القائمة الرئيسية

الصفحات



أصول التحكيم




أصول التحكيم 
فيصل مولوي 


أولاً: إنشاء التحكيم يتم عادة بأحد طريقين: 
الأول: توقيع اتفاق تحكيمي بين الطرفين بعد وقوع النزاع بينهما.
الثاني: وضع بند مسبق عند توقيع العقد بين الطرفين، أن كل خلاف ينشأ عن هذا العقد يجري حله عن طريق التحكيم.
إرشادات مهمة
1- عند توقيع أي عقد بين طرفين مسلمين في بلاد الغرب، يجب عليهما أن يضعا بندًا خاصًا في نهاية العقد ينص على "أن أي خلاف بين الطرفين حول تنفيذ هذا العقد يتم حله عن طريق التحكيم الشرعي وفق مذهب معين -يجب تحديده- أو وفق قانون الدولة الفلانية -يجب تحديدها- أو وفق اجتهاد المحكّمين المقيد بالقرآن الكريم والسنة المطهرة".
2- إذا لم ينص العقد الموقع بين الطرفين على مثل هذا البند التحكيمي، ووقع الخلاف فإن الواجب الشرعي على الطرفين أن يلجآ إلى التحكيم وفق الشريعة الإسلامية بدل أن يلجآ إلى القضاء الرسمي. وفي هذه الحالة يجب عليهما توقيع اتفاق تحكيمي فيما بينهما. هذا الاتفاق يتضمن عادةً: ذكر العقد السابق بين الطرفين، وتحديد نقاط الخلاف التي يريدان الفصل فيها، وتعيين حكم أو أكثر، وتحديد القانون الذي يلتزمان به (الشريعة ككل، أو أحد المذاهب، أو أحد القوانين الإسلامية المعاصرة) وتعيين المدة المعطاة للمحكِّم من أجل فصل القضية، وتحديد الأتعاب.
ثانيًا: محل التحكيم:
اتفق جمهور الفقهاء أن التحكيم لا يصح في الحدود والقصاص واللعان، وأنه يختص بالأموال أي بالمعاملات المالية. وخالف الحنابلة في رواية عندهم فقالوا: إنه يجوز في كل ما يمكن أن يُعْرَض على القاضي من خصومات". قال أبو يعلى: يستوي في ذلك المال والقصاص والحد والنكاح واللعان وغيرها. لكن هذا الخلاف ليس له أي أثر في التحكيم المعاصر؛ لأن القوانين الحديثة في العالم الإسلامي، وفي كل بلاد العالم حصرت جواز التحكيم بالأموال أو بالعقود. وبالتالي فإن التحكيم الشرعي المطروح على المسلمين في بلاد الغرب هو الذي تسمح به القوانين في تلك البلاد وهو ما يتعلق بالمبادلات التجارية بجميع أنواعها. وهذا باب واسع جدًّا يمكن أن يتخلص به المسلمون من الوقوع في الحرام في معاملاتهم المالية.



ثالثاً: اختيار المُحَكِّمين:
1- يختار الطرفان المتنازعان حَكَمًا واحدًا أو أكثر للفصل في نزاعهما. ويسمّى الحَكَم أيضاً المُحَكِّم.
2- كان الفقهاء يبيحون أن يكون عدد المحكِّمين شفعًا أو وترًا، وذلك انطلاقًا من كونهم يعتبرون أن قرار المُحَكِّمين لا يكون صحيحًا إلا بإجماعهم.
أما القوانين الحديثة فيشترط أكثرها أن يكون عدد المُحَكِّمين حين يزيد عن الواحد وترًا، حتى يمكن صدور القرار بالأغلبيّة (84 الإمارات)- (234 البحرين) – (263 تونس)-(449 الجزائر) - (4 السعودية) - (141 السودان) - (257 العراق) وقد استثنت من هذا الحكم حالة الحكمين بين الزوجين - (63 عمان) - (202 قطر) – (174 الكويت) - (771 لبنان) - (744 ليبيا) واستثنت أيضًا حالة التحكيم بين الزوجين- 502 مصر.
وبما أن أكثر القوانين الغربية أيضًا تنص على أن عدد المُحَكِّمين إذا زاد عن الواحد يجب أن يكون وتراً، فإننا نرى أن أي اتفاق تحكيمي بين طرفين مسلمَين في بلاد الغرب يجب أن يلتزم بهذا الأمر ويختار عددًا وترًا خشية أن يتعرض قرار المُحَكِّمين إلى عدم إعطائه الصيغة التنفيذية في المحكمة الرسمية، أو إلى إبطاله عند الطعن فيه.
3- يشترط في المُحَكِّم:
أ  -   أن يكون معلومًا بشخصه، فلو حكَّم الخصمان أول من يدخل المسجد مثلاً لم يجز لما فيه من الجهالة، ويمكن أن يفوِّض الطرفان إلى شخص معنوي (مؤسسة تحكيمية – مركز تحكيمي...) أن يختار لهما مُحَكِّمًا واحدًا أو هيئة تحكيمية.
ب - ويُشتَرَط في المُحَكِّم أن يكون أهلاً لولاية القضاء، لكن عند بعض الشافعية: أن هذا الشرط يمكن الاستغناء عنه عندما لا يوجد الأهل لذلك، وعند بعض الحنابلة: أن التحكيم لا تشترط فيه كل صفات القاضي. لذلك يكون من الواجب اختيار المُحَكِّمين من بين العلماء الموجودين على الساحة الأوروبية.
جـ- ويُشتَرَط ألا يكون بين المُحَكِّم وأحد الخصمين قرابة تمنع من الشهادة كأن يكون أحد فروعه أو أصوله أو زوجه.
رابعًا: عزل المُحَكِّمين أو الرجوع عن التحكيم:
من المعروف أن الرأي الراجح في المذهبين الحنفي والشافعي أنه "يجوز عزل المُحَكِّم طالما لم يصدر الحكم، وأنه لا حاجة لاتفاق الخصمين على ذلك بل يكفي أن يعزله أحدهما"، وقد نصّت المادة 1847 من المجلة على أنه "لكل من الطرفين عزل المُحَكِّم قبل الحُكْم".
أما الرأي الراجح في المذهبين المالكي والحنبلي فهو أنه "لا يجوز عزل المُحَكِّم من قِبَل أحد الخصمين منذ بدء الخصومة أو الشروع في الحكم عند أصبغ، ولا يجوز بعد إقامة البينة عند سائر المالكية، ولا يجوز بعد الشروع في المحاكمة عند الحنابلة". علمًا بأنّ ابن الماجشون من المالكية لم يجز عزل المُحَكِّم من قِبَل أحد الخصوم ولو قبل بدء الخصومة.
أما القانون السائد في أكثر البلاد العربية اليوم ينص على أنه "لا يجوز عزل المُحَكِّمين إلا باتفاق الخصوم" (الجزائري 445) (المغربي 310) (السّعودي 11) (السوري 515) (العراقي 260) (الكويتي 178) (اللبناني 770) (المصري 503)، وتزيد بعض القوانين الأخرى فتنص على أن "عزل المُحَكِّم لا يجوز إلا باتفاق الخصوم أو بموافقة المحكمة" (الأردني 4) (التونسي 264) (الليبي 749). ولم يعترض على مشروعية هذه القوانين فيما نعلم أحد من الفقهاء المعاصرين.
بناءً على ذلك نقول: "لا يجوز عزل هيئة التحكيم ولا أحد أفرادها بعد الشروع في المحاكمة إلا باتفاق الخصوم"؛ فهو رأي معتبر في اجتهادات المذاهب الإسلامية، ويكاد يكون الرأي المجمع عليه في الاجتهادات المعاصرة. وهو الذي يجعل التحكيم وسيلة جدية لحسم النزاع، وإلا فإن الرجوع عن التحكيم بعد الشروع في المحاكمة "يؤدي إلى أن كل واحد منهما إذا رأى من الحَكَم ما لا يوافقه رجع، فبطل مقصوده".


تعليقات