المعالجة التشریعیة للجرائم ضد الإنسانیة من خلال النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة دراسة تحلیلیة تأصیلیة
مجلة كلية الشريعة والقانون جامعة الازهر المجلد 18، العدد 1، 2016، الصفحة 131-250
المؤلف
حمدی محمود حسین*
المعهد العالی للقضاء بسلطنة عمان
لحمد هلل رب العالمين القائل في كتابه الكريم " و لقد كرمنا بني آدم و
حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير
ممن خلقنا تفضيالً ." اإلسراء : 70
و الصالة والسالم على سيد المرسلين و خاتم النبيين و رحمة هللا
للعالمين ، سيدنا محمد و على آله و صحبه و من سار على هديه إلى
يوم الدين .... و بعد
- موضوع الدراسة و أهميته :
كانت ، و ال تزال ، الجرائم الدولية مبعث اهتمام المشرع الجنائي
الدولي ، و ذلك ألنها تشكل أفعاالً إجرامية بالغة الخطورة على
المستويين الدولي و الوطني ، مما حدا بالمشرع تعقب هذه الجرائم و
مرتكبيها بالقدر الذي تتيحه اآلليات الالزمة لذلك .
و بالرغم من صعوبة ذلك في بعض األحيان نتيجة عوامل عديدة ، يأتي
في مقدمتها أن مرتكبي هذه الجرائم الدولية يتحصنون وراء بعض
الحصانات ، و تساندهم األنظمة السياسية المستفيدة من ورائهم ، مما
يجعل مالحقتهم و تعقبهم أمراً بالغ الصعوبة .
و تأتي الجرائم ضد اإلنسانية ضمن هذا اإلطار الدولي البالغ الصعوبة
في مكافحة هذا النوع من الجرائم نتيجة لعوامل عديدة .
و بالرغم من أن المجتمع الدولي ، بعد الحرب العالمية األولى و الثانية
، قد تنبه لخطورة هذه الجرائم و انتشارها بشكل ملحوظ في بعض
المناطق و البلدان ، إال أن مكافحتها و المعاقبة عليها لم تكن بالشكل
المأمول . و ما ذلك إال نتيجة لتعقد اآلليات و اإلجراءات الالزمة لذلك .
و قد استطاع المشرع الدولي إيجاد بعض المحاكمات الجنائية الدولية
انطالقاً من محاكمات نورمبرج العسكرية عام 1945م ، لمحاكمة
مجرمي الحرب األلمان إبان الحكم النازي لقيامهم بارتكاب جرائم ضد
اإلنسانية ، و التي يعد ميثاقها – و بحق – أولى الوثائق الدولية التي
تحدثت عن الجرائم ضد اإلنسانية في نطاق القانون الجنائي الدولي . و
مروراً بمحاكمات يوغسالفيا السابقة و التي شكلت هذه الجرائم محوراً
هاماً لتشكيل و إنشاء تلك المحاكمات عام 1993م ، بنا ًء على قرار
مجلس األمن رقم 808 لسنة 1993م و الخاص بإنشاء و إصدار
الميثاق األساسي لعمل هذه المحاكم و التي نتج عنها محاكمة
المتورطين في هذه الجرائم الالإنسانية ، إضافة إلى التطور الحاصل في
مفهوم الجرائم ضد اإلنسانية و الذي يختلف عن ما كان متعارفاً عليه
من قبل .
و إنتها ًءا بالتطور الكبير في هذا المجال من خالل إنشاء المحكمة
الجنائية الدولية الدائمة و نظامها األساسي المعروف بميثاق روما
األساسي لعام 1998 و الذي تم التصديق عليه عام 1999م .
و كل ذلك يعكس رغبة المشرع الجنائي الدولي في مكافحة الجرائم ضد
اإلنسانية و تعقب مرتكبيها و نزع الحصانات عنهم التي تعيق تحقيق
هذا الهدف .
وبالرغم من أن هذه المالحقة تعترضها بعض الصعوبات ، منها
السياسي و منها القانوني ، و أهمها وجوب تصديق الدولة على النظام
األساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، حتى يمكن إثارة المالحقة للجرائم
التي ارتكبت على أراضيها أو داخل حدودها ، إال أنه يمكن القول بأن
إنشاء هذه المحكمة الجنائية الدولية الدائمة و النص في ميثاقها
األساسي على هذه الجرائم الالإنسانية يعد خطوة هامة في االتجاه
الصحيح نحو المعاقبة و المالحقة لمرتكبي هذه الجرائم الشنيعة .
و تبدو أهمية الدراسة بالنظر النتشار هذه الجرائم الالإنسانية في كثير
من المناطق ، سواء على المستوى الدولي أو القاري ، مما يدعونا
إللقاء الضوء بالتحليل و التأصيل لهذه الجرائم من خالل ما سنه
المشرع الجنائي الدولي من مواثيق تتعلق ببعض المحاكمات الجنائية
الدولية الخاصة ، أو من خالل ما تم االنتهاء إليه و االتفاق عليه في
ميثاق روما األساسي المنشيء للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة و التي
تختص بنظر هذا النوع من الجرائم .
كما تتضح أهمية الدراسة في بيان مفهوم تلك الجرائم و تطورها من
خالل التشريع الجنائي الدولي و تحليل أركان و عناصر الجرائم ضد
اإلنسانية و العقوبات المقررة لها .
إشكالية الدراسة :
إن اإلشكالية التي تثيرها هذه الدراسة تتضح في عدة أمور أهمها :
أوالً أن هذه األفعال اإلجرامية تشكل ، في الغالب منها ، عناصر لجرائم
تعاقب عليها قوانين العقوبات الوطنية ، مما يتطلب بيان الحد الفاصل
بين هذه األفعال باعتبارها تشكل جرائم ضد اإلنسانية تخضع للنظام
األساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، أو أنها تعد من قبيل الجرائم
المعاقب عليها وفق القانون الوطني و تختص بها المحاكم الوطنية .
ثانياً اختالف العناصر المكونة للركن المادي لهذه الجرائم الالإنسانية
عن الجرائم التي تخضع لقانون العقوبات الوطني ، على اعتبار أن
المشرع الجنائي الدولي قد اتجه ناحية التوسع في مضمون تلك
العناصر مما يجعلها تختلف عن الجرائم الوطنية ، و من ذلك على
سبيل المثال تناول ميثاق روما األساسي للجرائم الجنسية كجرائم ضد
اإلنسانية و تبنيه لمفاهيم مختلفة في هذا الصدد عن تناولها من خالل
قوانين العقوبات الوطنية .
و نتيجة لذلك ، و غيره ، تتجه دراستنا لتناول هذه المسائل بالتحليل و
التأصيل إليضاح غاية المشرع الجنائي الدولي و مواجهته التشريعية
لتلك الجرائم من جهة ، و دراسة عناصر و أركان الجرائم من ناحية
أخرى .
منهج البحث :
و قد اعتمدت – بفضل هللا و توفيقه – في هذه الدراسة المنهج
التحليلي التأصيلي لموقف المشرع الجنائي الدولي و مواجهته للجرائم
ضد اإلنسانية من خالل المواثيق الدولية التي أصدرها ، سواء أكان
ذلك على مستوى المحاكمات الجنائية الدولية الخاصة ، أو من خالل
ميثاق روما األساسي المنشيء للمحكمة الجنائية الدولية عام 1999م.
و قد حاولت جاهداً التعرض لموقف القضاء الجنائي الدولي و تفسيره
للنصوص أثناء المحاكمات الخاصة و منها محاكمات نورمبرج
العسكرية عام 1945م ، و المحكمة الجنائية الدولية الخاصة
بيوغسالفيا السابقة عام 1993م ، و المحكمة الجنائية الدولية الخاصة
برواندا عام 1994م ، و المحكمة الجنائية الدولية الدائمة عام
1999م . و التعقيب على ذلك من خالل موقف الفقه ، و قرن ذلك
بنماذج و أمثلة لهذه الجرائم سواء ما تم المحاكمة عنه ، أو ما زال
يحتاج لذلك . رغبة في زيادة اإلثراء من وراء هذه الدراسة
المتواضعة.
خطة الدراسة :
في تناولي لهذا الموضوع سوف تنقسم خطة البحث إلى مبحثين
رئيسيين ، و يتفرع عنهما عدة مطالب و فروع ، و ذلك على النحو
التالي :
المبحث األول : تعريف الجرائم ضد اإلنسانية و تطور مفهومها .
المبحث الثاني : البنيان القانوني للجرائم ضد اإلنسانية طبقاً للنظام
األساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
المبحث الأول
- 137 -
تعريف الجرائم ضد الإنسانية و تطور مفهومها
تمهيد و تقسيم :
اهتم الفقه الجنائي الدولي بتعريف الجرائم ضد اإلنسانية التي حددت
أفعالها اإلجرامية في مواثيق دولية عديدة ، لخطورتها الكبيرة على
النطاق الدولي و الداخلي على حد سواء .
و يمكن القول بأنه لم يكن هناك تعريفاً مستقراً عليه للجرائم ضد
اإلنسانية في معاهدة دولية طيلة التاريخ القصير نسبياً الستخدام هذا
إال أن مفهومها تطور تدريجياً بالنظر إلى محاكمات 1 التعبير .
نورمبرج و قانون مجلس الرقابة رقم 10 ، و مشروع لجنة القانون
الدولي لتقنين الجرائم ضد أمن و سالمة البشرية لعام 1996م ، و كذا
النظامين األساسيين للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين ليوغسالفيا و
رواندا انتها ًء بالمادة السابعة من نظام روما األساسي المتعلق بإنشاء
المحكمة الجنائية الدولية .
و على ذلك سوف نقوم باستعراض هذا التطور لمحاولة التعريف
للجرائم ضد اإلنسانية في الوثائق الدولية المختلفة ما قبل النظام
األساسي للمحكمة الجنائية الدولية و ذلك في مطلب أول .
و في المطلب الثاني نقوم ببيان هذا التعريف من خالل النظام األساسي
للمحكمة الجنائية الدولية .
و ذلك على النحو التالي :
المطلب األول الجرائم ضد اإلنسانية قبل إنشاء المحكمة الجنائية
الدولية
المطلب الثاني الجرائم ضد اإلنسانية من خالل نظام روما األساسي
المنشيء للمحكمة الجنائية الدولية
المصدر: https://jfslt.journals.ekb.eg/
تعليقات
إرسال تعليق
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم