📁 آخر الأخبار

مبدأ التكاملية بين القضاء الوطني والمحكمة الجنائية الدولية

مبدأ التكاملية بين القضاء الوطني والمحكمة الجنائية الدولية

مبدأ التكاملية بين القضاء الوطني والمحكمة الجنائية الدولية




مبدأ التكاملية بين القضاء الوطني و المحكمة الجنائية الدولية
من إعداد الأستاذ
عبدلــــــي نـــــزار
الدوله : الجزائر 
البريد الألكترونى : nezar.abdelli@gmail.com 



-المقدمــــة:

أكدت ديباجة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن " هدف المحكمة أن تكون مكملة للنظم القضائية الوطنية في الحالات التي قد لا تكون إجراءات المحاكمة على الصعيد الوطني متاحة أو عديمة الفعالية ".
كما تضمن النظام الأساسي للمحكمة عدد من الفصول التي تكرس هذا الإجراء التكميلي للمحكمة في الحقيقة كان هذا الإشكال موضوع جدل كبير بين واضعي النظام الأساسي خلال المداولات و أعمال اللجان على أن أغلبية الدول تبنت مبدأ الإجراء المكمل للمحكمة بالنسبة للمحاكم الوطنيـــة. و كان طبيعيا أن تثير هذه المسألة جدلا كبيرا في صفوف واضعي النظام الأساسي للمحكمة ضرورة أن تتمسك الدول في كل الحالات بمبدأ السيادة و الذي يشمل إجراءات بسط ولايتها القضائية الوطنية في مقاضاة الجناة و في الواقع فإن تمسك الدول بمبدأ السيادة يعد دافع سياسي بالأساس على أن مبادئ مدرجة بالقانون الدولي ( الاتفاقيات و المعاهدات) التي تشدد على إختصاص المحاكم الوطنية بالتعهد بالجرائم التي تشكل خرقا لقوانين النزاعات المسلحة أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة و غيرها على أن تفوق الموقف المتصل بالصبغة المكملة للمحكمة الجنائية الدولية حيال المحاكم الوطنية من شأنه إثارة التساؤلات التاليـــــة:
لماذا تعاملت الدول خلال مناقشة مشروع النظام الأساسي للمحكمة بمنطق التصادم بين النظام القضائي الدولي والنظام القضائي الوطني ؟ .
هل يشفع للدولة تمسكها بمبدأ السيادة لتبرر أفضلية القضاء الوطني على القضاء الدولي إلى حد التفاعل مع هذا الأخير على خلفية قضاء أجنبي وليس قضاء دولي؟


المبحث الأول: إعتماد المحكمة الجنائية الدولية على المبادئ و الإجراءات المتبعة في القوانين الجنائية الوطنية.

 المطلب الأول: احتكام القضاء الجنائي الدولي إلى المبادئ العامة للقانون الجنائي.  
لا جدال في كون القانون الجنائي عامة يحتكم لمبادي عامة يتعين تطبيقها لتأمين المحاكمة العادلة والمنصفة لكل شخص ولئن حددت المادة ( 21 ) من النظام الأساسي للمحكمة المراجع القانونية التي تستند إليها المحكمة في ممارسة إختصاصها فإن الاحتكام للمبادئ العامة للقانون الجنائي يعد إجراءا ضروريا لأن تلكم المبادئ تمثل دليلا إجرائيا وضعه شراح وفقهاء القانون الجنائي لضمان سير سليم للإجراءات الجزائية من ناحية وحماية الحقوق الشرعية للمتهم من ناحية أخرى .
المبدأ الأول : لا جريمة إلا بنص سابق الوضع :                                                   تقتضي أحكام المادة (22 ) من النظام الأساسي أن تباشر المحكمة اختصاصها في المساءلة الجزائية للأشخاص بمقتضى نص سابق الوضع وهو في صورة الحال النظام الأساسي للمحكمة وعليه فإن هذه الأخيرة لا تختص إلا بالبت في الجرائم الواردة بنظامها الأساسي .
وهذا المبدأ يفسر ما تعرضنا إليه سابقا بخصوص عدم إختصاص المحكمة بالنظر في الجرائم الواقعة قبل دخول نظامها الأساسي حيز النفاذ ولكن يتعين الملاحظة في هذا الباب بأن ذات المادة ( 22 ) تجيز مرجعية المحكمة للقانون الدولي بصفة عامة أي خارج إطار نظامها الأساسي وذلك في بعض حالات تكييف السلوك الإجرامي على أنه في حالة الغموض بشأن تعريف الجريمة أو تأويل ملابساتها لا يجوز الاحتكام للقياس بل يفسر التعريف لصالح المتهم .
المبدأ الثاني: لا عقوبة إلا بنص سابق الوضع:
  يتماشى هذا المبدأ مع المبدأ المشار أعلاه ضرورة أنه لا يحق إخضاع المتهم لعقوبة جنائية غير واردة زمن ارتكابه للجريمة وهذه القاعدة القانونية تكرس مبدأ هاما وهو الأثر اللارجعي للعقاب الجزائي على أن هذا المبدأ يخضع لاستثناء وحيد يتمثل في انتفاع المتهم بالعقوبة الأخف إذا ما تم تعديل القانون قبل صدور حكم نهائي بشأنه . ونبقى في باب العقوبات لنلاحظ بأن النظام الأساسي خول للمحكمة القضاء بالعقوبات الأتي بيانها:
-السجن المؤبد في حالة الجرائم الأشد خطورة واعتبارا لظروف الشخص  المدان (صفته خلال ارتكاب الجرائم طبيعة سلطاته ونفوذه .....)  .
-السجن لسنوات لمدة أقصاها ثلاثين ( 30 ) سنة: وفي حالة تعدد الجرائم تصدر المحكمة بالنسبة لكل جريمة حكما خاصا وحكما مشتركا يحدد المدة الكاملة للعقاب الصادر على ألا تتجاوز المدة الكاملة للعقاب الصادر خمسة وثلاثين ( 35) عاما أو السجن المؤبد.                                                                        ونلاحظ في باب العقوبات الواردة بأحكام المادة ( 77 ) من النظام الأساسي بأن المحكمة غير مختصة بالقضاء بعقوبة الإعدام لأن النظام الأساسي لا يجيز ذلك وهذا يرتقي لمبدأ مناهضة حكم الإعدام الذي يتبناه نشطاء حقوق الإنسان في العالم بأسره حماية للذات البشرية وحقها في الحياة .
- فرض الغرامات ومصادرة العائدات والممتلكات: تختص المحكمة الجنائية بالقضاء بإلزام المتهم بأداء غرامات لفائدة الضحايا كما تختص بالقضاء بمصادرة العائدات والممتلكات المتأتية بصورة مباشرة أو غير مباشرة من الجريمة دون المساس بحقوق الغير  الحسن النية, هذا وينص النظام الأساسي للمحكمة على إنشاء صندوق استئمان تحول إليه العائدات من الغرامات المحكوم بها والأصول والممتلكات المصادرة وتصرف لفائدة الضحايا وعائلاتهم وتأذن المحكمة بتحويل المال وغيره من الأصول إلى الصندوق على أن تحدد الدول الأطراف في نظام المحكمة معايير إدارته ( المادة 79 من النظام الأساسي ) .                                                                                                                       ويبدو جليا أن العقاب طبق نظام المحكمة يتجاوز العقوبات السالبة للحرية ، ليمتد إلى الذمة المالية للمتهمين ويعد هذا إنصافا للضحايا من ناحية ، ووضع حد لاستفادة الجناة من عائدات جرائمهم من ناحية أخرى ، فضلا عن إقرار مبدأ أخلاقي هام وهو عدم حمل المجتمع الدولي على جبر أضرار متصلة بجرائم شديدة الخطورة صادرة عن أشخاص بصفتهم الفردية.                                                                        على أن العدد الكبير عادة لضحايا هذه الجرائم قد يجعل هذا المبدأ الأخلاقي يخضع لإستثناءات تدعو الدول الأعضاء في نظام المحكمة رصد أموال بالصندوق كفيلة بتغطية التعويضات المحكوم بها لفائدة الضحايا أو أسرهم وهذا في حد ذاته مبدأ أخلاقي يرتقي لقيم التضامن والتعاطف  .
المبدأ الثالث : شـخصيــة الـمسؤوليـة الــجنائيــة  :                                                      من المبادئ الرئيسية في القانون الجنائي مبدأ شخصية المسؤولية الجنائية ذلك أنه بمجرد توفر ركن الإسناد حيال الجرائم المنسوبة للمتهم تكون المسؤولية الجزائية قائمة تجاهه كفرد وبقدر ما يتعدد الجناة في القضية تكون معايير مساءلتهم الجزائية فردية كل حسب مشاركته المباشرة أو غير المباشرة في ارتكاب الجريمة ( فاعل أصلي ، مشارك ، ساهم في الإعداد والتحضير للجريمة  ساعد على وقوعها ، كان له  علم مسبق بالجريمة ... ) ويتعين الملاحظة في هذا الباب بأن مساءلة الأشخاص جزائيا وبصفة فردية لا يرفع عن الدول كذات معنوية مسؤوليتها بموجب القانون الدولي على أن ذلك يدخل في إختصاص محكمة العدل الدولية . 

المبدأ الرابع: عدم الاعتداد بالصفة الرسمية للمتهمين :

إنطلاقا من مبدأ شخصية المساءلة الجنائية وبناءا على طبيعة الجرائم المختصة بها المحكمة والتي تتصل بالسلطة والنفوذ وملكية القرار وحيازة الترسانة العسكرية وغيرها من وسائل التعذيب والتدمير فإن النظام الأساسي للمحكمة أقر عدم إعتبار الحصانة المتصلة بالصفة الرسمية للأشخاص موضوع التتبع والمقاضاة بتهم تدخل في إختصاص المحكمة وعدم الاعتداد بالصفة الرسمية للأشخاص وهذا من شأنه أن  يكرس مبدأ عدم الإفلات من العقاب تحت أي بند من البنود بما في ذلك الحصانة وينص النظام الأساسي في المادة ( 27 ) على أن الصفة الرسمية للشخص على المستويين الوطني والدولي لا تحول دون ممارسة المحكمة لاختصاصها الجزائي حياله .وما لم يثبت القادة ( السياسيين والعسكريين ) بالحجة القاطعة عدم علمهم بإرتكاب الجرائم الصادرة عن مرؤوسيهم  ، وما لم يثبتوا بالحجة القاطعة سابقية اتخاذهم تدابير وإجراءات إدارية وقضائية لمنع ارتكاب تلكم الجرائم فإنهم يدخلون تحت طائلة المساءلة الجزائية أمام المحكمة بصفتهم الشخصية .                                                                         وعليه فإن أحكام المادة ( 27 ) من النظام الأساسي للمحكمة وضعت حدا للتحصن المزدوج  ( السلطة / الإفلات من العقاب ) الذي ظل يتمتع به بعض الحكام في العالم  .هذا وتستوجب ممارسة المحكمة لاختصاصها إقامة آليات وإجراءات يتعين استخدامها كيفما وردت بأحكام النظام الأساسي وبمدونة القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات .
المطلب الثاني:  تطبيق مبدأ التكامل بين القضاء الوطني و القضاء الدولي في مجال القواعد الإجرائية:
تجدر الإشارة في هذا الشأن بأن مدونة القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات هي دليل إجرائي للمحكمة تم اعتمادها من طرف جميعة الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في دورتها  المنعقدة في نيويورك خلال الفترة من الثالث إلى العاشر من سبتمبر ألفين و إثنين و احتوى هذا الدليل على حوالي 225 قاعدة إجرائية.  
هذا وقد ورد الدليل الإجرائي مرفق بمذكرة تفسيرية تنص على ما يلي » تعد القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات وسيلة لتطبيق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وتابعة له في جميع الحالات ويتمثل الهدف منها في تدعيم أحكام النظام وعملا إذن بأحكام النظام الأساسي  للمحكمة وبمقتضى دليل القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات نستعرض إشكالية الدور المكمل للمحكمة الجنائية الدولية.                                           أكدت ديباجة النظام الأساسي للمحكمة على " أن هدف المحكمة أن تكون مكملة للنظم القضائية الوطنية في الحالات التي قد لا تكون إجراءات المحاكمة على الصعيد الوطني متاحة أو تكون عديمة الفعالية " بالرجوع إلى قانون المحكمة نلاحظ بأنه خلص إلى فرض شروط إجرائية بشأن قبول مبدأ اختصاص المحاكم الوطنية بدرجة أولى بالمقاضاة في الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفي حالة انعدام هذه الشروط أو الإخلال بها تحت أي ظرف من الظروف فإنه على المحكمة الجنائية الدولية بسط ولايتها القضائية في هذا الباب وهذه الشروط تتمثل في الإجراءات لتالية                                                 1- إجراء التحقيق أو المقاضاة بشأن ذات الدعوى من طرف دولة لها الولاية القضائية على تلك  الدعوى                                                                                                                     2 - سابقية إجراء التحقيق في الدعوى من طرف دولة لها ولاية عليها وقرر جهازها القضائي محاكمة المتهمين أو براءتهم تكريس المبدأ القانوني المتصل بعدم محاكمة شخص مرتين بشأن ذات   الجريمة  .                                                  3 - إذا لم تكن الدعوى على درجة من الخطورة بها يجعلها تدخل تحت طائلة الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية .
على أن هذه الشروط التي تمنح للقضاء الوطني الولاية القضائية الأصلية لا تمنع المحكمة الجنائية الدولية من ممارسة دور المراقب لسلامة الإجراءات القضائية الوطنية بما يكفل ملاحقة الجناة وإقامة العدالة وعليه فإذا ثبت بأن التحقيقات أجريت على المستوى الوطني بعرض حماية المتهمين من المساءلة الجزائية بشأن جرائم تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية أو حدث يدل على عدم الرغبة في محاكمة المتهم ويهدف بالتالي إلى تيسير إفلاته من العقاب فإن المحكمة الجنائية الدولية تستخدم اختصاصها في التعهد بالدعوى. ليبقى أن نلاحظ بأن عدم الرغبة مطلقا في ملاحقة مرتكبي الجرائم الخطيرة أو انهيار النظام القضائي الوطني للدولة ، يفضي إلى بسط الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية .
بناءا على كون المقاضاة من طرف الجهاز القضائي الدولي تعد مكملة للإجراءات الوطنية فإن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أقر صلاحية تعهد الدولة بالملاحقة والمقاضاة في نطاق ولايتها القضائية ضد الأشخاص الضالعين في ارتكاب جرائم تدخل في إختصاص المحكمة الجنائية الدولية  .
ذلك أنه على المدعي العام واجب إشعار الدول باعتزامه فتح تحقيق طالما أن الدول الأطراف تشكل وحدة رئيسية في جهاز المحكمة طبق نظامها الأساسي فإن تدخلها في آليات الملاحقة وارد ضرورة أن المدعي الـعام للمحكمـة وفي نـطاق تـعهده بالتـحقيق يهدف من خلال إشعاره للدول إلـــى  :                                                         حمايـة الأشخــاص                                                                                                             حماية الأدلة من التـلف                                                                                            لعدم فرار المتهم أو المتهمين
وحال إشعارها من طرف المدعي العام بفتح تحقيق يمكن للدولة التي يكون المشتبه فيهم من رعاياها أن تعلن فتح تحقيق ضدهم مع إعلام المدعي العام بذلك ويمنحها هذا الأخير حق البت بشرط موافقة الدائرة التمهيدية. ويحق للدولة المعنية أن تتمسك بهذا الأجراء استنادا إلى مقتضيات النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي تقر بالطبيعة المكملة للجهاز القضائي الدولي ضرورة أن المبدأ هو تعهد القضاء الوطني للدولة بملاحقة الضالعين في الجرائم الخطيرة من بين مواطنيها.
إن هذا الأجراء المخول للدولة الطرف قد يثير جدلا بشأن مخاطر تهميش وظيفة المحكمة الدولـية الجنائية اختصاصا وآليات نتيجة تعهد الدولة بالملاحقة ولكن النظام الأساسي للمحكمة استوعب هذه المخاطر فأقر أحكاما تخول للمدعي العام ممارسة حق المراقبة حيال هذه الدولة بشأن جديـة المتابعات المثارة من طرف أجهزتها الوطنية ، وذلك بمطالبتها بتقديم  إفادات منتظمة بشأن التحقيقات الجارية  .
لئن خول النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية للدول حق التعهد أصالة بالتحقيقات والملاحقة القضائية بواسطة أجهزتها الوطنية إلا أنها تخضع لواجبات حيال الجهاز القضائي الدولي حيث يتعين عليها حماية الضحايا والمحافظة على المعلومات والاستخبارات التي تكون بحوزتها والاستجابة لطلبات إيقاف المتهمين وتسليمهم للمحكمة الدولية في صورة التعهد الرسمي للقضاء الدولي  المادة  ( 91 ) .
وفي حالة تردد الدولة في التعاون مع المحكمة وتقاعسها عن تقديم الخدمة المطلوبة يتم إشعار الدول الأطراف في نظام المحكمة أو مجلس الأمن الدولي المادة ( 87 ). وفي الحقيقة فإن  الإشكالية الأكبر تكمن في فرضية تمسك الدولة بمبدأ حماية أمنها الوطني ضرورة أن واجب المد بالمعلومات قد يترتب عنه كشف أسرار تمس من مصالحها الوطنية إلا أن واضعو النظام الأساسي أقروا بمقتضى المادة       ( 72 ) بأن يتم السعي إلى حل هذه الإشكالية بمبدأ التعاون بين مختلف الأجهزة : المدعي العام ومحامو الدفاع والدائرة التمهيدية أو المحكمة من جهة والدولة المعنية من جهة اخرى ، ويتم ذلك بتعديل الطلب الصادر عن المحكمة  للدولة أو توضيح ذلك الطلب ، كما يتم بواسطة قرار صادر عن المحكمة بشأن مدى صلة تلك المعلومات أو الأدلة بمجريات القضية وما إذا كان يمكن فعلا الحصول عليها من مصادر  أخرى بالإضافة إلى إمكانية تقديم المعلومات المتصلة بالأمن الوطني للدولة في صيغة موجزة عند الاقتضاء في جلسات مغلقة  .
على أن الإشكالية تتعمق أكثر في صورة تمسك الدولة المعنية بمبدأ سرية المعلومات لاتصال هذه المعلومات بعلاقة مع  دولة أخرى غير طرف بنظام المحكمة ، في هذه الحالة يجوز للدولة المعنية حجب الوثيقة أو المعلومات لوجود التزام سابق من جانبها إزاء الدولة الأخرى بالحفـاظ عـلى السرية ، وفي كل الحالات فإن الممارسة الفعلية لآليات المحكمة حال تعهدها بالدعاوى التي تدخل في اختصاصها ستفضي إلى حسم قضاة المحكمة بدرجاتها المختلفة في هذه الإشكالات الإجرائية المعقدة .
ولعل هيئات الدفاع عن الضحايا ستلعب دورا هاما في هذا الباب من أجل تكريس مبادئ العدالة والأنصاف في مواجهة كل المناورات المفترضة والتي من شأنها إعاقة تحقيق تلكم المبادئ على أن مبدأ إجراء محاكمة عادلة للمتهمين يعد هو الأخر مبدأ أساسيا يتعين احترامه دون أي قيد أو شرط ، وفي هذا الباب أقر النظام الأساسي للمحكمة حماية الحق في الدفاع .
المبحث الثانـــي: حـــدود إختصاص المحكمة الجنائية الدولية للنظر في المسائل الوطنية.
-في الحقيقة أن هذه المحكمة لا زالت في بداية الطريق، ورغم ذلك فقد شملت إلى الآن حوالي (92) دولة من الدول التي صدقت على الاتفاقية الدولية لإنشاء هذه المحكمة، والعديد من الدول الأخرى في طريقها إلى التصديق، والانضمام إليها، كما أن  جميع دول العالم سوف تصبح أعضاءً في هذه الاتفاقية بما فيها تلك التي ترتكب أشد الجرائم خطورة ضد الإنسانية على الصعيد الدولي، أما بخصوص تقييمي لنطاق اختصاصات المحكمة، ومدى نجاحها في مهمتها الإنسانية من عدمه فمن الصعب الحكم على هذه المحكمة بالنجاح، أو بالفشل كونها لا زالت محكمة وليدة لم تباشر اختصاصها إلا منذ شهور فقط، وهنا أعود، وأكرر بأن هذه المحكمة جاءت لتسد فراغاً موجوداً على صعيد العدالة الجنائية الدولية، ولو افترضنا أن هذه المحكمة لا تستطيع أن توفر العدالة الكاملة، ولم توفر إلا عدالة جزئية فذلك خير من أن يظل العالم بلا عدالة، ونأمل بإذن الله أن تستمر خطواتها؛ بحيث تنضم إليها جميع دول العالم، وتكون هناك آلية قضائية تحكم هذه الجرائم التي تعتبر جرائم استقرت بموجب العرف الدولي، والاتفاقيات الدولية على أنها من أشد الجرائم خطورة منذ 48 سنة بشأن الإبادة، ومنذ (49) بشأن جرائم الحرب، ومنذ (50) عاماً بشأن الجرائم ضد الإنسانية.

المطلب الأول: الصعوبات والمعوقات التي لا زالت تقف أمام المحكمة الجنائية الدولية؟

في الحقيقة أنا لا أستطيع أن أتحدث عن الصعوبات، والمعوقات التي تقف أمام المحكمة لأنني لا أعمل فيها، وهذا السؤال يمكن أن يجيب عليه المختصون في المحكمة الجنائية الدولية، ومن خلال علمنا فإن المحكمة الجنائية الدولية قد بدأت بالفعل استلام المقر، وبدأت تعين القضاة، وتعين المدعي العام، وبدأت العمل بالفعل. تثار بعض الأخبار التي تقول بأن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية تتعارض مع السيادة الوطنية. نشير في البداية لما ورد في الفقرة العاشرة من ديباجة النظام الأساسي، والتي تؤكد على أن المحكمة الجنائية الدولية ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية، وهي ذات العبارة التي وردت صراحة في المادة الأولى من هذا النظام.                                                                             على حين نصت المادة (17) من النظام الأساسي على أن المحكمة الجنائية الدولية لا تحل محل الاختصاص القضائي الوطني، وإنما تدخل حصراً حينما لا تتوفر لدى القضاء الوطني الرغبة في الاضطلاع بالتحقيق، وبالمقاضاة، أو القدرة على ذلك، وعليه فإن نظام روما يشجع الدول على ممارسة سلطاتها القضائية على الجرائم الداخلة ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية، ولا يجوز للمحكمة ممارسة سلطاتها القضائية إلا عملاً للأحكام الواردة في المادة (17).
وحقيقة الأمر أن هذه الاتفاقية المنشأة بمعاهدة دولية يتجسد فيها المبدأ الأساسي في قانون المعاهدات (مبدأ الرضائية) فالدول في هذه الحالة لا تتعامل مع محكمة أجنبية، أو ولاية قضاء أجنبي، وإنما تتعامل مع جهاز قضائي دولي شاركت في إنشائه كدولة طرف، وتساهم في الإجراءات الخاصة بتسييره باعتبارها أحد أعضاء جمعية الدول الأطراف كتعيين القضاة مثلاً، ومن هنا فلا يمكن القول بأن الدولة تتنازل عن اختصاص لولاية قضاء أجنبي، وإنما تعتبر المحكمة الجنائية الدولية، امتداداً لولاية القضاء الوطني، إذ أن الأصل أنْ كل دولة ملزمة بمحاكمة مرتكبي الجرائم المنصوص عليها  في هذا النظام، ومن ثم فلا ينعقد الاختصاص للمحكمة الدولية إذا قامت الدولة بواجبها في الاضطلاع، أو المحاكمة أما إذا لم ترغب الدولة، أو كانت غير قادرة على الاضطلاع بواجبها فإنها تحيل بذلك اختصاصها إلى المحكمة الجنائية الدولية.          المطلب الثاني: تفعيل دور المحكمة الجنائية الدوليـــــة ضرورة لتحقيق المواءمة مع القضاء الوطني ركزت مختلف الندوات و المؤتمرات التي عقدت لدراسة مسألة تفعيل دور المحكمة الجنائية الدولية و مكانتها بالموازاة مع وجود المحاكم على المستوى الوطني على ضرورة مراعاة النقاط التالية:
-        ضرورة تكوين تحالفات واسعة من منظمات المجتمع المدني المختلفة و تنظيم فعاليات لحث الحكومات على المصادقة .
-        العمل من أجل قيام السلطات التشريعية بموائمة التشريعات الوطنية مع نظام روما الأساسي للمحكمة.
-        إقامة الندوات وحلقات النقاش وحملات المناصرة واستخدام كل الوسائل الإعلامية الممكنة للضغط من أجل المصادقة ونشر الوعي بأهمية ذلك.
-        تدريب وتأهيل المحاميين والعاملين في المؤسسات القضائية والتنفيذية الوطنية ذات الصلة على النظام الاساسي للمحكمة وأساليبة التنفيذية وأهميته.
-        دعم التحالف الدولي وتقديم الخبرة للتحالفات الوطنية والاقليمية.
-        إصدار نشرة عن التحالف الوطني والاقليمي  تروج للمحكمة الجنائية الدولية و أنشطتها و أهمية المصادقة على نظامها.
-        عقد لقاءات مع قادة الأحزاب و رؤساء الكتل البرلمانية لكسب تأييد أحزابهم للمصادقة على نظام المحكمة.
-        عقـد حلقات نقاش ومحاضرات وندوات بالتنسيق مع نقابة المحاميين والصحفيين لتوعية هذه الشرائح الهامة وضمان تفاعلهم.
-        تشكيل لجان تنسيقية  في إطار التحالفات القطرية تعمل مع المنسق الإقليمي للعمل على توسيع قاعدة المؤيدين للمحكمة.
-        نشر الوعي بخطورة عقد الاتفاقيات الثنائية مع الولايات المتحدة.
-        اهمية تصميم مواقع الكترونية على شبكة الإنترنت فعالة باللغة العربية عن المحكمة وأهميتها.
-        إعداد فلم تسجيلي  يوضح الفضاعات والمجازر البشعة ودور المحكمة في التصدي للمنتهكين.
-        تعرية الأسباب الحقيقية لرفض دول المنطقة للمصادقة.
-        صياغة خطة عمل بشكل مهني للتحالفات ومنظمات المجمتع المدني والنشطاء لتجاوز المعوقات و اقتراح الحلول وتقديمها للحكومات.
-        مطالبة الاتحاد الأوربي بالضغط على دول المنطقة من أجل المصادقة.
-        إعداد صيغ دستورية و قوانين وطنية موائمة لنظام روما الأساسي للدفع بها في فترات التعديلات الدستورية و القانونية.
-        تقوية التحالفات الوطنية الموجودة وبناء تحالفات في المناطق التي لم تتكون فيها تحالفات بعد.
-        تنظيم حملات واسعة و مكثفة تستهدف الضغط على دول المنطقة وخصوصاً تلك التي تقترب من المصادقة.
-        عقد لقـاءات إقليمية لتبادل الخبرات و التنسيق و كذلك المشاركة في الاجتماع الدولي لجمعية الدولي الأطراف.
-        تكثيف الجهود لتشجيع مشاركة أعضاء من التحالف الدولي للمحكمة الجنائية في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا في فعاليات كاجتماع الدول الأطراف.
-        تدريب خريجي كلية الشريعة و القانون و كلية الحقوق على نظام روما الأساسي.
-        تشجيع انضمام محامين عرب أكثر لتحالف المحكمة الجنائية الدولية.








الخـــــاتمــــة
لقد أنشئت المحكمة الجنائية الدولية بموجب لائحة روما الأساسية لتقوية التعاون الدولي في إجراء إدعاء ومحاكمة أخطر الجرائم ذات مصدر القلق العالمي. إن التنفيذ المحلى الفعال للائحة روما الأساسية، خاصة التزام التعاون  مع المحكمة الجنائية الدولية (ICC) ومساعدتها في كل وظائفها، يعد أمراً حيوياً لضمان أن تلك الجرائم لم تعد تمر بدون عقاب. وبنفس الأهمية، أن تأخذ الدول إجراءات على المستوى الوطني لمعاقبة تلك الجرائم الخطيرة. وهذه الإجراءات تشمل جعل الجرائم بلائحة روما الأساسية جزءاً من القانون الوطني، وضمان حقوق المتهمين، وضمان أن القوانين الصادرة لتمكين إجراء إدعاء ومحاكمة هذه الجرائم يتم تطبيقها على نحو متساوي على جميع الأشخاص بغض النظر عن صفاتهم الرسمية أو أي وضع آخر، والنص على المسئولية الجنائية الفردية للقادة العسكريون والرؤساء المدنيون. وأخيراً فأن جعل المحاكم الوطنية قادرة على ممارسة الاختصاص الشامل يعد أمراً أساسياً لضمان أن لا يكون هناك ملاذ آمن لهؤلاء الذين يرتكبون أكثر الانتهاكات فظاعة لحقوق الإنسان والقانون الدولى.
تعليقات