القائمة الرئيسية

الصفحات



التعاقد بالوسائل المعاصرة دراسة فقهیة مقارنة

التعاقد بالوسائل المعاصرة دراسة فقهیة مقارنة




المؤلف
عبد العزیز فرج محمد موسى
کلیة الشریعة والقانون بالقاهرة

مجلة الشريعة والقانون  المجلد 14، العدد 1، 2012، الصفحة 254-398


المقدمة
إن الشریعة الإسلامیة فقد جعلت الرضا منذ البدایة ھو الأساس في نشأة العقود
إن منھجیة الإسلام في تقریره لھذه القاعدة – الرضا – أساساً لصحة نشأة العقود دلالة
إعجاز تشریعي واضح ، یؤكد أنھا شریعة خالدة صالحة لكل زمان ومكان وفي كل بیئة
ومجتمع.
وقد مرت العصور السابقة بأنواع مختلفة من أشكال انعقاد العقود كالبیع عن طریق
الرادیو والتلفزیون والھاتف والفاكس والتلكس وغیرھا وھا نحن نشھد في السنوات
الأخیرة تطوراً ھائلاً في وسائل الاتصال المختلفة وخاصة التقنیات الإلكترونیة التي دخلت
جمیع مجالات الحیاة بما فیھا المجال التجاري وظھر ما یسمى "بالتسوق الآلي" أو
"تجارة الإنترنت" أو "التجارة الإلكترونیة" أو "التعاقد عن بعد". عبر شبكة الإنترنت
التي ربطت العالم بعضھ مع بعض وألغت الحدود الجغرافیة والوسائط المالیة وأصبح
بإمكان تاجر التجزئة أن یشتري مباشرة من المنتج, والمستھلك أن یتسوق وھو في
منزلھ.
وانتشرت التجارة الإلكترونیة في الأعوام الأخیرة وأُسست الكثیر من الشركات العالمیة
والمحلیة مواقع خاصة بھا على شبكة الإنترنت وتقدر بعض الدراسات حجم التجارة
الإلكترونیة حالیاً بـ ٢٠ %من مجمل التجارة العالمیة ویتوقع أن ترتفع النسبة إلى أكثر
من ذلك خلال ھذا العقد .
فالفقھ الإسلامي جعل الرضا ھو الأساس في انعقاد العقود من دون تحدید شكل
معین، فالعقد ینعقد في الشریعة الإسلامیة بكل ما یدل علیھ من قول أو فعل أو كتابة أو
(٢) .٣٣١/١ البغوي تفسیر





رواه ابن ماجھ واللفظ لھ في كتاب التجارات, باب بیع الخیار برقم ٢١٧٦ , ورواه 
- ٢٥٧ -
إشارة. والإنترنت عبارة عن آلة لتوصیل الكتابة وھذه الوسیلة معتبرة شرعاً كما ھو
الحال في التعاقد بطریق الكتابة بین الغائبین.
والتعاقد بطریق الإنترنت ھو تعاقد بین حاضرین من حیث الزمان وغائبین من حیث
المكان إلا إذا وجد فاصل طویل فإنھ یكون بین غائبین زماناً ومكاناً .
والنظام الذي یحكم العقد ھو النظام الذي اتفق علیھ المتعاقدان شریطة أن یكون ھذا
النظام مستمداً من الشریعة الإسلامیة وراجعاً إلیھا , أما المحكمة المختصة فھي محكمة
المدعِي لأنھ الطرف الأضعف في العقد وھذا قول جمھور العلماء , ویستثنى من ذلك إذا
كانت الدعوى تتعلق بعقار فإن المحكمة المختصة محكمة محل العقار.
ویعتبر استخدام التوقیع الإلكتروني وخاصة الرقمي منھ لإثبات العقود الإلكترونیة
متفقاً مع مبادئ الإثبات في الشریعة الإسلامیة التي لم تحصر وسائل الإثبات بعدد معین
أو شكل محدد وإنما كل وسیلة یبین فیھا الحق فھي من أدوات الإثبات.
ونظراً لما یترتب على الاعتداء على التوقیع الإلكتروني من مخاطر فإن وضع العقوبات
المناسبة للجرائم المتعلقة بقصد الحمایة الجنائیة لھ یتفق مع مقاصد الشریعة الإسلامیة
في حفظ الأموال والحقوق الخاصة وھذا داخل ضمن التعازیر التي یقدرھا ولي الأمر
بحسب الجریمة وحالھا وملابساتھا.
فتختلف النظم التشریعیة والحضاریة في نظرتھا إلى العقود والحقوق المالیة سواءً في
كیفیة انعقادھا أو في شروطھا وأحكامھا أو آثارھا اختلافاً قد یصل إلى حد التباین.
فمثلاً كانت بعض القوانین الوضعیة تشترط الشكلیة في انعقاد العقود , فلا یصح
العقد ولا یعتبر إلا إذا كان بھیئة معینة وشكل محدد , ثم تطورت إلى الرضائیة بعد
, (١ (المرور بمراحل مختلفة
مماجعلنى أھتم بتلك النوازل وأن أظھر موقف الفقھ الإسلامي فى مثل تلك النوازل
المعاصر





- ٢٥٨ -
وقد احتوى البحث على مقدمة ومبحث تمھیدى وفصلین وخاتمة وبیان بأھم مراجع
البحث
مبحث تمھیدى
ماھیة العقد الإلكتروني
تعریف العقد:
العقد في اللغة العربیة یطلق على معان ترجع في مجملھا إلى معنى الربط الذي ھو نقیض
(١ (الحل یقال : "عقدت الحبل فھو معقود"
(٢ (فالعقد في أصل اللغة "الشد والربط ثم نقل إلى الأیمان والعقود كعقد المبایعات ونحوھا"
أما في الاصطلاح الفقھي فنجد أن للعقد معنیان عام وخاص فالمعنى العام یطلق على كل التزام تعھد
بھ الإنسان على نفسھ سواء كان یقابلھ التزام آخر أم لا، وسواء كان التزاماً دینیاً كالنذر أو دنیویاً
. (٣ (كالبیع ونحوه
أما المعنى الخاص فیطلق العقد على كل اتفاق تم بین إرادتین أو أكثر على إنشاء التزام أو نقلھ، فھو
لا یتحقق إلا من طرفین أو أكثر، وھذا ھو المعنى الغالب عند إطلاق الفقھاء للعقد في الاصطلاح
(٤ (الفقھي.
ومن التعاریف الواردة على ھذا المعنى تعریف العقد بأنھ "ارتباط الإیجاب الصادر من أحد المتعاقدین
. (٥ (بقبول الآخر على وجھ مشروع یثبت أثره في المعقود علیھ"
وعلى ھذا فإن العقد في الاصطلاح الفقھي الشرعي یشمل جمیع العقود المالیة التي تتضمن طرفین
أو أكثر كعقد البیع والإجارة والرھن والحوالة والمسابقة ... الخ كما یتضمن العقود غیر المالیة كعقد
النكاح ونحوه.
تعریف الإلكترون:
الإلكترون عبارة عن شحنات كھربائیة دقیقة جداً دائمة الحركة حول جسم ھو النواة الذي ھو
، (٦ (جزء من الذرة
انظر: معجم مقاییس اللغة ص٦٥٤ ولسان العرب لابن منظور ٩/٣٠٩,والقاموس المحیط للفیروز أبادي ص ٣٨٣) ١(
, والمصباح المنیر للفیومي ص٤٢١.
أحكام القرآن للجصا ٣/٢٨٥) .٢ (ص
انظر: القواعد لابن رجب, القاعدة الثانیة والخمسین ,ص٧٨) .٣(
انظر في ذلك: ضوابط العقد في العقد الإسلامي- د. خالد التركماني ص٢٤ ,وضوابط العقود- د. عبد الحمید البعلي (٤(
ص٤٤.
انظر: الإلكترون وأثره في حیاتنا – لجین نیدك ص٩)
- ٢٥٩ -
وقد استخدمت الإلكترونیات في التصنیع ودخلت في كثیر من المجالات فظھر الرادیو الذي یستقبل ھذه
الموجات الإلكترونیة ثم ظھر التلفزیون والتلكس والھاتف والفاكس والحاسب الآلي وغیرھا من
. (١ (الأجھزة التي تعمل عن طریق الإلكترونیات
وعلى ذلك فإن العقد الإلكتروني ھو العقود الذى یتم عبر ھذه الوسائل ونحوھا من الآلات التي
تعمل عن طریق الإلكترون, وھذا من حیث الأصل , إلا أنھ بعد ظھور الحاسب الآلي وانتشار المراسلة
والتعاقد بواسطتھ , خصص ھذا المصطلح للعقود التي تتم عن طریقھ , أما التعاقد عبر الرادیو أو
الھاتف أو غیرھا من وسائل الاتصال فلا یشملھا عرفاً ھذا المصطلح في العقدین الأخیرین , وأصبح
مصطلح العقود الالكترونیة ینصرف مباشرة إلى: العقود التي تتم عبر شبكة الإنترنت, ولذا نجد أن
مصطلح التجارة الإلكترونیة یطلق على: مجموعة العملیات التي تتم عبر الوسائل الإلكترونیة وخاصة
. (٢ (عبر شبكة المواقع (web (والبرید الإلكتروني
يعرف العقد الالكتروني بأنه : " التقاء إيجاب صادر من طرف محله عرض مطروح
بطرق سمعية أو بصرية أو كليهما على شبكة للاتصالات بقبول صادر من طرف آخر
بذات الطرق, وتحقيقاً لعملية معينة يرغب الطرفان في إنجازها , وهي في العادة مبادلة
. (١ (القيم أو الأموال "
وعرفه البعض بأنه:" اتفاق يتلاقي فيه الإيجاب بالقبول على شبكة دولية مفتوحـة
للاتصال عن بعد, وذلك بوسيلة مسموعة مرتبة, بفضل التفاعل بين الموجب والقابـل
" (٢)
والذي يظهر أن التعريف للعقد الإلكتروني غير مانع , ذلك أنه ليس كل اتفاق يشكّل
عقداً من الناحية الفقهية , بل الارتباط الذي يعتبره الشارع حاصـلا بهـذا الاتفـاق ـ
فالإيجاب والقبول هما اللذان صدرا من المتعاقدين وارتبطا فكوناً العقد ـ؛ إذ قد تكـون
هناك إرادتان متفقتان على التعاقد ولا تتحرك إحداهما نحو الأخرى بالإيجاب والقبول ,
) ١





انظر المرجع السابق وموسوعة الإلكترونیات لمحمد المتنبي (الجزء الأول). )
(٢ (أنظر: البیع والتجارة على الإنترنت – عبد الحمید بسیوني ص٥٤.
(١ (بشار طلال المومني , " مشكلات التعاقد عبر الانترنت " , الطبعة الأولى , عالم الكتب الحدیث ـ الأردن ,
١٤٢٥ھـ-٢٠٠٤م , ص ٢٤.
(٢ (أسامة أبو الحسن مجاھد , " التعاقد عب
- ٢٦٠ -
ببيع أو رهن أو قر , فالتعريف القانوني يشمل (١ (ض فلا يكون عقد كما في حالة الوعد
الوعد أيضاً لوجود اتفاق الإرادتين مع أنه ليس بعقد .
وقد جاء التعريف القانوني خلواً من قيد " على وجه يثبت أثره في المعقود عليه " ,
وهو قيد تجب إضافته إلى أفراد التعريف ؛ ذلك أن العقد لا ينشأ بمجرد اتفاق الإرادتين
وتعبيرهما عن الرضا , إنما يلزم إلي جانب ذلك وجود محلّ لهذا الاتفـاق , واعتـراف
الشارع بترتب الآثار الملزمة لهذا الاتفاق , ولذا فإن مجرد الاتفاق بين زيـد وعمـرو
على التلاقي في مكان معين أو قضاء نزهة أو سهرة معاً يشكّل اتفاقاً , وينشئ رابطـة
شخصية بحيث يصبح كلّ واحد منهما مسئولا أمام الآخر عن مثل هذا الوعد , غير أنه
إذا اتفق الاثنان على بيع منزل أحدهما للآخر لقاء مبلغ من المال , فإن هـذا الاتفـاق
يثبت في محل العقد وهو المنزل أثراً معيناً , وهو الحكم بنقل ملكية المنزل من البـائع
إلى المشتري في مقابل الحكم بنقل الثمن من المشتري إلى البائع , فإغفال هذا القيد في
. (٢ (التعريف يدخل العقد البطلان فيه
: (٣ (التعريف المقترح
ويمكن تعريف عقد التجارة الإلكترونية بأنه : " ارتباط إيجاب بقبـول علـى وجـه
يظهر أثره في المعقود عليه , دون حضور مادي لطرفيه , وذلـك باسـتخدام وسـيلة
 أو جزئياً " .
إلكترونية للاتصال عن بعد كليا
فمتي حصل الارتباط بين القبول والإيجاب , وكان هذا الارتبـاط موافقـاً للقواعـد
الشرعية , مستوفياً شرائطه التي لابد منها للارتباط , وجرى الارتبـاط بـين طرفيـه
بوسيلة إلكترونية , سمى ذلك عقداً إلكترونيا .
(١ (الوعد : " ھو الأمنیة التي یعطیھا شخص لآخر " ؛ وھو على نوعین :
وعد لا یترتب على الخلف بھ ضرر بالموعود , فھذا إن كان في نیة الواعد الوفاء بھ , ولكنھ لم یتیسر لھ ذلك , فلا إثم
علیھ في عدم الوفاء بوعده , وإن كان في نیتھ عدم الوفاء بھ , فعلیھ إثم الخلف بالوعد .
وعد یترتب علي الإخلاف بھ ضرر بالموعود , فھذا یجب الوفاء بھ دیانة وقضاه , ویجبر الواعد على ذلك وإلا ضمن
الضرر الذي نزل بالموعود , لأن الضرر وقع بسببھ , والمتسبب ضامن , محمد رواس قلعجي , " الموسوعة الفقھیة
المیسرة " , الطبعة الأولي , دار النفائس , ١٤٢١ھـ-٢٠٠٠م .
(٢ (السنھوري , " الوجیز في شرح القانون المدني " , ص٢٧ . الزرقا , " المدخل الفقھي العام " , ١/٢٩٤ ,٢٩٥
.
(٣ (یعرف الفقھاء التجارة بأنھا : عقد معاوضة بقصد الربح .... , ثم یعرفون العقد بأنھ : ارتباط إیجاب بقبول ... كما
تقدم , وتماشیا مع ھذا المنھج یعرف الباحث ھنا عقد التجارة الإلكترونیة بعد أن عرف التجارة الإلكترونیة في
- ٢٦١ -
ومن خلال التعريف يمكن استخلاص خصائصه التي تعتبر هذا العقـد نوعـاً مـن
العقود التي تجري عن بعد ؛ أي إنه عقد بين غائبين لا يجمعهمـا مكـان واحـد , ولا
يجتمع الطرفان فيه وجهاً لوجه , إذ تمثّل الوسيلة أو الطريقة التي ينعقد بها أهم وجـه
لخصوصيته , وهذا فلا يختلف عقد التجارة الإلكترونية عن أي عقد تجـاري, فمحلّـه
السلع والخدمات والمنافع طالما أنها مباحة شرعاً , وأما عن أطرافه فهم أنفسهم فـي
. (١ (أي تجارة أخرى : بائعون ومشترون , ومؤجرون ومستأجرون
ويراد من إيراد عبارة " كلياً أو جزئياً " ضمن أفراد التعريف التفرقة بـين مـا إذا
كانت السلعة ذات طابع إلكتروني , يسمح بانتقالها وتسليمها عبر الخط مباشـرة مـن
خلال شبكة الانترنت كبرامج الكمبيوتر مثلاً , وهذا معنى " كلياً " , وبين ما لـو أبـرم
العقد بين طرفيه عبر شبكة الانترنت, وتّم استلام المعقود عليه مـن خـلال الوسـائل
التقليدية في التسليم كالبريد العادي مثلاً , وهذا معني " جزئياً " 
المصدر:https://jfslt.journals.ekb.eg



تعليقات