القائمة الرئيسية

الصفحات



إبلاغ البنوك عن العمليات المالية المشبوهة بين الإلتزام والمسؤولية في القانون المقارن والفقه الإسلامي

إبلاغ البنوك عن العمليات المالية المشبوهة بين الإلتزام والمسؤولية
في القانون المقارن والفقه الإسلامي






العنوان : إبلاغ البنوك عن العمليات المالية المشبوهة بين الإلتزام والمسؤوليةفي القانون المقارن والفقه الإسلاميالمؤلف : أبو الوفا محمد أبو الوفا ابراهيم




إبلاغ البنوك عن العمليات المالية المشبوهة بين الإلتزام والمسؤولية
في القانون المقارن والفقه الإسلامي

الدكتور أبو الوفا محمد أبو الوفا ابراهيم

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمــة:


يعد تعبير غسل الأموال، ترجمة للتعبير الإنجليزي money laundering، والتعبير الفرنسي Blanchiment de capitaux، وهو تعبير مجازي، وليس تعبيرا قانونيا، إذ التعبير القانوني له، هو "وسائل مكافحة ومحاربة الأموال غير المشروعة".

ويعني غسل الأموال، كل نشاط يقوم به الشخص مستهدفا إضفاء الصفة الشرعية على الأموال المتحصلة بطريقة غير مشروعة، لتطهير تلك الأموال من دنس عدم المشروعية، وذلك من خلال إستثمارها في أغراض مشروعة[1].

وقد عرفت الفقرة الأولى من المادة (324-1) من قانون العقوبات الفرنسي[2]، "غسل الأموال بأنه " كل فعل يتمثل في تقديم المساعدة – بأي وسيلة كانت – في إضفاء المشروعية الكاذبة فيما يتعلق بمصدر أموال أو دخل لفاعل جناية أو جنحة، حققت له ربحا مباشرا أو غير مباشرن ويشكل غسيلا للمال ايضا كل مساعدة لعملية إيداع أو إخفاء أو تحويل لمال تحصيل بشكل مباشر أو غير مباشر من جناية أو جنحة"[3].

كما عرفته المادة الأولى (ب) من قانون مكافحة غسل الأموال المصري، رقم (80) الصادر في 22 مايو 2002 م بأنه "كل سلوك ينطوي على إكتساب أموال أو حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو إستبدالها أو إيداعها أو ضمانها أو إستثمارها أو نقلها أو تحويلها أو التلاعب في قيمتها إذا كانت متحصلة من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون مع العلم بذلك، متى كان القصد من هذا السلوك إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق فيه أو تغيير حقيقته أو الحيلوله دون إكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من إرتكب الجريمة المتحصل منها.




وقد نصت المادة الثانية من قانون مكافحة غسل الاموال القطري رقم (28) الصادر في 3 رجب 1423 هـ 10 سبتمبر /2002م على أنه "يعد مرتكبا لجريمة غسل الأموال:

1.    كل من إكتسب أو حاز أو تصرف أو أدار او إستبدل أو أودع أو أضاف أو إستثمر أو نقل أو حول مالا متحصلا من جرائم المدرات والمؤثرات العقلية أو جرائم الإبتزاز والسلب أو جرائم تزوير وتزييف وتقليد أوراق النقد والمسكوكات أو جرائم الإتجار غير المشروع في الإسلحة والذخائر والمتفجرات او جرائم متعلقة بحماية البيئة أو جرائم الإتجار في النساء أو الأطفال، متى كان القصد من ذلك إخفاء المصدر الحقيقي للمال وإظهار أن مصدره مشروع.

2.    العامل في المؤسسة المالية الذي يقوم بتسليم مبالغ نقدية أو أوراق مالية أو تحويلها أو إدخالها في معاملات مالية أو مصرفية، وكان على علم أو توافر لديه ما يحمله على الإعتقاد أنها متحصلة من إحدى الجرائم المنصوص عليها في البند السابق.

ويلاحظ أنه في السابق، كان أصحاب الأموال غير المشروعة يلجأون إلى كتابتها بأسماء أقاربهم لإبعادها عن يد القانون، ولكن التشريعات الحديثة جعلت من الممكن ملاحقة ثروات هؤلاء الأقارب للتأكد من مصادرها، وبالتالي كان الحل المطروح أمام أصحاب هذه الأموال، هو إدخالها في أنشطة مشروعة.

وتشير التقارير الدولية المتخصصة إلى أن عمليات غسل الأموال غير المشروعة تحدث الآن تقريبا في جميع دول العالم، وخصوصا تلك الدول التي تمر بعمليات إصلاح إقتصادي، للتحول إلى ما يعرف بإقتصاد السوق، أو التي تفتح أبوابها أمام الإستثمارات الأجنبية، دون اي ضوابط أو قيود ، تحول دون تسرب محترفي غسل الأموال الى أراضيها.

كما أن ثمة علاقة وطيدة بين عمليات غسل الأموال والفساد، والذي يعني سوء إستخدام المنصب العام لتحقيق غايات شخصية، حيث يتدرج الفساد من الرشوة إلى غسل الأموال، ويزداد ذلك في الدول النامية، لإفتقارها وجود منظمات غير حكومية، والتي تعد من أهم عوامل كشف الآثار الدولية النامية، لإفتقارها وجد منظمات غير حكومية، والتي تعد من أهم عوامل كشف الآثار السلبية للفساد، على خلاف الحال في الدول المتقدمة[4].

كما تشير التقارير إلى أن حجم الأموال المغسولة على نطاق العالم، يقدر بحوالي (750) مليار دولار سنويا، أي ما يعادل (5%) من إجمالي الناتج المجلي الإجمالي العالمي، وما يعادل (8%) من إجمالي حجم التجارة العالمية.

وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية رأس قائمة دول العالم في مجال غسل الأموال، حيث يصل حجم الأموال المغسولة فيها وحدها إلى ما يزيد عن (200) مليار دولار.

وهناك قوائم دولية تحدد أبرز وأخطر مراكز  غسل الاموال في العالم، وأهمها: إسرائيل، الفلبين، هونج كونج، الصين، الهند، أندونيسيا، بالإضافة إلى عدد كبير من الدول الصغيرة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث ينتشر الفساد وتجارة المخدرات، وتنعدم تقريبا كل أشكال الرقابة والقيود واللوائح التي يمكن أن تعرقل عمليات غسل الأموال.

2.  غسل الأموال أصبح أهم صور الجرائم المنظمة:


الجرائم المنظمة، هي الجرائم لا يرتكبها فاعل وحيد، وتصيب بالضرر الكبير أكثر من دولة نتيجة لتجاوز حدودها، وإستخدام القوة المادية والوسائل غير المشروعة، ونهب الأموال، والإبتزاز والخطف والتزييف والتزوير، والإتجار غير المشروع بالأسلحة والمخدرات والصفقات غير المشروعة، وغسل الأموال، وهي بذلك تتوافر بشأنها أوجه التماثل مع الجرائم الإرهابية، مما دفع مؤتمر الأمم المتحدة التاسع في مجال منع الجريمة والعدالة الجنائية إلى الربط فيما بينهما والدعوة إلى مكافحتهما، والتوصية بأن تدرج في جدول اعمال المؤتمر العاشر، تحت عنوان "الربط بين الجريمة المنظمة غير الوطنية وجرائم الإرهاب. [5].

فعملية غسل الأموال أصبحت ظاهرة عالمية، حيث تساعد المنظمات الإجرامية على إختراق وإفساد الهياكل الإقتصادية، والمؤسسات التجارية والمالية المشروعة للمجتمع، مما تؤدي إلى إهتزاز بنيانه المالي.

3.  إضرار عمليات غسل الأموال:


تؤدي عمليات غسل الأموال إلى تشجيع إرتكاب الجرائم بصفة عامة، وبخاصة تلك الجرائم الخطرة المدرة للأموال.

ولا يخفي وجود إرتباط بين الدخول المحققة في الإقتصاد الخفي وأنشطة الإرهاب المحلي والعالمي وتشجيع العنف ودعم القائمين بالعمليات الإرهابية ماديا، وإرتباط ذلك بعمليات غسل الأموال[6].

كما أن غسل الأموال يدخل ضمن مقومات الاقتصاد الخفي، بإعتباره مجموعة من الأنشطة التي تحقق دخلا لا يتم تسجيله رسميا ضمن حسابات الناتج القومي، أما لتعمد إخفائه تهربا من الإلتزامات القانونية المرتبطة بالكشف عن هذه الأنشطة، وإما بسبب أن هذه الأشطة المولدة لدخل بحكم طبيعتها، تعد مخالفة للقوانين السائدة في البلاد[7].

وتتمثل خطورة الإقتصاد الخفي، في أنه في حالة توظيف الأموال غير المشروعة في مجالات الإستثمارات المتعددة، وإن كان يؤدي إلى رفع معدلات النمو الإقتصادي وخلق فرص عمل جديدة، إلا أن الباعث الدافع لتوظيف أو  إستثمار هذه الأموال غير إقتصادي، بقدر ما هو متعلق بإخفاء حقيقة مصدرها أو الإحتماء من المطاردة القانونية لها[8].

كما أن المؤسسات المالية التي تمارس فيها عمليات غسل الأموال، تتأثر سمعتها المالية ومركزها الإقتصادي، الأمر الذي يؤدي انصرف العملاء عنها.

هذا فضلا عن أن من شأن هذه الجريمة زعزعة الثقة بهذه المؤسسات وعدم إستقرارها، حيث إن هذه الأموال عادة ما يتم نقلها منها بعد فترة إلى مكان آخر، لذا تعمل على بقائها أطول فترة ممكنة من الوقت لإستثمارها، ومع ذلك تفاجأ بإنتقال الاموال الى مكان آخر، ولذا فهي لا تتعامل مع مستثمر حقيقي[9].

ونظرا لهذه الآثار الإقتصادية، فإن جريمة غسل الأموال، تعد من قبيل الجرائم الإقتصادية بمعناها الواسع[10]. الذي يشمل الجرائم الموجهة ضد الذمة المالية والتي ترتكب أثناء مباشرة النشاط الإقتصادي أو لها علاقة بالنشاط الإقتصادي، ومنها الجرائم التي تسبب ضررا للإقتصاد الوطني مثل النقود أو السرقات أو الإختلاسات في المنشآت الإقتصادية.

وفضلا عن الآثار الإقتصادية لعمليات غسل الأموال، فإن لها آثارا إجتماعية، تتمثل في الإخلال بالعدالة في توزيع الدخول في المجتمع، حيث يحظى بعض العاملين في عمليات غسل الأموال، مثل السماسرة والوسطاء وتجار الأراضي والعقارات، بإرتفاع كبير في مستويات دخولهم، في الوقت الذي يضار فيه أصحاب الدخول الثابتة، مما يؤدي إلى صعود بعض الفئات من أصحاب الدخول غير المشروعة إلى أعلى درجات السلم الإجتماعي، بسبب زيادة الدخل والثروة، في الوقت الذي يتضاءل المركز النسبي للفئات المتوسطة والفقيرة في الدخل[11].




4.  خطة البحث:

يشتمل البحث على خمسة مباحث وخاتمة:

-         المبحث الأول :  تجريم عمليات غسل الأموال.
-         المبحث الثاني : التزام البنوك بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة.
-         المبحث الثالث :  جزاء الإخلاء بواجب الإبلاغ ووسائل مساعدة البنوك في القيام به.
-         المبحث الرابع :  عدم المسؤولية الجنائية بسبب الإبلاغ.
-         المبحث الخامس : المسؤولية المدنية عن الخطأ في الإبلاغ بين القواعد العامة وقوانين مكافحة غسل الأموال.



المبحث الأول
تجريم عمليات غسل الأموال

5.  تجريم عمليات غسل الأموال في الإتفاقيات الدولية:

تعتبر عمليات غسل الأموال من المشكلات المستحدثة التي أهتمت بها الإتفاقيات الدولية[12]. منها إتفاقية بالرم، التي تم التوقيع عليها في 21 ديسمبر 1988 من عدة دول هي:  الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، انجلترا، المانيا، كندا، فرنسا، السويد، هولندا، بلجيكا، لكسمبورج، سويسرا، كما وقعت عليها منظمة السوق الأوروبية المشتركة، حيث هدفت هذه الإتفاقية إلى رغبة الدول الموقعة في الحفاظ على سمعة المؤسسات البنكية من ممارسات مرتبطة بالمجرمين، وقد تضمنت الإتفاقية مجموعة من المبادئ تهدف جميعها إلى إبعاد البنوك عن أية أنشطة ذات طبيعة إجرامية[13].

وفي عام 1988م، عقد في فيينا مؤتمر الأمم المتحدة خلال شهري نوفمبر وديسمبر لمكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، وعلى أثره وضعت لجنة بازل في نهاية ذلك العام، مبادئ عامة  تم إتفاق الدول الأعضاء عليها، وهذه المبادئ هي[14].

1.      التعرف بطريقة صحيحة على هوية كل الأشخاص الذي يتعاملون بالتجارة مع البنك.
2.      قيام البنك بعمله بما يتفق مع المعايير الأخلاقية.
3.      التعاون مع السلطات القائمة على تطبيق القانون، مثل الشرطة، في حدود القوانين النافذة.
4.      تدريب الموظفين في جميع المجالات المتعلقة بمحاربة التجارة غير المشروعة في المخدرات.

كما تم توقيع إتفاقية إستراسبورج، من قبل الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي في 87 نوفمبر 1990م، وتتعلق هذه الإتفاقية بمكافحة غسل الأموال.

وبمقتضى هذه الإتفاقية، تلزم الدول الموقعة بتجريم الأفعال التي تنطوي على تبديل أو تحويل أو إخفاء الأموال الناشئة عن الجريمة أو التعتيم عليها، كما تلزم هذه الدول بتجريم إكتساب هذه الأموال أو حيازتها أو إستعمالها أو المساهمة أو الإشتراك في أي من هذه الافعال.

كما أن هناك توصيات لفريق عمل الإجراءات المالية بصدد غسل الأموال المنبثق عن إجتماع قادة الدول الصناعية الكبرى (G7)، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، انجلترا، كندا اليابان، إيطاليا، فرنسا، المانيا، والمنعقد في باريس 1989م، وهي مجموعة حكومية خاصة بوضع السياسات لمكافحة غسل الأموال، وبخاصة تلك المستمدة من الإتجار غير المشروع في المخدرات، وقد أقرت هذه المجموعة (FATF) في عامها الاول 1990م، أربعين توصية، يجب على أعضائها مراعاتها عند تطبيق التدابير الوطنية في مكافحة غسل الأموال، سواء أكان ذلك على النطاق الوطني، أم في المجال الدولي، وسأذكر بعض هذه التوصيات التي تتعلق بالبحث في موضعها.




وبالمثل أوصى المؤتمر التاسع للأمم المتحدة في مجال منع الجريمة سنة 1995م الدول الأعضاء، مواصلة التعاون فيما بين قطاعاتها الوطنية المعنية بمعنى الجريمة والعدالة الجنائية، بإتخاذ الإجراءات الفعالة لمكافحة الجرائم المنظمة غير الوطنية وجرائم الإرهاب والعنف في المناطق الحضرية، والإتجار غير المشروع في المخدرات، والأسلحة والأتجار الدولي في القصر، وتهريب الأجانب، والجرائم الإقتصادية والبيئية، وغسل الأموال، وتزييف العملات، وإرساء نظام متبادل لتسليم المجرمين، مع مراعاة حقوق المتهمين ومصالح القضايا[15].

كما عقد مؤتمر المخدرات وغسيل الأموال، في الولايات المتحدة الأمريكية، خلا الفترة من 20 – 22 فبراير 1997م، بمدينة ميامي الأمريكية وقد ركز المؤتمر على الوسائل الفعالة لمحاربة غسل الأموال وظهرت في هذا الصدد ثلاث طرق:

1.      سياسة إعراف عميلك، والتي تقضي بأن على المؤسسات المالية أن تدقق في عملائها والتحقق عما إذا كان أي منهم يحصل على أموال طائلة لا تتناسب مع وظيفته أو التجارة التي يقوم بها.
2.      سياسة أو مبدأ الإخطار عن العمليات المشبوهة suspicious activities فكل عملية أو نشاط مشبوه يكتشف نتيجة إتباع المبدأ السابق يجب الإبلاغ عنه should be reported، ورصد هذه النشاطات، وإبلاغ السلطات القضائية المختصة للتحقق فيها.
3.      التعاون الوثيق بين الدول، سواء من خالال معاهدات جماعية أو ثنائية، وإصدار تشريعات تساعد وتحفز على الكشف عن هذه الجرائم[16].

كما أوصت مجموعة السبع – والتي أصبحت الآن مجموعة الثمانية[17] في إجتماعها الأخير في شهر مايو 1998م بإتخاذ إجراء الكارت الأصفر، في مواجهة الدول التي يؤخذ عليها التورط أو المشاركة في تسهيل عمليات غسل الأموال.

وقد أصدر مجلس الأمن في سنة 2001م، توصية برقم 1373 تتضمن أن تراقب المؤسسات المالية في الدول المختلفة العمليات التي يشتبه في أنها تجري لتمويل الإرهاب وذلك بهدف تجفيف منابعه.

وأخيرا، أكد بيان ختام اجتماعات مؤتمر رؤساء اجهزة مكافحة المخدرات في الدول العربية، والذي انعقد في تونس، وانتهى يوم 13 يوليه 2002 م إلى تعزيز تبادل المعلومات بين اجهزتهم والقطاعين المصرفي والتجاري فيما يتعلق بغسل الأموال المتأتية من الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، من أجل زيادة التعاون في التحقيق في هذه الجرائم والنجاح في الملاحقة القانونية لمرتكبيها.

كما أوصى البيان الصادر عن الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، التي عقد المؤتمر في إطار انشطتها بالموافقة على مشروع القانون العربي النموذجي الإسترشادي لمكافحة غسل الاموال، والذي يستهدف تعزيز سبل وإجراءات مكافحة غسل الأموال المتأتية من أعمال غير مشروعة غير مشروعة، وخاصة من الإتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية[18].

6.  تجريم عمليات غسل الأموال في القانون المقارن:

إستجابت العديد من الدول، لتوصيات المؤتمرات الدولية، فأصدرت تشريعات تجريم عمليات غسل الأموال، فأصدرت انجلترا قانون جرائم الإتجار في المخدرات سنة 1986 م، وذلك قبل عقد إتفاقية فيينا سنة 1988، نظرا لتضررها من تجارة المخدرات[19].

وفي الولايات المتحدة صدر عام 1986، قانونا لمكافحة غسل الأموال، ثم إدراجهما ضمن الباب الثامن عشر من المجموعة التي تشتمل على القوانين الجنائية الإتحادية، والقانون الأول، تضنه الفصل رقم 1956 ويتعلق "بغسل الأموال القذرة بإستخدام العمليات المالية"  والقانون الثاني، تضمنه الفصل رقم 1957، ويخص "غسل الأموال القذرة بواسطة المؤسسات المالية".

وفي عام 1994م، صدر القانون الذي عرف بـ Money Laundering Suppression وهو قانون محاربة غسل الأموال، وبموجبه اصبحت جميع المؤسسا، سواء البنوك او غيرها مجبرة على إخبار Fincen[20]. عن أية حركة مشبوهة للاموال، وعمل تقارير تتناول حركة المبالغ الكبيرة وتنظيم البيانات[21].

وفي اليابان،  دأبت وزارة المالية منذ أكتوبر 1990م، على توجيه الإرشادات للبنوك، إلى ضرورة التأكد من هوية أي شخص يفتح حسابا جديدا أو يحول مبالغ كبيرة، كما سنت عدة قوانين جديدة من شهر يوليو 1992م ، بخصوص غسل الأموال، بموجبها تم إلزام البنوك والمؤسسات المالية، بتزويد وزارة المالية عبر القنوات المختصة بالمعلومات المتعلقة بالحركات المشتبه بها تحت إشراف المسؤولين، كما تم تجريم عمليات غسل الأموال المتأتية من تجارة المخدرات، ووضع إجراءات تهدف إلى تطوير التعاون القضائي بين الدول[22].

كما واجه المشرع الإيطالي ظاهرة غسل الأموال بنصوص جنائية، تمثلت في إعتبار هذا السلوك ظرفا مشددا لبعض الجرائم وفي احيان أخرى، في العقاب على غسل الاموال الناشئة عن جرائم معينة، أو في العقاب على غسل الأموال الناشئة عن اية جريمة، وذلك طبقا للمادة 416 مكررا من قانون العقوبات، والتي تم تعديلها بقانون مكافحة المافيا رقم 82-646.

والقانون رقم (55)  الصادر في 19 مارس 1990م، والذي تم تكملته الصادر في 3 مايو 1991م، حيث تضمن مجموعة من القواعد التي يتعين أن تلتزم بها المؤسسات المالية، وذلك للوقاية من حدوث غسل الأموال إبتداء عن طريقها، وفرض جزاءات جنائية عند مخالفتها، وفي عام 1993 م وصع قانون العقوبات الإيطالي من نطاق جرائم غسل الأموال ليشمل "كل الأنشطة الجنائية الدولية"[23].

وفي لوكسمبورج، صدر قانون تجريم غسل الأموال الناتجة عن الإتجار في المخدرات، في 7 يوليه 1989، ثم أضيف إليه قانون 17 مار س 1992، والذي نص على العديد من الظروف المشجددة لهذه الجريمة، وطبقا لقانون 11 أغسطس 1998، نص قانون العقوبات على جريمة غسل الاموال الناتجة من أية جناية أو جنحة (م 324)[24].

وفي سويسرا، جرم المشرع غل الأموال الناشئة عن أية جريمة مهما كانت طبيعتها، طبقا للمادتين (305)  مكررا، (305) مكررا (م) من قانون العقوبات، والتي أضيفتا بالقانون الصادر في 23 مارس 1990م، والتين دخلتا حيز النفاذ منذ أول أغسطس 1990م.

وفي أول أغسطس 1990، أصدرت سويسرا قانونا يلزم البنوك وموظفيها بتوخي الحيطة والحذر اللازمين عند فتح حساب للعميل ومعرفة أسمه وموطنه.

وقد نص المشرع الألماني على تجريم غسل الأموال، بالمادة (261) من قانون العقوبات، التي أضيفت بالقانون الصادر في 15 يوليه 1992م، والذي أطلق عليه أسم "قانون مكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات وغيرها من صور الجريمة المنظمة"، والمعدل بقانون غسل الأموال الصادر في 25 أكتوبر 1993م" ، وقانون مكافحة الجرائم الصادرة في 28 أكتوبر سنة 1994م. [25].

أما المشرع الفرنسي، فقد جرم غسل الأموال الناتجة عن الإتجار في المخدرات (المادة 222- 38 من قانون العقوبات، المعدلة بالقانون الصادر في 13 مايو 1996).

كما جرم غسل الأموال الناتجة عن إحدى الجرائم الجمركية (م 415 من قانون الجمارك)، أو الناتجة عن أعمال الدعارة أو القودة (م 225 – 6 من قانون العقوبات).

وقد أدخل المشرع الفرنسي التجريم العامل لغسل الأموال في قانون العقوبات الفرنسي، بالقانون رقم 96 – 392 الصادر في 13 مايو 1996، وأطلق عليه قانون مكافحة غسل الأموال في المخدرات والتعاون الدولي في مجال ضبط ومصادرة متحصلات الجريمة"[26].

ومن قبل، صدر القانون رقم 90 – 614، في 12 يوليه 1990، والمعدل بالقانون رقم 98-546 الصادر في 2 يوليه 1998، "والذي يتعلق بمساهمة المؤسسات المالية في المكافحة ضد غسل الأموال الناتجة عن الإتجار في المخدرات"[27].

وبالمثل، صدر في كل من بلجيكا، ورومانيا، وإسبانيا، وسلوفانيا، قانون لمكافحة غسل الأموال[28].




وفي لبنان، صدر قانون مكافحة تبييض الأموال، رقم 318 بتاريخ 20 إبريل 2001م، وفي الكويت، صدر القانون رقم 35 لسنة 2002، بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال، ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 26 مارس 2002م، وكان قد تم إعداد هذا القانون طبقا لكافة المعايير والتوصيات الدولية الخاصة بمكافحة عمليات غسل الأموال.

وكان البنك المركزي الكويتي قد تصدى لظاهرة غسل الأموال منذ عام 1991م، حيث انتهت الدراسات التي قام بها إلى إصدار تعليمات في هذا الخصوص خلال عام 1993 م إلى كافة الوحدات الخاضعة لرقابته، كما تم تحديث هذه التعليمات خلال عامي 1997-1998م[29].

وقد عدل المشرع المصري عن خطته في عدم إفراد غسل الأموال بنصوص خاصة للتجريم، إكتفاء بالنصوص العامة التي تنال بالعقاب صورا عديدة من غسل الأموال، فأصدر القانون رقم 80 لسنة 2002 في 12 مايو 2002م لمكافحة غسل الأموال، فأصدر القانون رقم 80 لسنة 2002 في 12 مايو 2002م لمكافحة غسل الأموال، لرفع إسم مصر من قائمة الدول غير المتعاونة في محاربة غسل الأموال، بعد أن أدرجت عام 1998م في هذه القائمة، بسبب عدم وجود قانون خاص لديها يحارب هذه الجريمة، ولمواجهة النقص التشريعي لمحاربة غسل الأموال[30].

وفي قطر، صدر القانون رقم 28 لسنة 2002ن في 3 رجب 1423هـ ، 10 سبتمبر 2002م، لمكافحة غسل الأموال، والذي نص على العمل به بعد ستين يوما من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية (م 21).

وثمة دول في سبيل إصدار قانون لمكافحة غسل الأموال، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، حيث أكد وزير المالية والإقتصاد الوطني السعودي أن هناك جهودا لصياغة نظام متكامل لمكافحة غسل الأموال، بالإستناد على توصيات الاربعين الصادرة عن لجنة العمل المالي الدولي لمحاربة غسل الأموال، سيتم رفعه إلى مجلس الوزراء لاحقا"[31].

وثمة دول أخرى لم تصدر ولم تعد بعد قانونا لمكافحة غسل الأموال، كالأردن التي لم تبرز لديها هذه الظاهرة، لوجود رقابة فعالة ومحكمة من قبل أجهزة البنك المركزي، غير أنه لما كان هذا لا يمنع من إمكانية حدوث هذه الجريمة وتسلل أموال ملوثة لمصارفها، فإنه يجب إصدار قوانين خاصة لمحاربة عمليات غسل الأموال[32].

وقد إستجاب المشرع الأردني لجزء يسير من هذا الطلب، حيث نص في قانون البنوك الجديد رقم 28 لسنة 2000م، على ضرورة إعلام البنك المركزي في حالة وجود أية شكوى أو مخاوف من عملية غسل أموال، أو عملية تتعلق بأية جريمة أخرى، ويتولى البنك المركزي حال علمه، سواء عن طريق البنك أو غيره، إصدار أمر بوقف العملية وإعلام الجهات الرسمية أو القضائية، وإعفاء البنك المركزي من إفشاء السر المصرفي[33].

ومع ذلك، فإن مادتين في قانون البنوك، لا تكفي لمعالجة غسل الأموال، خاصة مع عدم تجريم هذا الفعل. [34].

7.  غسل الأموال ينصب على المال المحرم لغيره شرعا:

أسباب التملك المشروعة، المعاوضات المالية والأمهار، والخلع والميراث والهبات والصدقات والوصايا والوقوف والغنيمة والإستلاء على المباح والأحياء، وتملك اللقطة بشرطه، وديه القتيل والغرة، والغاصب إذا فعل بالمغصوب شيئا أزال به اسمه وعظم منافعه، ملكه إذا خلط المثلي بمثلي، بحيث لا يتميز ملكه[35].  وما عدا ذلك من أسباب التملك، يكون محرما والمحرم ما حرم فعله[36]. وقيل ما منع من فعله ويذم شرعا فاعله[37].

ويسمى الحرام ايضا معصية وذنبا وقبيحا ومزجورا عنه ومتوعدا عليه من الشرع[38].  وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن كل كسب للمال بطريق غير مشروع، بقوله سبحانه: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون"[39].

والمعنى:  لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق ، ويدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه، كمهر البغي وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك[40].

وقوله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلو انفسكم إن الله كان بكم رحيما"[41].

والمعنى:  لا تهلكوا أنفسكم بإرتكاب الآثام، بأكل أموال الناس بالباطل، وهو كل ما يخالف الشرع، وغيره من المعاصي التي تستحقون بها العقاب، ومن رحمته سبحانه بعباده، نهيهم عن أكل الحرام وإهلاك الأنفس. [42].

والمال الحرام، هو كل مال حرم الشارع على المسلم حيازته وتملكه، ولا يدخل في ملك المسلم يسيرا كان أو كثيرا[43].

وهو إما مال محرم لذاته، وهو ما كان حراما في أصله ووصفه، أي ما حرمه الشرع بسبب قائم في عين المحرم، ولا ينفك عنه بحال من الأحوال، لما إشتمل عليه من ضرر أو خبث أو قذاره[44].

وإما مال محرم لغيره، هو كل مال حرمه الشرع لوصفه دون أصله، حيث جاءت حرمته من أمر خارجي منفك عن ذاته، وهو السبب الطارئ الذي أثر في وصفه ولم يؤثر في أصله وماهيته، فهو في ذاته حلال، وإنما أصبح حراما لإكتساب ملكه أو حيازته بطريق غير مشروع، وهو ما يطلق عليه بعض الفقهاء "المال المحرم بسببه".

فقد جاء في الذخيرة[45]:  قاعدة: كل محرم إما لأجل وصفه كالخمر او سببه كالبر المغصوب، وكل ما حرم بوصفه فلا يحل إلا بسببه كالميته مع الضرورة، وكل ما حل بوصفه فلا يحرم إلا بسببه".

كما أطلق عليه بعض آخر من الفقهاء "المال الحرام لكسبه"، فقد قال إبن تيمية "إن الحرام نوعان: حرام لوصفة كالميته والدم ولحم الخنزير، فهذا إذا اختلط بالماء والمائع وغيره من الأطعمة، وغير طعمه أو لونه أو ريحه، حرمه، وإن لم يغير ففيه نزاع، ليس هذا موضعه، والثاني: الحرام لكسبه، كالمأخوذ غصبا أو بعقد فاسد"[46].

ويلاحظ أن عملية غسل الأموال تنصب على المال المحرم لغيره، فهو في ذاته مال حلال، وإنما حرم لإكتسابه بطريق محرم، كالربا والرشوه والقمار والإحتكار والغصب والسرقة وثمن الخمر ونحو ذلك ويريد صاحبه بعملية غسله تغيير صفته حتى يكون مالا حلالا.

أما المال المحرم لذاته، فلا يرد عليه عملية غسل الأموال، لأنه ليس مالا محترما مقوما، كالخمر والميتة ونحو ذلك.  إذ المال ا لمتقوم، هو المال المباح الإنتفاع به شرعا[47].

ولذا يقضي غسل هذا المال، التصرف فيه أولا، على خلاف أحكام الشرع الذي يحظر التصرف في هذا المال غير المتقوم – ببيع ونحوه، وعندئذ يكون ثمنه مال محرم بسبب  غيره، وهو إكتسابه بطريق غير مشروع.

8.  غسل المال الحرام لا يغير من صفته:

لا تغير عملية غسل المال من صفته، بإعتباره مال حرام، أخذ بطريق لا يقره الشرع ولا يقبله القانون، لأن عملية الغسل، لا تعدو أن تكون حيلة آثمة تتمثل في تغيير صورة المال مع بقاء حقيقته.

والحيلة نوع مخصوص من التصرف والعمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال، ثم غلب عليها بالعرف إستعالها في الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه، بحيث لا ينفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة[48].

وبهذا يشتمل التحيل على مقدمتين:  إحداهما قلب أحكام الأفعال بعضها إلى بعض في ظاهر الأمر، والأخرى جعل الأفعال المقصود بها في الشرع معان، وسائل إلى قلب تلك الأحكام[49].

وكما حرم الإسلام كل ما يفضي إلى المحرمات من وسائل ظاهرة، حرم التحايل على إرتكابها بالوسائل الخفية، والحيل التي تقوم على المكر والخداع.

ولذلك، كان للوسائل أحكام المقاصد، فالوسيلة غلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد هي أرذل الوسائل، وغلى ما هو متوسط متوسطه[50].

وكلما سقط إعتبار القصد سقط إعتبار الوسيلة[51]، لأن المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، ولهذا كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبره بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في المنع منها، بحسب إفضائها  إلى غاياتها وإرتباطها بها، كما أن وسائل الطاعات والقربات في الإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل[52].

وتطبيقا للقاعدة الشرعية:  "الأمور بمقاصدها" فإن الشيء الواحد يتصف بالحل والحرمة بإعتبار ما قصد له[53].

ولما كان غسل الأموال، لا يعدو أن يكون وسيلة لمقصد سيء، وهو إصباغ وصف المال الحلال على المال الحرام، فإنه يجب إعتبار هذا القصد، لتكييف تصرف غسل المال، ولا يكفي أن تكون الوسيلة مشروعة في ذاتها، ولذلك يظل المال الحرام موصوفا بذلك، حتى وإن إحتال مالكه لتغيير هذا الوصف بغسله، لما هو مقرر من بطلان كل حيله يحتال بها المتوسل إلى المحرم، فإنه لا يتغير حكمه بتغيير هيئته وتبديل أسمه[54]، ومن أنه لا عبرة بتغيير الأسم إذا بقي المسمى، ولا يتغيير الصورة إذا بقيت الحقيقة[55].

ويعلل إبن القيم هذا الحكم بقوله: " ولو أوجب تبديل الأسماء والصور تبدل الأحكام والحقائق، ولفسدت الديانات وبدلت الشرائع وإضمحل الإسلام"[56].

ومما يؤكد هذا الحكم الشرعي، أن حكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، وهذا أمر متفق عليه بين الفقهاء في الأموال والأبدان إجماعا، وفي غيرها أيضا، خلافا لأبي حنيفة في عقد النكاح وحله، فقد قالوا بأن حكم القاضي للمقضي له بالمال الذي في يدي المقضي عليه من العقار او العروض والديون، لا يبيح له أخذه فيما بينه وبين الله تعالى، وأن حكمه في الظاهر كهو في الباطن، فإنه لا يحل له أخذه، إذا كان عالما بأن القاضي قضى له بالباطل على هذا الخلاف[57]. كما إذا شهد شاهد زور لإنسان بمال فحكم به الحاكم، لم يحل للمحكوم له ذلك المال[58].

والدليل على ذلك، ما روى عن أم سلمة قالت:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  "إنكم تختصمون  إلي ولعل بعضكم أ، يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قطعت له من حق اخية شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطع من النار[59].

يقول الإمام أبن حزم[60]:  "إذا كان حكمه عليه الصلاة والسلام وقضاؤه لا يحل ما كان حراما، فكيف القول في قضاء أحد بعده، ونعوذ بالله تعالى من الخذلان".

كما يقول الإمام السندي، نقلا عن الشيخ تقي الدين السبكي، أن قوله – صلى الله عليه وسلم: "فمن قضيت له من حق أخية بشيء ..... "قضية شرطية، لا يستدعي وجودها، بل معناها بيان أن ذلك جائز، ولم يثبت لنا قط أنه – صلى الله عليه وسلم – حكم بحكم ثم بان خلافه، لا بسبب تبين حجة ولا يغيرها، وقد صان الله تعالى أحكام نبيه عن ذلك، مع أنه لو وقع لم يكن فيه محذور[61].

هذا ولا يجوز قياس المال الذي يخضع لعمليات غسل، على بعض الأعيان إذا تغيرت من حال إلى حال، حيث يختلف فيها الحكم الشرعي، كالخمر إذا تخللت أصبحت جائزة الإستعمال لتحولها خلا[62].  ووجه عدم صحة القياس، أن الأعيان يكون تغيرها جذريا أي تغيرا ماديا يتعلق بجوهر المادة ووصفها، لأن بتحول السائل المسكر إلى خل، يكون قد تحول جوهره بالكامل إلى مادة جديدة، ولم يعد يسمى خمرا[63]، وهذا لا يتحقق في المال الذي تم غسله، لأن المال جوهره واحد، لا يطرأ عليه أي تبديل أو تغيير،  إذ الحرمة فيه منفكة عن ذاته، لا تختص بحقيقته جوهره، لذا لا يكون المال الحرام بعد غسله مالا حلالا[64].

لما كان ذلك، فإن المال الحرام، سواء خضع لعمليات الغسل أو لا، يجب صرفه في المصالح العامة للأمة الإسلامية، متى لم يعرف صاحب الحق فيه، وإلا وجب رده إلى صاحبه.

9.  غسل المال الحرام يعد جريمة تعزيرية:

إذا كان الكسب نتيجة عمل غير مشروع، كالجرم والغضب ونحوهما، فهذا العمل بداية مصدر التزام وضمان، بسبب الإثراء غير المشروع[65].

وفضلا عن الضمان، فإن الشخص إذا لجأ إلى الغش والخداع والحيل، على نحو يضر بالغير كان مستحقا لعقوبة تعزيرية، لأن التعزير يكون في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.  فإذا ترك إنسان ما يجب عليه أن يفعله أو إرتكب ما هو محرم عليه، فإنه يكون بذلك قد إقترف معصية تستوجب التعزير، إذا لم تكن هناك عقوبة مقدرة[66].

ولما كان غسل الأموال محرم شرعا، لما فيه من غش وخداع وحيل، وإضرار بالمصالح العامة، فإن منن يقترف هذا السلوك يعاقب بالعقوبة التعزيرية الرادعة.

المبحث الثاني
التزام البنوك بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة

10.  التعريف بالإبلاغ:

الإبلاغ: هو الإيصال، وكذلك التبليغ، والإسم منه البلاغ، مأخوذ من بلغ الشيء يبلغ بلوغا، وبلاغا وصل وإنتهى، وأبلغه هو إبلاغا، وبلغه تبليغا، وتبلغ بالشيء وصل غلى مراده[67].

ويطلق شراح القانون، البلاغ على الإجراء الذي يصدر من شخص لا هو بمرتكب الجريمة، ولا هو بالمجني عليه فيها، ويتضمن إحاطة السلطة المختصة علما بوقوع جريمة من الجرائم التي لا يتوقف فيها مباشرة النيابة العامة لإجراءات اقتضاء حق الدولة في العقاب على شكوى أو طلب[68].

والبلاغ بهذا المعنى يتفق مع الشكوى، في أن كلا منهما إخطار في شأن جريمة إرتكبت، يقدم إلى مأمور الضبط القضائي أو إلى النيابة العامة، فلم يتطلب القانون شروطا معينة من حيث الشكل فيهما[69].

بينما يختلفان في أن البلاغ إخطار بالجريمة يقدمه أي شخص دون توافر صفة خاصة فيه، أما الشكوى فإخطار بالجريمة يقدمه المجني عليه.

ولا يستهدف المبلغ ببلاغة ترتيب اثار قانونية معينة، لذا فهو لا يعدون أن يكون إعلانا أو إخبارا أو إفصاحا عن علم، وهو حق شخصي عام مخول للكافة، فيقبل من المواطن والأجنبي، ومن البالغ والقاصر، كما لا يشترط في المبلغ أن يكون متمتعا بقواه العقلية.

ولا يختلف معنى البلاغ في الفقه الإسلامي عنه في القانون الوضعي، إذ أن جوهره هو الإخبار وهو الإتيان بالخبر والخبر هو ما أتاك من نبأ عمن تستخبر[70].

والخبر منه ما هو رواية محضة، ومنه ما هو شهادة محضة، والمشترك بين الإخبار والشهادة.

وقد وضح الإمام إبن الشاط، الفرق بين الشهادة والرواية بقوله[71]:  "... إن الخبر إما أن يقصد به أن يترتب عليه فصل قضاء وإبرام حكم وإمضاء أو لا، فإن قصد به ذلك، فهو الشهادة، وإن لم يقصد به ذلك، فإما أن يقصد به ترتب دليل حكم شرعي أو لا، فإن قصد به ذلك فهو الرواية، وإلا فهو سائر انواع الخبر، ولا حاجة بنا إلى بيان تفاصيلها، لأن المقصود إنما هو بيان ما يجوز في إصطلاح الفقهاء والأصوليين وإعتباراتهم، ودليل صحة إعتبار القيد المذكور، أن المخبر بأن لزيد قبل عمرو دينارا غير قاصد بذلك الخبر أن يترتب عليه فصل قضاء، لا يسمى في عرف الفقهاء والأصوليين شاهدا على جهة الحقيقة، بل يسمى مخبرا، وكذلك المخبر عن الأمور الواقعة التي يستفاد منها تعريف دليل حكم شرعي، لا يسمى عندهم على جهة الحقيقة روايا، وإن سمي كما في الأقاصيص ونحوها، فهو مجاز من جهة أنهم لا يشترطون فيه من صفات الرواة ما يشترطون في رواة تعريف أدلة الأحكام".

يتضح من هذا النص، أن المبلغ عن جريمة ما، لا يعد شاهدا حيث لا يقصد من وراء بلاغه فصل قضاء وإبرام حكم وإمضائه، وإنما يريد إخبار السلطات العامة بها، كي تتحقق منها وتتخذ ما تراه مناسبا بشأنها.

هذا فضلا عن أنه يشترط في الشاهد – بصدد بعض الجرائم – شروطا معينة من ذكورة وعدالة وعدد ....، وهو ما لا يشترط في المبلغ، إذ يقبل البلاغ من الواحد والمرأة والعبد[72].

11.  الإبلاغ عن  الجريمة بين الحق والواجب في القانون المقارن:

الإبلاغ عن الجريمة إما أن يكون رخصة أي حقا، وهذا هو الأصل العام، فهو رخصة لكل من علم من الأفراد بوقوع جريمة، فيجوز تقديمه إلى أحد مأموري الضبط القضائي[73]، وقد يكون الإبلاغ واجبا على الأفراد في بعض الجرائم[74].

ويكون الإخلال بهذا الواجب جنحة معاقبا عليها، وذلك في الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الداخل والخارج[75].

كما يكون الإبلاغ واجبا في بعض التشريعات على من علم بوقوع جناية أو بوجود مشروع لإرتكاب جناية، مما يجوز إتخاذ إجراءات جنائية بشأنها دون شكوى المجني عليه[76].

كما يلتزم الموظف العمومي أو المكلف بخدمة عامة، بالإبلاغ بوقوع أية جريمة أتيح له ان يعلم بها أثناء تأدية عمله أو بسببها[77].

وتختلف التشريعات في نوع الجزاء الذي يوقع على الموظف الذي يخل بهذا الواجب فبعضها يقرر له جزاء جنائيا[78]، وبعضها لم يقرر له جزاء جنائي، إكتفاء بالجزاء التأديبي[79].

وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية، من أن إمتناع الموظف أو المكلف بخدمة عامة عن أداء واجب التبليغ عن جريمة، يعتبر إخلالا خطيرا بواجبات الوظيفة[80].

12.  الإبلاغ عن الجريمة واجب على كل مسلم قادر في الفقه الإسلامي:

الإبلاغ عن الجرائم يدخل في النهي عن المنكر، لذا فهو واجب على كل مسلم قادر على القيام به إلا إذا رجح جانب الستر على مسلم غير معروف بالفجور، إرتكب حدا من الحدود الخالصة لله تعالى[81]، ويقول الله تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"[82].

فالناس لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة، إلا بالإجماع والتعاون والتناصر فالتعاون على جلب منافعهم، والتناصر لدفع مضارهم[83].

ولما كانت الجرائم تضر بالمجتمع وبإستقراره، فإنه يجب أن يشترك أفراده في مكافحتها، وذلك بالإبلاغ عنها، وتوجيه الدعوى الجنائية لإحكام الرقابة من كل جانب[84].  إذ لو تركنا الجناة يفعلون ما يشتهون، لانتشرت الىثام في الجماعة، وشاعت المنكرات في الأمة، ونحن مسؤولون عن طهارة المجتمع وصلاحه وإستقامته[85].

13.  تدعيم دور المؤسسات المالية في مجال الكشف عن جرائم غسل الأموال، في الإتفاقيات الدولية والقانون المقارن:

إتجهت الإتفاقيات الدولية نحو تدعيم دور المؤسسات المالية في مجال الكشف عن جرائم غسل الأموال، بوجوب إبلاغها عن العمليات المالية التي تزيد قيمتها عن مبلغ معين، أو تثور شبهات حول صلتها بأنشطة غسل الاموال، سواء أكانت هذه المؤسسات المالية مصرفية أم غير مصرفية.

فقد جاء في التوصية 15 من التوصيات الأربعين لمجموعة (FATF) الخاصة بوضع السياسات لمكافحة غسل الأموال، "إذا إشتبهت المؤسسات المالية في أن أموالا ناتجة من نشاط إجرامي، يجب عليها أن تبلغ عنها فورا السلطات المختصة وعن شكوكها فيها".

كما بحثت لجنة الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات في إجتماعها في الفترة من 14 – 23 مارس 1995م في النمسا، التدابير الكفيلة بتعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة إساءة إستخدام المخدرات، ومن ضمنها موضوع غسل الأموال، وكان قرارها في هذا الموضوع، ضرورة الإبلاغ عن الصفقات المشبوهة أو الغريبة إلى وحدة مركزية للتحليل المالي، يتم إنشاؤها في كل دولة على حدة، مع تطوير الإتصالات الفعالة فيما بين أجهزة تنفيذ القوانين من أجل سهولة تحريات انشطة غسل  الأموال، وإحالة من يقوم بها إلى القضاء، وأهمية تشجيع الدول الأعضاء على الإبلاغ عن الصفقات[86].

وقد التزمت التشريعات بهذا القرا، ونصت عليه صراحة، فيما عدا قانون البنوك السويسري، طبقا لآخر تعيدلاته سنة 1993م حيث جعل للبنوك الحق في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة.

بيد أنه يلاحظ أنه وإن لم يصل الأمر بالإبلاغ إلى حد الوجوب في القانون السويسري، فإن البنوك عندما تقدر عدم الإبلاغ التطوعي، يجب عليها عدم تقديم أية مساعدة للعميل وعدم التعامل معه وغلق حساباته. [87].

بينما أخذت باقي التشريعات بوجوب إبلاغ المؤسسات المالية عن العمليات المالية المشبوهة.

فقد أوجب قانون العقوبات الألماني (م 621) على المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية، وكذلك الأشخاص الطبيعيين والمعنويين العاملين بالمهن المالية، كرجال الأعمال والصيارفة وغيرهم، إبلاغ السلطات المختصة بالعمليات المالية المشبوهة[88].

ويعد هذا خروجا من المشرع الألماني على المبدأ الذي يسير عليه، من عدم الإلتزام بالإبلاغ عن الجرائم، بإستثناء ما نصت عليه المادة 138 من قانون العقوبات، والتي تعاقب على الإمتناع عن الإبلاغ عن جرائم محددة.

كما أوجب قانون مكافحة الإتجار في المخدرات البريطاني الصادر سنة 1986 م على البنوك وغيرها من المؤسسات المالية المخاطبة بأحكامه، الإلتزام بالإبلاغ عن أية عمليات مالية مشبوهة، الأمر الذي يجب معه على العاملين بالمؤسسات المالية، إبلاغ مسؤول مكافحة غسل الأموال، بالبنك او بالمؤسسة، عن اية عمليات مالية تحيط بها شبهات، تدفع إلى الإعتقاد بعدم مشروعيتها، وذلك من خلال إستيفاء النموذج المعد لذلك، ويتولى هذا المسؤول بدوره – إخطار "الوحدة الوطنية لإستخبارات المخدرات "National Drug intelligence Unit"، بهذه البلاغات بعد فحصها وإبداء الرأي بشأنها[89].

وقد أوجب القانون الإيطالي الصادر في 3 مايو 1991م والمتعلق بمنع إستخدام المؤسسات المالية في غسل الأموال، على المؤسسات المالية والوسطاء الماليين الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يوجب قانون سرية الحسابات المصرفية الصادر سنة 1992م، على المؤسسات المالية الخاضعة لأحكامه، وتشمل البنوك، وشركات السمسرة والإدخار والتأمين، ومكاتب المحاسبة والمراجعة التي تحصل على مدفوعات نقدية من العملاء، وتجار السيارات، وسماسرة البورصة، ومجال الوجبات السريعة، وغيرها من المنشآت التي تحصل على مدفوعات نقدية من العملاء، إخطار إدارة الدخول المحلية (IRS) [90] بالتقارير الخاصة بالمعاملات النقدية (CRT) [91] والتي تزيد قيمتها على عشرة آلاف دولار، والعمليات المالية التي تنطوي على أي دخول أو خروج لعملات أجنبية، على أن تقدم هذه التقارير في موعد أقصاه خمسة عشر يوما، من تاريخ كل معاملة تزيد قيمتها عن عشرة آلاف دولار، يقوم بها شخص واحد، في اليوم الواحد، ويتعين أن يتضمن التقرير المقدم أسم البنك أو المؤسسة المالية، وإسم العميل بالكامل، ومحل إقامته، ورقم التأمينات الإجتماعية الخاص به، وإسم الشركة أو المنشأة التي يمتكلها أو يتعامل بإسمها[92].

وتقوم إدارة خدمة الدخول المحلية بتحليل البيانات السابقة، للتعرف على نوع المعاملات ومطابقة البيانات الموجودة في التقارير مع البيانات الموجودة لدى المباحث الفيدرالية.

وبعد ذلك، تتولى الإدارة إرسال البيانات والمعلومات الواردة إليها من المؤسسات المالية إلى إدارة مكافحة المخدرات، كي تقوم بالمراجعة والتقييم، كما أوجب قانون محاربة غسل الأموال الأمريكي سنة 1994 على المؤسسات المالية، إخبار (FICEN) عن العمليات المالية المشبوهة[93].

وطبقا للقانون الفرنسي رقم 90-614 الصادر في 12 يوليه 1990، والمعدل بالقانون رقم 98-546 الصادر في 2 يوليه 1998م المتعلق بمساهمة المؤسسات المالية في المكافحة ضد غسل الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات، تلتزم المؤسسات المالية والبنكية، والخزانة العامة والإدارات المالية التابعة لمؤسسة البريد، وصناديق الإيداع والحفظ، وشركات البورصة والصيارفة وشركات السمسرة في مجال الأوراق المالية، بإبلاغ النيابة العامة عن العمليات المنصبة على مبالغ مصدرها تجارة المخدرات أو أنشطة المنظمات الإجرامية (م1، 2/1 من القانون) وقد أضاف القانون رقم 96-392 الصادر في 13 مايو 1996مم "سماسرة التأمين وإعادة مبالغ التأمين "Courtiers d' assurance et de re- assuraces"

ولا يقتصر الإلتزام بالإبلاغ، على الأشخاص الذين يمارسون مهنة منظمة من قبل القانون مثل مراقبي الحسابات والمحامين والمستشارين القانونيين وسماسرة العقارات والموثقين.... الخ.

وإنما يشمل أيضا الأشخاص الذين يمارسون مهنا أخرى مثل أصحاب محال المجوهرات والأشياء القديمة، ومن يتعاملون في شراء العقارات وبيعها وتقديم المشورة بشأنها، وكذلك من تمكنه مهنته من التعرف على مصدر الأموال التي يجري عليها تصرفا او يقدم مشورة بخصوصها، ومن هؤلاء: المصفون القضائيون والموثقون والمحاسبون القانونيون[94].  كما يشمل أيضا المحامين إذا كان الأمر خارج واجب السرية الذي يفرضه القانون كفالة لحق الدفاع.

ويلاحظ أن الإلتزام بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة في القانون الفرنسي، قاصر على حالات غسل الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات المنصوص عليها في المادة (272) من قانون الصحة العامة والتي تعاقب على جرائم جلب المواد المخدرة وإنتاجها وصناعتها وتصديرها، كما تعاقب كذلك على الشروع في إرتكاب أي من هذه الجرائم، أو ناتجه عن إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 415 من قانون الجمارك – كما سأذكرها بعد قليل، أو عن نشاط إحدى المنظمات الإجرامية، فضلا عن الإلتزام بالإبلاغ عن أية تحويلات مالية تزيد قميتها عن خمسين ألف فرنك فرنسي.

ولا يمتد الإلتزام بالإبلاغ إلى المجال العام الذي تضمنته الجريمة العامة لغسل الأموال المنصوص عليها في المادة (324-1) من القانون العقوبات الفرنسي[95] وهذا يعد عيبا في التشريع، نظرا لأهمية الإبلاغ – كما سيأتي لاحقا[96] - في كشف عمليات غسل الأموال الناتجة عن أي نشاط إجرامي.

وبمجرد حدوث الإبلاغ، تقوم النيابة العامة بإخطار إدارة معينة تابعة لوزارة الإقتصاد والمالية، والتي يطلق عليها (TRACFIN) [97]، وتتكون من مجموعة من موظفي الدولة المؤهلين في هذا المجال والتي تم إنشاؤها بالقانون الصادر في 9 مايو 1990م، وتتلخص مهمة هذه الإدارة في جمع كافة المعلومات المفيدة بصدد الواقعة المطروحة وتقديمها للنيابة العامة، لتحديد أصل المبالغ وطبيعة العمليات التي تضمنها الإخطار المقدم للنيابة العامة، وحينما يتوافر قدر كاف من المعلومات لإثبات حدوث وقائع تكشف عن جرائم الإتجار في المخدرات أو عن انشطة المنظمات الإجرامية، وهذه المعلومات تقدم للنيابة العامة، وكذلك لإدارة الجمارك، لغتخاذ الإجراءات اللازمة، لتطبيق نص المادة (415) من قانون الجمارك، المعدلة بالقانون الصادر في 23 ديسمبر 1998م، والتي تعاقب بالحبس الذي يتراوح بين سنتين وعشر سنوات، وبمصادرة المبالغ محل الجريمة أو مبالغ تعادلها، وبالغرامة التي تتراوح قيمتها بين ما يعادل المبالغ التي وقعت عليها، سواء أكانت هذه الجريمة تامة أم في مرحلة الشروع، وخمسة أضعاف هذه القيمة، كل من يمارس أو يشرع في ممارسة عملية مصرفية بين فرنسا والخارج، سواء عن طريق الجلب أو التصدير أو التحويل أو المقاصة، إذا كان محلها أصولا يعلم أنها متحصلة بطريق مباشر أو غير مباشر من جريمة منصوص عليها في قانون الجمارك أو عن طريق إحدى الجرائم التي تقع بالمخالفة للنصوص الخاصة بالمواد او بالنباتات المخدرة.

وقد يترتب على هذا الإبلاغ، وقف العملية المالية المزمع إجراؤها لمدة لا تتجاوز 12 ساعة، بناء على قرار من (TRACFIN) كما أن الأموال المشتبه فيها والتي تم الإبلاغ عنها، قد يتم حجزها مؤقتا بناء على قرار من رئيس المحكمة الإبتدائية بباريس، أو قاضي التحقيق عند الإقتضاء، بغية إتاحة فرصة لموظفي (TARACFIN) للتحري بشأن ظروف وملابسات العملية ومدى مطابقة الشبهات المثارة للواقع (م 6 من القانون رقم 9-614 الصادر في 12 يوليه 1990، والمضافة بالقانون رقم 93-122 الصادر في 29 يناير 1993م.

وطبقا للمادة (8) من قانون مكافحة غسل الأموال المصري، تلتزم المؤسسات المالية بإخطار وحدة مكافحة غسل الأموال، وهي وحدة مستقلة ذات طابع خاص، تنشأ بالبنك المركزي.

وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 164 لسنة 2002م بإنشاء وحدة مكافحة غسل الأموال بالبنك المركزي المصري، تتولى مباشرة الإختصاصات الواردة بقانون مكافحة غسل الأموال.

وقد حددت المادة الأولى (حـ) من هذا القانون، المؤسسات المالية بأنها:

1.      البنوك العاملة في مصر وفروعها في الخارج وفروع البنوك الأجنبية العاملة في مصر.
2.      شركات الصرافة والجهات الأخرى المرخص لها بالتعامل في النقد الأجنبي.
3.      الجهات التي تباشر نشاط تحويل الأموال.
4.      الجهات العاملة في مجال الأوراق المالية.
5.      الجهات العاملة في مجال تلقي الأموال.
6.      صندوق توفير البريد.
7.      الجهات التي تمارس نشاط التمويل العقاري وجهات التوريق العقاري.
8.      الجهات التي تمارس نشاط التأجير التمويلي.
9.      الجهات العاملة في نشاط التخصمي.
10. الجهات التي تمارس أي نوع من أنشطة التامين وصناديق التأمين الخاصة وأعمال السمسرة في مجال التأمين.

أما فانون مكافحة غسل الأموال القطري، فقد نصت المادة التاسعة منه على أنه "تحدد الجهة المختصة واجبات المؤسسات المالية في مجال مكافحة غسل الأموال وتتابع تنفيذها".

فقد نصت المادة الثالثة من هذا القانون على أنه "يعد مرتكبا لجريمة مرتبطة بجريمة غسل الأموال، كل من توافرت لديه بحكم عمله معلومات تتعلق بجريمة غسل الأموال المنصوص عليها في المادة السابقة، ولم يتخذ الإجراءات المقررة قانونا بشأنها".

وقد بينت الفقرة الثالثة من المادة الأولى من هذا القانون، المقصود بالمؤسسات المالية بأنها "كل شركة أو منشأة يرخص لها بمزاولة أعمال مصرفية أو مالية أو غيرها، كالبنوك أو محال الصرافة أو شركات الإستثمار أو التمويل أو شركات التأمين أو الشركات أو المهنيين الذين يقومون بخدمات مالية أو سماسرة الأسهم والأوراق المالية أو أي فرد أو جهات أخرى مماثلة.

كما بينت الفقرة الثانية من المادة الأولى، المقصود بالجهة المختصة، بأنها "الوزارة أو الجهاز الحكومي أو الهيئة العامة أو المؤسسة العامة أو مصرف قطري المركزي بحسب الأحوال".

14.  أهمية دور البنوك في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة:

للمؤسسات المالية دور كبير لا يمكن تجاهله بصدد مساعدة السلطات المختصة في كشف جرائم غسل الأموال.

ذلك أن العمليات المالية قلما تتم خارج المؤسسات المالية، فضلا عن أن البنوك تعد المستهدف الرئيسي في عمليات غسل الأموال، لدورها الكبير في تقديم مختلف الخدمات المصرفية،  لذا كان من الطبيعي أن توجه انشطة غاسلي الاموال القذرة إليها، على أمل إجراء سلسلة من العمليات المصرفية، حتى تتمتع هذه الأموال بصفة الشرعية.

بل إن أهمية البنوك في آلية غسل الأموال، تفوق أهمية أسواق المال الدولية، ذلك أن نسبة ما يغسل من أموال من خلال أسواق المال الدولية لا تتعدى نحو (25%) من إجمالي حجم الأموال المغسولة، رغم تمتعها بسرية المعاملات، وهو مبدأ تلتزم به جميع البورصات العالمية[98].

ويأتي التزام البنوك وغيرها من المؤسسات المالية بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة ليحل مشكلة كانت تواجهها حال قيامها بالإبلاغ طواعية – قبل صدور قانون مكافحة غسل  الأموال – إذ لو قامت بالإبلاغ تسأل عن جريمة إفشاء السر المصرفي الخاص بالعميل، وعند تقاعسها عن هذا الإبلاغ، قد تسأل عن حجب معلومات عن السلطات المختصة وعرقلة التحقيق والتعاون مع غاسلي الأموال[99].


المبحث الثالث
جزاء الإخلال بواجب الإبلاغ ووسائل مساعدة البنوك في القيام به


15.  مسؤولية البنوك عن الإخلال بالإلتزام بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة:

الإلزام صيغة تتضمن أمرا بالخروج من الحالة السلبية تجاه موقف معين أو بعدم إتخاذ تلك الحالة، أي القيام بنشاط إيجابي معين. [100].

ولذا يجب أن تقوم البنوك وغيرها من المؤسسات المالية بعمل إيجابي يتمثل في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، وإلا كان موقفها السلبي بالإمتناع عن الإبلاغ مشكلا لجريمة مقرر لها عقوبة جنائية[101].

خلافا لبعض التشريعات التي لم تجعل مخالفة هذا الواجب جريمة جنائية، وإنما إعتبرها مخالفة إدارية وأخضعها لمجموعة من الجزاءات التي نص عليها القانون الإداري، كما هو الشأن في قانون سرية الحسابات الأمريكي، مخالفا بذلك خطة المشرع الإنجليزي التي اعتبر من مخالفة جريمة جنائية[102].

وقد كان المشرع الفرنسي ينص ي القانون رقم 90-614 الصادر في 2 يوليو 1990 على إعتبار الإخلال بالإلتزام بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، والتي قد تخفي وراءها غسلا للمال، جريمة مقرر لها عقوبة جنائية (م 23)، غير أنه بموجب القانون رقم 98-546 الصادر في 2 يوليه 1998 قام بالنص على إلغاء العقوبات الجنائية إكتفاء بالمساءلة التأديبية عن هذا الإخلال (م 17) تمشيا مع خطته في الحد من العقوبات الجنائية وبهذا اصبح المشرع الفرنسي يكتفي بالمسؤولية التأديبية عوضا عن المسؤولية الجنائية.

وتتفق العقوبة الجنائية المقررة قانونا لمخالفة الإلتزام بالإبلاغ، مع المبدأ السائد من أن التجريم القانوني يستلزم جزاء قانونيا، تتدخل السلطة بالقوة لضمان وقوعه، ولذا كان التجريم مرتبطا بالعقاب إرتباطا لا فكاك له،  كما أن درجة العقاب هي التي تعكس درجة التجريم حيث لا تستوي موازين كل ما يلحقه التجريم في نظر القانون[103].

وتسري على جريمة إمتناع البنك وغيره من المؤسسات المالية – عن الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهه ما يسري على جرائم الإمتناع بصفة عامة، والتي تتخذ مظهرا سلبيا، بالإحجام عن القيام بأداء واجب قانوني، حيث يسود الإتجاه نحو توسيع دائرة الجرائم المادية التي تقوم بدون خطأ، لتشمل جرائم الإمتناع، ومن ذلك الإمتناع عن الإبلاغ عن الجريمة، والإمتناع عن الحيلوله دون وقع جريمة ضد الأشخاص والإمتناع عن تقديم العون إلى شخص في خطر والإمتناع عن الإدلاء بالشهادة لصالح شخص برئ حيث تجمع بين هذه الحالات فكرة واحدة، هي كسر قاعدة اللامبالاة وفرض التزام بالتصرف وفقا للقاعدة التي ينص عليها التجريم[104].

لما كان ذلك، فإن البنك بمجرد إمتناعه عن الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، يعد فاعلا لجريمة ومستحقا للعقوبة المقررة لها، دون لزوم توافر خطأ في جانبه، متى كان في إستطاعته القيام بهذا الواجب.

وذلك بإعتبار البنك أحد الأشخاص المعنوية، التي تتجه التشريعات الجنائية الحديثة نحو تقرير مسؤوليتها الجنائية، لان لها إرادة معتبرة، يعبر عنها الأشخاص الطبيعيون الذين يمثلون إرادته، وهذا يصلح أساسا لإعتبارها شخصا في نظر القانون الجنائي، وأهلا للمسؤولية الجنائية وتوقيع العقوبات المالية عليها والتدابير الإحترازية، ولا سيما في جرائم الإمتناع[105].

ومن الأهمية بمكان أن اذكر، أن العقوبة التي توقع على البنك الذي إمتنع عن الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، لا تمنع من توقيع العقوبة على موظف البنك الذي يدخل في اختصاصه واجب الإبلاغ أو الأمر بتنفيذه.

ويعد هذا تطبيقا للقواعد العامة التي تقرر أن العقوبة التي توقع على الشخص المعنوي في حالة إنعقاد شروطها، لا تمنع من العقوبة على الأشخاص الطبيعيين الذين يمثلون إرادته، بصفتهم فاعلين أو شركاء، وفقا لظروف ووقائع كل جريمة على حده، عندما تتوافر في حقهم الشروط اللازم توافرها للمساءلة عن الخطأ الذاتي، ولا يعتبر ذلك من قبيل تعدد العقوبات عن الجريمة الواحدة، لأن الشخص الطبيعي إذ يسأل بصفته ممثلا لإرادة الشخص المعنوي، ينظر إليه وكأنه الشخص المعنوي ذاته، وأنه يتفحص شخصتيه ويمثل إرادته، وأما مساءلته عن خطئه عند تحقق شروطه، فإنما يكون طبقا للقواعد العامة في القانون الجنائي[106].

وهذا ما نصت عليه صراحة الفقرة الأخيرة من المادة (121-2) من قانون العقوبات الفرنسي، التي أقرت المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية في الحالات التي نص عليها القانون أو اللائحة، فقد نصت على أنه "لا تؤدي المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية إلى إستبعاد مسؤولية الأشخاص الطبيعيين الفاعلين او الشركاء لنفس الأفعال[107].

كما نصت المادة 16 من قانون مكافحة غسل الأموال المصري، على أنه "في الأحوال التي ترتكب فيها الجريمة بواسطة شخص إعتباري يعاقب المسؤول عن الإدارة الفعلية للشخص الإعتباري المخالف بذات العقوبات المقررة عن الإفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون إذا ثبت علمه بها، وكانت الجريمة قد وقعت بسبب إخلاله بواجبات وظيفية.

ويكون الشخص الإعتباري مسؤولا بالتضامن عن الوفاء بما يحكم به من عقوبات مالية وتعويضات، إذا كانت الجريمة التي وقعت بالمخالفة لأحكام هذا القانون قد إرتكبت من أحد العاملين به باسمه ولصالحه".

وبهذا النص، إعترف المشرع المصري بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، الذي إرتكب جريمة غسل الأموال بالتضامن مع المسؤول عن الإدارة الفعلية، وإن لم يصل  إلى حد الإعتراف بذلك بصدد جريمة الإمتناع عن الإبلاغ، ومع ذلك، فإني أرى أن المادة (15) من قانون مكافحة غسل الأموال، والتي نصت على أنه "يعاقب بالحبس وبالغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، ولا تجاوز عشرين ألف جنيه او بإحدى هاتين العقوبتين، كل من يخالف ايا من أحكام المواد (8، 9، 11) من هذا القانون، تطبق على البنوك وغيرها من المؤسسات المالية التي امتنعت عن الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، ذ      لك ان هذا النص اشار إلى أن موجبات تطبيقه، مخالفة أحكام المادة 8 من نفس القانون، والتي نصت على أنه "تلتزم المؤسسات المالية بإخطار الوحدة عن العمليات المالية التي يشتبه في أنها تتضمن غسل أموال...." وحيث جاء النص عاما ومطلقا، فإنه يطبق على الشخص الطبيعي والمعنوي الذي يخالف أحكام المادة 8 من القانون، ويدخل في ذلك المؤسسات المالية.

كما نصت المادة 14 من قانون مكافحة غسل الأموال القطري على أنه "إذا ارتكبت الجرائم المنصوص عليها في المواد 2، 3، 4 من هذا القانون[108] بواسطة شخص إعتبارين ودون المساس بمسؤولية الشخص الطبيعي، يعاقب الشخص الإعتباري بغرامة لا تقل عن قيمة الوسائط والعائدات والمتحصلات من الجريمة، ويجوز الحكم بالغاء رخصة الشخص الإعتباري أو وقف نشاطها لمدة لا تجاوز سنة.

ولهذا نظير، في مسؤولية البنك مسؤولية جنائية في بعض الاحوال، كما لو خالف قوانين النقد أو الإفلاس[109]،[110].

وهذه المسؤولية الجنائية، لا تحول دون وجوب أن يستعمل البنك المركزي سلطته في توقيع جزاءات على البنك المخالف لواجب الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، والتي قد تصل في بعض الحالات الخطيرة الى حد شطبه وإخراجه من سوق العمل المصرفي، وقد يعترض على ذلك، بأن اخطاء بعض الموظفين لا تبرر الإطاحة الكاملة بالبنك المتورط في عمليات غسل الأموال أو يهمل في الإبلاغ عنها، ووجوب الإكتفاء بمعاقبة الموظفين، غير أنه يرد على ذلك، بأن إدارة البنك غالبا ما تكون على علم بما يحدث، وأن أستمرار إدارة البنك في أعمالها ستؤدي إلى الإطاحة بالبنك أن عاجلا أو آجلا كما حدث في بنك الإعتماد والتجارة في مصر[111].

16-  الحكم الشرعي لإلزام البنوك بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة:

النهي عن المنكر وأجب على كل مسلم قادر، وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، غير أنه يصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره، والقدرة هو السلطان والولاية، فذوو السلطان أقدر من غيرهم، وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم، فإن مناط الوجوب هو القدرة، فيجب على كل إنسان بحسب قدرته[112]، لقوله تعالى: "فاتقوا الله ما إستطعتم"[113].

وقد جاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي[114]: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعين متى رجى القبول او رجى رد الظالم ولو بعنف، مالم يخف الآمر ضررا يلحقه في خاصته او فتنه يدخلها على المسلمين، إما بشق عصا، وإما بضرر يلحق طائفة من الناس، فإذا خيف هذا فعليكم أنفسكم" محكم واجب ان يوقف عنده، ولا يشترط في الناهي أن يكون عدلا كما تقدم، وعلى هذا جماعة أهل العلم فإذا خيف هذا "فعليكم أنفسكم" محكم واجب ان يوقف عنده، ولا يشترط في الناهي أن يكون عدلا كما تقدم، وعلى هذا جماعة أهل العلم فإعلمه".

يتضح مما تقدم، أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يكون فرض عين إذا توافرت شروطا أو ظروفا خاصة في مسلم بعينه، إذا كان يرجى منه القبول لأي سبب من الأسباب التي تجعل كلمته مسموعة، كالعلم والتقوى، وكذلك إذا توقع أ، نهيه عن المنكر هو الطريق لرد المظالم.

ولما كانت البنوك وغيرها من المؤسسات المالية، هي التي تتوافر لديها القدرة على كشف عمليات غسل الأموال، فإن إبلاغها السلطات العامة عن وجود عملية مالية مشبوهة، يكون واجبا عليها.

أضف الى ذلك، أن المصارف الإسلامية حكومية او خاصة، لا تتوقف مسؤوليتها عند تحقيق أقصى عائد ممكن لأصحابه، لكن عليها مسؤولية دينية نحو مجتمعها، فهي مكلفة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقويم ما أعوج من شؤون النشاط الإقتصادي وفي تطهير المعاملات المصرفية من كل مفاسد تشوبها[115].

وإذا كان إبلاغ البنوك عن العمليات المالية المشبوهة واجبا عينيا في حق البنك الذي علم بها، فإن لولي الأمر أن يفرض العقوبة التعزيرية المناسبة من حبس وغرامة ونحو ذلك عند مخالفة هذا الواجب، منعا لتفشي المذكرات في المجتمع، بالسكون عنها او بقائها وإستمرارها او تكرارها وتجددها.

وتطبق على البنوك من هذه العقوبات، ما يتفق مع شخصيتها المعنوية التي يتقبلها الفقه الإسلامي، كحقيقة إجتماعية قائمة بذاتها ومستقلة عن العناصر المكونة لها، على أن قبوله للشخصية المعنوية إنما يكون على سبيل المجاز، بإعتبارها وصف شرعي تترتب عليه أحكام الشريعة الإسلامية[116].

معنى الشبهة الواجب الإبلاغ عند توافرها:

17.  في القانون:

لا يشترط كي تتوافر شبهة غسل الأموال، والتي تلتزم المؤسسات المالية بالإبلاغ عنها، أن يتوافر دليل ينصب على واقعه غسل الأموال، ويكشف بطريق قطعي أن الشخص أراد من وراء العملية المالية غسل الأموال القذرة، وإنما يكفي توافر قرينة على ذلك، وهي إستنتاج لواقعة مجهولة من واقعة معلومة، حيث يكون هذا الإستنتاج ضروريا بحكم اللوزوم العقلي.

وما ذلك، إلا لأن الإبلاغ لا يترتب عليه آثار قانونية معينة، وإنما مجرد إحاطة السلطة المختصة بوقوع أمر يشتبه في أنه يكون جريمة بخلاف العقوبة فإنه لا بد من الدليل للحكم بها، حيث يتوقف إقرار سلطة الدولة في العقاب على ثبوت وقوع الجريمة ونسبتها الى المتهم، بإعتبار ان ذلك وحده هو الذي يؤدي إلى كشف الحقيقة بصدد الجريمة المرتكبة.

ومثال  القرائن المصاحبة للتفكير في موضوع غسل الأموال، والتي تتوافر الشبهة بقيامها، هبوط ثروة طائلة مفاجئة على شخص معروف بالفقر منذ زمن طويل، أو ظهور عميل جديد تأتيه أموالا طائلة من الخارج دون أن يكون له نشاط معروف، أو ورود تحويلات مرة واحدة تم توزيعها بواسطة المستفيد منها بين أفراد عديدين، بتحويلات داخلية، دون أن يكون سبب التحويل ظاهرا او مهنة المستفيد معروفة، لذا يجب على مدير البنك او المؤسسة المالية أن يسأل المشتبه فيه عن مصدر أمواله، حتى يمكنه المحافظة عليها في أمان من أية شكوك، فالشكوك وحدها لا تكفي لتكوين الإشتباه، حتى لا يكون سيفا مسلطا على رقاب الناس، كما هو الحال في ضخامة المبالغ المحولة من وإلى الخارج[117].

كما يجوز للبنوك والمؤسسات المالية – بصفة عامة – أن تستند في توافر الشبهة الموجبة للإبلاغ، إلى الأخبار Les Novelles:  وهي المعلومات التي تتعلق بحادث معين، وترتكز أو تبدو مرتكزة على الواقع المادي، فلا تدخل فيها التنبؤات والتخمينات[118].

وتطبيقا لذلك، غذا أخبر شخص ما – ولو كان غير معلوم- البنك، بأن عملية مالية سيتم إجراءها عن طريقه بهدف غسل أموال قذرة، وتحقق البنك أو غلب على ظنه صدق هذا الخبر، وجب عليه الإبلاغ للجهات المختصة بينما لا يجوز له أن يستند في توافر الشبهة الى الشائعات.  وهي التي تعتبر نوعا من الأخبار الكاذبة التي يتناقلها الناس، دون التحقق من صحتها، ودون أن ترتكز على مصدر موثوق به يؤكد صحتها، وإن كانت تتضمن احيانا شيئا من الحقيقة، فإنه يغلب عليها أنها مختلة، لأن برهانها يكون باهتا يشوبه الغموض وعدم الوضوح[119].

تطبيقا لذلك، فإن الشائعات التي تلوكها الألسنة، والمجردة عن اي قرينة يغلب على الظن معها أن العملية المالية يشتبه في أنها تتضمن غسل أموال، لا تكفي لوجود شبهة موجبة للإبلاغ، كمن يكون معروفا بين الناس بممارسة لنشاط غير مشروع، ولم يتوافر لدى البنك ما يغلب على الظن معه صدق ذلك، فعندئذ لا يجوز للبنك أن يفترض شبهة غسل الأموال، في كل عملية مالية يجريها هذا الشخص، بناء على هذه الشائعات، حماية لمصالح الناس من النيل منها، بناء على أقوال مرسلة.

ولما كانت هناك عقوبة توقع على موظف البنك الذي يمتنع عن الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة بعد الوقوف عليها – كما تقدم[120] - فإن البعض[121] يرى أن وجود هذه العقوبة والخوف من تطبيقها، سيؤدي عملا إلى ان يبادر كل موظف إلى الإبلاغ، حتى ولو كانت الشبهة غير موجودة أو غير جدية، ويقترح تفاديا لذلك، عدم العقاب الجنائي على مخالفة الإلتزام بالإبلاغ، إكتفاء بالجزاءات الإدارية والتأديبية، داخل المؤسسات المالية.

وهذا الإقتراح غير جدير بالتأييد، ذلك أن حرص التشريعات على تقرير عقوبة جنائية على مخالفة الإلتزام بالإبلاغ له ما يبرره، لما للعقوبة الجنائية من تأثير أشد في الزجر والردع من غيرها من الجزاءات الإدارية والتأديبية.

ولا يصلح مبررا للتسرع في الإبلاغ، الخوف من المسؤولية الجنائية المترتبة على مخالفة الإلتزام به، ذلك أن العقوبة لا توقع على الموظف إلا بعد إثبات علمه بوجه قطعي أو ظني بوجود شبهة غسل اموال، ويستطيع أن يثبت عدم علمه بذلك بكافة طرق الإثبات.

وهذا ما نصت عليه صراحة المادة التاسعة من القانون الفرنسي رقم 90-614 الصادر في 12 يوليه 1990 (والمعدل بالقانون رقم 98-546 الصادر في 2 يوليه 1998[122]) مطبقا لهذا النص، عندما يتم تنفيذ العملية المالية طبقا للشروط المنصوص عليها في المادة السادسة من نفس القانون، دون تواطؤ على التدليس مع مالك المال أو الشخص الذي أجرى العملية المالية، تعفى المؤسسة المالية أو ممثليهم، وهذا الإعفاء من المسؤولية الجنائية، لا يقتصر على تطبيق المواد 222-34 حتى 222-39 من قانون العقوبات والتي تتعلق بجرائم الإتجار في المخدرات، أو المادة 415 من قانون الجمارك، وإنما يمتد ليشمل المادتين 321-1، 321-2 من قانون العقوبات، واللتان تتعلقان بجريمة إخفاء الأشياء المسروقة.

18. في الفقه الإسلامي:

يكفي لوجوب الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، توافر القرائن والأمارات على قيامها، فقد ذكر إبن الإخوة، أن للإمام أن ينصب موظفا كالمحتسب مثلا، ويعطي هذا الموظف صلاحية وبخصوص المحظورات فهو أن يمنع الناس من مواقف الريب ومظنات التهم[123].

ولا يكفي لذلك الظنون، والأوهام البين خطؤها، لأنه لا عبرة بالظن البين خطؤه[124]. بينما تكفي الظنون التي يغلب صدقها، وهي التي بلغت قدرا من القوة، تغلب جانب صدقها على جانب كذبها.

يوضح ذلك الإمام العز بن عبد السلام، في فصل بعنوان: في بيان جلب المصالح ودرء المفاسد على الظنون، بقوله: لما كان الغالب صدق الظنون بنيت عليها مصالح الدنيا والآخرة، لأن كذبها نادر، ولا يجوز تعطيل مصالح صدقها الغالب، خوفا من وقوع مفاسد كذبها النادر، ولا شك أن مصالح الدنيا والآخرة مبنية على الظنون كما ذكرناه، ولا يجوز العمل بكل ظن والظنون المعتبر أقسام.

أحدها: ظن في أدنى الرتب، الثاني ظن في أعلاها، والثالث ظنون متوسطات[125].

19.  وسائل مساعدة البنوك في الوقوف على العمليات المالية المشبوهة:

لوقوف البنوك وغيرها من المؤسسات المالية على العمليات المالية المشبوهة، يجب مراعاة الآتي:

1-       إتباع سياسة مبدأ إعرف عميلك:  والتي تعتبر الأساس لجميع إجراءات مكافحة غسل الأموال، وذلك من خلال اليقظة والإنتباه لأي تغيير يطرأ على نمط تعامل العملاء مع البنك، وتسجيل معلومات كافية وواضحة عن العميل لدى إفتتاحه لحسابه، وكذلك على المنتفعين لدى قيامهم بأي عملية تحويل أو إيداع.

وتحقيقا لشعار إعرف عميلك، يجب عدم فتح حسابات بأسماء وهمية أو أسماء مجهولة، حيث يتعين فتح الحسابات بناء على وثائق رسمية تحدد هوية العميل، وكذلك عند إيجار الخزائن الحديدية، وأية خدمة أخرى تقدمها البنوك الى عملائها.

ويعد هذا تطبيقا للتوصية العاشرة من التوصيات الأربعين لمجموعة (FATF) الخاصة بوضع السياسات لمكافحة غسل الأموال، حيث تحظر على المؤسسات المالية الإحتفاظ بحسابات مجهولة أو بأسماء وهمية، مع وجوب التحقق من شخصية العملاء عند إقامة علاقات تجارية أو عمليات مالية، وعلى وجه الخصوص عند فتح حسابات أو إجراء تأجير خزائن او عند إيداع مبالغ نقدية كبيرة.

وهذا ما تأخذ به التشريعات، حتى قانون البنوك السويسري الصادر في عام 1991م، الغى السماح بإستخدام حساب نموذج (Account Form B) الذي يغفل إسم العميل، وأعطى مهلة لأصحاب الحسابات السرية التي تستخدم هذا النموذج، والتي يقدر عددها بنحو (30) ألف حساب للكشف عن شخصياتهم، قبل نهاية شهر سبتمبر 1992م، وإلا اضطرت السلطات السويسرية إلى إغلاق حساباتهم، بينما أبقى السماح بإستخدام نموذج الحسابات الرقمية، شريطة أن يكون النموذج معروفا لشخصيتين قياديتين بالبنك[126].

والحساب السري كغيره من الحسابات المصرفية يلتزم البنك بقيده في دفاتره، إلا أن شخصية فاتح الحساب تختفي خلف الكتمان المصرفي، فلا يثبت إسمه أو آية علامة تدل عليه بدفاتر البنك في الظاهر، وإنما يتم القيد بدفاتر البنك برقم أو برمز تحت إسم مستعار، وهذا ما يميزه عن غيره من الحسابات.

ويتم تشغيل الحساب السري بطريقة سرية يتفق فيها البنك مع صاحب الحساب عند فتحه.  والذي دفع القانون السويسري إلى ذلك، هو ما ظهر من عيوب للحسابات السرية، تتمثل في أنها تلعب الدور الرئيسي في عمليات غسل الأموال، أو إخفاء الأموال المتحصلة من الجريمة أيا كانت منظمة أو غير منظمة، إذ يلجأ المجرمون عادة إلى إيداع الأموال المتحصلة من جرائم في الحسابات السرية طمعا في الحماية التي يكفلها لهم السحاب السري، مما تعد ملاذا آمنا للإقتصاد الخفي[127].

ويعد هذا تنفيذا لإتفاقية الحيطة والحذر عام 1977 م والتي وقعت عليها سويسرا، والتي تمنع الموقعين عليها من القيام بأي عمل مصرفي دون معرفة هوية الطرف الآخر، سواء بقبول النقد أو إيداع أوراق أو حوالات [128].

كما تضمن القانون الفرنسي رقم 90-614 الصادر في 12 يوليه 1990م (المعدل بالقانون رقم 98-564 ا لصادر في 2 يوليه 1998، في شأن مساهمة المؤسسات المالية في الكفاح ضد غسل الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات) هذا الإلتزام، فقد نصت المادة 14 من هذا القانون على أنه "تلتزم المؤسسات المالية قبل أن تقوم بفتح حساب لديها لأحد المتعاقدين، أن تتأكد من شخصيته، وذلك بإستلزام تقديم وثيقة مكتوبة، ويقوم هذا الإلتزام كذلك بالنسبة للمتعاقدين العرضيين، إذا تعلق الأمر بعمليات تبلغ قدرا ماليا يعينه القانون[129].

ومع ذلك يلاحظ، أن البنوك وإن كانت تولي إهتماما بشأن الأشخاص الطبيعيين من حيث الوقوف على أسمائهم ومعرفة حقيقتهم، فإن إهتمامها ليس بذات القدر بالنسبة للأشخاص المعنوية، وتحديدا بالنسبة للشركات والمؤسسات والجمعيات، مع أن الشركات الوهمية تعد أحد أهم الوسائل المستخدمة في غسل الأموال، لذا فمن الخطورة بمكان أن تكتفي البنوك بوثائق غير كافية لفتح حسابات لشركات أجنبية، دون وطلب وثائق رسمية كافية تفصح عن حقيقتها[130].

2-        يجب أن لا تبخل البنوك في الإتفاق على الكشف عن أصل العمليات المالية المشبوهة، حفظا لسمعتها وسمعة عملائها، ومنعا لإحتمال تورطها في هذه العمليات بحسن نية، ولذا نجد أن بعض البنوك في الولايات المتحدة الأمريكية كانت تنفق (6%) من ميزانيتها، تحقيقا لهذا الغرض، خشية المسؤولية وحفظا لسمعتها.

3-        يجب أن يقف الموظفون في البنوك على ثقافة مكافحة غسل الأموال، والإلمام بأحدث القواعد والانظمة التي تحكم أنشطة غسل الأموال، وهذا لا يتأتى إلا بتطوير السياسات والبرامج التدريبية لديها، لإحطة الموظفين بشكل مستمر بآخر المستجدات في عمليات غسل الأموال، إضافة إلى توافر جهاز متخصص داخل البنك المركزي، تكون إحدى مهامه التحقق من التزام البنوك بالإجراءات الموضوعة في شأن مكافحة غسل الأموال.

وهذا ما نصت عليه التوصية 198 من التوصيات الأربعين لمجموعة (FATF)، حيث نصت على أنه يجب على المؤسسات المالية إعداد برامج وإجراءات مناسبة ضد غسل الأموال، وكفالة تدريب موظفي البنوك والمؤسسات المالية في هذا المجال.

4-        يجب بذل كعناية فائقة وكافية لدى إجراء أي صفقة كبيرة ذات نمط غير عادي، أو لا يتوافر لها أهداف إقتصادية، بفحص خلفية هذه الصفقة وتحقيق أهدافها، والبعد عن تسهيل إجراءاتها بحسن نية، بسبب الثقة الزائدة في العميل، أو الجهل بإجراءات مثل هذه الصفقات.

5-        يجب أن يوضع في الهيكل الإداري للبنوك، جهاز متخصص بتلقي تقارير الموظفين العاملين، التي تعبر عن شكوكهم تجاه بعض العمليات المالية، التي تمر عبر الفروع المختلفة لنشاط البنك، كما يجب أن يقوم هذا الجهاز بفحص هذه الشكوك وخضوعها لرقابة شديدة قبل التسرع في الإبلاغ عنها.

6-        يجب أن تمتنع البنوك عن إجراء العملية المالية المشبوهة لصالح العميل، إلا بعد إبلاغ السلطات المختصة، والتي يكون لها إعلام البنك عما إذا كان يمكن إجراء العملية، ولو حامت حولها الشبهة، مع إبلاغ السلطات المختصة، وذلك إذا كان من شأن الغمتناع عن التنفيذ إعاقة تقعب المشتبه في أمرهم.

7-        يجب على موظفي البنوك المحافظة على سرية المعلومات المتوافرة  عن غسل الأموال، والإجراءات المترتبة عليها، وعدم إطلاع أي شخص خارج البنك عليها ولاهمية هذا الواجب، فإن بعض التشريعات تقرر عقوبة جنائية على مخالفته (م15) من قانون مكافحة غسل الأموال المصري، حيث حدد لها عقوبة الحبس والغرامة ولا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين (م4) من قانون مكافحة غسل الأموال القطري، حيث حدد لها عقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنة وبالغرامة التي لا تزيد على ثلاثة آلاف ريال.

غير أن هذه العقوبة لا توقع إلا عند إفشاء المعلومات بقصد الإضرار بالتحقيق في جريمة غسل الأموال، وهذا ما نصت عليه صراحة الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون مكافحة غسل الأموال القطري.

20-  التحويل عبر البنوك الإلكترونية وعدم تطبيق مبدأ إعرف عميلك:

تعني فكرة البنوك الإلكترونية (electronique banking) قيام العملاء بإدارة حساباتهم وإنجاز أعمالهم المتصلة بالبنك عن رطريق المنزل أو المكتب أو أي مكان آخر في الوقت الذي يريده العميل[131]. ويعبر عنه بعبارة "بالخدمة المالية في كل وقت ومن أي مكان"[132].

وتمثل البنوك الإلكترونية أحد أكثر أشكال انظمة إغراء لغاسلي الأموال بسبب إستحالة تعقبها، لعدم وجود مستندات ورقية، والقدرة الفائقة على الحركة، من خلال شبكة الإنترنت، دون الحاجة الى وسيط ثالثا كالبنوك[133]، ولذا فقد أحدثت البنوك الإلكترونية تغيير جذريا في المراحل التقليدية لغسل الأموال.

فالمرحلة الأولى في عملية غسل الأموال، وهي الإيداع:  والتي تتم بإيداع الأموال غير المشروعة في البنوك، أو شراء سلع غالية الثمن وإعادة بيعها بموجب شيكات أو أوامر دفع أو حوالات بنكية، ويتم تغيير هذه المرحلة عبر البنوك الإلكترونية، بإيداع هذه الأموال في البنوك بإستخدام البطاقات الذكية أو اجهزة كمبيوتر شخصية، مع إستخدام أنظمة حماية وتشفير قوية لضمان سرية المعلومات الإلكترونية.

أما المرحلة الثانية، وهي التوظيف:  حيث يقوم الشخص بسلسلة من عمليات التحويل او نقل الأموال بقصد إبعادها عن مصادرها غير المشروعة، عن طريق تحويل الاموال من خلال سلسلة حسابات لدى العديد من البنوك على نطاق العالم، ويتم تغيير هذه المرحلة عبر البنوك الإلكترونية، بتنفيذ التوظيف من خلال جهاز كمبيوتر شخصي وبدون أية مستندات ورقية.

والمرحلة الثالثة، وهي الدمج:  ويعني دمج الأموال غير المشروعة في النظام الإقتصادي الشرعي، ويتم ذلك بالتجارة في العقارات أو قروض الشركات او أرباح الكازينو، وبإستخدام البنوك الإلكترونية يمكن شراء العقارات او الإستثمار بإستخدام جهاز كمبيوتر وبدون الحاجة إلى تدخل وسيط، كالبنك.

وهكذا يتضح أن الخدمات الإلكترونية تتعرض لتحديات كبيرة، تتمثل في صعوبة التحقق من الهوية الحقيقية لمن تقدم له، الأمر الذي يشجع على إرتكاب الجرائم عن طريقها، ولا سيما غسل الأموال.

وتفاديا لذلك، ينادي البعض[134] بوجوب النص على قواعد تجريم غسل الأموال في قانون التجارة الإلكترونية.

والواقع أن الحل لا يكمن في النص على ذلك في قانون التجارة الإلكترونية، فقانون مكافحة غسل الأمول يكفي لمكافحتها، وإنما كيف السبيل إلى ذلك مع صعوبة التحقق من هوية المستفيدين من الخدمات الإلكترونية؟

لا شك في أن السبيل إلى ذلك، هو التوقيع الإلكتروني (electronic signature) بإعتباره مجموعة من البيانات مدرجة بشكل الكتروني في رسالة بيانات أو مضافة عليها أو مرتبطة بها منطقيا، يجوز أن تستخدم لتعيين هوية حائز التوقيع بالنسبة لرسالة البيانات ولبيان موافقة حائز التوقيع على المعلومات الواردة في رسالة البيانات[135].

وهذه البيانات تكون في ملف رقمي صغير (شهادة رقمية) تصدر عن إحدى الهيئات المتخصصة والمستقلة، ومعترف بها من الحكومة، مثل نظام التوثيق العقاري. [136].

وقد أصدرت العديد من دول العالم، قانونا يعالج موضوع التوقيع الإلكتروني مثل الولايات المتحدة الأمريكية، كندا اليابان، بريطانيا، المانيا، إيطاليا أيرلندا سنغافورة، بهدف تشجيع إستخدام الوسائل الإلكترونية في المبادلات التجارية لتعزيز الإقتصاد الوطني[137].

كما صدر القانون الفرنسي رقم 230 الصادر في 13 مارس 2000م للتوقيع الإلكتروني، وبموجبه تناولت 1316 – 4 من القانون المدني، لأول مرة، تشريعا عاما، للتوقيع الإلكتروني، وأقامت قرينة قانونية، مؤداها أن كل توقيع إلكتروني يتم بوسيلة تتوافر فيها شروط الأمان التي سيحددها مجلس الدولة يفترض أنه توقيع موثوق به الى أن يثبت العكس[138].

ومع ذلك، تبقى المشكلة قائمة، حيث يمكن إختراق التوقيع الإلكتروني كما هو الشأن في جميع المعلومات المخزنة على الحاسب الآلي، ويتحقق ذلك بالإختراق المادي الذي يسمح بالدخول في مناطق خاضعة للسيطرة عن طريق البوابات الإلكترونية، وانتخال الهوية (usurpation didentit) حيث يمكن إنتحال شخصية مستعمل الجهاز الإلكتروني عند التوصل إلى كلمة السر أو أي جملة خاصة بالمستعمل أو أي خاصية فسيولوجية كالبصمة الورقية أو ملامح الوجه، او هندسة الكف او الصوت، أو اي شيء يتملكه المستعمل كالبطاقة الممغنطة أو المفتاح المعدني[139].

وتفاديا لذلك، فإن القواعد التي توفر الثقة في وسائل التوقيع الإلكتروني، يجب أن تتسم بالمرونة، حتى تتمكن من مواجهة التقدم العلمي المذهل في هذا المجال، وبالتالي إماكان الوقوف على من يقوم بالعمليات المالية المشبوهة عن طريق البنوك الإلكترونية.


المبحث الرابع
عدم المسؤولية الجنائية بسبب الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة

1-       عدم المسؤولية عن جريمة إفشاء السر المصرفي:

21-  عدم الأخذ بالسرية المطلقة للحسابات المصرفية:

تحرص التشريعات التي تأخذ بنظام سرية الحسابات المصرفية بالنص على وجوب كشف هذه السرية، وبيان نشاط عملاء البنوك، متى كان الأمر متعلقا بحماية مصلحة عامة أو مصلحة الإقتصاد القومي[140].

ذلك أن السرية المطلقة للحسابات المصرفية، قد تحول في بعض الأحيان دون الكشف عن حقائق تؤدي الى تحقيق العدالة في المجتمع، كما هو الشأن في حالة الكسب غير المشروع، فمصلحة المجتمع تكون في كشف الفساد، وليس في التستر بالسر المصرفي لإخفاء الجرائم، لان درء المفاسد اولى من جلب المصالح[141].

وعلى ذلك، فإن البنوك تلتزم بأن تكشف للغير عن وقائع تعتبر مما يدخل في سر المهنة أو تتعلق بالسرية المصرفية، إذا كان ثمة نص يلزمها بذلك[142].

ومن هنا، كان حرص تشريعات مكافحة غسل الأموال، على أن تتضمن نصا إلزام المؤسسات المالية بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، وعدم إعتبار ذلك إفشاء للسرية المصرفية، الذي يشكل جريمة جنائية، تنفيذا لما جاء في التوصية 16 من التوصيات الأربعين الخاصة بوضع السياسات لمكافحة غسل الأموال لمجموعة FATF، حيث نصت على أنه "يجب تشجيع التعاون بين جهات تنفيذ القوانين واللوائح من جهة والمؤسسات المالية مصرفية وغير مصرفية من جهة أخرى، وبهذا التعاون تحمي المؤسسات المالية ضد أي مسؤولية جنائية أو مدنية عن إفشاء المعلومات الى رجال تنفيذ القوانين واللوائح والمأذونين في ذلك قانونا، ما دام رجال هذه المؤسسات يعملون بحسن نية، كما يجب أل يعوق مبدأ السرية تنفيذ التوصيات.
فإتساع نطاق السرية المصرفية، في ظل غياب قانون خاص لمكافحة غسل الأموال، كان من

شأنه التشجيع على إستعمال البنوك كقنوات لغسل الأموال[143].

وعلى ذلك، فإن السرية المصرفية يجب ألا تكون عائقا امام قيام البنوك وغيرها من المؤسسات المالية، بواجبها في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة.  "إذ يجب أن تستمر في إحترام الحق في السرية المصرفية، ولكن لا يمكننا السماح بإعطاء حصانة للمجرمين"[144].

وسبيل ذلك، هو تحقيق التوازن بين موجبات فرضها، حماية للحرية الشخصية للأفراد، عند قيامهم بمباشرة أنشطتهم الإقتصادية المشروعة، وبين عدم إطلاقها تحقيقا لضمان عدم إستخدام المؤسسات المالية في تسهيل إرتكاب غسل الأموال وغيرها من الجرائم الأخرى.

وتحقيقا لهذا التوازن، فإن الرقابة في معظم الدول على سرية الحسابات، تستهدف حماية المصالح العامة.

فلم يعد من السهل الآن الإحتجاج بالحق في الخصوصية في الأحوال التي يجب فيها رعاية مصلحة راجحة، مثل تحقيق العدالة او تقصي الجريمة، ذلك أنه من القيود التي ترد على حق الأفراد في خصوصية معلوماتهم، المصلحة العامة، ومن ضوابط تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في ذلك، وجود نص قانوني يحدد المقصود بالمصلحة العامة التي يراد حمايتها على حساب حقوق الأفراد وحرياتهم، خضوع الدولة لرقابة القضاء في ممارستها لهذا الحق[145].

ولذلك، فقد طالبت الولايات المتحدة الأمريكية، سويسرا وغيرها من الدول التي تأخذ بالسرية المطلقة مثل جزر البهاما، وبنما وأرجواي، النمسا، لوكسمبورج، موناكو، بإتخاذ إجراءات تحد من نطاق السرية المطلقة، والتي تعد غطاء قانونيا لعمليات غسل الأموال، وقد إستجابت هذه الدول ووقعت إتفاقية الحيطة والحذر عام 1977م.

وخلافا لما تقدم، أعلن رئيس جمعية المصارف اللبنانية، أن السرية المصرفية لا يجوز رفعها أو إفشاؤها مهما كانت الأسباب حتى لو طلب القضاء ذلك، بالنسبة لأحد الحسابات المصرفية، حتى ولو كان هذا الحساب مشكوكا فيه أو دخلته أموالا مشبوهة[146].

مما يعني أن قانون سرية الحسابات المصرفية اللبناني  لا يسمح بالخروج على السرية المصرفية، حتى في حالات غسل الأموال، لأن البنك غير ملزم أصلا بالتحري عن العمليات المالية المشبوهة لعملائه أو بالإبلاغ عنها[147].

ولا يتفق هذا الرأي مع قانون سرية الحسابات المصرفية اللبناني بتاريخ 3 سبتمبر 1956 فقد جعل الإلتزام بحفظ السر المصرفي ينهار امام مقتضيات المصلحة العامة التي توجب البوح بالسر حفاظا على المصلحة الإجتماعية، أو مصلحة السلطة العامة التي تنبثق عنها لامصالح الإجتماعية، لذا يجب على البنوك أن تطلغ الغير ولا سيما الدوائر الرسمية والمحاكم، على مضمون بعض المعاملات، دون أن يعتبر ذلك إخلالا بمبدأ الكتمان[148].

22-  عدم المسؤولية عن جريمة إفشاء السر المصرفي استنادا غلى اداء الواجب:

لما كان قانون غسل الأموال، في الدول المختلفة، قد ألزم البنك، والمؤسسات المالية بصفة عامة بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، فإنها عند قيامها بالإبلاغ، تتمتع بسبب إباحة السر المصرفي، إستنادا إلى أداء الواجب[149].  تطبيقا للقواعد العامة، حتى ولو لم تثبت الوقائع التي تم الإبلاغ عنها، أو صدر في شأنها قرار بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أو حكم بالبراءة.

فالقواعد العامة وإن كانت تخاطب الموظفين العموميين، إلا أن مجال تطبيقها يمتد لكي يشمل كل حالة يفبرض فيها القانون التزاما معينا، لأنه يجوز القياس ي مواد الإباحة، لتحقيقه مصلحة المتهم، وعدم تعارضه مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات على خلاف الحال في مواد التجريم والعقاب.

ومع ذلك، فقد رأت بعض قوانين غسل الأموال، ألا تكتفي بالقواعد العامة، وإنما نصت على ذلك صراحة، تشجيعا للبنوك وغيرها من المؤسسات المالية على التعاون الجدي مع جهود مكافحة غسل الأموال، وتحقيقا لإطمئنان القائمين بالإبلاغ بحسن نية.

من ذلك، القانون البريطاني المتعلق بجرائم الإتجار في المخدرات الصادر سنة 1986م والذي أوجب على المؤسسات المالية الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، فقد نص على أن هذا الإبلاغ لا يتعارض مع مقتضيات السرية المصرفية والمالية، ولا يرتب أية مسؤولية قبل من يقوم به، وفقا لأحكام هذا القانون.

كما يعفي القانون الألماني، المبلغ عن العمليات المالية المشبوهة – في جميع الأحوال – من أية مسؤولية قانونية، قد تترتب – بحسب الأصل – من جراء إبلاغ السلطات المختصة بالعمليات المالية المشبوهة.

وطبقا للمادتين الثانية والثامنة من القانون الفرنسي رقم 90 – 614 والمعدل بالقانون رقم 98-546 لا يجوز ملاحقة مديري المؤسسات المالية أو الأشخاص الطبيعيين أو الإعتباريين، الملزمين بالإبلاغ، عما يقدمونه من بلاغات، بوصفهم مرتكبين لجريمة إفشاء الأسرار، متى كانوا حسني النية وقت تقديم البلاغ".

فقد نصت الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون المذكور، في الجزء الأول منها على أنه "عندما يكون الإبلاغ بحسن نية، هؤلاء الأشخاص يستفيدون من المادة (8) [150] من القانون المذكور[151].

كما نصت الفقرة الأولى من المادة الثامنة على أنه: "من أجل المبالغ أو العمليات التي تكون موضوع البلاغ المذكور في المادة الثالثة، أي أتهام يقوم على أساس القانون رقم 92-1336 الصادر في 16 ديسمبر 1992م (المادتان 226-132 و 226-14 من قانون العقوبات) [152] لا يمكن أن يوجه ضد مديري ومأموري المؤسسة المالية الذين يكونون حسني النية وقت تقديم البلاغ[153].

أما قانون البنوك السويسري طبقا لآخر تعديلاته في إبريل 1998م، فقد نصت المادة التاسعة منه على: عدم مسؤولية البنوك جنائيا ومدنيا عن قيامها بالإبلاغ عن عميل مشتبه به، متى كان الإبلاغ يستند إلى أسباب ومبررات معقولة".

كما نصت المادة العاشرة من قانون مكافحة غسل الأموال المصري على أنه: "تنتفي المسؤولية الجنائية بالنسبة الى كل من قام – بحسن نية – بواجب الإخطار عن أي من العمليات المشتبه فيها الخاضعة لأحكام هذا القانون، أو بتقديم معلومات أو بيانات عنها بالمخالفة للقواعد المفروضه لضمان سريتها، وتنتفي المسؤولية المدنية متى كان الإعتقاد بقيام هذا الإشتباه مبنيا على أسباب مقعولة". وقبل صدور قانون مكافحة غسل الأموال القطري، أصدر مصرف قطري المركزي تعميما "يعفي الموظفين الذين يبلغون عن حالات غسيل الاموال من أية مسؤولية تنشأ عن الإبلاغ، سواء تم تأكيد أو نفي الإشتباه المبلغ عنه، طالما أن التبليغ كان عن حسن نية[154].

وهذا ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون مكافحة غسل الأموال القطري، بقولها في تطبيق احكام هذا القانون، لا تسري الأحكام المتعلقة بحظر إفشاء سرية المعاملات المصرفية على رؤساء واعضاء مجالس إدارات المؤسسات المالية والعاملين بها، ما لم يثبت أن إفشاء السرية كان بقصد الإضرار بصاحب المعاملة".

وحسن النية الذي إستلزمته التشريعات المختلفة، لإستفادة المبلغ عن العمليات المالية المشبوهة من سبب الإباحة، المتمثل في اداء الواجب، يتمثل في أستهداف المبلغ تحقيق الغاية التي من أجلها اوجب القانون الإبلاغ، وهو معاونة السلطات العامة في كشف جرائم غسل الأموال، والتي تتسم بالخفاء ولا يستطيع رجال السلطة العامة الوقوف عليها بسهولة.

وهذا امر يتفق مع القواعد العامة في الحقوق، لأن جميعها حقوقا غائية، أي يقررها القانون لإستهداف غايات معينة، ولا يعرف القانون حقوقا مجردة من الغاية، أي يستطيع أصحابها إستعمالها دون أن يسألوا عن الهدف الذي يريدونه بها. [155]

23-  عدم المسؤولية الجنائية عن إفشاء السر المصرفي في الفقه الإسلامي:

نهي الإسلام عن كشف الأسرار، حفظا لكرامة الإنسان وإحترام أسراره، إلا إذا ابدى صفحته واضر بغيره، وهذا يعد التزاما اخلاقيا وإيمانيا، لأن الإيمان والأخلاق، تعد الرقيب الداخلي الذي يمنع ويعصم من الذلل والإنحدار [156].

فعن سالم عن أبية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخية كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربه، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"[157].

يقول الإمام أبن حزم موضحا حكم الستر في الحديث بقوله: "فنظرنا في الحديث المذكور، فوجدناه ندبا لا حتما وفضيلة لا فرضا"، فكان الظاهر منه أن للإنسان أن يستر على المسلم يراه على حد بهذا الخبر ما لم يسأل عن تلك الشهادة نفسها، فإن سئل عنها ففرض عليه إقامتها وأن لا يكتمها، فإن كتمها حينئذ فهو عاص لله تعالى"[158].

وبالقياس على الشهادة، إذا كان الإبلاغ عن الجريمة واجبا من قبل ولي الأمر، تحقيقا للمصلحة العامة وعدم نشر الفساد، فعندئذ يكون الستر محرما، والإبلاغ واجبا، ولا مسؤولية على المبلغ عن إفشاء السر تنفيذا لهذا الواجب.

وهو ما قال به الإمام النووي، من أن كل من رؤي في معصية، وهو بعد متلبس بها، يجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر ذلك، ولا يحل تأخيرها، فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر، إذا لم يترتب على ذلك مفسدة، وهذا يعد من النصيحة الواجبة وليس من الغيبة[159].

أكثر من ذلك، نستطيع القول بأن الفقه الإسلامي، يأخذ بالسرية المصرفية المحدودة، إذ يحد من إطلاقها حماية للمصلحة العامة، بالرقابة على الصيارف من أجل التحقق من التزامهم بأحكام الشريعة الإسلامية في عملهم، فقد جاء في معالم القربة في أحكام الحسبة، في بيان الأعمال التي يشرف عليها المحتسب: ومنها الحسبة على المصارف.... على المتحتسب ان يتفقد سوقهم ويتجسس عليهم، فإن عثر بمن رابى – أو فعل في الصرف ما لا يجوز في الشريعة – عزره وإقامه من السوق[160].

2-       عدم المسؤولية عن جريمة البلاغ الكاذب:

-         حسن نية المبلغ يعدم قيام جريمة البلاغ الكاذب:

24.  في القانون المقارن:

لا تسأل البنوك والمؤسسات المالية، ولا القائمين عليها، عن جريمة البلاغ الكاذب، إذا انتهى البلاغ عن العمليات المالية المشبوهة إلى عدم ثبوته أو عدم صحته، متى كان البلاغ قد تم بحسن نية، حيث تستلزم التشريعات لقيام جريمة البلاغ الكاذب، سوء القصد أو النية[161].

وتوافر سوء القصد لدى المبلغ، إذا كان يعلم بكذب الواقعة المبلغ عنها، ونوى الإضرار بالمبلغ ضده[162].

وإن كان العلم بكذب البلاغ يتضمن عادة نية الإضرار بالمبلغ ضده لذا فإن تطلب نية الإضرار – حيث لا يتصور تخلف الضرر – هو تحصيل حاصل.

مما يعني أن العلم بكذب الواقعة يغني عن توافر نية الإضرار، بإعتبار أنها إحدى لوازم العلم بكذب الواقعة، بينما لا تغني نية الإضرار عن العلم بكذب الواقعة، فقد تتوافر هذه النية، ولا تقوم جريمة البلاغ الكاذب، لعدم توافر العلم بكذب الواقعة[163].

وهذا ما أخذت به محكمة النقض الفرنسية، فقد إستقرت على أن سوء النية يكمن في معرفة الشاكي (المبلغ) بكذب الفعل المبلغ عنه.

"La mauvais foi reside dans "la connaissance par le plaignant (le dencciateur) de la faussete du fait denonce"[164].

وكذلك محكمة التمييز الاردنية، فقد قضت بأن المجمع عليه فقهاء وقضاء، أن الركن الأساسي في جريمة الإفتراء هو تعمد الكذب في التبليغ، وهذا يقتضي أن يكون المبلغ عالما يقينيا لا يداخله أي شك في أن الواقعة التي أبلغ بها كاذبة، وأن المبلغ ضده برئ منها، كما أنه يلزم لصحة الحكم بكذب لصحة الحكم بكذب البلاغ ان يثبت للمحكمة بطريق الجزم، توافر هذا العلم اليقيني، وأن تستظهر ذلك في حكمها بدليل ينتجه عقلا[165].


كما قضت بأنه من الثابت من نص المادة (210) من قانون العقوبات، أن عناصر المسؤولية عن جريمة الإفتراء تكون متوافرة متى ثبت علم المفترى ببراءة من قدمت ضده الشكوى أو الإخبار بإرتكاب جريمة، أو إذا أختلق ضده أدلة مادية تدل على وقوع الجرم[166].

وخلافا لذلك، إشترطت محكمة النقض المصرية للعقاب على جريمة البلاغ الكاذب توافر عنصرين هما:  العلم بكذب الواقعة المبلغ عنها، وقصد الإضرار بالمبلغ ضده.

فقد قضت بأنه من المقرر أن الركن الأساسي في جريمة البلاغ الكاذب هو تعمد الكذب في التبليغ، وهذا يقتضي أن يكون المبلغ عالما يقينيا لا يداخله أي شك في أن الواقعة التي أبلغ بها كاذبة وأن  المبلغ ضده بريء منها، كما يشترط لتوافر القصد الجنائي في تلك الجريمة، أن يكون الجاني قد أدم على تقديم البلاغ منتويا السوء والإضرار بمن أبلغ في حقه، مما يتعين معه أن يعني الحكم القاضي بالإدانة في هذه الجريمة ببيان هذا القصد بعنصرية[167].

وبأن الإباحة مشروطة بأن يكون البلاغ مقترنا بحسن النية ولا تشوبه شائبة من سوء القصد[168].

وبأنه من المقرر أنه يشترط لتحقق جريمة البلاغ الكاذب توافر ركنين:  هما ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها، وأن يكون الجاني عالما بكذبها ومنتويا السوء والإضرار بالمجني عليه، وأن يكون الأمر المخبر به مما يستوجب عقوبة فاعله ولو لم تقم دعوى بما أخبر به[169].

وتطبيقا لقضاء محكمة النقض الفرنسية ومحكمة التمييز الأردنية، لا تقوم مسؤولية البنك وموظفية القائمين بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، عن جريمة البلاغ الكاذب، عند ثبوت عدم صحة واقعة غسل الأموال المبلغ عنها، متى كانوا حسني النية، بإستهدافهم من البلاغ تحقيق الغرض الذي من أجله أوجب المشرع على البنوك الإبلاغ عنها، وهو معاونة السلطات العامة في الكشف عن جرائم غسل الأموال.

كما يستفيدون من الإباحة إذا كات الواقعة صحيحة، ولو كانوا سييء النية حيث لم يقصدوا بالإبلاغ سوى التشهير بالمبلغ ضده، لأن هذا هو الذي يتفق مع الغاية التي إستهدفها المشرع، وهو التشجيع على الإبلاغ عن جرائم غسل الأموال، بغية تحقيق معاونة السلطات العامة في كشف هذه الجرائم، والوصول إلى مرتكبيها، وهو ما لا يتحقق إذا انيطت الإباحة بالشرطين معا، صحة الواقعة وحسن النية، إذ مؤدي ذلك ألا تقوم البنوك على الإبلاغ إلا عندما يكون تحت يدها الدليل على صحة الواقعة فتضار بذلك المصلحة العامة.

ويبرر الإباحة في الحالة الأولى ( حسن النية عند ثبوت عدم صحة الواقعة) إخلاص البنك المبلغ للمصلحة العامة، وإن كان لم يوفق في خدمتها بينما يبررها في الحالة الثانية ( سوء النية عند صحة الواقعة) أن البنك قد أسدى الى المجتمع خدمة، وحقق له مصلحة ترجح على حق العميل في الشرف والإعتبار.

ويعد هذا تطبيقا لما يراه جانب من الشراح[170] بصدد جريمة البلاغ الكاذب.

هذا ويفترض الإعتقاد بصحة الواقعة المبلغ عنها، لأنه لا يتصور ان يتحقق الغرض الإجتماعي من وراء البلاغ إذا كان المبلغ يعتقد كذب الواقعة، مما يعني أنه كان غرضه التشهير بالمجني عليه[171].

الأمر الذي يعني أنه يعني أنه يقع على عاتق المبلغ ضده بالإشتباه في قيامه بعملية غسل أموال، عبء إثبات سوء نية القائمين على الإبلاغ بالبنك، بإستهدافهم التشهير به ، بعلمهم سلفا بكذب هذه الواقعة، حتى يتوافر في حقهم المسؤولية عن جريمة البلاغ الكاذب.

وليس من عناصر حسن نية المبلغ التثبت والتحري، لذا يتوافر حسن النية ولو كان البلاغ يستند إلى خفة وطيش، لما يقتضيه الإبلاغ عن الجرائم من سرعة، حتى تتخذ الإجراءات في شأنها في الوقت الملائم، إذ من شأن الإلزام بالتحري ان يعرقل ذلك، ولو أن القاضي قد لا يسلم بإدعاء المتهم إعتقاده صحة الواقعة إذا تبين له طيشه الظاهر[172].

تطبيقا لذلك، فإن البنك والقائمين عليه، لا يسألون جنائيا – وإن سئلو مدنيا – إذا كان البلاغ عن العمليات المالية المشبوهة قد صدر عن طيش وتسرع، لأنهم يعدون مع ذلك حسنو النية، وإن توافر في حقهم خطأ التسرع في الإبلاغ، وهو يستوجب المسؤلية المدنية[173].

فقد قضت محكمة النقض المصرية بأن مجرد تقصير المتهم في إقامة الدليل على صحة البلاغ وتسرعه فيه، لا يؤدي في العقل والمنطق إلى ثبوت علم المتهم بكذب البلاغ، ولا يدل على أنه قصد به الكيد للمبلغ ضده او الإضرار به[174].

وبأنه إذا انتفى القصد، فإن مسؤولية الجاني لا تقوم عن جريمة البلاغ الكاذب، ولو إتسم سلوكه بالخطأ، كأن كان نتيجة تهور أو تسرع على أن عدم قيام المسؤولية الجناية في حالة توافر الخطأ، لا يمنع من قيام المسؤولية المدنية[175].

25. في الفقه الإسلامي:

ما تقدم بيانه في القانون المقارن، يأخذ به الفقه الإسلامي، إذ لا تقوم جريمة البلاغ الكاذب إلا بالإدعاء طواعية بإتهام كاذب بقصد التشهير بالمدعى عليه[176].

فإذا ثبت ان المدعي أقام الدعوى كيدا وإضرارا بالمدعى عليه، عوقب جزائيا صيانة للأبرياء عن تسلط الأشرار والمعتدين[177].

خلافا لأصبغ من المالكية، حيث قال يؤدب، سواء أقصد أذيته أم لم يقصد[178]. كما أن من قام بشكية حق ينبغي أن يؤدب، وأقل الحبس ليندفع بذلك أهل الباطل[179].

وكذلك البلاغ الذي يكون صاحبه كاذبا فيه، وقاصدا أذى المبلغ ضده فإنه يعاقب تعزيرا لكذب المبلغ، ولما لحق بالمبلغ ضده من أذى[180].


المبحث الخامس
المسؤولية المدنية عن الخطأ في الإبلاغ
بين القواعد العامة وقوانين مكافحة غسل الأموال

26.  المسؤولية المدنية عن الخطأ في الإبلاغ طبقا للقواعد العامة:

إذ صدر حكم بالإدانة ضد العميل المبلغ ضده عن واقعه غسل الأموال المبلغ عنها عن طريق المؤسسات المالية، فإن هذا يحول دون الحكم بأي تعويض مدني ضد هذه المؤسسات، لإنتفاء الخطأ من جانبها، لما هو مقرر من أن الحكم بالإدانة الجنائية يتضمن معنى ثبوت الواقعة المبلغ عنها، فضلا عن خضوعها لأحكام قانون العقوبات، فالتبليغ عنها إما أن يكون إستعمالا لحق أو تنفيذا لواجب يأمر به القانون[181].

وعند الحكم ببراءة العميل من هذه التهمة، لعدم حصول الواقعة أصلا أو عدم ثبوت إسنادها إليه، فإنه إذا إنتفى لدى المؤسسات المالية كل خطأ في الإبلاغ، إنعدمت مسؤوليتها المدنية، متى كان الإبلاغ قائما على شبهة مستنتجة من أحوال وظروف معلومة تلقي على العميل مظنة إشتباهه في غسل أموال ، فعندئذ تعد المؤسسات المالية معذورة فيما أبلغت به، حيث لم يتوافر لديها رعونة أو عدم ترو.

أما عند صدور الإبلاغ عن تسرع وعدم إحتياط فإن هذا وإن كان لا يكفي لقيام المسؤولية الجنائية عن جريمة البلاغ الكاذب، فإنه لا يمنع من قيام المسؤولية المدنية، لتوافر الخطأ الموجب لتعويض الضرر، طبقا للمادة 1382 من القانون المدني الفرنسي، والمادة 163 من القانون المدني المصري.

فقد قضت محكمة النقض الفرنسية، بأن للمجني عليه في جريمة البلاغ الكاذب المطالبة بالتعويض، رغم براءة المبلغ متى ثبت ارتكابه لخطأ[182]. ويكفي في ذلك أن يكون مقدم البلاغ قد تصرف مع طيش أو تهور.

Il suffira que l'auteur d'une plainte ait agi avec legerte ou temerite[183].

أو عدم التبصر الذي لا يغتفر (d'imprudence regrattable) [184].

كما قضت محكمة النقض المصرية بأن عدم توافر سوء القصد، وإن كان يمنع من قيام المسؤولية الجنائية، فإن هذا لا يمنع من قيام المسؤولية المدنية، فيصبح القضاء بالتعويض، إذا ثبت أن الفاعل قد أقدم على التبليغ باتهام برئ عن تسرع وعدم ترو[185].

وبأنه إذا بنيت براءة المبلغ على إنتفاء أي ركن من أركان البلاغ الكاذب، فينبغي بحث مدى توافر الخطأ المدني المستوجب للتعوض من عدمه في واقعة التبليغ ذاته، فالتبليغ خطأ مدني يستوجب التعويض إذا كان صادرا عن تسرع في الإتهام أو بقصد التعريض بالمبلغ عنه والإساءة اليه وإلأى سمعته أو صدوره عن رعونة وعدم تبصر[186].

وبأن التبليغ عن الوقائع الجنائية حق لكل إنسان، بل هو واجب مفروض عليه، فا تصح معاقبته وإقتضاء التعويض عنه، إلا إذا كان قد تعمد الكذب فيه، أما اقتضاء التعويض من المبلغ من القضاء ببراءته من هذه الجريمة، فلا يكون لمجرد كذب بلاغة، ولحوق الضرر بالمبلغ ضده بل يجب أيضا أن يكون قد أقدم على التبليغ عن رغونة وعدم ترو دون أن يكون لذلك مبرر[187].

27.  خطأ البنوك في الإبلاغ يعتبر من الخطأ المهني الجسيم:

خطأ البنوك في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، يعتبر خطأ مهنيا  Faute Professionelle وهو الخطأ الذي يقع من صاحب المهنة في ممارسته لمهنته، كما هو الحال في الخطأ الذي ينسب الى البنك في أعماله البنكية مع العملاء.

وهذا الخطأ المهني يعتبر في جميع الأحوال خطأ جسيما (faute lourde) وهو الخطأ الذي يكون إهمالا او عدم إختياط لم يرده الفاعل، أو اندفاعا لم يتدبره، لأن الخطأ الذي يكون بسيطا في حق الشخص العادي، يصبح خطأ جسيما في حق الشخص صاحب المهنة، لأنه في ممارسته لمهنته، قد إعتاد يقضة معينة، فالمهنة تعد مركزا للخدمة الإجتماعية (Une poste de service soial) ومن ثم تفترض واجبات خاصة في حق من يقوم بها[188].

والخطا الجسيم بهذا المعنى، يختلف عن الخطأ غير المغتفر، الذي لا يتوافر في جانب الفاعل إلا حيث يريد حركته أو سكنته التي تترتب عليها ضررا دون قصد منه إلى تحقيق نتيجتها وإلا كان خطأ عمديا.

28.  إعفاء البنوك من المسؤولية المدنية عن الخطأ في الإبلاغ طبقا لقوانين مكافحة غسل الأموال:

لقد كان لخشية البنوك من المسؤولية المدنية عن تعويض الضرر الذي يلحق بالعميل معنويا، بالإساءة الى سمعته، وماديا بتجميد حسابه، بسبب الخطأ في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، تأثير سلبي في كشف عمليات غسل الأموال عن طريق البنوك.

ففي الولايات المتحدة الأمريكية، لم تبلغ البنوك إلا عن نسبة (5%) من حالات الإشتباه في غسل الأموال، و(95%) من هذه الحالات لم يتم الإبلاغ عنها، خشية المسؤولية المدنية عن الخطأ في الإبلاغ أو تجميد الحساب[189].  ووجوب تعويض الضرر الذي لحق بالعميل نتيجة هذا الإجراء، عند عدم ثبوت هذه الشبهة.

وتفاديا لذلك، أوصت مجموعة (FATF) الخاصة بوضع السياسات لمكافحة غسل الأموال، بأن تحمي المؤسسات المالية ضد أي مسؤولية جنائية أو مدنية عن إفشاء المعلومات .... ما دام رجال هذه المؤسسات يعملون بحسن نية (التوصية 16).

وتنفيذا لهذه التوصية، وتشجيعا للبنوك وللمؤسسات المالية بصفة عامة، على الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، وتحقيقا للتعاون الجدي مع جهود مكافحة غسل الأموال، نصت بعض القوانين على إعفائها من المسؤولية المدنية.

وقد كان أول من نص على ذلك، القانون البريطاني المتعلق بمكافحة الاتجار في المخدرات الصادر سنة 1986، فقد أعفى المؤسسات المالية من أية مسؤولية قبل من يقوم بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة وفقا لأحكام هذا القانون، كما نص على ذلك ايضا القانون الألماني.

وقد نصت المادة التاسعة من قانون البنوك السويسري طبقا لآخر تعديلاته في إبريل 1998م على عدم مسؤولية البنوك، لا جنائيا ولا مدنيا، عن قيامها بالإبلاغ عن عميل مشتبه فيه، متى كان هذا الإبلاغ يستند الى أسباب ومبررات معقولة.



وبالمثل نصت المادة العاشرة من قانون مكافحة غسل الأموال المصري، على أنه ".... وتنتفي المسؤولية المدنية متى كان الإعتقاد بقيام هذا الإشتباه مبنيا على أسباب معقولة".

29.  تقدير هذا الإتجاه:

إذا كانت بعض التشريعات قد منحت البنوك والمؤسسات المالية نوعا من الحصانة بإعفائها من المسؤولية المدنية، عن الخطأ في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة فإن ذلك يثير تساؤلا عن تعويض الضرر الذي لحق بالعميل عند عدم ثبوت شبهة غسل الأموال التي تم الإبلاغ عنها؟

يجيب البعض[190] على ذلك، بتأييد هذا الإتجاه التشريعي، مفضلا مصلحة البنوك في تمتعها بالحصانة الجنائية والمدنية، على مصلحة العملاء في تعويض الأضرار التي لحقتهم بسبب الإبلاغ عن شبهة لم يوجد ما يبررها.

وفي تقديري  أن هذا الإتجاه التشريعي والفقهي له خطورته، ذلك أن هذه الحصانة المدنية للمؤسسات المالية في هذا الصدد، يؤدي الى إهدار حق العميل، في تعويض الضرر الذي لحق به، سواء أكان ضررا معنويا يتمثل في الإساءة الى سمعته، أم ضررا ماديا يتمثل في تجميد حسابه أو تجنيبه.

ولا يبرر ذلك تشجيع البنوك والمؤسسات المالية على التعاون الجدي مع جهود مكافحة غسل الأموال، ذلك انه يجب مراعاة جانب العملاء الذين لحقهم ضرر بسبب البلاغ الذي ثبت عدم صحته، مع حسن نية البنك الذي استهدف تحقيق المصلحة العامة وذلك عن طريق تحمل الدولة لتعويض هذا الضرر، وهو ما أخذ به القانون الفرنسي.

30.  تحمل الدولة لتعويض الضرر الذي لحق بالعميل طبقا للقانون الفرنسي:

منح القانون الفرنسي المؤسسات المالية حصانة مدنية عن الخطأ في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، مع تحمل الدولة لتعويض الضرر الذي لحق بالعملاء بسبب هذا الخطأ.

فقد نصت الفقرة الثانية من المادة الثامنة من القانون الفرنسي رقم (90/614) الصادر في 12 يوليه 1990م، والمعدل بالقانون رقم 98 – 546 الصادر في 2 يوليه 1998م على انه:  "لا تقام أي دعوى مسؤولية مدنية، ولا يمكن أن يوقع جزاء مهني ضد المؤسسة المالية أو مديريها أو مأموريها الذين كانوا حسني النية في تقديم البلاغ المنصوص عليه في المادة الثالثة، على أن تتحمل الدولة تعويض الضرر المترتب مباشرة على هذا البلاغ[191].

وهذا إتجاه محمود من قبل المشرع الفرنسي[192]، يجب أن تأخذ به التشريعات الأخرى، ضمانا لكفالة تعويض الأفراد عن الأضرار التي لحقت بهم، عن أفعال استهدفت حماية المصلحة العامة.

فضلا عن أنه قد يصعب نسبة وجود خطأ ما إلى المؤسسات المالية أو إلى القائمين عليها، في تقديم البلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، كما إذا توافرت قرائن تبرر وجود شبهة غسل الأموال، يجب الإبلاغ عنها.

وعند وجود هذا الخطأ، فإنه يدخل غالبا ضمن الخطأ الذي يساهم فيه جميع أعضاء المجموعة المنظمين للنشاط، وإستحالة نسبة هذا الخطأ الى شخص محدد منهم، فإن الخطأ في التنظيم الذي جعل الحادث ممكنا، ينسب إليهم جميعا، وهذا يكفي لإعمال مسؤوليتهم التضامنية عما لحق بالمضرور، كأشخاص أساءوا تنظيم النشاط الذي إشتركوا جميعا في تنفيذه[193].

ويبدو أن المشرع الفرنسي أراد أن يستبعد الصعوبات التي تصاحب وجود هذا الخطأ في الإبلاغ، وما تثيرة المسؤولية التضامنية من مشكلات، وما تؤدي اليه من احجام المؤسسات المالية من الإقدام على الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، عند عدم التيقن من ثبوتها، الأمر الذي يضر بالمصلحة العامة، لعدم الإبلاغ الا عن القليل منها.

لذا رأى المشرع الفرنسي، تحمل الدولة تعويض الضرر المترتب على الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة التي ثبت عدم صحتها، تشجيعا للمؤسسات المالية على التعاون الجدي مع السلطات العامة في مكافحة غسل الأموال، وضمانا لتعويض الأضرار التي لحقت بالأفراد بسبب الإبلاغ الذي ثبت عدم صحته.

ويتفق هذا الإتجاه التشريعي، مع ما تأخذ به التشريعات من تسهيل حصول المضرور من الجريمة على كافة حقوقه، حتى تستقر الأوضاع الناشئة عن الجريمة، في أسرع وقت وبأيسر الإجراءات[194].

31.  أساس تحمل الدولة للتعويض:

لا يقوم تحمل الدولة لتعويض الضرر المترتب على الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، على اساس من تحمل التبعة، لأن نظرية تحمل التبعة وإن عدت أصلح النظريات التي قيلت لتأسيس مسؤولية الدولة أو المتبوع،  فمن ينتفع بنشاط غيره، عليه أن يتحمل تبعه ما ينجم عن ذلك النشاط من ضرر يصيب الغير والهيئة الإجتماعية ممثلة في الدولة[195].

إلا أنه لا يمكن قبول هذه النظرية لتحمل الدولة لهذا التعويض، لأن الدولة لا تسأل عن كل فعل ضار صدر من أحد موظفيها، ما لم يكن ذلك الفعل داخلا ضمن النشاط المكلف به ذلك الموظف، فضلا عن أن المؤسسات المالية لا تتبع جميعها الدولة، كشركات الصرافة والبنوك التجارية التي لا تخضع لسلطة الدولة إلا رقابيا فقط.

وبصدد البنوك على وجه الخصوص، فإنه يفرق بين البنك العام والخاص، من حيث ملكية رأس المال وتكوين الجهاز الإداري ونظم سيره[196].

ولا يعد موظفا عاما تسأل الدولة عن أخطائه، مديروا وموظفوا المشروعات المالية والمؤسسات المالية والتجارية التي تعتمد على الإدخار العام، حيث لا تخرج عن كونها هيئات خاصة تخضع للقانون الخاص كما لا تعد أموالها أموالا عامة[197].

كما لا تقوم مسؤولية الدولة عن هذا التعويض، على أساس قواعد المسؤولية الإدارية، حيث يصعب إثبات خطأ الإدارة في الإبلاغ، فضلا عن أن المسؤولية الإدارية تقوم على أساس المخاطر وتحمل التبعات، وهي لا تنشأ إلا في حالات نادرة وإستثنائية، وتستلزم نصا خاصا في أغلب الحالات[198].

وعلى ذلك، فإن أساس مسؤولية الدولة عن تعويض الضرر المترتب على الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، هو مسؤوليتها الإجتماعية[199]، بإعتبارها نوع من الإنصاف والتكافل الإجتماعي، يستهدف المساعدة الإنسانية والإجتماعية، وتنطوي على تقديم الخير والإحسان الى ضحايا الأفعال غير المشروعة.

والمسؤولية الإجتماعية للدولة، هي أساس تحملها لتعويض اضرار المجني عليهم في الجرائم بصفة عامة، عند عدم توافر مسؤوليتها القانونية[200].

وهو ذات الأساس الذي يقوم عليه صندوق تعويض ضحايا الإرهاب والجرائم الأخرى، في فرنسا:

"la fonds de garantie des victims des actes de terrorisme et d' autres infractions".
والذي تم إنشاؤه بالقانون الصادر في 9 سبتمبر 1986، والمعدل بقانون 30 ديسمبر 1986 حيث يعد التعويض مساعدة تقدمها الدولة، تعبيرا عن واجب التضامن (Secours)، والذي يعود بجذوره إلى إجتماعية المخاطر (Socialisation des resiques) [201].

32.  تحمل الدولة لتعويض الضرر الذي لحق بالعميل في الفقه الإسلامي:

يستند التعويض إلى قاعدة "الضرر يزال"[202]، وأصلها ما روى عن إبن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:  (لا ضرر ولا ضرار) [203].  ويقوم التعويض في الفقه الإسلامي على فكرة التعدي، وهي تشمل قصد إرتكاب الفعل الضار أو عدم التبصر والإهمال، وإساءة إستعمال الحق، بالإضافة إلى الخروج عن حدود الحق، وبذلك تقترب فكرة التعدي التي أخذ بها الفقه الإسلامي، من فكرة الخطأ التي جعلها القانون المقارن اساسا للمسؤولية المدنية[204].

وعند الحكم ببراءة العميل من تهمة غسل الأموال، أو عدم ثبوت صحة البلاغ المقدم ضده، يجب تعويضه عن الضرر الذي لحق به بسبب هذا البلاغ، حيث يعد هذا جبرا للمتهم البرئ.

وهذا التعويض يقع على عاتق المؤسسات المالية التي قامت بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، لأنها المتسبب المباشر للضرر.

ولكن إذا كان المتسبب المباشر للضرر منفذا لأمر من هو أكبر منه، تحمل الآمر عبء هذا التعويض، لأنه وإن كان عن إجتهاد منه، فأخطاء بدعوى حماية المجتمع، ورعاية مصالحه، فإن بيت مال المسلمين يضمن هذا التعويض[205].

وهو ما يصدق على المؤسسات المالية التي قامت بالإبلاغ بحسن نية، حيث إستهدفت حماية المجتمع من أضرار غسل الأموال المحرمة، بناء على قرائن توافرت لديها، تنفيذا لأمر أولي الأمر يوجب الإبلاغ، ثم ثبت عدم صحة البلاغ، حيث يجب أن يتحمل بيت مال المسلمين تعويض الضرر المترتب على هذا الإبلاغ.

ولهذا نظير في خطأ القاضي في حكمه، والشاهد في شهادته، حيث إختلف الفقهاء على ثلاثة أقوال فيمن يتحمل الدية، هل هو القاضي أو الشاهد، أو العاقلة، أو بيت المال؟

القول الثالث:  أنه تجب الدية في بيت المال، وبه قال الحنفية[206]، والقول الثاني عند الشافعية[207]، والرواية الثانية عن الإمام أحمد بن حنبل، وهو المذهب[208]، لأن القاضي نائب عن الله تعالى في أحكامه[209].


الخاتمة
وتشتمل على أهم النتائج والتوصيات المستخلصة من البحث

33.  أهم النتائج:

1.      أن عمليات غسل الأموال غير المشروعة تحدث الآن تقريبا في جميع دول العالم، وخصوصا الدول التي تمر بعمليات إصلاح إقتصادي، كما أن ثمة علاقة وطيدة بين عمليات غسل الأموال والفساد.
2.      أن عمليات غسل الأموال أصبحت ظاهرة عالمية، حيث تساعد المنظمات الإجرامية على إختراق وإفساد الهياكل الإقتصادية والمؤسسات المالية والتجارية المشروعة في المجتمع، مما يؤدي إلى إهتزاز بنيانه المالي.
3.      أن جريمة غسل الأموال، لما لها من آثار إقتصادية، تعد من قبيل الجرائم الإقتصادية بمعناها الواسع، الذي يشمل الجرائم الموجهة ضد الذمة المالية والتي ترتكب أثناء مباشرة النشاط الإقتصادي أو لها علاقة بالنشاط الإقتصادي.
4.      أن القانون المقارن يتفق مع الفقه الإسلامي في تجريم غسل الأموال، حيث يعد غسل الأموال جريمة تعزيرية في الفقه الإسلامي، لما فيه من غش وخداع وحيل وإضرار بالمصالح العامة.
5.      أن للبنوك وللمؤسسات المالية بصفة عامة، أهميتها في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، حيث يصعب إجراؤها خارجها، فضلا عن أن البنوك تعد هي المستهدف الرئيسي في عمليات غسل الأموال، لدورها الكبير في تقديم مختلف الخدمات المصرفية.
6.      أن البنوك الإلكترونية تمثل تحديا كبيرا في كشف عمليات غسل الأموال، لما تؤدي اليه من صعوبة التحقق من الهوية الحقيقية لغاسلي الأموال، ولذا أصدرت العديد من دول العالم قانونا يعالج موضوع التوقيع الإلكتروني، وإن ظلت المشكلة قائمة لإمكان إختراق التوقيع الإلكتروني.
7.      أن التزام البنوك والمؤسسات المالية بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، يعد قاعدة قانونية جنائية في أغلب التشريعات، وهو أمر يتفق مع الفقه الإسلامي، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يكون فرض عين إذا توافرت شروطا أو ظروفا خاصة في مسلم بعينه، إذا كان يرجى منه القبول لأي سبب من الأسباب تجعل كلمته مسموعة، وكذلك إذا توقع ان نهيه عن المنكر هو الطريق لرد المظالم، ولولي الأمر أن يفرض العقوبة التعزيرية المناسبة من حبس وغرامة ونحوهما عند مخالفة هذا الواجب منعا لتفشي المنطرات في المجتمع.
8.      أنه يكفي توافر قرينة أو قرائن على وجود شبهة غسل الأموال، لوجوب الإبلاغ عنها للسلطات المختصة، لأن الإبلاغ لا يترتب عليه آثار قانونية معينة، وإنما هو مجرد إحاطة السلطات المختصة بوقوع عملية يشتبه في أنها تستهدف غسل أموال، وهذا امر محل إتفاق بين القانون المقارن والفقه الإسلامي.
9.      لا تسأل البنوك والمؤسسات المالية، بسبب الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، عن جريمة إفشاء السر المصرفي، إستنادا إلى أداء واجب الإبلاغ، ولأن السرية المصرفية يجب ألا تكون عائقا أمام قيام المؤسسات المالية بواجبها في الإبلاغ، وهذا أمر محل اتفاق بين القانون المقارن والفقه الإسلامي.
10. لا تسأل البنوك والمؤسسات المالية بسبب الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، عن جريمة البلاغ الكاذب، عند عدم ثبوت صحة البلاغ، متى كانت حسنة النية، بإستهدافها حماية المصلحة العامة، وليس الإضرار بالعميل المبلغ ضده، وهذا امر محل إتفاق بين القانون المقارن والفقه الإسلامي.
11. أن العديد من التشريعات تقرر حصانة مدنية للبنوك والمؤسسات المالية، عن الخطأ في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، مما يؤدي إلى إهدار حق العملاء في تعويض الأضرار المادية والمعنوية التي لحقتهم بسبب الإبلاغ.
12. أن القانون الفرنسي منح البنوك والمؤسسات المالية حصانة مدنية، مع تحمل الدولة لتعويض الضرر الذي لحق بالعملاء بسبب البلاغ الذي ثبت عدم صحته، بناء على مسؤولية الدولة الإجتماعية، وهو ما يتقبله الفقه الإسلامي، بناء على أن المبلغ يؤدي واجبه لصالح العدالة، لذا وجب أن يتحمل بيت المالي أداء ما يجب عنه ضمانا لخطئه.

34.  أهم التوصيات:

1.    يجب أن تتسم بالمرونة القواعد التي تنظم التوقيع الإلكتروني، حتى تتمكن من مواجهة التقدم العلمي المذهل في هذا المجال، وبالتالي إماكن الوقوفعلى من يوقم بالعمليات المالية المشبوهة عن طريق البنوك الإلكترونية.
2.    يجب أن تحذو التشريعات حذو القانون الفرنسي، في تحمل الدولة لتعويض الضرر الذي لحق بالعملاء بسبب البلاغ الذي ثبت عدم صحته، فهذا يمثل ضمانة لهم في إستيفاء التعويض، وتشجيعا للمؤسسات المالية على التعاون الجدي مع جهود مكافحة غسل الأموال، دون الخوف من المسؤولية المدنية


قائمة بأهم المصادر والمراجع
مرتبة حسب ورودها في البحث

أولا:  باللغة العربية:

1.    القرآن الكريم.
2.    دراسة حول قانون مكافحة غسل الأموال:  للدكتور محيي الدين علم الدين، ملحق خاص، الأهرام الإقتصادي، العدد 1753، 12 أغسطس 2002م.
3.    الآثار الإقتصادية والإجتماعية للفساد في الدول النامية:  لزياد عربية بن علي مجلة الأمن والقانون، كلية شرطة دبي، السنة العاشرة، العدد الأول، شوال 1422هـ يناير 2002م.
4.    السياسة الوقائية في مكافحة الجريمة:  للدكتور محمد علي جعفر، مجلة الأمن والقانون، كلية شرطة دبي، السنة السادسة، العدد الثاني، ربيع أول 1419هـ يوليه 1998م.
5.    الجريمة المنظمة في ظل الإتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية:  للدكتورة فائزة يونس الباشا، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 2001م.
6.    غسيل الأموال في مصر والعالم، الجريمة البيضاء، أبعادها آثارها، كيفية معالجتها:  للدكتور حمدي عبد العظيم، الطبعة الأولى، القاهرة 1997م.
7.    أبعاد ومكونات الإقتصاد الخفي، دراسة في آليات الإقتصاد الخفي وطرق علاجه:  للدكتور صفوت عبد السلام عوض الله، مجلة العلوم القانونية والإقتصادية، كلية الحقوق، جامعة عين شمس، السنة الثالثة والأربعون، العدد الثاني، يوليه 2001م.
8.    الآثار الإقتصادية والإجتماعية لغسيل الأموال: للدكتور السيد أحمد عبد الخالق، القاهرة 1997 – 1998م.
9.    الجرائم الإقتصادية في القانون المقارن، الجزء الأول، الأحكام العامة والإجراءات الجنائية:  للدكتور محمود محمود مصطفى، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي 1979م.
10.      المسؤولية الجنائية عن الجرائم الإقتصادية:  للدكتور عبد الرؤوف مهدي، منشأة المعارف، الإسكندرية 1976م.
11.      تطور المكافحة الدولية لغسيل الأموال ومعوقاتها: للدكتور محمد محيي الدين عوض، المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، المجلد 17، السنة 17، العدد 23 محرم 1423هـ إبريل 2002م.
12.      توصيات مؤتمر الأمم المتحدة التاسع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين 1995م، منشورات الأمم المتحدة.
13.      تقرير عن مؤتمر المخدرات وغسيل الأموال الذي عقد في الولايات المتحدة الأمريكية:  للدكتور محمود أحمد الكندري، مجلة الحقوق، جامعة الكويت، السنة الثانية والعشرون، العدد الثالث، جمادي الآخرة 1419ه، سبتمبر 1998م.
14.      تجريم غسيل الأموال في التشريعات المقارنة:  للدكتور أشرف توفيق شمس الدين، دار النهضة العربية 2001م.
15.      المسؤولية الجزائية عن إفشاء السر المصرفي، دراسة مقارنة: لمحمد عبد الودود أبو عمر.  دار وائل للطباعة والنشر، عمان، الأردن 1999م.
16.      الجديد في قانون البنوك الأردني رقم 28 لسنة 2000:  لمحمود الكيلاني، مجلة البنوك، الصادرة عن جمعية البنوك الأردنية، العدد الثامن، المجلد الثامن عشر، أكتوبر 2000م.
17.      غسل الأموال:  لخالد السقاف، مجلة البنوك، العدد الثامن، المجلد الثامن عشر، أكتوبر 2002م.
18.      نطاق مسؤولية المصرف والوسائل القانونية الإلكترونية في الإثبات:  لمفلح عقل، وحازم الصمادي، مجلة البنوك، العدد العاشر، المجلد التاسع عشر، ديسمبر 2000م.
19.      الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان:  لأن نجيم، مؤسسة الحلبي للنشر والتوزيع، القاهرة 1387هـ 1968م.
20.      ميزان الأصول في نتائج العقول:  لعلاء الدين شمس النظر أبي بكر محمد بن أحمد السمرقندي، تحقيق الدكتور محمد زكي عبد البر، الطبعة الأولى 1404 هـ 1984م.
21.      شرح البخشي، مناهج العقول:  للإمام محمد بن الحسن البدخشي، ومعه شرح الأسنوي:  للإمام جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي، كلاهما شرح منهاج الوصول في علم الأصول:  للقاضي البيضاوي، مكتبة مصطفى البابي الحلبي.
22.      الإحكام في أصول الأحكام:  للآمدي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1400هـ 1980م
23.      الجامع لأحكام القرآن:  للقرطبي، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة 1367هـ 19673.
24.      روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: للألوسي، مكتبة دار التراث، القاهرة.
25.      أحكام المال الحرام وضوابط الإنتفاع والتصرف به في الفقه الإسلامي: للدكتور عباس أحمد محمد الباز، دار النفائس للنشر والتوزيع، عمان، الأردن 1818هـ 1998م.
26.      الفروق:  للقرافي، عالم الكتب، بيروت.
27.      الذخيرة:  للقرافي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1994م.
28.      إحياء علوم الدين:  للغزالي، دار الفكر، بيروت 1989.
29.      مجموع فتاوي شيخ الإسلام: إبن تيمية: الطبعة الأولى 1398هـ.
30.      رد المحتار:  لإبن عابدين، على الدر المختار شرح تنوير الأبصار:  للحصفكي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1407هـ 1987م
31.      إعلام الموقعين عن رب العالمين:  لإبن قيم الجوزية، دار الجيل، بيروت.
32.      الموافقات في أصول الشريعة:  للشاطبي، دار الفكر.
33.      قواعد الأحكام في مصالح الانام:  للعز بن عبد السلام، دار الجيل، بيروت 1400هـ 1980م.
34.      إدرار الشروق على أنواء الفروق: لأبن الشاط، مطبوع بذيل الفروق.
35.      الأشباه والنظائر في قواعد وفورع فقه الشافعية:  للسيوطي، دار إحياء الكتب العربية.
36.      الحلا والحرام في الإسلام:  للدكتور يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القهرة 1397هـ 1977.
37.      كتاب أدب القاضي:  للخصاف، شرح ابي بكر احمد بن علي الرازي، دار نشر الثقافة، القاهرة 1400هـ، 1980م.
38.      مغني المحتاج إلى معرفة معاني الفاظ المنهاج:  للشيخ محمد الشربيني الخطيب، على متن منهاج الطالبين:  للنووي، المكتبة التجارية الكبرى 1374ه، 1955م.
39.      المغني: لأبن قدامة، ومعه الشرح الكبير للمقدسي:  دار الفكر، بيروت 1404ه، 1484م.
40.      المحلى:  لإبن حزم، دار التراث، القاهرة.
41.      كتاب الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير:  للصنعاتي، دار الجيل بيروت.
42.      شرح كتاب النيل وشفاء العليل:  لأطفيش، مطبوع مع كتاب النيل وشفاء العليل، للتميمي، مكتبة الإرشاد، جدة، 1405هـ 1985.
43.      صحيح مسلم بشرح النووي: دار الفكر، بيروت.
44.      سنن النسائي: بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، وحاشية الإمام السندي: دار إحياء التراث العربي، بيروت -  لبنان.
45.      سنن ابي داود: المكتبة العصرية، صيدا، بيروت.
46.      سنن أبن ماجة:  دار الفكر العربي.
47.      المبسوط:  للسرخسي، دار المعرفة، بيروت.
48.      بداية المجتهد ونهاية المقتصد:  لأبن رشد، مكتبة مصطفى البابي الحلبي 1979 هـ.
49.      المختصر النافع في فقه الإمامي:  مطبعة وزارة الأوقاف العراقية، بغداد 1377هـ.
50.      البحر الزخار الجامع لمداهب علماء الأمصار:  لأحمد بن يحيى المرتضى مؤسسة الرسالة، بيروت 1399هـ.
51.      النظرية العامة للموجبات والعقود في الشريعة الإسلامية:  للدكتور صبحي محمصاني، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان 1983م.
52.      تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام: لأبن فرحون، مطبوع بهامش فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، لعليش مكتبة مصطفى البابي الحلبي 1378هـ 1958م.
53.      لسان العرب: لأبن منظور، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت 1388هـ 1968م.
54.      حق الدولة في العقاب:  للدكتور عبد الفتحح مصطفى الصيفي، جامعة بيروت العربية 1971م.
55.      شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، للدكتور محمود محمود مصطفى، مطبعة جامعة القاهرة 1984م.
56.      موسوعة الفقه الإسلامي:  المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة 1411هـ 1990م.
57.      حقوق المتهم في مرحلة جمع الإستدلالات، دراسة مقارنة بالتطبيق على التشريعين الإماراتي والمصري:  للدكتور ناصر عبد الله حسن محمد، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة عين شمس، 2001م.
58.      مجموعة أحكام النقض المصرية، الدائرة الجنائية.
59.      الحسبة في الإسلام:  لإبن تيمية، مكتبة دارة الأرقم، الكويت 1403 هـ 1983م.
60.      الكفاح ضد الجريمة في الإسلام: للمستشار محمد ماهر، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة 1392هـ 1972م.
61.      المسؤولية الإجتماعية في الإسلام:  للدكتور سعد المرصفي، مكتبة المعلا، الكويت، 1408هـ 1988م.
62.      المواجهة التشريعية لظاهرة غسل الأموال المتحصلة من جرائم المخدرات، دراسة مقارنة:  للدكتور طاهر مصطفى: رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1422 هـ 2001م.
63.      العولمة وآثارها في تطوير الجريمة:  لعمر محمد خير الحاج، مجلة الأمن والقانون، كلية شرطة دبي، السنة العاشرة، العدد الأول، شوال 1422 هـ يناير 2002م.
64.      جريمة الإمتناع، دراسة مقارنة:  للدكتور مزهر جعفر عبد، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1999م.
65.      النظرية العامة للتجريم، دراسة في فلسفة القانون الجنائي، للدكتور أحمد محمد خليفة، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1959م.
66.      الجرائم المادية والمسؤولية الجنائية دون خطأ، دراسة مقارنة:  للدكتور أحمد عوض بلال:  دار النهضة العربية 1993م.
67.      المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية:  للدكتور إبراهيم علي صالح، دار المعارف 1980م.
68.      المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، دراسة مقارنة:  للدكتور محمود هشام محمد رياض، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1421هـ 2000م.
69.      عمليات البنوك من الوجهة القانونية في قانون التجارة الجديد وتشريعات البلاد العربية:  للدكتور علي جمال الدين عوض، دار النهضة العربية 2000م.
70.      موسوعة أعمال البنوك من الناحيتين القانونية والعملية:  للدكتور محيي الدين إسماعي علم الدين، 1993 من الجزء الأول.
71.      المسؤولية الجنائية عن الاعمال البنكية:  للدكتورة غادة عماد الدين الشربيني:  رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة عين شمس 1998م.
72.      النقود والمصارف في النظام الإسلامي:  للدكتور عوف محمد الكفراوي، دار الجامعات المصرية.
73.      التضامن الإسلامي في المجال الإقتصادي:  للدكتور غريب الجمال، دار الشروق، جدة، 1396هـ، 1976م.
74.      الإستثمار والرقابة الشرعية في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية: للدكتور عبد الحميد محمود البعلي: مكتبة وهبة، القاهرة، 1411هـ ، 1991م.
75.      نظام الإدارة في الإسلام:  دراسة مقارنة بالنظم المعاصرة:  للدكتور القطب محمد القطب طبلية، دار الفكر العربي 1985م.
76.      الشخصية الإعتبارية بين الفقه والقانون:  للدكتور محمد السيد الدسوقي: حولية كلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، العدد التاسع عشر 1422هـ 2001م.
77.      الشائعات في قانون العقوبات المصري والقوانين الأخرى، تأصيلا وتحليلا:  للدكتور محمد هشام ابو الفتوح، دار النهضة العربية، 1995م.
78.      معالم القربة في أحكام الحسبة:  لأبن الإخوة، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1976م.
79.      النظام القانوني للحسابات السرية، دراسة مقارنة:  للدكتور عبد المولي على متولي، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 2001م.
80.      جرائم غسيل الأموال، الجزء الأول، حماية البنوك من جرائم غسيل الأموال:  ليونس عرب: مجلة البنوك، العدد التاسع، المجلد التاسع عشر، نوفمبر 2000م.
81.      البنوك الإلكترونية: الجزء الأول، الفكرة وخيارات القبول والرفض، ليونس عرب، مجلة البنوك، العدد الثالث، المجلد التاسع عشر، إبريل 2000م.
82.      غسيل الأموال الإلكتروني:  لحسام العبد، مجلة البنوك، العدد السابع، المجلد التاسع عشر، سبتمبر2000م.
83.      حول تشريعات التجارة الإلكترونية وإستعمالاتها في البنوك:  لأسامة ملكاوي، مجلة البنوك، العدد الثامن، المجلد الثامن عشر، أكتوبر 2000م.
84.      بعض الجوانب القانونية للتوقيع الإلكترونية:  للدكتور علي سيد قاسم، مجلة القانون والإقتصاد، التي تصدرها كلية الحقوق، جامعة القاهرة، العدد الثاني والسبعون 2002م.
85.      النظام القانوني للتجارة الإلكترونية، الكتاب الثاني، الحماية الجنائية لنظام التجارة الإلكترونية:  للدكتور عبد الفتح بيومي حجازي، دار الفكر الجامعي الأسكندرية 2002م.
86.      سرقة المعلومات المخزنة في الحاسب الآلي:  للدكتور عبد الله حسين علي محمود، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة عين شمس 2001م.
87.      سر المهنة المصرفية في القانون الكويتي، دارسة مقارنة:  للدكتور يعقوب يوسف صرخوه، 1989م.
88.      النظرية العامة لجريمة إفشاء الأسرار في التشريع الجنائي المقارن:  للدكتور سيد حسن عبد الخالق:  رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة عين شمس 1987م.
89.      قانون الأعمال، دراسة نظرية وتطبيقات عملية، للكتور سليمان بوذياب، عبد الله الياس البيطار، دار العلم للملايين، بيروت 1988م.
90.      دور البنوك في مكافحة غسيل الأموال:  للدكتور جلال وفاء محمدين، دار الجامعة الجديدة للنشر والتوزيع، الإسكندرية 2001م.
91.      حماية الحياة الخاصة للأفراد وضماناتها في مواجهة الحاسوب الآلي:  للدكتور محمد عبد المحسن المقاطع، مطبوعات جامعة الكويت 1992م.
92.      الكامل في قانون التجارة، عمليات المصارف، الجزء الثالث، لإلياس نصيف منشورات عويدات بيروت، باريس، الطبعة الأولى 1983م.
93.      مسؤولية المصرف الجنائية عن الأموال غير النظيفة، ظاهرة غسيل الأموال:  للدكتور سليمان عبد المنعم، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية 1999م.
94.      الحماية الجنائية لسرية الحسابات البنكية في القانون المصري، للدكتور محمد كبيش، مجلة القانون والإقتصاد، التي تصدرها كلية الحقوق، جامعة القاهرة العدد التاسع والستون1999م.
95.      البرنامج التدريبي التعريفي حول ظاهرة غسيل الأموال وسبل مكافحتها وخطورتها وآثارها السلبية على إقتصاديات الدول، والإنعكاسات المتأتية نتيجة ذلك على البنوك والمؤسسات العامة والمجتمع:  الذي عقده بنك قطر الوطني بالتعاون مع معهد البحرين للدراسات المصرفية، في يوم الأحد 26 من ربيع الآخر 1423 هـ 7 يوليو 2002م، غير منشور.
96.      القذف والسبب في حق الموظف العام والمكلف بخدمة عامة في قانون العقوبات الإتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة:  للدكتور محمود نجيب حسني، مجلة الأمن والقانون، كلية شرطة دبي، السنة الأولى، العدد الثاني، يوليه 1993م.
97.      التجسس وإفشاء الأسرار بين الحل والحرمة:  للدكتور توفيق يوسف الواعي، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الكويت، مجلس النشر العلمي، السنة الثانية عشرة، العدد الحادي والثلاثون، ذو العقدة 1417هـ إبريل 1999م.
98.      شرح قتح القدير: للكمال بن الهمام، دار صادر، بيروت.
99.      القصد الجنائي في القانون المصري والمقارن:  للدكتور عبد المهيمن بكر سالم، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1959.
100.الحماية الجنائية للحق في الشرف والإعتبار، دراسة تحليلية تأصيلية:  للدكتور عبد الرحمن محمد إبراهيم خلف، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1992م.
101.موضع الضرر في البنيان القانوني للجريمة، دراسة تحليلية تأصيلية:  للدكتور عبد المنعم محمد إبراهيم رضوان، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1994م.
102.المجلة القضائية التي يصدرها المعهد القضائي الأردني: عمان الأردن.
103.شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، للدكتور محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية 1988م.
104.شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، للدكتور عمر السعيد رمضان، دار النهضة العربية 1986م.
105.مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض المصرية، الدائرة الجنائية:  لمحمود عمر.
106.معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام: للطرابلسي، مكتبة مصطفى البابي الحلبي 1393هـ 1973م.
107.مواهب الجليل لشرح مختصر خليل:  للحطاب، وبهامشه، التاج والإكليل لمختصر خليل:  للمواق، دار الفكر 1398هـ 1978 م.
108.الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، لأبن قيم الجوزية، دار الفكر اللبناني للطباعة والنشر 1991م.
109.الشرح الكبير:  للدردير، مكتبة عيس البابي الحلبي.
110.قوانين الأحكام الشرعية:  لأبن جزى الغرناطي، دار العلم للملايين، بيروت 1974م.
111.التعزير في الشريعة الإسلامية:  للدكتور عبد العزيز عامر، دار الفكر العربي 1396هـ 1976م.
112.المشكلات العملية الهامة في الإجراءات الجنائية، الجزء الأول، للدكتور رؤوف عبيد، دار الفكر العربي، 1980م.
113.الخطأ غير المغتفر، سوء السلوك الفاحش والمقصود: للدكتور محمد السعيد رشدي، مطبوعات ج امعة الكويت 1416هـ 1995.
114.ظاهرة غسيل الأموال وأثرها على الإقتصاد الوطني:  للسيد يعقوب حبيب، حلقة نقاشية عقدتها كلية الحقوق، جامعة الكويت في 10/5/1998م، مجلة الحقوق ، السنة الثانية والعشرون، العدد الثالث، جمادي الآخر 1419هـ سبتمبر 1998م.
115.ظاهرة غسيل الأموال وأثرها على الإقتصاد الوطني:  لنعيم شحادة، الحلقة النقاشية السابق الإشارة اليها.
116.مشكلة تعويض الضرر الذي يسببه شخص غير محدد من بين مجموعة محددة من الأشخاص:  لللدكتور محمد شكري سرور، دار الفكر العربي 1983م.
117.المسؤولية المدنية للدولة عن أخطاء موظفيها: للدكتور عادل أحمد الطائي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان – الأردن 1999م.
118.الموظف العام في قانون العقوبات : للدكتور أحمد طه محمد خلف الله، رسالة دكتوراه كلية الحقوق ، جامعة القاهرة، 1991م.
119.قضاء التعويض وطرق الطعن في الأحكام:  للدكتور سليمان الطماوي، دار الفكر العربي، 1986م.
120.مسؤولية الموظفين ومسؤولية الدولة في القانون المقارن:  للدكتور طلال عامر المهتار، 1402، هـ 1982م.
121.تعويض الدولة للمجني عليهم في جرائم الأشخاص، دراسة مقارنة في علم المجني عليه، للدكتور يعقوب حياتي، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية، 1977م.
122.حقوق المجني عليه وطرق كفالتها له، دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي: للدكتور أبو الوفا محمد أبو الوفا، رسالة دكتوراه، كلية الشريعة والقانون بالقاهرة، جامعة الأزهر 141 – 1994م.
123.الحماية الجنائية لحقوق ضحايا الجريمة:  للدكتور أحمد محمد عبد اللطيف الفقي، رسالة دكتواره، كلية الحقوق، جامعة عين شمس 1421 هـ 2000م.
124.مسند الإمام احمد بن حنبل:  دار المعارف بمصر 1951م.
125.النظام الإسلامي في تعويض المضرور من الجريمة:  للدكتور هلال فرغلي هلال، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض، 1410هـ 1990م.
126.تعويض المتهم:  للدكتور محمد رأفت سعيد، ندوة المتهم وحقوقه في الشريعة الإسلامية، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض 1406هـ 1986م، الجزء الثالث.
127.المجموع شرح المهذب: للنووي دار الفكر، بيروت.
128.كشاف القناع:  للبهوتي، دار الطباعة للنشر والتوزيع، بيروت.

تعليقات