القائمة الرئيسية

الصفحات



الإفلاس في النظام السعودي




الإفلاس في النظام السعودي

المحامي: خالد السريحي
دارت بيني وبين أكثر من زميل نقاشات عدة حول تعريف الإفلاس والفرق بينه وبين الإعسار ، وإفلاس الشخصية المعنوية وأثره على عناصر تلك الشخصية (الشركاء) ، وما إلى ذلك من نقاط تتعلق بالإفلاس ، مما رأيت معه أنه أمر يستحق البحث والكتابة عنه من خلال الواقع المهني كون النصوص في القانون السعودي لم تعالجه بشكل دقيق ، ولذلك أرغب في أن تكون التدوينات التالية سلسة متصلة حول موضوع الإفلاس ، وكالعادة أطلب من الجميع التداخل وإبداء وجهات نظرهم حيال أي نقطة مما سيرد في هذه السلسلة كون ذلك هو ما يثري الفكر القانوني ، واسأل الله أن يعين الجميع لما يحبه ويرضاه .

بداية أود أن أعرج بشكل سريع على الأنظمة التي عالجت موضوع الإفلاس وهي نظام المحكمة التجارية الصادر بالأمر السامي رقم (32) بتاريخ 1350/1/15هـ ، ونظام التسوية الواقية من الإفلاس الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/16) بتاريخ 1416/9/4هـ ، وصدرت اللائحة التنفيذية له بموجب قرار وزير التجارة والصناعة رقم (12) بتاريخ 1425/7/14هـ أي بعد ما يقارب العشر سنوات ! ، وكذلك بعض المواد في نظام الشركات.



أولاً فقد عرفت المادة (103) من نظام المحكمة التجارية المفلس بأنه “من استغرقت الديون جميع أمواله فعجز عن تأديتها” ، وقد جاءت كلمة المفلس في النص عامة دون تقييد ، ومن ثم يقول قد يقول قائل بأن المنظم لا يشترط صفة التاجر وإنما يشترط وجود الشخص في حالة العجز (التوقف) عن الدفع ، ولكن هذا القول يبدو غير صحيح إذا أكملناه بالنظر في المواد الأخرى الخاصة بالإفلاس التي وردت فيها صفة التاجر كشرط لتطبيق نظام الإفلاس .

فالمادة (105) تنص على أن “المفلس الحقيقي : هو الذي اشتغل في صنعة التجارة …” .

والمادة (106) تنص على أن “المفلس المقصر هو : التاجر الذي يكون مبذراً في مصاريفه …” ؛ وتطبيقاً لمبدأ تكامل النصوص لأن إعمالها خير من إهمالها ، فأن صفة التاجر تعتبر شرطاً من الشروط الواجب توافرها للحكم بالإفلاس⁽¹⁾.



واستدرك معه إلى أن النظام السعودي قسم الإفلاس إلى ثلاث أنواع ، الأول : الإفلاس الحقيقي، الثاني : التقصيري، الثالث : الإحتيالي كما جاء بالمادة (104) من نظام المحكمة التجارية .

وقد عرف النظام في مواده (105-106-107) المفلس الحقيقي : هو الذي اشتغل في صنعة التجارة على رأس مال معلوم يعتبره العرف كافياً للعمل التجاري الذي اشتغل فيه ووجدت له دفاتر منظمة ولم يبذر في مصرفه ووقع على أمواله حرق أو غرق أو خسارات ظاهرة فإذا توافرت فيه هذه الشروط يكون مفلساً حقيقياً ،



أما المفلس المقصر : هو التاجر الذي يكون مبذراً في مصاريفه ولم يبين عجزه في وقته بل كتمه على غرمائه واستمر يشتغل في التجارة حتى نفذ رأس ماله وإن وجدت له دفاتر منظمة .

وأخيراً المفلس الإحتيالي : لا يعبر عنه بمفلس إلا لتوزيع موجوداته على غرمائه بل هو محتال والمحتال من استعمل ضروب الحيل والدسائس في رأس ماله أو قيد بدفاتره ديوناً عليه باسم أحد آخر بصورة كاذبة أو حرر بها سندات أو فراغ أمواله وعقاره إلى غيره بطريقة نقل الملك أو أخفى شيئاً من أمواله واشتغل في التجارة بطريق التمويه والإحتيال أو تغفيل التجار على أي صورة كانت وسواء كان مبذراً أو لم يكن مبذراً أو لم توجد له دفاتر أو وجدت وكانت غير منظمة وأضاع حقوق العباد بتلك الصورة، فيكون محتالاً.



الآن بصدد معرفة الشروط الموضوعية والشكلية للإفلاس؛ والتي سنها النظام (نظام المحكمة التجارية) لكي نستطيع تطبيق أنظمة الإفلاس والتسوية الواقية منه.

أولاً الشروط الموضوعية :

أ- أن يكون المدين تاجراً

عرفت المادة الأولى من نظام المحكمة التجارية التاجر بأنه “هو من اشتغل بالمعاملات التجارية واتخذها مهنة له” ، ويتضح من المادة سالفة الذكر أن نظام المحكمة التجارية لا يفرق بين الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري فيما يتعلق بالمعيار الذي يضفي على الشخص صفة التاجر ، حيث جعل المعيار هو احتراف الاشتغال بالمعاملات التجارية ، وهو المعيار الموضوعي⁽¹⁾.

وعلى ذلك استقر الرأي على أنه يشترط لاكتساب صفة التاجر توافر ثلاثة شروط : 1- احتراف الاشتغال بالأعمال التجارية . 2- الاشتغال بهذه الأعمال باسمه ولحسابه . 3- توافر الأهلية اللازمة لمزاولة هذه الأعمال .



وكل هذه الشروط قد أُشبعت بحثًا ونقاشًا ولا نريد الخوض فيها تجنبًا للإطالة والإسهاب دونما جديد.

ب- أن يكون التاجر عاجزاً (متوقفاً) عن الوفاء بديونه

جاء في المادة الأولى من نظام التسوية الواقية من الإفلاس “يجوز لكُلِ تَاجِرٍ ـ فَرداً كان أو شَرِكةً ـ اضطربت أوضاعه المَاليّة على نحو يُخشى مَعهُ توقّفه عن دَفع ديونه…” ، على العكس مما جاء في المادة الثالثة بعد المائة من نظام المحكمة التجارية في تعريف المفلس “المفلس من استغرقت الديون جميع أمواله فعجز عن تأديتها” ، حيث أنه من الواضح أن هنالك خلط بين مفهوم الإفلاس والإعسار في نظام المحكمة التجارية ، لكن القضاء أخذ بمفهوم التوقف عن الدفع لكي يحكم بالإفلاس إبتداءً وذلك إستناداً لنظام التسوية الواقية من الإفلاس في تعريفه للمفلس ، وبالتالي لا يتطلب الإفلاس أن تكون ديون التاجر مستغرقة لجميع أمواله بل يكفي أنه لم يعد بمقدوره سداد ديونه للدائنين لاضطراب وضعه المالي والاقتصادي ، وهذه العبرة من إشهار الإفلاس لكي يتم المحافظة على حقوق ومصالح الدائنين.

وبقي أن نذكر ما هي الشروط الواجب توفرها في الدين المتوقف عن دفعه 1- أن يكون الدين مستحق الأداء . 2- أن يكون الدين خالي من النزاع . 3- أن يكون الدين تجاريًا (وفق ما استقر عليه القضاء والفقه ، خلافًا لحرفية النص التي جاءت عامة دون تخصيص لنوع الدين) .

ج- تعاصر صفة التاجر والتوقف عن الدفع

يجب توافر صفة التاجر للشخص الطبيعي أو المعنوي في الوقت الذي يُطلب فيه الحكم بإفلاسه ، وعلى ذلك فأنه لا يجوز الحكم بإفلاس من اعتزل التجارة قبل أن يتوقف عن دفع ديونه ، وكذلك من توفى قبل أن يُطلب شهر إفلاسه، وهذا ما نصت عليه المادة الخامسة والثلاثين بعد المائة من نظام المحكمة التجارية “إذا توفى التاجر قبل إعطاء القرار بإفلاسه فصلاحية حجز تركته وتقسيمها وثبات ديونها عائداً للمحكمة الشرعية أما إذا توفي في حالة الإفلاس فحجز تركته وبيعها من صلاحية محكمة التجارة حسبما تقدم لكون تركته مستغرقة بديونه فلا حق للورثة فيها”.

ثانيًا الشروط الشكلية:

أ- صدور حكم بإفلاس التاجر

يجب لكي تنشأ حالة الإفلاس أن يصدر بذلك حكم قضائي ، وبالتالي لا يعتبر التاجر في حالة إفلاس ولو استغرقت ديونه كل أمواله وعجز عن تأديتها طالما لم يقرر ذلك بحكم قضائي ، لأن نظام المحكمة التجارية لم يأخذ بنظرية الإفلاس الفعلي⁽³⁾.

ب- وجوب أن يكون طالب الحكم بالإفلاس المفلس ذاته أو أحد الدائنين



فقد حددت المادة الثامنة بعد المائة من نظام المحكمة التجارية من يتقدم أو من تتوافر فيه الصفة اللازمة لإقامة دعوى الإفلاس وفقًا لنصها “إعلان الإفلاس إما أن يكون بطلب من المفلس مباشرة أو بطلب من أحد غرمائه” ، وهذا بشكل حصري وليس اختياري فلا يمكن لغيرهما إقامة الدعوى ، ولو أقامها غيرهما لا تسمع دعواه ويحكم بذلك لانعدام الصفة إبتداءً ، كما أوجبت المادة اللاحقة على التاجر أيضًا “على المفلس أن يقدم دفاتره مع سندات الديون المطلوبة له إلى المجلس مشفوعة بجدول يحتوي أصل رأس ماله اعتباراً من تاريخ اشتغاله بالتجارة إلى يوم إفلاسه وما وقع عليه من الخسارة ومصاريفه وجميع ما له وما عليه ، وفي الحال يجب على المجلس أن يوقفه أو يضعه تحت مراقبة الشرطة” ، وهذه الخطوة مهمة جداً لأنها تمكن المحكمة من تحديد نوع الإفلاس ، أي ما إذا كان إفلاسًا حقيقيًا أو تقصيريًا أو احتياليًا.

ج- اشتمال مضمون حكم الإفلاس بما يفيد الإفلاس

يجب أن يكون الحكم شاملاً لما يفيد إعلان الإفلاس وتقرر الحجز على أمواله ، وتعيين أمين للتفليسة ، ويتم شهر الحكم طبقًا للمادة الحادية عشر بعد المائة من ذات النظام “إعلان إفلاس المفلس يكون بتحرير إعلانات من المحكمة بقدر الكفاية وتلصق بالشوارع في محل ممر الناس ، وإن كان له معاملة في بلدة أخرى فترسل من الإعلانات المذكورة نسخ بقدر الكفاية إلى أكبر مأمور في تلك الجهة ضمن مذكرة من الرئيس بواسطة الحكومة المحلية لتلصق تلك الإعلانات في الشوارع على الصورة المتقدمة ويعلن في الجريدة …..” ، والجاري الآن الاكتفاء بنشر ملخص الحكم في جريدة محلية وتعميم الحكم على الغرف التجارية ووزارة التجارة والصناعة وفروعها.

وبهذا نكون قد لخصنا أهم وأبرز الشروط الموضوعية والشكلية للإفلاس ، وسنكتب المرة القادمة إن شاء الله عن إدارة التفليسة وإجراءاتها.

إفلاس الشركات التي تتمتع بالصفة الاعتبارية بعد تحدثنا عن إفلاس التاجر الفرد –الشخص الطبيعي –، ولن نتحدث عن كل أنواع الشركات فبعضها تسري عليها أحكام البعض الآخر لتشابه في طبيعتها باختلاف بسيط في تركيبها القانوني ، وسنبدأ بالشركة ذات المسؤولية المحدودة باعتبار أنها الأكثر انتشاراً في الوقت الحالي من بين أنواع الشركات الأخرى لمّا فيها من ضمانات للشركاء فيها.



بدايةً تعريف الشركة ذات المسئولية المحدودة كما ورد بالمادة (157) من نظام الشركات : هي الشركة التي تتكون من شريكين أو أكثر مسئولين عن ديون الشركة بقدر حصصهم في رأس المال ولا يزيد عدد الشركاء في هذه الشركة عن خمسين.

ولن نستغرق في الحديث عن الشركة ذات المسؤولية المحدودة ، وذلك لمعرفة الغالبية بأحكامها ، وعليه فإن نستطيع أن نستخلص من التعريف بأن الشركاء غير مسئولين عن ديون الشركة إلا بحدود حصتهم في رأس المال في حالة إشهار إفلاسها ، أما من يدير الشركة فمسؤوليته هي مسؤولية الوكيل بأجر ، وبالتالي لا يترتب عليه التزام غير حصته في رأس المال إن كان شريكًا وإن لم يكن شريكًا فلا تثريب عليه ، على عكس لو كان يدير الشركة دونما أجر بل على سبيل المضاربة فهنا يختلف الحكم ، فستكون مسؤوليته عن الديون التي تزيد عن رأس المال ، لكونها استدانة على رأس مال المضاربة بدون إذن رب المال ويعتبر مفرط والمفرط ضامن ، أما الشركاء تظل مسؤوليتهم محصورة في حدود مساهمة كل واحد منهم في رأس المال ، وإذا زادت ديونها على رأس مالها فلا حق للدائنين بالرجوع على الشركاء بشيء من الدين ؛ لأنها تصبح شركة منحلة ، وهي بهذه الحالة بشخصيتها الاعتبارية تشبه الإنسان الذي يموت ولا تفِ تركته بديونه، لاسيما أن عدم مسؤولية الشركاء عن خسائر الشركة إلا بحدود مساهمتهم في رأس مالها أمر منصوص عليه في القانون ، وقد تعامل الدائنون مع الشركة وهم يعلمون ذلك ⁽¹⁾.

وعليه فإن الشركة إن بلغت خسائرها أكثر من رأس مالها بالتالي لن تتمكن بطبيعة الحال من الوفاء للدائنين بجميع ديونهم فحينذاك سيكون على الدائنين أن يقتسموا المتبقي من رأس المال قسمة غرماء على أن تدفع الديون الممتازة قبل القسمة –إن وجدت –، وذلك وفق إجراءات معينة (إدارة التفليسة) ، كما تجدر الإشارة إلى أنه في حال لم تتجاوز الديون رأس المال وتزيد عليه ، وجب تصفية الشركة ذات المسؤولية المحدودة عند بلوغ الخسائر الحد المنصوص عليه في المادة (180) من نظام الشركات ، ويجب على المديرين دعوة الشركاء للاجتماع خلال مدة لا تزيد على ثلاثين يومًا من تاريخ بلوغ الخسارة هذا الحد للنظر في استمرار الشركة مع التزام الشركاء بدفع ديونها أو في حلها قبل مضي المدة حتى لا يصبح الشركاء مسئولين بالتضامن عن سداد جميع ديون الشركة لأنها لو استمرت الشركة في مزاولة نشاطها دون صدور قرار باستمرارها بالشرط المتقدم أو حلها أصبح الشركاء مسئولين بالتضامن عن سداد جميع ديونها استناداً للشق الثاني من المادة (180) ، كما أجازت المادة لكل ذي مصلحة أن يطلب حلها أي تصفيتها.



وما يسري من أحكام فقهية وقانونية في إفلاس الشركة ذات المسؤولية المحدودة من حيث مسؤولية الشركاء ومديريها يسري أيضًا على شركة المساهمة العامة بما لا يتعارض مع نظام الشركات ، كون شركة المساهمة من شركات الأموال والشركة ذات المسؤولية المحدودة ذات طبيعة مختلطة بين الأموال والأشخاص ، فلا يوجد ذلك التعارض الكبير في التركيبة القانونية لكل منهما ، وباستقراء ما سبق يتضح لنا أن الشركة ذات المسؤولية المحدودة تقابل شركة العنان في الفقه الإسلامي ، كما أن مبدأ نظام الشركة المساهمة مستمد من شركة العنان لالتقاء كل من الشركتين بتحديد مسؤولية الشركاء بحدود حصتهم من رأس المال ⁽²⁾.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع أ.د عبدالرحمن السيد قرمان ، الأوراق التجارية والإفلاس والتسوية الواقية منه طبقاً للأنظمة القانونية في المملكة العربية السعودية ، مطابع عباقر نجد ، طبعة عام 1429هـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع أ.د عبدالرحمن السيد قرمان ، الأوراق التجارية والإفلاس والتسوية الواقية منه طبقاً للأنظمة القانونية في المملكة العربية السعودية ، مطابع عباقر نجد ، طبعة عام 1429هـ.
(2) راجع أ.د عبدالرحمن السيد قرمان ، المرجع السابق.
(3) راجع أ.د عبدالرحمن السيد قرمان ، المرجع السابق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع د. زياد صبحي ذياب ، إفلاس الشركات في الفقه الإسلامي والقانون ، دار النفائس للنشر والتوزيع ، طبعة عام 1432هـ.
(2) راجع عبدالعزيز عبدالوهاب الشهري ، حق استرداد الحصص في الشركة ذات المسؤولية المحدودة ، الغرفة التجارية الصناعية بجدة ، طبعة عام 1426هـ.

تعليقات