القائمة الرئيسية

الصفحات



أهم مزايا نظام العقوبات في الإسلام

أهم مزايا نظام العقوبات في الإسلام

أهم مزايا نظام العقوبات
في الإسلام







أهم مزايا نظام العقوبات
في الإسلام







د. علي بن عبد الرحمن الحسون
أستاذ فقه العقوبات المشارك بقسم الثقافة الإسلامية
كلية التربية . جامعة الملك سعود
{
مقـــدمــــــة
         الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين وبعـــــد  :
  فإن شريعتنا الغراء جاءت في باب الجرائم وعقوباتها ــ كما هي كذلك في كل شئونها ــ بمنهج فريد لم تسبق إليه فقد قررها ربنا جلَّ علاه العالم بمكنونات النفس البشرية وخفاياها، وما تحتاج إليه ويصلح حالها، فشرعها لأهداف اجتماعية سامية وخصها وميزها بخصائص ومميزات فريدة خلت منها القوانين البشرية ، وبذلك حققت العقوبات الإسلامية الهدف المنوط بها ،وقد رأيت أن أتناول في بحثي هذه المزايا والأهداف بشيء من التفصيل والتوضيح .
 أهمية البحث : وتتجلى أهمية هذا البحث في أنني سوف أبين فيه بشيء من التفصيل بعضاً من هذه المزايا والأسرار التي ينفرد بها نظام العقوبات الإسلامية عن بقية النظم الأخرى ، مع المقارنة ما أمكن بين النظام العقابي الإسلامي وبين النظم العقابية القانونية ، علماً بأنني لن أحصر جميع المزايا ، فذلك صعب المنال ،  بل سأكتفي بما هو ظاهر منها ومهم .
        وسأتكلم عن هذه المزايا والأسرار في مقدمة  وثمانية مباحث وخاتمة على النحو التالي :
            المبحث الأول :نظام العقوبات الإسلامي يتميز بكونه رباني المصدر .
   المبحث الثاني : نظام العقوبات الإسلامي يتميز  بتقسيمه للجرائم والعقوبات تقسيماً فريداً .
             المبحث الثالث : نظام العقوبات الإسلامي يتميز باتصاف نظمه بمصداقية الجوهر .
    المبحث الرابع  : نظام العقوبات الإسلامي يتميز بالثبات والصلاحية لكل زمان ومكان .
    المبحث الخامس : نظام العقوبات الإسلامي يتميز بشعور الفرد فيه بالرقابة الإلهية والخضوع لها .
          المبحث السادس : نظام العقوبات الإسلامي يتميز بالكمال والشمول .
   المبحث السابع  : نظام العقوبات الإسلامي يتميز بالتناسب بين العقوبات وبين طرق إثبات الجرائم في الشدة والسهولة .
  المبحث الثامن  : نظام العقوبات الإسلامي يتميز بتقرير قاعدة درء الحدود بالشبهات .
         الخــاتــمة : وفيها أهم النتائج المستخلصة من هذا البحث .
      هذا واللهَ أسأل أن ينفع به وأن يحسن القصد إنه سميع مجيب .
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد
وعلى آله وصحبه
أجمعين .
                                                                                                       
   
                                                 علي بن عبد الرحمن الحسون                  
                                                الرياض في  25/11/1422 هـ

المبحث الأولنظام العقوبات الإسلامي يتميز بكونه رباني المصدر


إن الشريعة الإسلامية قد جاءت من عند الله تبارك وتعالى لتصنع الأمة المسلمة وتؤسسها ، فالنظام الإسلامي هو الذي صنع الجماعة وأسسها ، وقد نزل كاملاً من عند الله تبارك وتعالى فلم يبدأ النظام ضئيلاً ثم تطور ، بل هو في طور الكمال منذ التنزُّل الأول على محمد ، وهذا عكس ما عليه النظم البشرية حيث أن الجماعة هي التي تصنع القانون وتؤسسه ، فينشأ القانون في الجماعة ضئيلاً ثم يتطور نتيجة الظروف والملابسات والحوادث ، فتزداد قواعده وتنمو وتتطور بنمو الجماعة وتطورها . وهذا عكس ما ينبغي أن يكون الأمر في صناعة الأمم حيث يجب أن يكون النظام  تاماً  قبل أن يصنعها , كما هي الحال في النظم الإسلامية  ([1]) .  
       ثم إذا نظرنا إلى ما نحن فيه وهو نظام العقوبات في الإسلام وجدناه كغيره من نظم الإسلام حيث يمتاز بأنه جاء من عند الله الذي خلق الكون كله ، والذي له الإحاطة التامة والعلم المطلق الذي يعلم حقيقة الكائن الإنساني والحاجات الإنسانية ، وصفاته المتعددة ، ومصالحه ومضاره الحقيقية ، ويعلم ما يُصلِح أموره في حد ذاته ، وفي علاقاته مع الآخرين ، ويعلم حقيقة الكون الذي يعيش فيه الإنسان ، والنواميس التي تحكمه ، وتحكم الكائن الإنساني ، { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } ([2])  .
      وعلى هذا فأسس العقوبات الشرعية ومبادئها وكثير من أحكامها الجزئية تستند مباشرة إلى الوحي بنوعيه القرآن والسنة ، حيث نص القرآن والسنة على ذلك جملة وتفصيلاً .
كما أن هناك جزءًا آخر من العقوبات الشرعية يستند إلى طرق الاجتهاد والاستنباط ، وهي مع ذلك شرعية لأنها تستمد شرعيتها من كون أصولها في الكتاب والسنة , حيث نص القرآن الكريم و السنة المطهرة على الأصول والمبادئ العامة لها وعلى كثير من جزئياتها الثابتة، ثم تركا باقي التفصيلات القابلة للتغيير ليراعي فيها المجتهدون ظروف وملابسات الحياة المتجددة .
       وعلى ذلك فإن النظم العقابية الإسلامية كغيرها من النظم الإسلامية صادقة المصدر لا تحتمل الكذب أو الشك فيها لأنها من عند الله تبارك وتعالى .
هذا وإن لهذه الميزة أعني ( ربانية المصدر ) عدة ثمار من أهمها :

الثمرة الأولى :العلو والرفعة والسمو :
لم تكن الشريعة الإسلامية قواعد قليلة ثم كثرت ولا مبادئ متفرقة ثم جمعت ، ولم تولد الشريعة طفلة مع الجماعة ثم كبرت وتطورت ، وإنما وجدت الشريعة شابة فتية مكتملة سامية عالية جامعة مانعة لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ، فهي سامية منذ نشأتها،وذلك لأن الشريعة هي التي صنعت وأوجدت الجماعة ــ كما أسلفنا ــ فهي سابقة على الجماعة ومتقدمة عليها ، وإذا كانت الشريعة هي الصانعة والسابقة وهي سامية فلا بد أن  تصنع أمة سامية كذلك ، وذلك هو شأن الأمة الإسلامية  . وهذا بخلاف النظم القانونية التي وجدت بعد الجماعة وتطورت معها ، لأن الجماعة هي التي أوجدتها  ، وبالتالي فستكون النظم صورة للمجتمع من صلاح أو فساد ونقص ، وسنة الله في الكون أن النقص من سمات الإنسان ، وعلى هذا فلن تكون النظم القانونية صالحة ونافعة لأنها من صنع البشر الذين سمتهم النقص والضعف ، وبالتالي فستبقى أمم القوانين ناقصة وغير صالحة حتى تأخذ بشرع الله السامي الكامل .
هذا وقد بلغت الشريعة من السمو والرفعة والعلو بحيث أن مبادئها دائماً أعلى وأسمى من مستوى الجماعة مهما تقدمت الجماعة وتطور المجتمع ، لأن فيها من المبادئ والقيم والأصول والنظريات ما يجعلها تحافظ على هذا المستوى من السمو مهما ارتفع مستوى الجماعة ، ولا غرو في ذلك فهي مِن صُنع مَن صَنع وأوجد الجماعة . ([3])

والنظم العقابية في الشريعة الإسلامية هي جزء من تلك النظم الكاملة السامية الرفيعة .

 

الثمرة الثانية : العصمة من التناقض :

 قال تبارك وتعالى :{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا } ([4])  
فالعقوبات الشرعية نزلت من عند الله تبارك وتعالى ثم طُبقت على الواقع فلم يحصل فيها تناقض مع الواقع ولا تصادم , ذلك أن واضعها هو الله تبارك وتعال ى , فحين وضعها فإنه يعلم الماضي والحاضر والمستقبل علماً واحداً لا اختلاف فيه ، ولهذا فهو يعلم ما سوف يحصل ويكون إذا طبقت هذه العقوبات على أرض الواقع ، بحيث لا يمكن أن يحصل تناقض أو تصادم عند التطبيق ، فقد وضعها الله سبحانه وتعالى بشكل لا يحصل معه أي تناقض لعلمه المسبق لذلك .
أما البشر الذين يضعون العقوبات فإنهم يعلمون الماضي عن طريق الرواية لحوادث ماضية ، ويعلمون الحاضر عن طريق الرؤية المحدودة الضيقة ، ولكنهم يتوقعون ما سوف يكون في المستقبل توقعاً،وذلك عن طريق الحدس والتخمين .
 ولذلك فإنهم يضعون العقوبات بناءً على الماضي الذي لم يشهدوه لتطبَّق هذه العقوبات في المستقبل المجهول ، فيحصل بذلك تناقض وتصادم مع الواقع بخلاف العقوبات الشرعية . وسيأتي مزيد تفصيل لذلك في المبحث الثالث إن شاء الله تعالى .

الثمرة الثالثة : العدل المطلق والبراءة من التحيز :
إن الذي يتحيز ويميل إلى فئة معينة هو الذي يستفيد , ولكن واضع العقوبات هو الله سبحانه وتعالى الذي لا تنفعه  طاعة المطيع ولا تضره معصية العاصي ، ولهذا فليس لله سبحانه وتعالى مصلحة في تطبيق العقوبات من عدمه، وليس له سبحانه وتعالى مصلحة في تغليب طبقة على طبقة ، لأن هؤلاء وأولئك جميعاً خلقه وعبيده  ، ولهذا فإنها تطبق على أولئك البشر الذين هم خلقه وعبيده ، وهم خارجون عنه تبارك وتعالى ، فتطبق عليهم بطريقة واحدة فلا فرق بينهم في هذا التطبيق . وبذلك اتصف التشريع العقابي الإسلامي بالعدل المطلق فلا نقص فيه ولا عيب يشوبه ، وإذا وجدت عيوب في المجتمع الإسلامي فإنما هي من جراء التطبيق لا من أصل التشريع .
 وعلى هذا فالنظام الإسلامي يطبَّق على جميع المجتمع لمصلحة الجميع ، ولا يجامل أحداً على حساب أحد ، فالجميع أمام النظام الإسلامي سواء ([5]) . قال الله تعالى : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ([6]) ، وقال الله تعالى : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} ([7]) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَة } ([8]) .
أما العقوبات التي يضعها البشر فإن واضعها الإنسان ،ذلك الكائن المخلوق من الضعف ، وإذا كان بهذه الصفة فلا يمكن أن ينجو من التحيز والميل ، ذلك أن له مصلحة في هذا التحيز ، حيث أنه فرد من الأفراد الذين يمكن أن يطبق عليهم هذا النظام في يوم من الأيام ، لذلك فإنه يضع نفسه في الحسبان وإن لم يقصد ذلك ، فقد لا يفعله من سوء قصد ، ولكنه  يفعله لا شعورياً ومن حيث لا يدري ، وبهذا لا يسلم من التحيز والميل لفئة معينة أو طبقة خاصة أو فرد من الأفراد . فالقانون دائماً عرضة لتقلبات الحال بين الغالبين والمغلوبين ، وفي الغالب فإن القوانين تضعها الطبقة الأقوى لحماية مصالحها . ([9])


 المبحث الثانينظام العقوبات الإسلامي يتميز  بتقسيمه للجرائم والعقوبات تقسيماً فريداً

         لقد انفردت الشريعة الإسلامية الغرَّاء في باب الجرائم وعقوباتها ــ كما هي كذلك في كل شئونها ــ بمنهج لم تسبق إليه حيث جعلت العقوبة على الجرائم متدرجة في الشدة والسهولة بقدر ما يحصل من اعتداء على مصالح العباد الخاصة والعامة .
      فإذا كانت الجريمة من النوع الذي يؤثر تأثيراً خطيراً على أمن الجماعة وقد يؤثر على الأفراد فإن عقوبتها مقدَّرة ولازمة فلا يجوز التساهل بها بل يجب تنفيذها .
     وهذه هي ما تسمى بجرائم الحدود وعقوباتها .
     وإذا كانت الجريمة من النوع الذي يؤثِّر تأثيراً خطيراً ومباشراً على الفرد أولاً ثم على الجماعة ثانياً فإن عقوبتها كذلك مقدرة ولكن لما كان ضررها حاصلاً على الفرد أكثر منه على الجماعة فإنها ليست لازمة التنفيذ بل يجوز العفو فيها من قِبَل المجني عليه أو وليه.
      وهذه هي ما تسمى بالجناية الموجبة للقصاص . 
     وإذا كانت الجريمة خطرها أقل سواء كانت منافية لمصلحة الجماعة أو لمصلحة الفرد فإنها تختلف عن النوعين السابقين من ناحية تحديد عقوبتها ومن ناحية تنفيذ تلك العقوبة ، فليس لها عقوبة مقدرة ، بل هي متروكة لاجتهاد ولي الأمر حسب ما تقتضيه مصلحة الجماعة وما يلائم ظروف الجريمة والجاني .
     وهذه هي ما يطلق عليها جرائم التعزير وعقوباتها .
     إذاً فالجرائم والعقوبات في الشريعة الإسلامية تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي :
          1- الجرائم المعاقب عليها بالحد .
          2- الجرائم المعاقب عليها بالقصاص .
          3- الجرائم المعاقب عليها بالتعزير ([10]).     
              وهذا بخلاف ما عليه النظم القانونية التي تقسِّم الجرائم إلى جنايات وجُنح ومخالفات ، ويكون الأساس في ذلك التقسيم راجع إلى مدى جسامة العقوبة ذاتها ، دون النظر إلى تأثيرها على الصالح العام أو الخاص ([11]) ، وهذا يعد خللاً في تقسيم الجرائم والعقوبات لأن بناء التقسيم على مدى الجسامة دون النظر إلى نوع المصلحة المراد تحقيقها يفضي إلى الخلط بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة ، وهذا لا ينبغي ولا يجوز لاختلافهما في أمور كثيرة مثل المراعاة في التخفيف من عدمه باختلاف الزمان والمكان والأشخاص ومثل السقوط بالعفو أو السقوط بالتوبة وغير ذلك .
 
المبحث الثالث
نظام العقوبات الإسلامي يتميز باتصاف نظمه بمصداقية الجوهر
   إن النظم بصفة عامة توضع اليوم لتطبق غداً ، فلا تطبق بأثر رجعي ولا ساعة صياغة النظام وإنما تطبق بعده أي أن تطبقها يكون في المستقبل ، وهذا بالنسبة للتشريعات الإسلامية أمر ظاهر ولا يؤدي إلى أي تناقض ، لأن واضعها هو الله تبارك وتعالى ، والله تبارك وتعالى محيط علمه بكل شيء فيعلم ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، فهو جل شأنه يعلم الماضي والحاضر والمستقبل برؤية واحدة ظاهرة لا خفاء فيها لأنه الخالق لهذا كله ، ولذلك تتصف النظم التي يفرضها سبحانه وتعالى بالمصداقية الحقة ،لأن واضعها يعلم كيف سيكون تطبيقها في المستقبل إلى قيام الساعة ، وهذا هو ما جعل النصوص الشرعية لا تتبدل ولا تتغير مع مرور الزمن ، بل هي تطبق في كل وقت وتبقى على ما كانت عليه منذ نزول الوحي على سيدنا محمد إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة . قال تعالى: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا }([12]) .  
     وهذا عكس ما عليه النظم البشرية ، حيث أننا نجد أن النظم التي يضعها البشر قاصرة وغير صادقة الذات دائماً ،لأن البشر لا يحيطون بعلم الماضي والحاضر والمستقبل على السواء ، بل إنهم يعلمون الماضي عن طريق الرواية ، وغالباً ما تكون رواية تاريخية غير موثقة ، كما أنهم يعلمون الحاضر عن طريق المشاهدة المحدودة القاصرة ،أما معرفتهم بالمستقبل فإنما تكون عن طريق الحدس والتوقع والتخمين .
وعلى هذا فإنهم إذا سنوا نظماً وقوانين فإنما يسنونها لتطبق في الجانب الخفي عليهم وهو المستقبل ، ولهذا لا تتصف بالمصداقية الحقة ، لأنها في الغالب تتصادم مع الواقع عند التطبيق ، مما جعل النظم تحتاج إلى التغيير والتبديل من وقت لآخر ،حيث يُسَنُّ القانون اليوم ثم يبدأ تطبيقه بعد سريانه من حين إعلانه على الملأ ، ثم بعد ذلك تبدأ المشادَّة بين نصوص القانون وبين الواقع ، حيث تحدُث للناس أقضية يعجز القانون عن ملاحقتها، فيضطر شُّرَّاح القانون ومفسروه إلى التفسيرات والتأويلات المختلفة ، ثم في الأخير يضطرون إلى تغيير القانون جذرياً ، وهكذا لا تدوم النصوص القانونية طويلاً بل تتبدل وتتغير من حين لآخر .

 

المبحث الرابع

نظام العقوبات الإسلامي يتميز باتصافه بالثبات والصلاحية لكل زمان ومكان


     إن محمداً خاتم الأنبياء والمرسلين، وكذلك فإن الإسلام خاتم الأديان ، فهو دين خالد لا يؤثر فيه تعاقب الأزمان ولا تبدُّل الأجيال والأمم ، ودين هذه صفته وطبيعته فإنه عندما يصدر تشريعاته لابد أن يضع في حسبانه التغير والتطور اللذينِ جعلهما الله تبارك وتعالى من سمات هذه الحياة الدنيا ، حيث وضع للبشر تشريعاً لا يعيبه تغير الزمان وتبدل المكان وتطور الأشخاص، ولذلك فإن الإسلام لم ينتهج ما نهجته الشرائع السابقة بسرد الأحكام جملة وتفصيلاً ، بل جاءت الأحكام الإسلامية مفصلة فيما لا يتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص كالأمور العقدية والتعبدية المحضة وكالفرائض وأمور الأسرة  وكجرائم الحدود والقصاص والدية وغيرها ، ثم إن هناك أحكاماً أخرى جاء الشرع فيها بالأحكام والقواعد العامة لها وببعض جزئياتها  وترك كثيراً من التفصيلات فيها   لأولي الأمر المجتهدين الذين يَدْرُسون هذه الأحكام من واقع المجتمع والزمان والمكان التي يعيشون فيها مراعاة لتبدل الحياة وتجددها بحيث يستطيعون أن يصدروا أحكاماً جديدة للحوادث المتجددة ، فلا يمكن أن يفلت المجرمون مهما تفننوا في وسائل الإجرام ([13]).      
     ولذلك فإننا نقول ([14]): إن العقوبات الإسلامية تتسم بالثبات والاستقرار والاستمرار ، فهي لكل وقت وزمن ولكل عصر ومصر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فعقوبات الحدود والقصاص والدية غير قابلة للتغيير والتبديل والزيادة والنقصان ، لأن الله تبارك وتعالى وضعها على سبيل الدوام والاستقرار والاستمرار ، فما على القاضي إلا أن ينفذها متى ما ثبتت الجريمة ، وأما عقوبات التعزير فهي بصفة عامة قابلة للتغيير والتبديل ، ومع ذلك فإن هذا التغيير خاضع لقواعد شرعية ثابتة ومصالح عامة معتبرة ، تكفل له الاستمرار والاستقرار ، فالنظام العقابي الإسلامي بصفة عامة ثابت ومستقر ، فهو لكل زمان ومكان ولكل عصر ومصر ، حيث إنه غير قابل للتبديل بتغير الزمان والمكان ، لأنه من عند الله اللطيف الخبير الذي يعلم الغيب والشهادة ولـه الإحاطة الكاملة بكل شيء، فالعقوبات الشرعية قد شرعت لحماية المصالح الحقيقية الثابتة والفضائل والقيم والآداب السامية  ،ولمقاومة الرذائل والمفاسد ، وقد أجمعت كل الشرائع على مر العصور على ضرورة المحافظة على تلك المصالح والفضائل ، ثم إن المصالح والفضائل في وقت مَّا هي المصالح والفضائل دائماً ، فالحق حقّ دائماً والخبيث خبيث دائماً في كل زمان ومكان.
     وفي وضْع الشارع الحكيم للعقوبات وأحكامها على الثبات والدوام رحمةٌ بالبشرية وحمايةٌ لميزان العدالة ، فلو لم تتصف بالاستقرار والدوام لأدى ذلك إلى زعزعة العقول واضطراب أفكار الناس ومناهج حياتهم واهتزاز ميزان العدالة ، ونحن اليوم نلمسه ونرى آثاره في القوانين الوضعية التي أخذ بها أغلب البشر اليوم معرضين عن الشريعة الإسلامية .   






المبحث الخامس
نظام العقوبات الإسلامي يتميز بشعور الفرد فيه بالرقابة الإلهية  
دين الإسلام مبني أساساً على الإيمان والعقيدة ، فلا يصير الإنسان مسلماً حقاً إلا إذا آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ، أما إذا أسلم الإنسان ظاهراً ولم يؤمن باطناً فإنه لا يسمى مسلماً حقاً بل هو كافر منافق .
فإذا آمن الإنسان وأذعن لربه فإن من مستلزمات هذا الإيمان أن يذعن لجميع أوامر  الشرع الشريف بما في ذلك ترك المحرمات ، لأنه يعلم يقيناً أن الله يراقبه وأنه إن نجا من رقابة البشر فإنه لا يغيب عن رقابة رب البشر  .
وبناءاً على ذلك فإن إسناد العقوبات الشرعية إلى رقابة الله تبارك وتعالى الذي يعلم الغيب والشهادة ويطلع على الظواهر والسرائر ، وارتباط الابتعاد عن الجرائم بالإيمان حيث قال تعالى في النهي عن ارتكاب جريمة القذف : {  يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }  ([15]) وارتباطها بالعقوبة الأخروية حيث يقول الله تبارك وتعالى في جريمة القتل : {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}([16])  ــ كل هذا يضفي على النظام العقابي الإسلامي صبغة دينية ويكسبه احتراماً وقدسية في نفس المسلم ،ويجعله جزءاً من شريعته وعقيدته ووجدانه الديني ، ويجعل المسلم يشعر بالرقابة الإلهية في السر والعلن ، فيندفع إلى الالتزام بأمر الله والوقوف عند حدوده ، ليس مخافة من سلطة الدولة وأجهزة الرقابة للقوة الحاكمة فحسب ، بل لأجل الرقابة الإلهية التي لا يغيب عنها شيء ([17]).          
     فالإنسان السوي في الإسلام لا يقترف الجريمة وإن كان بعيداً عن أنظار الناس ورقابة الدولة ، فالشعور بالمراقبة الإلهية التي حددت الجرائم وفرضت العقوبات عليها دافع قوي إلى الوقوف عند حدود الله ، ولـه أثر بالغ في منع وقوع الجرائم . وهذا الأمر تخلو منه القوانين الوضعية ، فأجهزة الرقابة لأي سلطة ودولة مهما تطورت وبلغت من الدقة واليقظة لا تستطيع الإحاطة بكل ما يقع من الجرائم ، فهي وحدها لا تكفي في منع وقوع الجرائم .
     وإذا ارتكب المسلم جريمة بحكم غلبة النفس الأمارة بالسوء وطروء حالات الضعف عليه ، ووقع في قبضة السلطة وأجهزة الرقابة فإنه يستجيب لدواعي العقاب ، ولا يحاول أن يفلت من سلطة الدولة وقبضتها بالتحايل والإنكار ، بل يستجيب للعقوبة المقررة في الغالب عن قناعة ورضى  ، لأنه يؤمن بارتباطه بالوحي وبإيمانه وبعقيدته ووجدانه الديني .
     وحتى إذا لم يقع في أيدي سلطة الدولة وأجهزة الرقابة بها فإنه بحكم شعوره بالرقابة الإلهية فإنه يشعر بالذنب ، حيث توقظه النفس اللوامة ، فيخاف عقاب الله تبارك وتعالى وبطشه في أي لحظة ، وهو وإن نجا من عقاب الله له في الدنيا فإنه يعلم يقيناً أنه لن ينجو من عقابه في الآخرة ، ولذلك فإننا نجد مقترفي الجرائم في كثير من الأحيان يقدِّمون أنفسهم أمام القضاء الشرعي معترفين بذنوبهم ومصرين على توقيع العقوبة عليهم رغبة منهم في التكفير عن ذنوبهم والتطهير من جرائمهم في الدنيا حتى يلقوا ربه وهم في كامل  الطهر والنقاء من أدران الذنوب  .
     ونجد في تاريخنا الإسلامي أمثلة رائعة من أولئك الذين ارتكبوا بعض الجرائم ثم جاؤوا إلى النبي معترفين بذنوبهم وأصُّروا على توقيع العقوبة الشرعية عليهم ، علماً بأنها من أقسى العقوبات وأشدها .
     من ذلك قصة ماعز الأسلمي رضي الله تعالى عنه الذي جاء إلى النبي واعترف باقترافه جريمة الزنا ثم أصر على توقيع العقوبة عليه فرجمه النبي   ([18]).
     وكذلك قصة الغامدية رضي الله تعالى عنها التي اعترفت بالزنا ثم  ردَّها النبي حتى أصرت على اعترافها فرُجمت ([19]).    
وهذه الأمثلة الرائعة معجزة للنظام العقابي الإسلامي لا تستطيع أية أنظمة وضعية أن تدانيها مهما ارتفعت وبلغت من السمو والدقة في التشريع ، وأين هذه الصور القيمة من مجرمي العصر العتاة الذين يرتكبون أنواعاً من الجرائم البشعة ثم يتفننون في أساليب التهرب والتحايل على القانون ، حتى أنهم لا يترددون في اتهام الأبرياء ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً دون حياء أو حساب من ضمير .
ختاماً أقول : إن هذه الأمثلة الرائعة التي ذكرتها لا تعني أن المسلمين كلهم على مستوى واحد من الإيمان والتقوى والرقابة الذاتية ، بل إنهم مختلفون في ذلك ، ولكن ما ذكرناه هو الأصل والغالب إذا كان شرع الله هو السائد والمطبق ، ولهذا شرعت العقوبات الإسلامية لمن فسد طبعه فلم يكترث  بالنصوص الشرعية من الأوامر والنواهي التي أنزلها الله تبارك وتعالى رحمة للعالمين .

المبحث السادس
نظام العقوبات الإسلامي يتميز باتصافه بالكمال والشمول
     لما كان النظام العقابي الإسلامي من عند الله تبارك وتعالى فقد امتاز بالكمال والشمول ، فهو نظام كامل شامل من جميع الوجوه ، فيلبي جميع ما يحتاج إليه البشر في مجال النظام العقابي من مبادئ وقواعد وأصول وأحكام في كل عصر ومصر وفي كل وقت وحين ، ولم يولد هذا النظام طفلاً مع الجماعة الإسلامية ــ كما قدمنا ــ ثم ساير تطورها ونموها مع مرور الزمن ، وإنما نزل من عند الله تعالى متكاملاً متوازناً في فترة نزول الوحي على نبينا محمد ، قال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }   ([20]) فلا ترى فيه نقصاً ولا خللاً ولا إفراطاً ولا تفريطاً ، وسيبقى هذا النظام كاملاً شاملاً في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.  
     فالنظام العقابي في الإسلام نظام كامل شامل جامع ، يحكم كل حالة جنائية بالعقوبة مهما تجددت ، حيث لا تفلت من متناوله أي حالة جنائية ، فقد حدد الإسلام لكل جريمة تمس مصلحة الجماعة أو الأفراد مساساً ظاهراً مباشراً عقوبة معينة من حد أو قصاص ، ثم بين بقية العقوبات بإطار عام يشملها مهما تعددت وتجددت وذلك من خلال نصوص عامة مرنة بلغت من العموم والمرونة حيث تدخل تحتها جميع أنواع المعاصي والأفعال التي تمس المصالح العامة وقرر لها جملة من العقوبات وأعطى الخيار للقاضي أن يعاقب بواحدة منها مما يراه مناسباً للجريمة والمجرم والمجتمع ، وهذا ما يسمى بجرائم التعزير  ([21]).
     وهذا الكمال والشمول لجميع منافذ الجريمة في المجتمع هو إحدى ميزات هذا النظام الإلهي ، وهو ما تخلو منه جميع القوانين الوضعية حيث تكون دائماً عرضة للتغيير والتبديل والزيادة والنقص والتطور في محاولة فاشلة لتلبية حاجات المجتمع ، فترى أن القوانين تحدد الجرائم جريمةً جريمةً وتعيِّنها واحدة واحدة تعييناً دقيقاً ، وتضع لها أركانها وخصائصها بكل دقة وتفنن وتضع لها عقوبات مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً ، ومع هذا فإنك تجد تصرفات جنائية لا تدخل تحت أي ن‍ص من نصوصها ، فهي في حاجة مستمرة إلى تطوير قوانينها وإعادة النظر فيها حتى تغطي الحالات الجديدة من الجرائم ، وأنى لها ذلك ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍. ‍‍‍   



المبحث السابع
نظام العقوبات الإسلامي يتميز بالتناسب بين العقوبات وبين طرق إثبات الجرائم في الشدة والسهولة
     إذا كان الإسلام قد تشدد في فرض بعض العقوبات القاسية على الجرائم التي تمس مصالح العباد وضرورياتهم مساساً شديداً فهو في مقابل ذلك شدد في وسائل إثبات تلك الجرائم على الجناة ، بحيث ينعدم إمكان وقوعها على البريء ، وقد قال رسول الله : ( إن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ) ([22]).  
وبالمقابل فإذا كانت الجرائم من النوع الذي لا يمس مصالح العباد وضرورياتهم مساساً شديداً فإن وسائل إثبات هذا النوع تكون متناسبة معها .
     فالجرائم إذاً ليست متساوية في طرق الإثبات ووسائله ، فإذا كانت الجريمة تمس مصالح الجماعة والأفراد مساساً ظاهراً فإن عقوبتها تكون شديدة ، وبالتالي يتشدد الشرع في إثبات تلك الجريمة ([23]).
      ونرى هذه الظاهرة واضحة في التفريق بين وسائل إثبات جرائم الحدود والقصاص وبين وسائل إثبات الجرائم التي توجب العقوبات المالية ، فلما كانت عقوبات الحدود والقصاص أشد من العقوبات المالية ــ لمساس الأولى بجسم الإنسان وحياته بينما الثانية بماله ــ شدد في وسائل إثبات جرائم الحدود والقصاص أكثر من الجرائم التي توجب العقوبات المالية .
     فنجد أن الجرائم المالية المحضة ــ أعني غير السرقة والحرابة ــ تثبت بشهادة رجل وامرأتين أو بشهادة رجل ويمين المجني عليه ، بينما عقوبات القصاص والحدود  ــ عدا الزنا ــ لا تثبت إلا بشهادة رجلين عدلين ، وأما الزنا فلا بد فيه من أربعة شهود ذكور عدول ([24]).             
     وهذه الظاهرة ــ أعني ظاهرة التناسب بين الجريمة والعقوبة من حيث الشدة والسهولة ــ تبدو جلياً في وسائل إثبات جريمة الزنا ، فعقوبة الزنا لما كانت أشد العقوبات في صورة الرجم للزانيين المحصن والمحصنة شدد الشرع في وسائل إثبات الجريمة الموجبة لها ما لم يتشدد في إثبات أي جريمة أخرى من حد أو قصاص ، فاشترط في شهود جريمة الزنا أن يكونوا أربعة ذكور شاهدوا الجريمة بأنفسهم مشاهدة كاملة واضحة وتقدموا لأداء الشهادة في مجلس واحد ووصفوا الجريمة وصفاً دقيقاً كاملاً ، فإذا أخلوا بشرط من هذه الشروط لا تثبت الجريمة بل يقام حد القذف على الشهود ([25]). 
     وهذه شروط إضافية في شهود جريمة الزنا لم تشترط في شهود أي جريمة أخرى ، وما ذاك إلا لشدة العقوبة ، بالرغم من أن طبيعة هذه الجريمة تقتضي وقوعها في السر والخفاء .
     وكذلك نلاحظ هذا التشدد والتحري في الإقرار بالزنا الذي هو أحد وسائل إثبات الجريمة ، وذلك في قصة ماعز لما جاء إلى النبي واعترف بالزنا رده النبي وأعرض عنه في المرة الأولى ، ثم جاء واعترف مرة ثانية فرده وأعرض عنه إلى أن اعترف أربع مرات ، ثم التفت إليه النبي وقال: أبك جنون ؟! فقال : لا ، قال: فهل أحصنت ؟ قال : نعم ، فقال : لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت ؟ قال: لا يا رسول الله ، قال : أنكحتها ؟ قال: نعم ، قال : كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر ؟ ([26]) قال: نعم ، قال: فهل تدري ما الزنا ؟ قال : نعم أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً، قال : فما تريد بهذا القول ؟ قال: أريد أن تطهرني ، فأمر به فرجم  ([27]).
     وعلى هذا فنرى أن النبي شدد في التأكد من وقوع الجريمة وتوخى الدقة ، فلم يكتفِ  بالإقرار مرة واحدة ولا بالإقرار أربع مرات ، بل التفت إلى المقر بعد إقراره أربع مرات واستفسر منه عن إقراره وتأكد من وقوع الجريمة تأكداً لا يترك مجالاً للشك ، ثم أمر  برجمه فرجم .
     وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وأحمد وغيرهما فاشترطوا في الإقرار بالزنا أربع مرات ، فإن نقَص عنها لم يثبت الحد ([28]). 
     فهذا كله يدل على أن الإسلام اشترط في وسائل إثبات جريمة الزنا وشدد فيها ما لم يشترط ويشدد في دلائل إثبات أي جريمة أخرى ، وما ذلك إلا لأجل شدة العقوبة ، ولتلافي وقوعها على البريء .
     ولذلك لم يوجد في التاريخ الإسلامي كله حالة واحدة ثبت فيها ارتكاب جريمة الزنا بشهادة الشهود ،  فجميع الحالات التي طُبق فيها حد الزنا والتي ذكرتها كتب السنة والفقه والتاريخ لم تثبت عن طريق الشهود كرجم النبي لماعز ([29]) ورجمه  للغامدية ([30]) وكرجم علي بن أبي طالب لشراحة ([31])، وإنما ثبتت هذه الحدود عن طريق الإقرار من الزاني بُغية تطهير نفسه من آثام الزنا ، وإرادته لقاء ربه نقياً طاهراً غير مثقل بأعباء المعصية .
وإضافة إلى هذا التشديد في طرق الإثبات فإن الإسلام فتح الطريق لإمكانية عدم توقيع العقوبة على المتهم عند عدم الجزم ، وذلك بتقرير قاعدة ( درء الحدود بالشبهات ) ، حيث لا يجوز إيقاع العقوبة مع وجود الشبهة الصالحة للدرء والإسقاط ، وسوف نبين هذه القاعدة في المبحث الثامن التالي إن شاء الله تبارك وتعالى .
وبهذا نعلم مدى حرص الإسلام على حماية المجتمع من الرذائل ، كما نعلم أنه بقدر هذا الحرص فإنه يحرص كذلك على تحري الدقة في توقيع العقوبات على مستحقيها . 

المبحث الثامن
نظام العقوبات الإسلامي يتميز بتقرير قاعدة درء الحدود بالشبهات

قلنا في المبحث السابق إن الإسلام  لما تشدد في طرق الإثبات في الجرائم الخطيرة فإنه فتح الطريق لإمكانية عدم توقيع العقوبة على المتهم عند عدم الجزم بحصول الجريمة، وذلك بتقرير قاعدة ( درء الحدود بالشبهات ) ، حيث لا  يجوز أن تقام العقوبة في الحدود والقصاص مع وجود الشبهة الصالحة للدرء والإسقاط ، وسوف نبين هذه القاعدة بشيء من التفصيل هنا فنقول :
الدرء في اللغة: هو الدفع, يقال درأه يدرَؤُه د رْأً ودرأَة أي دفعه, فدرءُ  الحد بمعنى دفعه وتأخيره([32]).
والشبهة في اللغة:هي الالتباس, يقال شُبِّه عليه الأمر أي لُبِّس عليه حتى اختلط بغيره([33]).
وأما الشبهة في الشرع:فهي (التعارض بين  أدلة التحريم والتحليل) ([34]).
فمعنى درء  العقوبات أو الحدود بالشبهات: أي دفعها وعدم تطبيقها علي الجاني لوجود ملابسات وأمور تشكك في كون الفعل جريمة  أصلاً، أوفي كونه حداً كاملاً، أو حتى في وقوعه .
وقد وردت آثار كثيرة تدل على هذه القاعدة منها المرفوع للرسول صلى الله عليه وسلم ومنها الموقوف ، وأصح ما روي فيها الأثر الموقوف على ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال : ( ادرأوا الحدود والقتل عن عباد الله ما استطعتم ) ([35]).  والموقوف في هذا له حكم المرفوع ، ولهذا فقد اتفق أهل العلم على الأخذ بهذه القاعدة ولم يخالف في ذلك إلا الظاهرية ([36]) ، قال ابن المنذر : ( كل من حفظت عنه من أهل العلم يدرأ الحد بالشبهة ) ([37]) . ولهذا كان من مسلمات القواعد الفقهية: (درء الحدود بالشبهات).
ومجالات تطبيق هذه القاعدة هي أنها يجب اعتبارها  في الحدود والقصاص ، بينما يجوز اعتبارها في التعازير ولا يجب .
 أما في الحدود فإنه لما كانت هذه العقوبات شديدة ولازمة كان الاحتياط والتثبت قبل إيقاعها مفروضاً، فلايجوز إيقاعها مع وجود شبهة صالحة للدرء والإسقاط .
وأما القصاص فإنه كذلك من العقوبات المقدرة والشديدة التي ينبغي الاهتمام بالطرق التي تثبت بها الجريمة الموجبة له ، ولهذا فإن أهل العلم رحمهم الله تعالى قد ألحقوا القصاص بالحدود في السقوط بالشبهة, فقالوا: إن القصاص لا يقام مع وجود الشبهة, فحيث وجدت الشبهة امتنع القصاص وتحو ل الأمر إلى الدية([38]).
وأما التعازير فإنها عقوبات  غير مقدرة, فهي موكولة إلى ولى الأمر حسب المصلحة, كما أنها في الغالب عقوبات ليست من الشدة بحيث تصل إلى درجة الحدود أو القصاص ، ولذا فإن أهل العلم قد ذكروا أنها يمكن أن تقام مع وجود الشبهة([39]).

انتهى البحث والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً ، والله  تعالى أعلم . وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا
 محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين .






الخـــــاتمــــــة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على رسوله الذي ختمت به الرسالات ، وبعد :

فقد خرجت من خلال بحثي هذا بالنتائج التالية :

1.     أن النظام العقابي الإسلامي قد اتصف بالمصداقية التامة فهو من عند الله العليم الخبير  فلا يحتمل الكذب ولا الشك ، وبهذا اكتسب السمو والعلو واكتسب العصمة من التناقض واكتسب العدل المطلق والبراءة من التحيز .
2.     أن النظام العقابي الإسلامي يتميز  بتقسيمه للجرائم والعقوبات تقسيماً فريداً ، حيث جعل العقوبة على الجرائم متدرجة في الشدة والسهولة بقدر ما يحصل من اعتداء على مصالح العباد الخاصة والعامة ، لا على أساس جسامة العقوبة ذاتها .
3.     أن النظام العقابي الإسلامي يتميز  بمصداقية الجوهر ، بحيث أن نظمه لا تتناقض مع الواقع إذا طُبقت في المستقبل .
4.     أن النظام العقابي الإسلامي يتميز  بالثبات والصلاحية لكل زمان ومكان وشخص .
5.     أن النظام العقابي الإسلامي يتميز  بقبول البشر له في الجملة ، بحيث يشعر الفرد فيه بالرقابة الإلهية فيخضع لها في الغالب.
6.     أن النظام العقابي الإسلامي يتميز  بالكمال والشمول ، فيلبي جميع ما يحتاج إليه البشر في مجال الأمن .
7.     أن النظام العقابي الإسلامي يتميز  بأنه لاحظ التناسب بين العقوبات وبين طرق إثبات الجرائم الموجبة لها من حيث الشدة والسهولة .
8.     أن النظام العقابي الإسلامي يتميز  بأنه قرر قاعدة  ( درء الحدود بالشبهات ) ، فلا تقام الحدود ولا القصاص مع وجود الشبهة الصالحة للدرء .

 









فهرس المصادر والمراجع


1.  القــرآن الكــريم .
2.  الأحول ـ أحمد توفيق . عقوبة السارق . دار الهدى للنشر .
3.  الألباني ـ محمد ناصر الدين . إرواء الغليل  ، المكتب الإسلامي .
4.  البخاري ـ محمد بن إسماعيل . صحيح البخاري ،طبعة 1979م المكتب الإسلامي ، تركيا .
5.  البهوتي ـ منصور بن يونس . كشاف القناع عن متن الإقناع ، عالم الكتب بيروت 1403هـ.
6.  البيهقي  ـ أبو بكر أحمد بن الحسين . السنن الكبرى ، دار المعرفة بيروت .
7.  الحجاج ـ مسلم ابن . صحيح مسلم ، طبعة 1400هـ نشر وتوزيع إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية .
8.  ابن حـزم ـ  أبو محمد علي . المحلى ، دار المعرفة بيروت .
9.  حنبل ـ أحمد بن ،المسند ، الطبعة الثانية 1398هـ المكتب الإسلامي ودار الفكر .
10.           حسني ـ محمود نجيب . شرح قانون العقوبات ، دار النهضة العربية  ،القاهرة .
11.           الحصكفي ـ محمد علاء الدين ، الدر المختار شرح تنوير الأبصار مطبوع مع حاشية ابن عابدين عليه. طبعة دار الفكر عام 1399هـ وهي مصورة عن الطبعة الثانية 1386هـ في مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر.
12.           الخرشي ـ محمد ، شرح الخرشي على مختصر خليل ، الطبعة الثانية  دار الفكر ، بيروت .
13.            الخطيب ـ عمر عودة . المسألة الاجتماعية . مؤسسة الرسالة .
14.           أبو داود ـ سليمان بن الأشعث السجستاني ، سنن أبي داود، تحقيق عزت الدعاس ،الطبعة الأولى 1393هـ دار الحديث بيروت وحمص .
15.            أبو زهرة ـ محمد . الجريمة ، دار الفكر العربي بيروت .
16.            أبو زهرة ـ محمد . العقوبة ، دار الفكر العربي .   
17.            أبو زهرة ـ محمد . فلسفة العقوبة في الفقه الإسلامي ، معهد  
           الدراسات العربية العالمية 1963هـ .
18.           الركبان ـ د . عبد الله . النظرية العامة لإثبات موجبات الحدود ،مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى 1401هـ .
19.            ابن سورة ـ أبو عيسى محمد بن عيسى . سنن الترمذي ، مطبعة البابي الحلبي .
20.           سلامة ـ د. مأمون محمد ، قانون العقوبات.دار الفكر العربي ، بيروت .    
21.           السيوطي ـ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ، الأشباه والنظائر الطبعة الأولى 1399هـ  طبع دار الكتب العلمية  بيروت توزيع دار الباز للنشر والتوزيع  مكة المكرمة
22.            الشربيني ـ محمد الخطيب ،مغني المحتاج ، دار الكتب العلمية 
             بيروت .
23.            الشوكاني ـ محمد بن علي . نيل الأوطار ، مطبعة البابي الحلبي .
24.            ابن أبي شيبة ـ أبو بكر عبد الله. المصنف في الأحاديث والآثار ،
            الدار السلفية بالهند .
25.           الصنعاني ـ أبو بكر عبد الرزاق . المصنف  ، المكتب الإسلامي بيروت .
26.            ابن عابدين ـ محمد أمين . حاشية رد المحتار ، دار الفكر 1399.
27.           ابن عبد السلام السلمي ـ محمد عز الدين عبد العزيز ، قواعد الأحكام في مصالح الأنام ،الطبعة الثانية 1400هـ  دار الجيل بيروت.
28.           العسقلاني ـ أحمد بن علي بن حجر . التلخيص الحبير ، مكتبة الكليات الأزهرية .
29.           عكاز ـ فكري . فلسفة العقوبة في الشريعة الإسلامية والقانون ، مكتبة عكاز ،.الطبعة الأولى 1402هـ
30.       العوا ـ محمد سليم . في أصول النظام الجنائي الإسلامي دار المعارف
31.           عودة ـ عبد القادر . التشريع الجنائي الإسلامي الطبعة الخامسة 1388هـ .
32.           أبو الفتوح د. أبو المعاطي حافظ . النظام العقابي الإسلامي ، مؤسسة دار التعاون .
33.           الفيروز آبادي ـ محمد بن يعقوب ، القاموس المحيط،الطبعة الثانية 1371هـ مطبعة مصطفي البابي الحلبي وأولاده بمصر. توزيع دار التعاون للنشر والتوزيع – مكة .
34.           ابن قدامة ـ موفق الدين عبد الله بن أحمد . المغني ، هجر للطباعة والنشر .
35.           القرطبي ـ أبو عبدالله محمد . الجامع لأحكام القرآن ، دار الكتاب العربي .
36.           قطب ـ محمد . الإنسان بين المادية والإسلام . الطبعة الرابعة 1965م . بيروت .
37.           الكاساني ـ علاء الدين أبو بكر بن مسعود ، بدائع الصنائع ، دار الكتاب العربي .
38.            المرغيناني _ برهان الدين علي . الهداية ، دار الفكر .
39.       ابن المنذر ـ  أبو بكر محمد . الأوسط ،  مخطوط ، حقق كتاب الحدود منه أبو حماد صغير أحمد بن محمد حنيف لنيل درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة  . وهو مطبوع على الآلة الكاتبة في مجلدين .
40.            ابن المنذر ـ أبو بكر محمد  . الإجماع  مطابع الدوحة بقطر .
41.            منصور ـ علي علي . نظام التجريم والعقاب ، الطبعة الأولى 1396هـ .
42.           ابن منظور ـ  محمد بن مكرم ، لسان العرب، الطبعة الأولى بدون تاريخ  دار لسان العرب  بيروت لبنان .
43.           ابن نجيم ـ زين الدين بن إبراهيم ، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان ، دار الكتب العلمية  بيروت 1400هـ توزيع دار الباز مكة المكرمة.
44.           النيسابوري ـ أبو عبد الله الحاكم . المستدرك على الصحيحين ، دار الكتاب      العربي .
45.            النيسابوري ـ مسلم بن الحجاج ، صحيح مسلم ، نشر وتوزيع دار الإفتاء .
46.           هبة ـ أحمد . موجز أحكام الشريعة الإسلامية في التجريم والعقاب ، عالم الكتب القاهرة 1985 م .

 

 

 

 

 


فهرس المحتويات

                           الـمــــوضـــــوع
  الصفحة
المقـــــدمـــــة : ..................................................................................................
2
المبحث الأول : نظام العقوبات الإسلامي يتميز بكونه رباني المصدر ...................
5
 المبحث الثاني : نظام العقوبات الإسلامي يتميز  بتقسيمه للجرائم   

                       والعقوبات تقسيماً فريدا  ً...........................................................
12
 المبحث الثالث:  نظام العقوبات الإسلامي يتميز باتصاف نظمه بمصداقية

                        الجوهر......................................................................................  
15
المبحث الرابع : نظام العقوبات الإسلامي يتميز بالثبات والصلاحية لكل

                      زمان ومكان................................................................................
18
المبحث الخامس : نظام العقوبات الإسلامي يتميز بشعور الفرد فيه بالرقابة

                         الإلهية والخضوع لها ................................................................
21
 المبحث السادس نظام العقوبات الإسلامي يتميز بالكمال والشمول ....................
26
 المبحث السابع : نظام العقوبات الإسلامي يتميز بالتناسب بين العقوبات

                        وبين طرق إثبات الجرائم في الشدة والسهولة ...............................
29
المبحث الثامن : نظام العقوبات الإسلامي يتميز بتقرير قاعدة درء الحدود

                       بالشبهات ..................................................................................
35
الخـــــاتمـــــة .......................................................................................................
39
فهرس المصادر والمراجع ....................................................................................
41



([1])  التشريع الجنائي ، عبد القادر عودة 1/14-17 ، المسألة الاجتماعية ، عمر عودة الخطيب ص192 .
([2])  سورة الملك الآية 14 . 
([3])  التشريع الجنائي ، عبد القادر عودة 1/14- 15 و24  .
([4])  سورة النساء الآية 82 . 
([5]) الإنسان بين المادية والإسلام ص 104 . 
([6]) سورة النحل الآية 90 . 
([7]) سورة النساء الآية 58 . 
([8]) صحيح مسلم 4/1996 . 
([9]) الإنسان بين المادية والإسلام ص 104 . 
([10])  التشريع الجنائي 1/78-80 ، الجريمة لأبي زهرة ص52-61 ، نظام التجريم والعقاب ص  66-67 ، فلسفة العقوبة في الشريعة الإسلامية والقانون ص59 .
([11]) التشريع الجنائي الإسلامي 1/716 ، شرح قانون العقوبات ص58-59 ، قانون    العقوبات ص89-90 .
([12])  سورة النساء الآية 82 .
([13])  التشريع الجنائي الإسلامي 1/15-20 ، في أصول النظام الجنائي الإسلامي ص117 .
([14])  التشريع الجنائي الإسلامي 1/15-20 ، النظام العقابي الإسلامي ص67-69 ، عقوبة السارق ص55-56 .
([15])  سورة النور الآية 17 .
([16])  سورة النساء الآية 93 .
([17])  نظام التجريم والعقاب في الإسلام ص63-65 ، النظام العقابي الإسلامي ص66-67 ، فلسفة العقوبة في الفقه الإسلامي ص21.
       
([18])  صحيح البخاري 8/24 ، صحيح مسلم 3/1318 .
([19])  صحيح مسلم 3/1322 ، سنن أبي داود 4/588 .
([20])  سورة المائدة الآية 3 . 
([21]) التشريع الجنائي الإسلامي 1/15 ، عقوبة السارق ص31 ، النظام العقابي الإسلامي ص66-85 .
([22])  مستدرك الحاكم 4/384 ، سنن البيهقي 8/238 وذكر البيهقي أنه روي بروايات كلها ضعيفة ، وانظر  التلخيص الحبير 4/63 ، ولكنه ورد موقوفاً عن عدد من الصحابة .
([23])  العقوبة لأبي زهرة ص 8 ، نظام التجريم والعقاب ص 75 ، موجز أحكام الشريعة الإسلامية في التجريم والعقاب ص 171 .
([24]) الجامع لأحكام القرآن 3/389-391 ، نيل الأوطار 7/36 ، التشريع الجنائي الإسلامي 2/315 . 
([25])  الهداية للمرغيناني مع فتح القدير 5/289 ، حاشية ابن عابدين 4/33 ، المغني 12/367 ،التشريع الجنائي الإسلامي 2/395. 
([26])  المرود هو الميل ، انظر القاموس المحيط ص 362 ( أي الحديدة الصغيرة المستطيلة التي تشبه المسمار العريض ) ، والمكحلة هي الأداة التي يوضع فيها الكحل ، انظر القاموس المحيط ص 1360 ، والرشاء هوالحبل انظر القاموس المحيط ص1662 وهو الحبل الذي يستخرج به الماء من البئر  .
([27])  صحيح البخاري 8/22و24 ، صحيح مسلم 3/1318و1319و1322 .
([28])  بدائع الصنائع 7/50 ، الهداية مع فتح القدير 5/218 ، المغني 12/354 ، كشاف القناع 6/98، النظرية العامة لإثبات موجبات الحدود 2/92 .  أما المالكية والشافعية والظاهرية فيرون أن الإقرار بالزنا يكفي مرة واحدة ، انظر شرح مختصر خليل للخرشي 8/80، مغني المحتاج 5/452، المحلى 11/176-181 .
([29])  صحيح البخاري 8/24 ، صحيح مسلم 3/1318 .
([30])  صحيح مسلم 3/1322 ، سنن أبي داود 4/588 .
([31])  صحيح البخاري 8/21 ، مسند الإمام أحمد 1/121 و 141 .
([32])  لسان العرب 1/360، القاموس المحيط 1/15.
([33])  لسان العرب 2/266، القاموس المحيط 4/286.
([34]) قواعد الأحكام في مصالح الأنام لعز الدين بن عبدالسلام 2/137.
([35] )   مصنف عبد الرزاق 7/402 ، مصنف ابن أبي شيبة 9/567 ، السنن الكبرى للبيهقي 8/238 ، وقال البيهقي : ( هذا موصول ) يعني عن عبد الله . وذكر ابن حجر عن البخاري أن هذا الأثر عن عبد الله هو أصح ما في الباب ، انظر التلخيص الحبير 4/63 وقد ذكر الألباني أن الأثر قد صح موقوفاً على ابن مسعود ثم ذكر رواية البيهقي وقال : ( هو حسن الإسناد ) انظر إرواء الغليل 8/26 .      
([36] )  المحلى لابن حزم 11/153 .
([37] )  الأوسط لابن المنذر 2/669 ، الإجماع لابن المنذر ص 113 .
([38]) المغني لابن قدامة 7/666، الدر المختار شرح تنوير الأبصار 4/549، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص129، الأشباه والنظائر للسيوطي 123.
([39]) حاشية ابن عابدين 4/60، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص130 .

تعليقات