📁 آخر الأخبار

المخاطر المترتبة على الاعتماد المستندي

المخاطر المترتبة على الاعتماد المستندي

المخاطر المترتبة على الاعتماد المستندي




المخاطر المترتبة على الاعتماد المستندي 
دراسة تحليلية لنشرة (600)
مؤيــد أحمـــد عبيــدات*     و      عبد الله حسين الخشروم**
أستاذ مساعد، كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط للدراسات العليا. 
أستاذ مشارك، كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط للدراسات العليا.
المنارة، المجلد 15، العدد 2، 2009


المقدمة:
      يعد الاعتماد المستندي أحـد العمليات المصرفية التي تستطيع من خلالها البنوك القيام بتمويل عمليات التجارة الخارجية من استيراد وتصدير، ويضفي على هذه التجارة 
نوعاً من الأمان والاستقرار نظراً لما يمنحه هذا الاعتماد من ضمان وائتمان، إذ قد يوجد المشتري في بلد معين والبائع في بلد آخر ويخشى كل منهما عدم قيام كل طرف بتنفيـذ التزامه في مواجهـة الطرف الأخر، 
 

 
فإذا ما تدخل طرف ثالث بينهما، فإنه قد يتحقق الأمان اللازم لكلا الطرفين، الأمر الذي يترتب عليه تفادي إثارة المنازعات بينهما مستقبلاً.
      وبما أن الاعتماد المستندي قد يحقق هذه الضمانة وقد يمنح الائتمان، إلا ان هذه العملية المصرفية قد تنطوي عليها بعض المخاطر أثناء تنفيذها، سواء بالنسبة للمشتري (الآمر بفتح الاعتماد) أم البائع (المستفيد) أم البنك الممول لمبلغ الاعتماد، ومن هنا تأتي أهمية هذا الموضوع في كونه يلقي الضوء على تلك المخاطر التي قد يتعرض لها المشتري أو البائع أو البنك. 
      وتثور مشكلة هذا البحث في التساؤل حول ما إذا كانت عملية الاعتماد المستندي كعملية مصرفية تنطوي على مخاطر أم أنها عمليه آمنه؟ وهل هناك مخاطر قد تلحق بالبائع أو المشتري أو البنـك من وراء هذه العملية؟
      وتهدف الأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية رقم (600) لسنة 2007 (Uniform Customs and Practice for Documentary Credits UCP 600) إلى توحيد النظام القانوني للاعتمادات المستندية في كل بلدان العالم لتجنب اختلاف التشريعات الوطنية بخصوصها، كما يؤدي ذلك إلى ازدهار حركة التجارة الدولية (الصغير، 2004). وتتجلى أهدافها كذلك في تخفيف الالتباس الذي تسببت به بعـض الدول من خلال تفضيلها لقوانينها المحلية على أصول الاعتماد المستندي، كما أن من شأنها توحيد القواعد التعاقدية التي يمكـن أن تساهـم وتؤسس لتوحيد تلك الأصول. وهو أمر يقود إلى القول بعدم حاجة من يزاول مهنة الاعتمادات المستندية إلى مكافحة فرط التعارض مع القوانيـن الداخلية للدول. 
      أما عن أسباب اختيار هذا الموضوع فيعود للأهمية القصوى التي تتمتع بها عملية الاعتماد المستندي في تمويل عقود التجارة الخارجية، وماله من دور في توعيه كل من البائع والمشتري والبنك بالمخاطر التي تحيط بعملية الاعتماد المستندي. وقد اتبع هذا البحث الأسلوب التفصيلي التحليلي للقواعد والأعراف الدولية المتعلقـة بالاعتمادات المستندية نشرة الـ(600) بالاضافه إلى الاستعانة ببعض كتب الفقة بهذا الخصوص، للوقوف على مجمـل المخاطر التي تحيط بعملية الاعتماد المستندي.
      وقد أدى ازدهار التجارة الدولية والذي يُرَدُ إلى سهولة الاتصال وتنوعه خاصة بعد ظهور التجارة الالكترونية إلى البحث عن وسائل توفير الائتمان والثقة بين المتعاملين في إطار التجارة الدولية، إذ يفترض بالاعتماد المستندي أن يؤدي هذه الوظيفـة من خلال دوره في ضمان الثمن للبائع وإيصال البضاعة إلى المشتري. وقد حاولت الأعراف الدولية توفير الضمانات لكل من أطراف الاعتماد المستندي خاصة إذا علمنا أن عملية الاعتماد المستندي تمر بمراحل عدة تتمثل بعقد الأساس بين البائع والمشتري، ومن ثم يليها عملية فتح الاعتماد والتي تأخذ صورة عقد فتح الاعتماد، ثم تمر بمرحلة التزام البنك بمواجهه المستفيد وأخيراً تأتي مرحلة التنفيذ. 
      وقد قسم هذا البحث إلى ثلاثة مباحث خصص الأول منها للمخاطر التي يتعرض لها المشتري والبحث الثاني في المخاطر التي يتعرض لها البائـع أما الثالث فقد تناول المخاطر التي يتعرض لها البنك.

المبحث الأول
مخاطر الاعتماد المستندي في 
مواجهة المشتري (الآمر)

      يحتل الاعتماد المستندي دوراً مهماً في تسهيل انعقاد العقود التجارية بين الأطراف الذين تفصل بينهم مسافات كبيرة، حيث يوفر الثقة والاطمئنان لكل من المشتري والبائع؛ إذ يطمئـن المشتري من خلال فتح الاعتماد المستندي لصالح البائع بأن البنـك فاتح الاعتماد لن يدفع قيمته للبائع (المستفيد) إلا إذا تأكد من سلامـة المستندات المقدمة ومطابقتها من قبل المستفيد، كما يطمئن البائع بأن هناك جهة مليئة وهي البنك فاتح الاعتماد سيقوم بالالتزام ودفع قيمة الاعتماد حال مطابقته للمستندات( ). 
      وعليه فإن مخاطر الاعتماد المستندي بالنسبة للمشتري (الآمر بفتح الاعتماد) تتلخص في أنه سيقوم بالتعجيل بقيمة الاعتماد للبنك، لكي يقوم الأخير بدفعه لصالح البائع المستفيد حال تطابق المستندات التي يقدمها المستفيد للمستندات التي قدمها المشتري للبنك وقت فتح عقد الاعتماد. ورغم تأكد البنك من مطابقة المستندات المقدمة له من قبل كل من المستفيد والمشتري إلا ان الأخير يبقى دائما عرضة لاستلام البضائـع محل عقد الأساس ما بين المشتري والبائع غيـر مطابقـة للمستندات المتفق عليها، إذ أن الاعتماد المستندي يتعامل مع المستندات الدالـة على البضائع وليس البضائع ذاتهـا. وبالتالي فإن المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المشتري سيتم تناولها من خلال ثلاثة مطالب وعلى النحو الآتي:
المطلب الأول: وصول البضاعة مخالفة لشروط عقد الأساس:
      إن الاتفاق المبرم ما بين البائع والمشتري (عقد الأساس) هو الذي يحدد مضمون التزام كلا الطرفين في الاعتماد المستندي، والجزاء المترتب في حالة المخالفة( ).
      ويجـدر أن يلحظ هنا أن التزام البنك بالتأكد من مطابقة المستندات لا ينسحب إلى فحص مطابقة البضاعة للمستندات التي تمثلها، على أساس أن مسؤولية البنك تنحصر بتنفيذ عقد فتح الاعتماد، دون أن تمتـد إلى عقد الأساس المبرم ما بين الآمر والمستفيد( )، ومن هنا تتأتى المخاطر التي تلحق بالمشتري.
      ومن بين المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المشتري في الاعتماد المستندي هو أن تصل البضاعة إلى ميناء الوصول أو مكان الاستلام مخالفة لما اتفق عليه بين المشتري والبائع بموجـب عقد الأساس. إذ أن وظيفة البنك فاتح الاعتماد هو التأكـد من مطابقة المستندات وليس التأكد من البضاعة نفسها، إلا إذا اشترط ذلك في عقد فتح الاعتماد.
      وفي مثل هذا النوع من المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المشتري تنحصر العلاقة فيه ما بين المشتري والبائع بموجب عقد الأساس، ويطبق بشأنه أحكام القواعد العامة في القانون المدني والمطبقة على عقد البيع، ويبقى الحق للمشتري في هذه الحالة بالرجوع على البائع بموجب عقد البيع المبرم بينهما، اذ لا يؤثر الاعتماد المستندي على حق الطرفين في الرجوع على بعضهما( ). 
      ومن هنا -وكما يبدو- تبدأ مرحلة جديدة ما بين البائع والمشتري، قد تستلزم إقامة الدعاوى أمام المحاكم، وما يثيره ذلك من تنازع مابين القوانين المختلفة، خاصةً إذا علمنا بأن البائع يقيم في دولة تختلف عن الدولة التي يقيم بها المشتري، وفي الأحوال التي تكـون فيها قدرات المشتري محدودة، فإن حقه قد يتعرض للضياع نتيجة عدم قدرته في الرجوع على البائع بسبب عـدم مطابقة البضائع الواصلة للمشتري لاتفاق الأساس.
المطلب الثاني: تجـــاوز البنك لحـــدود صلاحياته المبينة في عقد فتح الاعتماد المستندي:
      يعد تجاوز البنك لحدود صلاحياته التي نص عليها عقد فتح الاعتماد المستندي من المخاطر التي قـد يتعرض لها المشتري، خاصةً إذا علمنا بأن عقد الاعتماد المستندي يرتب التزامات متقابلة على كلا طرفيه، لذا سنحاول بحثه على النحو الآتي: 
أولا: التزام البنك في مواجهة المشتري:
      على المشتري تنفيذاً لعقد الأساس مع البائع، أن يسعى إلى فتح عقـد الاعتماد المستندي مـع البنك المتفق عليه في أقرب وقت ممكن، لكي يطمئن البائع إلى قيام المشتري بفتح الاعتماد قبل أن يبدأ بإجراءات التنفيذ من جانبه. وبعد ذلك تكون مهمة البنك أن يصدر اعتماداً لصالح المستفيد (البائع) ضمن الشروط المتفق عليها مع المشتري (الآمر)، سواء من حيث مدة صلاحية الاعتماد المتفق عليها، أم على الأقل هي المـدة التي تكون أطول من المدة المقررة في عقد الأساس ليسلم البضائع للمشتري.
      كما يجب على البنك أن يلتزم بطبيعـة
الاعتماد ونوعه المتفق عليه، وقد أشارت المادة (2) من الأعراف الموحدة في نشرتها (600) إلى أن الاعتماد يمثل تعهداً من البنك المصدر للوفاء بتقديـم مطابق، وهو مهما سمي أو وصف يكون غير قابل للنقض. كما أشارت لذلك المادة (3) من الأعراف ذاتها بأن الاعتماد هو غير قابل للنقض بالرغم من عدم وجود دلالة على ذلك. وهو أمر يتعارض مع ما ورد في نشرة (500) السابقة للأعراف الموحدة للاعتمادات، والتي أشارت في نص المادة(6) منها إلى أنه: (أ /يكون الاعتماد إما (1) قابلاً للنقض، أو (2) غير قابل للنقض. ب/ وعليه يجب أن يبين الاعتماد بوضوح ما إذا كان قابلاً للنقض أو غيـر قابل للنقض. 
ج/ وفي حالة عدم بيان ذلك، يُعَدُّ الاعتماد غير قابل للنقض.)
      كما لا بد من التزام البنـك بتعليمات الآمر بخصوص نوع العملة التي سيصدر بها الاعتماد، إلا إذا حالت ظروف قاهره دون الالتزام بهذه التعليمات. أما إذا لم ينص على نوع العملة، وجب أن تكون بنفس العملة المحددة لثمن البيع الواردة في عقد الأساس( ) (5). كما يجب على البنك أن يلتزم بتعليمات الآمر الخاصة بتعزيـز الاعتماد
من بنك آخر إذا اشترط ذلك، أما إذا لم يتم تعيين البنك المعزر على سبيل التحديد، يمكن للمشتري اختيار بنك حسن السمعة، وإلا كان
مقصراً في ذلك( ).
      لذا فان البنك يلتزم بتعليمات العميل، ولا يستطيع أن يحيد عنها لأي سبب كان، ويفسر سبب ذلك في كون البنك ليس طرفاً في عقـد البيع، حتى لو كان ينفـذ التزاماً 
تعهد به المشتري للبائع في عقد الأساس، ويشترط في التعليمات التي يصدرها العميل أن تكون واضحة ومحددة ومفصلة، خاصةً إذا علمنا بأن الهـدف من الاعتماد يتمثل بالوفاء بالثمن، ولا يمتد ذلك لمراقبة عقد البيع، لذا يجب أن تكون شروطه ومصطلحاته مطابقة لعقد البيع( ).
      والتزام البنك بتعليمات الآمر لا بد ان يكون حرفياً دون أي انحراف، حتى ولو كان بداعي تحقيـق مصلحة الآمـر، أو لأن هذه التعليمات مخالفة للأعراف والأصول التجارية أو المصرفية.
      ويكون المشتري عرضة لطلب البائع بالتنفيذ العيني، أو بطلب فسخ البيع والمطالبة بالتعويض إذا قصّر المشتري في فتح الاعتماد أصلاً، أو كان التقصير عائداً للبنك، إذ لا يوجد التزام ما بين البائع والبنك، حيث لا ينشأ عقد الالتزام إلا إذا صدر خطاب الاعتماد من البنك لصالح البائع (المستفيد).
ثانياً: حكم تجاوز البنك لصلاحياته:
      يشترط في التعليمات الصادرة من الآمر إلى البنك أن تكون كاملة، على أساس أنّها تعد الأساس في حقوق أطراف عقد الاعتماد المستندي والتزاماته، ويجدر أن يلحظ هنا بأن هناك التزامات عدة على البنك، تتمثل بفتح الاعتماد لصالح المستفيـد وفقاً للشروط المتفـق عليها، وإبلاغ هذا الأخير بفتح الاعتماد لصالحه بخطاب صادر منه يتعهد بمقتضاه أن يضع تحت تصرفه اعتماداً في حدود مبلغ معين، وأن يدفع سند السحب المستندي المسحوب عليه، أو أن يقبلـه في حدود المبلغ المفتوح به الاعتماد، وفقاً للشروط الواردة في الخطاب والتي تطابق تعليمات المشترى (الآمر)( ).
      وبما أن العلاقة ما بين الآمر والبنك يحكمها عقد الاعتماد المستندي، فإن تجاوز البنك لحدود صلاحياته بأن فتح اعتماداً لصالح المستفيد بشروط أفضـل، ففي هذه الحالة يلزم البنك في مواجهة المستفيد بشروط الاعتماد المبلغة إليه بخطاب الاعتماد، وفي هذه الحالة لا يستطيع البنك الرجوع على العميل بما يترتب على هذا التجاوز من مصاريف وزيادة في النفقات( ).
      وقد تكيف طبيعة العلاقة التي تربط مابين البنك والآمر بالوكالة( ). وقد تكيف على أنها حوالة، كما قد تكيف على أنها كفالة أو بيع أو اشتراط لمصلحة الآخرين( ).
      كما قد تكيف العلاقة ما بيـن العميل والبنك المصدر على أنها عقد إجارة خدمات( ). ويبدو لنا أن اتجاه الفقـه يخالف الأصول والأعراف الموحدة رقم (600) والتي حددت طبيعة العلاقة القانونية ما بين البنك المبلغ والعميل في المادة: (37) منها، إذ عدَّت أن البنك الذي يلجأ لخدمات بنك أخر بهدف تنفيذ تعليمات طالب الإصدار، فإنه يقوم بذلك لحساب وعلى مسؤولية طالب الإصدار، كما أن هذا المصرف سواء أكان مصدراً أم مبلغاً، فإنه لا يتحمل أية مسؤولية أو التزام إذا لم يتم تنفيذ التعليمات التي أرسلها لبنك آخر، حتى لو تم اختيـار هذا المصرف الأخير من قبل المصرف المصدر أو المبلغ (م 37/ أ،ب من نشرة الأصول والأعراف الموحدة رقم: 600)؛ وبالتالي فإن المسؤولية هنا تقع على البنك الذي يتعامل مع المستفيد مباشرة في حالة التجاوز، وليس على البنك المغطي أو المعزز الذي أشارت له المادة: (13) من النشرة رقم: (600)، وإنما تقع المسؤولية على البنك المنفذ، فإذا ما تجاوز هذا البنك المنفذ لصلاحياته فيكون حسب أحكام المادة 37/أ،ب من النشرة رقم: (600) هو المسؤول في مواجهة العميل.
      واتجاه النشرة رقم: (600) يخالفه بعض الفقه؛ إذ يرى هذا الاتجاه بأن البنك إذا ما استعان ببنك وسيط، وأخطأ هذا الأخير وتجاوز حدود الصلاحيات الممنوحة للبنك المصدر، فإن البنـك المصدر يسأل عن خطأ البنك الوسيط( ). ونحن بدورنا نؤيد هذا الاتجاه الفقهي خاصةً إذا كان البنك المصدر هو من قـام باختيار البنـك المغطي أو المعزز أو المنفذ، ويجب أن يتحمل نتيجة التجاوز، إذ كان من المفتـرض بالنشرة أن تجعل المسؤولية على البنك المصدر، والذي بدوره يعود على المتجاوز، أما العميل فعلاقته يفترض أن تكون مع البنك المصدر فقط. 

المطلب الثالث: إهمال وتقصيرُهُ البنك في تنفيذ الاعتماد المستندي:

      يجب أن يقوم البنك فور فتح الاعتماد بإصدار خطاب الاعتماد للمستفيد المحدد من قبل الآمر، ولا يلتزم البنك في مواجهة المستفيد إلا من لحظـة وصول خطاب الاعتماد له. وإذا لم يحدد الآمر موعداً محدداً لإرسال خطاب الاعتماد، يجب على البنك إرساله في أقرب وقت ممكن، وعليه أن يبذل في ذلك العناية التي تقررها المحكمة.
      كما يجب أن يتضمن خطاب الاعتماد العناصر التي تحدد حقوق المستفيد ووواجباته بموجب تعليمات الآمر، وتكملها العادات المصرفية الخاصة بالاعتماد المستندي.
      ويجب أن يتضمن خطاب الاعتماد كذلك العناصر الأساسية التي توضح العلاقة ما بين البنك والمستفيد، وهي مدة صلاحية الاعتماد وقيمته وكيفية تنفيذه واسم المستفيد والمستندات الواجب تقديمها وكيفية تقديمها( ).
      وقد أشارت نشرة الـ (600) إلى كيفية تبليغ الاعتمادات والتعديلات الواردة عليها من خلال نص المادة (9) منها، ورأت إمكانية التبليغ بوساطة مصرف مبلغ غير معزز دون أن يصدر أي تعهد من هذا المصرف بالوفاء أو التداول، وعند التبليغ بفتح الاعتماد أو التعديل، يعد المصرف الذي قام بمهمة التبليغ مقتنعاً بصحة الاعتماد أو التعديل من الناحية الظاهرية، ويجب أن يتضمن هذا التبليغ بشكل واضح ودقيق شروط الاعتماد أو التعديل وزمانهما، كما يمكن للمصرف استخدام خدمات مصرف آخر يسمى المَُبلـغ الثاني لتبليغ الاعتماد وتعديلاته. 
      وإذا قام البنك بتجاوز حدود الصلاحيات الممنـوحة له من قبل الآمر، وضمن هذه التجاوزات خطاب الاعتمـاد الموجه إلى المستفيد، كان البنك المتجاوز متضرراً من جانبين:- الأول: العميل الآمر الذي من حقه مقاضاته لتجاوز حدود الصلاحيات الممنوحة له. الثاني: انه سيلتزم في مواجهة المستفيد في حدود ما ورد في خطاب الاعتماد، بغض النظر عما ورد في عقد الأساس أو عقد فتح الاعتماد المستندي.
      ويمكن تصـور حالات مخالفة البنك لتعليمات عميلة المشتري بالصور الآتية:
أولاً: أن لا يقوم البنك بفتح الاعتماد أصلاً:
      ويعد ذلك امتناعاً عن تنفيذ الاعتمـاد،
وبالنتيجـة هو إخلال بعقد ملزم لجانبين، وبالتالي يستطيع العميل إجباره على التنفيذ العيني أو طلب فسخ العقد إذا انقضت مصلحته من فتح الاعتماد، والرجوع على البنك بالتعويض عما لحقه من ضرر، وهي مسائل قد تطول أمام المحاكم.
ثانياً: أن يقوم البنـك بفتح الاعتماد ولكن يتأخر في إخطاره للمستفيد:
      وتتلخص أهمية إخطار المستفيد بالاعتماد في العلاقة التي تربط البنك بالمستفيد، لأن البنك لا يلزم في مواجهة المستفيد إلا من اللحظة التي يصل فيها الإخطار إليه، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن البنك لا يسأل في مواجهة المستفيد إذا كانت شروط الاعتماد المبلغة إليه مخالفة للشروط التي تعهد الآمر بها في عقد البيع( ).
ثالثاً: أن تكون الشروط المقررة للاستفادة من خطاب الاعتماد أضيق مما اتفق عليه في عقد الأساس؛ وذلك كأن تكون قيمة الاعتماد بمبلغ أقـل من ثمن المبيع، وهي مسألـة قد تطول كذلك أمام المحاكم، مما 
قد يلحق ذلك ضرراً بالعميل والمستفيد على حد سواء.
رابعاً: وهناك صورة رابعة لمخالفة البنك لتعليمات عميله وهي أن يقوم بفتح الاعتماد المستندي بشروط أكثر سخاءً للمستفيد:
      سواء ما تعلق منها بإطالة مدة صلاحية
الاعتماد أم مبلغه أم تجـاوزه عن مستندات طلبها الآمر. 
      أما فيما يتعلق بالمخاطر الناجمـة عن تقصيـر البنك في مطابقة المستندات سيتم التعرض لها في المبحث الثالث عند الحديث عن مخاطر الاعتماد المستندي في مواجهة البنك.

المبحث الثانيمخاطر الاعتماد المستندي في مواجهة البائع (المستفيد)

      وتتلخص المخاطر التي يتعرض لها المستفيد بسبب الاعتماد المستندي الذي يفتح لمصلحته بـ: 
المطلـــب الأول: شحــن البضاعـــة قبل الحصول على الثمن:
      يتعرض البائع (المستفيد) لجملة من الـمخاطر في الاعتمـاد المستندي، إذ إن الاعتماد نفسه هو الضمان الوحيد لحصوله على الثمن من المشتري. وبالرغم من أن خطاب الاعتماد الذي يصدره البنك لصالح المستفيد يعد ضماناً قوياً حتى ولو أبطل عقد الأساس ما بينه وبين المشتري، أو بطل عقد فتح الاعتماد المستندي ما بين المشتري والبنك، إلا أن البائع يبقى معرضاً لمخاطر جراء شحنه للبضاعة دون استلام الثمن فعلاً، لحين قيام البنك بالدفع بعـد مطابقته للمستندات التي أرسلهـا المستفيد نفسه والمطابقة لشروط فتح الاعتماد.
      وبالرغم من هذه المخاطر إلا أن المستفيد من الاعتماد المستندي له ضمانه مهمة، وهي من المبادئ الأساسيـة التي يقوم عليها الاعتماد المستندي وهي استقلال التزام البنك عن كل من عقد فتح الاعتماد، واستقلاله أيضا عن عقد البيع، فعلاقة المستفيد بالبنك منفصلة عن علاقـة البنك بعميله المشتري، وعـن علاقته مع المشتري بموجب عقد الأساس فيما بينهما. ويلتزم البنك في مواجهة المستفيد بموجب خطـاب الاعتماد الذي يصدره البنك لصالحة من لحظة وصوله له، بحيث يصبح البنك ملزماً بدفع قيمة الاعتماد لصالح المستفيد خاصة بعد أن علمنا أن عقد الاعتماد أصبح غير قابل
      للإلغاء حسب نشرة: (600) للأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية. وقد أشارت هذه النشرة في مادتها (4) إلى هذا الاستقلال، وعدَّتْ أن الاعتماد بطبيعته يعد عملية مستقلة عن عقد البيع أو غيره من العقود التي يمكن أن يستند إليها. 
المطلب الثاني: ضياع المستندات:
      ومن المخاطر التي يتعرض لها المستفيد ضياع المستندات في طريقها إلى البنك؛ إذ من المعروف أن المستفيد يلتزم بتقديم المستندات إلى البنك خلال مدة صلاحية خطاب الاعتماد، والتزام البنك قبل المستفيد ينتهي بانتهاء مدة صلاحية هذا الاعتماد، فإذا تخلف المستفيد عن تقديم سند واحد ولو كان ثانوياً في الميعاد المحدد امتنع البنك عن تنفيذ الاعتماد.
      وكذلك إذا ضاعت المستندات أو جزءاً منها في الطريق، يمكن للمستفيد في هذه الحالة تقديم مستندات بديلة، وفي الأحوال التي يتم فيها تقديم هذه المستندات البديلة خارج مدة صلاحية الاعتماد، فإن للبنك أن يرفضها وأن يمتنع عن تنفيذ التزامه، إلا أن البائع لا يفقد حقه في الرجوع على المشتري بموجب عقد الأساس (عقد البيع) ويجدر أن يلحظ هنا أنه على البنك عند رفضه للمستندات إن كانت ناقصة، أن يبين سبب هذا الرفض ليتمكن المستفيد من تصحيحها قبل انتهاء مدة الاعتماد للاستفادة من هذا الأخير( ).
المطلب الثالث: تدخل البنك الوسيط:
      كما أن من المخاطر في مواجهة البائع قيامة بتنفيذ التزامه بتسليم المستندات من خلال بنك وسيط، فإن مجرد تسليم هذه المستندات إلى البنك الوسيط دون أن يقوم الأخير بتسليمها إلى البنك مصدر الاعتماد لا يعفيه من المسؤولية؛ لأن العبرة بتقديم هذه المستندات إلى البنك المكلف بالتنفيذ، وبناءً على ذلك سيقوم بفحص المستندات ودفع قيمة الاعتماد لصالح المستفيد (البائع). خاصة إذا علمنا بأن أهم التزام يقع على عاتق المستفيد من الاعتماد هو تقديم المستندات الدالة على قيامه بتنفيذ التزاماته كبائع بموجب عقد البيع
المبرم ما بينه وبين المشتري( ).
      وكما يبدو لنا فإن المستفيد (البائع) قد ينفذ التزامه بتسليـم المستندات بنفسه أو بوساطة وسيط، كأن يختار بنكاً معيناً ليقوم بتسليم المستندات إلى البنك المعـزر أو المراسـل أو المسمى وحسب الأحوال. فإذا قام المستفيد بتنفيذ التزامه بوساطة بنك وسيط، فإنه يتوجـب على هذا الأخير القيام بتسليـم المستندات المذكورة في خطـاب الاعتماد والمسلمة إليه من قبل المستفيد، لأن قيامه بهذا التسليم من شأنه أن ينفذ التزام المستفيد، كما مـن شأنه تنفيذ التزامه في مواجهة المستفيد؛ لأن المستفيد سينفذ التزامه بموجب عقـد البيع، والبنك الوسيط الذي اختاره المستفيد سينفذ التزامه في مواجهة هذا الأخير، فإن لم يقم بذلك أي بهذا التسليم، فإن المستفيد يعد مخلاً بالتزامه في مواجهة المشتري الآمر بفتح الاعتماد، وهو أمر سينعكس سلباً على المستفيد؛ لأنه لن يستطيع الحصول على مبلغ الاعتماد مما يترتب عليه ضرر بالغ، خاصةً إذا كان قد شحن البضاعة لمصلحة المشتري. وسوف تترتب مسؤولية البنك الذي اختاره المستفيد في مواجهة هذا الأخير، ويستطيع المستفيد الرجوع على ذلك البنـك، وهي مسألة تحتاج لوقت طويل، خاصةً إذا لم يقر البنك بمسؤوليته؛ الأمر الذي 
يستوجب رفع دعوى للمطالبة بالتعويض عن
كافة الأضرار بسبب عدم التقديم. 

المبحث الثالث
المخاطر التي يتعرض لها البنك

      تمر عمليـة فتح الاعتماد المستندي بمراحل عدة، فالمرحلة الأولى تكون بالاتفاق ما بين البائع والمشتري والمتمثلة بعقد البيع، أما المرحلة الثانية فهي الاتفاق ما بين المشتري من جانب والبنك من جانب أخر؛ إذ يطلب الأول فتح الاعتماد وأخطار البائع به، وعند وصول هذا الإخطار يصبح البنك ملزماً ومديناً شخصياً ومباشراً للمستفيد، ولكن لا يكتمل حق البائع بقبض الثمن إلا في الأحوال التي يقوم فيها بتسليم المستندات المطابقة لشروط الاعتماد. 
      وهذا البنـك قد يلتزم أمام المشتري بفحص المستندات المقدمة من قبل البائع، كما يلتزم بالدفع للبائع مقدماً على المكشوف، أي حتى في الأحوال التي لا يقدم فيها المشتري المبلغ كاملا للبنك ابتداءً، ويكيّف المركز القانـوني للبنك هنا في كونـه وكيلاً عن المشتري، ولكن تجاوزت وكالته حدود الوكالة المعروفة في القانون المدني لتصل إلى حد المقاولة( ). والبنك عندما يقوم بعمله هذا فإنه يتعرض لمجموعة من المخاطر المختلفة سنجملها على النحو الآتي:
 
المطلــب الأول: عـــدم دقة البيانــــات والمعلومات المجموعة من قبل البنك:
      تتخـذ البنوك الكثير من الاحتياطات اللازمة لتمويل العمليات المختلفة التي تقوم بها، خاصـةً إذا كانت تقوم بهذه العمليات على المكشوف، ودون أن يقوم من يتعامل معها بتغطية العملية؛ لذا فهي تتخد الكثير من التدابير الوقائية والسابقـة على فتح الاعتماد المستندي، والبحث في هذا المطلب سيتفرع لـ:
الفرع الأول: إجراء الدراسات حول ملاءة العميل:
      تعد الاعتمادات المستنديه من العمليات المصرفية التي تنطوي على درجه كبيرة من الخطورة، نظراً لضخامة المبالغ المالية التي تمثلها، لذا فإن البنوك تحيط هذه العملية بالكثير من الاحتياطات المناسبة التي تقلل من هذه المخاطر، وهي في سبيل ذلك تقوم بإجراء الكثير من الدراسات العميقة والمستفيضة للوضع المالي للمشتري الآمر بفتح الاعتماد، لذا فإن إدارات الاعتمادات المستنديـه في البنـوك تعـد من أهم الإدارات المتخصصة وأخطرها، الآمر الذي يستلزم رفدها بالكوادر والكفاءات الفنية والقانونية والاقتصادية.
الفرع الثاني: المعلومات والبيانات المتعلقة بالعميل:
      ومن أهـم المخاطـر التي تتعرض لها
البنوك بهذا الخصوص هو عدم دقة البيانات والمعلومات المالية التي جمعتها إدارات الاعتمادات المستندية فيها بشأن المعلومات المتعلقة بالآمر بفتـح الاعتماد المستندي (المشتري).
      ولا بد من الاشاره هنا إلى الدور الذي تقوم به إدارات الاعتمادات المستندية في إدارة العمليات الخارجية؛ إذ إنه يترتب على فتح الاعتماد قيام البنك بإصدار قرارات ائتمانية، بالمقابل فهي تتأثر تأثراً مباشراً بالعلاقة مابين العميل والمستفيد، هذا الأخير الذي لا يعلم عنه البنك شيئاً، مما قد نكون أمام ثغرة في تغطية البنك لمخاطرته الائتمانية القائمة على أساس الاعتماد المستندي، ويتم تدارك هذه الثغرة من خلال قيام البنوك بتقييد العملية بالأصول والأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية( ).
      وتقـوم هذه الإدارات بتنظيم عملية الاعتماد المستندي تنظيماً إدارياً وفنياً يضم بين ثناياه ضوابط داخلية تمنع حدوث الأخطاء أو تقلل منها، وهي في سبيل ذلك قد تقوم بإحداث إدارة للعمليات الخارجية، تتفرع منها أقسام تتعلق بالاعتمادات المستندية وقد تقوم بتصنيفها تصنيفاً فنياً، بحيث يكون هناك شعبة لفتح الاعتماد، وأخرى لمتابعته، وثالثه للتعديل ورابعة للتسديد وإدارة المحاسبة، أو قد تقوم بالتصنيـف على أساس تخصصي بحيث يكون هناك قسم لاعتمادات تصدير البترول، وآخر للقطن أو للفوسفات أو للسيارات أو للمواد الكهربائية( ).
      وتلجـأ البنوك عاده إلى هذا التنظيم لإدارات الاعتماد المستندي؛ بهـدف تلافي المخاطر التي تحيط بعملية الاعتماد المستندي من جانب، إذ تقوم بدراسة الطلب المقدم من فاتح الاعتماد من جميع الجوانب للتأكد من عدم وجود ريبة حوله، كما أنها من جانب أخر تهدف للحصول على درجة كبيرة من المهنية المتخصصة بحيث تحصل على كفاءة وسمعة جيدة في إدارة الاعتمادات المستندية مما يؤهلها للحصول على ثقة العملاء، نظراً للدور الذي تقـوم به في رعاية مصالحهم بمهنية عالية فيقدمون على التعامل معها. 
      وما يهمنا بهذا الخصوص هو ما تلجأ إليه إدارة الاعتمادات المستندية في البنوك عند قيام الآمر بفتح الاعتماد (المشتري) بالطلب من البنك فتح الاعتماد، إذ إن هذه العملية تنطوي على درجة كبيرة من الخطورة، تلك الخطورة تتعلق بالمركز المالي للمشتري الآمر بفتح الاعتماد، إذ على البنوك من خلال إداراتها المستندية التأكد من قوة المشتري المالية ومتانتها، وسمعته التجارية في الأسواق، وهي في سبيل تحقيق ذلك قد تجري دراسات مستفيضة عن وضعه المالي، وقد تكلف الآمر بفتح الاعتماد بتقديم أدلة بالأموال التي يملكها سواء أكانت نقدية أم عينية، كما يمكن لهذه الإدارات في بعض البنـوك الاتصال مع 
بنوك أخرى سبق وأن تعامل معها المشتري 
الآمر بفتح الاعتماد للتأكد من الثقة التجارية والمالية التي يتمتع بها، وعادة ما يتم الاستجابة من قبل البنوك الأخرى لهذا الطلب على أساس المعاملة بالمثل، ويشترط على هذه البنوك عند إعطائها هذه المعلومات عدم الكشف عن الأسرار التجارية الخاصة بالآمر بفتح الاعتماد( ).
الفـرع الثالث: نطاق الدراسة التي يجريها البنك:
      يجـدر أن يلحظ هنا أن الدراسة التي يجريها البنك قـد لا تقتصر على الوضع المالي للعميل (الآمر بفتح الاعتماد)، وإنما قد تمتد إلى البائع؛ لأن حق البنك قد يقتصر فيما بعد على الرجوع على هذا البائع، خاصةً في الأحوال التي لا يقبل فيها المشتري البضاعة والمستندات التي تمثلها إذا ما تبين تزويرها أو تزييفها، الأمر الذي يترتب عليه رجوع البنك على البائع بثمن البضاعة، خاصةً إذا كان المشتري بوضع مالي لا يسمح له بإعادة تمويل البنك إذا ثبت حق البنك بالرجوع على البائع بالمبلغ الذي دفعه له. ومن هنا تبرز أهمية دراسة المركز المالي للعميل والبائع، خاصةً في الأحوال التي يتم فيها فتح الاعتماد من قبل البنك دون أن يكون مغطياً.
الفرع الرابع: دقة المعلومات:
      أن المعلومات التي قد يتم جمعها من قبل إدارات الاعتمادات المستندية عن طبيعة البضاعة ونوعها قد تكون غير دقيقة، الأمر الذي سيعَرّض البنك لمخاطرة كبيرة في تغطية هذه البضاعة، خاصةً إذا علمنا أن نوع البضاعة يحتل ثقلاً خاصاً في التحليل الائتماني للاعتماد المستندي، لكونها تعد الضمانـة الأساسية والفعلية لقيام البنك بمخاطرته الائتمانية؛ إذ أن زيادة التأمين النقدي للبضاعة ونسبته تزداد كلما كانت البضاعة قابلة للتلف بسرعة، أو كانت أسواقها صغيرة وأسعارها تخضع لتقلبات حادة من حين إلى آخر، أما إذا كان للبضاعة أسواق كبيرة وسهلة ومتوافرة وأسعارها تميل وتمتاز بالثبات والاستقرار أو الصعود، فإن أهمية التأمين النقدي ونسبته تقل في هذه الحالة( ). 
      وللبنك في سبيل ذلك أن يقوم بالمقارنة بين قيمة البضاعة السوقية وقيمتها حسب ما نص عليها عقد البيع وعقد الاعتماد،وينصح البنك في هذه الحالة بترك هامش من قيمة البضاعة السوقية دون تغطية عند قبوله فتح الاعتماد، أو قد يلجأ للقيام بالطلـب من المشتري لتغطية جـزء من قيمة البضاعة مسبقاً تحسباً لأي طارئ قد يحدث، أو لأي هبوط على أسعارها في الأسواق( ).
الفرع الخامس: أهمية البضاعة:
      يجدر أن نشير هنا إلى الأهمية القصوى لطبيعية البضاعة في قيام البنك بتغطيتها ومنح ائتمان لعميله عليها، إذ إن فتح الاعتماد المستندي من قبل البنك لتغطية صفقة من البندورة مستوردة من الصين عبر البحر إلى الأردن هي عملية تندرج عليها خطورة عالية في تلف البضاعة وهلاكها أثناء الرحلة البحرية، أما تغطية صفقة من الثلاجات مستوردة من الصين أيضا إلى الأردن، فهي أقل خطورة من صفقة البندورة لأن احتمال هلاك الثلاجات أو تلفها يكون بنسبة أقلّ بكثير من احتمال هلاك البندورة أو تلفها، خاصةً إذا علمنا بأن البنك عندما يقوم بفتح الاعتماد المستندي، فإنه بالغالب قد لا يطلب أي تغطية لقيمة الصفقة من قبل الآمر بفتح الاعتماد، الأمر الذي قد يلحق به ضرراً إذا ما تلفت أو هلكت تلك الصفقة، لأنه في نهاية الآمر سيعود بثمنها على المشتري الذي قد يكون عاجزاً عن الوفاء بقيمتها؛ لأنه كان سيعتمد على الوفاء بقيمة الصفقة من خلال بيعه للبضاعة في الأسواق، وسداد البنك من إيراد هذا البيع، وبما أن هذا الإيراد سينعدم الأمر الذي سيتعرض معه الضمـان العام للبنك للخطر، نتيجـة خسران الآمر قيمة الصفقة بسبب هلاكها أو تلفها. 
      كما أن حاجة الأسواق المحلية للبضاعة
له دور كبيـر في إقدام البنك على تمويل البضاعة من عدمه، فتمويل البنك لصفقة من الأرز ليس كتمويله صفقة من الكستناء، كما أن البنك عند قيامه بفتح الاعتماد قد ينظر إذا كانت الحيوانات موضوع الصفقة حية أو مجمدة، لأنه قد ينظر إلى نفوق الحيوانات الحيـة أو إصابتها بالأمراض، الأمر الذي سيعرضه للخطر نتيجة ذلك النفوق أو المرض.
الحل المقترح:
      نظراً لخطورة عملية الاعتماد المستندي والتي غالبا ما يقوم بها البنك دون تغطية من قبل الآمـر (العميل) بفتح الاعتماد، سواء تعلق الأمر بالمركز المالي للعميل وسمعته التجارية، أم بطبيعة البضاعة الممولة، فيمكن اللجوء إلى حل لهذه المسألة، خصوصاً إذا علمنا بأن الاعتماد المستندي يستند عادةً إلى الثقة المتوافرة بين البنك وعميله المشتري (الآمر بفتح الاعتماد)، بالإضافة إلى قيام البنك برهن البضاعة رهناً حيازياً ورمزياً من خلال المستندات التي تمثل البضاعة المشحونة أو المعدة للشحن( ). 
      ويجدر أن يلحظ هنا بأن هذا الأمر قد يوفر طمأنينة كبيرة للبنك إذا امتنع المشتري عن الدفع أو ماطل بذلك أو أعسر أو أفلس( )؛ لذا فإنه يمكن اللجوء هنا إلى حل يتمثل باللجوء إلى الاعتماد المستندي المغطى، ويغطى الاعتماد من خلال قيام البنك بالطلب من العميل تغطية كامل مبلغ الاعتماد، وهنا يفقد الاعتماد صفته على أساس أنه لم يمنح ائتماناً لعميله، طالما أنه حصل على حقه مقدماً قبل فتح الاعتماد، ولا يعد البنك سوى وكيلٍ عن الآمر يقوم بدفع الثمن للبائع نيابةً عن الموكل. هذا إذا كان الهدف من هذه التغطية قيـام البنك بحفظ الأموال لديه على ذمة المستفيد، أما إذا كانت الغاية من دفعها رهن أو ضمان للبنك قد يحصل عليه تعويضاً عما قد يلحق به من ضرر نتيجة فتح الاعتماد كإفلاس المشتري أو هبوط الأسعار، فهنا يبقى الاعتماد محتفظاً بصفته كعملية مصرفية( ). 
      كما يستطيع البنك أن يطلب رهناً حيازياً أو تأمينياً لقاء فتح الاعتماد المستندي من المشتري (الآمر بفتح الاعتماد)، خاصةً في الأحوال التي يثور الشك فيها حول المركز المالي للمشتري، أو سمعته التجارية في الأسواق، أو حول طبيعة البضاعة وقابليتها الكبيرة للتلف، أو الهلاك أو تذبذب أسعارها أو عدم حاجة الأسواق المحلية لمثل هذا النوع من البضاعة.
      وكما يبدو فإنه من الأفضل وحتى يبقى الاعتماد المستندي محافظاً على صفته على أساس أنه عملية مصرفية ائتمانية أن يقوم البنك بالطلب من عميله، إما تغطية جزئية لقيمة الاعتماد، أو أن يطلب منه رهناً حيازياً أو تأمينياً على بعض أموال الآمر بفتح الاعتماد، أو كفالة نقدية أو مصرفية من كفيل مليء، وقد تثبت البنك من ملاءته من خلال الكفالة النقدية، ولكن يفضل أن لا تغطي الكفالة كامل مبلغ الاعتماد، لأنه قـد يكون من الصعوبة بمكان الحصول عليها من قبل الآمر بفتح الاعتماد؛ وإنما جزئية الهدف منها تلافي ما قد يلحق البنك من أضرار نتيجة ضعف المركز المالي للعميل، أو هلاك البضاعة أو تلفها أو عدم جدوى الاتجار بها.
المطلب الثاني: مخاطر تتعلق بالمستندات:
      هناك مجموعة من المخاطر يتعرض لها البنك بسبب المستندات المقدمة له، فقد تتعلـق بعدم دقة شكلها أو عدم كفايتهـا أو صحتها أو تزويرها أو عدم توافر شروطها العامة أو الخاصة، أو حصول اختلاف بين هذه المستندات جميعها والبحث في هذا الموضوع يتفرع كالآتي:
الفـرع الأول: الضمان الذي يمنحه الاعتماد المستندي: 
      إن الاعتماد المستنـدي يوفر خَصِيصَةً مهمة في البيوع الدولية، فهو بالإضافه إلى الائتمان الذي يعطيه للمشتري، فإنه يشكل ضمانة للوفاء بالثمن؛ إذ إن تدخل البنك يعطي الأمان اللازم لأطراف عملية البيع، لأنه من شأنه أن يجعل تنفيذ العقد على نحو معين، بحيث يكون كل طرف مطمئناً للحصول على حقوقه، وبعد إصدار البنك للاعتماد فإن المشتري يقوم بتحديد المستندات الواجب على البائع إرسالها له،ويقوم البنك بالدفع للبائع إذا ما قام هذا الأخير بتسليمه هذه المستندات( ).
الفرع الثاني: تطابق المستندات:
      إن من أهم النصائح التي تقدم للبنك بهذا الخصوص ملاحظة وجود تطابق بين المستندات المقدمة، فإذا ما وجد تعارض بين هذه المستندات فيجب عليه رفضها، كما لو تضمن مستند الشحن اسم ميناء الوصول ما رسي بينما تتضمن شهادة المنشأ أنها مرسلة إلى ميناء لوهافر( ).
      وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ملاحظة التطابق بين المستندات في الاعتماد المستندي يقع على البنك،وفي الأحوال التي يلاحظ فيها هذا البنك عدم وجود تطابق بين المستندات المقدمة له، فإنه يتوجب عليه إخطار المستفيد بعدم وجود هذا التطابق، إما بإحدى وسائل الاتصال عن بعد أو بوساطة وسائل سريعة أخرى دون تأخير. ويشترط حسـب نص المادة: (16/د) من الأصول والأعراف الموحدة أن لا يتجاوز ذلك وقـت إغلاق اليوم المصرفي الخامس الذي يلي يوم التقديم، وقد حددت هذه الأصول في نشرتها رقم: (600) الصادرة عن غرفة التجارة الدولية في مادتها: (14/ب) المـدة التي يجب أن يتم خلالها الإشعار بخمسة أيـام تبدأ حسب ما عبرت عنه هذه المادة خلال خمسة أيام عمل مصرفية تلي يوم التقديم لهذه المستندات( ). 
      كما اشترطت هذه القواعد أن يقوم البنك ببيان جميع المخالفات التي بنى عليها رفضه للمستندات بسبب عدم مطابقتها مع بعضها بعضًا، وبأنه يرفض الوفاء أو التداول، كما يجب عليه أن يبين فيما إذا كان يحتفظ بهذه المستندات بانتظار التعليمات التي سيصدرها المقدم، أو أنه يحتفظ بهذه المستندات إلى لحظة حصوله على موافقة طالب الإصدار ويوافق على قبولها بنفس الوقت، أو يحتفظ بتلك المستندات لحين الحصول على تعليمات في وقت لاحق من المقدم قبل موافقته على قبول هذه الموافقة، أو أنه سيعيد المستندات، أو أنه يتصرف استناداً للتعليمات السابقة التي تلقاها من المقدم لهذه المستندات( ). 
      وفي الأحوال التي يقوم فيها البنـك بإخطار المستفيد بهذه الاختلافات وعدم ذكر بعضها في الإخطار، فإن هذا الأمر سيفقده حقه برفض المستندات مـن جديد إذا قام المستفيد بتصحيح الاختلافات الخاصة في المستندات المقدمة إليه( ).
      كما أن إخفاق البنك سواء أكان مصدراً للاعتماد أم معززاً له بالعمل وفق جميع ما سبق ذكره بنص المادة: (16) من الأعراف الموحدة هو أمر من شأنه أن يمنعه من الادعاء بأن المستنـدات لا تشكل تقديماً مطابقاً، وهو أمر يلقي على البنك عبئاً كبيراً في ضرورة قيامه بفحص المستندات المقدمة إليه؛ لأنه في الأحوال التي يقوم بفحص هذه المستندات، وعدم ملاحظته لوجود الاختلافات بين هذه المستندات، أو بينهـا وبين شروط الاعتماد المستندي فإنه أمر سيترتب عليه قيامه بالدفع للمستفيد، بالرغم من عدم قيام هذا الأخير بالالتزام بشروط الاعتماد المستندي، الأمر الذي سيترتب عليه رفض المشتري الوفاء للبنك لعدم التزام هذا الأخير بشروط الاعتماد.
الفـرع الثالث: فحص المستندات من قبل البنك:
      يجـدر أن يلحظ هنا أن البنك يتوجب عليه عدم الاكتفاء بالفحص الشكلي للمستندات المقدمة من قبل المستفيد، فله في سبيل ذلك رفض سند الشحن إن تضمن توقيعاً غير مقروءٍ أو مكتوبٍ على ورقه عادية( ). 
      وهنا يتوقف حق البنك برفض المستندات مرة أخرى إذا قام المستفيد بتصحيحها، إذا كان هذا الرفض مبنياً على سبب أو أسباب غير تلك الواردة في الإخطار الموجه من البنك إلى المستفيد بوجود الاختلافات، لكن هذا البنك يستطيع رفض تلك المستندات مرةً أخرى، إذا ما قام المستفيد بتقديم مستندات مغايرة لتلك المستندات التي رفضها البنك، فإنه أي البنك يجوز له رفض تلك المستندات لأسباب تختلف عن أسباب رفضه المستندات التي قدمها المستفيـد في المـرة الأولى، وبالتالي فإن قدم المستفيد شهادة منشأ وقام البنـك برفضها لعدم مطابقتها لشروط الاعتماد، وأخطر المستفيد بذلك، وقام هذا الأخير بتقديم شهادة منشأ جديدة إلى البنك، بعد أن قام بتصحيح عيب المطابقة الذي حدده البنك في الأخطار الموجه من قبل البنك للمستفيد، فإن من حق البنك أن يرفض شهادة المنشأ هذه إذا قام بفحصها من جديد ووجد بها عيباً آخر لم يذكره في إخطاره، طالما أن الشهادة الأولى التي قام المستفيد بتقديمها للبنك لا تتضمن هذا العيب( ).
      وجدير بالملاحظة هنا أن عدم التزام البنك بشروط الاعتماد بقبوله مستندات غير مطابقة مع شروط الاعتماد، فإنه ستتحقق بوجوده مسؤوليته، كقبوله لسند شحن بضاعة من الثلاجات نوع (جنرال)، مع أن عقد الاعتماد المستندي يلزم البنك بضرورة قبول سند شحن لثلاجات من نوع توشيبا. أو كان هناك عدم مطابقة بين المستندات، كأن تكون ألف طن من القهوة البرازيلية، ووثيقة التأمين تتضمن تأميناً على ألف طن من القهوة الكولومبية أو اليمنية، فإن قام البنك بالدفع للمستفيد، فإنه سيكون معرضاً للمسؤولية في مواجهة الآمر بفتح الاعتماد؛ لعدم التزامه بشروط الاعتماد وعدم بذله العناية المطلوبة للتأكـد من مطابقة المستندات مع بعضها بعضًا، أو مع شروط الاعتماد، الأمر الذي سينعكس سلباً على قيامه بالدفع وعدم تلقيه مقابلاً لما يدفع.
الفرع الرابع: معيار مطابقة المستندات:
      حاولت القواعد والأعراف الموحدة رقم (600) علاج هذه المسألة، وخصوصاً ما يتعلق بالعناية الواجب اتباعُها من قبل البنك للتعرف على مطابقة المستندات لشروط الاعتماد من عدمه؛ إذ أخذت هذه الأعراف والقواعد بمعيار الأصول المصرفية الدولية، واشترطت أن أي بيانات في مستند ما في الأحوال التي يراد قراءتها في سياق الاعتماد، ومـع المستند نفسه ومع المعيار الدولي للأصول المصرفيـة لا يتوجب أن تتماثل تماماً، ولكن يشترط هنا عدم تعارضها مع البيانات في ذلك المستند، أو في أي مستند مطلوب آخر أو مع الاعتماد. واشترطت على البنك القيام بفحص جميع المستندات المنصوص عليها في عقد الاعتماد المستندي، استناداً إلى المستندات وحـدها وصولاً إلى التأكد من مطابقة ظاهرها لشروط الاعتماد أم لا( ).
الفرع الخامس: تقييم معيار المطابقة:
      إن المعيـار الذي أخـذت به القواعد والأعراف الموحدة ليس هو معيار التطابق الحرفي للمستندات، والذي يلزم البنك بتنفيذ الشروط المنصوص عليها في الاعتماد حرفياً وبدقه، ويشترط عليه الدفع إذا ما قدمت للبنك مستندات مطابقة تامة لشروط الاعتماد، وقد أخذ به القضاء الإنجليزي؛ إذ أشار أحد القضاة الإنجليز (Sumner) في قضيـة( ) (of new York v Dawson equitable trust co. Partners) وأكد فيه على أن قيام البنك باسترداد قيمة ما دفعه متوقف على مراعاته للشروط اللازم توافرها، والتي يجب أن تتطابق مع المستندات المقدمة بصراحة، ولا يوجد أي مكان في الاعتماد المستندي للمستندات البديلة أو المماثلة التي توفر نفس الغرض. كما أن هذا المعيار ليس معيار المطابقة الجوهرية الذي أخذت به المحاكم الامريكية، ولا المعيار المزدوج (duplicated standard)، وإنما هو معيار فحص المستندات بعناية الرجل المصرفي الملتزم بأصول مهنته والقواعد المصرفية الدولية( )، مراعياً في ذلك أن تشكل هذه المستندات في ظاهرها تقديماً مطابقاً أم لا. 
      وكما يبدو من وجهة نظرنا فإنه من الصعب تحديد الأصول المصرفية الدولية، ومتى يعد البنك ملتزماً بها، ومتى لا يعد كذلك: فقد أشارت المادة (18/أ) من هذه القواعد والتي تتعلق بالفواتير التجارية إلى ضـرورة أن تبدو بظاهرها أنها صادرة 
عن المستفيد المسمى في الاعتماد، واستثنت الحالات المنصوص عليها في المادة (38) من الأصول والأعراف الموحدة للاعتمادات المستنديـة، وأن تكون محرره باسم فاتح الاعتماد، إلا في الحالات المنصوص عليها في الفقرة: (ز) من هذه المادة.
      كما أجازت المادة: (18/ب) للبنك قبول الفواتير التجارية إذا صدرت بمبالغ تزيد عن المبلغ المسموح به في الاعتماد، ويكون لهذا القرار قوة إلزامية في مواجهة جميع الإطراف، بشرط ألا يكون البنك المعني قد أوفى أو تداول أي مبالغ تزيد عن المبلغ المسموح به في الاعتماد، كما اشترطت الفقرة: (ج) من هذه المادة أن يطابق وصف البضاعة في الفاتورة التجارية وصفها في الاعتمـاد، أما في كافة المستندات الأخرى فيجوز وصف البضاعة بشكل عام، على أن لا يتناقـض ذلك مع وصفها في الاعتماد (لتفصيل ذلك المادة: 18/ب،ج من الأصول والأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية نشرة: (600)).
      وبالرغم من ذلك فإننا نرى بأن هذا المعيار يصعب تطبيقه، فمن ناحية أخذت القواعد بالتطبيق الحرفي كما أشارت لذلك الفقرة: (ج) من المادة: (18) من هذه القواعد، ثم أخذت بالتطبيق الظاهري في المادة: (14/أ) من القواعد، واكتفت بأن تشكل المستندات في ظاهرها تقديماً مطابقاً، وكما يبدو لنا فإنه من الأفضل عدم الالتزام بالتطبيق الحرفي الذي أشارت له الأصول والأعراف الموحدة، ويعود ذلك إلى المساوئ التي قد تنطوي على ذلك، لأنه إذا ألزمنا البنوك بالتطبيق الحرفي فإنه أمر قد يعيق أعمالها وحركة التجارة، وقد تكون وسيلة لرفضها الدفع للمستفيد بسبب عدم التزامه بالتطبيق الحرفي، وإذا أجزنا لها الأخذ بالمعيار الذي يجيز لها الدفع إذا كانت المستندات تشكل في ظاهرها تقديماً مطابقاً، فإن البنوك سوف تقوم بالوفاء للمستفيد استناداً إلى أن المستندات تشكل في ظاهرها تقديماً مطابقاً، دون أن تتعرض لماهية هذه المستندات وجوهرها.
الفرع السادس: مخاطر تطبيق معيار التطبيق المطابق من حيث الظاهر:
      إن معيار الأصول المصرفية الدولية قد تنطوي عليه الكثير من المخاطر؛ ذلك أنه ألزم البنوك بفحص المستندات من ظاهرها فقط، فإذا كانت تبدو في ظاهرها مطابقة لشروط الاعتماد دون أن يمتد ذلك إلى توافر شروطها القانونية الأخرى وعددها، أو فيما كانت مزورةً أم لا، فإن قام الرجل المصرفي بذلك، فإنه يكون قد حقق المعيار المطلوب بموجب القواعد والأعراف الدولية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن البنك وجب عليه الالتزام بفحص المستندات وفقاً لهذا المعيار، وعـدم النزول بهذا الفحص عن حد توافـر
الشروط الجوهرية برأينا.
      وبالرغم من أن هناك اتجاهاً فقهياً يرى بأن اعتماد معيار الأصول المصرفية الدولية يعد خطوة مهمة، يمكن اتباعها من قبل جميع البنوك كمعيار عالمي موحد لفحص المستندات، خاصة إذا علمنا أن المعاملات التي تجري بين البنوك وعمليات الوفاء بقيمة الاعتمادات المستنديه تقوم أساساً على الثقة المتبادلة بينهما( ). إلا أننا لا نؤيد هذا الرأي؛ لأن المعيار الذي يعتمد عليه معيار غامض غير واضـح، كما أنه من السهولة على البنك التخلص من المسؤولية بوجوده. وفي قرار لمحكمة التمييز الفرنسية قضت فيه بمسؤولية البنك إذا قبل وثيقة تأمين تتضمن مخاطر تختلف عن تلك المخاطر المحددة في عقد الاعتماد( ).
الفرع السابع: مسؤولية البنك في التأكد من صحة المستندات:
      يجب على البنك من جانب أخر التأكد من تزوير المستندات أو تزييفها، وهذا الأمر قد يحدث ابتداءً؛ أي لحظه صدور المستندات، بحيث يكون هناك تغيير في حقيقة هذه المستندات مخالف للواقع، أو قد يكون هذا التزويـر في مرحلة لاحقة على صدور المستندات، بحيث يصدر سنـد الشحن أو الفواتير التجارية أو وثيقة التأمين من المصدر صحيحة مطابقة للواقع، ثم بعد ذلك
يتم التلاعب بمحتويات هذه المستندات، بحيث تكون مخالفةً للواقع. وإذا ما ثبت تزوير المستندات المقدمة للبنك فإن من حق هذا الأخير رفضها، وعدم الدفع للمستفيد استناداً للتزوير الحاصل بالمستندات، لأنه قد يرسل بضاعة للآمر مغايرة للبضاعة المتفق عليها. بينما يرى بعضهم أنـه لا يحق للبنك أن يرفض الوفاء للمستفيد، نظراً لاستقلال عقد الاعتماد عن عقد البيع، أو لسد الباب أمام المستوردين سيئي النية الذين يتمسكون بكافة الوسائل للتخلص من التزاماتهم( ). وهناك من يرى اعتماد الرأي الأول، ولكن بشرط أن يقدم المستورد أدلة جديدة تشير إلى غش المصدر، وأن يقوم بتقديم مبلغ الاعتماد لصندوق المحكمة، أو أن يتم حجزه تحفظياً لدى البنك لحين الفصل في الدعوى( ).
      وجدير بالملاحظة هنا أنه في حال قيام البنك بفحص المستندات وتأكده من تزويرها، فإنـه يجب عليه اتباع الخطوات السابـق 
ذكرها بشأن عدم المطابقة، بضرورة إخطار المستفيد، وأن يكون هذا الإخطار ضمن المهلة القانونية، وإلا سقط حق البنك برفض الوفاء للمستفيد، وعليه فإن البنك إذا بذل العناية المطلوبة حسب القواعد والأعراف الدولية التي تضمنتها نشرة الـ (600)، فإنه لا يتحمل أية مسؤولية عن شكل المستندات أو كفايتها أو دقتها أو صحتها أو تزييفها أو أثارها القانونيـة أو شروطها العـامة أو الخاصة، أو غير ذلك مما أشارت إليه تلك القواعد والأعراف( ).
      ونشيـر هنا إلى ضرورة أن تأخـذ القواعد والأعراف الموحدة بمعيار المطابقة الجوهرية، لكونه يعد أفضل من المعايير السابقة، وأن تبذل البنوك الأصول المصرفية الدولية عند فحصها للمستندات، وصولاً إلى مستندات متطابقة جوهرياً مع بعضها بعضًا، بحيـث تبدو المستندات في جوهرها تمثل تقديماً مطابقاً.
الخـاتمة:
      بعد التعرف على بعض المخاطر التي ينطوي عليها الاعتماد المستندي فقد خلص هذا البحث إلى مجموعة من الاستنتاجات والتوصيات وعلى النحو الآتي:
1. إن الاعتماد المستنـدي يعد من أهم العمليـات المصرفية التي تلعب بها البنوك دوراً في التجارة الخارجية؛ لأنه -وبالرغم من المخاطر التي ينطوي عليها- إلا أنه قد يمنح بعض الثقة والائتمان لكل من البائع والمشتري.
2. هناك بعض المخاطر التي يتعرض لها المشتري نتيجة قيامه بتعجيل قيمة الاعتماد للبنك، ليقوم هذا الأخير بدفعها للبائع الذي لا يرسل البضاعة إلا عند استلامة ذلك الثمن (قيمـة الاعتماد)، وهـو أمر سَيُعرّض المشتري لاستلام بضاعة قد تكون غير مطابقة للمستندات المرسلة وغير تلك المتفق عليها بين البائع والمشتري.
3. قد يتعرض المشتري كذلك لخطر تجاوز البنك لحدود الصلاحيات الممنوحة له بموجب عقد الاعتماد، سواء تعلق الآمر بتغيير نوع الاعتماد أم نوع العملة المتفق عليها، كما قد يتعرض لمطالبة البائع بالتنفيذ العيني، خاصةً إذا قصّر في فتح الاعتماد أصلا. كما قد يتعرض لخطر إهمال البنك وتقصيره في تنفيذ الاعتماد، الأمر الذي ينعكس عليه سلباً، خاصةً إذا علمنا بأن البائع لن يرسل البضاعة إلا إذا استلم مبلغ الاعتماد من قبل البنك.
4. كمـا أن الاعتماد المستندي قد ينطوي على بعض المخاطر التي تحيط بالبائع، خاصةً إذا شحن هذا البائع البضاعة للمشتري ورفض البنك تسليَمهُ الثمن، ويتحقق ذلك في الأحوال التي يقوم فيها البائع بإرسال البضاعة للمشتري قبل استلام الثمن، فيرفض البنك تسليمه الثمن استناداً إلى عدم مطابقة المستندات المقدمة من قبل البائع لشروط الاعتماد. كما أن ضيـاع المستندات وهي في طريقها للبنك من شأنه أن يفوت الفرصة على البائع باستلام الثمن، خاصةً في الأحوال التي يكون فيها الاعتماد لمدة محـدودة، الأمر الذي سينطـوي عليه امتناع البنك عن تسليمه مبلغ الاعتماد لعدم وجود المستندات.
5. وقد يتعرض البنك لمجموعة من المخاطر في الأحوال التي لا تكون فيها إدارات الاعتمادات المستندية في البنوك على درجة كبيرة من التخصص والدقة في جمـع البيانات والمعلومات عن العميل والمستفيد، وعن طبيعة البضاعة ونوعها؛ إذ نوصي البنك بهذا الخصوص لتلاشي مثل هذه المخاطر باللجوء إلى الاعتماد المستندي المغطى من قبل العميل، على أن تكون الغاية من حفـظ الأموال هي رهنها أو اتخاذها ضماناً ليتمكن من التنفيذ عليها إذا ما لحقـه ضرر نتيجة إفلاس المشتري أو هبوط الأسعار، كما توصي هـذه الدراسة بضرورة قيام البنوك بتعيين موظفين أكفاء في إدارات الاعتمادات المستندية، مشهود لهم بالنزاهة والخبرة العالية، تلافياً لما قد يحدث من قبل هؤلاء من تواطـؤ أو جهل أثناء عملية الاعتماد المستندي. 
6. وأهم المخاطر التي تلحق بأطراف عقد الاعتماد المستندي، سواء كان البنك أم المشتري هي عدم دقة المستندات، أو عدم كفايتها أو صحتها أو تزويرها أو فقدانها لأحد شروطهـا العامة أو الخاصة، أو التعارض بينهـا. ونوصي هنـا باتباع معيار الفحص الجوهري للمستندات دون النزول عن الأصول المصرفية الدولية، ويعد ذلك معياراً مزدوجاً قد يضمن الأضرار التي تلحق بالمشتري أو البنك. خاصةً إذا علمنـا أن اعتماد معيار الفحص الحرفي سيؤدي إلى إعاقة حركة التجارة وتوقفها.
7. وفي نهاية ذلك كله نوصي بالإبقاء على عملية الاعتماد المستندي بالرغم من المخاطر التي تحيط بها، إلا أن تلك المخاطر لا تتجاوز حسناتها على أساس أنها الطريقة المثلى للوفاء بالثمن في عقود التجارة الخارجية، ولكن يجب إحاطتها ببعض الاحتياطات اللازمة لضمان قيام هذه العملية بوظيفتها الائتمانية.
الهوامش:

تعليقات