القائمة الرئيسية

الصفحات



المسئولیة الجنائیة عن جریمة الاتجـار بالبـشـر و الجرائم الملحقة به


المسئولیة الجنائیة عن جریمة الاتجـار بالبـشـر و الجرائم الملحقة به


مجلة كلية الشريعة والقانون جامعة الازهر المجلد 17، العدد 2، 2015، الصفحة 577-726

المؤلف
حمدی محمد حسین
المعهد العالی للقضاء – سلطنة عمان





مقدمة البحث
الحمد الله رب العالمين و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين
سيدنا محمد و على آله و صحبه و من سار على هديه إلى يوم الدين .. و
بعد
الموضوع و أهميته :
يعد الاتجار بالبشر من أخطر الجرائم التي تستهدف كرامة الإنسان و حقوقه
، فهو يتخذ صوراً متعددة أهمها استغلال الأشخاص في العمل القسري أو
استغلالهم جنسياً في أوضاع شبيهة بالعبودية و النخاسة .
و خطورة هذه الجرائم تزداد لأنها توجه و تستهدف على وجه الخصوص
النساء و الأطفال حيث تمارس ضدهم أعمال العنف و القسوة و التنكيل أو
استغلالهم جنسياً . كما توجه ضد الرجال في استخدامهم و تسخيرهم للقيام
بأعمال تعد من قيبل السخرة و تشغيلهم دون مقابل أو ضوابط معينة .
و هذه الجرائم قديمة قدم البشرية و عرفتها المجتمعات الإنسانية على
مختلف مراحلها و تطوراتها . حيث لا يخلو مجتمع من وجود مثل هذه
الجرائم و إن اختلفت طريقة القيام بها و تحقيقها على أرض الواقع .
و قد شهد المجتمع الحديث تطوراً في مجال الجرائم بصفة عامة و طريقة
تنفيذها مما انعكس على جرائم الاتجار بالبشر و أدى إلى أن أصبحت تلك
الجرائم تمارس بشكل يهدف للاستغلال و تحقيق الربح مما يصدق عليه
القول أنه أصبح اتجاراً بالبشر .
و أغلب تلك الجرائم تكون استغلالاً لحاجة الفقراء و المعوذين و عجزهم
عن توفير متطلبات الحياة و العيش الكريم . فيجد الجناة في مثل هذه البيئات
مجالاً خصباً لتحقيق مأربهم و بلوغ هدفهم المتمثل في القيام بتلك الأنشطة
الإجرامية تجاه هؤلاء الأشخاص .




- ٥٧٩ -
و لا عجب أن نجد نوعاً من هؤلاء الضحايا يقوم بتقديم نفسه لهؤلاء الجناة
للقيام باستغلاله بشكل معين بغية اكتساب بعض الأموال التي تعينه لمواجهة
أعباء الحياة . فنجد على سبيل المثال أسراً معينة في مناطق فقيرة يقدمون
أبنائهم لهذا المصير أملاً في أن يكون ذلك سداً لهم من عوذ و مخرجاً من
ضائقة يعانون منها ن ثم بعد ذلك قد يحدث ما يريدون أو لا يحدث نتيجة
جشع هؤلاء الجناة الذين يضنون عليهم بالمقابل المادي .
إلى أن غدت هذه الجرائم من الجرائم العالمية التي يعاني منها المجتمع
الدولي و أصبحت ظاهرة تهدد استقرار و أمن الدول . مما دعا المجتمع
الدولي لإصدار عدة اتفاقيات و إنشاء عدة أجهزة تتولى مراقبة هذه الظاهرة
و مكافحتها و الحد من انتشارها .
و نذكر على سبيل المثال اتفاقية العبودية و الخدمة القسرية و العمل
بالسخرة و الأعراف و الممارسات الشبيهة بها عام ١٩٢٦م ، و اتفاقية
السخرة التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية عام ١٩٣٠م ، و
اتفاقية الأمم المتحدة بشأن حظر الاتجار بالأشخاص و استغلال دعارة الغير
عام ١٩٤٩م ، و كذلك الاتفاقية التكميلية فبطال الرق و تجارة الرقيق و
الأعراف و الممارسات الشبيهة بالرق عام ١٩٥٦م . والبروتوكول الخاص
بمنع و قمع و معاقبة الاتجار بالأشخاص و بخاصة النساء و الأطفال
المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام
٢٠٠٠م .
و قد انتقل هذا الاهتمام الدولي إلى القوانين و التشريعات الوطنية فأصبحت
معظم الدول تجرم هذه الأفعال التي تشكل جرائم اتجار بالبشر أو الأشخاص
سواء على مستوى قوانين العقوبات بالنص عليها في صلب هذا القانون . أو
- ٥٨٠ -
أنها تجرمها بتشريعات خاصة إدراكاً منها لخطورة الظاهرة الإجرامية و
تهديدها لكيان المجتمعات و استقرارها .
و من ذلك ما أصدره المشرع المصري من قانون لمكافحة الاتجار بالبشر
رقم ٦٤ لسنة ٢٠١٠م ، و غيره من التشريعات التي سبقته و تكافح جانباً
يتعلق بالظاهرة الإجرامية و منها قانون الطفل رقم ١٢ لسنة ١٩٩٦م و
المعدل بالقانون رقم ١٢٦ لسنة ٢٠٠٨م . و الذي يتناول بالتجريم استغلال
الأطفال من الناحية الجنسية أو في السخرة أو الخدمة قسراً أو تزويجهم دون
بلوغهم السن القانونية .
و كذلك ما نظمه المشرع العماني لهذه الظاهرة من خلال تجريمها في قانون
الجزاء الصادر بالمرسوم رقم ٧ لسنة ١٩٧٤م حيث جرم الاستعباد بمقتضى
المادة ٢٦٠ ، و جرم التعامل بالرقيق بمقتضى المادة ٢٦١ منه . ثم أصدر
بعد ذلك القانون الخاص بمكافحة الاتجار بالبشر رقم ١٢٦ لسنة ٢٠٠٨م و
الذي يتصدى لهذه الظاهرة من خلال نصوص واضحة ، و أنشأ من خلاله
لجنة خاصة تسمى باللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر ، و أنشأ اللجنة
الوطنية لحقوق الإنسان بالمرسوم رقم ١٢٤ لسنة ٢٠٠٨م .
و في ذات السياق عمل المشرع القطري على مكافحة تلك الظاهرة
الإجرامية الخطرة و توج ذلك بتشريعه الخاص بمكافحة جرائم الاتجار
بالبشر رقم ١٥ لسنة ٢٠١١م .
و كذلك المشرع البحريني الذي أصدر قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص
رقم ١ لسنة ٢٠٠٨ م
كما أصدر المشرع الإماراتي القانون الاتحادي رقم ٥١ لسنة ٢٠٠٦م بشأن
مكافحة الاتجار بالبشر . و كذلك المشرع الأردني بالقانون رقم ٩ لسنة
٢٠٠٩ م بشأن الاتجار بالبشر .
- ٥٨١ -





إشكالية الدراسة :
و تثير هذه الدراسة عدة إشكاليات تتعلق بها لعل أهمها أن هذه الجرائم
كثيراً ما تختلط بما تنص عليه التشريعات الجنائية العامة من تجريم لبعض
هذه الأفعال و تقرير عقوبة لها وفق المواد المنصوص عليها في القوانين
العقابية العامة ، ثم يأتي المشرع بتجريم خاص لهذه الأفعال التي تختلط مع
غيرها من خلال عناصر الركن المادي المشتركة . مما يثير إشكالية أي من
النصوص الواجب تطبيقها مما يستلزم الرجوع لإرادة المشرع من جهة و
لقواعد الترجيح بين النصوص الجنائية إذا كانت متساوية القوة أو متفاوتة .
و ما يقدم منها على غيره حتى يمكن إزالة التعارض الظاهر بين النصوص
. و بيان مدى الارتباط بينهما سواء كان بسيطاً أو لا يقبل التجزئة و إعمال
القواعد المتعلقة بهذا الشأن .
منهج البحث :
في دراستنا للظاهرة الإجرامية المتعلقة بالاتجار بالبشر سوف نقوم بتحليل
هذه الجرائم و دراستها بشكل مقارن ، فنقارن بين هذه التشريعات التي
نتناولها و نخص منها قانون مكافحة الاتجار بالبشر المصري رقم ٦٤
لسنة٢٠١٠ م ، و القانون العماني الخاص بمكافحة الاتجار بالبشر رقم ١٢٦
لسنة ٢٠٠٨م ، و القانون القطري الخاص بمكافحة جرائم الاتجار بالبشر
رقم ١٥ لسنة ٢٠١١م ، و التشريع البحريني الخاص بمكافحة الاتجار
بالأشخاص رقم ١ لسنة ٢٠٠٨ م .
و سوف نقوم بتحليل عناصر المسئولية الجنائية في كل من التشريعات
المشار إليها آنفاً و المقارنة بين النصوص الجنائية التي وردت لتقريرها ،
سواء تعلق الأمر بجريمة الاتجار بالبشر أو الجرائم الملحقة بها على النحو
الذي سنعرض له من خلال دراستنا .
- ٥٨٢ -
خطة الدراسة :
سوف تعتمد دراستنا لهذه الظاهرة الإجرامية على تقسيمها إلى ثلاثة
مباحث رئيسية :
المبحث الأول : الجريمة الأصلية " جريمة الاتجار بالبشر "
المبحث الثاني : الجرائم الملحقة بجريمة الاتجار بالبشر .
المبحث الثالث : أحكام خاصة بالجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة
الاتجار بالبشر .
و أدعو االله عز و جل أن يوفقني لما قصدت و أن تتحقق الفائدة من وراء
هذه الدراسة البحثية ، و أن تضيف لبنة متواضعة في البناء القانوني
العريق ، كما أتمنى أن يكون عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم . إنه نعم
المولى و نعم النصير ،،،،

المصدر: https://jfslt.journals.ekb.eg/ 


تعليقات