القائمة الرئيسية

الصفحات



الظروف المخففة وتقدير العقوبة

  الظروف المخففة وتقدير العقوبة


المدرســــــــــــة العليــــــــــــــــا للقضـــــــــــــــــــــاء
                                                       
الدفعـــــــــة السابعــــــة عشـــــر                     
من إعـــداد الطلبـــــة القضـــــاة :
* لعور محمد .
* قزقوز نبيل .
* قشطولي خالد . 

السنة الأكاديمية: 2006/ 2007            
                 تحت إشراف الأستاذ  :   صاولي سليم  


خطـــــــة البحــــــث 

مقدمة

المبحث الأول: مجال تطبيق الظروف المخففة

المطلب الأول: تطبيقها على الجرائم
المطلب الثاني: تطبيقها على الجناة

المبحث الثاني: آثار منح الظروف المخففة

المطلب الأول: في مواد الجنايات
المطلب الثاني: في مواد الجنح و المخالفات

الخاتمة

المقدمــــــــــــة :
  
     يعتبر الأمر رقم : 60/529 الصادر بتاريخ 04/06/1960 الذي عرفه قانون العقوبات الفرنسي لعام 1810 , وهو آخر أمر الذي خفض الحد الأدنى الذي يمكن أن ينزل به القضاة أثناء تطبيقهم للظروف المخففة .
     ولقد سمحت كل القوانين و التعديلات بتخفيض شدة القوانين التي أصبحت جسيمة جدا نظرا لتطور الأخلاق وكذا تطبيقا لمبدأ انسانية العقوبة مع اعتبار الدوافع عند تطبيق العقوبة , وسمح ذلك بتخفيض مسؤولية المجنون نصفيا بالرغم من سكوت نص القانون .
     غير أنه يؤخذ على التوسع في تطبيق الظروف المخففة بأنها أدت الى كثرة العقوبات القصيرة  بالحبس , و التي بامكانها اضعاف القمع ضد الجرائم . 

     ولدراسة موضوع الظروف المخففة ارتأينا أن تقسم الخطة الى مبحثين , نتناول في الأول مجال تطبيق الظروف المخففة في كل من الجرائم و العقوبات . ونتناول في المبحث الثاني آثار الظروف المخففة في كل من الجنايات , الجنح , و المخالفات .


 ا لمبحث الأول: مجال تطبيق الظروف المخففة:

       يعرف هذا النظام ليونة و شمولية قلما نجدها في باقي الأنظمة التي جاء بها التشريع الجزائري,  حيث تطبق الظروف المخففة على كافة الجرائم سواء كانت جنايات, جنح أو مخالفات.
      يجوز تطبيق الظروف المخففة على كافة الجناة سواء كانوا مواطنين جزائريين بالغين أو قصر, مبتدئين أو عائدين.
      يجوز لكل جهات الحكم منح الظروف المخففة سواء كانت من القانون العام أو استثنائية ( كالمحاكم العسكرية مثلا ).

المطلب الأول: تطبيق الظروف المخففة على الجرائم:

      تطبق الظروف المخففة على كافة الجرائم, غير أن هذه القاعدة ليست مطلقة حيث استبعد المشرع صراحة تطبيق الظروف المخففة في بعض المواد و فرض قيودا على تطبيقها في مواد أخرى كما استبعدها القضاء في حالات معينة .
      وهكذا استبعد المشرع صراحة منح الظروف المخففة بالنسبة للغرامة و المصادرة الجبائيتين المقررتين جزاءا للجرائم الجمركية ( المادة 281 من قانون الجمارك  ) و الضريبية ( المادة 303 الفقرة 04  من قانون الضرائب غير المباشرة و المادة 548 من قانون الضرائب غير المباشرة ) على أساس أن مثل هذه الجزاءات تختلط فيها العقوبة بالتعويض , كما استبعدها صراحة أيضا في جرائم المخدرات في حالات معينة أوردتها المادة 26 من القانون رقم 04-18 المؤرخ في 25-12-  2004 المتعلق بالمخدرات و المؤثرات العقلية و هي :
    - إذا استخدم الجاني العنف أو الأسلحة.
    - إذا كان الجاني يمارس وظيفة عمومية وارتكب الجريمة أثناء تأدية وظيفته. ويتعلق الأمر أساسا بأعوان الشرطة و الدرك الوطني و أعوان الجمارك .
    - إذا ارتكب الجريمة ممتهن في الصحة ( كالصيدلي ) , أو شخص مكلف بمكافحة المخدرات أو استعمالها .
    - إذا تسببت المخدرات أو المؤثرات العقلية المسلمة في وفاة شخص أو عدة أشخاص, أو إحداث عاهة مستديمة.
    - إذا أضاف الجاني للمخدرات مواد من شأنها أن تزيد في خطورتها.

      ويثار التساؤل بخصوص الغرامة المقررة جزاءا لجريمة الصرف اثر تعديل الأمر رقم : 96-22 المؤرخ في 09-07-1996 بموجب الأمر رقم : 03-01 المؤرخ في 19-02-2003 , حيث نصت المادة الأولى مكرر المستحدثة على غرامة لا يمكن أن تقل عن ضعف قيمة محل الجريمة , تكون جزاءا للجريمة المرتكبة من قبل الشخص الطبيعي .
   و نصت المادة الخامسة في صياغتها الجديدة على غرامة لا يمكن أن تقل على أربعة أضعاف قيمة محل الجريمة, تكون جزاءا للجريمة المرتكبة من قبل الشخص المعنوي . و المؤكد في غياب نص صريح أن نية المشرع هي استبعاد تطبيق الظروف المخففة, مع الإشارة إلى أن تخفيف الغرامة كان جائزا قبل تعديل الأمر رقم:96-22 السالف الذكر.
   في حين لا يثار مثل ذا التساؤل بالنسبة لجرائم المنافسة, فليس ثمة ما يمنع تخفيض عقوبة الغرامة المقررة جزاءا لها  سواء في الأمر رقم: 95-06 المؤرخ في 25-01-1995 الملغى , أو في القانون الجديد المؤرخ في 23-06-2004 حل محله .
   و قد يلجأ المشرع إلى فرض قيود على تطبيق الظروف المخففة كما فعل في القانون المؤرخ في 25-12-2004 المتعلق بالمخدرات و المؤثرات العقلية , حيث حددت المادة 28 في كل الأحوال حدا أدنى للعقوبة لا يجوز النزول عنه عند تطبيق الظروف المخففة بنصها على أن العقوبات المقررة لجرائم المخدرات و المؤثرات العقلية غير قابلة للتخفيف حسب الشكل التالي :


   - 20 سنة سجنا عندما تكون العقوبة المقررة هي السجن المؤبد .
   - ثلثا ( 2\3 ) العقوبة المقررة في كل الحالات الأخرى.
وهو نفس المسلك الذي سلكه المشرع في قانون العقوبات في المادة 87 مكرر8 منه التي حددت في مجال الجرائم الإرهابية حدا أدنى للعقوبة لا يجوز النزول إلى أدنى منه و هو:
   - 20 سنة سجنا عندما تكون العقوبة المقررة قانونا هي السجن المؤبد.
   - نصف العقوبة عندما تكون العقوبة المقررة هي السجن المؤقت .
ومن جهته استبعد القضاء تطبيق الظروف المخففة بالنسبة للغرامة المقررة جزاءا لجريمة إصدار شيك بدون رصيد أو برصيد غير كاف , حيث استقر قضاء المحكمة العليا في هذا الخصوص إلى عدم جواز التخفيض لقيمة الغرامة .

المطلب الثاني: تطبيقها على الجناة:

     يمكن النطق بالظروف المخففة متى توافرت على جميع أنواع المجرمين سواء كانوا مبتدئين أو عائدين , فالقاضي باستطاعته تطبيق العقوبة إلى ما دون الحد الأدنى المنصوص عليه في القانون , وعلى خلاف الأعذار المخففة التي هي قانونية فان الظروف المخففة مصدرها القضاء إذ لم يحددها القانون و هي متروكة للتمعن الحر للقاضي حيث يكفي للقاضي أن يعاين وجود الظروف المخففة دون أن يكون ملزما بتبيينها .
   وقد قام القضاء بالتخفيف من مبدأ استعارة الجريمة فهو لا يعاقب دائما الشركاء و الفاعلين الأصليين بالعقوبات نفسها , فالمساواة في العقوبات ينص عليها القانون و لا يمنع ذلك المحاكم من أن تجعل العقوبات مختلفة فيما بينها تبعا لأخطاء كل من الشركاء و الفاعلين الأصليين دون الخروج من الحدود المنصوص عليها في القانون , فالقضاة باستطاعتهم النطق بالحد الأدنى للعقوبة في مواجهة الشريك وبالحد الأقصى في مواجهة الفاعل الأصلي أو بالعكس , وهذا تطبيقا للظروف المخففة المتصلة بكل واحد منهما . إذ نجد المادة 44 الفقرة 02 من قانون العقوبات تنص على أنه لا تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها التشديد أو التخفيف أو الإعفاء من العقوبة إلا بالنسبة للفاعل أو الشريك الذي تتصل به تلك الظروف .
   كما تنص المادة 44 الفقرة 03 من قانون العقوبات على أنه يترتب التخفيف أو التشديد من العقوبة الموقعة على الفاعل الأصلي أو الشريك على الظروف الموضوعية اللاحقة بالجريمة المؤدية إلى ذلك بحسب ما إذا كان يعلم بها أو يجهلها .
   و مثال ظروف التخفيف الشخصية نجد موانع العقاب كحالة الجنون أو حالة الضرورة , ومثال ظروف التخفيف الموضوعية أن يحرض شخصا معينا شخصا آخر على ارتكاب جريمة السرقة البسيطة ولكن يقوم الفاعل الأصلي بارتكاب جريمة السرقة الموصوفة , فان الفاعل الأصلي تشدد في مواجهته العقوبة لكونه ارتكب جناية في حين تخفف عقوبة المحرض لكونه حرض على ارتكاب جنحة السرقة البسيطة .



المبحث الثاني: آثار منح الظروف المخففة:

     يميز المشرع من حيث آثار منح الظروف المخففة بين الجنايات و الجنح على النحو التالي:

المطلب الأول: في مواد الجنايات:
     تختلف آثار منح الظروف المخففة بحسب العقوبة المقررة قانونا :
  - إذا كانت العقوبة المقررة قانونا هي الإعدام يجوز لجهات الحكم عند منح الظروف المخففة للمتهم النزول بالعقوبة إلى 10 سنوات سجن.
  - إذا كانت العقوبة المقررة قانونا هي السجن المؤقت ( من 05 إلى 20 سنة ) يجوز لجهة الحكم عند منحها الظروف المخففة للمتهم النزول بالعقوبة إلى 03 سنوات.
  - وفي كل الأحوال يجوز لجهات الحكم أن تحكم على الجاني علاوة على عقوبة الحبس المخفضة بغرامة لا تتجاوز 100000 دج فضلا عن حرمانه من الحقوق الوطنية ومنعه من الإقامة .

المطلب الثاني: في مواد الجنح و المخالفات:
     أ – في مواد الجنح :
   تختلف آثار منح الظروف المخففة بحسب طبيعة الجريمة و العقوبة المقررة قانونا :
  - بالنسبة لجنحة الاختلاس المرتكبة من قبل موظف أو من في حكمه المنصوص عليه في المادة 119 الفقرة الأولى , والمعاقب عليها بالحبس من سنة إلى خمسة سنوات : يجوز لجهة الحكم عند منحها الظروف المخففة للمتهم النزول بالعقوبة إلى سنة واحدة حبس .
  - بالنسبة لباقي الجنح يجوز لجهة الحكم عند منحها الظروف المخففة للمتهم النزول بعقوبة الحبس إلى يوم واحد و الغرامة إلى 05 دج , ويجوز الحكم بإحداهما كما يجوز استبدال الحبس بغرامة لا تقل عن 20 دج والعقوبات المقررة للجنح ليست على صورة واحدة وإنما هي على عدة صور وهي عموما أربعة , فما أثر تطبيق الظروف المخففة على كل منها ؟ .

1 – فقد تكون العقوبة المقررة هي الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين : كما هو الحال بالنسبة لجنح العصيان البسيط ( المادة 184 الشطر الأول ) و القذف ( المادة 298 ) و السب ( المادة 298 مكرر – 299) , إتلاف أو فض رسالة موجهة إلى الغير ( المادة 303 ) من قانون العقوبات : للقاضي في مثل هذه الحالات أن يقضي إما بالعقوبتين معا أو بإحداهما , وفي الفرضين يجوز للقاضي أن يخفض عقوبة الحبس إلى يوم واحد , والغرامة إلى 05 دج . بل ويجوز له أيضا ما إذا قضى بالعقوبتين معا لأن يستبدل عقوبة الحبس بالغرامة على ألا تقل في هذه الحالة عن 20 دج . وقد أشارت الفقرة الثالثة من المادة 53 صراحة إلى هذه الصور .
     و هكذا ففي جنحة القذف مثلا المنصوص و المعاقب عليها في المادة 298 فقرة 01 بالحبس من 05 أيام إلى 06 أشهر و بغرامة من 5000 إلى 50000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين , يكون أمام القاضي خمس خيارات :
   - إما الحكم بالحبس ليوم واحد و بغرامة قدرها 05 دج .
   - إما الحكم بالحبس وحده ليوم واحد.
   - إما الحكم بغرامة وحدها قدرها 05 دج .
   - إما الحكم بغرامة قدرها 20 دج تحل محل الحبس .
   - و إما الحكم  بغرامة قدرها20 دج تحل محل الحبس و غرامة قدرها 05 دج .
2 – وقد تكون العقوبة المقررة هي الحبس و الغرامة متلازمتين:
      كما هو الحال في غالبية الجنح كالضرب و الجرح العمد و السرقة  و خيانة الأمانة و النصب , ولم يشير المشرع الجزائري صراحة إلى هذه الصور ومن ثمة علينا بتطبيق القاعدة العامة التي وردت في الفقرتين الثالثة و الرابعة من المادة 53 السالفة الذكر , و هذا يؤدي بنا إلى القول بتطابق هذه الصورة مع سابقتها , أي بجواز الحكم بإحدى العقوبتين و ما يترتب عن ذلك من نتائج سبق لنا إيضاحها . وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في إحدى قراراتها حيث قضت بجواز الحكم بإحدى العقوبتين فقط حتى و إن كانت العقوبة المقررة هي الحبس و الغرامة . وهذا ما استقرت عليه أيضا محكمة النقض الفرنسية التي قضت في عدة مناسبات بجواز الحكم بعقوبة واحدة في حالة تطبيق الظروف المخففة.
   وهكذا ففي جنحة السرقة البسيطة مثلا المنصوص و المعاقب عليها في المادة 350 من قانون العقوبات  بالحبس من سنة إلى 05 سنوات و بغرامة من 500 إلى 20000 دج  يكون أمام القاضي خمس خيارات إذا قرر إفادة الجاني بالظروف المخففة إلى الحد الأدنى الذي يسمح به القانون : - فإما الحكم بالحبس ليوم واحد وبغرامة قدرها 05 دج .
  - وإما بالحبس وحده ليوم واحد .
  - وإما بغرامة وحدها قدرها 05 دج .
  - وإما بغرامة قدرها 20 دج تحل محل الحبس .
  - وإما بغرامة قدرها 20 دج تحل محل الحبس و غرامة قدرها 05 دج .
غير أن المحكمة العليا أصدرت مؤخرا قرارا ذهبت فيه مذهبا مغايرا لما سبق لها أن قضت به , و مؤداه أنه إذا كانت العقوبة المقررة هي الحبس و الغرامة وجب الحكم بالعقوبتين معا حتى ولو استفاد الجاني من الظروف المخففة  .
و تبعا لذلك نقضت المحكمة العليا قرار المجلس الذي قضى بإدانة متهم بجنحة الضرب و الجرح العمد بالسلاح الأبيض و حكم عليه بعامين حبس دون الحكم عليه بالغرامة معللة قرارها على أن المادة 266 من قانون العقوبات التي أدين المتهم على أساسها تنص على عقوبة الحبس من شهرين الى خمس سنوات وغرامة من 500 إلى 10000 دج.

3 – وقد تكون العقوبة المقررة هي الحبس وحده : كما هو الحال في جنحة التجمهر ( المادة 98 الفقرة 01 ) وكسر الأختام الموضوعة بأمر من السلطة العمومية وتخريب أو تشويه أو تدنيس المصحف الشريف أو العلم الوطني ( المادة 160 مكرر ) : وهي الصورة التي أشارت إليها الفقرة الأخيرة من المادة 53  , فيكون القاضي مخير في هذه الحالة بين الحكم على الجاني بعقوبة الحبس ليوم واحد , و بين استبدال عقوبة الحبس بالغرامة , وإذا فعل يجوز للقاضي أن يحكم على الجاني بغرامة تتراوح ما بين 20 دج كحد أدنى و 30000 دج كحد أقصى .

4 – وقد تكون العقوبة المقررة هي الغرامة وحدها : كما هو الحال بالنسبة لجنح تجاوز رجال الإدارة لحدود صلاحيتهم , و عقوبتها غرامة من 500 إلى 3000 دج ( المادة 118 من ق ع ) و ممارسة بعض المهام قبل تأدية اليمين و عقوبتها غرامة من 500 إلى 1000 دج ( المادة 141 ) و الإخلال بنظم الجودة و الصنف و النوعية المتعلقة بالمنتجات المعدة للتصدير وعقوبتها من 500 إلى 20000 دج  ( المادة 170 ق ع ) , وهذه الصورة لم تنص عليها المادة 53 صراحة  ومن ثمة يتعين تضييق القواعد العامة المقررة للظروف المخففة في الفقرة الثالثة من المادة 53 ذاتها , وبمقتضاها يجوز الحكم على الجاني بغرامة قدرها 05 دج .



ب – في مواد المخالفات :
     لم يميز المشرع الجزائري بالنسبة لتطبيق الظروف المخففة بين الجنح و المخالفات , بحيث تطبق على هذه الأخيرة القواعد ذاتها المقررة للجنح سواء تعلق الأمر بالصورة التي تكون فيها العقوبة المقررة هي الحبس أو الغرامة , أو التي تكون فيها الحبس وحده أو الغرامة وحدها .
     أما الصورة التي تكون فيها العقوبتان مقررتان معا فهي غير واردة في مجال المخالفات.
     و في كل الأحوال سواء تعلق الأمر بالجنح أو بالمخالفات و سواء كانت العقوبة المقررة لها هي الحبس و/ أو الغرامة يثور التساؤل حول مقدار العقوبة التي يتعين الحكم بها حال تطبيق الظروف المخففة.
   استقر القضاء الفرنسي في هذا الشأن على أن تطبيق الظروف المخففة يكون بالحكم على الجاني بعقوبة تقل عن الحد الأقصى المقرر قانونا  و هكذا فلوا طبقنا هذه القاعدة في القانون الجزائري على جنحة السرقة البسيطة المنصوص و المعاقب عليها في المادة 350 من قانون العقوبات بالحبس من سنة إلى 05 سنوات , يكفي احكم على المتهم بأربع سنوات حبس حتى تكون المحكمة قد أسعفته بالظروف المخففة .
   و قد تأيد هذا القضاء في فرنسا بصدور قانون العقوبات الجديد الذي تخلى عن نظام الظروف المخففة اثر تخليه عن تحديد الحد الأدنى للعقوبات.   مما يمكن صلاحية تطبيقه في الجزائر نظرا لتطابق التشريعين , ومرد هذا التأييد إلى الاعتبارات التالية :
1 – كون تطبيق الظروف المخففة  أمرا جوازيا و ليس حقا للمتهم , بل إن المحكمة غير ملزمة حتى بالرد على طلب المتهم إفادته بها .
2 – كون المادة 53 من ق ع الجزائري نصت في حالة تطبيق الظروف المخففة  على تخفيض العقوبات المقررة قانونا , وكلمة التخفيض تصدف على النزول بالعقوبة ولو ليوم واحد عن حدها الأقصى .
3 – تم لنا فيما نصت عليه المادة 53 ق ع , بالنسبة لجنحة الاختلاس المنصوص و المعاقب عليها في المادة 119 الفقرة الأولى من ق ع , الحبس من سنة إلى 05 سنوات مثالا يمكن الاقتداء به أو الاستناد إليه  , حيث أجازت المادة 53 المذكورة حال تطبيق الظروف المخففة تخفيض العقوبة المقررة في المادة 119-01 إلى مدة سنة واحدة وهو الحد الأدنى للعقوبة المقررة قانونا , بمعنى أن تطبيق الظروف المخففة لا تقتضي بالضرورة تخفيض العقوبة إلى أقل من الحد الأدنى المقرر قانونا .
     غير أن المحكمة العليا أصدرت مؤخرا قرارا ذهبت فيه مذهبا مغايرا , حيث قضت بأن تطبيق الظروف المخففة يقتضي النزول بالعقوبة إلى ما دون الحد الأدنى المقرر قانونا .
     و تبعا لذلك نقضت المحكمة العليا في القرار المشار إليه سابقا قرارا قضى على متهم , بعد إفادته بالظروف المخففة بعامين حبس من أجل جنحة الضرب و الجرح العمد بالسلاح الأبيض و هو الفعل المنصوص و المعاقب عليه في المادة 266 ق ع  , بالحبس من شهرين إلى 05 سنوات وبغرامة من 500 إلى 10000 دج , معللة قرارها على أساس أن القرار المطعون فيه لم ينزل بالعقوبة إلى ما دون الحد الأدنى المقرر جزاءا للجنحة المذكورة وهو شهرين حبس .



و كخلاصة لموضوعنا:                                                                                                          فقد استقر القضاء الفرنسي على أنه في حالة اقتران الظروف المخففة بعذر صغر السن المخفف يتعين تطبيق أولا الظروف المخففة ثم بعدها عذر صغر السن , أي أن هذا العذر يطبق على أساس العقوبة المتحصل عليها بعد منح الجاني الظروف المخففة . وهذه القاعدة تصلح أيضا بالنسبة لعذر الاستفزاز .
   و إن كنا نجهل موقف القضاء الجزائري من المسألة نظرا لعدم عثورنا على أحكام أو قرارات في هذا الشأن , فان ما توصل إليه القضاء الفرنسي يصلح عندنا اعتبارا لتقارب النظامين القانونيين البلدين .
     ومع ذلك فان قاعدة تطبيق الظروف المخففة تغنينا عن تطبيق عذر صغر السن أو عذر الاستفزاز , وهكذا فلوا طبقنا الظروف المخففة إلى حدها الأدنى عملا بأحكام المادة 53 من ق ع , لنزلنا بعقوبة الحبس إلى يوم واحد , ولوا طبقنا على هذه العقوبة عذر صغر السن على سبيل المثال لأصبحت عقوبة الحبس نصف يوم واحد أمرا غير معقول .
     وقضي كذلك في فرنسا أنه في حالة العود يتعين أولا تحديد العقوبة المقررة بتطبيق العود و بعدها تطبق الظروف المخففة ,  أي أن هذه الظروف تطبق على أساس العقوبة المتحصل عليها بعد تطبيق العود .           

تعليقات