حماية المدنيين في النزاعات المسلّحة المعاصرة
تأتي النزاعات المسلّحة بالدمار والخراب على الشعوب، و تنسف بكل ما حقّقته التنمية في كافة المجالات، نظرا لما تتطلبه هذه النزاعات من نفقات باهظة، كان من الممكن أن تستخدم لأغراض في مصلحة الإنسان و رفاهيته. فوق ذلك، شهدت الساحة الدولية مؤخرا عددا من النزاعات المسلّحة، سواء كانت نزاعات مسلّحة دولية أو غير دولية تمّ في غالبيها الاعتداء على المدنيين الذين أولتهم الشريعة الإسلامية، و من بعدها التشريعات و المواثيق الدولية بالحماية، تلك الحماية التي استطاع المؤتمر الدبلوماسي لسنة 1977 أن يوسّع نطاقها بعد الانتهاكات المماثلة التي وقعت أثناء الحرب العالمية الثانية، و ذلك بتطوير أحكام القانون الدولي الإنساني و شموله على ضمانات قانونية لحقوق المدنيين، زيادة لظهور دور آليات مراقبة الانتهاكات الجسيمة في هذا المجال. غير أنّه من الملاحظ، أنّ النزاع المسلّح سيظل ظاهرة البشرية تقلق العالم على مر العصور بظهور أزمات خاصة بعد تطور تكنولوجيا السلاح، الذي أصبح بمقدوره إحداث طاقة مدمرة أضعاف ما كانت عليه النزاعات المسلحة التقليدية، أو أسلحة الدمار الشامل التي تهدّد البشرية بالفناء والإبادة الجماعية. وفي الوقت الذي أصبحت فيه النزاعات المسلّحة تسود مساحات واسعة من الأرض. على الرغم من أنّ العالم قطع شوطا لا بأس به في تحقيق قدر من التفاهم و التعاون للوصول إلى السلم العالمي من خلال المواثيق و المعاهدات الدولية، فإنّ النزاعات المسلّحة المعاصرة تكشف عن تعدي فاضح على القوانين الدولية المكتوبة و العرفية لحماية المدنيين، بل أنّ كل المحاولات التي بذلت من طرف القانون بالنص على اتخاذ الاحتياطات الممكنة أو التدابير الوقائية من طرف أطراف النزاع، وتوجيهات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، و غيرها من المنظمات الدولية لتحديد المدنيين المسالمين و تمييزهم عن المقاتلين، تبقى غير كافية حاليا لحماية المدنيين في هذه النزاعات. بالرغم من المشوار التاريخي الذي قطعه القانون الدولي الإنساني في صالح وخدمة الإنسانية، وحماية المدنيين عبر مصادره الاتفاقية، و العرفية، وآليات الحماية المكرّسة فيه لحمايتهم تبقى غير كافية. في هذا الصدد فإنّ الدراسة تبنّت وجهة نظر ترى، أنّ فعّالية حماية المدنيين في النزاعات المسلّحة المعاصرة لا يعود للتطور الهائل للتكنولوجيا، ولا لنقص في أحكام القانون الدولي الإنساني، أو لتغيير في طبيعة النزاعات المسلّحة وتنوعها، أو تعقيدها فحسب، وإنّما لانعدام الإرادة السياسية لكافة الأطراف المشاركين فيها لتطبيق و تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني الخاصة بحماية المدنيين، وكذا لعدم الالتزام بأحكامه كلية. إذا كان المدنيون يتعرضون لأعمال عنف، و اعتداء على حياتهم، و كرامتهم الإنسانية باندلاع الغالبية الساحقة من النزاعات المسلّحة المعاصرة في غيبة حالة النزاع المسلّح بالمفهوم القانوني، فإنّ القانون الدولي المعاصر يعرف حالة من الغموض و الخلط فيما يخص عدم التحديد الدقيق بين المدنيين والعسكريين، و كذا عدم وجود فواصل دقيقة وحاسمة بين القانون و السلام من ناحية، وبين القانون الدولي الإنساني المطبّق على النزاعات المسلّحة من ناحية أخرى. في الوقت الحالي أصبح التمييز في ساحات المعارك أقلّ وضوحا لأنّ القتال يقع داخل مراكز سكن المدنيين مع تزايد مشاركة المدنيين في مهام و أنشطة أوثق ارتباطا بسير العمليات العدائية، الأمر الذي يؤدي إلى خلط بين الوظائف المدنية والوظائف العسكرية، كما تسبّب ذلك في التباس تطبيق مبدأ التمييز الذي يشكّل الركن الأساسي للقانون الدولي الإنساني. لذلك تمثّلت إشكالية الدراسة الحالية في صعوبة تمييز المراكز القانونية للأطراف المتنازعة، و من ثمّ صعوبة تحديد من هم المشاركون في المجهود الحربي، ومنه كيفية حماية غير المشاركين في هذا المجهود. تسعى الدراسة من خلال مراجعة نتائج الدراسات السابقة للإجابة عن التساؤلات المطروحة من خلال قسمين: في المقدمة: التطور التاريخي لحماية المدنيين في النزاعات المسلّحة. القسم الأوّل: تحديد المدنيين غير المشاركين و تحديات حمايتهم في النزاعات المسلّحة المعاصرة، تجلى هذا على مستوى العلاقات الدولية كبناء قانوني معقد يتعذر معه جعل النزاعات المسلّحة المعاصرة أكثر إنسانية بالرغم من وجود قانون الدولي الإنساني تعاهدي و عرفي يسد النقص في حالات الثغرات. القسم الثاني: ضمان تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني لحماية للمدنيين في النزاعات المسلّحة المعاصرة، و ذلك من خلال قواعد إجرائية، و آليات دولية، والإقليمية من أجل إقرار مسؤولية جنائية دولية للعقاب على الانتهاكات الجسيمة المشكلة جرائم دولية ضد المدنيين، وطبيعة الجزاء المترتّب عنها. و تمّ الوصول إلى أن لدينا كما هائلا من القواعد المدعّمة بالإجراءات الواجب اتخاذها من أجل حماية المدنيين في النزاعات المسلّحة المعاصرة، غير أنّ الأمر يستلزم إرادة جدية لبذل جهود أكثر لتفعيل هذه القواعد والآليات عن طريق تكاثف الجهود الدولية، تبقى المسؤولية الكبرى على عاتق الدول أوّلا، ثم المنظمات الدولية والإقليمية لزعزعة جمود المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.
الكلمات المفتاحية: اللجنة الدولية للصليب الأحمر; حماية الإنسانية; التجريم الدولي; القانون الدولي الإنساني; القانون الدولي العام; القانون الجنائي الدولي; الاختصاص العالمي; التعاون القضائي الدولي; الأمن الدولي; المسؤولية الجنائية الدولية.
المقالات التي تدعم الأطروحةمقال 3920عنوان المقال: الجوانب القانونية للشركات العسكرية الخاصةمجلة: الراشديةالمرجع: مجلّة االراشدية،العدد رقم 4، كلية الحقوق و العلوم السيلسية، جامعة معسكر، ص411-510. 2013تاريخ: 2013
تحميل الرسالة من هنا
تأتي النزاعات المسلّحة بالدمار والخراب على الشعوب، و تنسف بكل ما حقّقته التنمية في كافة المجالات، نظرا لما تتطلبه هذه النزاعات من نفقات باهظة، كان من الممكن أن تستخدم لأغراض في مصلحة الإنسان و رفاهيته. فوق ذلك، شهدت الساحة الدولية مؤخرا عددا من النزاعات المسلّحة، سواء كانت نزاعات مسلّحة دولية أو غير دولية تمّ في غالبيها الاعتداء على المدنيين الذين أولتهم الشريعة الإسلامية، و من بعدها التشريعات و المواثيق الدولية بالحماية، تلك الحماية التي استطاع المؤتمر الدبلوماسي لسنة 1977 أن يوسّع نطاقها بعد الانتهاكات المماثلة التي وقعت أثناء الحرب العالمية الثانية، و ذلك بتطوير أحكام القانون الدولي الإنساني و شموله على ضمانات قانونية لحقوق المدنيين، زيادة لظهور دور آليات مراقبة الانتهاكات الجسيمة في هذا المجال. غير أنّه من الملاحظ، أنّ النزاع المسلّح سيظل ظاهرة البشرية تقلق العالم على مر العصور بظهور أزمات خاصة بعد تطور تكنولوجيا السلاح، الذي أصبح بمقدوره إحداث طاقة مدمرة أضعاف ما كانت عليه النزاعات المسلحة التقليدية، أو أسلحة الدمار الشامل التي تهدّد البشرية بالفناء والإبادة الجماعية. وفي الوقت الذي أصبحت فيه النزاعات المسلّحة تسود مساحات واسعة من الأرض. على الرغم من أنّ العالم قطع شوطا لا بأس به في تحقيق قدر من التفاهم و التعاون للوصول إلى السلم العالمي من خلال المواثيق و المعاهدات الدولية، فإنّ النزاعات المسلّحة المعاصرة تكشف عن تعدي فاضح على القوانين الدولية المكتوبة و العرفية لحماية المدنيين، بل أنّ كل المحاولات التي بذلت من طرف القانون بالنص على اتخاذ الاحتياطات الممكنة أو التدابير الوقائية من طرف أطراف النزاع، وتوجيهات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، و غيرها من المنظمات الدولية لتحديد المدنيين المسالمين و تمييزهم عن المقاتلين، تبقى غير كافية حاليا لحماية المدنيين في هذه النزاعات. بالرغم من المشوار التاريخي الذي قطعه القانون الدولي الإنساني في صالح وخدمة الإنسانية، وحماية المدنيين عبر مصادره الاتفاقية، و العرفية، وآليات الحماية المكرّسة فيه لحمايتهم تبقى غير كافية. في هذا الصدد فإنّ الدراسة تبنّت وجهة نظر ترى، أنّ فعّالية حماية المدنيين في النزاعات المسلّحة المعاصرة لا يعود للتطور الهائل للتكنولوجيا، ولا لنقص في أحكام القانون الدولي الإنساني، أو لتغيير في طبيعة النزاعات المسلّحة وتنوعها، أو تعقيدها فحسب، وإنّما لانعدام الإرادة السياسية لكافة الأطراف المشاركين فيها لتطبيق و تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني الخاصة بحماية المدنيين، وكذا لعدم الالتزام بأحكامه كلية. إذا كان المدنيون يتعرضون لأعمال عنف، و اعتداء على حياتهم، و كرامتهم الإنسانية باندلاع الغالبية الساحقة من النزاعات المسلّحة المعاصرة في غيبة حالة النزاع المسلّح بالمفهوم القانوني، فإنّ القانون الدولي المعاصر يعرف حالة من الغموض و الخلط فيما يخص عدم التحديد الدقيق بين المدنيين والعسكريين، و كذا عدم وجود فواصل دقيقة وحاسمة بين القانون و السلام من ناحية، وبين القانون الدولي الإنساني المطبّق على النزاعات المسلّحة من ناحية أخرى. في الوقت الحالي أصبح التمييز في ساحات المعارك أقلّ وضوحا لأنّ القتال يقع داخل مراكز سكن المدنيين مع تزايد مشاركة المدنيين في مهام و أنشطة أوثق ارتباطا بسير العمليات العدائية، الأمر الذي يؤدي إلى خلط بين الوظائف المدنية والوظائف العسكرية، كما تسبّب ذلك في التباس تطبيق مبدأ التمييز الذي يشكّل الركن الأساسي للقانون الدولي الإنساني. لذلك تمثّلت إشكالية الدراسة الحالية في صعوبة تمييز المراكز القانونية للأطراف المتنازعة، و من ثمّ صعوبة تحديد من هم المشاركون في المجهود الحربي، ومنه كيفية حماية غير المشاركين في هذا المجهود. تسعى الدراسة من خلال مراجعة نتائج الدراسات السابقة للإجابة عن التساؤلات المطروحة من خلال قسمين: في المقدمة: التطور التاريخي لحماية المدنيين في النزاعات المسلّحة. القسم الأوّل: تحديد المدنيين غير المشاركين و تحديات حمايتهم في النزاعات المسلّحة المعاصرة، تجلى هذا على مستوى العلاقات الدولية كبناء قانوني معقد يتعذر معه جعل النزاعات المسلّحة المعاصرة أكثر إنسانية بالرغم من وجود قانون الدولي الإنساني تعاهدي و عرفي يسد النقص في حالات الثغرات. القسم الثاني: ضمان تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني لحماية للمدنيين في النزاعات المسلّحة المعاصرة، و ذلك من خلال قواعد إجرائية، و آليات دولية، والإقليمية من أجل إقرار مسؤولية جنائية دولية للعقاب على الانتهاكات الجسيمة المشكلة جرائم دولية ضد المدنيين، وطبيعة الجزاء المترتّب عنها. و تمّ الوصول إلى أن لدينا كما هائلا من القواعد المدعّمة بالإجراءات الواجب اتخاذها من أجل حماية المدنيين في النزاعات المسلّحة المعاصرة، غير أنّ الأمر يستلزم إرادة جدية لبذل جهود أكثر لتفعيل هذه القواعد والآليات عن طريق تكاثف الجهود الدولية، تبقى المسؤولية الكبرى على عاتق الدول أوّلا، ثم المنظمات الدولية والإقليمية لزعزعة جمود المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.
الكلمات المفتاحية: اللجنة الدولية للصليب الأحمر; حماية الإنسانية; التجريم الدولي; القانون الدولي الإنساني; القانون الدولي العام; القانون الجنائي الدولي; الاختصاص العالمي; التعاون القضائي الدولي; الأمن الدولي; المسؤولية الجنائية الدولية.
المقالات التي تدعم الأطروحةمقال 3920عنوان المقال: الجوانب القانونية للشركات العسكرية الخاصةمجلة: الراشديةالمرجع: مجلّة االراشدية،العدد رقم 4، كلية الحقوق و العلوم السيلسية، جامعة معسكر، ص411-510. 2013تاريخ: 2013
تحميل الرسالة من هنا
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم