القائمة الرئيسية

الصفحات



تــعـدد الشــفعاء صـــــــوره وأحكامه في الفقه الإسلامي

تــعـدد الشــفعاء صـــــــوره وأحكامه في الفقه الإسلامي

تــعـدد الشــفعاء
صـــــــوره وأحكامه في الفقه الإسلامي




العنوان : تــعـدد الشــفعاء صـــــــوره وأحكامه في الفقه الإسلامي
المؤلف : عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الناصر
  

تــعـدد الشــفعاء
صـــــــوره وأحكامه في الفقه الإسلامي

إعداد

د. عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الناصر

الأستاذ المساعد بقسم الثقافة الإسلامية
كلية التربية – جامعة الملك سعود

ملخص البحث
         يعتبر حق الشفعة من الحقوق الشرعية التي كفلها الإسلام للشريك إذا باع شريكه نصيبه على شخص أجنبي ، فيدفع عند الضرر بأخذه نصيب شريكه من المشتري الأجنبي بالثمن الذي قام عليه .
         وهي تبين مدى حرص الإسلام على بقاء العلاقات المالية بين الشركاء بعيدة عن الخلافات والمنازعات التي تؤدي إلى الإضرار بهم جميعاً .
         وقد اتفق العلماء على أن الشفعة تثبت للشفعاء في حال تعددهم فلكل منهم أن يطالب بنصيبه منها .
         وقد بيَّن البحث الحالات التي تكون بين الشفعاء في حال تعددهم وتزاحمهم في الأخذ بالشفعة :
·           فإذا كان الشفعاء متفقين في سبب الشفعة والتملك والمشتري ليس منهم فإن العلماء يختلفون في كيفية تقسيم المشفوع فيه بينهم فيرى الجمهور أن الشفعة تكون على قدر أنصبتهم ، ويرى بعضهم أن الشفعة تكون على حسب عددهم فيقسم المشفوع فيه بالتساوي بينهم .
·           وإذا تعدد الشفعاء وكانوا متفقين في سبب الشفعة مختلفين في سبب التملك فإن الشفعة تكون لجميع المشتركين في الملك من دون نظر إلى سبب تملكهم مع خلاف بين العلماء في هذه المسألة .
·           وإذا تعدد الشفعاء وكانوا مختلفين في سبب الشفعة فإن الشفعة تكون للشريك في الملك ثم للخليط في أحد حقوق الملك ثم للجار الملاصق .
·           وإذا كان المشتري للمشفوع فيه أحد الشفعاء فإن الشفعة تثبت لجميع الشركاء إذا كان المشتري مساوياً لبقية الشركاء في المرتبة ، وإذا كان بمرتبة أعلى فإنه ينفرد في الأخذ بالشفعة ولا شفعة لهم عليه ، أما إذا كان بمرتبة أقل فإن الشفعة تكون للأقوى مرتبة فيقدم على المشتري في الأخذ بالشفعة .


الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، والصلاة والسلام على النبي الأمين ، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين         وبعـد :
فإن المتتبع لمنهج الإسلام في أحكامه وتشريعاته يدرك بجلاء حرصه على بقاء العلاقات المالية بين الشركاء نقية من المنازعات والخصومات إذ أن الاختلاط مظنة لذلك قال تعالى } وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُم { (ص: من الآية24) .
ومن أهم الوسائل التي شرعها الإسلام لتحقيق هذا المقصد " الشفعة " ذلك الحق الذي يستطيع الشفيع من خلاله أن يحمي نفسه من شخص أجنبي عنه ، فتبقى العلاقات بين الشركاء كما كانت مما يقلل من حصول الخصومات ويدفع وقع العداوات بإذن الله .
وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحق أروع بيان وأدقه ، وطبقه في حياته صلى الله عليه وسلم ، وكذا خلفاؤه من بعده ، ثم توالى العلماء رحمهم الله يبينون أحكام هذا الحق وقواعده في كتبهم الفقهية وشروح الأحاديث النبوية 
         ومن المسائل التي بحثها العلماء وفصَّلوا أحكامها مسألة تعدد الشفعاء وتزاحمهم في الأخذ بالشفعة .
         فالشفيع إذا كان واحداً فإنه ينفرد في الأخذ بالشفعة ولا ينازعه أحد فيها ، وإذا كان أكثر من واحد وهذا هو الغالب . فإنه يحصل التزاحم بين الشفعاء ، كل يطالب بنصيبه فيها فهل يقسم المشفوع فيه بينهم بالسوية ، أو على قدر أنصبتهم ؟ وكذا إذا كان بعض الشفعاء مشتركين في سبب واحد للملك بأن كانوا ورثة لأحد الشركاء في الملك فباع أحدهم ؛ فهل تكون الشفعة لبقية الورثة فقط ؟ أم تشمل جميع الشركاء في الملك ؟
         وتتجلى أهمية الموضوع أكثر عند من يوسع أسباب الشفعة فيجعلها للخليط في أحد مرافق الملك وللجار الملاصق ، فإذا تزاحم هؤلاء الشفعاء في المطالبة بالشفعة فكيف يكون الترتيب بينهم .
نظراً لأهمية الموضوع وتعدد صوره وحالاته وعدم وجود – حسب علمي – الدراسة الفقهية المستقلة فيه ؛ فقد استعنت بالله في بحثه وبيان أحواله وأحكامه في الفقه الإسلامي .
         وقد نهجت منهج المقارنة بين المذاهب الفقهية الأربعة إضافة إلى المذهب الظاهري ، وقدمت للموضوع بمقدمة مختصرة عن مفهوم الشفعة ومشروعيتها وشروطها وأسبابها مما يحتاج إليه البحث دون التفصيل في جزئيات هذه المسائل والخلافات الواردة فيها .

وقد قسمت البحث إلى تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة :
التمهيد :          وبينت فيه تعريف الشفعة ومشروعيتها وأركانها وشروطها وأسبابها باختصار .
الفصل الأول :    ثبوت حق الشفعة للشفعاء عند تعددهم .
الفصل الثاني :    تعدد الشفعاء المشتري ليس منهم .
                     ويتضمن مبحثين :
                     المبحث الأول: تعدد الشفعاء مع اتفاقهم في سبب الشفعة .
                     المبحث الثاني : تعدد الشفعاء مع اختلافهم في سبب الشفعة .
الفصل الثالث : تعدد الشفعاء والمشتري منهم .
                      ويتضمن مبحثين :
                     المبحث الأول : اتفاق المشتري مع الشفعاء في المرتبة .
                     المبحث الثاني : اختلاف المشتري مع الشفعاء في المرتبة .


التمهيد :

تعريف الشفعة ومشروعيتها :

         الشفعة في اللغة هي الضم والزيادة ، يقال شفعت الشيء إذا ضممته إلى غيره ([1]) .
         أما تعريف الشفعة في الاصطلاح الفقهي فقد اختلف العلماء رحمهم الله في تعريفها تبعاً لاختلافهم في أسبابها وأحكامها وخاصة بين الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة وبين الحنفية  ([2]).
         فعرفها الحنفية بأنها " تملك البقعة جبراً عن المشتري بما قام عليه ([3]) " . وعرفها الحنابلة – وقريباً منه تعريف المالكية والشافعية- بأنها " استحقاق الشريك انتزاع حصه شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه ([4]) " .
         والشفعة ثابتة بالسنة والإجماع ، فمن السنة حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : " قضى رسول الله صلى الله عليه بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " ([5]) ، وفي  رواية مسلم " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإن باع ولم يستأذن فهو أحق به " ([6]).
         وأما الإجماع فقد أجمع أهل العلم على ثبوت الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط . ([7]) .

أركان الشفعة وشروطها :
أركان الشفعة عند جمهور الفقهاء هي :
1- الشفيـع                : وهو من ثبت له حق الأخذ بالشفعة .
2- المشفوع عليه        : وهو من يؤخذ منه الملك المشفوع فيه .
3- المشفوع فيه          : وهو الملك الذي يستحق أخذه بالشفعة .
4- المشفوع به : وهو ما يدفعه الشفيع إلى المشفوع عليه من الثمن ([8]) .

ويشترط للأخذ بالشفعة الشروط التالية :
1-    أن يتوفر في الشفيع سبب الأخذ بالشفعة وقت صدور البيع وما في حكمه إلى حين القضاء له بالشفعة ، وذلك بأن يكون شريكاً للبائع في العقار المشاع وهذا محل اتفاق بين الفقهاء- أو خليطاً في أحد حقوق الارتفاق أو جاراً ملاصقاً – وهذا عند الحنفية - ([9]) .
2-    أن تنتقل ملكية المشفوع فيه إلى المشفوع عليه – المشتري- بعقد معاوضة مالي صحيح ، كالبيع والصلح عن مال والهبة بشرط العوض ونحو ذلك .
3-    أن لا يصدر من الشفيع ما يدل على رضاه ببيع العقار المشفوع فيه .
4-    أن يكون المشفوع فيه عقاراً – يُلحق به المنقول الذي فيه – أما المنقول استقلالاً فلا شفعة فيه عند الجمهور خلافاً للظاهرية ([10]) .
5-    أن يطالب الشفيع بالشفعة على الفور بعد علمه بالبيع وتمكنه من ذلك فإن تراخى عن المطالبة سقط حقه في الشفعة .
6-    أن تشمل مطالبة الشفيع جميع المشفوع فيه ، فإن اقتصرت مطالبته على البعض سقطت شفعته
7-    أن يكون الشفيع قادراً على تسليم الثمن للمشتري فإن كان عاجزاً بطلت شفعته([11]) .

أسباب الشفعة :
1- الشركة في العقار المشاع : أجمع العلماء على ثبوت الشفعة في العقار إذا كان مشاعاً لم يقسم بين الشركاء ، جاء في الإجماع لابن المنذر " أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط  ([12]) "
2- الخلطة في حق من حقوق الملكية : وهي الشرب والطريق والمسيل .
3- الجوار إذا كان ملاصقاً .
         وقد اختلف أهل العلم في ثبوت الشفعة في السببين الأخيرين (الخلطة والجوار) فذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية ([13]) إلى عدم ثبوت الشفعة بهما ، وذهب الحنفية وبعض التابعين ([14]) إلى ثبوت الشفعة بهما . وفي رواية عن الإمام أحمد قال بها بعض أصحابه ([15]) أن الشفعة تثبت في اجتماع كلا السببين بأن يكون الشفيع جاراً ملاصقاً ومشاركاً للبائع في أحد حقوق الملكية كالشرب أو الطريق أو المسيل ، أما إذا كان خليطاً في أحد حقوق الملكية دون أن يكون جاراً ملاصقاً أو العكس فإنه لا شفعة له ، ويدل على هذا القول حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً  ([16]) " .
وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية ([17]) وتلميذه ابن القيم ([18]) وبعض المحققين من أهل العلم وهو الذي يظهر رجحانه لما فيه من الجمع بين الأدلة ، ولأن شرعية الشفعة إنما هي لدفع الضرر ، والضرر يحصل في الغالب مع المخالطة في الشيء المملوك  ([19])  .

ونخلص إلى أن أسباب الأخذ بالشفعة أحد الأمور التالية :
1- الشركة في العقار المشاع وهذا محل اتفاق بين العلماء .
2- الجوار الملاصق مع الخلطة في أحد مرافق الملك وهذا السبب مثبت للشفعة عند الحنفية وبعض متأخري الحنابلة .
3- الخلطة في أحد مرافق الملك وهذا السبب مثبت للشفعة عند الحنفية .
4- الجوار الملاصق وهذا السبب مثبت للشفعة عند الحنفية .

الفصــل الأولثبوت حق الشفعة للشفعاء عند تعددهم

         اتفق العلماء على ثبوت حق الشفعة لكل واحد من الشفعاء عند تعددهم واتحادهم في سبب الاستحقاق وذلك للنصوص الواردة في ثبوت حق الشفعة لمن قام به سببها سواءً كان واحداً أو أكثر من الواحد ([20]) .
         وللشفعاء جميعاً أن يطالبوا بالشفعة فإن أُعطوا قسم المشفوع فيه بينهم ، كما أن لكل واحد منهم أن يطالب بالشفعة وحده ولكن يجب أن لا تقتصر مطالبته على نصيبه فقط ، وإنما يطالب بجميع المشفوع فيه فإن أُعطي رجع عليه باقي الشفعاء المستحقين للشفعة وأَعطى كل واحد منهم نصيبه من المشفوع فيه([21]) .
وإذا أسقط بعض الشفعاء حقه في الشفعة لم يقسط حق الباقين ولكن عليهم أن يأخذوا جميع المشفوع فيه أو يتركوه وليس لهم أخذ بعضه . وهذا مما أجمع عليه أهل العلم .
         قال ابن المنذر ( أجمعوا على أن من اشترى شقصاً من أرض مشتركة ، فسلم بعضهم الشفعة . وأراد بعضهم أن  يأخذ فلمن أراد الأخذ بالشفعة أن يأخذ الجميع أو يدعه وليس له أن يأخذ بقدر حصته ويترك الباقي )([22]) .
         وسبب المنع أن في أخذ الشفعاء بعض المشفوع فيه وترك بعضه إضراراً بالمشتري بتبعيض الصفقة عليه ولا يزال الضرر بالضرر .
وبيان ذلك : أن الشفعة شرعت لدفع ضرر الشريك الداخل خوفاً من سوء المشاركة ومؤونة القسمة فإذا أخذ باقي الشفعاء بعض المشفوع فيه وتركوا الباقي للمشتري لم يندفع الضرر عنهم لمشاركة الداخل لهم فلا يتحقق معنى الشفعة الذي شرعت لأجله ([23]).
         ويرى الحنفية أن الشفيع إذا أُسقط حقه بعد القضاء بالشفعة فإنه ليس لمن بقى من الشفعاء أن يأخذ نصيبه لأنه بالقضاء قُطع حق كل واحد منهم في نصيب الآخر ([24]) .
         وإن وهب بعض الشركاء نصيبه من الشفعة لبعض شركائه أو لغيرهم لم تصح إليهم لأن ذلك عفو وليس بهبة فلا يصح لغير من هو عليه ([25]) .
غيبة بعض الشفعاء :
         إذا غاب بعض الشفعاء أو كان غير عالم بالبيع فإن حقه في الشفعة لا يسقط بل له أن يطالب به حين مجيئه أو علمه ([26]) ، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك ([27]) "وهذا يشمل الحاضر والغائب ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً ([28]) " .
         ولأن الشفعة حق شرعي للشفيع إذا وجد سببها فتثبت له حتى يعفو عنها كالإرث .
         ثم إن الغائب شريك لم يعلم بالبيع ، أو أنه علم ولكنه لم يتمكن من المطالبة فتثبت له الشفعة كالحاضر ([29]). 
         وإذا طالب أحد الحاضرين بالشفعة فإنه يقضي له بها ، ولا يؤخر إلى حين
قدوم الغائب لاحتمال عدم مطالبته فلا يزاحم المتيقن بالمشكوك فيه ([30]).
         ويلزم الحاضر أن يأخذ الكل أو يدع الكل ولا يقتصر على المطالبة بنصيبه فقط ، وذلك حتى لا تتبعض الصفقة على المشتري ([31]) .
         وليس للحاضر أن يؤخر المطالبة بالشفعة والأخذ بها إلى حين قدوم شركائه
لأن في التأخير إضراراً بالمشتري وهذا عند جمهور الفقهاء ([32])  ويرى الشافعية في الأظهر عندهم ([33]) أن للحاضر ترك الأخذ بالشفعة إلى حين قدوم الغائب ؛ ولا يسقط حقه بالشفعة لأنه تركه لعذر وهو خوف قدوم الغائب فينتزعه منه أو يقاسمه فيه وذلك ضرر به فكان له تأخيره إلى حين قدوم شركائه ([34]) . 
- وإذا أخذ أحد الشفعاء الحاضرين بالشفعة فقدم أحد الشفعاء الغائبين فإن عفا عن حقه في الشفعة سقط حقه فيها ، وإن طالب به قسم المشفوع فيه بينهم ، وتكون القسمة بحسب عددهم أو على قدر أنصبتهم حسب خلاف العلماء  ([35]) . فإن أتى الغائب الثالث وطالب بالشفعة فإن القسمة الأولى تنقض ويعاد تقسيم المشفوع فيه بينهم مرة أخرى وهكذا إن قدم رابع وخامس … الخ  ([36]) .
         ووجه ما ذهب إليه الفقهاء من صحة القسمة الأولى مع وجود شفيع ثالث أو رابع فيها ، بأن ثبوت حق الشفيع لا يمنع التصرف بدليل أنه يصح هبته وبيعه وغير ذلك ويملك الشفيع إبطاله ([37]) .
         ولعل هذا الأمر عند عدم وجود آلات الاتصال كما هو عليه الحال في الزمن السابق ، أما في الوقت الحاضر فالذي يظهر للباحث أن المشفوع فيه يبقى مع الشفيع ؛ الأول حتى يُعرف عدد الذين يطالبون بالشفعة من الشركاء ثم يقسم بينهم المشفوع فيه مرة واحدة ؛ حتى لا يتضرر الشفيع الأول ومن أتى بعده من تعدد القسمة .
وإذا أخذ الحاضر جميع المشفوع فيه ثم قدم الغائب وأراد أن يأخذ نصيبه فقال له الحاضر : أنا أسلم لك الكل فإما أن تأخذ جميع المشفوع فيه وإما تدعه لي ، فليس له ذلك وللغائب أن يأخذ نصيبه فقط ([38]) .
         وإذا نمى المشفوع فيه نماءأً منفصلاً كبستان فيه شجر فأثمر فإن هذا النماء لمن كان العقار في يده ولا يشاركه فيه غيره ، لأنه انفصل في ملكه أشبه ما لو انفصل في يد المشتري قبل الأخذ بالشفعة ([39]) .
         وهذا إذا كان الشفيع الغائب في مرتبة واحدة مع الشفيع الحاضر ، أما إذا كان الشفيع الغائب في مرتبة مختلفة – وهذا لا يكون إلا عند الحنفية والرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله – فإن كان الغائب في مرتبة أعلى من الحاضر كالشريك مع الجار قُضي للغائب بكل المشفوع فيه ، وإن كان الغائب في مرتبة أدنى من مرتبة الحاضر كالجار مع الخليط منع من الشفعة ([40])  .

الفصـل الثـانيتعدد الشفعاء والمشتري ليس منهم

         إذا تعدد الشفعاء وكان المشتري للمشفوع فيه أجنبياً عنهم – وهذا هو الغالب- فإما أن يكونوا متفقين في سبب الشفعة أو مختلفين في سببها ، وسنبين ذلك في المبحثين التاليين .
المبحث الأول : تعدد الشفعاء مع اتفاقهم في سبب الشفعة :
         وهذه الحالة أيضاً لا تخلو من أمرين : إما أن يكونوا متفقين في سبب التملك أو مختلفين . وسنبين ذلك في المطلبين التاليين :
المطلب الأول : تعدد الشفعاء مع اتفاقهم في سبب الشفعة والتملك :
         وصورة ذلك : إذا اشترك ثلاثة أشخاص في شراء عقار غير مقسوم أو ورثوه أو وهب لهم : فباع أحدهم نصيبه لشخص أجنبي ، ففي هذه الحالة نجد أن الشركاء اتفقوا في سبب الشفعة وهي الشركة في العقار المشاع ، واتفقوا أيضاً في سبب ملكية هذا العقار وهو الشراء أو الإرث أو الهبة ... الخ .
         ولا إشكال في هذه الحالة إذا كان الشركاء متساووين في الحصص ؛ بأن كان لكل واحد منهم – في المثال السابق – الثلث فإن المشفوع فيه يقسم بينهم بالتساوي فلكل واحد من الشفيعين نصف الثلث .
         ولكن إذا اختلفت حصص الشركاء بأن كان الأول يملك النصف والثاني الثلث والثالث السدس فباع صاحب الثلث ، فهل يقسم المشفوع فيه بالسوية بين صاحب النصف والسدس أم يقسم بينهم بحسب أنصبتهم ؟ .

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول :
أن الشفعة تكون بحسب الأنصبة ( أي الأسهم والحصص ):
         وهذا قول جمهور الفقهاء : من المالكية ؛ وهو الأظهر عند الشافعية ؛ والصحيح عند الحنابلة ، وهو مروي عن الحسن البصري وعطاء وابن سيرين وسوار بن عبد الله والعنبري وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد ([41]) .
         جاء في الشرح الكبير على مختصر خليل ( " وهي " أي الشفعة مفضوضة عند تعدد الشركاء " على " قدر  " الأنصباء " لا على الرؤوس  ([42]) ) .
         وجاء في المنهاج وشرحه مغني المحتاج ( " ولو استحق الشفعة جمع " من الشركاء  " أخذوا " بها في الأظهر " على قدر الحصص " من الملك ([43]) ) .
         وجاء في المغني ( الصحيح في المذهب أن الشقص المشفوع إذا أخذه الشفعاء قسم بينهم على قدر أملاكهم ([44]) ) .
         والطريقة في قسمة المشفوع فيه على قدر أنصبة الشفعاء أن أسهم الشفعاء تجمع وتقسم على العدد الجامع لها فيخرج نصيب كل شفيع ، ففي المثال السابق : نصف وثلث وسدس ، فمخرج المسألة من ستة ، نصف = 3 أسهم ،
ثلث  = 2 سهم ، سدس = 1 سهم ، فباع صاحب الثلث نصيبه وهو سهمان وبقي 4 أسهم فيوزع الثلث المشفوع فيه بين صاحب النصف والسدس ، 3 أسهم لصاحب النصف ، وسهم واحد لصاحب السدس  ([45]) .

ويستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
         الدليل الأول : أن الشفعة حق شرعي يستفاد بسبب الملك فكان على قدره ويلزم من ذلك أن يتم توزيع هذا الحق في حال تزاحم الشفعاء بقدر حق كل شريك في الملك  ([46]) .
         ونوقش هذا الدليل : بأن السبب في حق الشفعة ليس هو الملك وإنما هو المشاركة وهي غير متفاوتة ، فكذلك ما نتج عنها لا يتفاوت وهو الشفعة  ([47]) .
         الدليل الثاني     : قياس الشفعة على الربح والثمرة والأجرة وهي متفاوتة بحسب حصص أصحابها وحقوقهم ، فكذلك الشفعة تتفاوت بتـفاوت حصص الملاك ([48]) .
         ونوقش هذا الدليل : بأن قياس الاستحقاق في الشفعة على الاستحقاق في ربح المال والثمرة والأجرة قياس مع الفارق ، وذلك أن ربح المال وثمرته متولدة منه فترجع إليه بحسب قدره. أما الشفعة فليست ثمرة من ثمرات الملك أو عائدة إليه ، وإنما هي راجعة إلى سبب الاشتراك في العين المشفوع فيها  ([49]) .
         الدليل الثالث : إن الشفعة شرعت لدفع الضرر عن الشريك ، والضرر متفاوت بتفاوت حصص الملاك ، فصاحب النصيب الكثير يخصه من الضرر أكثر من صاحب النصيب القليل ، فوجب أن يراعى ذلك بأن يكون استحقاقهم لدفع هذا الضرر بقدر أنصبتهم ([50]) .
         ونوقش هذا الدليل : بأن استحقاق الشفعة لدفع الضرر عن الشريك سواءً كان نصيبه قليلاً أو كثيراً ، ولا يلزم أن يكون صاحب النصيب الكثير أشد ضرراً من صاحب النصيب القليل ، بل قد يكون صاحب القليل أشد ضرراً من صاحب الكثير.

القـول الثاني :
أن الشفعة تكون على عدد الرؤوس :
         وهذا قول الحنفية ، وهو قول للشافعية ، ورواية عن الإمام أحمد قال بها بعض أصحابه ، وهو مذهب الظاهرية ، ومروي عن ابن سيرين وابن أبي ليلى والنخعي والشعبي وسفيان الثوري وشريك وعثمان البتي ([51]) .
         جاء في الهداية ( وإذا اجتمع الشفعاء فالشفعة بينهم على عدد رؤوسهم ولا يعتبر اختلاف الأملاك ([52]) ) .
         وجاء في المنهاج وشرحه مغني المحتاج ( " وفي قول على الرؤوس([53]) "  واختار هذا جمع من المتأخرين بل قال الإسنوي إن الأول خلاف مذهب الشافعي).
  وجاء في المغني ( وعن أحمد رواية ثانية أن يقسم بينهم على عدد رؤوسهم ([54]) ).
وجاء في المحلى ( ومن باع شقصاً من الشركاء ... فكلهم سواء في الأخذ
بالشفعة ([55])) .
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
         الدليل الأول : حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة أو حائط ، لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك ([56]) " .
         ووجه الاستدلال من الحديث : أنه يستفاد من قوله " حتى يستأذن شريكه" التسوية بين جميع الشركاء في مقدار ما يأخذه كل واحد منهم ولو كان هناك مفاضلة لبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم  ([57]) .
         ونوقش هذا الدليل : بأنه ليس هناك ما يفيد التسوية بين الشركاء عند تعددهم واستحقاقهم للشفعة من هذا الحديث ، فالرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن وجوب استئذان البائع شريكه أو شركاءه في البيع ؛ وليس في ذلك بيان مقدار ما يأخذه الشريك من هذا الحق .
         الدليل الثاني : أن الواحد من الشفعاء إذا انفرد استحق المشفوع فيه كله فكذلك إذا اجتمع الشفعاء فإنهم يتساوون فيما يأخذونه من المشفوع فيه  ([58]) .
         ونوقش هذا الدليل : بأن الواحد عند استحقاقه للمشفوع فيه فإنه لا يوجد من يزاحمه ولذا استحقه جميعاً ، ولكن إذا زاحمه غيره ومن هم أكثر نصيباً منه فإنهم يتشاحون في حقوقهم ، فتعّين قسمة المشفوع فيه بينهم على حسب أنصبتهم .
الدليل الثالث : قياس تزاحم الشفعاء مع تساوييهم في سبب الشفعة والملك على البنين في الميراث ، فكما أن البنين يتساوون في أنصبتهم في الميراث فكذا الشفعاء إذا تعددوا وتساووا في سبب الشفعة والملك فإنهم يتساوون في حصصهم في المشفوع فيه  ([59]).
         ونوقش هذا الدليل : بأن البنين تساووا في السبب وهو البنوة فتساووا في الإرث بها ونظيره تساوي الشفعاء في حصصهم فإن المشفوع فيه يقسم بينهم بالسوية .
         أما إذا اختلف الشفعاء في مقدار حصصهم فنظيره الجد مع الإخوة والابن مع الأب أو الجد ، والفارس مع الراجل ، وأصحاب الديون إذا نقص المال عن دين أحدهم  ([60]) .
         الدليل الرابع : إن الشفعاء استووا في سبب استحقاق الشفعة وهو الاتصال بينهم بالشركة فتساووا في استحقاق الشفعة ، وذلك لأن ملك أي جزء من العقار الذي بيع جزء منه علة تامة لاستحقاق جميع المبيع بالشفعة سواءً كان هذا الملك قليلاًَ أو كثيراً ، غير أنه تجمع في صاحب الملك الكثير علل وصاحب الملك القليل علة واحدة أو علل أقل ، والمساواة تتحقق بين العلة الواحدة والعلل والترجيح يكون بقوة الدليل لا بكثرته ، كما لو أقام أحد المدعين شاهدين وأقام الآخر عشرة شهود فإنهم سواء في الإثبات  ([61]) .
الترجيـح :
من خلال العرض السابق للخلاف يتبين أن لكلا القولين وجاهته ، فالذين ذهبوا إلى قسمة المشفوع فيه بحسب حصص الشركاء وأنصبتهم – وهم الجمهور من المالكية والأظهر عند الشافعية والصحيح عند الحنابلة - نظروا إلى أن السبب الذي أدى إلى الأخذ بالشفعة هو الملك ، إذ بدونه لا ثبوت للشفعة فكانت حق الشفعة على قدر ملك الشريك .
         والذين ذهبوا إلى أن الشفعة تكون على عدد الشفعاء بالسوية بدون تفريق بين صاحب النصيب الأكبر والأقل – وهم الحنفية والظاهرية ومن وافقهم - نظروا إلى أن الشفعة إنما ثبتت بسبب المشاركة وهي متحققة بين جميع الشركاء سواءً كانت بقليل أو كثير .
         والذي تميل إليه النفس هو قول جمهور الفقهاء رحمهم الله من قسمة المشفوع فيه بين الشركاء بحسب أنصبتهم لما يأتـي :
1- أن الشارع أثبت حق الشفعة للشريك مطلقاً ولم يفصّل مقدار ما يأخذه كل شريك في حالة التعدد والتزاحم ، فنرجع في تقدير ذلك إلى مقدار نصيب كل شريك في الشركة وهو مرجح معتبر .
2- أن الشفعة حق شرعي مالي ( أي يؤول إلى المال ) يثبت للشريك في الملك ، وحيث إن حقوق العباد مبنية على المشاحة وعدم التسامح فيكون تقسيم المشفوع فيه بين الشركاء بحسب أنصبتهم أقرب إلى قاعدة العدل المقررة في الشريعة الإسلامية .
3- أن توزيع المشفوع فيه على عدد رؤوس الشركاء قد يؤدي إلى عدم استطاعة صاحب النصيب القليل الأخذ بالشفعة ، ويظهر ذلك فيما إذا كانت قيمة العقار مرتفعة لا يستطيع عليها مما يؤدي إلى تركه للأخذ بالشفعة فيتضرر بذلك .
مثال ذلك : إذا كان عقاراً تجارياً قيمته مرتفعة بين أربعة شركاء أنصبهم حسب التالي :
1- شريك رقم ( 1 )              50%
2- شريك رقم ( 2 )              40%
3- شريك رقم ( 3 )              5%
4- شريك رقم ( 4 )              5 %
         فباع الشريك رقم ( 1 ) نصيبه 50% لأجنبي واستحق بقية الشركاء الأخذ بالشفعة فإذا قمنا بتوزيعه بينهم على حسب عدد رؤوسهم – كما يقول الحنفية والظاهرية - فالقسمة بينهم تكون حسب التالي :
1- شريك رقم ( 2 )              33.33%
2- شريك رقم ( 3 )              33.33%
3- شريك رقم ( 4 )              33.33%
         والشريك الثالث أو الرابع إما إن يأخذ هذه النسبة جميعاً أو يدعها وفي ذلك ضرر به إذ قد لا يستطيع أن يدفع قيمتها كاملة .
         أما على قول جمهور الفقهاء بقسمة المشفوع فيه على حسب الأنصبة فإن القسمة تكون كالتالي :
1- الشريك رقم ( 2 )            80%
2- الشريك رقم ( 3 )            10%
3- الشريك رقم ( 4 )            10%
      وعلى هذه القسمة ينتفي الضرر الذي قد يحصل لبعض الشركاء . والله أعلم.

المطلب الثـاني: تعدد الشفعاء مع اتفاقهم في سبب الشفعة دون التملك:
وسنبين ذلك في الفروع الثلاثة التالية :
الفرع الأول : الترتيب بين الشفعاء المشتركين في الملك :
         وصورة ذلك    : إذا كان الشفعاء مشتركين في العقار على المشاع فيما بينهم ، ولكن بعضهم قد ورث نصيبه من مورثة ، وبعضهم اشتراه ، وبعضهم وُهب له ، وغير ذلك من مصادر الملكية ، فهل إذا باع أحدهم نصيبه تكون الشفعة لجميع شركائه أم يقدم من يشاركه في سبب التملك على من لا يشاركه فيه ؛ فإن عفا انتقل حق الشفعة إلى بقية الشركاء ممن لم يشاركه في سبب التملك ؟
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
         أن الشفعة تكون لجميع المشتركين في الملك من دون نظر إلى سبب ملكيتهم . وهذا قول الجمهور من الحنفية والمالكية في غير الورثة والشافعية في الأظهر ، والحنابلة ، والظاهرية .
         جاء في الفتاوى الهندية : ( دار ورثها جماعة من أبيهم مات بعض ولد أبيهم وترك نصيبه ميراثاً بين ورثته وهم ثلاثة بنين فباع أحدهم نصيبه فشركاؤه في ميراث أبيهم وهم أبناء الميت الثاني وشركاء الأب وهم أولاد الميت الأول شفعاء فليس بعضهم أولى من البعض ) ([62]) .
         وجاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير : ( وهي مفضوضة على الأنصباء إذا لم يكن للبائع مشارك في السهم ([63]) )
         وجاء في روضة الطالبين : ( مات مالك الدار عن ابنين ثم مات أحدهما عن ابنين ثم باع أحد الابنين نصيبه فهل يشترك الأخ والعم في الشفعة ؟ أم يختص بها الأخ ؟ قولان : أظهرهما الأول ، ويجري القولان في مسألة الأخ والعم في كل صورة ملك شريكان بسبب واحد وغيرهما من الشركاء بسبب آخر فباع أحد المالكين بالسبب الواحد ، ففي قول الشفعة : ولصاحبه خاصة ، وعلى الأظهر للجميع([64]) ) .
         وجاء في المغني : ( ولو ورث أخوان داراً أواشترياها بينهما نصفين أو غير ذلك فمات أحدهما عن اثنين فباع أحدهما نصيبه فالشفعة بين أخيه وعمه ([65]) ) .
         وجاء في المحلى : ( مسألة : وإن كانوا شركاء في شيء : بعضهم بميراث وبعضهم ببيع وبعضهم بهبة وفيهم إخوة ورثوا أباءهم ما كان أبوهم ورثه من أعمامهم فباع ؛ فالجميع شفعاء على عددهم ([66]) ) .
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
الـدليل الأول :      عموم النصوص التي وردت في إثبات الشفعة للشريك في الملك حيث لم تفرق بين شريك وآخر سواءً كان متفقاً معه في سبب تملكه أو مختلفاً عنه([67]) .
الدليل الثانـي :      إن الشركاء اشتركوا مع البائع في العين قبل بيعه لا فرق بين من كان شريكاً له بسبب متفق أو بسبب مختلف ، فحق لهم أن يشتركوا في الشفعة جميعاً كما لو ملكوا بسبب واحد ([68]) .
الدليل الثالث :       إن الشفعة شرعت لدفع ضرر الشريك عن الشركاء فحق لهم جميعاً دفع هذا الضرر في أخذهم بالشفعة ؛ من دون نظر إلى السبب الذي ملكوا به ، هل كان متفقاً مع البائع أو مختلفاً عنه ([69]) .
القول الثـاني :
         أن الشفعة تكون لمن اتحد سبب ملكهم مع البائع أولاً ، ثم لمن يشارك البائع في العقار المشفوع فيه بسبب مختلف .
وهذا قول في المذهب الشافعي ([70]) .
         وصورة ذلك : إذا ورث رجلان من أبيهما داراً ثم مات أحدهما وورثه ابنان ؛ ثم باع أحد الابنين نصيبه فإن الشفعة تكون للأخ دون العم .
         وكذا إذا وهب أحد الشركاء نصيبه في الملك المشاع لشخصين فباع أحدهم نصيبه ؛ اختص الموهوب له الثاني بالشفعة دون بقية الشركاء .

ووجه هذا القول في المذهب الشافعي :
         أن هؤلاء اتفقوا في ملك العقار بسبب واحد ، أما غيرهم ممن يشاركهم فيه فقد ملكوا بسبب آخر ، فقدم الشركاء المتفقون في السبب على غيرهم في الأخذ بالشفعة ([71]) .

القول الثالث :
         أن الشفعة تكون لمن اتحد سبب ملكهم بالإرث إذا باع أحدهم ، ثم لبقية الشركاء أما غير الورثة فلا يقدم بعضهم على بعض .

وهذا قول المالكية .
جاء في شرح الزرقاني على مختصر خليل ( " قدم " في الأخذ بالشفعة "مشاركه" أي الشفيع " في السهم" إذا اختلفت الأسباب التي بها الشركة بحيث يكون بعضها أخص من بعض كدار بين أجنبيين مات أحدهما وترك ورثة فباع أحد الورثة نصيبه لم يدخل الأجنبي في الأخذ بالشفعة  ([72]) ) .
         فهم يقدمون الشركاء بسبب الإرث إذا باع أحدهم على غيره من الشركاء في الأسباب المختلفة ، أما إذا اتحد سبب الشركاء بسبب آخر غير الإرث كالشراء والهبة وغيرهما ، فالشفعة لجميع الشركاء ولا يخصصونها بالمتحدين في السبب .
والقاعدة عند المالكية في تزاحم الورثة : أن الأخص يقدم على الأعم . وذلك أن
الشفعة تكون بين الورثة على أربع مراتب :
1- المشارك في السهم .
2- الوارث ولو كان عاصباً .
3- الموصى له .
4- الأجنبي .
         وفي قول آخر عند المالكية أن المراتب خمس هي :
المشارك في السهم، ثم ذو الفرض، ثم العاصب، ثم الموصى له، ثم الأجنبي ([73]) .
         فالقول الأول وهو الراجح عند المالكية ساوى بين أصحاب الفروض من غير المشاركين ولو في السهم وبين ذوو العصبات ، والقول الثاني فرق بينهما .
وصورة ذلك : إذا كان العقار بين اثنين فمات أحدهم وورثه زوجتان وأختان وعمَّان ، فإذا باعت إحدى الزوجتين اختصت الأخرى بالشفعة لأنها تشارك الزوجة البائعة في السهم المفروض لها ، فإذا أسقطت حقها فالشفعة للأختين والعمَّين وهذا على القول الراجح ، وعلى القول الثاني الشفعة للأختين فإذا أسقطتا حقهما فالشفعة للعمين- فإذا أسقطوا حقهم فالشفعة للموصى لهم فإذا أسقطوا حقهم فالشفعة للشريك الأجنبي الذي لم يرث معهم .
         وإذا مات رجل عن ابنين وأخوين فالشفعة لهم جميعاً ، وإن باع بعض الموصى لهم فالشفعة لبقية الموصى لهم وللمراتب التي قبلهم فيدخل معهم أهل الميراث من ذوي الفروض والعصبة .
         ووجه ما ذهب إليه المالكية من تخصيص الورثة بالشفعة دون بقية من ملك بسبب آخر : أن ملك الورثة كان مجتمعاً قبل البيع فاجتماعه بعد البيع للمشارك الأخص أولى من تفريقه بين الشركاء  ([74]) .

الترجيح :
جمهور الفقهاء يرون ثبوت حق الشفعة لجميع المشتركين في الملك بدرجة متساوية ولا يقدمون بعضهم على بعض ، أما القول الآخر عند الشافعية فهم يتفقون مع جمهور الفقهاء في ثبوت حق الشفعة لجميع المشتركين ولكن يرون تقديم من اتحد سبب ملكهم إذا كان البائع أحدهم على غيرهم ممن لم يتفق معهم بسبب الملك ، أو كان متفقاً معهم ولكن ثبت له الملك بعقد مستقل عنهم .
         وكذا عند المالكية الذين يستثنون الورثة دون غيرهم في الأخذ بالشفعة إذا كان البائع أحدهم حسب الترتيب الذي ذكروه ثم ينتقل حق الشفعة لمن بعدهم وهو المشارك الأجنبي عن الورثة .

         ولكن عند تأمل النصوص الشرعية التي أثبتت حق الشفعة نجد أنها لم تفرق بين الشريك الذي اتحد سبب ملكه مع البائع وبين غيره بل أثبتت هذا الحق للشريك مطلقاً سواء كان متفقاً مع البائع بسبب الملك أو مختلفاً عنه .
         ولذا فإن الذي يظهر رجحانه هو قول جمهور الفقهاء من عدم تقديم أحد الشركاء على أحد في الأخذ بالشفعة بل يستحقونها جميعاً إذ الاعتبار في حصول الشركة لا بسببها . والله أعلم .
الفرع الثاني : الترتيب بين الشفعاء المشتركين في حقوق الملكية :
         الاشتراك في أحد حقوق الملكية يعتبر سبباً لاستحقاق الشفعة في المذهب الحنفي : ويطلقون عليه مصطلح " الخلطة " و " الخليط " للتمييز بينه وبين السبب الأول هو الشركة في الملك ([75])  .
         وحقوق الملكية التي يعتبر الاشتراك فيها سبباً لاستحقاق الشفعة عند الحنفية هي : الشِّرب الخاص والطريق الخاص والمسيل الخاص .
         وإذا تزاحم الشفعاء في حقوق الملكية بأن كان بعضهم خليطاً للعين المباعة في الشرب -وهو النهر وماء العيون ونحوها- . وبعضهم خليطاً لها في الطريق، وبعضهم خليطاً لها في المسيل ، فإن الحنفية يرتبون بين هؤلاء الخلطاء في الشفعة على النحو التالي :
1- الخليط في الشرب الخاص .
2- الخليط في الطريق الخاص .
3- الخليط في المسيل الخاص ([76]) .

وسنبين ضوابط هذه الحقوق على النحو التالي :
1-    الشرِّب الخاص    : الشرب هو نصيب الماء ويقصد بالماء هنا ماء النهر أو الساقية أو الجدول ، ويلزم أن يكون خاصاً فإذا كان عاماً فإنه لا تثبت فيه الشفعة .
         وضابط الشرب الخاص محل خلاف في المذهب الحنفي ، فروي عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن أن الشرب الخاص هو الذي لا تجري فيه السفن ، وروي عن أبي يوسف أنه ليس هناك حد معين للتفريق بين الشرب الخاص والعام وإنما يكون ذلك عند الرؤية ، وفي رواية أخرى عنه أنه إذا كان يسقى منه مَرْحَان أو ثلاثة أو بستانان أو ثلاثة ففيه الشفعة ، وأما ما زاد ذلك فلا شفعة فيه ([77]).
2-    الطريق الخاص : وهو الطريق الذي لا ينفذ ، أما الطريق النافذ وهو الطريق العام فإنه لا شفعة فيه إلا للجار الملاصق لأنه حق عام وشركة إباحة تعلق به حق جميع المسلمين ([78]) .
3-    المسيل الخاص : ويقصد به الشعاب والأودية التي تسقى منها المزارع والبساتين  ([79]) .
         وتثبت الشفعة للخليط في أحد هذه الحقوق سواءً كان جاراً ملاصقاً أو غير ملاصق ، ولا يفضل أقربهم للعقار المباع على غيره من الشركاء في هذا الحق ، بل كلهم متساوون فيما بينهم لأن سبب الشفعة في هذه الحالة هو الخلطة في الشرب أو الطريق أو المسيل وليس هو القرب أو البعد عن العقار المباع  ([80]) .
وإذا اجتمع خلطاء في حق واحد قدّم الأخص على الأعم .
         وصورة ذلك : إذا بيعت دار في طريق غير نافذ متفرع من طريق غير نافذ أيضاً فإن الشفعة للخلطاء في الطريق الأول لأنه أخص .
         وإذا بيع بستان يسقى من جدول متفرع من ساقية فإن الشفعة للخلطاء في الجدول لأنه أخص من الخلطاء في الساقية  ([81]) .
         ويلحظ أن القسمة عند الحنفية تكون على عدد الرؤوس .

الفرع الثالث : الترتيب بين الشفعاء المتجاورين
         من أسباب استحقاق الشفعة عند الحنفية الجوار إذا كان ملاصقاً .
       ويقصد بالجوار الملاصق : المتصل بالمبيع سوءاً كان التلاصق بظهر العقار المشفوع فيه أو بجنبه عن يمينه أو يساره أو فوقه أو تحته (العلو والسفل ([82]))
         وإذا كان الجار الملاصق مشتركاً في جواره مع الأرض المباعة في حق من حقوق الارتفاق فهو مقدم على من ليس كذلك لأن سبب الخلطة مقدم على سبب الجوار .
         وجميع الجيران الملاصقين للأرض المباعة لهم حق الشفعة على السواء فيما بينهم ، لا فرق بين جار يجاور العقار من ثلاث جهات أو من جهة واحدة ، أو بطول كثير أو قليل ، فإذا بيعت دار ولها جاران أحدهما ملاصق من ثلاث جهات والآخر ملاصق من جهة واحدة وطلبا الشفعة فهي بينهم نصفان  ([83]).
         فنجد أن الحنفية يجعلون الجار الملاصق بمرتبة واحدة لا فرق بين جار وآخر ، فكلهم مستحقون للشفعة ويقسم بينهم المشفوع فيه عند تزاحمهم حسب عددهم .

المبحث الثاني : تعدد الشفعاء مع اختلافهم في سبب الشفعة

         إذا تعدد الشفعاء وكانوا مختلفين في سبب الشفعة بأن كان بعضهم شريكاً في الملك وبعضهم خليطاً في حق من حقوقه وبعضهم جاراً ملاصقاً فإنه يقدم الأقوى في سبب الشفعة على من دونه .
         وهذه الصورة لا تكون إلا عند الحنفية وعلى الرواية الثانية عن الإمام أحمد في ثبوت الشفعة للجار الملاصق إذا كان شريكاً في أحد حقوق الملك .
         وقد رتب الحنفية استحقاق الشفعة عند تعدد الشفعاء واختلافهم في سبب الشفعة على النحو التالي :
1- الشريك في الملك .
2- الخليط في حق من حقوق الملك وهو الشرب الخاص والطريق الخاص والمسيل الخاص .
3- الجار الملاصق .
         جاء في بدائع الصنائع ( أسباب الشفعة إذا اجتمعت يراعى فيها الترتيب فيقدم الأقوى فالأقوى ، فيقدم الشريك على الخليط ، والخليط على الجار ([84]) ) .
         ويستدل الحنفية على هذا الترتيب بالأدلة التالية :
الدليل الأول : قوله صلى الله عليه وسلم : " الشريك أحق من الخليط ، والخليط أحق من غيره " ([85]) .
         ووجه الاستدلال من الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن ترتيب الشفعاء عند تزاحمهم في طلب الشفعة واختلافهم في سببها ، فقَّدم الشريك - وهو الشريك في الملك المشاع- على الخليط - وهو الشريك في أحد مرافق الملك كالشراب والطريق والمسيل- ، ثم قدَّم الخليط على الجار الملاصق الذي لا يشترك مع جاره في أحد مرافق الملك  ([86]) .
         الدليل الثانـي : أن المؤثِّر في ثبوت حق الشفعة واستحقاقها هو ضرر الدخيل وأذاه ، وسبب حصول الضرر والأذى هو الاتصال وهو في شركة الملك أقوى منه في شركة حقوق الملك ؛ إذ أنّ الأول ثابت في كل جزء منه بخلاف الثاني الذي يثبت في أحد مرافقه ، والاتصال في شركة الحقوق أقوى من الجار الملاصق الذي لا يشترك في شيء من هذه الحقوق ، والترجيح بقوة السبب ترجيح صحيح ([87]).
         الدليل الثالث : إن الشريك في الملك قدّم في استحقاق الشفعة على غيره ، لأنه أقوى الدرجات في أسباب الأخذ بالشفعة لإجماع العلماء على ثبوت حقه فيها ، ثم الخليط في أحد مرافق الملك ثم الجار ([88]) .
         وهذا الترتيب هو ما عليه جمهور الحنفية وهو الراجح والمعتمد عندهم ([89]) وذهب أبو يوسف – رحمه الله – إلى أنه إذا وجد الشريك في الملك فإنه لا حق لغيره في الشفعة سواءً عفا أو استوفى لأنهم محجوبون به  ([90]).
ووجه ما ذهب إليه :
         أنَّ الحق في الشفعة عند وجود البيع يكون للشريك في الملك وليس لغيره حق فيها ، بدليل أن غيره لا يملك المطالبة بها فإذا عفا الشريك سقطت الشفعة فلا تثبت لغيره  ([91]) .
وقد ناقش جمهور الحنفية قول أبي يوسف من وجهين :
         الوجه الأول : أنَّ كل واحد من هذه الأسباب الثلاثة سبب قائم بذاته وصالح لاستحقاق الشفعة إلا أنه يرجح الأقوى في حال التزاحم .
         الوجه الثاني    : أن الشريك إذا عفا عن الشفعة التحقت شركته بالعدم وكانت كأن لم تكن فبقي حق من بعده في الشفعة  ([92]) .

الترتيب بين الشفعاء على الرواية الثانية عند الإمام أحمد :
         بناءً على الرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله في ثبوت حق الشفعة للجار الملاصق إذا كان شريكاً لجاره في حق من حقوق الملك فإنه يجتمع على هذه الرواية سببان للشفعة هما :
1- الشركة في الملك .
2- الجار الملاصق إذا كان شريكاً في حق من حقوق الملك .
فإذا اجتمع هذان السببان فكيف يكون الترتيب بينهم على هذا القول ؟
         لم أجد للحنابلة نصاً في الترتيب بين الشفعاء في هذه الحالة ولكن الذي يظهر من نصوصهم تقديم السبب الأول على السبب الثاني فالشفعة تكون أولاً للشريك في الملك ، فإن عفا أو لم يوجد فإنها تكون للجار الملاصق الشريك في حق من حقوق الملك ([93]) .

الفصــل الثـالث

تعدد الشفعاء والمشتري منهم


         إذا تعدد الشفعاء وكان المشتري منهم فإما أن يكون المشتري مساوياً لبقية الشفعاء في المرتبة أو مختلفاً عنهم في المرتبة ، وسنبين ذلك في المبحثين التاليين:
المبحث الأول : اتفاق المشتري مع بقية الشفعاء في المرتبة :
         وصورة ذلك : أن يكون العقار مملوكاً لعدة شركاء فيبيع أحدهم نصيبه لأحد الشركاء فهل لبقية الشركاء الأخذ بالشفعة ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
         أن الشفعة تثبت لجميع الشركاء .
         وهذا قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية ، فهم لا يفرقون بين أن يكون المشتري من الشفعاء أو من غيرهم ، فالشفعة تثبت لجميع الشركاء بمن فيهم هذا المشتري  .
جاء في المبسوط (أحد الشفعاء إذا اشترى الدار فهو على شفعته فيها ([94])) .
         وجاء في الشرح الكبير على مختصر خليل : (وإذا اشترى أحد الشركاء "ترك للشريك" المشتري " حصته" ولا يؤخذ منه الجميع ([95])) .
         وجاء في المنهاج ( وإن كان للمشتري شرك في الأرض فالأصح أن المشتري لا يأخذ كل المبيع بل حصته ([96]) ) .
         وجاء في المغني (وإن كان المشتري شفيعاً فللشفيع الآخر أن يأخذ بقدر نصيبه  ([97])) .
         وجاء في المحلى ( ومن كان له شركاء فباع على أحدهم كان للشركاء مشاركته فيه وهو باقٍ على حصته مما اشترى كأحدهم ([98])) .
واستدل الجمهور بالأدلة التالية :
الدليل الأول :      عموم النصوص الواردة في الشفعة حيث لم تفرق في حكم الأخذ بها بين أن يكون المشتري شريكاً أو أجنبياًَ .
الدليل الثاني :     أن الشركاء متساوون في سبب الشفعة فلزم من ذلك التساوي في الأخذ بها ولا يفضَّل شريك على آخر  ([99]) .

القول الثاني :
أن الشفعة تسقط إذا كان المشتري من الشفعاء ، فلا شفعة لهم عليه.
         وهذا القول مروي عن الحسن البصري والشعبي وعثمان البتي ([100]) في إحدى الروايتين عنهم .
         ووجه ما ذهب إليه أصحاب هذا القول : أن الشفعة إنما شرعت لدفع ضرر الشريك الداخل ، والمشتري شركته متقدمة فلا ضرر على بقية الشركاء في شرائه لنصيب شريكه فلا شفعة لهم عليــه ([101]) .
         ونوقش هذا الدليل : بأن الشفعة حق شرعي يشترك فيه جميع الشركاء فإذا أخذ المشتري الجميع كان قد أخذ نصيبه ونصيب غيره من الشركاء ، وأخذه لنصيب غيره من الشركاء يكون بغير حق فبقي حقهم في الشفعة ([102]) .
القول الثالث : أن الشفعة تثبت لبقية الشركاء دون المشتري :
         وهذا القول مروي عن الحسن البصري والشعبي وعثمان البتي أيضاً ، وهو نقيض القول السابق عنهم ([103]) . 
         وعلى هذا القول فإن المشتري يسقط حقه في جميع المشفوع فيه وتكون الشفعة لبقية الشركاء .
         ووجه هذا القول : أن الشفعة تستحق في الأصل للمشتري فكيف يستحقها المشتري لنفسه ([104]) .
وناقش الجمهور هذا الدليل من وجهين :
الوجه الأول :    أن المشتري لم يأخذ الشفعة من نفسه ، وإنما منح بقية الشركاء أخذ حقوقهم بالشفعة وبقي للمشتري ما بقي له من ملكه وهو نصيبه في الشفعة .
الوجه الثاني :    أنه لا مانع من أن يستحق الإنسان على نفسه لأجل تعلق حق الغير به  ([105]) .
الترجيـح :
         الذي يظهر والله أعلم هو قول جمهور الفقهاء رحمهم الله في ثبوت حق الشفعة لجميع المشتركين حتى لو كان المشتري للمشفوع فيه أحدهم . وذلك لأن الشفعة حق قرره الشارع لمصلحة الشريك سواءً كان المشتري للمشفوع فيه أجنبياً عنهم أو أحد الشركاء ، أما ما روي عن بعض التابعين رحمهم الله من أنه لا شفعة لبقية الشركاء إذا كان المشتري منهم وذلك لزوال الحكمة التي شرعت من أجلها الشفعة وهي دفع الضرر عن الشريك فيجاب عنه بأن الشفعة حق ثبت بنص شرعي لجميع من قام به سببه ، وقد قام سبب الشفعة لجميع الشركاء فبقي حقهم فيها .
         ثم إن الحكمة من تشريع الشفعة ليست مقتصرة على دفع الضرر عن الشركاء بل تشمل حِكماً أخرى منها أن الشفعة من الحقوق المالية ( أي التي تؤول إلى المال ) فيستفيد منها الشريك في هذا الجانب .
         ونجد أن الشارع مكّن الشفيع من الأخذ بالشفعة حتى ولو لم يكن عليه ضرر يحتمل من الشريك الأجنبي الجديد ، بأن كان أسمح من الشريك البائع أو قريباً من الشريك الشفيع .
         أما الرواية الثانية عن الحسن والشعبي والبتي من إسقاط حق المشتري بالشفعة فليس لها شيء من النظر، والذي يظهر والله أعلم أن الذي نقل عنهم القول شاك في رأيهم فذكر القولين عنهم . والله أعلم .

المبحث الثاني : اختلاف المشتري عن بقية الشركاء في المرتبة :

         إذا اختلف المشتري عن بقية الشركاء في المرتبة - وهذا لا يكون إلا عند الحنفية الذين يجعلون للشفعة ثلاثة أسباب ( الشركة والخلطة والجوار الملاصق ) أو الحنابلة في الرواية الثانية عن الإمام أحمد التي نصرها كثير من المتأخرين والذين يجعلون للشفعة سببين (الشركة في الملك ، والجوار الملاصق مع الاشتراك في حق من حقوق الملك) ، والمالكية في شفعة الورثة فلا يخلو الأمر في هذه الحالة من أن يكون المشتري أعلى مرتبة من بقية الشفعاء أو أقل مرتبة منهم وسنبين حكم ذلك في المطلبين التاليين :


المطلب الأول : إذا كان المشتري أعلى مرتبة من الشركاء :
         وصورة ذلك : أن يكون العقار بين مجموعة شركاء فيبيع أحدهم نصيبه لآخر فهل للخليط في أحد مرافق الملك أو الجار الملاصق حق الشفعة ؟
         ومثال آخر عند المالكية : إذا مات شخص وخلَّف عقاراً وقد ورثه زوجتان وعم ، فباعت إحدى الزوجتين نصيبها للأخرى فهل للعم الذي يرث بالتعصيب حق الشفعة ؟
         الحكم في هذه الحالة أن المشتري إذا كان في مرتبة أعلى من مرتبة بقية الشركاء فإنه لا شفعة لهم عليه ([106]) ، كما لو كان المشتري أجنبياً ، فإذا باع الشريك نصيبه على شريكه الآخر فلا حق للخليط أو الجار الملاصق في أن يطلب الشفعة ، وكذا إذا باع على الخليط فلا حق للجار الملاصق ، وهي كذلك بالنسبة للرواية الثانية عند الحنابلة ومسألة الورثة عند المالكية ([107]) .
         ودليل ذلك : أن الشفعاء إذا تزاحموا في الأخذ بالشفعة وتساووا فيها فإنه يقدم الأقوى في السبب على من هو دونه ([108]) .
المطلب الثاني : إذا كان المشتري أقل مرتبة من الشركاء :
         وصورة المسألة أن تكون دار بين شريكين فيبيع أحدهم نصيبه لجار الدار الملاصق .
         ومثاله عند المالكية : إذا مات شخص وخلف عقاراً وأوصى بثلثه لشخصين وورثه زوجة وبنت ، فباع أحد الموصى لهم نصيبه على الآخر فهل يحق للورثة الأخذ بالشفعة ؟
         الحكم في هذه الحالة أن الشفعة تكون للأقوى مرتبة فيقدم على المشتري كما لو كان أجنبياً ([109]) ، وذلك حسب الترتيب عند الحنفية والحنابلة في الرواية الثانية ، والمالكية بالنسبة للورثة  ([110]) والله أعلم .

الخاتمـــة

         وأذكر فيها أهم نتائج البحث التي توصلت إليها من خلال هذا البحث
وهي ما يلي :
1-    يعتبر حق الشفعة من أهم الحقوق المالية التي يستطيع الشفيع من خلاله أن يدفع عنه الضرر بأخذ المشفوع فيه من المشتري الأجنبي .
2-    اتفق العلماء على أن الشريك في العقار المشاع له حق الأخذ بالشفعة ، وكذا الجار الملاصق المشترك مع جاره في أحد مرافق الملك على الصحيح ، ويرى الحنفية أن الشفعة تثبت أيضاً بالخلطة في أحد مرافق الملك والجوار إذا كان ملاصقاً .
3-    اتفق العلماء على ثبوت حق الشفعة لكل واحد من الشفعاء عند تعددهم واتحادهم في سبب استحقاق الشفعة ، ولهم أن يطالبوا بها جميعاً كما أن لكل واحد منهم أن يطالب بجميع المشفوع فيه فإذا أعطي قسم المشفوع فيه بين المطالبين بالشفعة دون من عفا منهم .
4-    أجمع العلماء على أن ليس لأحد الشفعاء أن يطالب بنصيبه فقط من المشفوع فيه ويترك الباقي لأن في ذلك إضراراً بالمشتري بتبعيض الصفقة عليه .
5-    اختلف العلماء في قسمة المشفوع فيه بين الشفعاء المتفقين في سبب الشفعة والملك ؛ هل يكون على قدر أنصبتهم أم على عددهم والذي يظهر والله أعلم هو قول جمهور الفقهاء من قسمة المشفوع فيه على قدر الأنصبة .
6-    إذا تعدد الشفعاء وكانوا متفقين في سبب الشفعة مختلفين في سبب التمليك فإن الشفعة تكون لجميع المشتركين في الملك من دون النظر إلى سبب تملكهم . وهذا هو قول جمهور الفقهاء وهو الذي يظهر رجحانه .
7-    يرتِّب الحنفية الشفعاء إذا اختلفوا سبب الشفعة فيقدم الشريك في الملك ، ثم للخليط في حق من حقوق الملك ، ثم الجار الملاصق .
8-    على الرواية الثانية عند الحنابلة والتي أخذ بها بعض المحققين من أهل العلم أن الشفعة تكون للجار الملاصق إذا كان شريكاً لجاره في أحد حقوق الملك فإن الشفعة تكون أولاً للشريك في الملك ، فإن عفا ، انتقل الحق إلى الجار الملاصق الشريك في أحد مرافق الملك .
9-    إذا كان المشتري للمشفوع فيه أحد الشفعاء فإن الشفعة تثبت لجميع الشركاء وهو قول جمهور الفقهاء خلافاً لما روي عن بعض التابعين رحمهم الله . وهذا إذا كان المشتري بمرتبة واحدة مع سائر الشفعاء ، أما إذا كان بمنزلة أعلى فإنه ينفرد في الأخذ بالشفعة ولا شفعة لهم عليه .
         وإذا كان بمرتبة أقل فإن الشفعة تكون للأقوى مرتبة فيقدم على المشتري في الأخذ بالشفعة .

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

فهرس المراجع :
1-    الإجماع لابن المنذر ، مؤسسة الكتب الثقافية بيروت ، الطبعة الأولى
1414ﻫ .
2-    أحكام الشفعة في الفقه الإسلامي ، د. عبد الفتاح محمود إدريس ، الطبعة الأولى 1421هـ .
3-    أحكام الشفعة في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة بالقانون الوضعي د. عبد الله الدرعان ، مكتبة التوبة – الرياض ، الطبعة الأولى 1415هـ .
4-    الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي ، تحقيق د. عبد الله التركي دار هجر للطباعة والنشر مصر الطبعة الأولى 1415هـ .
5-    بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني – دار الكتب العلمية – بيروت .
6-    البناية في شرح الهداية لأبي محمد محمود بن أحمد العيني دار الفكر بيروت ، الطبعة الثانية 1411هـ .
7-    تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ، لفخر الدين عثمان بن علي الزيلعي – دار الكتاب الإسلامية – الطبعة الثانية .
8-    تكملة المجموع شرح المهذب ، للإمام تقي الدين السبكي – دار الفكر بيروت.
9-    حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين – دار الفكر بيروت ، 1399هـ .
10-  حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، لمحمد بن عرفة الدسوقي ، مطبوعة مع الشرح الكبير على مختصر خليل .
11-  درر الحكام شرح مجلة الأحكام – لعلي حيدر – دار الكتب العلمية بيروت .
12-  روضة الطالبين وعمدة المفتين للإمام النووي – المكتب الإسلامي – بيروت الطبعة الثالثة ، 1412هـ .
13-  سنن ابن ماجة ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي – مطبعة عيسى الحلبي .
14-  شرح الزرقاني على مختصر خليل ، لعبد الباقي الزرقاني – دار الفكر بيروت ، 1398هـ .
15-  الشرح الكبير على مختصر خليل لأبي البركات أحمد الدردير – دار الفكر للطباعة والنشر .
16-  الشرح الكبير على المقنع ، لعبد الرحمن بن قدامة المقدسي ، تحقيق     د.عبد الله التركي – دار هجر مصر ، الطبعة الأولى ، 1415هـ .
17-  الشفعة – دراسة مقارنة بين القانون المدني والفقه الإسلامي ، د.عبد الخالق حسن أحمد ، دار الكتاب الجامعي ، الطبعة الثانية ، 1418هـ .
18-  صحيح البخاري ، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، دار السلام – الرياض ، الطبعة الأولى 1417هـ .
19-  صحيح مسلم بشرح النووي ، مؤسسة قرطبة مصر ، الطبعة الثانية ،
1414ﻫ .
20-  الفقه الإسلامي وأدلته ، د. وهبة الزحيلي ، دار الفكر بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1409ﻫ .
21-  القاموس المحيط ، للفيروز آبادي ، مؤسسة الرسالة بيروت ، الطبعة الثانية، 1407 ﻫ .
22-  لسان العرب ، لابن منظور ، دار إحياء التراث العربي بيروت ، الطبعة الأولى ، 1408هـ .
23-  المبسوط ، لشمس الدين السرخسي ، دار الفكر بيروت .
24-  مجلة الأحكام العدلية ، دار الكتب العلمية بيروت .
25-  مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني رحمه الله ، توزيع دار الإفتاء ، جمع عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد .
26-  المحلى بالآثار ، لأبي محمد علي بن حزم ، دار الكتب العلمية بيروت ، 1408هـ .
27-  المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس ، دار الفكر للطباعة والنشر .
28-  المصنف ، لعبد الرزاق الصنعاني ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، المكتب الإسلامي ،الطبعة الثانية ، 1403هـ .
29-  المغني لأبي محمد عبد الله بن قدامة ، تحقيق د. عبد الله التركي ، دار عالم الكتب ، الطبعة الثالثة ، 1417هـ
30-  مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ، لمحمد الشربيني الخطيب ، مطبعة مصطفى الحلبي مصر ، 1377هـ .
31-  المقنع ، لأبي محمد عبد الله بن قدامة ، تحقيق د. عبد الله التركي ، دار هجر ، الطبعة الأولى ، 1415هـ .
32-  مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ، لأبي عبد الله محمد الحطاب ، دار الفكر بيروت ،الطبعة الثالثة ، 1412هـ .
33-  نصب الراية لأحاديث الهداية ، لجمال الدين الزيلعي ، دار الحديث مصر .
34-  نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ، لشمس الدين الرملي ، دار الفكر بيروت 1404هـ .


(1) انظر : لسان العرب 7/150 القاموس المحيط ( 947 ) مادة ( شفع ) .
(2) إذ الجمهور يقصرون الشفعة على الشركة في العقار المشاع ، أما الحنفية فيضيفون إلى ذلك الخلطة في إحدى مرافق الملك والجوار .
([3])     تبيين الحقائق 5/239 .
([4])     المغني 7/435 ,  وانظر : مغني المحتاج 2/296 ومواهب الجليل 5/310 .
([5])     أخرجه البخاري في باب الشفعة فيما لم يقسم من كتاب الشفعة ، صحيح البخاري 3/441  ومسلم في باب الشفعة من كتاب المساقاه – صحيح مسلم 11/63 .
([6])     أخرجه مسلم في باب الشفعة من كتاب المساقاه – صحيح مسلم 3/1229 .
([7])     انظر : الإجماع لابن المنذر ص82 7 والمغني /435 . وشرح صحيح مسلم للنووي 11/64 .
([8])     انظر : تبيين الحقائق 5/239 ومواهب الجليل ، 5/310 ومغني المحتاج 2/196
والمغني 7/435 .
([9])  انظر : بدائع الصنائع ، 5/10 .
([10])  انظر : المحلى ، 8/25 .
([11])  انظر : تفصيل هذه الشروط في كتب الفقه – بدائع الصنائع 5/10 ، شرح الزرقاني على مختصر خليل 6/169 ، في مغني المحتاج ( 2/296 ) والمغني ( 7/435 )
([12])    الاجماع ، ص82 ، وانظر : صحيح مسلم للنووي 11/45 ، والمغني ( 7/435 ) .
([13])    انظر : الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 3/473 ، ومغني المحتاج 2/297 والمغني
7/436 والمحلى 8/31
([14])    انظر : بدائع الصنائع 5/5 ومجلد الأحكام العدلية مادة 91008/ 675 والمغني 7/437 والإنصاف 15/373 .
([15])    انظر : مجموع الفتاوى ( 30/383 ) وإعلام الموقعين ( 2/124 ) .
([16])  رواه الترمذي في باب ما جاء في الشفعة للغائب ، من أبواب الأحكام – عارضة الأحوذي
6/130، وأبو داود في باب الشفعة من كتاب البيوع معالم السنن شرح سنن أبي داود 3/132 ، وابن ماجة في باب الشفعة والجوار من كتاب الشفعة ، سنن ابن ماجة 2/833 ، والدارمي في باب الشفعة من كتاب البيوع ، سنن الدارمي 2/273 وغيرهم وفيه عبد الملك بن أبي سليمان ، وثقه بعض أهل العلم ، قال عنه الإمام الترمذي " وعبد الملك ثقة مأمون عند أهل الحديث " وقال عنه ابن حجر " صدوق وله أوهام " تقريب التهذيب ص 363 ، وانظر : نصب الراية ، 4/172 ، وإرواء الغليل ، 5/378 .
([17])     انظر : مجموع الفتاوي 3/383 .
([18])    انظر : إعلام الموقعين 2/124 .
([19])    انظر : تفصيل الخلاف في هذه المسألة بدائع الصنائع 5/5 والمغني 7/436 وأحكام الشفعة د. عبد الله الدرعان ص76 ، والشفعة بين القانون المدني والفقه الإسلامي د. عبد الخالق حسن ص57 .
(1)     انظر : الهداية وشرح النهاية 10/347 وشرح الزرقاني على مختصر خليل 6/183 ،
وروضة الطالبين 5/100 والمقنع والشرح الكبير والإنصاف  15/419 .
(2)     انظر : المراجع السابقة .
(([22]    الإجماع ص82 .
([23])    انظر : تبيين الحقائق 5/241 بدائع الصنائع 5/6 ومواهب الجليل 5/328 والشرح الكبير للدردير 4/490 ومغني المحتاج 2/306 وروضة الطالبين 5/101 والمغني 7/500 والشرح الكبير والأنصاف 5/422 .
([24])    انظر : تبيين الحقائق 5/241.
([25])    انظر : المغني 7/501 والشرح الكبير مع المقنع 15/422 .
([26])    انظر : بدائع الصنائع 5/6 والشرح الكبير على مختصر خليل 3/490 ومغني المحتاج 2/306 والمغني 7/501 والشرح الكبير مع المقنع والأنصاف 15/424 والمحلى 8/26 ، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن رشد في بداية المجتهد 2/198 ولكن هذا الإجماع منقوض بما ورد عن بعض التابعين من سقوط شفعة الغائب ، انظر : المراجع السابقة .  
([27])    سبق تخريجه ص 4 .
([28])    سبق تخريجه ص 7 .
([29])     انظر : المغني 7/501
([30])    انظر : بدائع الصنائع 5/6والشرح الكبير على مختصر خليل 3/490 ومغني المحتاج 2/306 والمغني 7/501 .
([31])    انظر : المراجع السابقة .
([32])     هل يسقط حقه بالشفعة إذا أخر المطالبة إلى حين قدوم شركائه ؟ فيه وجهان ، أحدهما : يسقط حقه لأنه قدر على أخذ الكل أو تركه فأشبه المنفرد ، والثاني لا يسقط لأن تركه لعذر .
انظر : بدائع الصنائع 5/6 والشرح الكبير على مختصر خليل 3/490 ومغني المحتاج 2/306 والمغني 7/501 . 
([33])     جاء في المنهاج " والأرجح أن له تأخير الأخذ إلى حين قدوم الغائب " مغني المحتاج 2/306 .
([34])     انظر : المراجع السابقة .
([35])     انظر : ص 13 ، من البحث
([36])    يرى جمهور الفقهاء الذين يقولون بأن القسمة تكون حسب الأنصبة بأن للشفيع الثاني إذا قدم بعد أخذ الشفيع الأول جميع المشفوع فيه أن يقتصر على أخذ نصيبه فقط ، فإذا كان الشفعاء ثلاثة متساوون في حصصهم واحد منهم حاضر وآخران غائبان فأخذ الحاضر جميع المشفوع فيه ثم قدم أحد الغائبين وطالب بالشفعة فإن الأصل هو قسمة المشفوع فيه بينهم نصفين ، ولكن إن اقتصرت مطالبته بنصيبه وقال لا آخذ إلا ثلثه فله ذلك لأنه اقتصر على بعض حقه وليس في ذلك تبعيض الصفقة على المشتري ، فجاز ذلك . انظر : تفصيل هذه الحالة المغني 7/503 .
([37])    انظر : المغني 7/502 .
([38])   انظر : بدائع الصنائع 5/6 ، والهداية وشرحها البناية 10/352 ، والمغني 7/500 ، والمجموع ، 14/326 .
([39])   انظر : المغني 7/501 ، والمجموع 14/326 .
([40])    هذا ما نص عليه الحنفية ، انظر : بدائع الصنائع 5/6 والهداية وشرحها البناية 10/352 ،
أما الحنابلة في الرواية الثانية عن الإمام أحمد فلم أجد نصاً في ذلك على هذه الحالة : والذي يظهر لي في هذه المسألة أن المشفوع فيه إذا كان يتنازعه شفيعان أحدهما أقوى من الآخر والأقوى غائب فإنه ينتظر بالشفعة ولا يحكم للحاضر حتى يعفو صاحب الحق الأول .
([41])    انظر : مواهب الجليل 5/345 وروضة الطالبين 5/100 ، والمغني 7/497 .
([42])    انظر : الشرح الكبير 3/386 ، وانظر : شرح الزرقاني على مختصر خليل 6/183 ، ومواهب الجليل 5/345 .
([43])    انظر : المنهاج  2/305 ، وانظر : روضة الطالبين 5/100 .
([44])     انظر : المغني 7/497 ، وانظر : المقنع والشرح الكبير والأنصاف 15/419 .
([45])    انظر : الأمثلة على ذلك شرح الزرقاني 3/479 ومغني المحتاج 2/305 والمغني 7/498 .
([46])    انظر : المغني 7/497 ومغني المحتاج 2/305 .
([47])    انظر : بدائع الصنائع 5/5 .
([48])    انظر : المغني 7/497 ومغني المحتاج 2/305 .
([49])    انظر : المبسوط 14/99 ، والبناية في شرح الهداية 10/351 .
([50])    انظر : بداية المجتهد 2/196 .
([51])    انظر : بدائع الصنائع 5/5 ، والمجموع 14/326 ، والمغني 7/497 ، والمحلى 8/28 .
([52])    انظر : الهداية مع شرحها البناية 10/347 ، وانظر : بدائع الصنائع 5/5 ،
وتبيين الحقائق 5/241 ، وحاشية رد المحتار 6/219 .
([53])    2/305 ، وانظر : روضة الطالبين 5/100 والمجموع 14/326 .
([54])    7/497 ، وانظر : المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 15/419 .
([55])    8/27 .
([56])     سبق تخريجه ص 4  .
([57])    انظر : المحلى 8/28 .
([58])    انظر : بدائع الصنائع 5/5 ، والبناية شرح الهداية 10/350 .
([59])    انظر : البناية شرح الهداية 10/349 .
([60])    انظر : المغني 7/497 ، والشرح الكبير 15/420 .
([61])    انظر : بدائع الصنائع 5/5 ، والهداية مع شرحها البناية 10/349 .
([62])  الفتاوى الهندية ، 5/170 .
([63])    حاشية الدسوقي ، 3/491 . 
([64])    روضة الطالبين ، 5/100-101 ، وانظر : المجموع 14/326 .
([65])    المغني ، 7/498 .
([66])    المحلى 8/27 .
([67])    انظر : المحلى 8/27 .
([68])    انظر : المجموع شرح المهذب 14/326 والمغني7/498 .
([69])    انظر : المغني 7/498 .
([70])     انظر : روضة الطالبين 5/100 وقد سبق ذكر النص ص 20 ، وانظر : المجموع 14/326 .
([71])    انظر : المراجع السابقة .
([72])    شرح الزرقاني على مختصر خليل ، 6/188 وانظر : الشرح الكبير وحاشية الدسوقي
عليه 3/492 ، والمدونة الكبرى 4/206 ومنح الجليل على مختصر خليل 3/611 والبهجة في شرح التحفة 2/115 .
([73])    جاء في الشرح الكبير ، 3/493 ( فالمراتب أربع مشارك في السهم ثم وراث ولو عاصباً ثم الموصى لهم ثم الأجنبي وقيل المراتب خمس : المشارك في السهم فذو الفرض فالعاصب فالموصى له فالأجنبي والأول هو الراجح) 3/493 ، وانظر : المراجع السابقة . وذكر الزرقاني : 6/189 ، أن المراتب ثلاث المشارك في السهم ثم الوارث ولو عاصباً ثم الأجنبي .
([74])     انظر : المراجع السابقة للمالكية .
([75])    انظر : درر الحكام لعلي حيدر 9/675 شرح المادة 1008 من مجلة الأحكام .
([76])    انظر : بدائع الصنائع 5/8 ، والمبسوط 14/140 ، وحاشية رد المحتار 6/220 والمادة 1016 من مجلة الأحكام العدلية وشرحها لعلي حيدر 9/687 .
([77])    انظر : المراجع السابقة .
([78])     انظر : المراجع السابقة .
([79])    انظر : المراجع السابقة .
([80])    انظر : بدائع الصنائع 5/9 ، والمبسوط 14/139 .
([81])    انظر : المراجع السابقة ومجلة الأحكام العدلية المادة 1014 ، 9/685 ، وتبيين الحقائق
5/240 ، وحاشية رد المحتار على الدر المختار 6/220 .
([82])    انظر : درر الحكام شرح مجلة الأحكام 9/677 ، شرح المادة 1008 ، وانظر : المادة 1011 بالنسبة للعلو والسفل وشرحها 9/681.
([83])    انظر : المرجع السابق ، وبدائع الصنائع 5/9و10 ، وتبيين الحقائق وحاشية البناني
عليه 5/241 ، والمبسوط 14/139 .
([84])    بدائع الصنائع ، 5/8 ، وجاء في المادة 1006 من مجلة الأحكام العدلية 9/678 (حق الشفعة أولاً للمشارك في نفس المبيع ، ثانياً للخليط في حق المبيع ، ، ثالثاً : للجار الملاصق ، ومادام الأول طالباً فليس للآخرين حق الشفعة ، ومادام الثاني طالباً فبيس للثالث حق الشفعة) ، وانظر : الهداية وشرحها البناية 10/321 ، والعناية على الهداية ( بهامش فتح القدير )
7/412 ، وتبيين الحقائق 5/239 ، والمبسوط 14/142.
([85])    هذا الحديث ليس مرفوعا ً وإنما هو من كلام شريح وإبراهيم النخعي ، انظر : مصنف عبد الرزاق 8/78 برقم 14386 و 88 و 89 ، وروي هذا الأثر في المصنف ايضاً مسنداً إلى الشعبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الشفيع أولى من الجار والجار أولى من الجنب " المصنف 8/79 برقم 14390 وهو منقطع ، وفيه هشام بن المغيرة الثقفي وهو ضعيف ، انظر : نصب الراية 5/423 والمحلى لابن حزم 8/34 .
([86])    انظر : بدائع الصنائع 5/8 ، والهداية وشرحها البناية 10/336 .   
([87])     انظر : بدائع الصنائع 5/8 ، والهداية وشرحها البناية 10/339 ، وتبيين الحقائق 5/240 والمبسوط 14/96.
([88])    انظر : التاج المذهب 3/7 .
([89])    انظر : المراجع السابقة .
([90])    انظر : المراجع السابقة .
([91])    انظر : المراجع السابقة .
([92])    انظر : المراجع السابقة .
([93])    انظر : الإنصاف 15/373 ومجموع الفتاوي 30/383 ، وإعلام الموقعين ، 2/124 .
([94])    المبسوط ، 14/122 .
([95])    الشرح الكبير ، 3/478 .
([96])    المنهاج وشرح مغني المحتاج 2/300 ، وانظر : نهاية المحتاج 5/200 والمجموع 14/326 .
([97])    المغني ، 7/499، وانظر : المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 15/427 .
([98])    المحلى ، 8/26 .
([99])    انظر : المغني 7/499 .
([100])  انظر : المغني 7/499 والشرح الكبير مع المقنع 15/425 والمحلى لابن حزم 8/26 وهذا القول هو الذي تأخذ به بعض الأنظمة في بعض البلاد الإسلامية ، انظر : المادة 937/3 من القانون المدني المصري . 
([101])   انظر : المراجع السابقة .
([102])   انظر : المراجع السابقة .
([103])   انظر : المراجع السابقة . ويتضح أن الذي نقل القول عنهم في هذه المسألة شاكٌ في رأيهم فذكر القولين عنهم.
([104])   المغني 7/499 .
([105])   انظر : المرجع السابق .
([106])  هذا ما يفهم من نصوص الفقهاء رحمهم الله وإن لم ينصوا عليه ، انظر : المبسوط 14/122 ، والشرح الكبير على مختصر خليل ، 3/478 ، ونهاية المحتاج ، 5/200 ، والمغني 7/499 .
([107])  انظر : ص 22 و ص 30 .
([108])  انظر : تفصيل هذه المسائل في الفصل السابق .
([109])   انظر : المراجع السابقة .
([110])   انظر : ص 22 و ص 25 و ص 30 .

تعليقات