📁 آخر الأخبار

صيغ التمويل العقاري المعاصرة في ميزان الشريعة الإسلامية (الجائز والمنهي عنها شرعاً)

صيغ التمويل العقاري المعاصرة
في ميزان الشريعة الإسلامية
(الجائز والمنهي عنها شرعاً)




إعــداد

دكتور حسين حسين شحاتة
الأستاذ بجامعة الأزهر


¿- تمهيد

الإسلام دين شامل ومنهج حياة، يقيم شئون الدنيا على قواعد وأحكام وضوابط مستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين الثبات والمرونة لتواكب كل العصور والأزمنة وتفي بحاجات الإنسان في كل زمان ومكان ، ومن الحاجات المعاصرة في مجال المعاملات المالية حاجة الناس إلى تمويل مشروعاتهم وأعمالهم.
ولقد استنبط الفقهاء من مصادر الشريعة الإسلامية صيغ التمويل الإسلامي والتي تقوم على المشاركة في الغنم والغرم، أو التي تقوم على البيع والشراء، أو التي تقوم على الإجارة والتجارة ونحو ذلك. لتكون بديلاً عن الصيغ الوضعية التي تتضمن شبهات الربا والغرر والجهالة.، ومن الصيغ التي رآها الفقهاء : صيغ الإجارة المنتهية بالتمليك، وصيغة المشاركة المنتهية بالتمليك، وصيغة بيع الاستصناع وغير ذلك من الصيغ التي تحل محل صيغة التمويل بالقروض بفائدة محرمة.
وتختص هذه الدراسة ببيان حكم الشريعة الإسلامية في أشكال وصيغ تمويل العقارات المعاصرة لمعرفة الجائز والمنهي عنه شرعاً وبيان الصيغ الإسلامية المناسبة. 

 

¿- معنى التمويل العقاري

يقصد به بصفة عامة، حاجة الأفراد أو الشركات أو المؤسسات وغيرها إلى تمويل شراء أو تصنيع بناء عقار،  فيلجأ طالب التمويل (صاحب الحاجة) إلى مؤسسة مالية أو أي جهة تمويل أو ما في حكمها لتقوم بعملية التمويل، ثم يقوم العميل بسداد قيمة هذا التمويل على آجال يتفق عليها نظير عائد للجهة الممولة.

¿- عناصر التمويل العقاري

تتمثل عناصر التمويل العقاري بصفة عامة في الأتي :

ـ طالب التمويل العقاري.

ـ مُقَدم التمويل العقاري.

ـ موضوع التمويل العقاري.

ـ صيغة أو شكل التمويل العقاري.

ويضبط العلاقات السببية بين هذه العناصر مجموعة من الشروط والقواعد ونحوها يحددها القانون الوضعي وكذلك الأعراف السائدة في كل مجتمع وتصاغ في صورة عقد أو عدة عقود حسب الأحوال.

¿- صيغ التمويل العقاري المعاصرة

هناك صيغ عديدة للتمويل العقاري  شائعة التطبيق في كثير من بلدان العالم منها على سبيل المثال ما يلي :

(1) صيغة التمويل بالقروض بفائدة، وجرى العرف على أن يطلق عليها : "قروض العقارات" أو "قروض الإسكان" أو "التمويل العقاري".

(2) صيغة التمويل بالمشاركة، حيث يقدم طرف الأرض القابلة للبناء، ويقدم طرف آخر التمويل اللازم للبناء، على أن يوزع ناتج المشاركة بينهما حسب الاتفاق والتراضي.

(3) صيغة التمويل بالبيع الآجل، حيث تقوم الجهة البائعة أو الصانعة للشيء المطلوب بالحصول على ثمنه على أقساط يتم الاتفاق عليها، ويطلق على ذلك اسم البيع الآجل أو البيع بالتقسيط

(4) صيغة التمويل بالمرابحة لأجل (بيع المرابحة لآجل للآمر بالشراء) حيث تقوم جهة مالية بتمويل شراء عقار بناء على طلب من عميل وتتملكه ثم تقوم بإعادة بيعه بالآجل نظير إضافة عائد إلى الثمن الأصلي يطلق عليه ربح المرابحة ويقوم العميل بسداد الثمن آجال يتم الاتفاق عليها .

(5) صيغة التمويل بالاستصناع والاستصناع الموازي،  حيث تقوم جهة مالية بتمويل تصنيع عقار لحساب شخص آخر على أن يسدد قيمة الشراء المصنع على آجال يتم الاتفاق عليها.

وتثار العديد من التساؤلات حول شرعية هذه الصيغ، وما هي الصيغ التي تتوافق مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وما حكم التعامل مع مؤسسات التمويل العقاري، هذا ما سوف نتناوله بشيء من الإيجاز في هذه الدراسة .

أولاً : صيغة التمويل العقاري بقروض بفائدة في ميزان الشريعة الإسلامية.
- طبيعة التمويل العقاري بقروض بفائدة
يقصد به في هذا المقام قيام مؤسسة مالية أو جهة تمويل ما بإعطاء شخص قرضاً بفائدة لتمويل شراء عقار أو تصنيعه أو تشطيبه أو ما في حكم ذلك، على أن يقوم المقترض بسداد هذا القرض وفائدته على آجال يتم الاتفاق عليها، وأحياناً يُطْلب من المقترض             (طالب التمويل) تقديم ضمانات مختلفة لكي تطمئن الجهة المقرضة إلى استرداد القرض والفائدة، كما توضع شروط منها تحميل المقترض بفوائد إضافية عند التأخير عن سداد الأقساط في مواعيدها حسب سعر الفائدة السائد في السوق أو أعلى منه، كما كان يفعل المرابون في الجاهلية، كانوا يقولون للمقترض: "أتقضي أم تربي".    
- طبيعة عقد التمويل العقاري بقروض بفائدة

تتمثل أركان هذا العقد في الآتي :

ـ الإيجاب : وهو طلب التمويل ويصدر من طالب القرض (المقترض) .

ـ القبول : وهو موافقة الجهة المقرضة بإعطاء القرض لطالبه (المقرض) .

ـ موضوع العقد : قرض بفائدة

ـ صيغة العقد : قرض بفائدة لتمويل عقاري

ويكون التصوير البياني لهذا العقد على النحو المبين في الصفحة التالية :

- الحكم الشرعي لصيغة التمويل العقاري بقرض بفائدة

التكيف الشرعي للعقد السابق وأركانه وصيغته، هو قرض بفائدة، حيث أنه يقوم على معاملة أو قاعدة "مبادلة مال بمال وزيادة" وهذا هو عين الربا المحرم شرعاً وفقاً للقاعدة الشرعية "كل قرض جر نفعاً فهو ربا".
ثانياً : التمويل العقاري بصيغة المشاركة
- طبيعة التمويل العقاري بصيغة المشاركة
يقصد بها في هذا المقام اتفاق طرفين على المشاركة في شراء أو تصنيع عقار، حيث يُقِّدم طرف الأرض التي سوف يقام عليها العقار (فرضاً)، ويقدم طرف أخر التمويل اللازم لبناء العقار، ويتفقا على توزيع عائد المشاركة بينهما بالتراضي .

- طبيعة عقد التمويل العقاري بصيغة المشاركة


تتمثل أركان هذا العقد في الآتي :
الإيجاب : ويصدر من طالب المشاركة وهو في الغالب من يرغب تمويل العقار ويكون عنده الأرض أو جزء من المال للبناء ولكن لا يكفي .
القبول : ويصدر من الطرف الثاني في المشاركة وهو الذي يقدم التمويل اللازم لشراء أو لبناء العقار.
موضوع العقد : المشاركة في شراء أو بناء عقار .
صيغة العقد:  اتفاق بين طرفين على المشاركة في نشاط عقاري .
ويكون التصوير البياني لهذا العقد على  النحو التالي :

- الحكم الشرعي في التمويل العقاري بصيغة المشاركة.


التكيف الشرعي للعقد السابق وأركانه وصيغته، هو مشاركة وفقاً لقاعدة: "الغنم بالغرم" والكسب بالخسارة، وهو جائز شرعاً على أن يؤخذ في الحسبان عند إبرامه قواعد أو شروط المشاركة في الفقه الإسلامي (باب فقه المشاركة في أي كتاب فقه) ومن أهمها ما يلي :
ـ تحديد حصة كل طرف في رأس مال المشاركة نقداً أو عينًًَُاً أو خليطاًًًًًُ منهما.
ـ المشاركة في الربح والخسارة .
ـ توزيع الخسارة إن وجدت حسب حصص كل شريك في رأس المال.
ـ توزيع مهام ومسئوليات إدارة المشاركة حسب الاتفاق .
ـ تطبيق مبدأ الوكالة في الإدارة حيث يعتبر كل طرف وكيلاً عن الطرف الآخر عند مباشرة الأعمال.
ـ الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية في كافة المعاملات . ثالثاً: التمويل العقاري بصيغة البيع الآجل أو بالتقسيط .
- طبيعة التمويل العقاري بصيغة البيع الآجل أو بالتقسيط .
ويقصد بهذه الصيغة هو شراء العقار عن طريق سداد القيمة بعد أجل معين، ويطلق على هذه الصيغة البيع بالآجل أو الشراء بالتقسيط وعادة يكون الثمن الآجل أعلى من الثمن العاجل .
- طبيعة عقد البيع الآجل في التمويل العقاري
تتمثل أركان هذا العقد في الآتي :
الإيجاب : ويصدر من طالب الشراء بالآجل أو بالتقسيط .(المشتري)
القبول : ويصدر من البائع الذي يتملك العقار المعروض للبيع (البائع)
موضوع العقد : العقار
صيغة العقد : البيع الآجل للعقار
ويكون التصوير البياني لهذا العقد على النحو التالي:-
- الحكم الشرعي في بيع عقار بالآجل

لقد أجاز الفقهاء البيع بالآجل أو بالبيع بالتقسيط ودليلهم في ذلك قول الله تبارك وتعالى  )وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا( ( البقرة: 275 )، كما أن هناك سلعة أو بضاعة أو شئ وسيط بين الطرفين، كما أجازوا زيادة الثمن الآجل عن الثمن الناجز بشرط عدم فصل الزيادة عن الثمن.

كما أجاز الفقهاء بيع الموصوف في الذمة وكذلك أجازوا بيع المقدور على تسليمه إذا كان من الأشياء النمطية المتعارف عليها (لمزيد من التفصيل يرجع إلى باب البيوع في كتب الفقه).

وهناك خلاف بين الفقهاء بخصوص البيع من حفظ الملكية حتى يتم سداد بقية الأقساط، ويرى فريق من الفقهاء أن حَذْر نقل الملكية إلى مشتري آخر يعتبر من قبيل ضمان سداد الأقساط ومن باب تجنب الشبهات يجب أن يكون البيع باتاً ويمكن أخذ ضمانات بشكل آخر.


رابعاً : التمويل العقاري بصيغة بيع المرابحة لآجل للآمر بالشراء
- طبيعة التمويل العقاري بصيغة بيع المرابحة لآجل لآمر بالشراء
ويقصد بهذه الصيغة أن يطلب أحد العملاء أو الأفراد من جهة تمويل معينة أن تقوم بشراء عقار ما حدد المواصفات على أن تبيعه له بالآجل وسداد ثمنه على أقساط بربح يتفق عليه مع تقديم وعد بالشراء ودفع مبلغ مقدم لضمان جديته .
وتنفذ هذه العملية على النحو التالي :
(أ)   يقدم الطالب طلباً إلى الجهة الممولة يطلب فيه مثلاً شراء عقار بمواصفات محددة ويرفق به المستندات والوثائق المطلوبة للجهة الممولة.
(ب) في حالة الموافقة بعد الدراسة وغيرها تقوم الجهة الممولة بشراء العقار وتملكه من المورد أو الجهة البائعة .
(ج) تقوم الجهة الممولة بإعادة بيع العقار مرة ثانية إلى طالبه وهو العميل ربح يتفق علية  كما يتم الاتفاق على مقدار وآجال سداد الأقساط ويبرم عقد المرابحة .
(د)  تقوم الجهة بتسليم العميل العقار بعد أخذ الضمانات الكافية واستلام ضمان الجدية
(هـ) يقوم العميل بسداد الأقساط حسب الآجال المتفق عليها .
(لمزيد من التفصيل يرجع إلى باب البيوع ـ فقه المرابحة)  
طبيعة العقود في تمويل العقارات بصيغة المرابحة لآجل لآمر بالشراء هناك عقدان هما:
العقد الأول  : بين المورد للعقار البائع والجهة الممولة المشترية ويطلق عليه عقد شراء عقار نقداً .
العقد الثاني : بين الجهة الممولة والتي أصبحت مالكة والعميل طالب العقار عقد بيع عقار بالمرابحة لأجل.
ولا يختلف أركان وأطراف هذه العقود السابق بيانها سابقاً .
 

التصوير البياني للعلاقات التعاقدية لصيغة بيع المرابحة لآجل للآمر بالشراء
بيع العقار
 
 





- الحكم الشرعي في شراء عقار بصيغة المرابحة لآجل
لقد أجاز الفقهاء بيع المرابحة لآجل للآمر بالشراء لأنه يدخل في زمرة البيوع الجائزة شرعاً على أن تطبق الضوابط الشرعية الواردة في كتب الفقه تحت باب "بيع المرابحة"
وما يجب التأكيد عليه في هذا المقام هو ضرورة أن تقوم الجهة الممولة بالشراء الفعلي والتملك الحقيقي والحيازة بأي صورة من صور الحيازة المتعارف عليها قبل نقل الملكية إلى العميل طالب العقار حتى لا تدخل في شبهة  بيع مالا يملك والمنهي عنها شرعاً.


خامساً: التمويل العقاري بصيغة بيع الاستصناع
- طبيعة التمويل العقاري بصيغة بيع الاستصناع
أحياناً يحتاج فرد لديه قطعة أرض وليس عنده مال لبنائها، فيذهب إلى جهة تمويل لتقوم ببنائها لحسابه من خلال مقاول، وتقوم هذه الجهة بدفع تكلفة البناء إلى المقاول على أقساط أو دفعات حسب الاحوال، وعندما تنتهي عملية البناء، تقوم الجهة الممولة ببيع البناء إلى الفرد على أساس تكلفة البناء مضاف إليها عائد يطلق عليه "ربح الاستصناع"
- طبيعة العقود في تمويل بناء العقارات بصيغة الاستصناع.
 من أهم هذه العقود ما يلي :
(أ)   عقد المقاولة بين المقاول (الصانع)  وبين الجهة الممولة للبناء (المستصنع) ويطلق عليه عقد الاستصناع .
(ب‌)            عقد الاستصناع الموازي: بين طالب البناء (المستصنع له) وبين الجهة الممولة (المستصنع)ويطلق عليه "الاستصناع الموازي".
وتتمثل أركان عقد الاستصناع الأول (المقاولة) في الآتي:
الإيجاب : ويصدر من الجهة الممولة ويطلق عليها المستصنع
القبول : ويصدر من المقاول ويطلق عليه الصانع
موضوع العقد : بناء عمارة أو منزل أو نحو ذلك .
صيغة العقد : "الاستصناع"

وتتمثل عقد أركان الاستصناع الموازي
الإيجاب : ويصدر من طالب الصنعة ويطلق عليه اسم : "المستصنع له"
القبول : ويصدر من الجهة الممولة ويطلق عليها المستصنع. 
موضوع العقد : بناء عمارة أو منزل أو نحو ذلك .
صيغة العقد : "الاستصناع الموازي".
ويرفق بهذه العقود مجموعة من المستندات والوثائق والوعود والعهود والضمانات ونحوها والتي تعتبر جزءاً متمماً لها، وتختلف من حالة إلى أخرى، (يرجع إلى كتب الفقه ـ باب بيع الاستصناع).
ويمكن تصوير العلاقات التعاقدية في حالة صيغة الاستصناع والاستصناع الموازي على النحو التالي :









- الحكم الشرعي في التمويل العقاري بصيغة الاستصناع
لقد أجاز جمهور الفقهاء عقد بيع الاستصناع وعقد المقاولة لحاجة الناس إليها وقياساً على بيع السلم الذي أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وضع الفقهاء مجموعة من الضوابط والمعايير الشرعية لضمان تنفيذه صحيحاً .
خلاصة الرأي :
المنهي عنه شرعاً في التمويل  العقاري هو صيغة القرض بفائدة .
الجائز شرعاً في التمويل العقاري هو :
(ا) صيغة التمويل بالمشاركة.
           (ب) صيغة التمويل بنظام البيع الآجل أو بالتقسيط.
       (ج) صيغة التمويل بنظام بيع المرابحة.
           (د) صيغة التمويل بنظام بيع المرابحة

وصدق الله القائل: )وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا(

تعليقات