القائمة الرئيسية

الصفحات



الإثراء بلا سبب في القانون الكويتي.

الإثراء بلا سبب في القانون الكويتي





الفعل النافع أو الإثراء دون سبب على حساب الغير:

المواد (262 – 278):

أخذ قانون التجارة الكويتي عن القانون المصري بنظام الإثراء دون سبب، كمصدر عام منشئ للالتزام، ويأخذ المشروع بدوره بذلك النظام أيضًا باعتباره مصدرًا عامًا منشئًا للالتزام على نفس المستوى مع العقد والفعل الضار، بادئًا بتقريره كنظرية عامة منطلقة التطبيق، ليتناول بعد ذلك صورتين خاصتين له، وهما تسلم غير المستحق والفضالة.

وتعرض المادة (262) لنظام الإثراء دون سبب، أو نظام الإثراء غير المشروع، كما يطلق عليه في بعض الأحيان، فتُقر فكرته وتركز شروطه وأثره. فهي من ناحية أولى، ترسي مبدأ عامًا مؤداه أن كل من يُثرى على حساب غيره، بدون سبب مشروع، يلتزم بأن يؤدي له، في حدود ما أُثرِي هو به، ما يرفع الخسارة عنه. وهي من ناحية ثانية، تركز شروط إعمال نظام الإثراء دون سبب وأثره فهي تتطلب لإعماله إثراء شخص معين يصبح بسبب هذا الإثراء، مدينًا بالالتزام الذي ينشأ، وافتقار شخص آخر، يصبح دائنًا بالالتزام، بما يرفع عنه هذا الافتقار ولو جزئيًا، وتوافر علاقة ارتباط أو تقابل بين الإثراء والافتقار، على نحو يمكن معه القول إنه لولا هذا لما كان ذاك، وانتفاء السبب المشروع الذي يبرر الإثراء والافتقار.



ولا تُشترط أهلية ما فيمن يثُرى أو فيمن يفتقر. فكل منهما يصير مدينًا أو دائنًا نتيجة مجرد واقعة قد حصلت، هي واقعة إثراء أو واقعة افتقار. والأهلية لا تُلتزم في الوقائع وإنما في التصرفات فحسب. ولا يحول دون نشأة الالتزام، أن يزول الإثراء بعد حصوله طالما أن زواله لا يعزى إلى من افتقر. فما دام الإثراء قد حصل بالفعل فإن الالتزام يترتب من وقت حصوله ويتقدر مداه في حدوده، حتى لو زال هذا الإثراء كله أو بعضه، في تاريخ لاحق ويساير المشروع في ذلك قانون التجارة الكويتي ومن قبله القانون المصري وغيره من القوانين العربية التي استوحته.

ويترتب على الإثراء على حساب الغير بدون سبب مشروع نشأة الالتزام في ذمة المثري لصالح المفتقر، بما يرفع عن هذا الأخير افتقاره، في حدود ما عاد من نفع على غريمه. وهكذا تتحدد دعوى الإثراء بمقدار ما عاد على المثري من نفع، وما لحق المفتقر من خسارة، أي القيمتين أقل. وتعرض المادة (263) لوقت رفع دعوى الإثراء، مقررة أنها تسقط بانقضاء ثلاث سنوات من يوم علم المفتقر بحقه في التعويض، أو بانقضاء خمس عشرة سنة من وقت نشأة هذا الحق، أي المدتين أقرب. وعلم المفتقر بحقه في التعويض يتضمن بطبيعة الحال معرفته بمن يسوغ له الرجوع به عليه.



حظي نظام تسلم غير المستحق من المشروع بالكبير من اهتمامه، شأن المشروع في ذلك شأن قوانين عديدة في البلاد المختلفة، ومن بينها قانون التجارة الكويتي الحالي، وإذا كان المشروع قد أضفى على النظام اسم (تسلم غير المستحق) فهو لم يغفل عن أنه كثيرًا ما يُطلق عليه في الفكر القانوني اسم (دفع غير المستحق) أو (دفع ما لا يجب). فهو يطرح هذه التسمية الأخيرة إذ أنها تنظر إلى الأمور من زاوية الدافع الذي يقع ضحية الافتقار. وذلك في حين أن الذي يولد الالتزام بالرد هو تسلم القابض للشيء، اعتبارًا بأنه ينهض إثراءً له. ومن هنا كانت الأفضلية لاصطلاح (تسلم غير المستحق) أو (أخذ غير المستحق). وهو ما يتسق على وجه أدق وأوفى من ذاك الذي يضفي على النظام المبدأ: (الإثراء دون سبب). وقد شجع المشروع على ما انتهجه ما لاحظه من بدء شيوع التسمية التي تخيرها في الفكر القانوني المعاصر. وترسي المادة (264) الأصل العام لنظام تسلم غير المستحق، قاضية بأن كل من تسلم شيئًا لا يكون مستحقًا له يلتزم برده.



والمقصود بالاستحقاق هنا ليس هو استحقاق الشيء ذاته للمتسلم، وإنما استحقاق تسلمه. فقد يكون الشيء مستحقًا في ذات نفسه لمن تسلمه، ومع ذلك يلتزم هذا برده، إذا لم يقع تسلمه إياه على النحو القانوني السليم، كما لو وقع الوفاء باطلاً بسبب انعدام أهلية الموفي، أو كان هذا الوفاء غير نافذ في مواجهة دائني المتسلم، بسبب إعمال دعوى عدم نفاذ التصرفات أو بسبب حصول الوفاء بعد الحكم بشهر الإفلاس.

والعبرة بالنسبة إلى عدم الاستحقاق هي بالنظر إليه من زاوية المتسلم، لا من زاوية الدافع، فإذا كان الشيء مستحقًا أخذه للمتسلم، فإنه لا يلتزم برده، حتى لو كان أداؤه غير واجب أصلاً على الدافع، كما لو قام هذا الأخير بدفع دين على غيره، على بينة من أمره، أي حالة كونه يعلم بأنه يدفع للقابض دينًا له على الغير. وإذا كان الشيء غير مستحق تسلمه، فلا أهمية بعد ذلك لما إذا كان عدم الاستحقاق هذا راجعًا إلى الأمر الواقع نفسه، كما إذا استوفى المستلم دينًا ليس له أصلاً أو أخذ أكثر مما يستحق، أو كان عدم الاستحقاق ناجمًا عن اعتبار قانوني، كما هو الشأن عندما يتسلم الشخص شيئًا على أساس عقد باطل أو يتقرر إبطاله أو فسخه أو انفساخه.

وتسلم غير المستحق كافٍ كأصل عام لتحمل المتسلم بالالتزام بالرد، اعتبارًا بأن هذا الأخير يثُرى بغير وجه حق على حساب الغير بما يتسلمه. والمشروع إذ يقرر ذاك، قاصرًا المادة (264) عليه لم يغفل عن الفكرة التي تواجدت من قديم والتي تتطلب لقيام الالتزام بالرد، أن يكون الدافع قد دفع عن غلط، معتقدًا، بخلاف الحقيقة، بأنه يدفع دينًا واجبًا عليه اعتبارًا بأنه إذا كان قد دفع عن بينة من الأمر، أي على علم بأنه غير ملزم بما يدفع، فإنه يسوغ تفسير هذا منه على أنه قد قصد إما التبرع بما دفع، أو أداء التزام طبيعي عليه، أو دفع دين على غيره. وفي هذه الحالات يمتنع الاسترداد عليه قانونًا. لأن المتسلم يكون له حق فيما يأخذ. وهي فكرة تأثر بها القانون المصري (المادة 181/ 2) ومن بعده القوانين العربية الأخرى التي استوحته، ومن بينها قانون التجارة الكويتي (المادة 181/ 2).



على أن اشتراط الغلط في الدافع أصبح مضللاً الآن، بعد أن اتسع نظام (تسلم غير المستحق)، وأصبح يشمل إلى جانب تسلم شيء غير مستحق ماديًا، أي من حيث الواقع، تسلم شيء غير مستحق لمحض اعتبار قانوني، كبطلان التصرف الذي وقع التسليم بمقتضاه أو إبطاله أو انفساخه أو فسخه، فتطلب غلط الدافع يقع غير ذي موضوع في هذا المجال. بل إن اشتراط غلط الدافع ليست له في الحقيقة أية جدوى حتى في مجال تسلم الشيء الذي لا يكون مستحقًا ماديًا، أي من حيث الواقع، لأن الذي يدخل في الاعتبار، في مجال (تسلم غير المستحق) ليس هو نية الدافع أو اعتقاده، وإنما هو أحقية المتسلم فيما يأخذ أو عدمها، فإذا أمكن حمل علم الدافع بأنه غير ملزم بما دفعه على أنه أراد بذلك، وعلى نحو قانوني سليم، التبرع بما أدى أو الوفاء بالتزام طبيعي، أو دفع دين على غيره، فإن دعوى الاسترداد تمتنع عليه، لا تأسيسًا على أنه لم يدفع عن غلط وإنما تأسيسًا على ثبوت الحق للمتسلم فيما أخذ.

وتعرض المادة (265) للحالة التي يقوم فيها المدين بأداء دين عليه حقيقة، ولكنه يؤديه قبل حلول أجل استحقاقه على جهل منه. ومؤدى نظام تسلم غير المستحق، لو أنه أُخذ على إطلاقه، أن يلتزم الدائن بأن يرد للمدين ما استوفاه منه، ليعود بعد ذلك ويسترجعه عند حلول الأجل، ولقد آثر المشروع أن يرخص هنا للدائن بأن يُبقي على ما استوفاه من الدين، على أن يدفع للمدين قيمة ما استفاده نتيجة قبضه الدين قبل أوانه، وذلك في حدود ما لحق المدين من ضرر نتيجة التبكير في أدائه دينه. والحكمة التي توخاها المشروع من ذلك تتمثل في رغبته في إسلاس التعامل والبعد به عن التعقيد، وهذا الحكم مستمد في أصله من المادة (183) من قانون التجارة الكويتي ومصادره التشريعية.



وتواجه المادة (266) صورة أخرى، وهي حالة الدائن الذي يأخذ قيمة دينه من غير المدين، حالة كون هذا الأخير معتقدًا أنه يؤدي دينًا على نفسه فيقوم الدائن، مدفوعًا بأنه استوفى دينه استيفاءً صحيحًا، بتجريد نفسه من سند الدين، أو مما كان يضمن الدين من تأمينات، أو بترك دعواه قِبل المدين الحقيقي المدة التي لا تسمع بعد فواتها. ومؤدى القواعد العامة، في مثل هذه الحالة، أن الوفاء يقع باطلاً، لعدم استناده إلى سبب، الأمر الذي من شأنه أن يترخص للدافع أن يسترد من القابض ما دفعه إياه، حتى لا يثُرى هذا الأخير على حسابه بدون سبب مشروع، اعتبارًا بأن دينه على مدينه الحقيقي له ينقضي بالوفاء. ولكن المادة (266) تمنع الدافع هنا من الرجوع على الدائن، اعتبارًا بأن حق هذا الأخير على مدينه الحقيقي بات معرضًا لخطر الضياع، فكأن إثراءه غير مؤكد.

على أنه يُشترط هنا أن يكون الدائن قد أجرى العمل الذي يهدد بالضياع حقه على مدينه وهو حسن النية، أي معتقدًا بصحة الوفاء. إذ أنه في هذه الحالة وحدها يكون للدائن عذر واضح عما فعل، والدافع بعد ذلك وشأنه مع من أدى عنه دينه، حيث يكون له أن يرجع عليه بدعوى الإثراء. والمادة (266) متوافقة في حكمها مع المادة (184) من قانون التجارة الكويتي الحالي والمادة (184) من القانون المدني المصري، وإن تضمنت تعديلاً في الصياغة اقتضته الملاءمة.ويعرض المشروع، في المادة (267) لمضمون الالتزام بالرد الذي تنشغل به مسؤولية من يتسلم غير المستحق، وهو في ذلك ينحو منحى قانون التجارة الكويتي الحالي (المادة 185) والقانون المصري الذي استوحاه (المادة 185) فيفرق تفريقًا أساسيًا بين ما إذا كان القابض حسن أو سيئ النية.
فإن كان الفرض الأول، فإن القابض لا يلتزم بأن يرد إلا ما تسلمه بالفعل، دون ما عساه أن يكون قد أخذه من ثماره. فالثمار هنا تكون للقابض تأسيسًا على حيازته للشيء بحسن نية، وهو حكم تقضي به القواعد العامة في الحيازة.

أما إذا كان القابض سيئ النية، كما إذا كان يعلم بأنه يأخذ شيئًا غير مستحق له، فإنه يلتزم بأن يرد إلى جانب الشيء الذي قبضه الثمار التي جناها منه أو التي قصر في جنيها، وذلك من يوم تسلمه الشيء إذا كان يومئذٍ سيئ النية، أو من التاريخ الذي يصبح فيه سيئ النية إذا كان ذلك أمرًا طارئًا، وهو يلتزم على أية حال برد الثمار التي جناها أو تلك التي قصر في جنيها من يوم رفع الدعوى عليه برد الشيء، إذا قُضي له به، اعتبارًا بأنه يُعتبر سيئ النية من هذا التاريخ، وفقًا للقواعد العامة.
وتعرض المادة (268) لحالة خاصة من حالات تسلم غير المستحق، وهي تلك التي يكون فيها المتسلم غير مكتمل الأهلية، سواء أكان عديمها أو ناقصها، لتقضي أن المتسلم لا يكون ملتزمًا بالرد إلا في حدود ما عاد عليه من نفع معتبر قانونًا. وقد راعى المشروع في تقرير هذا الحكم أن المتسلم في الحالة المعنية، لا يقدر أصلاً، أو لا يقدر تقديرًا سليمًا، عواقب تسلمه ما لا حق له فيه، ثم إن هذا الحكم لا يعدو أن يكون تمشيًا مع المبدأ العام القاضي بأنه عند بطلان التصرف أو إبطاله، لا يتحمل من لا تتوافر فيه الأهلية بالالتزام بالرد إلا في حدود ما عاد عليه من نفع معتبر قانونًا، وهو مبدأ سبق للمشروع أن قننه في المادة (188).
أما المدة التي تسقط بعد فواتها دعوى استرداد ما دفع بغير وجه حق، فهي ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه المدعي بحقه في الاسترداد أو بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق، أي المدتين أقرب، وهو الحكم الذي سبق للمشروع أن قرره في صدد دعوى الإثراء بوجه عام (المادة 263).

ثانيًا: الفضالة:

ويضمن المشروع أحكام الفضالة المواد من (269 إلى 278) وهي أحكام لا تخرج في عمومها عن تلك التي يقضي بها قانون التجارة الكويتي الحالي (المواد من 187 إلى 195) والقانون المصري الذي استوحاه (المواد من 188 إلى 197). تبدأ المادة (269) ببيان مقومات الفضالة التي لا تكون بغير توافرها، فتتطلب في فقرتها الأولى، قيام الفضولي بأمرٍ عاجل ومن ثم ضروري لحساب شخص غيره، عن قصد منه لمنفعته، من غير أن يكون ملزمًا بذلك قانونًا، أي من غير أن يكون ملزمًا بأداء ما فعل امتثالاً لأمر يُلزمه به نص في القانون أو شرط في العقد أو حكم من القضاء.

وإذا كانت الأمور السابقة تتمثل المقومات الحقة للفضالة إلا أن المشروع، محتذيًا في ذلك حذو قانون التجارة الكويتي الحالي (المادة 187/ 2) وحذو القانون المصري (المادة 189/ 2) قد اعتبر في الفقرة الثانية من المادة (271) في حكم الفضالة، تولي الشخص شأن غيره أثناء توليه شأن نفسه، لما بين الشأنين من ترابط لا يمكن معه القيام بأحدهما دون الآخر. وتعرض المادة (270) للحالة التي يقر فيها رب العمل ما قام به الفضولي، قاضية بسريان قواعد الوكالة في صدد ما قام به. وهذا الحكم لا يعدو أن يكون تطبيقًا لمبدأ أن الإقرار اللاحق كالوكالة السابقة. على أن سريان قواعد الوكالة هنا يكون بطبيعة الحال في العلاقة بين الفضولي ورب العمل، أما بالنسبة إلى الغير الذي يكون الفضولي قد تعاقد معهم بصفته الشخصية، فيترخص لهم أن يعتبروا أن تعاملهم قد قام مع الفضولي باعتبار شخصه أو مع رب العمل باعتبار أن الفضولي كان وكيلاً عنه على حسب الأحوال.



وتفرض المادة (271) على الفضولي الالتزام بأن يمضي في العمل الذي بدأه إلى أن يتمكن رب العمل من أن يتولاه بنفسه، ما لم يكن هو قد أنهاه قبل ذلك، كما يفرض عليه أيضًا الالتزام بأن يبادر بإخطار رب العمل بتدخله في شأنه، عندما يتيسر له إجراء هذا الإخطار. وتفرض المادة (272) على الفضولي التزامًا بأن يبذل في القيام بالعمل، الذي شاء لنفسه أن يتولاه، عناية الشخص العادي، حتى إذا ما قصر في بذل تلك العناية اعتبر مخطئًا، وحقت عليه المسؤولية عن تعويض الضرر الناجم عن خطئه.
وإذا كان المشروع قد أخذ الفضولي بعناية الشخص العادي، وحمله بالمسؤولية إن لم يبذلها، إلا أنه، نظرًا لعامل العجلة في تولي الأمر، واعتبارًا بخيرية الفضولي ونبيل قصده في التصدي لأمر يستهدف به نفع غيره دون إلزام عليه، فقد سوغ للقاضي في الفقرة الثانية من المادة (272) أن ينقص من مقدار التعويض المترتب على خطأ الفضولي أو أن يعفيه منه إذا رأى أن الظروف تبرر ذلك.
وتجيء المادة (273) لتقرر مسؤولية الفضولي، في مواجهة رب العمل، عن أعمال الغير الذين يكون الفضولي قد عهد إليهم بالقيام بشأن من شؤون رب العمل، وذلك دون إخلال بحق رب العمل نفسه في الرجوع مباشرة على هؤلاء الغير وفق ما تقضي به قواعد القانون.

وتقرر المادة (274) على الفضولي التزامًا بأن يرد لرب العمل كل ما يأخذه بسبب الفضالة، وبأن يقدم له حسابًا عما قام به من أعمال، وذلك على نحو ما يلتزم به الوكيل قبل الموكل. وتعرض المادة (275) لحالة وفاة الفضولي ووفاة رب العمل، فتقرر في فقرتها الأولى أنه، في حالة وفاة الفضولي، يلتزم ورثته إزاء رب العمل، بما يلتزم به ورثة الوكيل إزاء الموكل، أما في حالة وفاة رب العمل فإن مركز الفضولي لا يتغير. ولذلك تقرر الفقرة الثانية بقاء الفضولي ملتزمًا نحو ورثة رب العمل بما كان ملتزمًا به نحوه.
وتعرض المادة (276) للصفة التي يخلعها القانون على الفضولي في قيامه بالعمل الذي يؤديه، قاضية بثبوت صفة النيابة له عن رب العمل.

وهكذا يعتبر الفضولي نائبًا عن رب العمل، سواء أقر هذا تصرفاته أم لم يقرها، فإن أقر رب العمل ما أجراه الفضولي من تصرفات، ثبتت للفضولي النيابة الاتفاقية أي الوكالة، وهو الحكم الذي سبق للمادة (270) من المشروع أن قننته، فإن لم يحصل من رب العمل إقرار لتصرفات الفضولي، كان لهذا الأخير وصف النيابة عنه، وإنما تكون نيابته هنا قانونية، على أن وصف النيابة القانونية لا يثبت بطبيعة الحال للفضولي إلا في حدود إدارة الشخص العادي، لأنه إذا خرج من يتولى شأن غيره عن حدود إدارة الشخص العادي، فإن وصف الفضولي يرتفع عنه في نطاق ما خرج فيه عنها، بل أنه يعرض نفسه للمسؤولية باعتباره مخطئًا، وفقًا لما تقضي به المادة (272) من المشروع. ولا يرفع عن الفضولي وصف النائب، ما بقي في حدود إدارة الشخص العادي ألا تتحقق النتيجة المرجوة من عمله.



ويترتب على ثبوت صفة النيابة للفضولي انصراف آثار العقود التي أبرمها لرب العمل، فيكون هذا الأخير هو الدائن أو المدين على حسب الأحوال دون الفضولي، شريطة أن يكون الفضولي، عند التصرف قد أظهر لمن تعاقد معه صفته في النيابة، وتعاقد معه على هذا الأساس، فإن لم يتعاقد معه بهذه الصفة، وإنما بصفته الشخصية، كان لمن يتعاقد معه، كأصل عام، تجاهل رب العمل. وهنا يلتزم رب العمل بأن يعوض الفضولي عن التعهدات التي يتحمل غرمها. وفي جميع الأحول يلتزم رب العمل بأن يدفع للفضولي كل المصروفات الضرورية والنافعة التي أداها، كما أنه يلتزم بأن يعوضه عن الضرر الذي لحقه بسبب قيامه بالعمل دون خروج منه عن حرص الشخص العادي، وذلك كله لو تجاوزت المصروفات أو الضرر مدى ما عاد على رب العمل من نفع، وفي هذا الصدد يتمثل الفارق الكبير الهام بين الأثر المترتب على الفضالة وذلك المترتب على الإثراء بدون سبب بوجه عام.

وإذا كان من مقتضى الفضالة أن يثبت للفضولي الحق في أن يرجع على رب العمل بكل ما ينفق من مصروفات ضرورية أو نافعة وبتعويض ما يتحمله من ضرر، إلا أن المشروع قد وضع حكمًا خاصًا لأجر الفضولي عن ذات عمله مقررًا عدم ثبوت حق له فيه، إلا أن يكون العمل الذي أداه داخلاً في أعمال مهنته، وقد راعى المشروع في تقرير هذا الحكم أن الفضولي يتبرع بجهده، فلا يستحق لذلك عنه أجرًا، إلا أن يكون العمل الذي أداه داخلاً في مهنته، فيستحق عنه الأجر المناسب، اعتبارًا بأن أداءه ربما يكون قد فوت عليه فرصة أداء عمل آخر مأجور.

ونص المادة (276) مأخوذ من نص المادة (193) من قانون التجارة الكويتي الذي هو بدوره مأخوذ من نص المادة (195) مدني مصري وذلك مع تعديل طفيف في الصياغة أجراه المشروع اقتضته الملاءمة، ومع استبعاد حق الفضولي في فوائد المصروفات التي أنفقها، تمشيًا مع النهج الذي التزمه المشروع من استبعاد الفوائد في شتي مظان وجودها. وتعرض المادة (277) للحالة التي يكون الفضولي فيها غير مكتمل أهلية التعاقد، قاضية بعدم مسؤوليته قِبل رب العمل إلا في حدود ما أُثري به، ما لم يكن عمله قد تدنى إلى حد يصل به إلى المسؤولية التقصيرية.

وقد استوحى المشروع حكم المادة (277) من المادة (194) من قانون التجارة الكويتي الحالي، التي هي منقولة بدورها عن المادة (196) مدني مصري. على أن المشروع استبعد الحكم الذي جاء به سلفًا من أن مسؤولية رب العمل تبقى كاملة، ولو لم تتوافر فيه أهلية التعاقد، اعتبارًا منه بأن هذا الحكم أظهر من أن يقنن، إذ أن التزامات رب العمل إزاء الفضولي تثبت عليه نتيجة واقعة الفضالة ذاتها، وأهلية التعاقد إن لزمت في التصرفات، فلا مجال لها في الوقائع. وتجيء المادة (278) لتبين المدة التي ترفع خلالها الدعوى الناشئة عن الفضالة، سواء رفعت من الفضولي على رب العمل أو من رب العمل على الفضولي. وهي في ذلك تقضي بسقوط هذه الدعوى بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه المدعي بحقه أو بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق، أي المدتين أقرب.

تعليقات