📁 آخر الأخبار

هل يقبل شرعًا الحكم على المدين المماطل بالتعويض على الدائن؟

هل يقبل شرعًا الحكم على المدين المماطل بالتعويض على الدائن؟

هل يقبل شرعًا الحكم على المدين المماطل بالتعويض على الدائن؟






هل يقبل شرعًا الحكم على المدين المماطل بالتعويض على الدائن؟([1])
مصطفى أحمد الزرقاء
كلية الشريعة، الجامعة الأردنية

أهمية هذه المسألة اليوم
هذا أمر كثر السؤال عنه في وقتنا الحاضر ـ الذي يتميز بما كثر فيه من وجوه التعامل بطريق المداينة في أساليب الإنتاج والتجارة الداخلية والخارجية ـ نتيجة لشيوع وسائل الاتصال الحديثة التي أصبح التاجر يعقد فيها الصفقات الكبيرة بمئات الألوف وبالملايين مع عملائه في مختلف بلاد العالم في بضع دقائق - بطريق الهاتف، أو بالتيلكس وهو جالس في مكتبه، ويجري التحويلات من ذمة إلى ذمة من المشارق إلى المغارب كذلك بالطريقة نفسها.
وفي التجارة الداخلية بين التجار أنفسهم، كما بينهم وبين عملائهم من المستهلكين، أصبحت المداينة هي الطريق الغالب الذي لا تستغني عنه التجارة. حتى إن التاجر الذي لا يبيع ولا يشري إلا نقدًا يدًا بيد لا يستطيع أن يجاري منافسيه في السوق.
وإن ازدياد حاجة الناس إلى المصنوعات الحديثة من كهربائية وآلية وسواها مما تجسدت فيه ثمرات الابتكار والاختراع والتقانة مما أحدث مرتفقات، أو خفف مشقات واختصر الأوقات، أو أعان على تيسير الأعمال المنزلية والخدمات اليومية، قد أصبح الناس لا يستغنون عنه في حياتهم العائلية ومرافقها، وفتح بابًا جديدًا للمداينة في حياة الناس الداخلية فاتسعت وعمت في حياة العائلات طريقة شراء هذه المصنوعات الحديثة من مختلف الأنواع وبالتقسيط، لشدة حاجة الناس إليها وعدم تمكن الكثيرين من ذوي الدخل المحدود من شرائها بأثمان نقدية عاجلة. والحركة التجارية تؤلف شبكة مترابطة، والسرعة التي اتسمت بها في العصر الحاضر جعلت لوفاء الديون في مواعيدها أهمية كبيرة لم تكن لها قديمًا.
فالتاجر يبني على حساب فيما له وعليه فيرتبط في الأخذ والعطاء والشراء والبيع بديون في ذمته ومواعيد بحسب ماله من استحقاقات في تلك المواعيد. فإذا لم يستوف استحقاقاته في مواعيدها لا يستطيع أن يؤدي ما عليه، وكم من إفلاس شخص في التجارة جر وراءه إفلاسات كثيرة لدائنيه في ظل النظم والقوانين التجارية الزمنية.
ومن هنا تجسمت اليوم مشكلة مماطلة المدين في الوفاء، وكثر السؤال عنها: أفلا يستحق الدائن تعويضًا عن ضرره من المدين المماطل؟ وهل في الشرع الإسلامي ما ينافي ذلك؟

هل عالج الفقهاء قبلاً هذه المسألة؟

لم يعالج فقهاء المذاهب قبلاً فيما أعلم هذه المسألة، أعني تعويض الدائن عن تأخير الوفاء المستحق في المداينات، ولم يبحثوها. ومرد ذلك في تقديري وظني إلى ثلاثة أمور:
الأول: أنه لم يكن لهذا الأمر من الأهمية والتأثير في حركة التعامل والتجارة ما أصبح له في العصر الحاضر، كما ألمحنا إليه آنفًا.
الثاني: أن وصول الدائن إلى حقه عن طريق القضاء عند تأخير المدين ومماطلته كان ميسورًا وسريعًا، إذ كان القاضي في العصور الفقهية الأولى يجلب الخصم -بناء على مراجعة شفهية من المدعى- برقعة صغيرة أو إشارة يعطيها لجواز المحكمة (المحضر) تشعره بأنه مطلوب إلى مجلس القاضي، ويقضي في المسألة في الجلسة نفسها، أو يمهل المدعى إلى اليوم الثاني لإقامة البينة إن أنكر الخصم ولم تكن البينة حاضرة.
أما في عصرنا، وفي ظل نظام المرافعات وأصول المحاكمات ومجالات التأجيل وبطء السير في القضايا، وفن المجادلة والمماطلة والمراوغة الذي برع فيه كثير من المحامين، حتى أن بعضهم قد يأخذ الوكالة في القضية الميئوس منها قضاء لا ليربح الحكم فيها للمدعى عليه، بل للتأجيل بشتى الوسائل التي فتح فيها القانون أبوابًا لحماية المدعى عليه، واستخدامها لتأخير الحكم في القضية إلى أقصى أجل ممكن، مما جعل -في الواقع المشهود- بعض القضايا المعقدة يطول النظر فيها لدى المحكمة سنوات عديدة إلى أن تستتب وسائل صدور الحكم البدائي، ثم تأتي مراحل الاستئناف والتمييز (الطعن بطلب النقض لدى محكمة التمييز أو النقض) التي قد تبقى القضية فيها سنوات أخرى ليأتي دورها ويبت فيها تصديقًا، أو تعاد إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه منقوضة لاستكمال بعض النواقص، أو تعديل الحكم، أو تغييره، فتعود القضية جذعة! مما جعل ضرر الدائن أو خسارته من تأخير الوفاء جسيمًا جدًا.
الثالث: إن هذه المسألة فيها من الحساسية الشرعية ما يمكن أن يكون من جملة العوامل في عدم بحثها، وهي خوف الوقوع في الربا، من حيث أن فكرة إلزام المدين في المداينات بالتعويض على الدائن فوق أصل الدين مقابل ضرره من تأخير الوفاء والمماطلة فيه تشبه أن تكون فضلاً بلا عوض، أو زيادة في الدين مقابل الأجل، فكان الخوف من هذا المحذور دافعًا إلى البعد عن بحثها.
يدل على ذلك أن فقهاء المذاهب قد بحثوا في ضرر صاحب الحق المعتدى عليه الذي حجب عنه حقه في غير المداينات، كالغصب وما في حكمه، فأوجبوا فيه تعويض المالك بقيمة المنافع التي فوتها عليه الغاصب -على اختلاف بينهم في ذلك- كما سيأتي بيانه في محله، إذ ليس في ذلك أي شبهة أو تقارب في الحدود الفاصلة بين الحق المشروع والربا.
وعليه يجب اليوم أن ينظر الفقهاء في مسألة إمكان التعويض على الدائن من المدين المماطل بنظر شرعي يستند إلى مقاصد الشريعة وقواعدها العامة المستمدة من نصوص الكتاب والسنة، ويتخذ الموقف الذي يتفق معهما، والقيود التي تبعد الموضوع عن نطاق الربا المحرم.

النصوص الشرعية ذات العلاقة

(أ) من القرآن الكريم
- قول الله تعالى في مطلع سورة المائدة (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود). وهذا نص يجعل الوفاء بما أنشأه العقد الصحيح من آثار حقوقية بين العاقدين أمرًا واجبًا، بمقتضى القاعدة الأصولية أن الأمر التشريعي يفيد الوجوب ما لم تقم قرينة أو دليل آخر تصرفه عن الوجوب. والوفاء بالعقد يدخل فيه لزوم التقيد بمواعيد الوفاء، إذ كثيرًا ما يكون ميعاد الوفاء لا يقل أهمية عن أصل الوفاء.
ونتيجة ذلك أن تأخير الوفاء عن ميعاده دون رضا صاحب الحق يجعل العاقد المتخلف في مركز التقصير الذي يسبب حرمان صاحب الحق من التمتع بحقه والاستفادة المشروعة منه. وهذا الحرمان بلا مسوغ هو ضرر له يجعل المتسبب فيه مسئولاً.
- وقوله تعالى في وصف المؤمنين المفلحين (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)([2]).
- وقوله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعمل)([3]).
وتفيد التفاسير أن الأمانات في هذين النصين وأمثالهما ليست مقصورة على الودائع ونحوها، مما يدخل في معنى الأمانة بالاصطلاح الفقهي في مقابل الأموال المضمونة على من هي في يده، بل جميع الأموال والحقوق الواجبة الأداء إلى الغير، مهما كانت صفتها الفقهية، حتى الأعمال المأجورة التي أصبحت واجبة ومستحقة للغير بعقد، كالنقل والتطبيب والتعليم وسائر الخدمات المأجورة، هي أمانة في عهدة من أصبحت واجبة عليه أن تؤدي بإحسان أي بأكمل وجه ممكن. فالأمانة هنا على معناها اللغوي والأخلاقي العام، فيدخل فيها الحقوق والأموال المضمونة وغير المضمونة والخدمات المأجورة، لأنها أصبحت حقوقًا مستحقة. والملتزمون بها مؤتمنون دينًا على حسن أدائها.
وإذا كانت آية النساء قد نزلت في سبب خاص هو إعادة مفتاح الكعبة الشريفة إلى عثمان بن طلحة الذي كان محفوظًا عنده، فإن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب (ر : "تفسير آيات الأحكام للجصاص وابن العربي والشيخ الحسيني سلطان").
- وقوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) وقوله في الآية السابقة (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)... إلى غير ذلك من آيات كثيرة في وجوب العدل.
والعدل هنا يشمل عدل الحكام في سلطتهم على الرعية، وعدل الأفراد، من أنفسهم، بينهم وبين ذوي العلاقة في الحقوق والمعاملات. (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)([4]).
ولاشك أن أول خطوة في العدل هي أن يؤدي الإنسان ما عليه من حقوق لأربابها في مواعيدها، وإلا كان غير عادل مقسط، ومن تجنب العدل كان ظالمًا ومن ثم وصف النبي (صلى الله عليه وسلم) الغني المماطل بأنه ظالم، كما سيأتي.
ولا شك أن كل ظالم إذا أدى ظلمه إلى إلحاق ضرر بغيره كان مسئولاً عن ذلك الضرر.
- وقوله تعالى في سورة البقرة الآية 188 (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل). والمال يشمل المنافع فقهًا، ولا يقتصر مفهومه على الأعيان في نظر جمهور الفقهاء.
ولا شك أن تأخير أداء الحق المستحق عن موعده الواجب بلا عذر شرعي هو أكل لمنفعة الحق أو المال بلا إذن صاحبه مدة التأخير ويوجب مسؤولية الآكل.

 (ب) من السنة النبوية
- قول الرسول صلى الله عليه وسلم في جوامع كلمه: "لا ضرر ولا ضرار". حديث حسن رواه أحمد في مسنده عن ابن عباس، وابن ماجه في سننه عن عبادة ابن الصامت (رضي الله عنه)، وتلقاه الأئمة والفقهاء كافة بالقبول. وهذا يوجب تعويض المضرور عن ضرره على حساب من سبب هذا الضرر وأحدثه لغيره لأنه مسئول عنه. وإن القاعدة الفقهية المستمدة من هذا الحديث النبوي تقول: "الضرر يزال" (المجلة م/20)، ولا إزالة لهذا الضرر عمن لحقه بلا مسوغ إلا بالتعويض عليه، حتى إن معاقبة المسبب لا تفيد المضرور شيئًا دون التعويض عليه، فهو وحده الذي يزيل الضرر عنه.
- وقوله صلى الله عليه وسلم: "مطل الغني ظلم". حديث صحيح متفق عليه.
- وقوله أيضًا: "ليّ الواجد ظلم يحلّ عرضه وعقوبته". حديث صحيح أخرجه أحمد في مسنده، وابن ماجه في سننه، والحاكم في المستدرك عن الشريد بن سويد.
والمراد بالغني في الحديث الأول من كان قادرًا على الوفاء بما عليه من الدين ولا عبرة بمقدار الغني ودرجته.
والواجد في الحديث الثاني بمعناه، أي الذي يجد ما يفي به، أي القادر على الوفاء.
والليّ (بتشديد الياء) مصدر للفعل (لوي يلوي) بمعنى: ماطل في الوفاء. وإحلال عرضه معناه جواز دمه، لأن العرض من الإنسان كل ما يذم به ويقدح فيه.

(جـ) مقاصد الشريعة وسياستها الحكيمة

إن من أسس الشريعة في تقرير الأحكام، ومن مقاصدها العامة وسياستها الحكيمة، عدم المساواة بين الأمين والخائن، وبين المطيع والعاصي لأوامرها، وبين العادل والظالم، وبين المنصف والجائر، ولا بين من يؤدي الحقوق إلى أصحابها في مواقيتها ومن يجحدها أو يمنعها أو يؤخرها.
وهذا من البديهيات الشرعية المسلمة لدى أهل العلم، وشواهده من نصوص الكتاب والسنة كثيرة وشهيرة، ولا يعقل في منطق التشريع وسياسته خلافه.
ولا شك أن تأخير الحق عن صاحبه عمدًا ومطلاً وبطلاً دون عذر شرعي هو ظلم وجور بشهادة الأحاديث النبوية الآنفة الذكر، وفيه ضرر لصاحب الحق بحرمانه من منافع حقه أو ماله مدة التأخير التي قد تطول كثيرًا. فهذا المدين الظالم بالتأخير، والمماطل في الوفاء رغم قدرته، إذا لم يلزم بتعويض صاحب الحق عن ضرره من هذا التأخير، كانت النتيجة أن هذا الظالم العاصي يتساوى في النتيجة مع الأمين العادل المطيع الذي لا يؤخر حقًا عليه، ولا يسبب ضررًا. والجزاء الأخروي بمعاقبة هذا الظالم لا يفيد صاحب الحق المهضوم المحروم شيئًا في هذه الدنيا. والحقوق المالية الثابتة في نظام المعاملات الشرعي جعلت لها حماية وضوامن قضائية في هذه الدنيا قبل الجزاء الأخروي. هذه سياسة الشريعة الحكيمة.
فإذا تساوى معطي الحق ومانعه، أو معجله ومؤخره كان هذا مشجعًا لكل مدين أن يؤخر الحقوق ويماطل فيها بقدر ما يستطيع ليستفيد من هذا الظلم أكبر قدر ممكن دون أن يخشى طائلة أو محذورًا، مادام لن يؤدي في النهاية إلا أصل الحق. وهذا خلاف مقاصد الشريعة وسياستها الحكيمة قطعًا.
(د) مبادئ وقواعد فقهية ذات دلالة وإيحاء في الموضوع
اختلفت الأنظار الاجتهادية في منافع الأشياء: هل تعتبر المنافع أموالاً لها قيمة ذاتية، أو لا تعتبر كذلك؟
ذهب الاجتهاد الحنفي إلى أن المنافع ليست أموالاً ولكنها تملك فتكون ملكًا لأنهم قصروا مفهوم المال على الأعيان المادية، وفرقوا بين المال والملك.
ومن ثم قرروا أن المنافع في الأصل ليست ذات قيمة في نفسها وإنما ورد تقويمها في الشرع بعقد الإجارة للحاجة على خلاف القياس فلا تقوم في غير عقد الإجارة. وبالتالي قرر الحنفية أن منافع المغصوب لا يضمنها الغاصب عن مدة الغصب، بل يلتزم برد العين المغصوبة دون أجرتها لأن منافعها غير متقومة. (ينظر البدائع للكاساني في كتاب الغصب 7/175، والهداية للمرغيناني، كتاب الغصب، فصل "من غصب عينًا فغيبها").
وذهب الاجتهاد الشافعي والاجتهاد الحنبلي إلى عكس ذلك فقررا أن المنافع أموال متقومة في ذاتها، لأنها هي المقصودة من الأعيان، فإن أثمان الحاجيات والأشياء تقاس بين الناس بمنافعها. وقد أجازت نصوص الكتاب والسنة أن تكون المنافع والخدمات مهرًا في النكاح، وأن المهر يجب أن يكون مالاً، لقوله تعالى بعد تعداد المحرمات من النساء: (وأُحِل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم... )([5]).
ومن ثم قرر الشافعية والحنابلة ومن على رأيهم أن منافع المغصوب مضمونة على الغاصب كعين المال المغصوب، سواء استوفى الغاصب هذه المنافع بأن استعمل المغصوب، أو عطلها. وإذا هلك المال المغصوب عند الغاصب يضمن لصاحبه قيمة المال المغصوب، وأجرة المثل لمنافعه عن مدة الغصب (ينظر كتاب "تأسيس النظر" للإمام أبي عبد الله بن عمر الدبوسي الحنفي ص 62-63).
ولا يخفى أن رأي الحنفية في هذه المسألة ضعيف، وأن رأي الشافعية والحنابلة هو الأقوى دليلاً، ويتفق مع المصلحة العامة وعليه جمهور الفقهاء (ينظر الجزء الثالث من سلسلة: الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد لكاتب هذا البحث في الفقرات 132-137).

تأخير أداء الحق يشبه الغصب فيجب أن يأخذ حكمه
بعد هذا نقول: إن تأخير أداء الحق عن ميعاده من المدين المماطل القادر على الوفاء (غير المعسر) يشبه الغصب فيجب أن يأخذ حكمه، لسببين:
- أولاً: لأن هذه المماطلة منه والتأخير ظلم بنص الحديث النبوي الآنف الذكر.
- ثانيًا: لأن الديون مقرها الذمة، فتأخيرها ظلمًا وعمدًا هو حجب لها عن صاحبها الدائن، والتعدي عليها إنما يكون بهذا الحجب لأنها ليست أعيانًا يتأتى فيها السطو المادي، فحجبها عن صاحبها هو كالسطو على الأشياء المادية بالغصب. يؤيد ذلك ما نص عليه الفقهاء في الوديعة إنها إذا طلبها صاحبها المودع، فمنعها عنه الوديع بلا عذر، أصبح كالغاصب ضامنًا لها إذا هلكت بعد ما كانت أمانة عنده غير مضمونة. فقد يأخذ حكم الغاصب من ليس غاصبًا في الأصل في حالات كثيرة هذا منها. (ر: المجلة ومرآتها م/794 والدر المختار ورد المحتار في كتاب الوديعة). فهل من فرق بين حجب الوديعة وحجب الدين عن صاحبيهما في صيرورة الحاجب فيهما بلا عذر متعديًا في حكم الغاصب؟
إن إعطاء حكم حالة شرعًا لحالة أخرى تشبهها وإن لم تسم باسمها هو أمر واقع مألوف في فقه الفقهاء وتقريراتهم. فالرهن مثلاً عقد يسمى به المال مرهونًا بمقتضى هذا العقد، أي محبوسًا في يد الدائن المرتهن عن مالكه الراهن ضمانًا لاستيفاء الدين المرهون فيه.
وهناك حالات يصبح فيها المال في حكم المرهون وإن لم يرهن بعقد رهن، ويطبق عليه حكم المرهون في حق حبسه عن مالكه. من أمثلة ذلك ما لو وجد إنسان دابة ضائعة مثلاً فالتقطها لتعريفها والبحث عن صاحبها وأنفق على حفظها وغذائها نفقة بإذن القاضي، للرجوع بها على صاحب اللقطة. فإذ ظهر صاحبها وطلبها يحق للملتقط حبسها عنه حتى يعطيه ما أنفق عليها بالمعروف وتصبح في يده في حكم المرهون وتطبق فيها أحكام الرهن إذا هلكت وإن لم تكن مرهونة فعلاً بعقد. (ر: الدر المختار ورد المحتار في كتاب اللقطة عند قول الماتن: "ولو حبسها عن ربها حتى يأخذ النفقة").

نتيجة تطبيق حكم الغصب على تأخير وفاء الدين بلا عذر
بعد جميع ما تقدم وفي ضوئه نقول: إن تطبيق حكم الغضب على تأخير وفاء الدين عن ميعاده بلا عذر يقتضي أن يصبح المدين مسئولاً مسئولية مدنية "مالية" عن هذا التأخير. ومسئوليته هنا طريقتها الوحيدة المفيدة أن يصبح ملتزمًا بتعويض الدائن عما ألحقه به من ضرر بهذا التأخير، كما يضمن الغاصب منافع المغصوب مدة الغصب عند جمهور الفقهاء، إلى جانب ضمان قيمته لو هلكت عينه تحت الغصب كما سلف بيانه، ذلك لأن الدين نفسه لا يتصور فيه الهلاك لأن محله الذمة فيبقى قائمًا فيها اعتبارًا ولو عجز المدين عن الوفاء، فتبقى منافع هذا الدين التي حجبها المدين عن الدائن هي محل الهلاك أو التعطيل المضمون على المدين. فضرر الدائن من تأخير وفاء الدين عن ميعاده ينحصر فيما فاته من منافع دينه لو قبضه في ميعاد وفائه.
وهذه المنافع هي ما كان يجنيه الدائن من ربح في أدنى الحدود المعتادة في التجارة لو أنه قبض دينه في ميعاده واستثمره بالطرق المشروعة الحلال، كما لو دفعه مضاربة مثلاً لمن يتاجر به. فهذا الربح المقدر هو الذي يجب أن يضمنه المدين، الظالم بالمماطلة والتأخير، للدائن المظلوم.
بأي الطرق يتم تقدير الربح الفائت بالتأخير؟
في الواقع يمكن أن يقدر ما فات الدائن من ربح، أو ما لحقه من ضرر الخسار بتأخر المدين عن الدفع، إما بطريق الاتفاق وإما بطريق القضاء.
لكن طريق الاتفاق على مقدار ضرر الدائن من تأخير الوفاء، له محذور كبير، هو أنه قد يصبح ذريعة لربا مستور بتواطؤ بين الدائن والمدين، بأن يتفقا في القرض على فوائد زمنية ربوية ثم يعقد القرض لمدة قصيرة وهما متفاهمان على أن لا يدفع المدين القرض في ميعاده، لكي يستحق عليه الدائن تعويض تأخير متفق عليه مسبقًا يعادل سعر الفائدة. فلذلك لا يجوز في نظري، إذا أقرت فقهًا فكرة تعويض عن ضرر التأخير، أن يحدد هذا التعويض باتفاق مسبق. بل يجب أن يناط تقدير التعويض بالقضاء تقدره المحكمة عن طريق لجنة خبراء محلفين، لكيلا يتخذ تقدير التعويض بالاتفاق المسبق ذريعة لفوائد ربوية مستورة. فهذه الثغرة أخوف ما أخشاه في هذا الموضوع، أن يستغل الحكم المنطقي العادل في تعويض التأخير بسوء نية، للنفاذ تحت ستاره إلى الفوائد الربوية في المداينات العقدية. فيجب الانتباه لذلك والتوقي منه، والنظر في الفتوى إلى كل حادثة بحسب ملابساتها، وأول ما يجب أن ينظر إليه القاضي هو التحقيق في أنه: هل كان تأخير الوفاء بعذر شرعي، كما لو كان المدين معسرًا ثابت الإعسار، فهذا قد أوجب له القرآن نظرة إلى ميسرة، فليس بظالم، ولا يجتمع وجوب أنظاره مع إلزامه بتعويض عن التأخير. ومثل ذلك ما لو وقع المدين تحت تأثير ظروف طارئة مرهقة أو معوقة.

الفرق بين تعويض ضرر التأخير وبين الفوائد الربوية
الفرق واضح جلي بين تعويض الدائن عن الضرر الذي يلحقه بمماطلة المدين وتأخيره للوفاء ظلمًا بلا عذر، وبين الفوائد:
(أ) فالفوائد الربوية في حقيقتها استغلال من الدائن المرابي لجهود المدين ونشاطاته الاكتسابية بصورة تجعل الاحتمالات السيئة جميعًا على حساب المدين، وتضمن للدائن أصل دينه وربحًا ثابتًا دون نظر إلى مصير الطرف الآخر، الذي يتحمل وحده جميع الاحتمالات السيئة إذا وقعت. فهي استغلال لئيم لجهود الآخرين بلا عمل ولا رفق، يمتص ثمرات نشاطهم امتصاصًا بطيئًا ولكنه استنزاف يختل به التوازن الاقتصادي بين موقف الطرفين.
أما تعويض ضرر التأخير فبعيد عن كل هذه المعاني، فهو إقامة عدل يزيل ضررًا ألحقه إنسان متهاون بواجبه، طامع بحقوق غيره التي تحت يده، فحجبها عنه بلا عذر ليستبيحها بأكبر قدر ممكن، أو يأكلها إذا مل صاحبها من ملاحقته فيها. فوجب إنقاذ المظلوم من الظالم، وتعويض الأول ما فوته عليه الثاني من منافع حقه لو وفاه إليه في حينه، ولذا وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بالظلم وأباح ذمه وعقوبته كما سبق بيانه، فأين هذا العدل من ذلك الجور؟
(ب) إن الفوائد الربوية في المداينات تعقد المداينة على أساسها من البداية. فتكون طريقة استثمارية أصلية يلجأ إليها المرابون وهم قاعدون، يختل بها التوازن الاقتصادي كما أشرنا إليه آنفًا. أما تعويض ضرر التأخير فليس طريقًا استثماريًا، وإنما هو إعادة عادلة لتوازن أخل به طرف طامع ظالم متهاون. ولا تكون المداينة قائمة عليها من البداية، وقد يتحقق سببها وهو التأخير أو لا يتحقق.
الخلاصة:
أولاً: إنني أرى أن مبدأ تعويض الدائن عن ضرره نتيجة لتأخير المدين عن وفاء الدين في موعده هو مبدأ مقبول فقهًا، ولا يوجد في نصوص الشريعة وأصولها ومقاصدها العامة ما يتنافى معه، بل بالعكس يوجد ما يؤيده ويوجبه.
واستحقاق هذا التعويض على المدين مشروط بأن لا يكون له معذرة شرعية في هذا التأخير، بل يكون مليئًا مماطلاً يستحق الوصف بأنه ظالم كالغاصب.
ثانيًا: مرجع تقدير معذرة المدين من عدمها، وتقدير ضرر الدائن، يعود إلى القضاء في جميع الأحوال. ولا يجوز الاتفاق مسبقًا بين الدائن والمدين على تحديد ضرر الدائن من تأخير الوفاء.
ثالثًا: تحدد المحكمة مقدار الضرر والتعويض عنه بما فات الدائن من ربح معتاد في طرق التجارة العامة بأدنى حدوده العادية لو أنه قبض دينه في موعده واستثمره بالطرق المشروعة الحلال في الإسلام كالمضاربة والمزارعة ونحوهما، ولا عبرة لسعر الفوائد المصرفية.
وتعتمد المحكمة في هذا التقدير رأي أهل الخبرة في هذا الشأن.
هذا ما أراه في هذا الموضوع، وأرجو أن يكون صوابًا موافقًا لروح الشريعة الإسلامية وفقهها الصحيح، والله سبحانه وتعالى أعلم.

تعليق : حبيب حامد عبد الرحمن الكاف([6])
حبيب حامد عبد الرحمن الكاف
مشرف مراقبة مخاطر الائتمان
الخطوط الجوية العربية السعودية - جدة

1- عند مناقشته لزكاة المأجورات انتهى الشيخ الكبير الأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء إلى القول:
".. ولكن قياس هذه المأجورات على عروض التجارة في طريقة تزكيتها بأن تزكي نسبة ربع العشر من قيمة الأصل مع الأجور كلما حال عليها حول هو قياس مع الفارق الكبير بينهما وفيه غلو وإرهاق للمكلف وعسر في التطبيق فعروض التجارة تستثمر ببيع أعيانها استرباحًا وتحل أثمانها محلها لتدور جميعًا دورات جديدة في الإسترباح. وهكذا في مدى كل عام. فتنمو بها أصيلة التاجر أي رأسماله فتتضاعف قدرته المالية التي بدأ بها أضعافًا مع الزمن. أما الشيء المأجور فأصله ثابت لا يخرج من ملك صاحبه بالمبادلة ولا ينمو بل يتناقص بالاستعمال ولكنه يعطي غلة فهو أشبه بالأرض الزراعية التي تزرع فهي ثابتة لا تزيد مساحتها ولكنها تعطي غلة. وهذه نقطة مفارقة جوهرية لا يستقيم معها القياس" (ص 91).
ولي تساؤلات حول تأكيد الشيخ الزرقاء في العبارة الآنفة بأن المأجورات لا يصح قياسها على عروض التجارة.
2- لقد تغير وضع الأراضي تغيرًا جذريًا للأسباب الآتية:
(أ) اعتبارها في العصر الحاضر أداة من أدوات الإنتاج لها عائد معين كأية أداة إنتاجية أخرى.
(ب) التنافس الشديد بين متطلبات الحياة الحديثة المختلفة لاقتناء الأراضي للأعمال الزراعية والصناعية والتجارية والسكنية والعسكرية والمدنية والمرافق العامة: المدارس بمراحلها المختلفة وأعدادها الهائلة مع المصالح الملحقة بها من ملاعب ومكتبات ومختبرات، والجامعات بأنواعها والمعاهد العليا والمطارات والمستشفيات والحدائق العامة والمتاحف والطرق وغيرها.
(جـ) الزيادة المطردة في عدد سكان العالم مع ما تحتاج إليه هذه الأعداد المتزايدة من البشر من مأكل ومشرب وملبس ومدرسة ومستشفى وطريق وغيرها.
(د) محدودية رقعة اليابسة طبيعيًا وعدم صلاحيتها لتلبية المتطلبات المذكورة أعلاه، مع التكاليف الباهظة لزيادة رقعة الأرض ردمًا واستصلاحًا لاستغلالها لأي من تلك الأغراض.
(هـ) المعدل السنوي للتضخم المالي الذي لا يقل عن 10% على أقل التقدير في معظم بلدان العالم.
وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى الارتفاع المذهل في أسعار الأراضي المستغلة لكافة الأغراض ارتفاعًا يفوق تصور الاقتصاديين والناس العاديين. ومن الملاحظ أيضًا أن الأسعار العالمية للمواد الأولية بما في ذلك الحبوب والغلال ومواد البناء قد سجلت هبوطًا ملحوظًا خلال العامين الماضيين بينما لم تسجل أسعار الأراضي والإيجارات هبوطًا بالمعدل نفسه، إن كان هناك هبوط فعلا!!
كما أن المنزل أو المستودع أو المجمع السكني أو المصنع المقام على أرض شاسعة اليوم يشاد في موقع يعتبر خارج حدود المدينة أو القرية، ولكنه سوف يصبح بعد 10، أو 15 سنة من الآن في وسطها، فترتفع قيمة الأرض إلى ضعف أو عشرات أضعاف قيمتها الأصلية.
هكذا صارت الأرض بتأثير العوامل المشار إليها أغلى بكثير من الذهب، وأصبحت كلفة المباني المقامة عليها أقل بكثير من قيمة الأرض نفسها، وخاصة في أواسط المدن والأحياء الآهلة بالسكان، أو التي تقع قريبة من موقع استراتيجي كالمطار أو الجامعة. فلم يجد المستثمرون المفر من أن يقيموا ناطحات السحاب كي تتعادل قيمة الأرض في وسط المدن الكبرى مع قيمة المباني المقامة عليها. بينما تكاليف البناء في الماضي البعيد فكانت أكثر بكثير من قيمة الأرض نفسها فانقلبت الموازين رأسًا على عقب بسبب المؤشرات التي ذكرناها.
ولا نرى سببًا معقولاً يغير المقومات الأساسية لتحليلنا هذا في المستقبل المنظور بل من المحتمل أن تحدث أمور جسام ليست في الحسبان في الوقت الحاضر فتدفع قيم الأراضي والمباني المبنية عليها بمعدلات أعلى بكثير مما لاحظنا في العقود الثلاثة الماضية.
 3- هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن المحاسب القانوني عندما يقوم بواجبه لتحديد حقوق المالكين في منشأة أو شركة ما يأخذ في عين الاعتبار كافة الأصول الثابتة بما فيها القيمة الحالية (قيمة السوق) للأرض المقام عليها المصنع مثلاً (الرأسمال العيني) والقيمة المتناقصة للآلات المركبة فيه بعد حسم الاستهلاك السنوي (المعوض عنه باحتياطي الاستهلاك لاستبدالها بآلات جديدة عند بلوغها أعمارها التشغيلية) والرأسمال النقدي الذي ساهم في تمويله المالكون بحصصهم المعينة.
وأقرب مثال لذلك هو القيمة الصافية لإحدى جمعيات الإسكان المنتشرة في بريطانيا وأمريكا والبلدان الأخرى والتي تملك من الرأسمال البلايين من الدولارات المتمثلة في العقار المملوك لها أرضًا وبناء، والذي يظل ينمو قيمة بمرور الزمن على الرغم من احتمال الهبوط المستمر في الإيجارات لكون العمائر أصبحت قديمة أو بسبب تجميد أو جمود الإيجارات أو تحديدها (حسب الموقع وعمر العمارة وكلفة البناء وغيرها) من قبل الدولة بدوافع إنسانية ورفاهية. فيتضرر مستحقو الزكاة من جراء ذلك الجمود أو التحديد أو التجميد، وبدلاً من أن تكون الزكاة عاملاً مهمًا في عملية توزيع الثروات بصورة عادلة تفقد فاعليتها في تضييق الهوة بين الأغنياء والفقراء.
وفي ضوء ما تقدم باستطاعتنا القول أنه ظهرت عوامل مؤثرة أكسبت الأرض قوة النمو الذاتية في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور فأصبحت في حكم النقود، التي فقدت قيمتها وقوة شرائها في الآونة الأخيرة، بينما احتفظت الأراضي بقيمها بشكل عام رغم ظروف الكساد الاقتصادي القاسية. لهذا فإن القول بإخضاع قيمة الأرض للزكاة مثل النقدين لا ينبغي أن يكون محل استغراب.
4- رب قائل يقول كيف قست الأراضي غير الزراعية على الذهب والفضة (النقود) بينما قاسها أسلافنا على الأراضي الزراعية؟ فهل عندك دلائل على ذلك؟
إنه سؤال وجيه جدًا ويجب علي إثبات دعواي بالدلائل والبراهين فأقول: إن الشارع لما فرض الزكاة على عين المحصول الزراعي ولم يفرضها على عين الأرض راعى في ذلك الحقائق التالية:
(أ) أن الأراضي الزراعية لا تصبح منتجة حتى تعمل فيها إرادة الإنسان وجهده وماله كلما جاء موسم الزرع والحصاد والفترتين الواقعتين بينهما.
(ب) أن المحاصيل الزراعية معرضة للجوائح والآفات المختلفة من بعد نشر البذور وحتى دخولها إلى مخازن الفلاح.
(جـ) أن أسعارها معرضة كذلك للتذبذب وفي بعض الظروف يضطر الفلاح إلى إعادة تخزين محصوله انتظارًا لارتفاع الأسعار إلى مستوى يغطي نفقاته ومكاسبه معًا. وأحيانًا تتلف المحاصيل خلال عمليات النقل وإعادة التخزين والانتظار وإعادة طرحها في السوق أو تنقص أسعارها بشكل ملحوظ بحيث تسبب بعض الخسائر.
(د) أن بعض المحاصيل الزراعية مثل الفواكه والخضروات سريعة التلف فمخاطرها وخسائرها عالية جدًا وتتطلب نفقات أخرى لمعالجتها تسويقًا أو تخزينًا.
(هـ) أن الزكاة المفروضة على المحاصيل الزراعية تحصل من المزارع كلما حان وقت الحصاد ولو أربع أو ست مرات في سنة واحدة معتمدًا على طريقة السقيا. فالإيراد الكلي من الزكاة من مزرعة واحدة متوسطة المساحة قد يكون كثيرًا خلال فترة سنة واحدة.
(و) والجدير بالإشارة هنا أن الزكاة تؤدي حين الحصاد، بينما تستمر مخاطر المزارع بالنسبة لبيع محصوله واسترداد نفقاته ومكاسبه. هكذا يظل المزارع يواجه مخاطر ماله ومخاطر جهده قبل الحصاد وعند إخراج الزكاة وبعد إخراجها.
ولو أردنا بالمقابل أن نفحص ونحدد المميزات البارزة للعقار أرضًا وبناء لوجدنا:
(أ) أن عين الأرض في العقار تبقى كما هي ولا حاجة للإنفاق عليها أبدًا ما دام البناء قائمًا.
(ب) أما المباني فإن أساساتها وهياكلها لا تحتاج إلى العناية والصيانة خلال السنوات الأولى وتبدأ نفقات الصيانة بعد هذه الفترة تدريجيًا ولكنها نفقات تدفع من صافي أرباح عين البناء بينما تظل قيمة الأرض والمباني كلتيهما تزداد بفعل العوامل التي ذكرناها سابقًا.
وبما أن الشركات العاملة في مجال العقار تجنب مبلغًا معينًا على مدى سنوات طوال كاحتياطي للاستهلاك محملة إياه على بند الأرباح فإن عين المباني تبقى ثابتة غير منقوصة خلافًا لما قاله أستاذنا الفاضل وتظل ترتفع أسعارها حسبما بيناه.
أما مخاطر (الهدم الكلي أو الجزئي) والخسارة فتكاد تكون نسبتها ضئيلة جدًا خاصة إذا اتخذت الإجراءات اللازمة للسيطرة على الحريق في حالة نشوبها أو أية كوارث طبيعية أخرى مثل السيول والصواعق وغيرها.
وينطبق المبدأ نفسه على الآلات المستخدمة في المصانع فإنها تظل عينًا ثابتة عن طريق استبدالها باحتياطي الاستهلاك مع ما لديها من قوة النمو والإنتاج مثلها مثل المباني لها قوة النمو والإنتاج.
نتيجة
وبهذا يظهر جليًا أن قياس العقار أرضًا وبناء على الأراضي الزراعية لا يستند إلى حجج وبراهين قوية، وإن قياسه على النقود وإلحاقه بها أقرب إلى الصواب وأقوى حجة، لأن وجوه التماثل تكاد تكون كاملة بينهما.
5- ويبقى دليل قوي آخر يجعل حجتنا بالغة الإحكام وهو النسبة بين معدل نمو قيمة عين العقار أرضًا وبناء والإيجار الحاصل منها فنرى أن معظم بلدان العالم تسن قوانين تمنع أو تحد الارتفاع في معدلات الإيجارات وذلك كجزء من سياسات محاربة التضخم المالي والسيطرة على أسعار السلع والحاجيات الأساسية والأجور وشعور الدولة بالمسؤولية تجاه توفير سكن لضمان العيش الكريم للمواطنين. ورغم ذلك فإن الإيجارات ترتفع في كافة أنحاء العالم، ولكن بنسبة مئوية من الإيجارات فتكون الزيادة ضئيلة جدًا وبمعدل بطء شديد بينما تتضاعف قيمة العقار أرضًا وبناء عدة مرات في نفس الفترة (قل: فترة عشر سنوات) وبكلمات أخرى نستطيع أن نقول أن قيمة العقار أرضًا وبناء تزداد في فترة معينة بأعداد هندسية بينما قيمة الإيجارات تزداد بأعداد حسابية وهذا المبدأ ينطبق على معظم بلدان العالم بما فيه الشرق الأقصى كله وأوروبا والولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية ويستثنى من ذلك بعض بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا.
6- وبقيت لنا نقطة مهمة متعلقة باستمرار الثروات وزيادتها. في حالة الأفراد فإن ثرواتهم من العقار وغيره تقسم بين الورثة بعد وفاتهم ولكنها تبقى وحدة نامية مطردة النمو بكونها مملوكة للشركات التي تكون أعمارها عادة أطول بكثير من أعمار الأفراد ومع مرور الزمن تصبح هذه الشركات مالكة للثروات الطائلة المتمثلة في الأراضي والمصانع والعمارات.
7- النتائج المرتقبة إذا أخذنا بهذا المبدأ -مبدأ فرض الزكاة على قيمة الأرض والآلات والعمائر بمعدل ربع العشر.
إن أولى نتائجه هي تحقيق مبدأ من أهم مبادئ العدل التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي ألا وهو توزيع الثروات بصورة عادلة بين كافة أفراد المجتمع الإسلامي كي لا تكون دولة بين أغنيائهم.
وثانيتها هي عدم تجميد أموال المسلمين وثرواتهم في الأراضي والعقارات بصورة تفوق الحاجة الفعلية لها وسوف تتجه وتتوزع الأموال أكثر عدلاً وتوازنًا بين القطاعات الإنتاجية المختلفة التي من الممكن أن تدر نفس الدخل بعد إخراج الزكاة.
وثالثها هي محاولة جادة من قبل أصحاب المصانع والعمارات لتشغيلها باستمرار طوال السنة وبأقصى طاقة إنتاجية خشية أن تأكل الزكاة أعيانهم الثابتة كما هو الحال بالنسبة للنقود التي لابد لها من أن تخرج من مخابئها خوفًا من تآكلها التدريجي والمستمر من جراء إخراج الزكاة كل عام.
ورب سائل يسأل: كيف يكون الحل إذا لم تتوافر لدى صاحب المصنع أو العمارة السيولة النقدية الكافية لدفع أموال الزكاة عند حولان الحول؟ والجواب على هذا موجود في النتيجة الثالثة المشار إليها آنفًا إذ أنه من المستبعد جدًا أن لا تتوافر السيولة لتغطية الزكاة، وصاحب المصنع والعمارة جاد كل الجدية لتشغيلها بأقصى طاقتها الإنتاجية. وهذا السؤال كان يمكن وروده لو كنا أخذنا بمبدأ فرض الزكاة بمعدل 10% أو 5% ولكنه مع أخذ المبدأ بـ 2.5% فإن حدوثه نادر إن لم يكن مستبعدًا تمامًا.
هذا هو رأيي، ولست معصومًا من الخطأ والنسيان وفوق كل ذي علم عليم. وحبذا لو يشارك في هذا النقاش المحاسبون القانونيون وخبراء في مشاكل الإسكان ومراقبة وتحديد الإيجارات وخبراء العقارات والأراضي وغيرهم، حتى يدلي كل واحد بدلوه كي تتكامل الصورة ويأخذ كل شيء حجمه الطبيعي في التصور والاستنتاج، ونخرج جميعًا برأي كله فقه وعلم وصواب.

تعقيب قصير على اقتراح الأستاذ الزرقاء
إلزام المدين المماطل بالتعويض على الدائن ([7])
رفيق يونس المصري
الأستاذ الزرقاء ليس أستاذي فحسب، بل هو أستاذ أساتذتي، لكنني أستأذنه في التعقيب على اقتراحه، فإن كان حقًا فأرجو منه التأييد والتشجيع، وإن كان خطأ فاسأله التصحيح والتعليم. ويتلخص اقتراح الأستاذ الزرقاء في نص الحديث النبوي "لَيُّ الواجدِ يُحِلُّ عِرْضَه وعقوبته"، وقد نص الشُرَّاح على أن العقوبة هي الحبس، والاقتراح يريد تعديتها إلى العقوبة المالية، فهل هي جائزة؟
إن هذا الاقتراح لابد له من أن يجتاز أربع عقبات حتى يكتب له القبول في نظري، وهو ما لم يتعرض له الأستاذ الزرقاء في اقتراحه. هذا مع ملاحظة أن المدين المماطل قد يكون له كفيل فيطالب، أو رهن فينفّذ عليه.
العقبة الأولى : كثير من الفقهاء الكبار لا يسلّم بمبدأ العقوبة المالية أصلاً.
العقبة الثانية : فكيف إذا كانت هذه العقوبة في سياق الربا؟
العقبة الثالثة : ثم إن هذه العقوبة إذا ما أُقرَّت، لابد أن تتأثر بحجم المبلغ ومدة (المماطلة)، وهو ما يعرف في القانون الوضعي والأعراف النافذة بـ (فوائد التأخير).
العقبة الرابعة : لماذا اختيرت هذه العقوبة على سواها من العقوبات، كالحبس، وبيع ما له عليه...؟
أعني أن هذه الاقتراحات أخشى أن تتخذ ذريعة في التطبيق العملي إلى الربا. فتصبح الفائدة الممنوعة نظريًا، تمارس عمليًا باسم "العقوبة" (جزاء التأخير). وينتهي الفَرْقُ إلى فَرْقٍ في الصور والتخريجات فحسب.
وأرى أن هذا الاقتراح من جنس اقتراحات أخرى عصرية مماثلة، تحوم حول الحِمَى، وربما تؤول إلى الدخول من النوافذ، بعد أن أُقفل الباب، حتى إذا ما كثرت النوافذ المشرَّعة، رجا بعضنا على الأقل العودة إلى الدخول من الباب الرسمي.
د. رفيق يونس المصري
مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
جامعة الملك عبد العزيز - جدة

تعقيب آخر([8])
المؤيدات الشرعية لحمل المدين المماطل على الوفاء
وبطلان الحكم بالتعويض المالي عن ضرر المماطلة
 نزيه كمال حماد
أستاذ مشارك ـ قسم القضاء
جامعة أم القرى ـ مكة المكرمة ـ المملكة العربية السعودية
المستخلص : إن من جملة ما يعنيه تحريم الربا في الشريعة عدم جواز الاتفاق على زيادة الدين مقابل تأخير الوفاء. لكن الأستاذ مصطفى الزرقاء رأى في مقال نشر في العدد الثاني (المجلد الثاني) من هذه المجلة أنه يجوز للقاضي أن يحكم على المدين المليء المماطل بتعويض مالي يدفعه للدائن مقابل ما فوته عليه من منافع بسبب تأخير الوفاء.
والمقال الحاضر يبين بطلان هذا الرأي شرعًا، لأنه حتى لو سلمنا مع الأستاذ الزرقاء بأن المدين المليء المماطل هو في حكم الغاصب للمال، فإن الغاصب لا يضمن منافع المغصوب إلا في الأموال القابلة للإجارة، أما الأموال غير القابلة للإجارة شرعًا كالنقود، فلا يضمن غاصبها إلا رأس المال وحده. ويستشهد المقال بأقوال العديد من فقهاء المذاهب المؤيدة لذلك، والمبينة بأن العلاج الشرعي الصحيح للمماطلة هو أولاً: التهديد بعقوبة الله في الآخرة لمن يماطل ظلمًا في الوفاء، ثم هو ثانيًا: التعزير عمومًا بالحبس وسواه، ثم بيع مال المدين جبرًا بحكم القاضي.
قرأت في العدد السابق([9]) من هذه المجلة مقال الأستاذ مصطفى الزرقاء بعنوان: هل يقبل شرعًا الحكم على المدين المماطل بالتعويض على الدائن. فحفزني ذلك إلى الكتابة في الموضوع نفسه معلقًا.
لقد رأى أستاذنا الجليل الفاضل مصطفى الزرقاء "أن مبدأ تعويض الدائن عن ضرره نتيجة لتأخر المدين عن وفاء الدين في موعده هو مبدأ مقبول فقهًا، ولا يوجد في نصوص الشريعة وأصولها ومقاصدها العامة ما يتنافى معه، بل بالعكس يوجد ما يؤيده ويوجبه، واستحقاق هذا التعويض على المدين مشروط بألا يكون له معذرة شرعية في هذا التأخير، بل يكون مليئًا مماطلاً يستحق الوصف بأنه ظالم كالغاصب".
ومن أجل الوصول إلى هذه النتيجة مهدد بأربعة أمور:
أولاً: إن تأخير الوفاء عن موعده مطلاً دون رضا صاحب الحق يلحق ضررًا بالدائن بحرمانه من منافع ماله مدة التأخير، ويعد ظلمًا، مما يوجب مسؤولية المدين عنه.
ثانيًا: إن تأخير أداء الدين عن موعده بلا عذر شرعي أكل لمنفعة المال بلا إذن صاحب مدة التأخير، مما يوجب مسؤولية الأكل.
ثالثًا: إن معاقبة المدين المماطل جزاء تأخره في الوفاء لا تزيل الضرر الذي لحق الدائن، بخلاف التعويض المالي، فهو وحده الذي يزيل الضرر عنه وفقًا للقاعدة الكلية "الضرر يزال".
رابعًا: إن المدين المماطل إذا لم يلزم شرعًا بالتعويض المالي عن تأخير الوفاء، فيلزم من ذلك أن تكون الشريعة مساوية في النتيجة بين العادل المطيع الذي يؤدي الدين في وقته والظالم العاصي الذي أضر الدائن بتأخير الدين مطلاً، ويترتب على ذلك تشجيع كل مدين على تأخير الحقوق ومطلها بقدر ما يستطيع ليستفيد من ظلمه بأكبر قدر ممكن دون أن يخشى طائلة أو محذورًا، أما الجزاء الأخروي بمعاقبة هذا الظالم فلا يفيد صاحب الحق المهضوم شيئًا في هذه الدنيا.. وسياسة الشريعة الحكيمة تقضي بجعل حماية وضوامن قضائية للحقوق الثابتة في نظام المعاملات الشرعي.
ثم استنتج إيجاب التعويض المالي على المدين المماطل لصاحب الدين مقابل تأخير الوفاء من مقدمتين:
(الأولى) إن تأخير أداء الحق مطلاً يأخذ حكم غصب العين المالية خلال مدة التأخير لأنه حجب للمال ومنافعه عن صاحبه الدائن ظلمًا وعدوانًا.
(والثانية) إن منافع العين المغصوبة مضمونة على الغاصب سواء استوفاها أو عطلها -على الرأي الراجح، وهو قول الشافعية والحنابلة ـ وعلى الغاصب أجرة مثل المنفعة مدة الغصب.
(والنتيجة) إن منافع الدين الذي أخره المدين المماطل ـ وهي ما كان يجنيه الدائن من ربح في أدنى الحدود المعتادة في التجارة لو أنه قبض دينه في ميعاده واستثمره بالطرق المشروعة الحلال، كما لو دفعه مضاربةً مثلاً لمن يتاجر به، فهذا الربح المقدر هو الذي يجب أن يضمنه المدين الظالم بالمماطلة والتأخير للدائن المظلوم- تكون مضمونة عليه بقيمة مثلها، وهو التعويض المالي الواجب على المدين أداؤه للدائن.
وإن من أهم ما يلاحظ في هذه المقولة أن المحور الذي يدور عليه استدلال الأستاذ الزرقاء هو اعتبار المدين المماطل في حكم الغاصب للأعيان المالية ذات المنافع المتقومة، فكما أن الغاصب يضمن عين المال المغصوب وكذا منافعه المتقومة فيجب أن يضمن المدين المماطل المال الثابت في ذمته دينًا ومنافعه المحجوبة عن الدائن خلال مدة التأخير.
وقد فات أستاذنا الجليل أن الرأي الفقهي الذي عول عليه بتضمين الغاصب منافع المغصوب -وهو مذهب الشافعية والحنابلة- يشترط في المنفعة التي تضمن أن تكون مالاً يجوز أخذ العوض عنه، وذلك بأن يكون المغصوب من الأعيان التي يصح أن يرد عليها عقد الإجارة.
جاء في "المبدع" لبرهان الدين بن مفلح: "وإن كانت للمغصوب أجرة، أي مما تصح إجارته، فعلى الغاصب أجرة مثله مدة بقائه في يده"([10]).
وقال الشيرازي: "ومن غصب مال غيره، وهو من أهل الضمان في حقه ضمنه، لما روى سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على اليد ما أخذت حتى ترده. فإن كان له منفعة تستباح بالإجارة، فأقام في يده مدة لمثلها أجرة، ضمن الأجرة، لأنه يطلب بدلها بعقد المغابنة، فضمن بالغصب كالأعيان"([11]).
وجاء في "كشاف القناع": "إن كان المغصوب مما يؤجر عادة، فعلى الغاصب أجرة مثله مدة مقامه في يده، سواء استوفى الغاصب أو غيره المنافع أو تركها تذهب"([12]).
وقال الرافعي في "فتح العزيز": "إذا تقرر ذلك، فكل عين لها منفعة تستأجر من أجلها، يضمن - أي الغاصب - منفعتها إذا بقيت في يده مدة لمثلها أجرة"([13]).
أما إذا كان المغصوب من النقود، وهي أموال لا تصح إجارتها بالإجماع، فلا يضمن الغاصب زيادة على مقدار المبلغ المغصوب مهما طالت مدة غصبه. وقد نصت مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد في المادة 1397هـ على ذلك، وعبارتها "لا يضمن الغاصب ما فوته على المالك من الربح بحبسه مال التجارة".
بل إن الشافعية في الأظهر نصوا على أنه لو غصب رجل دراهم، واتجر بها فربح، فالربح للغاصب، ولا يضمن للمالك أكثر من المبلغ الذي غصبه([14]).
فبهذا يتضح أن حق الانتفاع بالنقود إذا فوته المدين المماطل على الدائن، فإنه لا تصح مقابلته بضمان مالي في قول أحد من الفقهاء، بل إن نصوصهم صريحة في منعه. كما يتضح أن قياس الانتفاع والارتفاق بالنقود المستحق للدائن في حالة مطل المدين، على المنفعة المملوكة ملكًا تامًا للمغصوب، والمتقومة شرعًا بمال، والمقدرة بأجرة المثل، قياس مع الفارق.
- إذ الأول عبارة عن مجرد حق انتفاع غير متقوم بمال بالإجماع، ولذلك لا يجوز أخذ العوض عنه بحال، لأن النقود مال قابل للنماء بعمليات الاستثمار والاتجار بصورة غير محققة، فمنافعها محتملة مظنونة -إذ كثير ما تخسر أو لا تربح عند دفعها لشريك مضارب أو التعامل بها في التجارات- فمن أجل ذلك لم تصح مبادلتها بمال، ورفض جميع الفقهاء إجارة النقود.
أما منافع المغصوب المتقومة، المعدة للاستغلال، التي يصح ورود عقد الإجارة عليها، فهي منافع محققة، لها أجرة مثل، ويجوز نقلها بعوض ومبادلتها بمال، لأنها في نظر جمهور الفقهاء أموال متقومة، ومن هنا وجب ضمانها على الغاصب بناء على قاعدة الجوابر التي تقضي بوجوب إحلال مال مماثل معوض به بدل مال محقق فائت.
فشتان بين منافع الأعيان المعدة للاستغلال المحققة وقابلية الزيادة المحتملة بالنسبة للنقود فافترقا.
ثم إن اعتبار الأستاذ الزرقاء المدين المماطل بغير عذر ظالمًا أمر مسلَّمٌ لا خلاف فيه لنص الحديث على ذلك، ومنشأ ظلمه إلحاقه الضرر بالدائن نتيجة تأخير الوفاء. ولكن ليس كل ضرر يلحقه الإنسان بغيره ظلمًا يُعَدُّ موجبًا للتعويض المالي، وهذا أصل لا مراء فيه.
أما جعله التأخير أكلاً لمنفعة المال بغير حق خلال تلك المدة التي ماطل فيها، ليجعل مسؤولاً عن التعويض عنها بمال فغير مسلم، لأن قابلية النقود المحتملة للزيادة لا تعتبر منفعة محققة أكلها المدين المماطل عدوانًا حتى يطالب بالتعويض المالي عنها. بخلاف المنافع التي تقابل بمال في عقد الإجارة. ومن أجل ذلك لا يعتبر ما فوته المدين المماطل على الدائن مالاً حتى يطالب بجبره بالمال، فمبدأ الضمان المالي في الشريعة قائم على أساس المماثلة بين الفائت وعوضه، ولا مماثلة بينهما. والتعويضات الجوابر إنما تبنى على أساس استدراك المصالح الفائتة بردها بعينها أو بالمثل المساوي، والتعويض المالي المفترض ههنا مباين للفائت وليس مستدركًا له بالمساوي العادل، فلا يصح الحكم به.. وحيث لم تكن التسوية بين الفائت وبدله متحققة في التعويضات، كان التعويض المالي ظلمًا لا يصح ارتكابه شرعًا.. وقد نص الإمام العز بن عبد السلام في كتابه "قواعد الأحكام" على أن المضمونات شرعًا: إما أن تكون من ذوات الأمثال فتجبر بما يماثلها في المالية وجميع الأوصاف الخلقية. وإما أن تكون من ذوات القيم المالية فتجبر بما يماثلها في القيمة المالية لتعذر جبرها بما يماثلها في سائر الصفات([15]).
 ولما كان ظلم المدين المماطل غير قابل للاستدراك بطريق التعويضات الجوابر، فقد سعت الشريعة الحكيمة لدرئه بواسطة العقوبات الزواجر، وهذا ما عناه الحديث الشريف "لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته". حيث فسر الفقهاء العقوبة فيه بالحبس، وحكموا بسجن المدين المماطل حتى يؤدي ما في ذمته من دين، وقالوا بضربه وتعزيره إذا أصر على الامتناع، حملاً له على الإسراع بالوفاء، فإن استمر في مطله باع الحاكم أمواله ووفى منها ديونه، رفعًا للظلم عن الدائن، وقمعًا لهذا اللون من الجور والإضرار، وزجرًا لمن تسول له نفسه ارتكابه.
ولا يقبل قول أستاذنا الزرقاء "إن معاقبة المدين المماطل جزاء تأخره في الوفاء لا يزيل الضرر الذي لحق الدائن، بخلاف التعويض المالي فهو وحده الذي يزيل الضرر عنه" لأن التعويض المالي الذي يريده لا يزيل الضرر عنه، بل يقابل الظلم بظلم من نوع آخر. إذ المسألة لا تعالجها أصلاً قاعدة الجوابر في الفقه الإسلامي، لخروجها عن نطاقها، وانضوائها تحت قاعدة الزواجر، التي تكفل رفع هذه المفسدة واستئصالها من حياة الناس. ولا محل لاعتراضه على ذلك بأن العقوبة ههنا لا تجبر، لأن العقوبات الشرعية ليس من شأنها الجبر، ووظيفتها تنحصر في الزجر، فالسارق إذا قطعت يده فهل القطع يزيل الضرر عن المسروق!! والقاتل إذا قتل قصاصًا فهل القصاص يزيل الضرر عن المقتول!! والمحارب إذا أقيم عليه حد الحرابة فهل تزيل العقوبة الضرر عن الأفراد المتضررين من حرابته!! فالعقوبة كما لا يخفى من شأنها زجر الناس عن الظلم واقتراف الذنب الموجب لها درءًا لمفاسده المتوقعة، فإن من يريد ارتكاب فعل موجب لعقوبة، إذا عرف أنه سيعاقب على اقترافه، فإنه يكف عن المخالفة، ويدع فعل المحظور، فيقع الازدجار العام الذي قصده الشارع من نظام العقوبات الشرعية.
أما تشنيع أستاذنا الجليل على من لا يوافقه في القول بإلزام المدين المماطل بالتعويض المالي عن تأخير الوفاء بأنه يلزم من عدم موافقته أن تكون الشريعة مساوية في النتيجة بين العادل المطيع الذي يؤدي الدين في وقته وبين الظالم العاصي الذي أضر بالدائن بتأخير الدين مطلاً، وأنها تكون مشجعة كل مدين على تأخير الحقوق ومطلها دون أن يخشى طائلة أو محذورًا، وأن الجزاء الأخروي للظالم المماطل لا يفيد الدائن المظلوم شيئًا في الدنيا، بينما سياسة الشريعة الحكيمة لابد أن تضمن الحقوق الثابتة في المعاملات الشرعية بالمؤيدات القضائية فهو قول غير سديد:
 أولاً: لأن الشريعة إذ قضت بعدم جواز التعويض المالي على المدين المماطل لم تسو بينه وبين مؤدي الدين في وقته دنيويًا وأخرويًا، لأن الأول في نظر الشارع ظالم "مطل الغني ظلم"، والمسلم الذي آمن بالإسلام، وجعل الشريعة الإسلامية نظام حياته يخاف كل الخوف ويخشى عظيم الخشية من الوقوع في الظلم بعد ما حذرت منه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وبينت أنه ظلمات يوم القيامة وسبب لسخط الله ونقمته على الظالم، وأوضحت كونه موجبًا لأشد العقوبات وأعظمها، وفاتحًا أبواب السماء لاستجابة دعوة المظلوم على ظالمه.. وهذا أمر عظيم هائل يكفي في زجر المسلم وإبعاده عن الظلم ولو لم يكن هناك غرامة مالية. وهذا هو المؤيد الشرعي الأول لرفع الجور والضرر عن الدائن.
ثانيًا: فإن خبا الوازع الداخلي عند المدين، وضعفت خشية الله في قلبه، فأخر الدين بغير حق، فعندئذ تعتبره الشريعة مسيئًا مستحقًا للعقوبة الزاجرة. والعقوبات الزواجر كفيلة بردع العاصي وكفه عن المخالفة بقوة لا تعدلها أية غرامة مالية.
أما عقوبة المدين المماطل فهي بإجمال: الحبس والضرب والتعزير بصوره المختلفة الحاملة على الوفاء دون تأخير.
قال ابن المنذر: "أكثر من نحفظ عنه من علماء الأمصار وقضاتهم يرون الحبس في الدين، منهم مالك والشافعي وأبو عبيد والنعمان وسوار وعبيد الله بن الحسن وروي عن شريح والشعبي"([16]).
وبيان تطبيق تلك العقوبة: أن المدين الموسر المماطل يأمره القاضي بالأداء، فإن امتنع حبسه ليحمله عليه، فإن صبر على الحبس ضرب وعزر حتى يؤدي الدين، فإن أبى باع الحاكم ماله ووفى الدائنين حقوقهم.
قال النووي في "الروضة": "وأما الذي له مال وعليه دين، فيجب أداؤه إذا طلب. فإذا امتنع أمره الحاكم به، فإن امتنع باع الحاكم ماله وقسمه بين غرمائه. قلت: قال القاضي أبو الطيب والأصحاب: إذا امتنع فالحاكم بالخيار، إن شاء باع ماله عليه بغير إذنه، وإن شاء أكرهه على بيعه، وعزره بالحبس وغيره حتى يبيعه([17])". وقال أيضًا: "فإن أخفى ماله حبسه القاضي حتى يظهره، فإن لم ينزجر بالحبس زاد في تعزيره بما يراه من الضرب وغيره"([18]).
وجاء في "شرح الخرشي": "إن المدين غير المفلس إذا طلب التأجيل حتى يبيع عروضه للغرماء، فإنه لا يؤجل لذلك إلا إذا أعطى حميلاً بالمال، وإلا سجن"([19]). ثم قال: "إن معلوم الملأ إذا علم الحاكم بالناض الذي عنده، فإنه لا يؤخره، ويضربه باجتهاده إلى أن يدفع، ولو أدى إلى إتلاف نفسه، لأنه ملد"([20]).
وجاء في "كشاف القناع " و"شرح منتهى الإرادات": فإن أبى مدين وفاء ما عليه بعد أمر الحاكم له بطلب ربه حبسه.. فإن أبى محبوس موسر دفع ما عليه عزره الحاكم، ويكرر حبسه وتعزيره حتى يقضيه.. فإن أصر على عدم الأداء مع ما سبق باع الحاكم ماله وقضاه"([21])
هذا هو النهج الذي رسمه الفقه الإسلامي لإحقاق الحق ورفع الظلم والضرر عن الدائن إذا كان مدينه موسرًا مماطلاً، احترازًا عن تكليف المدين دفع زيادة مالية على الدين الثابت في الذمة مقابل التأخر في الوفاء. وتلك هي المؤيدات الشرعية لمنع الجور والعدوان في هذه القضية، وهي بلا ريب أقوى وأنجع وأعظم تأثيرًا في الحمل على الوفاء دون تأخير من المؤيدات المستمدة من الفكر الربوي القاضي بتكليف المدين دفع زيادة مالية مقابل التأخير سموها تعويضًا، وليست في نظري إلا ربا أو حيلة إليه.
ثالثًا: لست أدري -بعد كل ما تقدم- كيف استساغ أستاذنا الجليل القول والحكم بأن استبعاد فكرة الزيادة المالية على الدين مقابل التأخير -مع تقرير الشريعة العقوبات الزاجرة الحاملة على الوفاء دون تأخير- هو تشجيع لكل مدين على تأخير الحقوق ومطلها دون أن يخشى طائلة أو محذورًا طالما أنه لن يؤدي في النهاية إلا أصل الحق!!! وهل الضرب والحبس والتعزير مشجعات على فعل موجباتها!!!.
رابعًا: إن إعراض أستاذنا الجليل مصطفى الزرقاء عن المنهج الشرعي لرفع الظلم واستبعاد الضرر عن الدائن عند محاولة المدين الموسر المماطلة واستبداله بما يسمى بالتعويض المالي عن التأخير، ومحاولة تبرير ذلك بأنه "في عصرنا وفي ظل نظام المرافعات وأصول المحاكمات ومجالات التأجيل وفن المجادلة والمماطلة والمراوغة الذي برع فيه كثير من المحامين.. ونظرًا لتأخر بعض القضايا سنوات طويلة لصدور الحكم البدائي ثم يعقبه الاستئناف والتمييز.. الخ" غير سديد، لأن الفقه الإسلامي ليس مسؤولاً عن إيجاد حلول لمشكلات أفرزتها تقنينات ونظم وضعية غريبة عن الإسلام ومظالم  نشأت وترعرعت في ظل قوانين علمانية وقيم مادية يرفضها التشريع الرباني ويتبرأ منها. كما أن وظيفته ليست ترقيع الخروق التي أحدثها البعد عن شريعة الله وأنتجها إحلال الأهواء والمصالح الموهومة محل الحق والعدل فيها ومحل المصالح الحقيقية التي تجلبها ومحل المفاسد الحقيقية التي تدفعها، والله يقول الحق ويهدي إلى سواء السبيل.
المراجع
البهوتي، منصور بن يونس، شرح منتهى الإرادات. القاهرة: (د. ت).
كشاف القناع عن متن الإقناع. مكة المكرمة، 1394هـ.
الخرشي، محمد بن عبد الله، شرح مختصر خليل. مصر: مطبعة بولاق، 1318هـ.
الرافعي، عبد الكريم بن محمد، فتح العزيز شرح الوجيز. القاهرة: مطبعة التضامن الأخوي، 1347هـ.
الشيرازي، إبراهيم بن علي، المهذب. القاهرة: مصطفى البابي الحلبي، 1379هـ.
ابن عبد السلام، عز الدين عبد العزيز، قواعد الأحكام في مصالح الأنام. مصر: المكتبة الحسينية، 1353هـ.
القاري، أحمد بن عبد الله، مجلة الأحكام الشرعة على مذهب الإمام أحمد بن حنبل. جدة: مطبوعات تهامة، 1401هـ.
ابن قدامة، موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني. مكتبة الرياض الحديثة، 1401هـ.
القرافي، أحمد بن إدريس، الفروق. القاهرة: مطبعة دار إحياء الكتب العربية، 1344هـ.
ابن مفلح، برهان الدين إبراهيم بن محمد، المبدع في شرح المقنع. دمشق: المكتب الإسلامي، 1400هـ.
النووي، يحي بن شرف، روضة الطالبين. دمشق: المكتب الإسلامي، 1388هـ.
المجموع شرح المهذب. القاهرة: مطبعة التضامن الأخوي، 1347هـ.

تعقيب آخر([22])
الاتفاق على إلزام المدين الموسر بتعويض ضرر المماطلة([23])
الصديق محمد الأمين الضرير
أستاذ الشريعة ـ كلية القانون
جامعة الخرطوم والمراقب الشرعي لبنك البركة السوداني،
ورئيس هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل السوداني.
المستخلص: تبين هذه المذكرة القصيرة رأي الكاتب في أنه لا يجوز أن يتفق البنك مع العميل المدين على أن يدفع له مبلغًا محددًا أو نسبة من الدين في حالة تأخره عن الوفاء، سواء سمي هذا المبلغ تعويضًا أو غرامة أو غير ذلك، لأن هذا هو ربا الجاهلية.
لكن يجوز أن يتفق البنك مع العميل المدين على أن يدفع له تعويضًا عن الضرر الذي يصيب البنك نتيجة تأخره في الوفاء، شريطة أن يكون ضرر البنك ماديًا وفعليًا وأن يكون العميل موسرًا ومماطلاً. وخير وسيلة لتقدير هذا التعويض هي أن يحسب على أساس الربح الفعلي الذي حققه البنك خلال فترة التأخر في الوفاء. وإذا لم يحقق خلالها ربحًا فلا يطالب بشيء.
أبعث إلى سيادتكم بصورة من جوابي عن استفسار قدم إلى من بنك.. قبل أكثر من عام بشأن الموضوع (المبين أدناه)، ومازلت على هذا الرأي. والله أعلم بالصواب.
الموضوع
فرض غرامات تأخير في عمليات المرابحة الشرعية التي تتجاوز فتراتها الزمنية المحددة والمتفق عليها في العقد.
1- لا يجوز أن يتفق البنك مع العميل المدين على أن يدفع له مبلغًا محددًا أو نسبة من الدين الذي عليه في حالة تأخره عن الوفاء في المدة المحددة، سواء سمي هذا المبلغ غرامة أو تعويضًا أو شرطًا جزائيًا، لأن هذا هو ربا الجاهلية المجمع على تحريمه.
2- يجوز أن يتفق البنك مع العميل المدين على أن يدفع له تعويضًا عن الضرر الذي يصيبه بسبب تأخره عن الوفاء، شريطة أن يكون الضرر الذي أصاب البنك ضررًا ماديًا وفعليًا وأن يكون العميل موسرًا ومماطلاً. وخير وسيلة لتقدير هذا التعويض هو أن يحسب على أساس الربح الفعلي الذي حققه البنك في المدة التي تأخر فيها المدين عن الوفاء، فإذا أخر المدين الدين ثلاثة أشهر مثلاً ينظر البنك ما حققه من ربح في ثلاثة الأشهر هذه، ويطالب المدين بتعويض يعادل نسبة الربح الذي حققه، وإذا لم يحقق البنك ربحًا في تلك المدة لا يطالب بشيء. ولا مانع من أن يتضمن عقد البيع الذي يكون فيه الثمن مؤجلاً نصًا يلزم العميل بالتعويض، ولا مانع أيضًا من أن يتضمن العقد نصًا يجعل للبنك الحق في الإعلان في الصحف في حالة مماطلة العميل بأن عميله الفلاني مماطل.
وسند هذين الحكمين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار). وقوله (مطل الغني ظلم)، وقوله: "ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته".
3- لا يجوز أن يطالب البنك المدين المعسر بتعويض، وعليه أن ينتظره حتى يوسر لقوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة )، بل يندب أن يبرئ البنك مدينه المعسر من الدين إذا كانت حالته تقتضي ذلك لقوله تعالى:( وأنْ تصَدَّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ).
4- ينبغي أن يتخذ البنك كل الاحتياطات الممكنة التي تمنع العميل من المماطلة، وتُجنِب البنك المطالبة بالتعويض، وذلك بتوثيق الدين بكفيل أو رهن، وينبغي أن يكون الرهن مصاحبًا للعقد أو سابقًا له، فالرهن يمكن أخذه عن الدين الحادث كما يمكن أخذه عن الدين الموعود قبل حدوثه.



([1]) نشر في مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي العدد الثاني المجلد الثاني شتاء 1405هـ - 1985م
([2]) سورة المؤمنون الآية 8
([3]) سورة النساء الآية 58
([4]) سورة النساء الآية 135
([5]) سورة النساء الآية 24
([6]) نشر في مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي العدد الثاني - المجلد الثاني شتاء 1405هـ - 1985م
([7]) نشر في مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي العدد الثاني المجلد الثاني شتاء 1405هـ - 1985م
([8]) نشر في مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي ، المجلد الثالث العدد الأول (1405هـ/1985م)
([9]) البحث الأول في هذا المستند
([10]) برهان الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح، المبدع في شرح المقنع، دمشق: المكتب الإسلامي، 1400هـ، 5/158؛ أحمد بن عبد الله القاري، مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، جدة: مطبوعات تهامة، 1401هـ، م 1394.
([11]) إبراهيم بن علي الشيرازي، المهذب، القاهرة: مطبعة مصطفى البار الحلبي، 1379هـ، 1/374.
([12]) منصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، مكة المكرمة: مطبعة الحكومة، 1394هـ، 4/122.
([13]) الكريم بن محمد الرافعي، فتح العزيز شرح الوجيز، القاهرة: مطبعة التضامن الأخوي، 1347هـ، 11/262؛ يحيى بن شرف النووي، روضة الطالبين، دمشق: المكتب الإسلامي، 1388هـ، 5/13.
([14])  يحيى بن شرف النووي، روضة..، مرجع سابق، 5/59؛ إبراهيم بن علي الشيرازي، مرجع سابق، 1/377.
([15])  عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، مصر: المكتبة الحسينية، 1353هـ، 1/151 أحمد بن إدريس القرافي، الفروق، القاهرة: مطبعة دار إحياء الكتب العربية، 1344هـ، 1/214.
([16]) موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي بن قدامه، المغني، الرياض: مكتبة الرياض الحديثة، طبعة سنة 1401هـ، 4/499
([17])  يحيى بن شرف النووي، روضة..، مرجع سابق، 4/137.
([18])  نفس المرجع السابق.
([19])  يحيى بن شرف النووي، المجموع شرح المهذب، القاهرة: مطبعة التضامن الأخوي، 1347هـ، 5/277هـ
([20])  المرجع السابق، 5/278.
([21])  انظر: منصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع..، مرجع سابق، 3/407؛ منصور بن يونس البهوتي، شرح منتهى الإرادات، القاهرة (د. ت)، 2/276.
([22]) نشر في مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي ، المجلد الثالث العدد الأول (1405هـ/1985م)
([23]) استفسر رئيس هيئة التحرير من فضيلة الدكتور الضرير عن رأيه في موضوع: هل يقبل شرعًا الحكم على المدين المماطل بالتعويض على الدائن؟ والذي نشر في العدد السابق من هذه المجلة، فبعث مشكورًا بالجواب التالي المؤرخ في 23/6/1406هـ الموافق 3/4/1986م. أما العنوان المثبت أعلاه فهو من اختيار المحرر.
تعليقات