القائمة الرئيسية

الصفحات



وسائل الإثبات أمام القضاء السعودي

وسائل الإثبات أمام القضاء السعودي




وسائل الإثبات أمام القضاء السعودي

عمر عامري الحدادي
مما لاشك فيه أن وجود الحق لا يكفى للمطالبة به، وإنما يجب على صاحب هذا الحق إثباته حتى يقضى له بهذا الحق، ومن هذا المنطلق سوف نتطرق بالحديث عن وسائل الإثبات المعمول بها أمام القضاء في المملكة العربية السعودية، وهى: (الإقرار، والشهادة، واليمين، والكتابة، والقرائن، والمعاينة، والخبرة)، فالإثبات هو إقامة الحجة أمام القضاء بالطرق التي حددتها الشريعة أو النظام على حق أو واقعة تترتب عليها آثار قانونية.

الإقرار

الإقرار هو إخبار عن ثبوت حق للغير على النفس، وينقسم إلى إقرار قضائي (وهو إخبار الخصم أمام القضاء بحق عليه لآخر أثناء الدعوى المتعلقة به أمام القضاء)، وإقرار غير قضائي (وهو إخبار بحق خارج مجلس القضاء، أو أمام القضاء، ولكن في دعوى لا تتعلق بموضوع الإقرار)، ولا ينتج الأخير أثراً إلا إذا تم إثباته بطريقة أخرى من طرق الإثبات.

ويشترط في الإقرار أن يكون المُقر مكلفاً، ومختاراً، وغير محجور عليه، وجاداً لا هازلاً أو كاذباً، وأن يكون المُقر به معلوماً، وأن يكون سبب الاستحقاق مقبولاً عقلاً ولا يكذبه ظاهر الحال، وأن تكون الصيغة منجزة، ودالة على الجزم.



والاقرار الصحيح المتوافر الشروط والأركان يعتبر حجة على المقر فقط، لأن حجيته قاصرة غير متعدية للغير، وهو بهذا الاعتبار أقوى الأدلة وسيدها في الاثبات، ولا يجوز الرجوع عن الإقرار فيما يتعلق بحقوق العباد، فإذا أقر الشخص مرة واحدة لا يُقبل منه الرجوع، ولكن يُسمع منه سبب الرجوع، فإن كان معتبراً قُبل منه، وإلا فلا يقبل منه الرجوع عن الإقرار، أما حقوق الله فإنه يقبل الرجوع فيها.

والاقرار يعد وحدة واحدة لا يتجزأ على صاحبه، فلا يؤخذ منه الضار به ويترك الصالح له، بل يؤخذ جملة واحدة، إلا اذا انصب على وقائع متعددة، فإن الاقرار في هذه الحالة يعتبر اقرارين وليس اقرارا واحداً.

الشـهادة

الشهادة وهى إخبار الشخص بحق للغير على الغير على وجه الجزم في مجلس القضاء، وهي مشروعة للشاهد في التحمل والأداء، ومشروع للقاضي أن يطلب الشهود، ومشروع للمدعي أن يأتي بالشهود، وهي فرض كفاية لقوله تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثمٌ قلبه).

ويشترط في الشهادة لتحملها أن يكون الشاهد عاقلاً، مميزاً، مبصراً، وعالماً لما يشهد به، كما يشترط لأدائها أن يكون الشاهد بالغاً، عاقلاً، حراً، مسلماً، ناطقاً، ضابطاً، عدلاً، يقظاً، غير متهم في شهادته، أو محدود في قذف، وأن يكون عالماً بالمشهود به وقت الأداء، وأن تؤدى الشهادة بلفظ أشهد، فإذا ثبت أمام القاضي أداء الشهادة بإجراءاتها الشرعية، فقد ثبت الحق، ويلزم القاضي إنفاذه، وهو المعمول به في المحاكم السعودية، وإذا اقتضى الأمر التثبت من عدالة الشهود فللقاضي أن يطلب المرجحات كاليمين أو تزكية الشهود، ويطلب للشهادة أربعة رجال في الزنا فقط، وثلاثة رجال في دعوى الفقر والإعسار، ورجلان اثنان في العقوبات من الحدود والقصاص غير الزنا، وما ليس بعقد وليس بمال كالنكاح والوكالة وغيرها، ورجل وامرأتان في المال كالدين، وما يقصد به المال كالبيع وغيره، ورجل ويمين المدعي في المال كالدين وما يقصد به المال كالبيع وغيره، ورجل واحد في الديانة كرؤية هلال رمضان، وفيما يشهد به أهل الخبرة كالطبيب في تقدير الجروح، وتقبل شهادة النساء فيما لا يطلع عليه إلا النساء.



ويترتب على الرجوع عن الشهادة قبل الحكم ألا يحكم القاضي بموجب الشهادة بعدما يتأكد من سبب الرجوع، كما يترتب على الرجوع عن الشهادة ان كانت في حد أو قصاص إن كان الرجوع بعد الحكم وقبل التنفيذ، فإنه لا يجوز استيفاؤه والتنفيذ على المحكوم عليه؛ لأن هذه الحقوق تسقط بالشبهة، والرجوع هنا شبهة طاهرة، فلم يجز الاستيفاء لقيامها، وإن كان الرجوع على مال أو عقد استوفي المال لأن القضاء قد تم، وليس هذا مما يسقط بالشبهة وعلى الشهود ضمان ما أتلفوه بشهادتهم لإقرارهم على أنفسهم بسبب الضمان ولا يرجعون على المحكوم له.

ويلاحظ أن شهادة النساء والصبيان وغير المسلمين فيما لا يصح شهادتهم فيه تعتبر قرينة مؤيدة لمن كانت الشهادة في صالحه، ويعود تقدير هذا واعتباره للقاضي ناظر الدعوى، وتسمع شهادة كل شاهد بمجلس القضاء على انفراد وبحضور الخصوم دون باقي الشهود، كما نصت عليه المادة الثالثة والعشرون بعد المائة من نظام المرافعات الشرعية، كما أن شهادة الشهود في المحاكم الشرعية تؤدى شفاهة غير مكتوبة، إلا اذا اذن القاضي بذلك، كما نصت عليه المادة الرابعة والعشرون بعد المائة من ذات النظام (تؤدى الشهادة شفهياً، ولا يجوز الاستعانة في أدائها بمذكرات مكتوبة إلا بإذن القاضي، وبشرط أن تسوغ ذلك طبيعة الدعوى)، كما يمكن للقاضي سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم أن يوجه للشاهد ما يراه من الأسئلة مفيداً في كشف الحقيقة، وتمحيصا لصدق شهادتهم.

اليميـن:

اليمين هي تأكيد ثبوت الحق أو نفيه بالحلف بالله أو الاستشهاد به أمام القاضي في مجلس القضاء وبطلب من القاضي، وهي دليل إثبات، ويشترط لها غالباً رضا الطرف الآخر بأدائها أو طلبه لينهى النزاع بها، ولم ينص نظام المرافعات الشرعية ولا لائحته التنفيذية على صيغة معينة لليمين، وإنما نص على أنه إذا أعدت الدائرة صيغة اليمين اللازمة عرضتها على الخصم، وخوفته – شفاهه – من عاقبه الحلف الكاذب، وعليها أي الدائرة القضائية تدوين صيغة اليمين وحلفها في ضبط القضية وصكها المادة (111/4) من نظام المرافعات الشرعية .

وتؤدى اليمين نطقاً، كما يمكن أن تؤدى بالكتابة أو الإشارة المفهومة، إن كان هناك مانع من النطق، وقد تمنع المحكمة توجيه اليمين ابتداءً حتى لا تكون اليمين أداة لابتزاز الناس وسلب حقوق الناس، وعلى القاضي أن يتحقق من كون اليمين كيدية وغيرها.



ويجب التمييز بين ما يثبت باليمين وما لا يثبت بها، إذ تشرع اليمين لإثبات كل طلب يكون الحق المدعى به فيه من حقوق الآدميين الخالصة مما هو مال أو ما يؤول إلى المال، فإن لم تكن للمدعي بينة على ثبوت دعواه حلف المدعى عليه وبرئ ، وكل طلب يكون الحق فيه لله تعالى فلا يشرع الحلف على نفيه .

ويشترط لتوجيه اليمين أن تسبقها إقامة دعوى صحيحة، وأن يكون من توجهت إليه اليمين مكلفاً مختاراً، وأن يكون المدعى عليه منكراً لدعوى المدعي، وأن يطلب الخصم من القاضي توجيه اليمين على خصمه في مجلس القضاء، وأن تتعلق اليمين بشخص الحالف، وألا تكون على حق خالص لله، وأن يكون المدعى به من الحقوق التي يمكن أن يقر بها، وأن يكون التحليف بحضور مستحق اليمين أو نائبه، وأن يكون أداء اليمين متصلاً متوالياً من غير تقطيع ولا استثناء، وأن تكون اليمين حسب الصيغة المقررة شرعاً من قبل المحكمة.

وتنقسم اليمين إلى ثلاثة أنواع:

الأولى: يمين المدعى عليه، وهي اليمين التي يوجهها القاضي بطلب من الخصم أو من تلقاء نفسه إلى خصمه، فإن حلفها استحق وأسقط الدعوى وانتهت الخصومة وبرأ المدعى عليه من دعوى المدعى .

الثانية: يمين الشاهد، وهي التي تتوجه للشاهد قبل أداء الشهادة للاطمئنان على صدقه.



الثالثة: يمين المدعي، وتنقسم إلى نوعين: الأول منهما هو اليمين الجالبة، وهي اليمين التي يؤديها المدعي في إثبات حقه لسبب يستدعي القيام بها ليجلب لنفسه شيئاً، والثاني منهما يمين الاستظهار وهي التي يقدمها المدعي عندما يرتاب القاضي، فيطلب اليمين لدفع الشبهة في الدعوى.

أما توجيه اليمين للشركة أو الشخصية المعنوية، فإن هذا الأمر ما يزال محل خلاف بين الفقهاء، حيث يرى بعضهم عدم توجيه اليمين للشخص المعنوي لأنه لا ذمة دينية له، ولأن اليمين إنما توجه لمن عرف

بالأمر والواقع، والشركاء ورئيس مجلس الإدارة ربما تخفى عليهم الحقيقة المتعلقة بالشركة، ولذلك لا ينبغي أن توجه إليهم اليمين نيابة عن الشركة أو الشخص المعنوي. أما البعض الآخر فيرى بصحة توجيه اليمين للشخص المعنوي لأنه يمكن اختصامه، وإعفاؤه من اليمين يعتبر تمييزاً له أمام القضاء، والخصوم أمام القضاء سواسية.

وقد جرى العمل في القضاء السعودي على توجيه اليمين للشخص المعنوي أو الشركة في شخص رئيس مجلس الإدارة فيها أو الشريك أو الشركاء في الشركة بحسب الحال، أما موظفوها ومسؤولوها غير الشركاء فليسوا بخصوم في الدعوى ولا جزءا من الخصومة، وبالتالي لا ينبغي أن توجه إليهم اليمين.

الكتابـة:

الكتابة هي عبارات عدة تنحصر في الصك، والحجة، والمحضر، والسجل، والوثيقة، وهي الخط الذي يعتمد عليه في توثيق الحقوق وما يتعلق بها للرجوع إليه عند الإثبات، وتنقسم أصناف الأوراق المحررة بوجه عام إلى الورقة الرسمية والورقة العرفية أو العادية.

الورقة الرسمية : هي المحررات التي يُثبت فيها موظف عام أو خاص مكلف بخدمة مخصصة ما تم من جهته أو ما تلقاه من ذوي الشأن في حدود سلطته واختصاصه الوظيفي، كالأوراق ذات الطابع الرسمي الصادرة من الوزارات والدوائر الحكومية والشركات والمؤسسات والتي تحمل ختم الجهة التي أصدرتها وتوقيع الموظف المختص بها، ويشترط للاحتجاج بها أن يكون صدورها من موظف عام، أو شخص مكلف بخدمة عامة، وأن تكون مما يدخل تحت اختصاصه وسلطته، وأن تكون مستكملة لكل البيانات والأشكال التي يتطلبها النظام.



أما الورقة العرفية أو العادية : فهي التي تشتمل على توقيع من صدرت منه أو بصمته أو ختمه، وليس لها شكل خاص، كالعقد التجاري أو المحررات المبرمة بين شخصين أو أكثر، ويشترط للاحتجاج بها أن تكون واضحة المعنى والدلالة، وسليمة الشكل، وموقعة من الأطراف إن كانت عقداً، أو من المنشئ لها إن كانت من طرف واحد كالهبة والوصية، وتعتبر الورقة الرسمية حجة يجري العمل بها واستعمالها كوسيلة إثبات، ولا تقبل إثبات العكس إلا بادعاء التزوير، وللقاضي حق رفض هذه الأوراق متى ظهر له فيها ما يحدث الشك في مادتها، أو شكلها.

الورقة العادية هي حجة على من وقعها أو ختمها أو بصمها باسمه ما لم ينكر خطه أو توقعيه أو ختمه أو بصمته، ويثبت صحة إنكاره. وللمحكمة أن تقدر ما يترتب على الكشط والمحو والتحشية وغير ذلك من العيوب المادية في الورقة من إسقاط قيمتها في الإثبات.

وإذا كانت صحة الورقة محل شك في نظر المحكمة جاز لها أن تسأل الموظف الذي صدرت عنه أو الشخص الذي حررها ليبدي ما يوضح حقيقة الأمر فيها، ولا يجوز الطعن في الورقة الرسمية إلا بالتزوير، بينما يجوز إنكار الورقة العادية أو الطعن فيها بالتزوير.

وقد جرى العمل في النظام السعودي على إجراء مقارنة بين ما يتم إنكاره وبين ما هو ثابت من خط أو توقيع أو بصمة أو ختم من نُسبت إليه الورقة العادية، وذلك عن طريق إحالة المحكمة للورقة المتنازع فيها إلى إدارة الأدلة الجنائية مرفقة معها قرار المقارنة وما يلزم له من مستندات، وتحقيق ذلك عن طريق المضاهاة، وهو إجراء يتم فيه إعداد تقرير من خبير فني، وقد يتم التحقيق أيضاً عن طريق شهادة الشهود إذا شهدوا بأن خط الورقة هو قلم شخص معين، وكل ذلك يتم تحت إشراف المحكمة.

وقد نصت المادة 147 من نظام المرافعات الشرعية حيث أكدت على أن (كل صورة غير مصدقة بما يفيد مطابقتها لأصلها لا تصلح للاحتجاج)، وهو الأمر الذي يؤكد على أن الأصل عدم حجيَة صورة الورقة الرسمية إلا إذا كانت الصورة المنقولة عن الأصل خطية وصدرت عن موظف عام في حدود اختصاصه، وصادق على مطابقتها لأصلها، أو إذا كانت الصورة المنقولة عن الأصل مصورة تصويراً ضوئياً، وصادق على مطابقتها لأصلها موظف عام في حدود اختصاصه.
القرائـن



القرينة هي الأمارة القوية التي يستدل بها القاضي على وقوع أمر خفي من الأوصاف الدالة على ثبوت الواقعة القضائية المؤثرة في الحكم أو نفيها، وتنقسم إلى عدة أقسام:

1- القرينة النصية، وهي التي وردت في الكتاب والسنة، فجعلها الشرع في نصوصه من الكتاب والسنة أمارة على شيء معين.

2- القرينة الفقهية، وهي القرائن التي قررها الفقهاء واستنبطوها من الأصول العامة للشريعة وجعلوها أدلة على أمور أخرى ومستنداً في ثبوت الوقائع عند التداعي، كحيازة المنقول قرينة بسيطة على ملكية الحائز له عند المنازعة في الملكية ويجوز للخصم إثبات العكس.

3- القرينة القضائية، وهي ما يوجد في القضية محل النظر من وقائع من أقوال الخصوم ودفوعهم وما يقيمونه من أدلة على وقائع يستنبط منها القاضي ثبوت الحق المدعي به أو نفيه، وتختص بأنها جزئيَة تقتصر على القضية المحكوم فيها فقط، ويشترط لها وجود واقعة ثابتة يختارها القاضي من الوقائع التي لها اتصال بموضوع الدعوي، وتعتمد حجيتها على قوة دلالتها، فإن كانت قوية أو أضيف إليها ما يرقي بها إلى درجة الظن الغالب فإنه يُعمل بها، وإن كانت مترددة أو ضعيفة أو كاذبة فلا يُعمل بها، وكل ذلك يكشفه القاضي بذكائه وحصافته.

ويلاحظ أنه يشترط لاستنباط القرائن القضائية أن يشهد الشرع للمعنى المستنبط، وأن يكون المعنى المستنبط مؤثراً في ثبوت الواقعة المتنازع فيها، وألا يعارض المعنى المستنبط ما هو أقوى منه من العلل والمعاني التي تؤدي إلى نفي الواقعة، وأن يكون الاستنباط كافياً، ومتسلسلاً، ومبنياً على واقعة ثابتة. ويحق للخصم إثبات عكس القرينة أو ما يخالفها وحينئذ تفقد القرينة قيمتها في الإثبات.

وقد اتفق الفقهاء على مشروعية الإثبات بالقرائن على ثبوت الحقوق المالية بها سواء كانت في المعاملات أو في الأحوال الشخصية واختلفوا في الحقوق غير المالية من الحدود والقصاص. ويشترط للعمل بالقرائن عدم وجود بينة أخرى في إثبات الحق المتنازع فيه.

المعاينـة

المعاينة هي أن يشاهد القاضي بنفسه أو بواسطة أمينه محل النزاع بين المتخاصمين لمعرفة حقيقة الأمر فيه، وتشترك المعاينة والخبرة في دخولهما تحت الإثبات المباشر، وكذلك في أن حقيقة الخبرة أنها نوع من أنواع المعاينة ولهذا يطلق علىها أحياناً “المعاينة الفنية”، وتختلف المعاينة عن الخبرة في عدة أمور، منها أن المعاينة تتم من القاضي أو نائبه (الشخص الذي يخوله القاضي للقيام بالمعاينة وذلك مثل هيئة النظر)، وليس الأمر كذلك في الخبرة، كما أن المعاينة تستدعي حضور الخصوم والخبرة لا تستدعي حضورهم، فضلاً على أن المعاينة أقوى دليلاً من الخبرة؛ لاستنادها على الرؤية والمشاهدة وهي أمر يقيني، كما تختلف المعاينة عن الخبرة في اعتبار محل القضاء. ولا تتم المعاينة إلا في الأموال والأعيان منقولة كانت أو ثابتة، وذلك إما عن طريق جلب المتنازع فيه إلى المحكمة إن كان ذلك ممكناً، أو الانتقال إلى موضع الشيء لمعاينته بواسطة القاضي أو ندب أحد أعضاء المحكمة لذلك.

المعاينة تكون إما بطلب القاضي أو بطلب أحد الخصوم، وقد تكون أثناء نظر الدعوى، وقد تكون هي دعوى لإثبات حالة يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء كما نصت على ذلك المادة (206/1) من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية، وللقاضي رفض طلب المعاينة مقروناً بأسبابه مع تدوين ذلك في ضبط القضية. وقد تضمن نظام المرافعات الشرعية العديد من الضوابط الخاصة بالمعاينة، حيث أكد على جواز الاستخلاف في المعاينة وجواز التحفظ على الشيء موضوع المعاينة إلى حين صدور الحكم أو إلى أي وقت آخر، وجواز أن يكون للمحكمة أو القاضي المنتدب أو المستخلف للمعاينة تعيين خبير أو أكثر للاستعانة به في المعاينة، ولكن شريطة أن يراعى عند تعيين الخبير أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً عدلاً تتوافر فيه الفراسة وقوة الملاحظة وذا علم وتجربة واختصاص.



ويشترط لقبول دعوى المعاينة لإثبات معالم واقعة أن يتقدم صاحب المصلحة بطلب المعاينة بصحيفة تقدم للمحكمة المختصة، وأن تتوافر صفة الاستعجال في الدعوى المرفوعة إذا كان القصد من الإجراء هو منع ضرر متوقع قريباً قد يتعذر تلافيه مستقبلاً، وأن تكون هناك احتمالية لأن تصبح تلك الوقائع أو الأوصاف أسباباً لمنازعة أمام القضاء، وألا يترتب على الحكم الصادر بهذا الإجراء أي مساس بأصل الحق.

الخـبرة

المقصود بالخبرة هو إخبار أهل الاختصاص بحقيقة أمر محل نزاع، ولا سبيل إلى ذلك إلا عن طريقهم بطلب من القاضي أو الخصوم، ويصنف أهل الخبرة إلى صنفين، متقدم ومستجد:

1- المتقدم هو ما ذكره الفقهاء قديماً، ومنهم الطبيب والمترجم ومقدر الشجاج.

2- المستجد هو ما لم يذكره الفقهاء قديماً، وإنما وجد في هذا العصر، ومنهم خبراء الأدلة الجنائية والمهندسون ونحو ذلك.

وقد اتفق الفقهاء على وجوب الأخذ بقول أهل الخبرة فيما يختصون بمعرفته، كما يشترط فيمن يكون من أهل الخبرة الإسلام والتكليف والعدالة والعدد والحرية وأن يكون منصباً من القاضي وأن يكون ماهراً مجيداً لما هو من اختصاصه وأن يكون خالياً من الغرض، وقد أضاف نظام المرافعات الشرعية بالمادة (128) على الشروط العامة السابقة أن يكون الخبير حسن السيرة والسلوك وأن يكون حاصلاً على ترخيص بمزاولة مهنته من الجهة المختصة، وأن يكون ترخيصه ساري المفعول، كما نصت ذات المادة على أن تحدد المحكمة المبلغ الذي يودع لحساب مصروفات الخبير وأتعابه والخصم المكلف بإيداع الأتعاب والأجل المحدد لذلك، والمعمول به أن يكون مبلغ أتعاب الخبير مناصفة بين الخصوم، فإذا رفض الخصم إيداع المبلغ المكلف بإيداعه جاز للخصم الآخر أن يقوم بإيداع هذا المبلغ دون إخلال بحقه إذا حكم له في الرجوع على خصمه، فإذا اتفق الخصوم على خبير معين فعلى المحكمة أن تقر اتفاقهم إلا إذا رأت خلاف ذلك فعلىها تعيين خبير آخر مع بيان سبب رفض الخبير الذي اتفق علىه الطرفان، وهذا مما نص علىه نظام المرافعات الشرعية بمادته (130)، كما نصت اللائحة التنفيذية كذلك لذات النظام بالمادة (130/2) على أن يكون قرار المحكمة في اختيار الخبير غير قابل للاعتراض.

وفي نهاية هذا المقال، نكون قد أكملنا الحديث عن كافة وسائل الإثبات أمام القضاء السعودي من خلال هذا المقال والمقالات السابقة، ونأمل أن نكون قد قدمنا مختصرا عن بعض وسائل الإثبات في النظام السعودي.

تعليقات