القائمة الرئيسية

الصفحات



القتل تعزيراً هل يحيط بما دونه من التعازير؟

القتل تعزيراً
هل يحيط بما دونه من التعازير؟




القتل تعزيراً
هل يحيط بما دونه من التعازير؟

نايف بن علي القفاري


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: 
فمن المسائل التي يكثر دورانها في المحاكم الجمع بين القتل تعزيراً وعقوبات أخرى، وأكثر ما يتمثل ظاهراً في قضايا المخدرات تهريباً وترويجاً.
وهذا بحث في هذه المسألة أرجو أن يكون نواة لبحوث أخرى تجود بها أقلام المهتمين أدق تحريراً وأزيد عمقاً.


أقول مستعيناً بالله: 
لم أقف على نصٍ لعين هذه المسألة. ولعل السبب: أن هذا السؤال فرعٌ عن تجويز القتل تعزيراً، وجمهور الفقهاء –كما هو معلوم- ينصون على منعه وإن جوزوه في وقائع معينة( ).
ولا أرى حاجة إلى التطرق لحكم التعزير بالقتل وقد استقر العمل القضائي على الحكم به اعتماداً على قول المجوزين.
أعود إلى بحث جواب العنوان: 
لا يخلو :
1. إما أن تكون التعازير كلها لحق الله تعالى .
2. أو بعضها لحق الله تعالى وبعضها الآخر لحق آدمي. 
ولا يتصور أن تكون التعازير كلها لحق آدمي؛ لأن القتل تعزيراً لا يكون إلا لحق الله تعالى( ) والمسألة مفروضة فيما إذا اجتمعت تعازير أحدها القتل تعزيراً.




ففي الثاني –بعضها لحق الله تعالى وبعضها الآخر لحق آدمي-: لا يحيط القتل بالتعزير الذي لحق آدمي، فيستوفى حق الآدمي ثم يقتل تعزيراً ؛ لما يلي :
لأن حقوق الآدميين لا تسقط باستيفاء حقوق الله تعالى( ). 
ولأن حق الآدمي مبني على التشديد، لشحه وحاجته. وحق الله تعالى مبني على السهولة، لغنى الله وكرمه ( ).
والأصل في ذلك : حديثا أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهم: 
o أما حديثا أبي هريرة فالأول: ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتدرون ما المفلس؟ ". قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى النار "( ).
والثاني : ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه"( ).
o وأما حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فهو ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمنزله كان في الدنيا"( ) قال العيني: (فيتقاصون بتشديد الصاد المهملة من القصاص، يعني: يتبع بعضهم بعضاً فيما وقع بينهم من المظالم التي كانت بينهم في الدنيا في كل نوع من المظالم المتعلقة بالأبدان والأموال)( ).
ولهذا فإنَّ جماعة من أهل العلم القائلين بأن القتل في الحدود يحيط بما دونه استثنوا حد القذف بناءً على أنه حق آدمي متمحض أو له شائبة فيه. قال الكاساني : (وأما حكم الحدود إذا اجتمعت ، فالأصل في أسباب الحدود إذا اجتمعت أن يقدم حق العبد في الاستيفاء على حق الله - عز وجل ؛ لحاجة العبد إلى الانتفاع بحقه ، وتعالى الله -تعالى- عن الحاجات،...ولو كان من جملة هذه الحدود حد الرجم ، بأن زنى وهو محصن - يبدأ بحد القذف ، ويضمن السرقة ، ويرجم ، ويدرأ عنه ما سوى ذلك ؛ لأن حد القذف حق العبد فيقدم في الاستيفاء ، وفي إقامة حد الرجم إسقاط البواقي فيقام درءاً للبواقي؛ لأن الحدود واجبة الدرء ما أمكن فيدرأ إلا أنه يضمن السرقة؛ لأن المال لا يحتمل الدرء)( ).
وجاء في المدونة: (قال مالك  : كل حدِّ اجتمع مع القتل لله أو قصاص لأحد من الناس، فإنه لا يقام مع القتل . والقتل يأتي على جميع ذلك إلا الفرية ، فإن الفرية تقام ثم يقتل، ولا يقام عليه مع القتل غير حد الفرية وحدها ، لأنه إنما يضرب حد الفرية وحدها لئلا يقال لصاحبه ما لك لم يضرب لك فلان حد الفرية ؟ يعرض له بأن يقول : لأنك كذلك)( ). مع ملاحظة أن الحنفية والمالكية يغلبون حق الله تعالى في حد القذف، ورتبوا عليه أنّ حد القذف لا يسقط بعفو المقذوف( )، ويقام من غير مطالبة المقذوف( ).
وجاء في المقنع لابن قدامة: (وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها ، سواء كان فيها قتل أو لم يكن ، ويبدأ بغير القتل ، وإن اجتمعت مع حدود الله تعالى بدئ بها . فإذا زنى وشرب وقذف وقطع يداً، قطعت يده أولاً، ثم حد للقذف، ثم للشرب، ثم للزنا، ولا يُستوفى حدٌّ حتى يبرأ من الذي قبله)( ).




الحاصل: أنَّ القتل تعزيراً لا يحيط بالتعزير الذي لحق آدمي فلا بد من استيفائه مطلقاً على كل حال.

وأما إذا كانت التعازير كلها لحق الله تعالى :
فيتخرج فيه خلاف بناءً على خلافهم في إحاطة القتل بما دونه في الحدود: 
وقد اختلفوا في إحاطة القتل بما دونه في الحدود على قولين: 
القول الأول: أن القتل يحيط بما دونه من العقوبات . وهذا قول الحنفية( )، والمالكية( )، والحنابلة( ) قال المرداوي: بلا خلاف أعلمه( ).
وهو مذهب عطاء( )والزهري( ) ، وحماد ( )، والثوري( )، والنخعي( ) والشعبي والأوزاعي( ).
حجتهم: 
1. أثر ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إذا اجتمع حدان أحدهما القتل أتى القتل على الآخر"( ).
2. أثر ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "إذا وجب على الرجل القتل ووجبت عليه حدود لم تقم عليه الحدود إلا الفرية فإنه يحد ثم يقتل" ( ).
3. قالوا : ولأنه قول جماعة من الصحابة والتابعين، انتشر القول بها في عصرهم ولم يظهر لهم مخالف فكان إجماعاً( ).
4. القياس على المحارب إذا قتل وأخذ المال فإنه يُكتفى بقتله( ).
5. قالوا: ولأن المقصود من الحدود الزجر، ومع القتل لا حاجة إلى زجره بما دون القتل؛ لأنه لا فائدة فيه( ).

القول الثاني: لا يحيط القتل بما دونه من العقوبات. وهذا مذهب الشافعية( ). وهو مذهب الحسن( ) وقتادة( )، وابن أبي مليكة( ).

حجتهم : 
1. عموم ظواهر الأدلة في وجوب استيفاء الحدود وتحريم الشفاعة لإسقاطها من غير تفرقة بين وجود القتل بينها أو لا ( ). قال الشافعي : (وإنما حددته بالحدود كلها؛ لأنه ليس منها واحد إلا واجب عليه مأمور بأخذه فلا يجوز-والله أعلم- أن أعطل مأموراً به لمأمور به أعظم ولا أصغر منه وأنا أجد السبيل إلى أخذه كما تكون عليه الحقوق للآدميين فلا يجوز إلا أن تؤخذ منه كلها إذا قدر على أخذها)( ).
يمكن أن يرد: بأنَّ من مخصصات العموم الإجماع، قال الآمدي : (لا أعرف خلافاً في تخصيص القرآن والسنة بالإجماع)( )، وقد مضى في أدلة القول الأول حكاية الإجماع السكوتي على أنَّ القتل يحيط بما دونه، قال الزركشي في البحر المحيط عن قول الصحابي :(قال الأستاذ أبو منصور، والشيخ أبو حامد الإسفراييني، وسليم، والشيخ في اللمع ": يجوز التخصيص به إذا انتشر، ولم يعرف له مخالف، وانقرض العصر عليه، لأن ذلك إما إجماع أو حجة مقطوع به على الخلاف)( ). 
والشافعية أنفسهم لم يطلقوا هذا العموم فيما إذا كرر موجب الحد من جنس واحد، كما لو زنى مائة مرة قبل أن يحد، فإنه يحد عندهم وعند الجمهور حداً واحداً( ). مع أن عموم قوله تعالى : {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وعموم قوله صلى الله عليه وسلم :"البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم "( ) يقتضي إقامة الحد على كل زنية مطلقاً حُدَّ على الأول أو لم يحد.
ويرد أيضاً في خصوص مسألتنا "إحاطة القتل تعزيراً بما دونه": بأن هذه الحجة غير واردة بالنسبة للتعازير؛ إذ لا نص فيها يلزم العمل به سوى النص العام في التحريم.




2. ولأنها حدود لا تتداخل في غير القتل، فوجب أن لا تتداخل في القتل، قياساً على عدم تداخل حد القذف في القتل( ).
يمكن أن يرد : بأنه قياس مع الفارق ، ووجه : أن القذف إما حق آدمي محض أو فيه شائبة حق له، بخلاف بقية الحدود الأخرى. كما أن من مقاصد حد القذف دفع العار اللاحق وهو لا يندفع بغير عقوبة خاصة له؛ ولهذا قلنا باستيفائه مطلقاً. 

3. ولأن ما وجب مع غير القتل يجب معه؛ كقطع اليد قصاصاً، فإن قطعها واجب سواء قتل أو لا ( ).
ويرد : لا نسلم ما ذكر. وأما قطع اليد قصاصاً فيفارق ما نحن فيه؛ إذ البحث في حقوق الله تعالى لا في حق آدمي ؛ لأن حق الآدمي من مقاصده التشفي زيادة على الزجر، ولا يمكن تحقيق مقصد التشفي إلا بالمقابلة( ).

وقصارى الكلام أنَّ القتل تعزيراً في لازم قول الجمهور يحيط بما دونه من التعازير التي لحق الله تعالى.
وإذا كان القتل يحيط بعقوبة معصية مستقلة عمّا قُتِل لأجله (كالمحارب السارق يقتل ولا يقطع مع أن موجب القطع مستقل عن موجب القتل) ، فمن باب أولى أن يمنع الجمع عليه بين القتل وبين غيره على معصية واحدة كما في قضايا تهريب المخدرات ونحوها، فالفعل الموجب للعقوبة واحد غير متعدد. 

وعليه يمكن القول : 
بأنه لا يصح أن يجمع على العاصي بين قتله تعزيراً وبين عقوبة تلحق بدنه أو ماله.
أما أنّ العقوبة البدنية لا تلحق المحكوم بقتله تعزيراً: فإضافة لما سبق إيراده من أنّ القتل يحيط بما دونه اختلف جنس المعصية وموجبها أو اتحد : فيدل لذلك أيضاً : أن الجمهور( )لم يعملوا بما أخرجه مسلم في صحيحه "والثيب بالثيب جلد مائة والرجم"( ) فلم يجمعوا على الزاني المحصن بين الجلد أولاً ثم الرجم؛ بل قالوا يرجم مباشرة لفعله صلى الله عليه وسلم في الغامدية وماعز رضي الله عنهم وكذا في اليهوديين،وعللوا لذلك بما له صلة فيما نحن فيه فقالوا : إن الحد الأصغر ينطوي في الحد الأكبر ، وذلك أن الحد إنما وضع للزجر فلا تأثير للزجر بالضرب مع الرجم ( ).
وكذلك التعزير: فإن العقوبات التعزيرية التي دون القتل تنطوي في القتل؛ إذ لا معنى لجلده أو سجنه وقد أُريد قتله، وقد أُمِرنا بإراحة المذبوح فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته" وليس من الإحسان إضافة عقوبة بدنية على من يراد قتله!

وأما أن العقوبة المالية لا تلحق المحكوم بقتله تعزيراً، فيستدل لها بما يلي-علاوة على ما سبق إيراده من إحاطة القتل-: 
o أن المقصود من العقوبة المالية الزجر، وإذا قتل تعزيراً لم يبق لزجره بتعزيره في المال معنى!
o أن تعزير المقتول في ماله حقيقته تعزير للورثة لا للعاصي؛ لأن مال المقتول تعزيراً أو المحكوم بقتله مالٌ مراعى فيه حق الورثة؛ ولهذا ينص أهل العلم على أنَّ تصرفات مترقب القتل لا تنفذ فيما جاوز الثلث( )، فإذا كان رب المال قُيد في تصرفاته في ماله مُرَاعاةً لحق الورثة، فأولى أن يُمْنَعَ غيره من الإضرار بهم ولو كان الحاكم.




جاء في فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم : 
( من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: 
فقد جرى الاطلاع على خطاب سموكم رقم 30600/1 وتاريخ 16/9/1386 والأوراق المشفوعة به بشأن تركه... الذي توفي سجيناً في قضية مخدرات قبل انتهاء محكوميته وقبل أن يدفع الغرامة التي سبق أن قررت عليه . وقدرها عشرة آلاف ريال . وقد ترك وراءه ألف ريال وخمسمائة ريال وثمانين ريال وجنيه ذهب وساعتين يدويتين . وقد كتبتم لإمارة مكة برقم 5671 في 29/4/1386 بأنه إذا كان قد دفع الغرامة فتسلم المخالفات لبيت المال لتسليمها لورثته، وإن كان لم يدفع الغرامة فيبعث المبلغ لمؤسسة النقد لاحتسابه من أصل الغرامة. وفي هذه الأثناء كان الورثة قد تقدموا لأمارة منطقة مكة طالبن تسليمهم تركة مورثهم. فأحيلوا لمحكمة مكة التي قررت بموجب الصك المرفق برقم 18/3 في 7/5/1386 الحكم على مدير بيت المال بمكة المكرمة برفع يده عن تركة المتوفي المذكور وتسليمها للورثة، وصدق على الحكم من قبل هيئة التمييز برقم 817 في 12/6/1386 وأخيراً أشار سموكم إلى أن مثل هذا الموضوع يحتاج إلى قاعدة شرعية يمكن الاعتماد عليها وترغبون الإفادة بما نراه.
وعليه نشعر سموكم أن هذه الغرامة قررت من قبل ولي الأمر من باب التعزير بالمال . وقد مات المراد تعزيره فبطل مفعول التعزير، لأن التعزير متعلق بحال الحياة لقصد ردعه عن أن يعود، وحينئذ فإنه لا يجوز أخذها ولا شيء منها من تركته. والله يحفظكم والسلام .رئيس القضاة (ص/ق3811/1 في 21/10/1386))( ).
وإذا كان المقصود من التعزير بالمال ردعه ألا يعود، فإذا حُكم بقتله تعزيراً مع غرامة أو مصادرة لم يكن لهما معنى في ألا يعود؛ لأنه مقتول! إلا أن يعفى عن تعزيره بالقتل فيجوز حينئذٍ الانتقال إلى تعزيره بالمال على قول.
والمنظم نفسه راعى إسقاط الغرامات والقروض عمن مات، ومن ذلك إسقاط الغرامات المرورية وإسقاط قروض صندوق التنمية العقارية.

فإن قيل: روى يزيد بن البراء عن أبيه قال : لقيت عمي ومعه راية فقلت له أين تريد؟ قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله( ). 
فالنبي صلى الله عليه وسلم جمع على الذي نكح امرأة أبيه بين القتل وأخذ المال، وهذا جلي فيما نحن فيه. 
أجيب عليه بما يلي : 
من المتقرر أن حد الزاني المحصن الرجم، والنبي صلى الله عليه وسلم هنا أمر بضرب عنقه، مما يدل على أن العقوبة هنا لمعنى آخر غير الزنا ( ). 
وهذا المعنى هو: أن الرجل نكح امرأة أبيه على قواعد أهل الجاهلية، فإنهم كانوا يتزوجون بأزواج آبائهم ويعدون ذلك من باب الإرث ولذلك ذكر الله تعالى النهي من ذلك بخصوصه بقوله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم} مبالغة في الزجر عن ذلك، فالرجل سلك مسلكهم في عد ذلك حلالاً فصار مرتداً( ). 
ويؤيد أن قتله كان ردة: ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم عقد الراية للرسول، ولم تكن الراية تعقد إلا لمن أُمر بالمحاربة، والمبعوث لإقامة حد الزنا غير مأمور بالمحاربة( ).
ويؤكده أنه جاء في بعض ألفاظ الحديث أن النبي صلى الله خَمَّسَ ماله( )، والتخميس لا يكون إلا في الفيء، فمعاملة النبي صلى الله عليه وسلم مال الرجل معاملة الفيء دليل على أن قتله كان ردة( ).
ويسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله لمجرد حصول العقد بنكاحها لا لأجل الوطء، يدل عليه ما جاء في بعض ألفاظ الحديث: " بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن آتيه برأسه"( )( ).
قال البيهقي: وذهب بعضهم إلى أن ذلك كان قبل نزول الحدود في سورة النور، قبل بيان النبي صلى الله عليه وسلم رجم الثيب الزاني، فلما نزلت وبين ذلك صار الأمر إلى ذلك قالوا : ثم أنه إنما نسخ منه كيفية القتل، فأما أصل وجوب القتل فإنه لم يقم دلالة إلى نسخه فهو باق على الوجوب( ).

فإن قيل: يجوز الجمع بين القتل تعزيراً وغيره من التعازير؛ لأن ولي الأمر قد يعفو عن القتل فيبقى ما دونه؟
فالجواب: بأن هذا ظنّ لا يبنى عليه، كما أنه يُحتمل ألا تتوافر شروط العفو فنقع فيما لا يجوز من الجمع بين القتل وبين غيره. ومتى ما حصل العفو يمكن محاكمته من جديد للنظر في تقدير عقوبة أخرى. 

على أنه قد يقال: بجواز مصادرة أو إتلاف الأوعية التي استخدمت في المعصية أياً كان نوع المعصية؛ كما لو استخدم السيارة في تهريب الخمر أو المخدرات قياساً على إتلاف دنان الخمر. 
لكن قد يعترض عليه: بأنَّ إتلاف أوعية الخمار وإحراق بيته المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم كان إتلافاً مجرداً، فلم يجمعوا عليه بين الإتلاف والقتل؛ ولهذا يتحقق زجره في إتلاف أوعيته. أما المقتول فلا يتحقق زجره بإتلاف الوعاء المستخدم في المعصية؛ لأنه ميت أو سيموت و لا زاجر أعظم من القتل. ولأن العقوبة الصغرى (الغرامة المصادرة) تنطوي في العقوبة الكبرى (القتل)، والمقصود من العقوبة المالية – كما أشرنا- الزجر ولا تأثير للزجر في ماله مع القتل! 


بقي صورتان لهما علاقة بالمسألة: 
الأولى: حكم مصادرة ما قد يكون وسيلة لجرائم أخرى، كشرائح الجوال في قضايا المخدرات؟. 
فشريحة الجوال عادة ما تكون معروفة عند شبكة التهريب في الداخل أو الخارج، وبقاؤها في يد الورثة أو غيرهم قد يكون سبباً في نشوء جرائم أخرى، فهل يجوز مصادرتها والحالة هذا؟
في رأيي يجوز مصدرتها استحساناً، ويتحمل الضرر الخاص اللاحق بالورثة لدفع ضرر عام. 
على أنَّ الشريحة ليست ملكاً للجاني، بل للشركة مقدمة الخدمة؛ لكن الجاني يختص بها. مع استحضار أن المقصود بالشريحة هو الرقم الذي تحمله. 

الثانية: لو ثبت بالبينة الشرعية أن المال الذي في يد المحكوم بقتله تعزيراً ناتج عن أعمال محرمة شرعاً سواء كل المال الذي بيده أو بعضه، فهل يجوز مصادرة الكل أو البعض في هذه الحال؟.
نعم يجوز مصادرته متى ثبت شرعاً أنه ناتج عن عمل محرم؛ لأن أصله مال غير محترم في الشريعة، ويد الجاني عليه يدٌ ظالمه لكونه وصل إليها بسبب محرم، وقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير،.."( ) فعد صلى الله عليه وسلم من سمات الحكم العدل: إتلاف المال غير المحترم كالصليب والخنزير وهذا هو الشاهد. 
قال ابن حزم: (فإذ قد صح ما قلنا، وصح أن الله تعالى حرم شرب الخمر، على كل مسلم وكافر، وحرم بيعها على كل مسلم وكافر، وحرم ملكها على كل مسلم وكافر..، ثبت أنها ليست مالا لأحد، وأنه لا قيمة لها أصلا، وكذلك الخنزير - للتحريم الوارد فيه جملة. فإذ قد حرم ملكها جملة، كان من سرقها لم يسرق مالا لأحد، لا قيمة لها)( )، وقد كان الواجب على العاصي أن يخرج هذا المال بنفسه توبة إلى الله؛ وإذ لم يفعل فإن من وظيفة الحاكم أن ينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن( ). 

ويستثنى من ذلك ما لو كان الفاعل من أصحاب ديانة يعتقدون حل هذه التجارة وكان بيعه على غير مسلم، ككتابي يبيع خمراً. 


خلاصة البحث: 
أُجمل ما سبق تحريره في فقرتين: 
1. إذا كانت التعازير كلها لحق الله تعالى: فإن القتل تعزيراً يحيط بما دونه من التعازير. ويستثنى من ذلك: 
مصادرة مالٍ قد يكون وسيلة لجرائم أخرى كشرائح الجوال.
المال الذي بيد المحكوم بقتلة تعزيراً: إذا كان متولداً من تجارة محرمة شرعاً وثبت ذلك بالبينة. 
2. إذا كانت التعازير بعضها لحق الله تعالى وبعضها الآخر لحق آدمي: فإن القتل تعزيراً لا يحيط بالتعزير الذي لحق آدمي، فيستوفى حق الآدمي ثم يقتل تعزيراً.

وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


تعليقات