القائمة الرئيسية

الصفحات



من حقوق الإنسان في الإسلام

من حقوق الإنسان في الإسلام

من حقوق الإنسان في الإسلام



من حقوق الإنسان في الإسلام
جمع وترتيب
د. عبد الله مرتجى
أستاذ الحديث المساعد
جامعة الأزهر


مقدمة
الحمد لله الذي علت أسماؤه الكريمة، وسمت صفاته العليا، الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم.
الحمد لله في الأولى والآخرة.
وصلوات الله وسلامه وتحياته وبركاته على عبد الله ورسوله محمد، إمام الحق وسيد الخلق أجمعين
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.(1)

وبعد:
فإن قضية حقوق الإنسان ترجع في أصلها إلى وجود الإنسان ذاته على هذه الأرض فهي قديمة عميقة الجذور حديثة عندما يتناولها علماء كل عصر بالبحث والتحليل والدراسة.
ولو رجعنا إلى التاريخ في فترة ما قبل بعث الإسلام للاطلاع على تلك الحقوق لوجدنا أنها كانت لكرامة الإنسان منتهكة ولحرماته مهينة ولحرياته مقيدة.
والأمم في عصرنا الحديث تدعي أنها هي المقرة والمنقذة لهذه الحقوق من ظلام تلك العصور.
والحق الذي لا ريب فيه أن الإسلام هو أول من قرر وأكد حقوق الإنسان في أكمل صورها وأبهى حُللها، وعلى ذلك تشهد حياة النبي صلى الله عليه وسلم و من بعده الخلفاء الراشدون.
وفي هذه الصفحات سأقدم كلمات عن حقوق الإنسان في الإسلام وفاءً لعظمة الإسلام وكذا كرامة الإنسان.



حق الحياة:

لقد كرم الله الإنسان على سائر مخلوقاته فقال: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)(2)، وميزه على سائر مخلوقاته فسخر له السموات والأرض، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)(3).
سخر ذلك وهيأه لقيام حياة كريمة للإنسان تحفظ فيها حرمته وروحه لا يعتدي على هذه الروح أحد بقتلها وإزهاقها فحرم الإسلام القتل، واعتبره جريمة ضد الإنسانية كلها.
وعدَّ إنقاذ النفس الإنسانية وحفظها من الهلاك والإزهاق نعمة على الإنسانية فقال تعالــى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)(4)، ويعبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك المعنى أصدق تعبير يقول: لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم(5).

حق الأمن:
لم يقف حفظ الإسلام لحقوق الإنسان عند حقه في الحياة بل تعدى ذلك إلى التأكيد على حقوق تكفل له حياة كريمة والعيش في أمن وأمان فلا يجوز التعرض له بالقتل كما لا يجوز الاعتداء على جسده بالضرب أو إتلاف جزء من أجزائه بالجرح أو القطع كما حذر الإسلام من الاعتداء بأي شكل آخر من أشكال الاعتداء على المشاعر بالسب والشتم والاحتقار والتخويف والازدراء وظن السوء به ونحو ذلك، فأراد الإسلام للإنسان أن يمارس حقه في الحياة في أمن وطمأنينة لذا قرر جملة من الأحكام والعقوبات التي تكفل للإنسان حماية من كل ضرر أو اعتداء عليه، ليتسنى له أن يمارس حقه في الحياة الحرة الآمنة، قال تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(6)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(7).

حق المسكن وحرمته:
حفظ الإسلام للإنسان حق السكن بل وكفل له الأمن في مسكنه لأنه مأواه ومكمن سره ومكان راحته وطمأنينة نفسه.
فالسكن من الأمور الأساسية لضمان حياة كريمة، تبعده عن عوارض الكون كحر الصيف وبرد الشتاء.
ضَمِن الإسلام هذا الحق لكل سكان الدولة الإسلامية من المسلمين وأهل الذمة، فكفل ذلك الحق لكل فرد من أهل الذمة كما يكلفه تماماً لكل فرد من المسلمين(8).
وحفظاً لهذا الحق قررت الشريعة الإسلامية حرمة المسكن لكل فرد تمت سيادتها فإذا ما توفر للفرد سكن فلا يجوز لأحد أن يعتدي على حرمة ذلك المسكن بل ولا يجوز لأحد أن يدخل مسكناً إلا بإذن صاحبه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(9)، وقال صلى الله عليه وسلم إذا استأذن ثلاث مرات فلم يؤذن له وإلا فليرجع(10)، كذلك قال صلى الله عليه وسلم: لو اطلع في بيتك أحدٌ ولم تأذن له حذفته بعصاه ففقأت عينه ما كان عليك جناح(10).

حق التعليم والتعلم

وقد كانت أولى آيات القرآن الكريم دعوة للقراءة والمعرفة قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ)(12).
كما قدر القرآن مكانة العلم والعلماء، قال تعالى: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)(13)، وإننا لنرى في الإسلام منزلة الجهاد والمجاهدين وكم حث الإسلام على الجهاد إلا أنه جعل طلب العلم والتعليم مبرراً كافياً للتخلف عن الجهاد إذا لم يتعيّن،أي الجهاد، قال تعالى: مَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(14)، فهو حق كفله الإسلام لأفراد الدولة وحثهم على طلبه في شتى فروعه المختلفة وعلومه المتنوعة ما لم يكن ضاراً بالمجتمع أو لم يترتب على اكتسابه مصلحة.
وقد ضمنت الدولة أن تسهل سبل طلب العلم وتحصيله فهو من الضروريات، فأناط الإسلام بها مسئولية نشر العلم والقيام على أمره وتمكين جميع المواطنين منه.
وقد بلغ اهتمام الإسلام بالعلم وحرصه على تعميمه، أن جعل إحدى الوسائل المؤدية إلى الإفراج عن الأسرى بقيام كل واحد منهم تعليم عدد من أبناء المسلمين وهذا ما وقع في غزوة بدر.

حق العمل
كفل الإسلام الحق في العمل لكل فرد وفي تولي الوظائف العامة في الدولة الإسلامية لجميع الأفراد الذين يعيشون في كنف هذه الدولة دونما تفرقة أو تمييز بينهم لأي اعتبار كان سوى اعتبار الكفاءة والاقتدار والنزاهة، ومؤدى ذلك أن لكل فرد الحق في العمل الذي يتفق مع قدراته وميوله.
ومن مظاهر حث الإسلام على العمل ما جاء في كتاب الله من قوله: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)(15).
وقال صلى الله عليه وسلم: ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وأن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده(16)، وتجدر الإشارة إلى أن الإسلام لم يكتف بكفالة حق العمل بل حدد ووضع ضمانات لحماية هذا الحق وتنظيم ممارسته وفقاً لمعايير عادلة وإنسانية ومن أمثلة هذه الضمانات: النهي عن اللجوء إلى السخرة وفرض العمل قسراً على أي فرد دون رغبة أو رضا، كما حث على إعطاء العامل أجره دون تأخر فقال صلى الله عليه وسلم: أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه(17).

حق التنقل وحرية السفر
التنقل حق الإنسان في داخل بلده وكذلك السفر خارجه بحرية تامة دون عوائق تمنعه من هذا الحق إلا إذا تعارض مع حق غيره أو حقوق الجماعة.
فلا تقوم حياة إلا بالحركة وهي وسيلة للعمل، والعمل وسيلة للكسب،والكسب وسيلة للحياة، وقوام الحركة التنقل بالغدو والرواح.
فقد أقر الإسلام حرية التنقل مطلقة في المباحات والسفر للتجارة والتكسب وغير ذلك، قال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(18)، وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)(19).
وقد أوقع الإسلام أشد العقوبة بمن مس أمن وحرية الأفراد في التنقل بين أرجاء الدولة أو من دولة إلى أخرى قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(20)، ومع ذلك استثنى القرآن من العقاب من يثبت رجوعه عن الجريمة ومؤتيه منها قبل إلقاء القبض عليه فقال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(21).

حق التملك
عمد الإسلام إلى إقرار حق الفرد في التملك والتملك يمثل النظام الذي قامت عليه حياة المجتمعات على تعدادها، واستقرت عليه نظمه الاقتصادية على اختلافها(22)
فلا شبه في تقرير هذا الحق الواضح الصريح في الإسلام ولا شبهة  كذلك في أنه قاعدة الحياة الإسلامية، قال تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)(23)، وقال تعالى: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً)(24).
والإسلام لا يدع حق الملكية مطلقاً دون تقيد أو ضوابط بل نظمه بطريقة تحقق مصلحة الفرد والجماعة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ  لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)(25).
كذلك أحاط الإسلام هذه الملكية ملكية الفرد بسياج قوي من الحماية وفرض عقوبات قاسية على كل معتد عليها أياً كانت صورة هذا الاعتداء.
­­­
الحق في حرية الاعتقاد
فالحق في حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية لكل أفراد المجتمع من الحقوق التي أقرها الإسلام وتحقيقاً لهذا الحق رفع الإكراه عن الإنسان في عقيدته، قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(26).
فالعقيدة الإسلامية سبيلها الأمثل الاقتناع، فهى لا تقبل الإكراه، والعقل هو الذي يقرر قبوله لها فترسخ في الفوائد وليس الإكراه من سبيل إليها.
ولو كان الإسلام يعتمد العنف والقهر والإكراه لترسيخ عقيدته في النفوس فلن يكون هناك أقوى ولا أغلب ولا أقهر من الله تعالى، قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(27).
وعلى هذا المبدأ سار المسلمون في معاملتهم وحروبهم مع أهل الأديان الأخرى، فكانوا يبيحون لأهل البلد الذي يفتحونه أن يبقوا على دينهم مع أداء الجزية والطاعة للحكومة القائمة وكانوا في مقابل ذلك يحمونهم ضد كل اعتداء، ويتركون عقائدهم وشعائرهم ومعابدهم، وفي هذا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في معاهدته مع أهل بيت المقدس عقب فتحه له: [هذا ما أعطى عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أعطاهم أماناً لأنفسهم ولكنائسهم وصلبانهم ... لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقض منها ولا من خيرها ولا من صلبهم، لا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم](28).
حق التعبير عن الرأي
وهذا يدخل ضمن نطاق الحقوق والحريات الأساسية للإنسان في الإسلام الذي كان له فضل كبير في التأكيد على أهميتة، فلم تكتف الشريعة الإسلامية باعتبار إبداء الرأي والتعبير حقاً أصيلاً من حقوق الإنسان وإنما اعتبرته أيضاً أحد الواجبات الأساسية التي يتعين على الفرد المسلم الإطلاع بها.
فالمسلم ملزم بذلك طالما اقتضى الأمر ذلك فالساكت عن الحق – أي عن قول الحق شيطان أخرس.
كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين على ممارسة حقهم في التعبير وفي إبداء الرأي وعدم التردد فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا)(29).
فقد أقر الإسلام هذا الحق في أوسع نطاق، لمنح كل فرد الحق في النظر والتفكير وإبداء رأيه بطرق سليمة وواضحة.

حق الضمان الاجتماعي

يقوم المجتمع الإسلامي أساساً على التضامن والإخاء، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(30)، وقال تعالى: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)(31)، وقال صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه(32).
ويتحقق الضمان الاجتماعي في شريعة الإسلام على كافة المستويات وشتى الصور أولها تكافل الأسرة في النفقة والإرث والوصية.
قال تعالى: (وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(33)، يأتي بعد هذا التعاون حق الجوار قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ  مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً)(34).
وتتسع دائرة الضمان الاجتماعي إلى تعاون المجتمع بعضه مع بعض وذلك عن طريق الصدقات الواجبة منها قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(35)، والتطوع فقال تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيره)(36).

حق التفكير في الظواهر العلمية (الكونية)
فقد منح الإسلام الإنسان الحق في التفكير بحرية في ظواهر الكون من فلك وطبيعة وإنسان وحيوان ونبات، والأخذ بما يهديه إليه تفكيره، وما يقتنع بصحته من نظريات.
فالإسلام لم يحاول مطلقاً أن يفرض نظرية علمية معينة بصدد أية ظاهرة من ظواهر الكون بل حث على النظر في ظواهر الكون والتأمل فيها واستنباط قوانينها العامة.
قال تعالى: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ  وَإِلَـى السَّـمَاءِ كَيْفَ رُفـِعَتْوَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ  وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)(37)، وقال تعالى: َ(وَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ)(38)، وقال تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون)َ(39).


الحق في احترام إنسانية الإنسان
وذلك فيما يتصل بالآداب الإنسانية في الحياة وبعد الممات فقد روى البخاري عن جابر بن عبد الله قال: مرت جنازة فقام النبي صلى الله عليه وسلم: وقمنا فقلنا يا رسول الله إنها جنازة يهودي فقال: أوليست نفساً إذا رأيتم الجنازة فقوموا(40).

الحق في احترام العهود والمواثيق وعدم النكث بها
أوجب الإسلام على المسلمين أن يحترموا كل عهد وميثاق أبرموه مع أي طرف كان وأن لا يعتدوا على قومٍ بينهم ميثاق ما لم ينقضوا شيئاً منه أو يعينوا على المسلمين غيرهم.
وقد ذكر الله ذلك في قوله تعالى: (إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)(41).
ولقد ضرب خلفاء المسلمين وقادتهم أمثلة فريدة في الوفاء بالعهد تمتلىء بها كتب السير والتاريخ.

حق الجوار للمستجير
وحق الجوار للمستجير حفظه الإسلام وقرره وإن كان المستجير كافراً بل ومحارباً فأوجب على المجير المؤمن التزامات قررها القرآن حيث قال: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ)(42)، فحق اللجوء الذي يعطى للمشرك إنما يعزز رسالة الأمة ويظهر سماحة الدين ويهيئ المناخ الصالح والفرص الملائمة لإبلاغها.










وفي الختام

فهذه كلمات موجزة عن حقوق الإنسان في الإسلام يظهر لنا من خلالها أن الإسلام هو أول من قرر المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان في أكمل صورة وأوسع باب.
والإسلام حين أقر تلك الحقوق لم يغفل عن الجانب الغريزي في الإنسان من حب السيطرة والاستيلاء والاستزادة.
فهي موضوعة فيه لحكمة اقتضاها الخالق العظيم لتكون بمثابة وقود الأمل المتجدد في الحياة، وميزه بالعقل عن سائر المخلوقات.
فحيث أقر سبحانه حقاً أحاطه بسياج من الضمانات تتمثل في العقوبات والحدود التي أقرها. وألزم الجماعة بالالتزام بها كفالة لذلك الحق لأن كل حق لا يحاط بأحكام تحفظه يفقد معنى وجوده.
ولذلك فإن جميع النصوص الشرعية الواردة بشأن حقوق الإنسان في الإسلام تجدها حيث تقرر حقاً تضع تجاهه أحكاماً لضمانه وكفالة التمتع به. وتلزم الآخرين باحترامه.
والإسلام حيث أقر الحقوق لم يجعلها مطلقة من كل قيد بل ربطها بحدود الالتزام بمبادئ الخير، وجعل لها حدوداً تنتهي إليه حتى لا يُعتدى باسمها على حق الغير في نفس الاتجاه.
فالناس جميعاً في نظر الإسلام أصحاب حقوق وحريات ما لم تصطدم بالخير أو بحق الغير.
هذه هي نظرة الإسلام إلى حقوق الإنسان وذاك هو منهجه في إقرارها.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.




الهوامــش
1.الآية (10) من سورة الكهف
2.الآية (70) من سورة الإسراء
3.الآية (20) من سورة لقمان
4.الآية (32) من سورة المائدة
5.سنن الترمذي (4/10) (14) كتاب الديات عن رسول الله (7)ما جاء في تشديد قتل المؤمن حديث 1395.
6.الآية (45) من سورة المائدة
7.الآية (178) من سورة البقرة
8.تدوين الدستور الإسلامي (ص76) أبو علي المودودي - دار الفكر دمشق.
9.الآية (27 - 28) من سورة النور
10.        الدارمي (2/355) (19) كتاب الاستئذان (1) باب الاستئذان ثلاث حديث 2629.
11.        صحيح البخاري (12/216) (87) كتاب الديات (15) باب من أخذ حق أو اقتص دون السلطان (6888).
12.        الآية (1-5) من سورة العلق
13.        الآية (9) من سورة الزمر
14.        الآية (122) من سورة التوبة
15.        الآية (15) من سورة الملك
16.        صحيح البخاري مع الفتح (4/33) (34) كتاب البيوع (15) باب كسب الرجل وعمله بيده حديث 12073.
17.        فيض القدير (1/562)
18.        الآية (10) من سورة الجمعة
19.        الآية (15) من سورة الملك
20.        الآية (33) من سورة المائدة
21.        الآية (34) من سورة المائدة
22.        الملكية الفردية وتحديدها في الإسلام (1/29) الشيخ علي الخفيف.
23.        الآية (32) من سورة النساء
24.        الآية (2) من سورة النساء
25.        الآية (24) من سورة النساء
26.        الآية (256) من سورة البقرة
27.        الآية (99) من سورة يونس
28.        تاريخ الرسل والملوك للطبري (3/609)
29.        الترمذي (4/320) (28) كتاب البر والصلة (63) باب ما جاء في الإحسان والعفو (2006)
30.        الآية (2) من سورة المائدة
31.     الآية (3) من سورة العصر
32.        صحيح البخاري فتح الباري (1/56) (2) كتاب الإيمان (7) باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه (13)
33.        الآية (75) من سورة الأنفال
34.        الآية (36) من سورة النساء
35.        الآية التوبة (60) من سورة التوبة
36.        الآية (245) من سورة البقرة
37.        الآية (17 - 20) من سورة الغاشية
38.        الآية (185) من سورة الأعراف
39.        الآية (88) من سورة النمل
40.        صحيح البخاري (3/179) (23) كتاب الجنائز (49) باب من قام لجنازة يهودي (1311)
41.        الآية (4) من سورة التوبة
42.        الآية(61) من سورة التوبة.


تعليقات