القائمة الرئيسية

الصفحات



مبدأ حسن النية في العقود قراءة في المفهوم نحو تكريس المدلول.

مبدأ حسن النية في العقود قراءة في المفهوم نحو تكريس المدلول.




من إعداد الباحث هشام ادااحمد إبراهيم.


تعد العقود من ضمن الأمور الضروریة في حیاة الإنسان، ففي الیوم الواحد یبرم الفرد العدید
من التصرفات القانونیة، مما یجعلھ یحتك بالعدید من الأطراف إلا أن طغیان الجانب المادي
في عصرنا الحاضر وأمام سعي مختلف الأطراف إلي تحقیق الربح المادي بمختلف الوسائل
قد أدى إلي انتشار العدید من الممارسات اللا أخلاقیة من قبیل الاحتیال واستعمال الوسائل
التدلیسیة للاعتداء على أموال الغیر، مما تطلب ضرورة وضع ضوابط وقیود لھذه العلاقات.
وھو ما سأحول بسطھ في ھذه المداخلة إیمانا منى بدور الأخلاق في ضبط العلاقات القانونیة
، إذ أعتبر ذالك مدخل الإصلاح الحقیقي، للوضع الحالي في ظل التغیرات الحدیثة التي
مست مختلف جوانب الحیاة ومع تزید الاھتمام بالمادیة، ولعلى من ضمن الأمور المتفق
علیھا الیوم في إطار الحدیث على تأھیل المھن سوء القانونیة أو القضائیة أھمیة التخلق في
توفیر النجاعة والحكامة، وقیاس على ذالك فإن العقد الیوم في حاجة الي أحیاء البعد المعنوي
المثمتل في مبدأ حسن النیة إذ ھو مفھوم قدیم حدیث في نفس الان، إذ ثم إیراده في تشریعات
متعددة تعود لأزمان غابرة، من ھنا تبرز الحاجة إلي ضرورة ترسیخ القواعد الأخلاقیة في
العلاقات التعاقدیة من قبیل مبدأ حسن النیة فما المقصود بھذا المبادئ وما ھي حدوده؟
لقد ظھر حسن النیة كحاجة للموازنة بین الشكلیة التي كانت تستوجبھا القوانین
الرومانیة، وكذا محاولة ضبط حریة الإرادة واستقلالیتھا التي عرفت أوجھا في القرن التاسع
عشر، ولتجاوز ھذا الوضع تولد ھذا المبدأ وكان لھ تأثیر بلیغ في القوانین الحدیث، خاصة
قانون العقود لتترسخ مجموعة من المبادئ القانونیة مثل الالتزام التعاقدي السابق للتفاوض
وبطلان البنود أو الشروط التعسفیة....





لم یعرف ھذا المبدأ مكانتھ في التصرفات القانونیة دفعة واحدة، بل كان یتطور تدریجیا بتقدم
1 وتطور دور الإرادة حسب النزعة السائدة في الأنظمة المختلفة قدیما وحدیثا.

فقد برزت
الحاجة إلي ھذا المبدأ تزمنا مع ظھور مبدأ سلطان الإرادة، لذا فإن دور مبدأ حسن النیة
یرتبط ارتباطا وثیقا بدور الإرادة في العقد، فعندما كان دور الإرادة في العقود منعدما، یكون
الوضع كذالك لمبدأ حسن النیة، وقد ثر ھذا الأمر وبرز بشكل لافت في الآونة الأخیرة مع
موجة العقود ذات الصبغة الإذعانیة التي یكون لأحد الأطرف سلطة واسعة في التعاقد.
حسن النیة ھو مفھوم كلاسیكي عرف أوجھ في القانون الفرنسي، إذ یوفر للأشخاص
إمكانیة تدخل القاضي في العقد بشكل واسع، إلا أنھ بالرغم من الدراسات العدیدة التي
خصصت لھذا المفھوم، لا تزال الشكوك قائمة حول معناه أو مجال تطبیقھ، أو حتى
التغییرات التي قد یتعین علیھ مسایرتھا تحت تأثیر التغیرات الحدیثة، فعلى الرغم من أن
تدوین فكرة حسن النیة وتقننھا، لا یبدو في الوھلة الأولى، تغیرا لما كان موجودا، إما في
القوانین السابقة أو قبل التقنین، إلا أن فحص الأحكام والمقتضیات التي تتناول حسن النیة،
یظھر أنھا تتناول بعض التغییرات التي لا یمكن تجاھلھا، ھذه التغیرات لیست محدودة أو
بسیطة، بل تتأسس على نھج جدید لتطبیق ھذه القواعد.
المفھوم الحدیث لحسن النیة، الذي اعتمده المشرع في القوانین الحدیثة، خاصة في ظل سلسلة
الإصلاحات التشریعیة، توقع التزام على عاتق المتعاقدین بحیث یفرض علیھم الأخذ بعین الاعتبار حقیقة أن حسن النیة لم یعد التزاما أخلاقیا، بل أصبح التزام قانوني قائم الذات
،ووجوده وتكوینھ الخاص بھ، بحیث قد یكون في بعض الحالات مستقل عن الإلتزمات
الأخرى أو یكون مكملا لھا، مما یفرض على المدین الالتزام بالاحترام ووجب الوفاء و
التصرف بكل تجرد وحسن نیة، بغض النظر عن الوضع الذي یجد نفسھ فیھ، باعتبار ھذا
الالتزام نابع عن العلاقة التعاقدیة بل ذالك یشكل أثار یترتب عن ھذا الالتزام.
لعلى الحدیث عن مبدأ حسن النیة لا یستقیم دون استحضار مكانة ھذا المبدأ ضمن التشریع
المغربي، بالرغم أن مجال ھذه المداخلة ضیق إذ لا یستوعب مختلف الإشكالات المرتبطة
بھذا الموضوع، ھذا ما یقود للبحث في التشریع المغربي على بعض تطبیقات مبدأ حسن النیة
في العقود ، ولعلى أول فصل یرسخ لھذا المبدأ ھو الفصل 231 من قانون الالتزمات
2 والعقود الذي ینص على أن" كل تعھد یجب تنفیذه بحسن نیة "،






من خلال ھذا الفصل یتضح جلیا وعي المشرع بأھمیة مبدأ حسن النیة في العقود، لكن قبل ذالك تجدر الإشارة إلي
أن المشرع المغربي لم یعرف ھذا المبدأ، كما أنھ على الرغم من الدور الجوھري الذي تلعبھ النیة في العقود لما لھا من صلة وثیقة بانصراف الإرادة لإحداث أثر قانوني ودورھا المھم
في مجال الالتزامات واكتساب الحقوق، إلا أنھ لا یوجد تعریف لھا أو تحدید لمدلولھا سواء
في النصوص القانونیة أو الاجتھادات القضائیة، فضلا عن التعارض الفقھي الذي ظھر
عندما حاول الفقھ ان یضع مفھوما دقیقا لمبدأ حسن النیة، فوقع الخلط بین النیة والإرادة
والباعث.
وكمحاولة لإعطاء تعریفا لھذا المبدأ دون الخوض في الجدال الفقھي حول التعریف الصحیح
أو الشامل، نستدل بتوجھ محكمة النقض المصریة إذ عرفت حسن النیة بأنھ "اعتقاد
المتصرف إلیھ اعتقادا تاما حین التصرف أن المتصرف مالك لما یتصرف فیھ، فإذا كان ھذا
3 الاعتقاد یشوبھ أدنى شك امتنع حسن النیة "

وعلى العموم فمفھوم حسن النیة مفھوم غیر
ثابت فھو یأخذ معناه من الوقائع الخاصة بكل قضیة، إلا أنھ یقتضي كمبدأ عام مراعاة عدم
الإضرار بالمصالح المبررة المشروعة للطرف المقابل في العقد، إن حسن النیة في مجملھ
یرمي إلي تنفید العقد لیس فقط وفق مضامینھ بل مع ما یتفق وروحھ، فحسن النیة التعاقدي قد
توسعة وظیفتھ تدریجیا لتشمل كامل المجال التعاقدي، أي عند تشكیل العقد من خلال الكشف
على المعلومات الضروریة للتعاقد، في فترة تنفیذ العقد تفرض الإمتثال لقاعدة عدم المنافسة،
على ھذا الأساس یظھر أن حسن النیة ضروري في مجال العقود، كما أن الدور المتزاید
لحسن النیة في قانون العقود ، یتجاوز الدور التقلیدي لھذا المبدأ ، مما یفید أن دور ھذا المبدأ
قد توسع ومتد لیضطلع بدور توجیھي لأي تعاقد .
كما تجدر الإشارة إلي أن المشرع المغربي، قد رسخ افتراض حسن النیة، في قانون
المسطرة المدنیة الذي یشكل الشریعة العامة في المادة الإجرائیة في المجال المدني،
والمتمثل في المادة الخامسة من قانون المسطرة المدنیة إذ جاء فیھا " یجب على كل متقاض
ممارسة حقوقھ طبقا لقواعد حسن النیة ". یبدو أن المشرع حول تعزیز ھذا المبدأ، حتى
یكون جزء من الأدلة بل القاعدة التي تحكم المنازعة منذ بدأھا، ووفق لھذا المبادئ، عندما
یرید كل طرف تأكید حق یجب علیھ إثبات الحقائق دعم لإدعائھ، من خلال ما سبق یظھر أن المشرع في المادة 5من ق.م.م حول تكریس البعد الأخلاقي من خلال جعل مبدأ حسن النیة
مرشد وموجھ للعلاقة القانونیة للأطراف.

تعليقات