الدستور.أما العرف المعدل في صورة حذف فمثله إمتناع رئيس الجمهورية من حل مجلس النواب في ظل دستور 1875 الذي يمنح له ذلك الحق ولم يستعمل إلا من طرف الرئيس ماكماهون سنة 1877 ثم لم يمارس ذلك الحق حتى سنة 1940 عندما أحتلت ألمانيا فرنسا فنتج عنه أن نشأة قاعدة عرفية ألغت أو حذفت نصا دستوريا والسبب في ذلك يعود إلى أن ماكماهون عندما لجأ إلى حل مجلس النواب كان هدفه الحصول على تغيير في الأغلبية إلا أن الانتخابات أدت إلى عودت الأغلبية السابقة وهي الجمهوريون فصرح بعد ذلك خلفه Grevy لأنه سينصاع إلى إدارة الأمة وانه لن يلجأ إلى حل البرلمان بعد ذلك وتبعه في ذلك سلفه مما أدى إلى نشوء ذلك العرف المعدل حذفا في النص الدستوري وكذلك حدث في سنة 1962 1969 في نفس البلد أين قدم رئيس الجمهورية مباشرة مشروعين لتعديل الدستور دون عرضهما على المجلسين لتصويت المسبق مع أن هناك نصوص صريحة خاصة بكيفية تعديل الدستور .
والحقيقة أن هذا النوع من العرف موجود ومطبق وان إنكار الصفة الدستورية عنه من جهة والاعتراف به من جهة ثانية ليس له ما يبرره وهو يتناقض والمنطق والواقع .
         4-الفـقـه : يقصد بالفقه الدراسات والبحوث التي قام او جاء بها فقهاء القانون والفقه لا يعتبر مصدرا رسميا للدستور وإنما مصدر تفسيرا يستأنس به في تفسير دستور وبيان كيفيات سنه فضلا عن قيام رجال الفقه بشرح وتبيان محاسن وعيوب هذه الدساتير كما أنه يهتم بدراسة وتحليل الأحكام القضائية لما لها من تأثير على مسار قواعد دستورية والذي لا شك فيه انه وغن كانت الآراء الفقهية غير ملزمة إلا أنها تلعب دورا هاما في تفسير النصوص القانونية وكثيرا ما يتأثر به القضاء في إصدار أحكامه أو المشرع أثناء سن القوانين والقواعد الدستورية وهو ما يكسب تلك الآراء سمعه أدبية كثيرا ما تلقى احترام من قبل المشرع الدستوري ومن ذلك روح القوانين والعقد الاجتماعي أو السياسي لكل من مونتسكيو وجان جاك وروسو وجون لوك .

        
10
 


أساليب نشأة الدساتير ونهايتها :
تنشأ الدساتير وتنتهي بأساليب مختلفة ومتعددة وقبل تعرض لأساليب نشأتها ونهايتها يتوجب علينا بحث أسباب نشأة الدساتير والتطور الذي عرفته بفعل تزايد مهام الدولة .
أسباب والدوافع الأساسية لوضع الدستور :
إن انهيار الحكم الملكي المطلق بعد ثورات الأوربية وسيطرت البورجوازية على السلطة إلى جانب ظهور فكرة القومية وانحصار الاستعمار كانت من الأسباب والدوافع الرئيسية في دسترة أنظمة الحكم وكان غرض شعوب الأنظمة إثبات سيادتها داخلية واستغلا ليتها وذلك بواسطة تنظيم الحياة السياسية بوضع دستور يبن السلطات وعلاقاتها في دولة الجديدة وعلاقاتها بالمحكومين والدول الأخرى وأن هذه الدول بوضع دستور تؤهل نفسها لإقامة حوار بين السلطة والحرية فكأنها تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة النضج السياسي ولها الحق في الانضمام للمجتمع الدولي لأنها إن طالبت بذلك .

الخاتمة :

يسري القانون القديم على كل الآثار التي تترتب على المراكز القانونية التي نشأت في ظله ، و لا يسري القانون الجديد و لو صدر معدلا من هذه الآثار ، و إلا أعتبر ذلك سريانا على الماضي فلو كان القانون القديم يجعل انتقال ملكية العقار بمجرد انعقاد العقد ثم صدر بعد أن أبرم عقد البيع قانون جديد يجعل انتقال ملكية العقار مرهونا بإجراءات تسجيل ، ففي هذه الحالة يضل القانون القديم هو الذي يسري على العقد و انتقال العقار دون القانون الجديد .
أما إذا تحقق الآثار القانونية التي يرتبها أحد المراكز القانونية يحتاج إلى وقت طويل، فنفرق بين أثار ترتبت في ظل القانون القديم وهي تظل خاضعة لأحكامه وبين أثار لم تترتب بعد إلا بعد صدور القانون الجديد فتخضع له، فمثلا لو وقع طلاق في ظل القانون القديم، ثم صدر قانون جديد يعدل من النفقة أو الحضانة فإن ما تم في ظل القانون القديم يظل يخضع له، وما تم في نطاق القانون الجديد يخضع له .
ويستثني أصحاب النظرية الحديثة من مبدأ عدم رجعية القوانين الاستثنائيين الآتيين بحث يسمح فيهما تطبيق القوانين الجديدة بأثر فورى على الوقائع والمراكز القانونية التي تمت في ظل القانون القديم وهما: إذا نص القانون الجديد على رجعيته بصراحة النص، وفي حالة صدور قوانين تفسيرية لما صدر من قوانين في ظل القانون القديم، وبهذا تكون النظرية الحديثة، قد تشابهت بهذين الاستثنائيين  على مبدأ عدم رجعية القوانين ، بينما لا تأخذ النظرية الحديثة بالاستثنائيين الآخرين التي قالت بهما النظرية التقليدية والمتعلقين ، بالقوانين الجنائية الأصلح للمتهم لأن تطبيقهم على الماضي لا يكون وفقا لمبدأ عدم رجعية القوانين ، وإنما وفقا للأثر المباشر للقانون الجديد ، أما القوانين المتعلقة بالنظام العام فلا يكفي لكونها كذلك، أن تنطبق بأثر رجعي ، لأن ذلك من شأنه أن يهدر الحريات ويبعث في المعاملات الاضطراب .


المراجع :

1-     سعيد بوشعير- القانون الدستوري والنظم السياسية والمقارنة

الجزء الأول  - النظرية العامة للدولة والدستور

ديوان المطبوعات الجامعية . 04 / 1999
الساحة المركزية بن عكنون الجزائر رقم النشر 4391 02 4
الايداع القانوني : 146 161
2-     خليل احمد حسن قدادة
شرح النظرية العامة للقانون في القانون الجزائري
ديوان المطبوعات الجامعية 03 2002
رقم النشر 1731 02-4
رقم ر. د . م . ك (I.S.B.N) : 5 . 0529 . 0 . 9961 .
رقم الايـداع القانون 868 / 2001 
تعليقات