النفقة الزوجية في الفقه الإسلامي
دراسة تأصيلية
النفقة الزوجية في الفقه الإسلامي
دراسة تأصيلية
الدكتور رشيد كهوس
يعتبر هذا الحق من أهم حقوق الزوجة، حيث إذا منعت منه رفعت أمرها إلى القاضي ليرغم الزوج على ذلك، فإن أبى فرق بينهما، وهذا ما أشارت إليه مدونة الأسرة في المادة 102 بقولها: "للزوجة طلب التطليق بسبب إخلال الزوج بالنفقة الحالة الواجبة عليه، وفق الحالات والأحكام الآتية:
1- إذا كان للزوج مال يمكن أخذ النفقة منه، قررت المحكمة طريقة تنفيذ نفقة الزوجة عليه ولا تستجيب لطلب التطليق:
2- في حالة ثبوت العجز، تحدد المحكمة حسب الظروف، أجلا للزوج لا يتعدى ثلاثين يوما لينفق خلاله وإلا طلقت عليه، إلا في حالة ظرف قاهر أو استثنائي.
3- تطلق المحكمة الزوجة حالا، إذا امتنع الزوج عن الإنفاق ولم يثبت العجز"( ).
لذلك يجب أن يعول الرجل زوجته من حين العقد الصحيح، ولو كان فقيرا أو مريضا أو عنينا أو صغيرا، ولو كانت هي غنية أو فقيرة، مسلمة أو غير مسلمة، على ألا تمنعه شيئا مباحا تقدر عليه وأن تطيعه في ما هو حقه ولا تترك بيته بغير رضاه، ولو لأداء فريضة الحج. إذا كان الزوج محبوسا أو غائبا فإن النفقة تظل متوجبة للزوجة عليه ولا تسقط( ).
وتعتبر النفقة من أهم وأبرز مظاهر القوامة، ولا تجب إلا بالدخول أو أن يدعى إليه، وأن يكون الزوج بالغا، وهي ممن يستمتع بمثلها ويمكن وطؤها وإن لم تبلغ، ولا نفقة للناشز، وإنما شرطنا في وجوبها أن يدخل أو أن يدخل للبناء، لأنها في مقابلة التمكين من الاستمتاع، بدليل أن الناشز لا نفقة لها، فإذا حصل الدخول فقد حصل ما هي عوض عليه، وكذلك التمكين منه لأنه إذا حصل كان الإمتاع من جهته فلا يلزم المرأة شيء منه، وإنما شرطنا أن يكون الزوج بالغا خلافا لأبي حنيفة، ولأحد قولي الشافعي، لأن الصغير لا يتأتى منه الاستمتاع ...( ).
فالزوجة والأبناء بحاجة إلى هذه النفقة لأنهم بها تستمر حياتهم وهي قوام نيتهم، وذلك أن الإنسان لا يستطيع البقاء بدون نفقة يقوم بها صلبه، ولا يستطيع مخالطة الآخرين ومسايرة المجتمع دون كسوة ستر بها عورته، ولا يستطيع العيش دون مسكن يأويه ويقيه حر الشمس ولهيبها وشدة البرد وزمهريره، ولذلك كانت سنة في بني البشر أن يبحث له عن مسكن وكسوة ونفقة، واقتضت سنة الله في الخلق أن يجعل لكل مخلوق ما يناسبه في هذه الحياة فجعل في الرجال الجلد والقوة والشدة والصبر على تحمل المشاق في سبيل اكتساب الرزق واستحصاله، وألزمهم المسكن لهم ولمن يعولونهم من النساء والذرية وكسوتهم ورزقهم، وكانت هذه لهم مزية على النساء( ).
وفي هذا الصدد يقول الدكتور مصطفى بنحمزة: "والواجب الذي يقابل القوامة وينشأ عنها هو واجب الإنفاق على المرأة في كل مراحل عمرها بنتا وزوجة وأما، لأن ضمان معيشتها وتلبية حاجاتها هو سبيل إلى صون كرامتها وإلى حفظ شخصيتها، وقد أكدت الدراسات أن انعدام التغطية المالية بسبب انعدام أو إهمال الإنفاق على المرأة قد يكون ذريعة إلى ارتمائها في حمأة الرذيلة"( ).
ومن هنا وجب على الزوج أن ينفق على زوجته ولو كانت غنية ذات أموال، وذلك نظام التوزيع الاجتماعي، فمالها لنفسها، والنفقة أثر من آثار الزوجية الصحيحة تثبت للزوجة، ولو اشترطت ألا ينفق عليها يكون الشرط باطلا، لأنه نفي لوجوب ما أوجبه الشرع، أو كما يقول الفقهاء فيه منافاة لمقتضى العقد، ولو كانت المرأة غنية وزوجها فقيرا لا تسقط النفقة عنه، ولكن ينفق بمقدار طاقته، حتى لا تكون الأحكام ضد الفطرة الإنسانية( ).
وقبل الانتقال إلى أصل النفقة وموقعها في الكتاب والسنة، لابد من التعريف بهذه النفقة، فيقصد بها في اصطلاح الفقهاء: إخراج الشخص مؤونة من تجب عليه نفقته من خبز وأدم، وكسوة، ومسكن، وما يتبع ذلك من ثمن ماء، ودهن ومصباح ونحو ذلك.( )
وتقدر النفقة حسب عسر الزوج ويسره قال اللخمي: المعتبر حالهما وحال بلدهما و زمنهما وسعرهما( ).
لأقف هنا مع أدلة الكتاب والسنة التي تثبت هذا الحق للزوجة على زوجها،فمن الكتاب: قوله جل وعلا:وعلى المولود له، رزقهن وكسوتهن بالمعروف( ).
وقوله عز من قائل:اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن( ).
وقوله جلت عظمته:لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا( ).
وقوله جل جلاله:قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما( ).
* أما من السنة المطهرة:
1- عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:كفى للمرء الإثم أن يضيع من يقوت( ).
2- وعن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر فيها، حتى اللقمة ترفعها إلى امرأتك( ).
3- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل البراء بن عازب فقال: يا براء كيف نفقتك على أهلك؟ قال: وكان موسعا على أهله. فقال :يا رسول الله ما أحسبها. قال: فإن نفقتك على أهلك وولدلك وخادمك؛ صدقة فلا تتبع ذلك منا ولا أذى ( ).
4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:أفضل الصدقة ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول" تقول المرأة: إما أن تطعمني، وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني، إلى من تدعني. فقالوا: يا أبا هريرة، سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا هذا من أبي هريرة( ).
5- وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أفضل دينار ينفقه الرجل، دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله( ).
6- وعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال، قلت:يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا يهجر إلافي البيت( ).
يقول الإمام الشعراني:أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن ننفق على زوجاتنا وعيالنا وبناتنا ونؤدبهن ونصبر عليهن، ونقدم في النفقة ما أمرنا الشارع بتقديمه( )
فكل الأحاديث السابقة الذكر تحث وتحض على النفقة وترغب فيها، قال الإمام النووي: مقصود الباب الحث على النفقة - يقصد باب النفقة على العيال – العيال وبيان عظم الثواب فيه لأن منهم من تجب نفقته بالقرابة ومنهم من تكون مندوبة وتكون صدقة وصلة ومنهم من تكون واجبة بملك النكاح أو ملك اليمين وهذا فاضل محثوث عليه وهو أفضل صدقة التطوع( )، كما تدل الأحاديث المذكورة كذلك "على وجوب نفقة الزوجة وكسوتها وأن النفقة بقدر سعته لا يكلف فوق وسعه"( )، ولذلك فإن "حكم وجوب إنفاق الرجل على زوجه ولو كانت غنية تحقيق لآصرة الزوجية، كما أن جعل الزوجية سبب إرث تحقيق لقوة تلك الآصرة ( ). بيد أن هذه النفقة لا يلزم بها الرجل إلا على زوجته كانت غنية أو فقيرة، وعلى أبويه الفقيرين، وعلى صغار ولده الذين لا مال لهم على الذكور حتى يحتلموا ولا زمانة بهم، وعلى الإناث حتى ينكحن ويدخل بهن أزواجهن، ولا نفقة سوى هؤلاء من الأقارب ( ).
* أما دليل الإجماع على النفقة:
اتفق الفقهاء على أن من حقوق الزوجة على الزوج النفقة والكسوة ( ).
واتفق العلماء على وجوب النفقة على الزوج لزوجته إن كان بالغا عاقلا والمرأة يوطأ مثلها ما لم تكن ناشزا واستثنى الحنفية الصغيرة التي لا يستمتع بها لأن امتناع الاستمتاع لمعنى فيها ( ).
* أما دليل العقل:
فهو أن المرأة محبوسة على الزوج بمقتضى عقد الزواج، ممنوعة من التصرف والاكتساب لتفرغها لحقه، فكان عليه أن ينفق عليها، وعليه كفايتها، لأن الغرم بالغنم والخراج بالضمان، فالنفقة جزاء الاحتباس، فمن احتبس لمنفعة غيره كالموظف والجندي، وجبت نفقته في مال ذلك الغير ( ).
وخلاصة القول إن الشريعة الغراء بينت أن للزوج على زوجته حقوقا، كذلك للزوجة على زوجها حقوق، فمن هذه الحقوق وجوب نفقة الزوج على زوجته وكسوتها وإطعامها وهذا الأمر لا خلاف فيه بين الفقهاء فكلهم أجمعوا على وجوبها، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم