إشكاليَّات تنفيذ الأحكام القضائيَّـة وكيفيّـة حلّـها
إشكاليَّات تنفيذ الأحكام القضائيَّـة وكيفيّـة حلّـها
مداخلة جمع مضمونها ونسّقه
القاضي جان داود فهـد
الندوة العلميّة للمركز العربي للبحوث القانونية
والقضائية
27
- 26/7/2010
تمهيد
لا يجوز
للدائن، عند رفض المدين تنفيذ الدين رضاءً، ان يقوم باقتضاء هذا الدين بنفسه، لما
قد يلحق من الظلم بالدائن إذا أساء التقدير أو من المذلّة في ثورة غضبه، وقد لا
يُفلح في اقتضاء حقه منه.
كما أن
المجتمعات المتحضّرة، المنتظمة تحت حكم القانون، لا يمكنها أن تسوغ للشخص اللجوء
إلى استيفاء حقّه بنفسه، بل أنها تعتبر أن الشخص الذي يقوم باستيفاء حقه تحكمًا
يرتكب جرمًا يعاقب عليه جزائيًا. وهذا ما نصّ عليه قانون العقوبات اللبناني في
المادة 429.
فيجب على
الدائن، إذًا، لأجل استيفاء حقّه بالرغم من رفض المدين، أن يستعين بالسلطة المختصة
التي تتخذ الاجراءات اللازمة لضمان التنفيذ. وهذه السلطة، في لبنان، هي دائرة
التنفيذ التي تتألف من رئيس لها، هو قاضٍ عدلي، ومن موظف أو أكثر يباشرون عمليًا
معاملات التنفيذ. وهي مرتبطة بمحاكم الدرجة الأولى (المادة 827 أصول محاكمات
مدنية).
وقد قيل :
تُربح الدعوى مرتين، مرة أمام محاكم الموضوع، ومرة أمام دوائر التنفيذ.
وعلى هذا
الأساس نصّت المادة 828 من قانون أصول المحاكمات المدنية الجديد على أنه "تتولّى
دائرة التنفيذ تنفيذ الأحكام والقرارات والأوامر الصادرة عن المحاكم على اختلاف
أنواعها والمتضمّنة إلزامات يستوجب تنفيذها إتخاذ تدابير على الأموال أو الأشخاص،
والاسناد الرسمية وسائر الأسناد التي أجاز القانون تنفيذها، وتقرير الحجوز
الاحتياطية وذلك مع مراعاة أحكام القوانين التي تولي مثل هذه المهام لمراجع
أخرى".
"فيما
يتعلق بالأحكام الصادرة عن المحاكم الجزائية يقتصر التنفيذ على الحقوق
الشخصية".
"إذا كان الحكم نافذاً على أصله جاز تنفيذه إما بواسطة قلم المحكمة التي أصدرته وإما بواسطة دائرة التنفيذ".
يتبين من
هذا النصّ أنه يجعل من دائرة التنفيذ، التي هي فرع من جهة القضاء المدني، المرجع
العام والأساسي لتنفيذ الأحكام والقرارات والأوامر الصادرة عن المحاكم على اختلاف
أنواعها، ولتنفيذ الأسناد الرسمية وسائر الأسناد التي أجاز القانون تنفيذها. وان
مداخلتنا سوف تقتصر على إشكاليات تنفيذ الأحكام والقرارات والأوامر، دون الأسناد.
والمعني بالأحكام التي تنفّذها، جميع الأحكام التي تفصل المنازعات، أي تلك التي
يعطيها القانون الجديد في المادة 553 منه تسمية الأحكام النهائية، سواءً فصلت في
أصل النزاع كما هو محدّد في المادة 365 من القانون أم فصلت في جهة من جهات النزاع
أو في دفع أو دفاع متعلّق به وكانت نهائية بالنسبة إلى ما فصلت فيه. وفي الحالين
يجري تنفيذ الأحكام النهائية بواسطة دائرة التنفيذ.
غير إنّ
الأحكام النهائية الفاصلة في جهة أو دفع أو دفاع لا تنفّذ إلاّ إذا كانت معجلة
التنفيذ.
ولكلمة
"القرارات" مدى واسع يشمل كلّ ما أعطاه قانون أصول المحاكمات المدنية
الجديد تسمية القرار. من ذلك مثلاً: القرارات التمهيدية (المادة 554) والقرارات
المؤقتة (المادة 555) وقرارات قاضي الأمور المستعجلة (المادة 583) والقرارات
الرجائية (المادة 594 وما يليها) والقرارات الاستئنافية (المادتان 657 و667)
والقرارات التمييزية (المادة 729) والقرارات الصادرة في الدعوى المقامة على الدولة
بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال القضاة العدليّين (المادة 757) والقرارات الصادرة
بإعطاء الصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية (المادة 805) وللأحكام والسندات
الأجنبيّة (المادتان 1013 و1023).
فتتولّى
دائرة التنفيذ تنفيذ كلّ القرارات المعدّدة أعلاه مبدئيًا، وضمن الشروط القانونية
التي سيجري إيضاحها لاحقًـا، باستثناء القرارات التمهيديّة. فالقرار التمهيدي يصدر
قبل الفصل في الأساس ويتناول أحد تدابير التحقيق أو الإثبات ويُنفّذ بواسطة
المحكمة التي أصدرته.
وقد
استعمل القانون في هذه المادة كلمة "القرارات" قاصدًا التعميم الذي يمكن
أن يطال كل قرار قابل للتنفيذ بواسطة دائرة التنفيذ. وهكذا فعل بشأن كلمة
"الأحكام".
ومن
الملاحظ أنّ القانون خلط أحيانًا بين لفظ "حكـم" ولفظ "قـرار"
لدى حديثه مثلاً عن آثار الأحكام في المادة 552 وما يليها. وقد جاء في هذه المادة
على وجه خاص أن الحكم يكون قضائيًا إذا صدر في منازعة قائمة بين خصوم ورجائيًا إذا
صدر بدون أية منازعة قائمة.
وقد لحظت
المادة 828 أ.م.م. أيضًا تنفيذ "الأوامر". ولمعرفة المقصود
"بالأوامر" يقتضي الرجوع إلى المادة 604 وما يليها من القانون حيث جرى
الكلام على الأوامر على العرائض التي هي قرارات مؤقتة تصدر بدون خصومة في الحالات
التي يصح فيها إصدار الأمر بدون دعوة الخصم وسماعه.
إنّ
المحاكم المعنيّة في هذه المادة والمشار اليها بعبارة "المحاكم على اختلاف
أنواعها" هي أيضًا ذات مدلول شامل. وقد تحدّثت المادة 81 من القانون الجديد
عن الاختصاص الوظيفي معتبرة أنه يتحدد بموجب القوانين والأنظمة بالنسبة إلى الجهات
القضائية المختلفة كالقضاء المدني والقضاء الإداري والقضاء المذهبي أو الشرعي.
وتصحّ هذه المادة منطلقاً لتبيان أنواع المحاكم التي تُنفّذ أحكامها بواسطة دائرة
التنفيذ.
والمحاكم
المعنيّة هي أيضاً المحاكم على اختلاف درجاتها. فرئيس دائرة التنفيذ يُنفّذ كل حكم
صار قابلاً للتنفيذ مهما علت درجة المحكمة التي أصدرته.
في طليعة
هذه المحاكم يأتي القضاء المدني الذي سمّته المادة 81 من القانون. وقد عنى النص
بالفعل القضاء العدلي الذي يشمل المحاكم المدنية العادية، والخاصة (كمجلس العمل
التحكيمي واللجان التحكيمية المنشأة بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 7/77 والملغاة
بموجب القانون 20/82 المعدّل بالقانون 22/83)، والمحاكم الجزائية.
فتتولّى
دائرة التنفيذ تنفيذ ما يصدر عن المحاكم المدنية مع مراعاة الشروط القانونية
الخاصّة بأنواع الأحكام والقرارات والأوامر.
وهي
تنفّذ الأحكام الصادرة عن المحاكم الجزائية في شقّها المتعلّق بالحقوق الشخصية، أي
بالتعويضات عن الأضرار الناتجة عن الجرائم وفقاً لنص المادتين 5 و6 من قانون أصول
المحاكمات الجزائية. أمّا إنفاذ الأحكام الجزائية المبرمة الصادرة عن محاكم
الجنايات والاستئناف والتمييز لجهة دعوى الحق العام، فيقوم به المدعي العام لدى
المحكمة التي أصدرت الحكم، ويقوم القاضي المنفرد الجزائي بإنفاذ الأحكام الصادرة
عنه، وفقاً للمادة 404 أصول محاكمات جزائية.
وبالنسبة
إلى المحاكم الإدارية، تجدر الاشارة إلى نص المادتين 123 و126 من نظام مجلس شورى
الدولة. فالمادة 123 تنصّ على أن "دائرة اجراء بيروت تؤمّن تنفيذ القرارات
الصادرة عن مجلس شورى الدولة بحق الافراد والتي لا تجيز القوانين تنفيذها بالصورة
الادارية". وفي هذه المادة تأكيد للمبدأ المرسوم أعلاه. إن هذا التنفيذ
يتم عملياً بواسطة موظف ملحق بهيئة القضايا في وزارة العدل وتحت إشراف رئيس دائرة
التنفيذ. أما المادة 126 فتنصّ على تقديم
طلبات تنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس شورى الدولة بحق السلطة الإدارية إلى رئيس
مجلس شورى الدولة التي يحيلها بلا إبطاء مع النسخة الصالحة للتنفيذ إلى المراجع
المختصة لإجراء المقتضى.
ولكن نصّ
المادة 126 لا ينفي صلاحية دائرة التنفيذ لتنفيذ الأحكام الصادرة بوجه الدولة عن
المحاكم الأخرى، مع مراعاة شروط التنفيذ ضد الدولة، وفي طليعتها عدم جواز حجز
اموالها (المادة 860 من القانون الجديد) او عدم جواز اتخاذ تدابير قسرية ضدها
عملاً بالمبادىء العامة، متى كان من شأن هذه التدابير شلّ المصالح العامة.
وبالنسبة
إلى المحاكم المذهبية والشرعية، هنالك قوانين تولي دائرة التنفيذ مهمة تنفيذ
الأحكام والقرارات المذهبية والشرعية، لن نتطرّق إليها في دراستنا الراهنة لعدم
شمولها لها.
ولقد
ذكرت المادة 828 الأحكام والقرارات والأوامر الصادرة عن المحاكم دون حصرها
بالمحاكم الوطنية، مما يجعل تنفيذها جائزًا حتى ولو كانت صادرة عن محاكم أجنبيّة.
ولهذا التنفيذ شروط، وهو متوقّف بشكل خاص على المعاهدات المعقودة بين لبنان وبعض
الدول الأجنبيّة، وعلى القواعد المنصوص عليها في المادة 1009 وما يليها من قانون
أصول المحاكمات المدنية، تلك القواعد التي تنظّم طريقة تنفيذ الأحكام الأجنبية.
وتُقبل
القرارات التحكيمية الصادرة وفق قواعد التحكيم في القانون الداخلي والقرارات
التحكيمية الصادرة في الخارج أو في تحكيم دولي التنفيذ أمام دائرة التنفيذ. ولكنّ
ذلك مشروط بإعطائها الصيغة التنفيذية. ويتم هذا الأمر وفقاً لأحكام المادة 795 وما
يليها من القانون الجديد بالنسبة إلى الأولى وأحكام المادة 814 وما يليها بالنسبة
إلى الثانية. ويُلاحظ أنه لدى إعطائها الصيغة التنفيذية بقرار صادر عن المرجع
القضائي اللبناني المختصّ تصبح مشمولة بمفهوم القرارات، وهو مفهوم واسع كما
أسلفنا.
وإنّ ما
يهمّ هو مضمون الأحكام والقرارات والاوامر المذكورة في هذه المادة، وقابليتها
للتنفيذ بواسطة دائرة التنفيذ. إذ لا يُنفّذ عن طريق دائرة التنفيذ إلاّ الذي تضمن
منها إلزامًا ما يستوجب تنفيذه إتخاذ تدابير على الأموال أو الأشخاص. فالأحكام
التمهيدية وقرارات القرينة تنفّذها المحكمة التي أصدرتها.
ويتمثّل
الإلزام بإنفاذ موجب معيّن إيجابي أو سلبي. أما التدابير على الأموال فنذكر منها
الحجوز جميعًا، وأما التدابير على الأشخاص فنذكر منها الحبس الإكراهي.
وثمّة
أحكام وقرارات لا تتضمن إلزامًا يستوجب تنفيذه إتخاذ تدابير على الأموال أو على
الأشخاص. هذه الفئة لا تُنفّذ بواسطة دائرة التنفيذ. من ذلك: قرار ثبوت الوفاة
وحصر الإرث، والقرار القاضي بتعيين وصي أو قيّم على القاصر، والقرار القاضي بإعلان
صحة توقيع مدرج على سند.
أمّا إذا
كان جائزًا الطعن بهذه القرارات بالطريقة النزاعية، فالقرار الصادر بنتيجة الطعن
ينفّذ بواسطة دائرة التنفيذ. مثال ذلك: القرار الصادر بعد الاعتراض على قرار حصر
إرث.
الحكم النافذ على أصله
ولقد
لحظت المادة 828 آنفة الذكر، في فقرتها الأخيرة، أن الحكم النافذ على أصله يُنفّذ
إما بواسطة قلم المحكمة التي أصدرته وإما بواسطة دائرة التنفيذ.
يكون
التنفيذ على الأصل إما بقوة القانون وإما لأن الحكم نصّ عليه.
في هذه
الحالة يُعطى المحكوم له الخيار بين تنفيذ الحكم عبر قلم المحكمة مصدّرته أو دائرة
التنفيذ الصالحة لتنفيذه. وإذا كان قلم المحكمة قد أُعطي صلاحية تنفيذ هذا النوع
من الأحكام، فللضرورة الملحّة ولأن الأصل موجود بحوزته.
الأحكـام والقرارات والأوامر القضائية كأسنـاد تنفيذية
إن
الأحكام والقرارات والأوامر القضائية وقرارات المحكمين هي، بالتالي، أسناد تنفيذية
تصلح للتنفيذ الجبري شرط أن تكون قابلة للتنفيذ، وفق ما لحظته المادة 835 أ.م.م.؛
ولكي تكون قابلة للتنفيذ الجبري يجب أن تكون لها الصفة القطعية كما حدّدتها المادة 553،
مع مراعاة أحكام التنفيذ المعجّل الذي يُكسِب الحكم القوة التنفيذية ولو لم يُحرِز
الصفة القطعية (تراجع المادتان 836 و546 أ.م.م.) ويكون الحكم النهائي قطعيًا عندما
لا يكون أو لم يعد قابلاً للطعن بطرق الطعن العادية (المادة 553 أ.م.م. فقرتها
الثانية).
مشــاكل التنفيــذ
قد تنشأ
عن معاملات التنفيذ بما فيها معاملات تنفيذ الأحكام مسائل تسمّى مشاكل تنفيذ،
فيدخل أمر الفصل فيها ضمن اختصاص رئيس دائرة التنفيذ بسلطته القضائية، وفق ما
سنبيّنه لاحقاً.
ولتحديد
معنى مشاكل التنفيذ بشكل عام يمكن الاستئناس بما ورد في الأسباب الموجبة للمشروع
السابق لقانون أصول المحاكمات المدنية. فقد قال المشروع أنه "قد تعترض سير
معاملة التنفيذ عقبات توجب توقيفها أو إبطالها أو تعديل إجراءاتها" (المشروع،
النشرة القضائية، 1975، العدد التاسع، ص 1043). فالمشكلة التنفيذية تتمثل في
الدعوى الرامية إلى حلّ هذه العقبات التي يتأتّى عن حلّها اعتبار التنفيذ صحيحًا
أو باطلاً، وجائزًا أو غير جائز، وممكن الاستمرار أو واجب الإيقاف. هذا مع التنويه
بأنّها تُثار من قبل أطراف التنفيذ أو من قِبَل الغير.
(راجع
استئناسًا: يوسف جبران، طرق الاحتياط والتنفيذ، منشورات عويدات، ص 226 – 227).
ولقد
تعاقبت النصوص القانونية بشأنها.
وسوف
نكتفي بالعرض للقانون الوضعي الحالي.
نصّت المادة 829 من
قانون أصول المحاكمات المدنية الجديد على ما يلي:
"... يختص (رئيس دائرة التنفيذ) دون غيره بالفصل في
أساس المشاكل المتعلقة بإجراءات التنفيذ ويتخذ قراراته بشأنها على وجه السرعة.
"ولرئيس دائرة التنفيذ أن يقرّر، وفق الأصول المتبعة في
القضايا المستعجلة، وقف التنفيذ وتكليف مقدّم المشكلة غير المتعلقة بالإجراءات
مراجعة محكمة الموضوع ضمن مهلة يحدّدها له تحت طائلة متابعة التنفيذ في حال عدم
تقديم المراجعة في خلال المهلة...".
ونصّت
المادة 87 منه على ما يلي:
"يتولى القاضي المنفرد بوصفه رئيسًا لدائرة التنفيذ
أمور التنفيذ وينظر في أساس المشاكل المتعلقة بإجراءات التنفيذ، اما المشاكل غير
المتعلقة بهذه الإجراءات فله أن يتخذ بشأنها التدابير المؤقتة وفق الأصول المتبعة
لدى قضاء الامور المستعجلة".
إنَّ
هاتين المادتين متلازمتان ومتكاملتان، وأن تكن المادة 87 وردت في إطار الحديث عن
الاختصاص النوعي للمحاكم، بينما وردت المادة 829 في إطار اختصاص دائرة التنفيذ
الداخل في نطاق الاختصاص النوعي.
يتبيّن
من النصّين المتقدمين أن المشترع في القانون الجديد أراد التفريق بين نوعين من
مشاكل التنفيذ: الأول يتعلق بإجراءات التنفيذ، والثاني لا يتعلق بالإجراءات بل
بالسند التنفيذي وما يشتمل عليه من حقوق يرمي التنفيذ إلى اقتضائها. وقد خوّل
القانون رئيس دائرة التنفيذ، بالنسبة للنوع الأول، سلطة الفصل في أساس المشكلة
حاصرًا هذا الاختصاص به، أما بالنسبة إلى النوع الثاني فلم يخوّله سوى سلطة النظر
في المشكلة وفق الأصول المتبعة في القضايا المستعجلة، واتخاذ القرار بوقف التنفيذ
مؤقتًا إذا بدت له المشكلة جدية وتكليف مقدّمها مراجعة محكمة الموضوع ضمن مهلة
يحدّدها له، حتى إذا لم يفعل تابع التنفيذ، أو اتخاذ القرار برد المشكلة وبمتابعة
التنفيذ إذا بدت له المنازعة غير جدية.
وسنعمد
إلى بحث القواعد التي أتى بها قانون أصول المحاكمات المدنية الجديد بشأن الفصل في
مشاكل التنفيذ، عارضين تباعاً: (1) المشاكل المتعلقة بإجراءات التنفيذ. (2)
المشاكل غير المتعلقة بإجراءات التنفيذ.
أولاً: المشاكل المتعلقة بإجراءات التنفيذ
أ – التعريف بها – أهم الحالات التي تثار فيها:
إن
المشكلة المتعلقة بإجراءات التنفيذ بالذات تعرّف بأنها منازعة ناشئة عن عيب يشوب
هذه الإجراءات سواءً أكان هذا العيب عيباً في الشكل أم عيباً موضوعياً يعتري أحد
الإجراءات أو بعضها، ويؤدي إلى بطلانها لدى توافر الشروط المقررة في المادتين 59
و60 من قانون أصول المحاكمات المدنية، ودون أن يمس ذلك السند التنفيذي بحد ذاته أو
الحق المثبت فيه. ذلك إن إجراءات التنفيذ تعامل كإجراءات المحاكمة عند فحص العيوب
التي تشوبها والتي يترتب عليها البطلان، وهي تندرج ضمن "الأعمال
الإجرائية" الواردة في نص المادة 52 أ.م.م. مما يستوجب إعمال هذا النص في صدد
المشكلة الناشئة عنها وكذلك القواعد الواردة في النصوص التالية له.
ونورد،
فيما يلي، بعض الأمثلة على العيوب والمخالفات التي تتأسس عليها المشاكل المتعلقة
بإجراءات التنفيذ والتي نستمد معظمها من أحكام القضاء:
ـ العيوب والمخالفات
التي تشوب الإنذار التنفيذي (او الإجرائي): كما إذا جاء مخالفاً
لمضمون الحكم أو السند الجاري تنفيذه، كأن يتضمن تكليفاً بدفع مبلغ يفوق المبلغ
الوارد في الحكم أو السند، أو بدفع فوائد غير مقررة في هذا الحكم أو السند، أو
أيضاً إذا خلا الإنذار من ذكر بيانات جوهرية، كإسم وهوية طالب التنفيذ، واسم دائرة
التنفيذ التي أرسلت الإنذار مثلاً.
ـ العيوب التي تشوب
التبليغات من حيث مخالفتها للأصول المقرّرة قانوناً: كعدم ذكر التاريخ الذي
حصل فيه التبليغ والذي يبدأ منه سريان مهلة التنفيذ الإختياري (م. 838 أ.م.م.) أو
الاعتراض على التنفيذ (م. 850 أ.م.م.)؛ وعدم ذكر اسم وهوية المبلّغ إليه،
أو عدم ذكر صفة من تبلّغ الأوراق عن شخص قاصر
أي صفته كولي أو وصي؛ وعدم ذكر ماهية الورقة الجاري تبليغها، وإسم وصفة من سلّمت
إليه لا سيما عندما يجري التبليغ في مقام الشخص المقصود به إلى أحد الأفراد
المقيمين معه أو العاملين لديه لتبيان أنه بلغ الثامنة عشرة من عمره وأن مصلحته لا
تتعارض مع مصلحة المقصود بالتبليغ (م. 400 أ.م.م.).
ـ العيوب والمخالفات
الواقعة في دفتر الشروط وفي الاعلانات وفي الطرح بالمزاد العلني: كما إذا تضمن
دفتر الشروط ذكر عقارات غير الواقع عليها الحجز، أو ذكرت في الإعلانات عقارات غير
الواردة في دفتر الشروط، أو ذكر فيها بدل للطرح مختلف عما هو وارد في هذا الدفتر،
أو أغفل نشر الإعلان في الصحف أو أغفل لصقه في بعض الأماكن المعينة في المادة 970
أ.م.م.، أو إذا أغفل المباشر في جلسة المزايدة المناداة مردداً وصف المبيع وثمن
الطرح، أو إذا اشترك شخص في المزايدة بصفته وكيلاً عن آخر واشترى العقار دون أن
تكون وكالته تخوله هذا الشراء.
ـ عيوب ناشئة عن حجز
أموال غير قابلة للحجز: إن الحجز الذي يتناول أموالاً يمنع القانون حجزها (م.
860 أ.م.م.) يقع باطلاً، ويقضى بهذا البطلان بقرار من رئيس دائرة التنفيذ عن طريق
مشكلة تنفيذية ترفع إليه من الفريق ذي المصلحة. وعلى ذلك فقد قضي ببطلان الحجز
الوارد على أموال دولة أجنبية حتى لو كان الحجز احتياطياً، وأيضاً الحجز الوارد
على أموال الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العامة كالمصالح العامة المستقلة ومنها
"مصلحة الكهرباء" وغيرها من المؤسسات العامة ذات الطابع الصناعي
والتجاري؛ كما اعتبر ممنوعاً حجز الدين الذي يؤلف مؤونة لسند تجاري قيد
التداول، وحجز تعويضات
الصرف من الخدمة لموظفي القطاع العام ومعاشات تقاعدهم إلا إذا كان الحجز من أجل
دين للدولة أو نفقة طعام مثبتة بحكم ولغاية النصف فقط من التعويض أو المعاش.
وفي هذه الحالة يتناول الطعن الإجراء بحد ذاته لا السند التنفيذي
أو الحق الذي يكرّسه. وإذا كان الحجز قد أُلقي فيعتبر التنفيذ تاماً لهذه الجهة
ويصبح النظر في الطعن بالاختصاص من صلاحية (اختصاص) محكمة الموضوع.
ـ تقرير الحجز التنفيذي بالرغم من وقف التنفيذ
بقوة القانون أو بمقتضى قرار من المرجع المختص.
ـ العيب الناشىء عن
اتخاذ رئيس دائرة التنفيذ قراراً بالتنفيذ خلافاً لقواعد الاختصاص الوظيفي أو
النوعي أو المكاني الإلزامي: كما إذا اتخذ قراراً بتنفيذ حكم صادر عن مجلس شورى
الدولة ضد الإدارة العامة والذي ينفذ بالطريقة الإدارية ويخرج بالتالي عن الاختصاص
الوظيفي لرئيس دائرة التنفيذ؛ أو إذا اتخذ قراراً بالتنفيذ على سفينة محجوزة
وببيعها بينما تختص في إصدار هذا القرار المحكمة المدنية في مكان الحجز (م.80 ق.
تجارة بحرية)، وحيث يكون قد خالف بالتالي قواعد الاختصاص النوعي؛ أو إذا اتخذ
قراراً بتنفيذ حكم يعود الاختصاص المكاني بتنفيذه لدائرة أخرى وفقاً للمادة 830
أ.م.م. مخالفاًَ بذلك قاعدة اختصاص مكاني إلزامي. ففي الحالات المتقدم ذكرها التي
يعتبر فيها عيب الاختصاص ماساً بقواعد إلزامية متعلقة بالنظام العام، فإنه يشكل
أساساً لمشكلة تنفيذية ترمي إلى إبطال قرار التنفيذ، وهي تقدم الى رئيس دائرة
التنفيذ الذي يختص وحده في الفصل بأساسها وفقاً للمادة 829 أ.م.م.
ب – اختصاص رئيس دائرة التنفيذ بالفصل في أساس المشكلة:
أقرّت
المادتان 87 و829 أ.م.م. لرئيس دائرة التنفيذ اختصاص الفصل في أساس المشاكل
المتعلقة بإجراءات التنفيذ، وحصرت المادة 829 هذا الاختصاص به وحده دون سواه.
ومؤدى ذلك أن رئيس دائرة التنفيذ ينظر في المشكلة التنفيذية المتعلقة بالإجراءات
كمحكمة أساس، فيصدر بشأنها حكماً نهائياً مكتسباً حجية القضية المحكوم بها،
وخاضعاً بالطبع لطرق الطعن القانونية.
فيكون
المشترع قد أكد إذاً الاختصاص الحصري لرئيس دائرة التنفيذ للفصل في أساس المشاكل
المتعلقة بإجراءات التنفيذ، بنص خاص صريح، مستبعداً بذلك اختصاص محاكم الموضوع
للنظر في هذه المشاكل.
وفي حالة
الحكم النافذ على أصله، إذا تم اختيار التنفيذ بواسطة قلم المحكمة تبقى المشكلة
التنفيذية، بالرغم من حصول التنفيذ بواسطة قلم المحكمة، من صلاحية رئيس دائرة
التنفيذ، لأن اختصاص هذا الأخير للنظر بالمشكلة هو اختصاص نوعي، كما سيلي بيانه.
ولفهم
السبب الذي حدا المشترع إلى إعطاء رئيس دائرة التنفيذ هذا الحق، وإلى حصره به، فإنّ
إجراءات التنفيذ تتم أمامه وتحت إشرافه، مما يجعله أولى من غيره للفصل فيها لمصلحة
المعاملة وتسهيلاً لمسار التنفيذ.
ومن ثم
فإن اختصاص رئيس دائرة التنفيذ المنوه به يتصف بالاختصاص النوعي كما يتبين من نص
المادة 87 أ.م.م. الذي يقرر هذا الاختصاص للقاضي المنفرد بوصفه رئيساً لدائرة
التنفيذ، وهو يندرج في الفصل الخاص بالاختصاص النوعي لمحاكم القضاء المدني.
والمقرر أن الاختصاص النوعي – على غرار الاختصاص الوظيفي والاختصاص المكاني
الإلزامي – هو من النظام العام، فيجوز الإدلاء بدفع انتقائه في جميع مراحل
المحاكمة، كما أن على القاضي أن يثيره تلقائياً (م. 53 أ.م.م.) ومن ثم إذا قدمت مشكلـة
تنفيذية تتعلق بالإجراءات أمام محكمة الموضوع، تعين
عليها إعلان عدم اختصاصها للنظر بها بالاستناد إلى نص المادة 87 أ.م.م. وكذلك
المادة 829 منه التي تحصر اختصاص الفصل في المشكلة المذكورة برئيس دائرة التنفيذ
دون غيره.
فيلاحظ في هذا الصدد أن
محكمة الموضوع – سواء أكانت قاضياً منفرداً أم غرفة ابتدائية – لا يمكنها، بعد
إعلان عدم اختصاصها، أن تحيل الدعوى بصورة إدارية إلى رئيس دائرة التنفيذ، بوصفه
قاضياً منفرداً، مختصاً بالفصل في أساس المنازعة، ذلك لأن المادة 91 أ.م.م. التي
تجيز مثل هذه الإحالة بين غرفة ابتدائية وقاضٍ منفرد تشترط أن يكونا تابعين لمحكمة
الدرجة الأولى نفسها التي تتألف منهما، وكذلك الأمر في حالة الإحالة من غرفة
ابتدائية الى غرفة ابتدائية أخرى او من قاضٍ منفرد إلى قاضٍ منفرد آخر. أما
الإحالة من محكمة الموضوع إلى رئيس دائرة التنفيذ فتعتبر حاصلة إلى محكمة ذات
إختصاص خاص، إذ أن دائرة التنفيذ لا تؤلف جزءاً من محكمة الدرجة الاولى وليست
تابعة لها وإن كانت مرتبطة بها، ولذا فإن تلك الإحالة لا تجوز على غرار عدم جوازها
من قاضٍ منفرد أو غرفة ابتدائية إلى قاضي الأمور المستعجلة أو إلى القاضي العقاري
مثلاً.
ولا
تؤثّر قيمة النزاع موضوع السند التنفيذي على اختصاص رئيس دائرة التنفيذ للنظر في
أساس المشكلة المتعلقة بإجراءات التنفيذ.
ويظلّ
رئيس دائرة التنفيذ مختصاً للفصل في أساس المشكلة المتعلقة بالإجراءات مهما كان
مصدر السند أو الحكم الجاري التنفيذ بمقتضاه (أحكام المحاكم العدلية والإدارية
والمذهبية...) خاصة وأن قانون أصول المحاكمات المدنية هو الذي يحدّد الشروط
اللازمة للتنفيذ.
إن رئيس
دائرة التنفيذ المختصّ مكانياً للنظر في المشكلة المتعلقة بإجراءات التنفيذ هو
القاضي الذي قرّر الإجراء. وهذا القاضي يمكن أن يكون من قُدّم إليه طلب التنفيذ أو
من استُنيب للقيام بأعمال التنفيذ.
ويكون
اختصاص رئيس الدائرة التي قُـدّم إليها الطلب مكانياً إلزامياً في ما خصّ النظر في
المشكلة، سنداً للمادة 829 معطوفة على المادة 112 من القانون.
ويُرجّح إعطاء
الطابع الإلزامي أيضاً لاختصاص رئيس الدائرة المستنابة في ما يتعلق بالإجراءات
التي يكون قد قرّرها خاصة وأن القاضي المختص عادةً للنظر في المشكلة التنفيذية
المتعلّقة بالإجراءات هو القاضي الذي قرّر الإجراء.
ج – القواعد والأصول التي تطبّق في تقديم المشكلة والنظر
فيها:
تقدم
المشكلة المتعلقة بإجراءات التنفيذ من أي من طرفي التنفيذ – أي المنفذ والمنفذ
عليه – أو أيضاً من الغير، وذلك بواسطة محامٍ (م. 378 أ.م.م.). ولا يصح تقديمها
قبل المباشرة بإجراءات التنفيذ طالما أنها تتعلق بهذه الإجراءات بالذات، وتبدأ
إجراءات التنفيذ بالطلب الذي يقدمه الدائن بتنفيذ سنده، وتتابع بإجراءات لاحقة
وفورية أهمها إبلاغ السند التنفيذي مع طلب التنفيذ إلى المدين المنفذ عليه وإنذاره
بالتنفيذ اختياراً في مهلة محددة (م.838 و850 و901 و950 أ.م.م.). وإذا انقضت هذه
المهلة دون قيام المدين بالوفاء اختياراً، يعمد إلى التنفيذ عن طريق حجز أمواله.
والمقرر
أنه منذ أن يعلم المدين المنفذ عليه بالشروع في إجراءات التنفيذ، يصبح بإمكانه
المنازعة في شأنها عن طريق رفع مشكلة تنفيذية تتعلق بهذه الإجراءات أمام رئيس
دائرة التنفيذ، ويجوز أن تتناول المشكلة عندئذٍ الإجراء الأول أي طلب التنفيذ، أو
أي إجراء لاحق كالإنذار أو غيره من إجراءات التنفيذ المتتالية.
ولا
تُسمع المشكلة إلاّ قبل إتمام التنفيذ. فإذا كان التنفيذ قد تم، لا يعود من محلّ
لسماعها إذ لا مشكلة تنفيذية حيث لا تنفيذ جارٍ.
أمّا اذا
كانت قد قدّمت قبل تمام التنفيذ الذي تمّ قبل فصلها فتمسي غير مسموعة للأسباب
عينها. خاصة وأنه ليس لها بحد ذاتها مفعول موقف للتنفيذ.
هذه
الوجهة تتعزّز إذا فهمنا السبب الذي حدا المشترع إلى الخروج على الأصول العادية في
الفقرة الأولى من المادة 829 بجعل رئيس دائرة التنفيذ يتخذ قراراته بشأن المشكلة
المتعلقة بإجراءات التنفيذ على وجه السرعة، وعلى مبدأ الوجاهية بإباحته تقرير وقف
التنفيذ ولو بدون دعوة الخصم حتى إصدار حكمه في المشكلة. فلو كان يستطيع سماع
المشكلة بعد تمام التنفيذ لما كان ثمة موجب لمخالفة مبدأي تطبيق الأصول العادية
والوجاهية.
يُعتبر
التنفيذ تاماً، على سبيل المثال، في الحالات الآتية: إبلاغ المحجوز لديه الحجز في
الحجز لدى ثالث، إلقاء الحجز على المنقول ووضع محضره بالنسبة إلى مرحلة الحجز
ذاته، إتمام البيع بالمزاد العلني بالنسبة إلى مرحلة البيع، التسليم الفعلي للعين
المحكوم بتسليمها.
وإذا كان
التنفيذ من النوع الذي يتم في مراحل متعاقبة تستقل الواحدة عن الأخرى، فالمشكلة
تُسمع بشأن المرحلة التي لم تتم وتُردّ بشأن المرحلة التي تمّت. مثال ذلك: إذا
قرّر رئيس دائرة التنفيذ إلقاء الحجز على منقول وتمّ توقيع هذا الحجز أي إلقاؤه
بالفعل، فلا يعود جائزاً الاستشكال بشأنه أمام رئيس دائرة التنفيذ. ويبقى للمحجوز
عليه تقديم مشكلة تتناول كل إجراء لاحق لم يتم بعد.
تظلّ
المشكلة التنفيذية مسموعة ما دام أن التنفيذ لم يتمّ. فلا مهلة محدّدة لها.
ويبقى
للمديون، بعد تمام التنفيذ، الحق بمراجعة محكمة الموضوع المختصة إذا شاء إبطال
التنفيذ وإجراءاته.
ليس
للمشكلة التنفيذية بحد ذاتها مفعول موقف للتنفيذ. فالتنفيذ لا يقف، لدى تقديم
المشكلة، إلاّ بقرار من رئيس دائرة التنفيذ يُتّخذ وفقاً لأحكام المادة 829.
ووقف
التنفيذ المقصود بالفقرة الاخيرة من المادة 829 هو غير وقف التنفيذ المقصود
بالفقرة الثانية منها. فوقف التنفيذ في الفقرة الأخيرة هو ذلك الذي يظلّ سارياً
حتى صدور قرار رئيس دائرة التنفيذ في الدعوى العالقة أمامه. في حين أن وقف التنفيذ
المقصود في الفقرة الثانية من المادة 829 هو ذلك الذي يظل سارياً حتى فصل المنازعة
من قبل محكمة الموضوع المختصة.
تطبّق
على القرار بوقف التنفيذ الصادر بعد دعوة الخصم الأحكام المختصة بالتدابير المؤقتة
والاحتياطية. وتطبق على القرار الصادر بدون دعوة الخصم الأحكام المختصة بالأوامر
على العرائض.
وإن
ممارسة رئيس دائرة التنفيذ للحق المعطى له بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 829
عائدة لتقديره، بحسب ظروف كل قضية، مع العلم بأن تقرير وقف التنفيذ لا يكون
تلقائياً بل بناءً للطلب.
والغاية
الرئيسية من اعطاء الحق في وقف التنفيذ في هذه الحالة، هي إتاحة الفرصة الكاملة
لإصدار القرار المناسب قبل إتمام التنفيذ وقبل خلق أمر واقع يستحيل تعديله أو
إزالة آثاره.
وقد يرى
رئيس دائرة التنفيذ مناسباً إلزام طالب وقف التنفيذ بتقديم كفالة يعيّن نوعها
ومقدارها. والغاية من هذه الكفالة تغطية الأضرار التي قد تنشأ للدائن المنفّذ من
جراء وقف التنفيذ.
ومنعاً
لاحتمال التهرّب من تبلغ الدعوى وموعد المحاكمة بغية الحؤول دون تشكيل الخصومة
والإضرار بالمنفذ عليه عن طريق خلق الأمر الواقع، رأت المادة 829 أنه يمكن اتخاذ
قرار وقف التنفيذ في إطار الفقرة الأخيرة ولو بدون دعوة الخصم. فدعوته تظلّ واردة
قبل اتخاذ قرار بوقف التنفيذ. ولكن رئيس التنفيذ قد يستغني عنها إذا قدّر أن وضع
القضية يحتم هذا الأمر.
ويُشار
أيضاً، في سياق بحث الأصول التي تُتبع للفصل في المشاكل المتعلقة بإجراءات
التنفيذ، إلى أن القانون يفرض على رئيس دائرة التنفيذ الفصل في هذه المشاكل
"على وجه السرعة" (م. 829 فقرة 1 أ.م.م.). ويراد بعبارة "على وجه
السرعة"، أن ينظر رئيس دائرة التنفيذ في المشكلة بدون إبطاء أي مع تطبيق
المهل والإجراءات بشكل صارم أو حتى مع تقصير المهل، عند طلب احد الخصوم ذلك، الى
يوم واحد عند الاقتضاء (م. 455 أ.م.م.) وتأجيل الجلسات إلى مواعيد قريبة جداً. ويختلف
الفصل في الدعوى على وجه السرعة عن الفصل فيها وفق الأصول المتبعة في القضايا
المستعجلة، إذ يكون الحكم الصادر في الحالة الأولى حكماً موضوعياً فاصلاً في أصل
الحق، أما الحكم الصادر في الحالة الثانية فهو حكم وقتي لا يمس أصل الحق وقابل
للتعديل أو الإلغاء إذا طرأت ظروف جديدة تبرر ذلك (م. 584 أ.م.م.).
ويجب
التنويه في هذا المجال بأن لرئيس دائرة التنفيذ في سياق نظره المشكلة المتعلقة
بإجراءات التنفيذ، أن يمارس السلطات التي تكون لقاضي الموضوع، لا سيما لجهة قبول
وتقدير وسائل الإثبات، كالأدلة الخطية، وسماع الشهود متى كان الإثبات بالشهادة
جائزاً، وتحليف اليمين الحاسمة واليمين التكميلية، واستجواب الخصوم وما يمكن أن
ينتج عنه من إقرار أو بدء بينة أو قرائن، وحتى اللجوء إلى الخبرة والمعاينة.
ويجري
التساؤل أخيراً عما إذا كانت المشكلة التنفيذية التي ينظر رئيس دائرة التنفيذ في
أساسها تخضع لمهل السقوط التي تخضع لها الدعاوى بوجه عام والمنصوص عليها في المادة
509 أ.م.م. وما يليها، أم لمهلة السقوط المختصة بالمعاملة التنفيذية والمنصوص
عليها في المادة 843 أ.م.م.
تجدر
الإشارة هنا الى أن تقديم المشكلة التنفيذية لا يوقف بحد ذاته سير التنفيذ الذي لا
يتوقف إلا بصدور قرار به من رئيس دائرة التنفيذ. فإذا صدر هذا القرار فلا يبقى ثمة
محل لسقوط المعاملة التنفيذية كما تنص عليه صراحة المادة 843 مهما مرّ من الزمن
بعد ذلك. ويعود رئيس دائرة التنفيذ بعدئذٍ الى النظر في المشكلة التنفيذية حتى
الفصل فيها. ولكن إذا أهمل السير بها فتسقط بانقضاء سنتين على تركها وفقاً للقاعدة
العامة المنصوص عليها في المادة 509 أ.م.م. أما إذا لم يتخذ رئيس دائرة التنفيذ
قراراً بوقف التنفيذ واستمر السير معاً بمعاملة التنفيذ وبالمشكلة التنفيذية (التي
لا توقف التنفيذ بحد ذاتها)، ثم حدث بعد ذلك أن أهمل المنفذ متابعة المعاملة
التنفيذية مدة سنة، فتسقط، وتسقط معها المشكلة التنفيذية لكونها منبثقة عنها
وبالتالي تابعة لها في مصيرها. أما إذا تابع المنفذ معاملة التنفيذ بينما أهمل
مقدم المشكلة متابعة السير بهذه المشكلة وانقضت سنتان على ذلك فتسقط المشكلة
ويستمر التنفيذ في سيره. وهكذا يبدو أن المشكلة التنفيذية تكون خاضعة في الأصل
لقواعد السقوط العامة المنصوص عليها في المادة 509 وما يليها، غير أنها تتأثر
بسقوط المعاملة التنفيذية فتسقط معها بانقضاء السنة وفقاً لأحكام المادة 843
لكونها تابعة لها في مصيرها وتزول بزوالها.
د – القرار الذي يصدر في المشكلة التنفيذية:
إن الحكم
الصادر في المشكلة لا يكون معجّل التنفيذ بقوة القانون لأنّ الأصول المستعجلة لم
تطبّق. غير أنه يحق لرئيس دائرة التنفيذ الحكم بالتنفيذ المعجّل في ضوء المادة 570
وما يليها من القانون ذاته. ويحق له، في الرأي الاجتهادي الراجح، أن يأمر بتنفيذ
الحكم على أصله (جبران، ذاته، رقم 89، ص 81).
ويكون
للحكم الفاصل في المشاكل المتعلقة بإجراءات التنفيذ الآثار ذاتها التي تكون
للأحكام النهائية الصادرة عن محكمة الموضوع والمنصوص عنها في المادة 556 من
القانون (حجية القضية المحكوم بها والقوة التنفيذية، ضمن شروط القانون).
ولا تكون
له حجية القضية المحكوم بها إلاّ إذا توفّرت الشروط القانونية في ضوء المادة 556
معطوفة على المادة 303 من القانون. فإذا رُدّت الدعوى الرامية إلى إبطال تبليغ
الانذار الاجرائي لمخالفة هذا التبليغ الأصول المقررة، يستطيع المستشكل الأول
تقديم دعوى جديدة ترمي إلى ابطال الإنذار الاجرائي ذاته لمخالفة مضمون السند
التنفيذي.
وللمحكمة،
بمقتضى المادة 303 من القانون، أن تُثير حجية القضية المحكوم بها من تلقاء نفسها.
أما
القوة التنفيذية فتتوفر إذا تحققت شروط المادة 564 من القانون.
وإذا
حُكم بإبطال إجراء ما، فالإبطال يلحق بكل الاجراءات المبنية عليه، عملاً بالقاعدة
الكلية الذاهبة إلى أن ما بُني على باطل فهو باطل.
ثانيـاً: المشاكل غير المتعلقة بإجراءات التنفيذ
أ – التعريـف بها:
إن مشاكل
التنفيذ غير المتعلقة بالإجراءات تشمل المنازعات التي تتناول السند التنفيذي ذاته
والحق الذي يُكرّسه. وهي تنحصر بالصعوبات القانونية دون الصعوبات المادية التي تقف
مانعاً بوجه التنفيذ.
ومن
شأنها، في حال ثبوت جدّيتها أن تؤدي إلى تقرير وقف التنفيذ من قبل رئيس دائرة التنفيذ
وتكليف مقدّمها مراجعة محكمة الموضوع ضمن مهلة يحدّدها له تحت طائلة متابعة
التنفيذ في حال عدم تقديم المراجعة خلال المهلة.
يُنظر
هذا النوع من المشاكل وفق الأصول المتّبعة في القضايا المستعجلة.
وإذا قرر
رئيس دائرة التنفيذ وقف التنفيذ وراجع المنفّذ عليه محكمة الموضوع ضمن المهلة
المحددة، فلا يجوز متابعة التنفيذ إلا تنفيذاً للحكم الصادر عن محكمة الموضوع
والقاضي بردّ المنازعة، وذلك وفقاً لقواعد تنفيذ الأحكام.
أمّا إذا
بدت المنازعة غير جدّية فيقرّر رئيس دائرة التنفيذ ردّ المشكلة والمثابرة على
التنفيذ.
وسنعرض
فيما يلي لبعض الحالات التي اعتبرت أو لم تعتبر أنها داخلة في نطاق مشاكل التنفيذ
غير المتعلقة بالإجراءات.
ـ بعض المنازعات التي اعتبرت كمشاكل تنفيذية غير
متعلقة بالإجراءات:
ـ إن
المنازعات المسندة إلى أعمال تمت بعد صدور الحكم ومن شأنها التأثير في قوته التنفيذية
تدخل ضمن نطاق مشاكل التنفيذ. مثال ذلك: الإدعاء بالتنازل عن الحكم أو بمرور الزمن
عليه.
أمّا إذا
تم التنازل قبل صدور الحكم فلا يمكن أن يكون موضوع مشكلة تنفيذية إذ من المفروض أن
يكون قد أُثير أمام محكمة الموضوع. ينطبق هذا المبدأ طبعاً على الأسباب التي نوقشت
أمام محكمة الموضوع وانتهت بالفصل فيها صراحة أو ضمناً. كلّ ذلك حتى لا تُمسّ حجية
القضية المحكوم بها.
ـ إذا
ادّعى المدين الإيفاء بعد صدور الحكم، فيمكنه اختيار إحدى الطريقتين التاليتين:
إمّا أن يبرز ما بيده من وسائل إثبات إلى مأمور التنفيذ الذي يُعلم الدائن بها،
فإذا وافق جرت المحاسبة على اساسها، وإذا نازع في الإيفاء المزعوم فعلى المدين
التقدّم بمشكلة تنفيذية. وإما أن يلجأ المدين مباشرة إلى المشكلة التنفيذية.
ـ النزاع
حول المحاسبة وتعيين جهة الإيفاء (الخلاف على تحديد الدين الموفى) يدخلان ضمن نطاق
مشاكل التنفيذ.
ـ الخلاف
حول تحديد سعر عملة الدفع أثناء التنفيذ يُعـدّ من المشاكل التنفيذية (جبران،
ذاته، رقم 321 مع الحاشية رقم 2، ص 232).
ـ
المنازعة حول قابلية الحكم للتنفيذ الجبري. فالنزاع المتكوّن حول انقضاء مهل طرق
الطعن العادية (الاعتراض والاستئناف) وحول جواز أو قبول الاعتراض او الاستئناف ضد
الحكم موضوع التنفيذ، يخوّل رئيس دائرة التنفيذ البحث فيه وتقديره لا لمناقشة
مسألة استمرار قيام المهل وجواز الاعتراض أو الاستئناف والفصل في ذلك، ولكن للحكم
في طلب التدبير المؤقت الرامي إلى إيقاف التنفيذ على ضوء ظاهر الحال إلى أن يجري
حسم الموضوع من قبل المحكمة المختصة. ويجب أن تراعى أحكام المادة 581 من القانون
عند الاقتضاء.
ـ
المنازعة الجدية حول تحقق الشروط المفروض توافرها في الحكم ذاته لأجل نفاذه. كأن
يكون الحكم بالإخلاء مشروطاً بتأخر المحكوم عليه عن دفع المبالغ المتوجبة، وتحصل
منازعة جدية بين المنفّذ والمنفذ عليه حول هذا الموضوع.
ـ
المنازعة الجدية حول قابلية الحكم للتنفيذ وحول تفسيره. كأن يقضي الحكم بسدّ
النوافذ والشرفات وتقوم منازعة حول كيفية السدّ وهل يتم ذلك بالبناء الحجر أم
بالزجاج المحجّر.
ـ
المنازعة الجدية حول التنازل عن حكم بإخلاء مأجور هو قيد التنفيذ، كأن يثير
المنفّذ عليه مشكلة تنفيذية متذرّعاً بأن المحكوم له قد عمد بعد صدور الحكم إلى
توقيع عقد إيجار جديد له هو تجديد للعقد السابق وسجّله لدى البلدية.
ـ
المنازعة الجدية المثارة في أثناء تنفيذ حكم بإخلاء مأجور حول شراكة شخص آخر في
الإجارة.
ـ بعض المنازعات التي لم تعتبر كمشاكل تنفيذية غير
متعلقة بالإجراءات:
ـ إن
الشكوى من الحكم المنفّذ والمآخذ عليه غير مشمولة بالمشكلة التنفيذية وهي تقع خارج
نطاقها لأن المشكلة ليست طريق مراجعة ضد الحكم ولأنه على رئاسة دائرة التنفيذ أن
تتقيّد بمضمون الأحكام دون أن يحق لها تعديلها (قرار رئيس دائرة التنفيذ في جونيه،
رقم 29، أساس 214، تاريخ 21/11/1984، بويز/بويز، سجلات المحكمة؛ وجبران، ذاته، رقم
337، ص 238 ورقم 321 ص 229).
ـ النزاع
حول وصف الحكم موضوع التنفيذ واعتبار المنفذ عليه أن الحكم غير قطعي ولكنه أُعطي
وصفاً خاطئاً من قبل المحكمة التي أصدرته فاعتبرته قطعياً، أو اعتباره أن المحكمة
لم تكن على حق عندما قضت بالتنفيذ المعجّل. ففي الحالين يحظّر على رئيس دائرة
التنفيذ إجابة المنفذ عليه إلى طلبه الرامي إلى وقف التنفيذ وإلاّ يمسّ حجية
الحكم.
ـ لا
تصنّف في عداد مشاكل التنفيذ العقبات ذات الطابع المادي التي تجعل التنفيذ
متعثّراً. ويمكن تذليل هذه العقبات عبر الاستعانة بالقوة العامة عند الاقتضاء.
ـ طلب
إجراء المقاصّة بين الدين الجاري التنفيذ تحصيلاً له ودين آخر، يخرج عن نطاق مشاكل
التنفيذ (جبران، ذاته، رقم 321، ص 231 مع الحاشية رقم 4)، ذلك أن طلب إجراء
المقاصة لا يمكن لدائرة التنفيذ الاستجابة له في حال رفض المنفذ إجراء هذه
المقاصّة.
ـ
المنازعة المستندة إلى وقائع وأعمال تمّت قبل صدور الحكم الجاري تنفيذه، ذلك أنه
يفترض أن هذه الوقائع والأسباب أو الدفوع التي بُنيت المنازعة عليها قد أُبدِيَت
وجرت مناقشتها أمام محكمة الموضوع التي فصلت فيها صراحة أو ضمناً، فالتعرّض لها
مجدداً يشكّل مساساً بحجية القضية المحكوم بها. مثلاً الإدلاء بوفاء الدين قبل
صدور الحكم القاضي بهذا الدين، إذ تُفترض إثارة ذلك قبل صدور الحكم الجاري تنفيذه.
ـ
المنازعة الرامية إلى إبطال قرار مستعجل بوقف أعمال بناء، فلا يجوز لرئيس دائرة
التنفيذ أن يتخذ قراراً بإبطال مفعول مثل هذا القرار لأن صلاحيته تقتصر على بحث
مشاكل التنفيذ الناشئة عن الأحكام الجاري تنفيذها لديه.
ـ
المنازعة المثارة بشأن صورية عقد بيع عقار جاري التنفيذ عليه من دائن المشتري، إذ
لا أثر لها على التنفيذ ما دام أنه لم يصدر حكم بإلغاء العقد أو بتوقيف مفعوله.
ب – اختصاص رئيس دائرة التنفيذ بالفصل في المشكلة غير
المتعلقة بالإجراءات:
أولت المادتان
87 و829 أ.م.م. رئيس دائرة التنفيذ اختصاص النظر في المشكلة التنفيذية غير
المتعلقة بالإجراءات، وفق الأصول المتبعة لدى قضاء الامور المستعجلة، توصلاً
لاتخاذ القرار بوقف التنفيذ وبتكليف مقدم المشكلة بمراجعة محكمة الموضوع ضمن مهلة
يحددها له تحت طائلة متابعة التنفيذ في حال عدم تقديم المراجعة خلال المهلة.
فاختصاص
رئيس دائرة التنفيذ في اتخاذ القرار بوقف التنفيذ وفقاً لأحكام هاتين المادتين، هو
اختصاص نوعي؛ ويستفاد ذلك بالأخص من ورود المادة 87 المقررة له في الفصل الخاص
بالاختصاص النوعي لمحاكم القضاء المدني. فهو إذاً اختصاص إلزامي. ومن ثم لا يجوز
أن ترفع مباشرة امام محكمة الموضوع مشكلة تنفيذية غيـر متعلقـــة
بالإجراءات إذا كانت تقتصرعلى طلب وقف التنفيذ، إذ يخرج
النظر بمثل هذا الطلب عن دائرة اختصاص تلك المحكمة لكونه وارداً بصورة أصلية ويبقى
محفوظاً بصفة حصرية في هذه الحال لرئيس دائرة التنفيذ.
ولكن إذا
سلك صاحب العلاقة طريقاً آخر في تقديم المنازعة، فبدلاً من أن يقدمها كمشكلة
تنفيذية عن طريق رئيس دائرة التنفيذ بقصد اتخاذ قرار منه بوقف التنفيذ كي يتاح له
بعد ذلك رفع المنازعة في الأساس أمام محكمة الموضوع، عمد إلى اختصار الطريق ورفع المنازعة
مباشرة إلى محكمة الموضوع طالباً منها بصفة تبعية اتخاذ القرار بوقف التنفيذ، فمثل
هذا الطلب يكون جائزاً في هذه الحال ويدخل الفصل فيه في اختصاص محكمة الموضوع،
سواءً اعتبر وارداً بصفة تبعية أو فرعية عملاً بقاعدة "الفرع يتبع
الأصل" أو "قاضي الأصل هو قاضي الفرع"، أم بصفة احتياطية عملاً
بأحكام المادة 589 أ.م.م.، وإذا اتخذت محكمة الموضوع في هذه الحال قراراً بوقف
التنفيذ وكان صاحب المصلحة قد تقدم بمشكلة تنفيذية أمام رئيس دائرة التنفيذ ترمي
إلى وقف التنفيذ، فهذه المشكلة تصبح بدون موضوع.
وذهب
القضاء أيضاً إلى انه يعود لصاحب العلاقة أن يراجع محكمة الموضوع، برفع المنازعة
أمامها ولو في أثناء سير التنفيذ وبدون تكليف من رئيس دائرة التنفيذ أو حتى بالرغم
من صدور قرار عنه يقضي برد طلبه بوقف التنفيذ، فتعمد المحكمة إلى تفحّص الأوراق
المقدمة إليها وتقديير جدية الأسباب المدلى بها وتقرر إما إجابة الطلب بوقف
التنفيذ حتى إصدار حكمها في المنازعة المرفوعة أمامها وإما برد طلب وقف التنفيذ،
مع مراعاة ما سوف يرد ذكره في الفقرة اللاحقة في حال صدور قرار عن رئيس دائرة
التنفيذ بردّ طلب وقف التنفيذ. وتستقل محكمة الموضوع في تقديرها لجدية الأسباب
المدلى بها والتي تستمدها من ظروف القضية ووقائعها، فلا تخضع في صددها لرقابة
محكمة التمييز.
وتثور
مسألة ما إذا كان يجوز تقديم مشكلة تنفيذية جديدة أمام رئيس دائرة التنفيذ بعد أن
أصدر قراراً برفض مشكلة سابقة ترمي إلى وقف التنفيذ. المقرر أن رئيس دائرة التنفيذ
يفصل في المشكلة غير المتعلقة بالإجراءات والرامية إلى وقف التنفيذ وفق الأصول
المتبعة لدى قضاء الأمور المستعجلة (م. 87 و829 أ.م.م.).
فالقرار الذي يصدر عنه بشأن هذه المشكلة والقاضي برفض وقف التنفيذ تكون له إذاً
حجية أمامه – على غرار الحجية التي تعود للقرار المستعجل أمام قضاء الأمور
المستعجلة نفسه – وهي تفرض عدم جواز تعديله أو إلغائه إلا إذا طرأت ظروف جديدة
تبرر ذلك (م. 584 أ.م.م.). ومن ثم إذا قدمت المشكلة الجديدة بالاستناد إلى الظروف
والوقائع ذاتها التي رفضت على أساسها المشكلة السابقة، فيقرر رفضها أيضاً، أما إذا
تبدلت تلك الظروف والوقائع أي إذا طرأ عنصر جديد يبرر قبول المشكلة الجديدة فيقرر
على أساسه وقف التنفيذ.
ونشير،
في هذا السياق، إلى أن قيمة السند التنفيذي الذي هو موضوع المشكلة التنفيذية لا
تؤثر في اختصاص رئيس دائرة التنفيذ الناظر في هذه المشكلة.
أما رئيس
دائرة التنفيذ المختص مكانياً بالفصل في المشاكل غير المتعلقة بالإجراءات فهو
القاضي الجاري أمامه التنفيذ. وهذا الاختصاص هو اختصاص مكاني إلزامي وفقاً لأحكام
المادتين 829 و112 أ.م.م.
ويجدر
التنويه بأن اختصاص رئيس دائرة التنفيذ في نظر المشاكل غير المتعلقة بالإجراءات
والناشئة عن تنفيذ الأحكام، ينحصر بالأحكام الصادرة عن محاكم القضاء العدلي. ذلك
إنه ينظر في هذه المشاكل وفقاً للأصول والقواعد المتبعة لدى قضاء الأمور المستعجلة
الذي يتحدد اختصاصه وفقاً لنص المادة 579 أ.م.م. بالنظر في طلبات اتخاذ التدابير
المستعجلة في المواد المدنية والتجارية. فالمشاكل غير الإجرائية الناشئة عن تنفيذ
أحكام صادرة عن مراجع أخرى غير محاكم القضاء العدلي، كالقضاء الإداري والقضاء
المذهبي والشرعي، تكون بالتالي خارجة عن اختصاص رئيس دائرة التنفيذ؛ كما تخرج عن
نطاق هذا الاختصاص أيضاً المشاكل الناشئة عن التنفيذ الحاصل بواسطة مراجع أخرى،
ولو داخلة في إطار القضاء العدلي، قد أولاها القانون بنصوص خاصة مهام هذا التنفيذ.
فبالنسبة إلى المشاكل التي تنشأ عن تنفيذ قرارات مجلس شورى الدولة الصادرة ضـــد
الأفراد مثلاً والذي يحصل عادة بواسطة دائرة تنفيذ بيروت
(م. 123 من نظام مجلس شورى الدولة أي قانون 14 حزيران 1975)، يبت فيها رئيس دائرة
التنفيذ "على ان يراعي مبدأ انفصال القضاء الإداري" (م. 125 من النظام
المذكور)؛ ومن ثم فإن اختصاص رئيس دائرة التنفيذ في هذا الصدد ينحصر بالفصل في
المشاكل الناشئة عن اجراءات التنفيذ، أما المشاكل الأخرى غير المتعلقة بالإجراءات
فيعود الفصل فيها لمجلس شورى الدولة نفسه.
وبالنسبة لمشاكل تنفيذ القرارات الصادرة عن
القضاء الشرعي السني والجعفري فإن المادة 303 من قانون تنظيم هذا القضاء الصادر في
16 تموز 1962 تنص على "ان مشاكل التنفيذ التي تنشأ عن قرار استئنافي مصدق
للحكم البدائي تفصلها محكمة البداية التي أصدرت الحكم، وإن كان معدلاً له فتفصلها
المحكمة العليا"، فهذا النص يحصر اختصاص النظر بالمشاكل الناشئة عن تنفيذ
قرارات القضاء الشرعي بمحاكم هذا القضاء. ولكن نظراً لأن هذه القرارات نفسها يجري
تنفيذها بواسطة دائرة التنفيذ وفقاً لأحكام قانون أصول المحاكمات المدنية المتعلقة
بالتنفيذ (م. 245 من قانون تنظيم القضاء الشرعي)، فإنه يعود لرئيس دائرة التنفيذ
هذه، عندما تثار أمامه مشكلة غير متعلقة بالإجراءات، أن يقرر وقف التنفيذ وإمهال
مقدمها مدة يحددها له لمراجعة القضاء الشرعي لأجل الفصل في أساسها وذلك وفقاً
للقاعدة المقررة في المادة 829 أ.م.م.
تكون
لرئيس دائرة التنفيذ عند الفصل في المشكلة التنفيذية غير المتعلقة بالإجراءات
السلطة العائدة لقاضي الأمور المستعجلة التي تمكنه فقط من اتخاذ تدابير مؤقتة
بشأنها وأخصها وقف التنفيذ (م. 87 و829 أ.م.م.).
ويكون
لرئيس دائرة التنفيذ، في سبيل تقديره لجدية النزاع من أجل اتخاذ التدبير الوقتي
المناسب بوقف التنفيذ أو عدمه، أن يقبل البينات التي يجيز القانون قبولها في
القضايا المستعجلة. وتتمتع محكمة الاستئناف، الناظرة في الطعن بقرار رئيس دائرة
التنفيذ، بنفس السلطة ايضاً، وقد اعتبر أن تقديرها لجدية النزاع لا يقع تحت رقابة
محكمة التمييز إلا إذا وجد في الملف ما يعيب هذا التقدير.
ج – القواعد والأصول
التي يطبقها رئيس دائرة التنفيذ في نظره المشكلة غير المتعلقة بالإجراءات:
بمقتضى
المادتين 87 و829 أ.م.م. يطبق رئيس دائرة التنفيذ في اتخاذه التدابير المؤقتة
وأخصها القرار بوقف التنفيذ بشأن المشاكل المقدمة إليه وغير المتعلقة بالإجراءات،
الأصول المتبعة لدى قضاء الأمورالمستعجلة. ويراد بهذه الأصول مجمل القواعد
والإجراءات المتعلقة بتقديم المنازعة أو المشكلة والنظر فيها وإصدار القرار
بشأنها، وبطرق الطعن بهذا القرار، والمطبقة لدى القضاء المستعجل. فيشترط من ثم أن
يتوفر في المشكلة على الأخص ركنا الاستعجال وعدم التعرض للموضوع أي لأصل الحق،
والاكتفاء بالتالي بالنظر فيها بحسب ظاهر الحال توصلاً لاستكشاف جدية النزاع
واتخاذ القرار الوقتي بوقف التنفيذ.
أما ركن
الاستعجال فيفترض قائماً في المشكلة التنفيذية التي تعتبر بطبيعتها من المنازعات
التي لا يمكن التأخر في فصلها لما ينتج عن ذلك من ضرر لطرفي التنفيذ، أي للمدين
مثلاً الذي يجري التنفيذ على أملاكه بالاستناد إلى حكم او سند قد يتبين فيما بعد
بطلانه، أو للدائن الذي يحوز سنداً تنفيذياً ويعمد المدين إلى تأخير تنفيذه بتمسكه
بأسباب غير صحيحة أو غير مشروعة، أو للغير أيضاً عندما يحصل التنفيذ على أموال قد
تكون ملكاً له. وعلى ذلك لا يكون مقدم المشكلة ملزماً بإثبات ركن الاستعجال. أما
إذا تبين لرئيس دائرة التنفيذ أن المشكلة، في حالة معينة، غير مسندة إلى عجلة
كافية، فيكون له أن يقرر رفضها ومتابعة السير في التنفيذ.
ويلتزم
رئيس دائرة التنفيذ، لدى نظره المشكلة غير المتعلقة بالإجراءات لأجل اتخاذ قراره
الوقتي بوقف التنفيذ أو بمتابعته، ألاّ يتعرض للموضوع وألاّ يمسّ بالتالي أصل
الحق. غير أن هذا لا يمنعه من الإطلاع على الأوراق وفحص المستندات والأسباب المدلى
بها والمتعلقة بأصل الحق وذلك في الظاهر وبصورة عرضية توصلاً لتقدير جدية النزاع،
لا ليفصل فيه وإنما ليتحسس ما يحتمل لأول نظرة أن يكون هو وجه الصواب في الإجراء
الوقتي المطلوب منه فيقضي على هداه بوقف التنفيذ أو باستمراره. وإذا تجاوز رئيس
دائرة التنفيذ هذه الحدود ومسّ أصل الحق، بأن قام مثلاً بتفسير الحكم المطلوب
تنفيذه، أو اعتبر الدين الجاري التنفيذ بالاستناد إليه منقضياً بمرور الزمن، فيكون
قد خالف القانون. ويكون الشأن كذلك إذا أسند قراره الوقتي إلى أسباب تتعلق بأصل
الحق إذ يعتبر قراره عندئذٍ غير معلل على الوجه المفروض قانوناًً. أما إذا استند
فيه إلى اسباب تتعلق بأصل الحق وأسباب اخرى تتعلق بظاهر الحال الذي يبان من أوراق
وظروف القضية، فيعتد بهذه الاسباب الأخيرة إذا كانت كافية بذاتها لإقامة القرار
عليها، وتعتبر الأسباب الأخرى المتعلقة بأصل الحق أنها واردة على سبيل الإستفاضة.
وحتى
يتمكن رئيس دائرة التنفيذ من اتخاذ التدبير الوقتي بوقف التنفيذ وفق الأصول
المتبعة في القضايا المستعجلة، يجب أيضاً ألا يكون موضوع المنازعة أو المشكلة
المطلوب اتخاذ هذا التدبير من أجل الفصل فيه مطروحاً أمام محكمة الاستئناف، هذا ما
لم يكن الحكم البدائي صادراً لمصلحة الخصم الذي طلب اتخاذ التدبير الوقتي – وهو
عادة المنفذ عليه – وشرط أن لا يكون التدبير المطلوب متعارضاً مع هذا الحكم (م.
581 أ.م.م.). ويتحقق ذلك عندما يكون المنفذ عليه قد أقام الدعوى بإبطال التنفيذ
لعيوب تتخلل السند التنفيذي أو الموجب المثبت فيه، وصدر حكم بدائي لمصلحته،
فاستأنفه المنفذ، ففي هذه الحال يعود للمنفذ عليه، رغم طرح موضوع المنازعة أمام
محكمة الاستئناف، أن يطلب اتخاذ تدبير وقتي بوقف التنفيذ لعدم تعارض هذا التدبير
مع الحكم البدائي الصادر لمصلحته.
وكي
تُقبل المشكلة التنفيذية يجب أن تقدم بعد مباشرة الإجراءات المتعلقة بالتنفيذ وقبل
إتمام هذا التنفيذ. فبعد أن يقدم طلب التنفيذ مرفقاً بالسند التنفيذي ويبلغ الى
المطلوب التنفيذ بوجهه، يضحى من حق هذا الاخير إثارة مشكلة تنفيذية تتعلق بالسند
التنفيذي المبلغ إليه وبالدين أو الموجب المشتمل عليه. فهذه المنازعة أو المشكلة
المثارة وغير المتعلقة بالإجراءات تحمل رئيس دائرة التنفيذ، بعد التثبت من جديتها،
على اتخاذ القرار بوقف التنفيذ وفقاً لأحكام المادة 829 فقرة 2 أ.م.م.. أما إذا
كان التنفيذ قد تم أو تمت إحدى مراحله المستقلة وحيث ترتفع يد رئيس دائرة التنفيذ
عن المعاملة المختصة بها، وقدمت مشكلة إليه بعد ذلك ترمي إلى وقف التنفيذ، تعيّن
عليه أن يقرر عدم قبولها لانتفاء الموضوع بعد أن تم التنفيذ المتعلقة به، ومن ثم
لاستحالة تنفيذ القرار الذي يتخذه بالاستجابة اليها حيث تنعدم بالتالي المصلحة فيه
بسبب هذه الاستحالة. ولا يبقى أمام مقدم المشكلة عند ذاك إلا مراجعة محكمة الموضوع
لأجل إبطال التنفيذ الذي حصل.
وإن
تقديم المشكلة إلى رئيس دائرة التنفيذ لا يترتب عليه بحد ذاته وقف التنفيذ. غير
أنه يعود لرئيس دائرة التنفيذ، ارتقاباً لاتخاذه قراره الوقتي بوقف التنفيذ أو
بالاستمرار فيه بناءً على المشكلة المقدمة، أن يقرر بالاستناد إلى الفقرة 3 من
المادة 829 وقف التنفيذ مؤقتاً بكفالة أو بدون كفالة ولو بدون دعوة الخصم الآخر؛
ويستنفد مفعول هذا القرار بصدور التدبير الوقتي في المشكلة.
وتُرفع
المشكلة التنفيذية إلى رئيس دائرة التنفيذ من قبل المنفذ أو المنفذ عليه أو أيضاً
من الغير، وذلك بموجب استحضار يبلغ الى الخصم الآخر. ويوقّع هذا الاستحضار من
محامٍ وكيل إذا كانت القيمة تفوق المليون ليرة لبنانية (م. 378 أ.م.م.)، وتستوفى
عنه الرسوم ويجرى قيده في سجل خاص كما ينظم له ملف خاص ومحضر. وتكون مهلة الدعوة
إلى الحضور يوماً كاملاً إلا إذا تقرر تقصيرها إلى ساعة أو عدة ساعات عند الضرورة.
ويمكن أن يحصل حضور الخصوم في مركز الدائرة أو في منزل رئيسها (م. 582 أ.م.م.).
ويجري
رئيس دائرة التنفيذ، عند الاقتضاء، تحقيقاً في المشكلة المعروضة عليه توصلاً
لاتخاذ التدبير الوقتي بشأنها؛ وهو يقبل في هذا الصدد جميع البينات القانونية
المقبولة في القضايا المستعجلة ومنها، مثلاً، استجواب الخصوم، والالتجاء إلى
الخبرة والمعاينة، واستماع الشهود، معتمداً على الظاهر ودون أن يمسّ أصل الحق.
د ـ القرار الذي يصدر عن
رئيس دائرة التنفيذ في المشكلة التنفيذية غير المتعلقة بالإجراءات:
يصدر
رئيس دائرة التنفيذ، في المشكلة المقدمة إليه، قراراً وقتياً يقضي بوقف التنفيذ
عند تحققه من جدية المنازعة، وبتكليف مقدمها مراجعة محكمة الموضوع ضمن مهلة يحددها
له تحت طائلة متابعة التنفيذ في حال عدم تقديم المراجعة خلال المهلة؛ وإذا اتضح له
من ظاهر الحال أن المنازعة غير جدية فيقرر ردها ومتابعة التنفيذ. ويبقى لصاحب
العلاقة في هذه الحال إما استئناف هذا القرار إذا اعتبره خاطئاً، وإما رفع الدعوى
بموضوع المشكلة أمام محكمة الموضوع، على أن رفعها بحد ذاته لا يوقف التنفيذ، وهو
لا يتوقف إلا إذا اتخذت محكمة الموضوع قراراً بوقفه مؤقتاً بناءً لطلب المدعي المنفذ
عليه. ويجب أن يشتمل القرار الوقتي الصادر عن رئيس دائرة التنفيذ على التعليل
اللازم المؤدي إلى النتيجة التي قضى بها وهي وقف التنفيذ أو رفض الطلب ومتابعة
التنفيذ؛ ويتناول التعليل على الأخص التحقق من جدية المنازعة أو عدم جديتها. ويقضي
رئيس دائرة التنفيذ – على غرار قاضي الامور المستعجلة – بالنفقات بصورة مؤقتة، على
أن ترسو بنتيجة المحاكمة في الموضوع – فيما لو حصلت – على الفريق الخاسر.
ويكون
القرار الصادر عن رئيس دائرة التنفيذ في المشكلة غير المتعلقة بالإجراءات – على
غرار القرار الصادر عن قاضي الامور المستعجلة – معجل التنفيذ بقوة القانون وبدون
كفالة ما لم يأمر الرئيس بتقديم كفالة؛ وله أن يأمر أيضاً بتنفيذ القرار على أصله
(م. 585 أ.م.م.). ولا يكتسب القرار المذكور حجية القضية المحكوم بها بالنسبة لأصل
الحق، غير أنه لا يجوز تعديله أو إلغاؤه إلا إذا طرأت ظروف جديدة تبرر ذلك (م. 584
أ.م.م.).
ويخضع
القرار الوقتي الصادر في المشكلة غير المتعلقة بالإجراءات، مبدئياً لطرق الطعن
التي تخضع لها قرارات قاضي الامور المستعجلة.
ه - المحكمة المختصة بالفصل في أساس المشكلة غير
المتعلّقة بالإجراءات:
عندما
تكون المشكلة ناشئة عن تنفيذ الحكم، فإن المحكمة المختصة بالنظر في أساسها قد
تحددت بالأخص في المادة 654 أ.م.م. التي تنص على ما يأتي: "منذ تقديم
الإستئناف تفقذ محكمة الدرجة الأولى حق الفصل في مشاكل تفسير حكمها ومشاكل تنفيذه
المتعلقة بالموضوع أو في تصحيح الأغلاط المادية الواردة فيه، ويعود النظر في هذا
الأمر الى محكمة الإستئناف أثناء النظر في القضية. أما المشاكل التي تطرأ بعد صدور
الحكم الإستئنافي فيعود حق النظر فيها الى محكمة الدرجة الأولى في حالة تصديق
الحكم والى محكمة الأستئناف في حالة فسخه".
يتبين من
هذا النص أنه يولي المحكمة الإبتدائية التي أصدرت الحكم الجاري تنفيذه إختصاص
النظر في أساس المشاكل التي تنشأ عن هذا التنفيذ عندما تكون غير متعلّقة
بالإجراءات، وطالما لم يحصل طعن في هذا الحكم بطريق الإستئناف. ويفسر هذا الإختصاص
بكون المحكمة التي أصدرت الحكم هي أقدر من سواها على إدراك دقائق المشكلة أو
المنازعة المثارة في صدد تنفيذه وعلى الفصل فيها، باعتبار أن هذه المنازعة تتصل
عادة اتصالاً وثيقاً بموضوع الدعوى التي صدر فيها الحكم المذكور الذي قرر أو أنشأ
الحق. ومثل هذا الحل يقتضيه ايضاً حسن سير العدالة تيسيراً للفصل في المنازعة
الطارئة على أفضل وجه وبأقصر وقت ممكن وتفادي إشغال محكمة أخرى بنظرها وما كان
يقتضيه ذلك من وقت وجهد كانت ستضطر الى بذله في سبيل فهم موضوع الدعوى من جديد وما
نشأ عنه من منازعات ومشاكل طارئة. ومن ثم فإن إختصاص المحكمة الصادر عنها الحكم
يعتبر في هذا المجال اختصاصاً نوعياً، وهو بنفس الوقت اختصاص مكاني إلزامي سنداً
للمادة 112 أ.م.م.، وبالتالي متعلق بالنظام العام. فإذا رفعت المشكلة الى غير
المحكمة التي أصدرت الحكم وجب على المحكمة التي رفعت إليها أن تقضي تلقائياً بعدم
إختصاصها، كما يحق لأي من الخصوم التمسك بعدم الإختصاص في أية حالة تكون فيها
الدعوى.
واذا
رُفع إستئناف طعناً في الحكم الجاري تنفيذه، فإن النظر في المشكلة التنفيذية
المتعلقة بالموضوع يصبح من إختصاص محكمة الإستئناف ما دام انّ الاستئناف لا يزال
قيد النظر أمامها. أما إذا صدر قرار نهائي فاصل في الإستئناف، فإن المشكلة التنفيذية
غير الإجرائية التي تقدم بعد ذلك يعود إختصاص النظر فيها، في حال صدور القرار بردّ
الإستئناف وبتصديق الحكم الإبتدائي، الى المحكمة الإبتدائية الصادر عنها هذا الحكم
الأخير. ويكون الشأن كذلك في حال صدور القرار الإستئنافي بعدم قبول الإستئناف أو
بإبطاله أو بإسقاطه وحيث يصبح الحكم الإبتدائي قطعياً. أما إذا صدر الحكم
الإستئنافي بفسخ الحكم الإبتدائي، فإن النظر في المشكلة التنفيذية يضحي من إختصاص
محكمة الإستئناف، سواء أكان الفسخ قد تناول الحكم الإبتدائي بكامله وحيث يبطل
تنفيذه وينتقل التنفيذ عندئذ الى القرار الإستئنافي بناء على طلب المحكوم له، إم
تناول الفسخ جزءاً من الحكم الإبتدائي وحيث ينصب التنفيذ عندئذٍٍِ على الجزء الذي
تصدق من الحكم الإبتدائي وعلى القرار الإستئنافي معاًٍٍ. وينحصر الإختصاص بمحكمة
الإستئناف في هذه الحالة الأخيرة بالاستناد الى نص المادة 654 أ.م.م. الذي تكلم عن
الفسخ بصفة مطلقة ودون تمييز. وما دام البحث جارياً في نطاق الإستئناف، وجبت الإشارة
أيضاً الى أن لمحكمة الإستئناف، بالإستناد الى نص المادة 665 أ.م.م.، أن تقرر في
أي وقت وقف تنفيذ الحكم الإبتدائي إذا تبين لها أنه قد وصف خطأ بأنه قطعي.
بقي أن نشير
أخيراً الى أن القواعد التي تقدم بحثها لا تطبق الا إذا كان التنفيذ لم يتمّ. أما
إذا تمّ، فإن المنازعة التي تحصل بعد ذلك بشأن التعويض عن إجرائه أو ردّ ما استوفي
بدون وجه حق، لا تعدّ من المشاكل التنفيذية المتعلقة به والخاضعة لأحكام المادة
829 أ.م.م. اذا لا يبقى ثمة محل لتطبيق هذه الأحكام وتقرير وقف التنفيذ بعد أن تمّ
وانتهت إجراءاته، انما تفسح المجال لرفع الدعاوى بها أمام المحكمة المختصة وفقاً
للقواعد العامة.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم