📁 آخر الأخبار

العقوبات البديلة في القانون السوداني

العقوبات البديلة في القانون السوداني 



العقوبات البديلة في القانون السوداني 


اعداد :
معتصم تاج السر محمد عثمان
قاضي محكمة الاستئناف
السودان ـ الخرطوم



الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علىاشرف المرسلين سيدنا محمد ( ص ) بعثه اللهداعياً إلى الحق وهادياً وبشيراً ورحمةللعالمين ، وبعد

مما لا شك فيه أن خصائص النفس البشرية لاتتغير إن عاش الإنسان في الماضي أو فيالحاضر . ومن المعلوم أن رغبات الإنسانتتقاذفها أمواج الحياة العاتية ويعملالإنسان لتحقيق تلك الرغبات المتباينة ولكنهدي الله هو الذي ينير الطريق للعباد حتىيعيشوا في استقرار في مجتمعاتهم وان عنصرالاستقرار والطمأنينة لن يتحقق إلا بتحقيقالأهداف والغاية التي يرمي إليها الإسلامتجاه الفرد وهي :
1. تربية النفس أولاً على الإيمان باللهتعالى وبوحدانيته .
2. إرساء قيم الدين في النفس وتربيتها علىالفضيلة والآداب الفاضلة .
3. معرفة حقوق الفرد المسلم تجاه الخالق وتلكالحقوق والواجبات فيما بين الأفراد فيمابينهم .
ومعلوم أن إهدار تلك الحقوق والواجبات يؤديإلى إحداث الفوضى في المجتمعات ويسعىالإسلام إلى استقرار المجتمع بجلب المصالحودرء المفاسد ومن مقاصد الشريعة الإسلاميةحفظ المصالح الضرورية وهي حفظ الدين والعقلوالنفس والمال والعرض .
ومن الطبيعي أن الاعتداء على هذه المصالحيجلب المفاسد في المجتمع وان درء المفاسدإجمالاً يعتبر مصلحة ولا يمكن الحفاظ علىهذه المصالح الضرورية بإسداء النصح أوالإرشاد إلى الفضيلة اعتماداً على الدعوةوحدها رغم أهميتها للحفاظ على المصالحالمذكورة في المجتمع بل لا بد من إيقاعالعقوبات على كل من يعتدي على حرمات تلكالمصالح الضرورية سواء كانت تلك العقوباتحدية أو قصاص أو تعزيرية
والعقوبات في مجملها في منظور الإسلامموانع قبل الفعل زواجر بعده وطهارة للجانيوان الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآنوعلى هذا فان تربية الفرد المسلم على الوازعالديني حماية له من الزلل وان إقامة الحدودوالعقوبات التعزيرية مكملة لبناء الفرد
المسلم بعنصر التربية بالنصح والإرشادوكلاهما يؤدي دوره في المجتمع المسلموصولاً إلى تطهير الفرد والمجتمع منالمفاسد وعندئذٍ تتحقق المصالح وإذا اختلميزان أي من عنصر التربية وعنصر الردعوالزجر بالعقوبات ترتب عليه إحداث خللواضطراب في مجتمع المسلمين



المحور الأول :
مفهوم وأهداف العقوبة البديلة

الجزاء أو العقاب مبدأ من المبادئ الأساسيةالتي يقوم عليها القانون الجنائي السودانيلسنة 1991م ولا يتصور قيام جريمة بلا عقوبة. والعقوبة قبل أن تكون أداة ردع وقمع تاليةلوقوع الجريمة هي أداة منع وتهديد قبلوقوعها لان القانون الجنائي قائم على مبدأالتهديد والتنبيه والاستجابة وهنالك قطاعكبير من الناس يمتنعون عن الجريمة استجابةلهذا التهديد والتنبيه مقدماً خشية لعقابوما يترتب عليه من أثار جنائية وأنهميمتنعون عن ارتكابها خشية القبض والحبسوضياع المصالح المادية والسمعة .
من أهداف العقوبة خلاف التهديد والمنعمقدماً قبل وقوع الجريمة والردع والقمع بعدوقوعها التقويم والإصلاح وهذا الهدف الأخيريكون محوطاً دائماً بإطار من الألم والمنعالرادع ويجب بقاء هذا الإطار حتى يشعر الناسبقيمة التزامهم حدود القانون وبالفرق بينهم
وبين من يحيد عن طريقه والحرمان من الحريةوحده داخل جدران السجن يعد في ذاته ألماًكافياً مهما كان برنامج المعاملة الجنائيةفيه ممتازاً ، ونبادر بالقول بان الانتقاملم يعد هدفاً للعقاب في القانون الجنائيالمعاصر أي لم يصبح أداة إذلال وتعذيبوإرهاب في سبيل كفالة صيانة القيم المحميةبالقانون وأصبح مجرد إعمال نصوص قانونالإجراءات الجنائية عن طريق القبض على منيخالف أحكام القانون الجنائي وحبسهاحتياطياً واتهامه والتحقيق معه ومحاكمتهثم الحكم عليه بالعقوبة وتنفيذها أو وقفتنفيذها أو تسريحه تحت الاختبار بعدالإدانة وعند توقيع العقوبة أو العفو عنهقضاءً كافياً في ذاته لكفالة صيانة هذهالقيم وتأمينها والتلويح بالجزاء الجنائيعن طريق النص ضروري لإعلام الناس بما هومشروع من الأفعال وما هو غير مشروع ومجرم منبينها وهو نافع أيضاً لإضافة جديد إلىمحتويات الضمير لدى الأفراد ضمن الروادعالدينية والمحظورات الأخلاقية والقيودالاجتماعية على السلوك الفردي في المجتمعبحيث يستهجن الأفراد ارتكاب الفعل المعاقبعليه تلقائياً مع مرور الزمن فيشعرونبالخطاء والإثم عند الإقدام على ارتكابه ،وبالتالي يمتنعون عنه تلقائياً وينتجالتلويح بالجزاء الجنائي أثره كسبب فعالللمنع العام متى امن الناس بسرعة توقيع هذاالجزاء على الجناة وبعدالته ومناسبته لأنهميحملونه في هذه الحالة على محمل الجد . ولذلككان تفريد العقاب بمعرفة الشارع ابتداءً ثمبمعرفة القضاء وسلطة التنفيذ يلعب دوراًخطيراً في الأثر المنعي للعقوبة وانه وانكان الإقدام على ارتكاب الجريمة من الناحيةالواقعية دليلاً عملياً على عدم استجابةعدد كبير من الناس لتحذيرات القانون لعدممناسبة الجزاء أو عدالته فان على القاضي أنيفرد العقاب بالنسبة للجناة الذين يمثلونأمامه في الوقائع الفردية تفريداً يؤدي إلىتلك المناسبة والعدالة كما يجب على سلطةالتنفيذ عن طريق الردع الخاص بالإيلام
النفسي في العقوبات قصيرة الأجل ، وعن طريقإعادة بناء الشخص اجتماعياً في العقوباتالسالبة للحرية طويلة الأجل نسبياً أنتساهم في إعطاء العقوبة التي فردها القاضيروحها الردعية أو التقويمية أو العلاجيةلان رجال التنفيذ هم الذين يؤثرون في الجاني
تأثيراً مباشراً وينفثون في العقاب روحهالفعالة المؤدية إلى النتائج التي يرجوهاالشارع والقاضي معاً. 

العقوبة في القانون السوداني :
تنقسم العقوبات في القانون السوداني تبعاًللحق الذي تصيبه إلى عقوبات تمس سلامة جسمالإنسان وهي الإعدام والجلد بالسوط والىعقوبات تمس حرية الإنسان أي سالبة للحريةوهي الحبس المؤقت والحبس المؤبد والحجز فيإصلاحية والى عقوبات مالية وهي الغرامةوالتجريد من الأموال والمصادرة .
وتنقسم من ناحية أصالتها إلى : ـ
عقوبات أصلية وهي المقررة اصلاً للجريمةكالقصاص للقتل والرجم للزنا والقطع للسرقةوالحبس المؤبد والمؤقت والغرامة
العقوبات البديلة : وهي العقوبات التي تحلمحل عقوبة أصلية إذا امتنع تطبيق العقوبةالأصلية بسبب شرعي ومثالها الدية إذا درئالقصاص والتعزير إذا درئ الحد أو القصاص .
والعقوبات البديلة هي عقوبات أصلية قبل أنتكون بديلة وإنما تعتبر بدلاً لما هو اشدمنها إذا امتنع تطبيق العقوبة الأشد فالديةعقوبة أصلية في القتل شبه العمد ولكنهاتعتبر عقوبة بديلة بالنسبة للقصاص والتعزيرعقوبة أصلية في جرائم التعازير ولكن يحكم بهبدلاً من القصاص أو الحد إذا امتنع الحد أوالقصاص بسبب شرعي . . الوضع بالإصلاحية يكونتدبير للطفل الجانح الذي لم يبلغ سن الثامنةعشر وفقاً لقانون الطفل لسنة 2010م إذا ماارتكب فعلاً يشكل جريمة ، كذلك توقع عقوبةالتغريب كعقوبة بديلة على الشيخ الذي وصلعمره سن 70 سنة وذلك اذا ارتكب فعلاً يشكلجريمة وتمت إدانته به طبقاً لنص المواد 33 / 48من القانون الجنائي لسنة 1991م وهي جريمة توقععلى الذكور فقط دون الإناث بصراحة نصالقانون في جريمة الزنا من الذكر غير المحصنبان يطاله الجلد ويضاف إليه التغريب لمدةسنة والمعتمد في مذهب الإمام مالك هو تغريبالرجل دون المرأة ومعه الاوزعي وحجته فيتخصيص المرأة من هذا العموم أنها تتعرض فيالتغريب للزنا ، واشد منه .
كذلك عقوبة السجن قد تكون عقوبة بديلة فيحالة عدم دفع الغرامة التي تحكم بها المحكمةعلى المدان في جرائم التعازير والمعاقبعليها بالغرامة فقط وقد وضع لها المشرعسقفاً لا يجوز أن تتخطاه مدة السجن التيتقررها المحكمة بديلاً عن دفع الغرامة : ـ
شهرين إذا كان مقدار الغرامة لا يجاوزالف جنيه .
أربعة أشهر إذا كان مقدار الغرامة لايجاوز خمسة آلاف جنيه .
ستة أشهر في أي حالة أخرى .

ولم يفرق القانون السوداني منذ قانونالعقوبات الأول في عام 1899 إلى يومنا هذا بينإمكانية أن تسجن النساء أسوة بالرجال ولقدنظم كيفية وضع المرأة بالسجن بناءً علىتنظيم قانون السجون ومعاملته لسنة 1992مبالإضافة إلى لائحة تنظيم العمل بالسجون
ومعاملة النزلاء لسنة 1997م .
كذلك إذا سقطت جريمة الجلد بسبب بلوغ سنالستين أو المرض يعاقب الجاني بعقوبة بديلةوذلك فيما عدا جرائم الحدود .




مقاصد العقوبة البديلة :
العقوبة باعتبارها رد أو قصاص أو دفاعاجتماعي يجب أن تتبع الجريمة ويمكن استخلاصمقاصدها في الآتي :
1. العقوبة ترضي شعور العدالة باعتبارالجريمة عملاً عدوانياً ظالماً يصدم هذاالشعور لدى الجمهور وكانت فيما مضى فيهاتكفير عن الخطيئة والإثم ، وبالتالي منأهدافها إرضاء الشعور الديني .
2. العقوبة تهدف إلى دفاع المجتمع عن نفسه ضدالمجرم فتردع هذا الأخير وتمنعه من العودةإلى الإجرام كما انها تهدف إلى وقايةالمجتمع من اقتداء الغير بهذا المجرم فيالمستقبل أي تمنع الغير من أن يحذو حذوهوعلى ذلك فمقاصد العقوبة مزدوجة أي تنطويعلى منع خاص أو وقاية فردية بمنع المجرم منمعاودة الإجرام . اما بتقويمه أو إصلاحه أوردعه ، كما تنطوي على منع عام ، أو وقايةاجتماعية بمنع الغير من الاقتداء بالجانيفي المستقبل .

المحور الثاني : ـ
تطور العقوبات البديلة على المستوى القضائيوالتشريعي وأسبابه

إن أول أساس قام عليه العقاب في العصورالأولى هو الانتقام الشخصي أو الفردي لانشعور الانتقام للأذى من محدثه والعدوان هومن الدوافع الطبيعية الخلقية التي يقومعليها التركيب الإنساني ثم لما تطورالمجتمع الإنساني بقيام نظام الأسرةفالقبيلة أصبح توقيع العقاب مسنداً إلى ربالأسرة أو شيخ القبيلة وأساسه ايضاًالانتقام الخاص ، ثم لما تحالفت القبائلوتكونت الشعوب وظهرت السلطة الحاكمة وكانهمها الحد من الغلواء في الانتقام ظهرتقاعدة القصاص أي ان الاعتداء يقابل بمثله ،
ثم ظهرت قاعدة استبدال الاعتداء بالتصالحعلى دية تدفع للمضرور أي استبدال العقوباتالبدنية بالمالية وكان التصالح على الديةفي بدء أمره اختيارياً ثم أصبحت جبرياً لماقويت السلطة الحاكمة وتوطد مركزها ولميستمر الانتقام الخاص طويلاً وبدأ يختفيشيئاً فشيئاً مع تزايد سلطة الدول وحمايتهاللأفراد ووضع عقوبات عامة وبذلك أصبحتالدولة هي التي تقتص للفرد المعتدى فأصبحبذلك أساس العقاب هو الانتقام العام تمارسهالدولة نيابة عن الأفراد وكانت العقوبات فيتلك الفترة قاسية وكان الإعدام مقرراًلكثير من الجرائم التي لا تتناسب معها وتطورأساس العقاب بعد ذلك حينما تدخلت الأديانفأصبح الأساس التكفير أي تكفير المجرم عنفعله الذي اقترفه مغضباً به الخالق وأصبحتبذلك الجريمة خطيئة واثماً ، كما أصبحالعقاب تطهيراً وتكفيراً وتصالحاً معالخالق متناسباً في مقداره ونوعه مع جسامةالفعل واتصاله بالدين ولما ضعف نفوذ الدينفي الأداة الحكومية تحول الأساس من التكفيرإلى الردع والزجر والإصلاح وذلك هو بداءالإصلاح بالنسبة للقوانين الجنائية ودخولأسسها في الدور العلمي والفلسفي وفيالسودان كانت الشريعة الإسلامية سائدة منالناحية الجنائية والعقابية وذلك في دولةالفونج وفي سلطنة دارفور وكانت سائدة بعدالفتح المصري وفي حكم المهدي الكبير وعقبهحتى سنة 1899 حيث صدر قانون عقوبات السودانالأول وطبق بالتدرج على المديريات وفي أولأغسطس 1925 اصدر حاكم السودان العام قانوناًجديداً للعقوبات الغي به قانون 1899 وقوانينالصحة العامة لسنة 1912 ومنع القسوة علىالحيوان لسنة 1905 ومنع السكر لسنة 1907 . . ثمصدر قانون العقوبات لسنة 1974 ومن بعده صدرقانون العقوبات لسنة 1983 والذي استمد أحكامهمن الشريعة الإسلامية حيث نص على جرائمالحدود والقصاص والتعازير والديات ثم صدرفي 31 يناير 1991 القانون الجنائي السودانيلسنة 1991 والذي يستمد أحكامه من الشريعةالإسلامية وجاء معالجاً للقصور الوارد فيقانون العقوبات لسنة 1983 وهنالك قوانين أخرىمكملة للقانون الجنائي لسنة 1991 منها قانونجوازات السفر لسنة 1994 وقانون الجماركوقانون الطفل لسنة 2010 ، بالإضافة إلى قوانينالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1994 وقانونالصحة العامة وقانون الأسلحة والذخيرةوقانون حركة المرور وقانون جرائمالمعلوماتية لسنة 2007 وقانون الصحافةوالمطبوعات لسنة 2009 وقوانين أخرى كل هذهالقوانين المكملة للقانون الجنائي لسنة 1991صدرت فيها عقوبات تواكب الجرائم التي تقع فيمجالها وقد صدرت مصاحبة لتطور الجرائم فيهذا العصر وكان بالضروري أن تصدر فيهاعقوبات أصلية وعقوبات بديلة بالإضافةللعقوبات التبعية لها كالمصادرة والإبادةوالغرض من صدور هذه القوانين والعقوباتحماية المجتمع والمحافظة عليه ومعاقبةالمجرمين ومنعهم من العودة إلى ارتكابالجريمة ومنع الغير من الاقتداء بهم .





التطبيقات القضائية للعقوبات البديلة
وردت العديد من الأحكام من المحكمة العليافي هذا المجال ونتناول نماذج منها لبعضالأحكام : 
سابقة : حكومة السودان ** ضد ** خيرالسيد عجب سيدوالمجلة 1974 صفحة( 287)والتي قررت : [ لقد استقر قضاء المحكمة إن صغرالسن هو احد الأسباب في إصدار العقوبةالبديلة للإعدام بواسطة المحكمة نفسها]
سابقة : حكومة السودان ** ضد **بشارة ضحية زايدالمجلة 2003 صفحة ( 412 )والتي قررت : [ عند تقدير العقوبة لا يؤخذ بسنالمتهم في تاريخ المحاكمة وإنما يؤخذ بسنهوقت الحادث]
حكومة السودان ** ضد ** سعيدالطيب الحاجالمجلة 1961 صفحة ( 113 )قضت : [ بألا تنفذ عقوبة الإعدام على المتهمالذي تجاوز عمره 70 سنة]

تحليل الاتجاهات الحديثة للسياسة العقابيةعلى ضوء التجارب العربية والدولية
رأينا أن أساس العقاب في العصور الأولى كانهو الانتقام الشخصي لان رد العدوان والأذىهو من الدوافع الخلقية التي يقوم عليهاالتركيب الإنساني ثم تطور العقاب وأصبح بعدذلك أساسه القصاص ثم تطور وأصبح بعد تكونالشعوب بالتصالح على دفع الدية . . ثم تطورعندما تدخلت الأديان وأصبح الأساس التكفيرولما ازداد الإجرام في أوربا في منتصف القرنالتاسع عشر ظهرت في أواخره جماعة منالجنائيين بنظرية جديدة مقتضاها أن القانونالجنائي يجب أن يكون علماً تجريبياً مبنياًعلى المشاهدة والدراسة فاخرجوا بذلك دراسةالجريمة والعقاب من مجال البحوث الأخلاقيةوالدينية دراسة علمية وضعية اجتماعية وقدنشأت هذه النظرية في ايطاليا على يد مؤسسهاالطبيب الايطالي لومبروزو أستاذ الطبالشرعي وتبعه العلامة انريكو فري ( 1856 ـ 1929 )أستاذ القانون الجنائي وروفائيل جارو فالو (1851 ـ 1934 ) ومقتضى هذه النظرية أن الجريمةليست حادثاً قانونياً وإنما هي وليدةالظواهر الطبيعية والبيئة المختلفة وانإرادة الجاني لا قبل لها على دفعها فتركيبتهالنفسية والعضوية وبيئته يدفعانه دفعاً علىارتكابها ، وبالتالي ليس هناك ثمة حريةاختيار الجاني في ارتكابها أو عدم ارتكابهاوبناءً عليه يجب أن نعالجها كظاهرة ماديةطبيعية اجتماعية وان ندرس الظروف التي نشأتفيها أو نجمت عنها فقد تتوالد الجريمة بفعلعوامل طبيعية أو وراثية أو خلقية غرائزية أوبفعل عوامل اجتماعية بتأثير البيئة الذي لايمكن مقاومته وهذه الظروف هي موضوع دراسةعلم الطبائع الجنائية بحيث إن تركيب جسمالإنسان وميوله النفسية وصفاته قد تدل علىأن الشخص مجرم وعلى ضوء هذه النظرية أصبحتفريد العقاب تشريعاً قضائياً وتنفيذياً ،أي تقديره بالنظر إلى شخص المجرم وظروفه
ثم ظهرت النظرية التوفيقية والتي أخذت بهاالعديد من الدول ومنها السودان وجمهوريةمصر وهذه النظرية جمعت بين النظريةالتقليدية والنظرية الوضعية وخلاصة هذهالنظرية انه ولو ان الطرق مختلفة إلا أنغاية النظريتين واحدة وهي كفالة الدفاع عنالمجتمع ضد الإجرام . واقر أنصار هذهالنظرية بأنه يجب الموافقة على التجربةكأساس من أسس الدراسات الجنائية وان نضع فيحسابنا دراسة الطبائع الجنائية والعواملالاجتماعية لمعرفة أسباب الجريمة ووسائلمكافحتها ويجب أن تهدف العقوبة إلى الردعوالزجر والتعويض وإصلاح الخطأ في تطبيقهاوعند تطبيقها يجب أن يراعى في تفريدها جعلهامتمشية مع ظروف المجرم الشخصية والاجتماعيةفالجريمة تنتج من نوعين من العوامل :
1. العوامل الفردية سواء كانت طبيعية أومكتسبة
2. الظروف الخارجية التي تصاحب ارتكابالجريمة وتبعاً لتغلب هذا العامل أو ذاك علىسلوك الجاني يجب تفريد العقاب ويمكن القولبصورة عامة أن التشريعات الجنائية المعاصرةيستند حق العقاب فيها إلى هذه النظرية
.

المحور الثالث
اثر العقوبات البديلة في إصلاح نظم العدالةالاجتماعية والسياسة العقابية

العقوبات البديلة التي يفرضها الشارع علىالمخالفات يمتد أثرها على كفالة النظاموالسكينة العامة داخل المجتمع بغية حمايةكيان الدولة والدفاع عنه وحماية حقوقوحريات الأفراد وعدم إيقاعهم في الحرجوالحد من نشاطهم وحريتهم في العمل أن قانونالعقوبات حامٍ لقيم المجتمع التي يحرص علىصيانتها ليس عن طريق ردع الجاني وزجر غيرهفحسب وإنما عن طريق الإنذار والوعيدوالتهديد والتنبيه ايضاً كي يعلم الناس بانالأفعال التي ينص عليها مستهجنة اجتماعياًوبالتالي يستجيبون له فلا يرتكبونها ، ممايساعد في استقرار المجتمع وأمنه وتؤديالعقوبات إلى إصلاح المجتمع وتقويمالمجرمين فيه
إشكاليات العقوبات البديلة :
هنالك بعض الإشكاليات ظهرت بعد تطبيقالقانون الجنائي لسنة 1991 والقوانين الأخرىالمكملة له ونستعرض نماذج:
عند محاكمة الشخصية الاعتبارية مثلالشركة أو الجمعية معلوم أن الشركة يمثلهاالشخص الذي تحدده اللوائح الخاصة بهاووفقاً للقانون فان الشخصية الاعتبارية عندالإدانة لا تحبس وإنما تصدر عليها عقوبةبديلة كالغرامة تحصل من أموال الشركةبالإضافة للتعويض الذي قد تحكم به المحكمةوهنا تظهر الإشكالية إذا لم يكن للشركةأموال أو منقولات ولم تحصل على حكم بتصفيتها، مما يتعذر معه تنفيذ العقوبة البديلة التيتم توقيعها عل الشركة وتحصيل المال المحكومبه للجهة الشاكية ويكون ذلك عادة في جرائمالأموال مثل جرائم الشيك المنصوص عليها فيالمادة 179 من القانون الجنائي لسنة 1991 .
كذلك من الإشكاليات عند توقيع تدابيرالإصلاح على الطفل الجانح وفقاً لنص المادة69 من قانون الطفل لسنة 2010 فإذا قضت المحكمةبوضع الطفل في الإصلاحية لفترة معينة وبلغالطفل سن المسؤولية الجنائية المحددةبثمانية عشر سنة قبل انقضاء المدة المقررةله بالإصلاحية هنا تظهر الإشكالية لانالطفل عند بلوغه سن الثامنة عشر لا يسمحبتواجده في الإصلاحية لخطورته على الأطفالالموجودين كما إن أمر حبسه محدد بمكان معينهو الإصلاحية مما يتوجب ضرورة معالجة هذهالإشكالية .
مزايا العقوبات البديلة :
العقوبات البديلة باعتبارها رد أو قصاص أودفاع اجتماعي أو جزاء يجب ان تتبع الجريمةويمكن استخلاص مزاياها فيما يلي
1. أنها الم أو ضرر أو تحقير يصيب الإنسانوذلك لان للإنسان مقدار من الاختيار يتصرفعلى أساسه فإما أن يتجه نحو الخير أو ينحوتجاه الشر بناءً عليه ومادمنا أخذنابالمذهب الأخلاقي اساساً للمسؤوليةالجنائية في القانون السوداني وهذا هو ماعليه الحال في معظم القوانين فيجب أن يدخلفي العقوبة معنى الألم والضرر لمنع المجرممن الأضرار بالغير والحيلولة دون سلوك خيارالناس سبل الإجرام ففكرة العقاب والألممقصودة في جزاء الجريمة
2. انها مقررة لجريمة أي مقابل فعل يحظرهالقانون الجنائي والمراد بها مجازاة المجرمعما اقترفه من اعتداء على الحقوق القانونيةالعامة أو الخاصة وحماية تلك الحقوق منتهديدها في المستقبل باعتداء جديد فهيوسيلة وقاية وعلاج أو منع خاص وعام وردعوالعقوبة في القانون الجنائي باعتبارهامقابلاً للجريمة تقابل التعويض المدنيباعتباره مقابلاً للعمل غير المشروع مدنياًTORT وتقابل الجزاءات التأديبية في القانونالإداري باعتبارهما مقابلاً للإهمالوالمخالفات الإدارية التي تقع من الموظفينالعموميين
3. انها مقررة بمقتضى القانون من ناحية جنسهاوقدرها أي محددة بمقتضى فلا يترك أمر وضعهاللقاضي ولكن الشارع عند وضعه لمقدارها يضعهمتراوحاً بين حدين حد أدنى وحد أقصى حتىيتمكن القاضي من تقدير العقوبة الملائمةللجاني فيما بين الحدين .
4. انها لا توقع إلا على إنسان مسئول فلا توقععلى مجنون أو معتوه أو صغير غير مميز أو مكرهوتوقع باسم الدولة عن طريق السلطة القضائيةأو الجهات المأذونة في ذلك قانوناً .
5. انها واحدة بالنسبة للجميع فلا تفاوت فيالعقوبة بسبب مركز الشخص في المجتمع كما كانذلك في القوانين القديمة وذلك تطبيقاًلمبدأ المساواة بين جميع المواطنين امامالقانون ولكن هذا لا يمنع القاضي أن يحددالعقوبة حسب قصد الجاني من الفعل أو درجةخطئه وظروف وملابسات ارتكابه للجريمةودوافع ارتكابها وسوابقه وهذه كلها تختلفمن مجرم لأخر وذلك على الرغم من وحدةالعقوبة بالنسبة للجميع
6. أنها شخصية أي لا يجوز أن يسأل شخص عنجريمة ارتكبها غيره ، كذلك العقوبة شخصية أيانه لا تنفذ العقوبة على شخص عن جريمةاقترفها غيره وأدين فيها بل تنفذ على نفسالشخص المحكوم عليه

ملائمة نظام العقوبات البديلة للقانونالجنائي 
القانون الجنائي السوداني لسنة 1991والمستمدة أحكامه من الشريعة الإسلامية جاءمواكباً للمستجدات والمعطيات التي فرضتنفسها على المجتمع السوداني وعلى المفاهيمالحديثة والعلمية والأوضاع والعلاقاتالاجتماعية النابعة من بيئتهم والمتسقة معتقاليدهم . ومما لا شك فيه انه ادخل افكاراًإسلامية كثيرة مثل النص على جرائم الحدودوالقصاص والتعازير والديات وقد جاءتالعقوبات البديلة والتي تم توضيحها في هذهالمذكرة ملائمة لما أراده المُشرع فيالقانون الجنائي لسنة 1991 حيث نجده أشار إلىكيفية توقيع التدابير على الطفل الجانحوعدم مساءلته جنائياً بما يتواءم معالشريعة الإسلامية ، كذلك منعه لتوقيععقوبة السجن على من بلغ سن السبعين عاماًوعدم توقيع عقوبة الجلد على من بلغ سنالستين فيما عدا جرائم الحدود
كما نجد أن العقوبات البديلة الواردة فيالقانون ترك فيها المُشرع التقديرللقاضيلتوقيع العقاب المناسب على الجرائمالمرتكبة وفقاً لظروف وملابسات كل جريمةكما حدد العقوبات في حدها الأعلى بسقف معيندون تحديد حد أدنى لتوقيع العقوبة ،وبالتالي يجئ توقيع العقوبة متسقاً مع ظروفوملابسات كل جريمة على حدة وتراعى فيه ايضاًالظروف المشددة والمخففة للجاني لتحققالعقوبة الهدف المنشود منه وهو حمايةالمجتمع والمحافظة عليه وتقويم المجرمينوردعهم حتى لا يقتدي بهم الغير

المقـتــــــرحـــات
اثبت علماء الإجرام من واقع الإحصاءات فيالعالم انه مهما كانت طبيعة العقوبةوتنظيمها والحرص على سرعة تنفيذها فإنها معذلك ليست حلاً كاملاً للمشكلة الجنائيةالتي يسببها الإجرام لان هناك أنواع منالمجرمين لا تجدي معهم العقوبة كما أن هنالكحالات لا تكون العقوبة فيها ذات اثر فعال فيمنع الجريمة . ولذلك يرى الجنائيون انهلمكافحة الجريمة مكافحة فعالة وضع جزاءاتأخرى ذات طبيعة مختلفة تحت تصرف القاضي يأمربها إلى جانب العقوبات المقررة أو بدلاًمنها وذلك كي يؤدي رسالة السياسة الجنائيةكما يجب أن تكون السياسة الجنائية هي ضمناختيار أحسن الوسائل الوقائية والعقابية أوبمعنى آخر أحسن الوسائل المانعة والرادعةلمكافحة الجريمة فكلما كان اختيار القاضيللوسيلة العقابية المناسبة للجاني موفقاًأي ملائماً لحالته الشخصية وظروفه الخاصةكلما كان تفريد العقاب سليماً منتجاً لأثرهوهو مكافحة الجريمة مكافحة فعالة ولذلك يجبأن نضع تحت يد القاضي من العقوبات والتدابيرما يمكنه من التفريد فما يحتاجه بالنسبةلمجرم معتاد غير مايحتاجه لمجرم مبتدئ وعلىذلك فقد تكون العقوبة المقررة للجريمة فيالقانون ليست هي الوسيلة الفعالة لمنعالشخص من ارتكاب الجرم من جديد وقد ينصالقانون على عدم تطبيقها عليه لجنونه ، ففيهذه الحالة يجب ان يكون لدى القاضي منالتدابير ما يمكنه فيما لو حكم أو أمر بها أنيقي المجتمع شر إجرام هذا الشخص في المستقبل.
وبالله التوفيق . . .

تعليقات