القائمة الرئيسية

الصفحات



عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية من الناحية الشرعية

عقود البناء والتشغيل  ونقل الملكية من الناحية الشرعية

عقود البناء والتشغيل
ونقل الملكية
من الناحية الشرعية




الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة

عقود البناء والتشغيل
ونقل الملكية
من الناحية الشرعية




إعداد
محمد تقي العثماني
نائب رئيس دارالعلوم كراتشي، الباكستان

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم
وعلى آله واصحابه اجمعين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

         إن العقود الجديدة المعروفة باللغة الإنكليزية بكلمات B.O.T. اختصار لقولهم Build Operate and Transfer وقد يعبر عنها باللغة العربية بقولهم "بناء تشغيل – نقل الملكية" وفي بعض الأحيان يعبر عنها بعقود الامتياز، مع أن عقود الامتياز لاتختص بهذه العقود، ونظرا للاختصار، فإننا سوف نعبر عن هذه العقود في هذا البحث بعقود "البناء والتشغيل".
         إنّ هذه العقود تحتاج إليها الحكومات التي تريد أن تبنى مشاريع البنية الأساسية (infrastructure) التي هي من مهمات القطاع العامّ (Public sector) ولكن لاتجد الحكومات موارد مالية كافية لإنجازها من القطاع العامّ، فتريد أن يموله القطاع الخاص (Private sector) وإنما يمكن ذلك إن كان المشروع صالحا لأن يُدرّ دخلا، مثل مشاريع الشوارع العامة والجسور الكبيرة التي يمكن فيها فرض الرسوم على السيّارات التي تمرّ عليها، أو بناء المطارات التي تفرض الرسوم على من يستخدمها، أو مشاريع توفير المياه أو الكهرباء أو شبكات المواصلات السلكية التي يمكن فيها تقاضى الثمن أو الأجرة من المستهلكين الذين ينتفعون بها.
         وإن حقيقة هذه العقود – في عبارة بسيطة – أن الحكومة تفوض بناء هذه المشاريع إلى جهة مختصة تلتزم إنجاز المشروع في مدة معلومة على نفقتها، وتمنحها الحكومة حق امتياز لتشغيل المشروع إلى مدة معينة، والحصول على مايُدرّ من دخل، وبعد انقضاء تلك المدة يسلّم المشروع إلى الحكومة، وإن الجهة المختصة إنما تدخل في هذا العقد لأنها تأمل أنها سوف تسترجع في مدة التشغيل ما أنفقته من أموال مع زيادة تربحها تكون عوضا مناسبا لما تكبدته من التكاليف والجهود. فمثلا: إن كان محل هذا العقد بناء جسر كبير، فإن الجهة المذكورة تبني الجسر إلى مدة عشر سنوات مثلا، وأن تفرض رسوما مناسبة على من يمرّ على الجسر، فتستحق هذه الرسوم، فتسترجع خلال العشر سنوات ما أنفقته على المشروع مع قدر زائد يكون ربحا لاستثمارها فيه. هذا هو التصوير البسيط للعملية، فالمقصود من هذا البحث هو النظر في هذه العقود بأنواعها المعروفة من الناحية الشرعية، وأريد أن أبحث فيه عن النقاط الآتية:
1.     التكييف الفقهي لهذه العقود بمختلف أنواعها وحكمها.
2.     الحكم الشرعي لحق الامتياز.
3.     الإشراف الحكومي لمراحل إنجاز المشروع.
4.     طرق التمويل التي تستفيد بها الجهة الصانعة
5.     مدة جواز التوريق (securitization) في تمويل المشروع

التكييف الفقهي لهذه العقود:

         أما التكييف الفقهي لهذه العقود فيختلف باختلاف محل العقود ونشاط المشروع المقترح. ولنأخذ المشاريع التي تخطّط لإقامة مبان أو معدات صالحة للتأجير أو فرض الرسوم على المستخدمين لمنفعتها، مثل بناء جسر، أو محطة كهرباء أو مياه أو تعبيد شارع، أو إقامة شبكة المواصلات السلكية.
         لا شك أن الأرض التي يقام عليها المشروع في هذه الصور مملوكة للدولة، وإن الجهة الصانعة تستخدمها لبناء المشروع أوّلا، ولاستغلالها إلى مدة متفق عليها ثانيا، ثم تسلّم الأرض مع المشروع المبني عليها إلى الدولة في نهاية الأمر.
         وبناء على ذلك فإن العملية تحتمل تكييفين:
         الأول: أن نقول: إن الدولة آجرت أرضها إلى الجهة الصانعة لمدة متفق عليها لتبني عليها المشروع وتستخدمه لصالحها إلى تلك المدة، والأجرة مؤجلة، وهي نفس المشروع الذي يسلّم إلى الدولة بنقل ملكيته إليها في نهاية العملية. وعلى هذا التكييف يكون المشروع مملوكا للجهة الصانعة بعد بناءه، ثم تنقل ملكيته إلى الدولة من حيث إنها أجرة لاستخدام الأرض خلال مدة العقد، فالعلاقة بين الدولة والجهة الصانعة هي علاقة المؤجر من المستأجر.
         والتكييف الثاني: أن نقول" إن الدولة استصنعت المشروع من الجهة الصانعة، فالعقد الأساسي بين الجهتين هو الاستصناع، والدولة مستصنعة، والجهة الأخرى صانعة، وثمن الاستصناع منفعة تشغيل المشروع التي تنتفع بها الجهة، وتبقى الجهة الصانعة مستفيدة من المشروع على ملك الدولة. فتكون العلاقة بين الجهتين علاقة المستصنع والصانع إلى أن يكتمل المشروع، ثم تكون الجهة الصانعة تستفيد بحق الامتياز(concession) في تشغيل المشروع لاستيفاء ثمن الاستصناع.
         والأمر الحاسم في تطبيق هذين التكييفين هو: من يملك المشروع بعد اكتماله وفي أثناء استفادة الصانعة صاحبة الامتياز؟ فإن كان العقد يصرح بأن المشروع تملكه الجهة الصانعة في هذه المدة، وهو ما يعبر عنه بقولهم ( (Build, Own and Transfer بمعنى بناء – تملك – نقل الملكية، فينطبق عليه التكييف الأول، بمعنى أن العلاقة بين الجهتين علاقة المؤجر والمستأجر، أما إذا صرح العقد بأن المشروع تتملكه الدولة فور اكتماله، ولكنها تعطي الجهة الصانعة حق الاستفادة به خلال مدة العقد, وهو مايعبر عنه يقولهم: (Build, Operate and Transfer) يعنى بناء – تشغيل – تسليم. فينطبق عليه التكييف الثاني. وفي كل من هذين النوعين والتكييفين قضايا فقهية لابد من دراستها قبل أن نحكم عليها بالجواز أو عدمه. ولنتكلم عن كل نوع على حدته.
بناء – تملك – نقل الملكية
         أما النوع الأول الذي يبتنى على أساس إجارة الأرض، فقد لاينطبق على القواعد الفقهية الشرعية في صورته المعروفة، وذلك لأنه مبنى على أساس أن الدولة آجرت أرضها للجهة الصانعة إلى مدة معلومة، والأجرة المؤجلة هي تسليم نفس المشروع بعد انتهاء المدة. وهذا لايصلح شرعا، لأننا لو أسسنا العقد على أساس إجارة الأرض فإن الإجارة تبتدئ منذ أول يوم تسلم فيه الأرض إلى الجهة الصانعة. والمقرر شرعا أن الإجارة عقد متجدد بمعنى أن كل يوم ينسب إليه جزء من الأجرة المتفق عليها، ولو كانت الإجارة لمدة طويلة، فمثلا لو آجر زيد أرضه إلى عمرو لمدة سنة بمبلغ ستة و ثلاثين ألف ريال – (SR.36000/-) فإن هذه الأجرة تقسم على عدد أيام السنة، فيستحق زيد مائة ريال مقابل كل يوم، فلو انفسخت الإجارة قبل سنة لسبب من الاسباب فإنّ المؤجر يستحق الأجرة مقابل الأيام الماضية، فلو كانت الإجارة انفسخت بعد شهرين مثلا، فإن ما يستحقه المؤجر هو ستة آلاف ريال لما مضى من الأيام فظهر بهذا أن الأجرة في إجارة الأرض لابد أن تكون قابلة للانقسام على عدد أيام الإجارة ليمكن التصفية بالشكل المذكور عند انفساخ الإجارة قبل انتهاء المدة. ولكن الأجرة في هذا العقد نفس المشروع الذي سوف ينشئه المستأجر في مدة ربما تطول. ولا يصلح ذلك المشروع للانقسام على عدد أيام الإجارة، فلو انفسخت الإجارة قبل اكتمال المشروع لايمكن التصفية بتجزئته على عدد الأيام الماضية، فإنه يمكن أن تكون الأيام الماضية ربع مدة الإجارة، والجزء المكتمل ثمنه، أو بالعكس، كما يمكن أن تنفسخ الإجارة قبل أن يبرز جزء من أجزاء المشروع فظهر أن المشروع المقترح لايصلح أن يكون أجرة في إجارة الأرض.
         فلا سبيل إلى تخريج هذا العقد على أساس الإجارة إلا بأن تحدد أجرة الأرض بنقود معلومة، ولكن يجوز عند انتهاء مدة الإجارة أن يتراضى الطرفان بتسليم المشروع إلى المؤجر على أساس التقويم، وبما أنه لايجوز في هذه الصورة اشتراط سابق لتسليم المشروع عند انتهاء المدة بدلا من النقود، فإن هذه الصيغة لا تنفع من حيث كونها عقدا باتا يلتزم به الفريقان والذى هو المقصود من العملية.
         فتبين بهذا أن العقود التي تنشأ على أساس تملك الجهة الصانعة للمشروع غير موافقة للشريعة الإسلامية في صورتها المعروفة.

النوع الثاني: بناء – تشغيل – تسليم

         أما النوع الثاني، وهو أن تبني الجهة الصانعة المشروع لصالح الدولة، ولا تملكه بعد الاكتمال، وإنما تنتفع بتشغيله لمدة معلومة، فإن هذا العقد في هذه الصورة استصناع من الدولة، وثمن الاستصناع منفعة المشروع التي ينتفع بها الصانع خلال مدة العقد. وقبل أن نحكم على هذا العقد بالجواز لابد من التعرض لبعض النقاط الفقهية يمكن أن تثار للقول بعدم جوازه وهي:
-        هل يجوز أن يكون ثمن الاستصناع منفعة؟
-        هل يجوز أن يكون ثمن الاستصناع منفعة تحدث بفعل الصانع؟
-        ألايتضمن هذا العقد غررا؟ حيث إن مقصود الصانع هو الحصول على الموارد المالية التي يرجو أن يدرّها المشروع في تلك المدة، وهي غير معلومة
هل تصلح المنفعة ثمنا؟
         أما كون المنفعة ثمنا للبيع، فقد أجازه الفقهاء. يقول العلامة ابن نجيم الحنفي رحمه الله تعالى ناقلا عن القنية : "بعتك عبدي بمنافع دارك سنة، لايجوز. ثم رقم: هذا بيع في حق العبد إجارة في حق الدار فإنه جائز"[1].
         وكذلك جوزوا أن تكون المنفعة أجرة في الإجارة. جاء في المدونة الكبرى للإمام مالك رحمه الله تعالى: "فهل يجوز أن يشترى سكناى الذي أسكنته بسكنى دار لي أخرى أو بخدمته، أو بخدمة عبد لي آخر، أيجوز ذلك أم لا؟ قال: لا أرى بأسا"[2]
         وقد يستشكل هذا بأن المنفعة التي صارت ثمنا في البيع (في مسئلة البحر الرائق) أو أجرة في الإجارة (في مسئلة المدونة) موجودة عند العقد، فلا يقاس عليها العقد المبحوث فيه، حيث إن المنفعة التي جعلت ثمنا للاستصناع معدومة عند العقد. ويمكن أن يجاب عنه بأن قضية الاستصناع غير قضية البيع، والإجارة، فإن العين المبيع في البيع، والمنفعة المعينة المستأجرة في الإجارة، موجودتان عند العقد، فيجب أن يكون العين أو المنفعة بدلهما موجودا. أما الاستصناع فالمبيع فيه معدوم، وإنما أجيز العقد لمكان الحاجة والتعامل فلابأس إن كان بدله مثله في كونه معدوما، مثل أن يستصنع زيد خزانة من عمرو بأن يصنع له عمرو منضدة. والظاهر أن العقد جائز، مع كون كل من البدلين معدوما عند العقد. فإن كانت المنفعة التي جعلت بدلا للاستصناع سوف تحدث بصنعة الصانع نفسه، فلايضر كونه معدوما بالطريق الأولى لأن وجود المنفعة التي هي الأجرة موقوف على إنجاز الصانع للمشروع، وهذا الإنجاز نفسه هو المعقود عليه في الاستصناع، ولا يستحق الصانع الثمن إلا بالإنجاز، ومتى حصل الإنجاز، وجدت المنفعة التي هي الثمن، فصار وجود الثمن لازما لو جود المبيع.
         فلا إشكال من جهة كون المنفعة معدومة عند العقد. نعم قد يتأتى هناك إشكال آخر وهو كون هذه المنفعة إنما تحدث بفعل الصانع، فتتأتى فيها مسئلة قفيز الطحان، وهذا يأخذنا إلى النقطة الثانية التي أشرنا إليها.
مسألة قفيز الطحان
         ووجه الإشكال من هذه الجهة أن جمعا من الفقهاء حكموا بفساد الإجارة إن كانت الأجرة المشروطة لا تحدث إلا بفعل الأجير، والمسألة مشهورة في الفقه بمسألة قفيز الطحان، فقد ذكر الفقهاء أنه لو استاجر رجل طحانا ليطحن دقيقه، واشترط أن يكون قفيز من الدقيق المطحون أجرة طحنه، فإن ذلك لايجوز. يقول العلامة الكاساني رحمه الله تعالى، وهو يتحدث عن شرائط صحة الأجرة:
"ومنها أن لاينتفع الأجير بعمله، فإن كان ينتفع به لم يجز، لأنه حينئذ يكون عاملا لنفسه فلا يستحق الأجر ... وعلى هذا يخرج ما إذا استأجر رجلا ليطحن له قفيزا من حنطة بربع من دقيقها أو ليعصر له قفيزا من سمسم بجزء معلوم من دهنه أنه لايجوز، لأن الأجير ينتفع بعمله من الطحن والعصر، فيكون عاملا لنفسه".[3]
"(ولو دفع غزلا لآخر لينسجه بنصفه) أي بنصف الغزل (أو استأجر بغلا ليحمل طعامه بعضه، أوثورا ليطحن بره ببعض دقيقه) فسدت الكل، لأنه استأجره بجزء من عمله."[4]
هذا مذهب الحنفية، ويوافقه مذهب الشافعية. يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: "لا يجوز أن يجعل الأجرة شيئا يحصل بعمل الأجير، كما لو استأجر السلاّخ ليسلخ الشاة بجلدها، أو الطحان ليطحن الحنطة بثلث دقيقها، أو قاطف الثمار بجزء منها بعد القطاف، أو لينسج الثوب بنصفه، فكل هذا فاسد."[5]
         وحجة هؤلاء الفقهاء في ذلك مأ أخرجه الدار قطني في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نهى عن عسيب الفحل، زاد عبيدالله: وعن قفيز الطحان.[6]
         وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في التلخيص وقال: "وفي الإسناد هشام أبو كليب رواية عن ابن ابي نعم عن أبي سعيد لايعرف قاله ابن القطان والذهبي، وزاد: وحديثه منكر. وقال مغلطاي: وهو ثقة، فينظر فيمن وثقه، ثم وجدته في ثقات ابن حبان"[7]
ولكن الحديث ليس مداره على هشام أبي كليب فقط، لأنه تابعه عطاء بن السائب فيما أخرجه الطحاوي رحمه الله في مشكل الآثار من طريق الإمام أبي يوسف عن عطاء بن السائب عن ابن ابي نعم، عن بعض أصحاب النبي عن النبي "أنه نهى عن عسب التيس وكسب الحجام، وقفيز الطحان"[8] وقال الشيخ العثماني التهانوي رحمه الله "وهذا سند جيد".[9]
وفسره الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى، وهو أحد رواة الحديث بأن صورته أن يقال للطحان: اطحن بكذا وكذا بزيادة قفيز من نفس الطحين. وقيل: هو طحن الصبرة لا يعلم مكيلها بقفيز منها.[10]
وعلله الحنفية والشافعية بأن الأجرة إن كانت من نفس الطحن صار الأجير يعمل لنفسه، وهو موجب لفساد الإجارة عندهم كما سبق في نصوصهم الفقهية.
أما المالكية والحنابلة، فالظاهر أنهم جوزوا مثل هذه الإجارة ما دامت الأجرة معلومة، فمجرد كون الأجرة تحدث بفعل الصانع لايفسد الإجارة عندهم، إلا إذا أدى ذلك إلى جهالة الأجرة. ولذلك فرقوا بين الطحن بصاع من الطحين، حيث يجوز عندهم لكون الصاع معلوما، وبين سلخ الحيوان بجلده حيث لايجوز لما فيه من جهالة صفة الجلد، فقال الدردير المالكي رحمه الله: "(و) جاز (صاع دقيق) يدفعه رب القمح ونحوه لمن يطحنه له (منه) أو من غيره في نظير طحنه (أو) صاع (من زيت) يدفعه رب الزيتون لمن يعصره له أجرة لعصره (لم يختلف) أي إذا لم يختلف كل من الحب أو الزيتون في الخروج، فإن اختلف بأن كان تارة يخرج منه الدقيق أو الزيت، وتارة لا، منع للجهالة".[11] "والمشهور في مسألة الدقيق جواز الإستئجار بصاع منه الخ"[12]
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي رحمه الله تعالى: "قال ابن عقيل: نهى رسول الله عن قفيز الطحان، وهو أن يعطى الطحان أقفزة معلومة ليطحنها بقفيز منها، وعلة المنع أنه جعل له بعض معموله أجرا لعمله، فيصير الطحن مستحقا له عليه، وهذا الحديث لا نعرفه ولا يثبت عندنا صحته، وقياس قول أحمد جوازه لما ذكرنا عنه من المسائل".[13]
وقال في موضوع أخر : "قال أحمد رحمه الله في رواية منها : لابأس أن يحصد الزرع ويصرم النخل بسدس مايخرج منه، وهو أحب إلي من المقاطعة، إنما جاز ههنا لأنه إذا شاهده فقد علمه بالرؤية، وهي أعلى طرق العلم ومن علم شيئا علم جزأه المشاع، فيكون أجرا معلوما".[14]
لكن قال العلامة البهوتي رحمه الله: "(ولا) يصح استئجاره على (طحن كر) مكيل بالعراق ..... (بقفيز منه) أي المطحون لحديث الدار قطني مرفوعا: أنه نهى عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان، ولأنه جعل له بعض معموله أجرا لعمله فيصير الطحن مستحقا له وعليه، ولأن الباقي بعد القفيز مطحونا لايدرى كم هو؟ فتكون المنفعة مجهولة. وتقدم لو استأجره بجزء مشاع منه كسدسه، يصح".[15]
وهذا يدل على أن الحنابلة في مسألة قفيز الطحان على قولين، وماذكره البهوتي مبنيّ على ماذكره ابن قدامة عن ابن عقيل، ولكن صحح ابن قدامة خلافه، وهو الجواز، وقد ذكر البهوتي وجهين لعدم الجواز، الأول أن علة المنع جعل بعض معموله له أجرا لعمله، وهي العلة التي ذكرها الحنفية والشافعية، ولكن لو سلم كونه علة للمنع فينبغي أن يطرد ذلك في طحنه بجزء مشاع أيضا، كما تقدم عن بدائع الصنائع، ولكن ذكر البهوتي أنه جائز مما يدل على أن ذلك ليس علة مطردة عند الحنابلة، والوجه الثاني الذي ذكره البهوتي وهو الجهالة، فإنما ينطبق فيما إذا لم يعرف كيل جملة الطحن، أما إذا عرف ذلك فلا، وذلك يدل على أن علة المنع هي الجهالة، فيجوز إذا ارتفعت الجهالة بصورة من الصور وهو عين مارجحه ابن قدامة وذهب إليه المالكية.
وبالجملة، فالذي يظهر من راجح مذهب المالكية والحنابلة أن مجرد كون الأجرة من عمل الأجير لايصلح علة لعدم الجواز عندهم، وإنما يتوجه المنع إذا كان ذلك يؤدى إلى جهالة في الأجرة، فلعلهم لم يثبت عندهم حديث النهي عن قفيز الطحان، أو حملوه على مايؤدي إلى الجهالة إما في الأجرة، أو فيما يبقى من المطحون بعد دفع الأجرة.
وهناك ناحية أخرى في هذا الموضوع، وهي أن الحنفية وإن لم يجيزوا قفيز الطحان في أصل مذهبهم، وقاسوا على ذلك الغزل ببعض المنسوج وعدة صور أخرى مما تكون فيه الأجرة من عمل الأجير، ولكن اختار مشايخ بلخ جواز الغزل ببعض المنسوج وصور أخرى، سوى مسألة الطحن، وذلك على أساس العرف والتعامل والحاجة، وقالوا: إن العرف والتعامل مما يترك به القياس، وقد شرح ذلك العلامة ابن عابدين رحمه الله تعالى في شرح عقود رسم المفتي حيث قال : "قال في الذخيرة في الفصل الثامن من الإجارات في مسئلة ما لو دفع إلى حائك غزلا لينسجه بالثلث ومشايخ بلخ كنصير بن يحي و محمد بن سلمة و غيرهما كانوا يجيزون هذه الإجارة فى الثياب لتعامل أهل بلدهم في الثياب، والتعامل حجة يترك به القياس ويخص به الأثر، وتجويز هذه الإجارة في الثياب للتعامل بمعنى تخصيص النص الذي ورد في قفيز الطحان أن النص ورد في قفيز الطحان، لا في الحائك، إلا أن الحائك نظيره، فيكون واردا فيه دلالة، فمتى تركنا العمل بدلالة هذا النص في الحائك وعملنا بقفيز الطحان كان تخصيصا لا تركا أصلا، وتخصيص النص بالتعامل جائز. ألاترى أنا جوزنا الاستصناع للتعامل، والاستصناع بيع ماليس عنده، وإنه منهي عنه، وتجويز الاستصناع بالتعامل تخصيص منا للنص الذي ورد في النهي عن بيع ماليس عند الإنسان، لاترك النص أصلا، لأنّا عملنا بالنص في غير الاستصناع الخ".[16]
وبما ذكرنا في مسئلة قفيز الطحان في الصفحات الماضية اتضحت النقاط الآتية:
1.                   كون الأجرة تحدث بفعل الأجير لايفسد الإجارة عند المالكية وفي الراجح من مذهب الحنابلة، وعلى هذا لو كان ثمن الاستصناع منفعة تحدث بفعل الصانع، فإنه لايفسد العقد عندهم من هذه الجهة.
2.                   إن مشايخ بلخ من الحنفية قد أجازوا الغزل ببعض المنسوج على أساس التعامل، فإذا حدث هناك تعامل في غير قفيز الطحان بحيث جعلت الأجرة مما يحدث بفعل الأجير، فإنه يجوز عندهم.
3.                   إن الحنفية والشافعية الذين يمنعون قفيز الطحان يعلّلون المنع بأن الاجارة معقودة على عمل الأجير، فإن كانت الأجرة تحدث بفعل الأجير صار كأنه يعمل لنفسه، وهذا إنما يتأتى في الإجارة المحضة التي تنصب على عمل الأجير. أما الاستصناع فهو قسم من أقسام البيع، وعمل الصانع وإن كان ملحوظا في العقد فإنه ليس محلا للعقد، وإنما محل العقد هو الشيئ المصنوع، ولذلك يجوز للصانع أن يأتي بشيئ مصنوع من قبل، إما من عنده أو من السوق، إذا كان موافقا للمواصفات المشروطة، ولو كان محل العقد عمل الصانع لما جاز ذلك. فلما لم يكن عمل الصانع محل العقد فلايتأتى فيه ماذكروه في قفيز الطحان من أنه يعمل لنفسه. وبهذا يفترق الاستصناع من الإجارة.
وعلى أساس كل واحد من هذه الوجوه الثلاثة لايتوجه منع قفيز الطحان إلى عقود التشغيل بعد البناء.

هل هناك غرر في هذه العقود؟

         والنقطة الثالثة في عقود البناء والتشغيل أن فيه شبهة الغرر، من حيث إن مقصود الجهة الصانعة من تشغيل المشروع أن تحصل على موارد مالية من خلال رسوم تفرضها على الذين يستخدمون المشروع (مثل المرور على الجسر أو الشارع) أو يستهلكون مايوفر لهم المشروع (مثل الكهرباء أو الماء) وإن هذه الموارد المالية غير معلومة عند العقد، وإنما تقدرها الجهة الصانعة ظنا منها بأنها سوف تحصل على ما يغطي تكاليف المشروع مع ربح زائد ولكن لايدري أحد هل يتحقق أملها أولا.
         والجواب عن هذه الشبهة أن ثمن الاستصناع ليس تلك الموارد المالية المظنونة، وإنما هو منفعة المشروع، وهي منفعة مستقلة معلومة لها قيمة. وهذا مثل أن يشترى رجل مجمعاّ سكنيا لتأجير شققه، فإنه لايدري عند شراء المجمّع كم سيحصل عليه من أجرة، ولكن ذلك لايوجب الغرر، لأن الذي اشتراه هو منفعة المجمع وهي منفعة مستقلة وليس محل الإجارة الموارد المالية التي يتوقع الحصول عليها من خلال إجارة شققه.
حق الامتياز (Concession)
         إن عقود البناء والتشغيل يصحبها عادة حق الامتياز الذي تمنحه الحكومة للجهة الصانعة، فلابد من إلقاء نظرة على هذا الحق.
         إن حق الامتياز ترجمة للاصطلاح الإنكليزي (concession) وقد عرفته اللغة القانونية الإنكيزية بما يأتي:[17]
A grant, ordinarily applied to the grant of specific privileges by a government.
"هو عطاء، وعادة هو عطاء استحقاقات خاصة من قبل الحكومة"
         وإن هذا التعريف، وإن كان عاما جدا في ظاهره، ولكن مفهومه المتعارف هو أن تمنح الحكومة حقا للمعطى له يحق له من خلاله أن يستفيد ببعض استحقاقات الحكومة، مثل فرض الرسوم على من يمر على الشوارع المعبدة. والحصول عليها. وليس من الضرورى أن يمنح حق الامتياز لجهة من أجل دخولها في عقد البناء والتشغيل، بل قد يعطى هذا الحق لجهة بعد ماتبنى الحكومة المشروع على نفقتها. مثلا قد تبني الحكومة الشارع بنفسها، ثم تعطي حق الامتياز لجهة مقابل مبلغ مقطوع، ثم إن الجهة صاحبة الامتياز تقوم بتشغيل الشارع وتتقاضى الرسوم من المارين على الشارع.
وإن هذه الحالة تحتمل وجهين:
         الأول: أن يعتبر هذا العقد بيعا للرسوم المتوقع حصولها من السيّارات والعربات التى تمرّ على الشارع. والعقد على هذا الاعتبار باطل، فإنه بيع نقود بنقود مؤجلة بتفاضل وغرر.
         والثانى: أن يكون العقد إجارةً للشارع من قبل الحكومة التى تملكه، فالجهة صاحبة الامتياز تملك منفعة الشارع إلى مدّة معلومة، ثمّ إنّها تتقاضى الرسوم من العربات التى تنتفع بالمرور عليه، وتقاضى الرسوم فى هذه الحالة يُشبه الإجارة من الباطن، وهى جائزة عند المالكية والشافعية سواء كانت الأجرة فى الباطن زائدة على الأجرة التى يدفعها المستأجر الأول إلى المالك، وهو المختار عند الحنابلة. أما الحنفية، فذهبوا إلى أن الزيادة لاتطيب للمستأجر الأول، وهو رواية عن الإمام أحمد أيضا[18]. ولكن ذكر الحنفية أن الزيادة تطيب فى حالتين.
         الأولى: أن تكون الأجرة التى يقاضاها المستأجر الأول بغير جنس الأجرة التي يدفعها إلى المالك.
         والثانية: أن يحدث فى العين المؤجرة زيادة[19]. وإن أصحاب الامتياز يُحدثون فى الشارع زيادات كثيرة من أجل تشغيله، فلو فعلوا ذلك تطيب الزيادة لهم عند الحنفية ايضاً.
         وطرحت هذين الاحتمالين أمام العلماء للبتّ فيهما والظاهر أن الاحتمال الثانى (أعنى كون هذا العقد إجارة للشارع) هو الراجح لأن الحكومة حينما تعطى حق الامتياز، فإنها ليست لها عقد إجارة مع أىّ أحد، حتى يقال إنها باعت النقود بالنقود، فالظاهر أنها آجرت منفعة الشارع إلى صاحب الامتياز نعم يجب على الحكومة أن تضع شروطا على صاحب الامتياز لكى لا يُجحف في فرض الرسوم على المستفيدين. وإن وضع هذه الشروط ليس بصفة كون الحكومة عاقدة، وإنما هو بصفة كونها حكومة راعية لمصالح العامة. أما في عقد البناء والتشغيل، فإن هذا الحق الذي هو عبارة عن منفعة المشروع أصبح ثمنا للاستصناع وهو جائز كما حققنا فيما سبق. وإن هذا التكييف الذي ذكرناه موافق لما جاء في قرار الندوة الفقهية الثالثة عشرة لمجموعة البركة المنعقدة فى جدة بتاريخ 6\7 رمضان سنة 1418ه_ ونص القرار كما يلي:
         "فإذا كان محل عقد الامتياز إقامة مشروع فيه مبان ومعدّات تكلف أموالا تزيد كثيرا عن قيمة الأرض وذلك كبناء جسر، أو إنشاء محطة كهرباء أو مياه أو تعبيد طريق، فإن العلاقة بين الدولة (مانحة الامتياز) وصاحب الامتياز يمكن أن تكون علاقة استصناع والثمن فيه هو الانتفاع بالمشروع مدة معلومة، ولابدّ أن تكون رسوم الانتفاع عادلة وغير مجحفة بمستخدمي المشروع".[20]
         غير أن بعض المشاركين في الندوة اقترحوا تعديلا في العقد، بأن يكون ثمن الاستصناع مبلغا مقطوعا، ونص رأيهم ما يلى:
         "ورأي بعض الفقهاء المشاركين فى الندوة، أن الأولى تحديد ثمن الاستصناع بمبلغ معين يغطي تكاليف المشروع وربح صاحب الامتياز، مع تمكينه من استغلاله المدة التي يحصل بها على ذلك المبلغ."[21]
وإنما اقترح هؤلاء الفقهاء ذلك تفاديا للشبه الثلاث التي ذكرناها في تكييفه على أساس كون المنفعة ثمن الاستصناع، ولاشك أن ذلك أولى وأبعد عن الشبهات، ولكن يجب في هذه الحالة أن يكون هناك عقدان منفصلان: الأول عقد الاستصناع بمبلغ معلوم، والثاني إجارة المشروع لمدة معينة بنفس المبلغ، وتقع المقاصة بينهما عند انتهاء المدة.
وقد طرح في تلك الندوة تكييف آخر لعقد البناء والتشغيل، وذلك مذكور في آخر قرار الندوة بما نصه:
"ورأى البعض إمكان تخريج هذا العقد على أساس الإقطاع لصاحب الامتياز إقطاع انتفاع لمدة معينة، ثم تؤول المنشأة بعدها إلى الدولة".
ولي في هذا التكييف نظر، فإن الإقطاع يكون بغير عوض، ولو كان ذلك إقطاع انتفاع لمدة معينة لما وجب عليه أن يترك المشروع لصالح الدولة المقطعة. ولو اشترط ذلك عليه صار عقد معاوضة، دون إقطاع. فيؤول الأمر إلى كونه إجارة أو استصناعا كما حققناه من قبل.
وبعد الفراغ من تكييف عقود البناء والتشغيل، نريد أن نتعرض لبعض الجزئيات المتعلقة بها:
1-                الإشراف الحكومي على المشروع
          قد ذكرنا في أول هذ البحث أن مقصود الحكومة من الدخول في عقود البناء والتشغيل هو أن يُنشأ مشروع من مشاريع القطاع العام بتمويل القطاع الخاص، وما دام أن المقصود إنشاء مشروع لصالح القطاع العام، فإن الحكومة بعد الدخول في هذا العقد لاتجلس منعزلة عن كيفية إنجاز المشروع، بل إنها تشرف على جميع مراحل الإنجاز إشرافا دقيقا، لكي ينشأ المشروع حسب متطلباتها، وموافقا للمواصفات التي اتفق عليها في العقد.
وبما أن العلاقة بين الدولة والجهة الصانعة – حسبما حققناه فيما سبق – علاقة المستصنع بالصانع، فمن طبيعة هذه العلاقة أن يكون المستصنع يشرف على مراحل إنجاز المشروع، فلا مانع من ذلك شرعا.
2-                2-       طرق التمويل التي تستفيد بها الجهة الصانعة:
         ثم إن عقود البناء والتشغيل تتعلق عادة بمشاريع كبيرة تتطلب أموالا هائلة، وقد لا تستطيع الجهة الصانعة أن تتحمل هذه النفقات من جيبها الخاص، فتحتاج إلى تمويل من المؤسسات المالية على أساس القروض الربوية، أو من الشعب على أساس إصدار السندات الربوية. وكل ذلك حرام في الشريعة الإسلامية لحرمة الربا. فماهو البديل لتمويل الجهة الصانعة؟
         والجواب: أن الجهة الصانعة يمكن لها أن تستفيد بأي طريق من طرق التمويل الإسلامي من المشاركة، والمرابحة، والإجارة وما إلى ذلك. أما المرابحة فيمكن تطبيقها في جزئيات المشروع، فيمكن أن تشتري المواد الخام للمشروع عن طريق المرابحة، كما يمكن أن توفر آلات ومعدات للمشروع، بأن تشارك مؤسسة أو مؤسسات مالية بطريق التمويل المجمع في المشروع.
المشاركة بطريق التوريق
         وإن التمويل على أساس المشاركة يمكن بطريق التوريق (securitization) أيضاً، فيجوز للجهة الصانعة صاحبة الإمتياز أن تصدر صكوكا يساهم بها حملتها في المشروع، ويحق لهم الاستفادة من الموارد المالية التي تحصل بفرض الرسوم على المستخدمين.
         ويجوز إصدار هذه الصكوك قبل الشروع في بناء المشروع، فتكون الصكوك صكوك المشاركة التي تمثل لحملتها الحصة الشائعة في جميع العملية، فكأن مجموعة حملة الصكوك هم الذين دخلوا في عقد الاستصناع مع الدولة، وبذلك يساهمون في جميع حقوق الجهة الصانعة والتزاماتها، ويشاركونها في الموارد المالية الحاصلة من منفعة المشروع.
         وكذلك يجوز إصدار الصكوك بعد اكتمال المشروع، وحينئذ تكون هذه الصكوك ممثلة للحصة الشائعة في المنفعة التي حصلت عليها الجهة الصانعة ثمنا للاستصناع، وحاصل ذلك أن المنفعة أصبحت مملوكة للجهة الصانعة لمدة متفق عليها، فيجوز لها أن تشرك الآخرين فيها لقاء عوض مالي، فيكون مثل أن يملك رجل منفعة مجمع سكني باستئجاره من المالك، ثم يدخل الشركاء في حصصه الشائعة قبل إجارة شققه إلى المستأجرين النهائيين.
         وليس هذا من قبيل إجارة ماهو مؤجر من قبل، حيث لايجوز، لأن المنفعة في تلك الحالة انتقلت إلى المستأجر فلا يملك المالك إجارته مرة أخرى، ولا يكون إلا بيعا للأجرة المتوقع لها من المستأجر الأول، وذلك غير جائز.
         أما في موضوعنا، فإن منفعة المشروع باقية في ملك الجهة الصانعة، ولم تنتقل إلى أحد، والذين يستفيدون من المشروع فإن استفادتهم جزئية وآنية. فإذا كان المشروع جسرا أو طريقا معبدا فإن منفعتهما مملوكة للجهة الصانعة بحق الامتياز، والذين يمرون على الجسر أو على الطريق المعبد، فإن المنفعة لا تنتقل إليهم، وإنما يستفيدون بها استفادة جزئية وآنية. فإن أدخل مالك المنفعة شركاء جددا، فلايقال إنه ملكهم حصة من المنفعة التي انتقلت إلى المستأجرين، بل إنه يملكهم حصصا في المنفعة القائمة بيده، ولا محظور في ذلك.
         على هذا، يجوز لمالك هذه المنفعة أن يصدر صكوكا تمثل حصصا شائعة في هذه المنفعة، ولما ملك حملة الصكوك حصصا من المنفعة فإنهم يستحقون حصصا شائعة من الرسوم التي تفرض على من يمر على الجسر أو على الشارع، وبما أن هذه الصكوك تمثل ملكية في المنفعة دون مبلغ مالي، فإنه يجوز تداولها في السوق الثانوية.
         وهكذا يمكن أن تحدث هذه الصكوك آلية جيدة لاستجلاب فضول أموال الناس وتشغيلها في مشاريع القطاع العام، بحيث يفيد المشروع، كما يفيد الشعب في الحصول على ربح جيد.
                                      والله سبحانه وتعالى أعلم
  


[1] )    البحر الرائق ج:5 ص:46 طبع مكة المكرمة.
[2] )    المدونة الكبرى للإمام مالك ج:3 ص:622.

[3] )    بدائع الصنائع ج:4 ص:46 طبع مكة المكرمة، كتاب الإجارة
[4] )    الدر المختار مع ابن عابدين ج:6 ص:.56
[5] )    روضة الطالبين ج:5 ص:176.
[6] )    سنن الدار قطني ج:3 ص:47 حديث 195 من كتاب البيوع وأخرجه أيضا البيهقي في سننه الكبرى ج:5 ص:339.
[7] )    تلخيص الحبير ج:3 ص:60 حديث 1286.
[8])     مشكل الآثار للطحاوي ج:2 ص:302.
[9] )    إعلاء السنن للتهانوي ج:16 ص:181.
[10] )   تلخيص الحبير ج:3 ص:60.
[11] )   الشرح الكبير للدردير مع الدسوقي ج:4 ص:9.
[12] )   مواهب الجليل للحطاب ج:5 ص:398.
[13] )   المغني لابن قدامة مع الشرح الكبير، كتاب المضاربة ج:5 ص:119 طمع بيروت
[14] )   المغنى لابن قدامة كتاب الإجارة ج:6 ص:72.
[15] )   شرح منتهى الإرادات للبهوتي ج:2 ص:354، كتاب الإجارة طبع دارالفكر.
[16] )   شرح عقود رسم المفتي ص:40 طبع كراتشي
[17] Black’s Law Dictionary 5th Edition, p.262
[18] )   راجع المغنى لابن قدامة ج:6 ص:53، دارالكتب العربية بيروت، والموسوعة الفقهية الكويت ج:1 ص:267.
[19] )   الفتاوى الهندية كتاب الإجارة، باب 7، ج:8 ص:425 ودرالمحتار 29:6 باب مايجوز من الإجارة الخ.
[20] )   فتاوى ندوات البركة ص:220 الطبعة الخامسة جدة 1418ه قرار رقم 13\2.
[21] )   فتاوى ندوات البركة ص:220 الطبعة الخامسة جدة 1418ه قرار رقم 13\2.

تعليقات