جميع أنواع الأحكام القضائية والفرق بينها
1 ــ الأحكام الحضورية والأحكام الغيابية:
يقوم مفهوم الغياب في أغلب القوانين على معيار واحد أيا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم، وهذا المعيار هو تخلف الخصوم أو وكلائهم عن حضور الجلسة رغم استدعائهم بصفة صحيحة، أما في القانون المغربي فإن وصف الحضورية والغياب أمام المحاكم الابتدائية يحدد انطلاقا من طبيعة المسطرة وهل هي شفوية أم كتابية.
ففي الحالة الأولى، أي في حالة المسطرة الشفوية، فإنه يجب حضور الخصوم أو وكلائهم حضورا ماديا وشخصيا أثناء الجلسة، ومتى حضر هؤلاء عند المناداة عليهم في الجلسة، صدر الحكم حضوريا في مواجهتهم.
أما في الحالة الثانية، و هي حالة المسطرة الكتابية، فالحضور لا يستوجب الحضور الشخصي للأطراف إلى الجلسة، وإنما يكفي أن يدلي المدعى عليه أو نائبه بالجواب الكتابي عن مقال الدعوى، و لا يهم بعد ذلك أحضر المدعى عليه شخصيا أو نائبه في الجلسة أم لم يحضر أي منهما .
وقد عالج المشرع المغربي حالة تخلف المدعي عن الحضور، وحالة تغيب المدعى عليهم وحالة حضور بعضهم وغياب البعض الآخر، وأغفل الإشارة إلى بعض الحالات كحالة تعدد المدعيين وحضور البعض وغياب الآخر، وحالة تغيب كل من المدعي والمدعى عليه.
وسوف نتعرض إلى كل حالة من هذه الحالات تباعا:
الحالة الأولى: تخلف المدعي أو هو والمدعى عليه عن حضور الجلسة المحددة للدعوى
لم يتعرض المشرع المغربي لحالة تخلف الطرفين معا عن حضور الجلسة، وإنما تعرض فقط لحالة تخلف المدعي وقرر إمكانية التشطيب على الدعوى، ولا يتصور غياب المدعي إلا في القضايا التي تطبق فيها المسطرة الشفوية، أما في القضايا التي تطبق فيها المسطرة الكتابية، فإن تقديمه لمقال الدعوى يجعله حاضرا، وقد جرى العمل القضائي على استعمال عبارة إنه حاضر بمقاله.
وعليه فإنه يكون من باب أولى ضرورة التشطيب على الدعوى في حالة تغيب المدعي والمدعى عليه.
ويعني التشطيب على الدعوى استبعادها من جدول القضايا، ويتم هذا بشرط ألا تتوفر المحكمة على أي عنصر كاف للبت في الطلب، ويقصد بذلك استبعاد الدعوى من جدول الجلسات وإيقاف البت فيها مع احتفاظها بكافة آثارها، ويمكن للمحكمة أن تحكم بإلغاء الدعوى في هذه الحالة، إذا لم يطالب المدعي الفصل في دعواه داخل أجل شهرين من قرار التشطيب من الجدول، غير أن الملاحظ من الناحية العملية أن المحاكم لا تلجأ لهذه المكنة رغم التنصيص عليها قانونا.
الحالة الثانية: حالة غياب المدعى عليه
تنص الفقرة الرابعة من الفصل 47 من ق.م.م على أنه:" يحكم غيابيا إذا لم يحضر المدعى عليه أو وكيله رغم استدعائه طبقا للقانون ما لم يكن قد توصل بالاستدعاء بنفسه وكان الحكم قابلا للاستئناف، ففي هذه الحالة يعتبر الحكم بمثابة حضوري تجاه الأطراف المتخلفة".
يتبين إذن، أن الحكم على المدعى عليه غيابيا مشروط باستدعائه هو أو وكيله بصورة قانونية، بحيث يلزم أن توجه له الاستدعاء إما بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط أو بواسطة أحد المفوضين القضائيين، أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، أو بالطريقة الإدارية، ويلزم إلى جانب ذلك ألا يكون قد تسلم الاستدعاء بنفسه.
ففي حالة توصل المدعى عليه بالاستدعاء شخصيا وتخلفه عن الحضور إلى الجلسة فإن الحكم يصدر في حقه بمثابة حضوري.
وتكمن أهمية وفائدة الحكم الغيابي، في أنه يفتح باب التعرض أمام المحكوم عليه أمام نفس المحكمة المصدرة للحكم داخل أجل عشرة أيام من تاريخ التبليغ، وبالمقابل فإن الحكم الحضوري يمنح لصاحبه حق الطعن فيه بالاستئناف كطريق عادي من طرق الطعن.
الحالة الثالثة: تعدد المدعيين وحضور بعضهم وتخلف البعض الآخر
لم يتعرض المشرع المغربي لهذا الاحتمال، وإنما تعرض لحالة غياب المدعي الفرد، وعليه فإنه إذا تخلف أحد المدعيين فإنه يمكن للقاضي إذا لم يتوفر على أي عنصر يسمح له بالبت في القضية، أن يقرر التشطيب على الدعوى في مواجهة المدعي المتخلف، وحصر النظر بطلب الذين حضروا من المدعيين إذا كان الطلب قابلا للتجزئة، أما إذا كان الطلب غير قابل للتجزئة كما لو كان يتعلق بحق ارتفاق أو بقسمة أموال، فإنه يتعين على من حضر من المدعين تلقائيا أو بتكليف من القاضي دعوة المتخلفين للحضور، ليصدر في حقهم جميعا حكما واحدا مشتركا يعتبر بمثابة حضوري بالنسبة لجميع الأطراف.
ويتبين أن القانونين المصري والسوري قد عالجا هذه الحالة بنص صريح، إذ جاء في نص قانون المرافعات المصري في المادة 94 ما يلي:
" إذا تعدد المدعون وتخلفوا كلهم أو بعضهم عن حضور الجلسة الأولى، أجلت القضية إلى جلسة أخرى مع تكليف المدعى عليه بإعلان المتخلفين واعتبر الحكم الذي يصدر في القضية بعد ذلك حضوريا في حقهم جميعا".
الحالة الرابعة: تعدد المدعى عليهم وحضور بعضهم وتغيب البعض الآخر
نظم الفصل 48 من ق. م. م حكم هذه الحالة حيث نص على أنه:
" إذا تعدد المدعى عليهم ولم يحضر أحدهم بنفسه أو بواسطة وكيله، أخرت المحكمة القضية إلى جلسة مقبلة وأمرت من جديد باستدعاء الأطراف طبقا للقواعد المقررة في الفصول 37 و38 و39 للحضور في اليوم المحدد، مع تنبيههم في نفس الوقت إلى أنه ستبت حينئذ في القضية بحكم واحد يعتبر بمثابة حضوري تجاه الأطراف المتخلفة.
لا يعتبر الحكم بمثابة حضوري إلا بالنسبة إلى الأشخاص الذي توصلوا بالاستدعاء شخصيا أو في موطنهم".
يتضح بأن المشرع لم يتطرق إلى تخلف أحد المدعى عليهم، ولم يرتب على تخلفه إصدار حكم غيابي في مواجهته، وإنما قام بمنح فرصة للمتخلفين للحضور تحت طائلة صدور حكم بمثابة حضوري في حقهم.
2 ــ الأحكام الابتدائية والأحكام الانتهائية:
الأحكام الابتدائية هي الصادرة عن المحكمة الابتدائية، وتقبل الطعن بالاستئناف، إما أمام غرف الاستئناف بنفس المحكمة متى كانت قيمة الدعوى لا تتجاوز 20000 درهم، وإما أمام المحاكم الاستئنافية في جميع الطلبات التي تتجاوز 20000 درهم أو كان موضوع النزاع غير محدد القيمة.
والأحكام الانتهائية هي الأحكام التي لا تقبل الطعن بالاستئناف، وكذا الأحكام الصادرة عن محكمة الاستئناف نفسها، ويعتبر الحكم انتهائيا مادام الطعن فيه بالاستئناف غير جائز، ولو كان غيابيا قابلا للطعن فيه عن طريق التعرض، ويقبل هذا الحكم الطعن بالطرق غير العادية، كالنقض وإعادة النظر وتعرض الغير الخارج عن الخصومة.
3 ـــ الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به والأحكام النهائية:
الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به هي التي لا تقبل طرق الطعن العادية من تعرض واستئناف، وإن كانت تقبل الطعن بالطرق غير العادية، كإعادة النظر، وتعرض الغير الخارج عن الخصومة، والنقض.
وتجدر الإشارة إلى أن حجية الشيء المحكوم به مختلفة من حيث معناها عن قوة الشيء المحكوم به، فالأولى قرينة قانونية لا تقبل إثبات العكس، مقتضاها أن الحكم صدر صحيحا من ناحية الشكل، وعلى حق من ناحية الموضوع، أما قوة الشيء المحكوم به فهي وصف للحكم الذي لا يقبل الطعن فيه بالتعرض والاستئناف ولو كان قابلا للطعن فيه بطريقة طعن غير عادية، بل ولو طعن فيه بالفعل بأحد طرق الطعن غير العادية.
وتتميز الأحكام الحائزة لقوة الأمر المقضي بأنها وحده قابلة للتنفيذ الجبري في الأحوال العادية، طبقا لما نصت عليه المادة 428 من ق م م.
أما الأحكام النهائية أو الباتة هي الأحكام التي لا تقبل الطعن بأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية وهي أقوى درجات الأحكام.
ويكون الحكم نهائيا في الحالات الآتية:
ـــــــ إذا صدر عن المحكمة الابتدائية وأهمل المحكوم عليه الطعن فيه سواء بالاستئناف إذا كان قابلا له، أو بالتعرض إذا كان غيابيا، أو بطرق الطعن غير العادية إذا اكتسب قوة الشيء المقضي به، ففي هذه الحالة يصبح الحكم نهائيا وفاصلا في الموضوع لأن سكوت المحكوم عليه عن الطعن يحمل على قبوله ورضاه به.
ـــــ إذا صدر حكم عن محكمة الاستئناف لم يطعن فيه المحكوم عليه سواء بالتعرض إذا كان غيابيا، أو بطرق الطعن غير العادية خاصة بالنقض، ففي هذه الحالة وبعد انصرام الآجال القانونية المحددة لمباشرة الطعون المسموح بها، دون تحريك ذي المصلحة لأي ساكن، ينتقل الحكم-أو القرار-المذكور إلى حكم نهائي وبات، لا يقبل أي طريق من طرق الطعن.
ـــــ إذا بلغ الحكم مرحلة التقاضي أمام محكمة النقض، ففي هذه الحالة يصبح الحكم نهائيا إذا صدر فيه قرار عن محكمة النقض، ما لم يكن قابلا لإعادة النظر، ويستوي أن يكون قرار محكمة النقض مؤيدا أو ناقضا للحكم المطعون فيه.
4 ـــ الأحكام القطعية والأحكام غير القطعية:
تنقسم الأحكام من حيث فصلها في النزاع المعروض على المحكمة أو عدم فصلها إلى أحكام قطعية وأحكام غير قطعية.
فالأحكام القطعية هي التي تحسم النزاع المعروض على المحكمة، ولو كانت غيابية قابلة للتعرض، أو ابتدائية قابلة للاستئناف.
وليس من الضروري حتى يعتبر الحكم قطعيا أن يفصل في النزاع بجملته، بل يكفي أن يضع حدا للنزاع في بعض أجزاء الدعوى، أو الطلبات المقدمة فيها، أو الدفوع أو المسائل الفرعية ولو كانت نقط النزاع الأخرى لم يفصل فيها، كالحكم الذي يصدر بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة أو الأهلية أو المصلحة، أو الذي يصدر بقبولها لتحقق هذه الشروط عند رافعها، والحكم الذي يصدر بإيقاف الفصل في النزاع حتى يبت في نزاع آخر أو حتى توجه إجراءات الخصومة قبل من له صفة فيها، و الحكم الذي يصدر في الدفع بالبطلان سواء بقبوله أو برفضه، وكذلك الحكم الذي يصدر في الدفع بعدم الاختصاص سواء بقبوله أو برفضه.
وقد يختلط الحكم القطعي بالحكم النهائي نظرا لتقاربهما على الأقل من حيث المصطلحات، لكن الفرق قائم بينهما، فالحكم القطعي يحسم النزاع في مسألة معينة أو في موضوع الدعوى برمته، أما الحكم النهائي فهو الذي يفصل في النزاع بصورة نهائية إذ لا يقبل أي طريق من طرق الطعن.
أما الأحكام غير القطعية فهي التي لا تحسم نزاعا ما في تمام موضوع الدعوى ولا في جزئية من جزئياتها، ولكنها تتعلق فقط بسير الدعوى وإجراءاتها، أو المحافظة على حقوق الأطراف في انتظار الفصل في موضوع الدعوى.
وتبت الأحكام غير القطعية في إجراء من الإجراءات التحفظية كتعيين حارس قضائي، أو تأمر بإجراء من إجراءات التحقيق كتعيين خبير أو معاينة الأماكن أو الأبحاث أو اليمين، وتعرف هذه الأحكام كذلك بالأحكام التمهيدية.
وتختلف الأحكام القطعية عن الأحكام غير القطعية في عدة نواح وهي:
1-فالأولى تتمتع بحجية كاملة إذ لا يجوز للمحكمة أن تعدل عنها، كما لا يسوغ عرض النزاع الذي حكمت فيه من جديد على محكمة أخرى، إلا إذا كانت هذه المحكمة هي المختصة بالنظر في الطعن الذي قدم ضد الحكم القطعي الصادر عن المحكمة الأولى.
2-أما الثانية فليست إلا أحكاما وقتية لا تحسم في النزاع ولا في نقطة فيه، وهذا يعني أنه بإمكان المحكمة العدول عنها وعدم تنفيذها، فضلا عن إمكانية عرضها من جديد على محكمة أخرى للنظر فيها.
5 ـــ الأحكام الملزمة والأحكام التقريرية و الأحكام المنشئة :
وتقسم الأحكام من زاوية قابليتها للتنفيذ الجبري إلى أحكام ملزمة وتقريرية ومنشئة، وهكذا يعرف الحكم الملزم بأنه الحكم الذي يرد فيه التقرير على حق يقابله التزام الطرف الآخر بأداء حق معين)، أما الحكم التقريري فيعرف بأنه الحكم الذي يؤكد وجود أو عدم وجود الحق أو المركز القانوني، وهو إما إيجابي مثل الحكم بوجود رابطة زوجية بين شخصين، وإما سلبي مثل الدعوى التي يقيمها المالك بهدف الحكم بعدم وجود حق ارتفاق على ملكه ضد شخص يدعي وجود هذا الحق)، أما الحكم المنشئ فهو الذي يقرر حقا فينشأ عن هذا التقرير تغير في مركز سابق وينشأ مركزا جديدا مثل الحكم الصادر بالتصفية القضائية أو إبطال العقد أو التطليق أو الفسخ، و عليه فأحكام الإلزام وحدها التي تقبل أن تكون محلا للتنفيذ الجبري دون باقي الأحكام التقريرية أو المنشئة).
والتساؤل المطروح هو ما هو معيار التمييز بين هذه الأنواع المختلفة من الأحكام ؟
لقد اختلفت الآراء الفقهية حول معيار التمييز بينها، بحيث ذهب رأي فقهي إلى اعتماد النتيجة التي انتهى إليها الحكم، ومن خلالها تحدد طبيعته اعتمادا على ما تضمنه من أمر أو تأكيد أو تطبيق لجزاء معين.
أما الرأي الثاني فيذهب إلى البحث عن عنصر الإلزام من خلال العلاقات القانونية التي يرد عليها الحكم.
أما محكمة النقض المصرية فقد تبنت الطرح الفقهي الأول، إذ جاء في أحد قراراتها: "إن الأحكام التي يقتصر التنفيذ الجبري عليها هي تلك التي تتضمن إلزام المدعى عليه بأمر معين يقبل التنفيذ الجبري، بحيث لا يقتصر على تقرير حق أو مركز قانوني أو واقعة قانونية، بل تتعدى إلى وجوب أن يقوم المدعى عليه بعمل أو أعمال لصالح المحكوم له".
وقد أوضحت محكمة النقض المصرية في قرار آخر لها أن تحديد طبيعة الحكم يكون من خلال تفهم مراميه ومقاصده وليس بمجرد الاعتماد على ظاهره فقط، ومما جاء في قرارها: "إن المناط في معرفة ما للحكم الصادر من قوة الإلزام هي بتفهم مقتضاه وتقصي مراميه" .
وعموما فإنه مهما تعددت تصنيفات الأحكام القضائية، فإن المهم فيها هو احترام معايير الجودة التي تفرض في الحكم أن يسعى إلى التطبيق العادل للقانون، وأن يحافظ فيه على نسق منطقي يبرر النتيجة التي انتهى إليها الحكم، وأن يدعم بالنصوص القانونية والاتفاقيات الدولية والاجتهادات القضائية والآراء الفقهية ذات الصلة بالموضوع، أما حيث لغة الحكم فإنه من الأكيد أنه يتعين على القاضي أن يكتبه بلغة مبسطة وواضحة، على اعتبار أنه لم يعد ينظر للمقررات القضائية على أنها وثيقة تقنية يكفي أن يفهمها المهنيون المعنيون بها فحسب، بل من طرف المتقاضي حاضرا وأساسيا لدعم الثقة فيها بتبسيط لغتها وتوخي جعلها في متناول العموم.
1 ــ الأحكام الحضورية والأحكام الغيابية:
يقوم مفهوم الغياب في أغلب القوانين على معيار واحد أيا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم، وهذا المعيار هو تخلف الخصوم أو وكلائهم عن حضور الجلسة رغم استدعائهم بصفة صحيحة، أما في القانون المغربي فإن وصف الحضورية والغياب أمام المحاكم الابتدائية يحدد انطلاقا من طبيعة المسطرة وهل هي شفوية أم كتابية.
ففي الحالة الأولى، أي في حالة المسطرة الشفوية، فإنه يجب حضور الخصوم أو وكلائهم حضورا ماديا وشخصيا أثناء الجلسة، ومتى حضر هؤلاء عند المناداة عليهم في الجلسة، صدر الحكم حضوريا في مواجهتهم.
أما في الحالة الثانية، و هي حالة المسطرة الكتابية، فالحضور لا يستوجب الحضور الشخصي للأطراف إلى الجلسة، وإنما يكفي أن يدلي المدعى عليه أو نائبه بالجواب الكتابي عن مقال الدعوى، و لا يهم بعد ذلك أحضر المدعى عليه شخصيا أو نائبه في الجلسة أم لم يحضر أي منهما .
وقد عالج المشرع المغربي حالة تخلف المدعي عن الحضور، وحالة تغيب المدعى عليهم وحالة حضور بعضهم وغياب البعض الآخر، وأغفل الإشارة إلى بعض الحالات كحالة تعدد المدعيين وحضور البعض وغياب الآخر، وحالة تغيب كل من المدعي والمدعى عليه.
وسوف نتعرض إلى كل حالة من هذه الحالات تباعا:
الحالة الأولى: تخلف المدعي أو هو والمدعى عليه عن حضور الجلسة المحددة للدعوى
لم يتعرض المشرع المغربي لحالة تخلف الطرفين معا عن حضور الجلسة، وإنما تعرض فقط لحالة تخلف المدعي وقرر إمكانية التشطيب على الدعوى، ولا يتصور غياب المدعي إلا في القضايا التي تطبق فيها المسطرة الشفوية، أما في القضايا التي تطبق فيها المسطرة الكتابية، فإن تقديمه لمقال الدعوى يجعله حاضرا، وقد جرى العمل القضائي على استعمال عبارة إنه حاضر بمقاله.
وعليه فإنه يكون من باب أولى ضرورة التشطيب على الدعوى في حالة تغيب المدعي والمدعى عليه.
ويعني التشطيب على الدعوى استبعادها من جدول القضايا، ويتم هذا بشرط ألا تتوفر المحكمة على أي عنصر كاف للبت في الطلب، ويقصد بذلك استبعاد الدعوى من جدول الجلسات وإيقاف البت فيها مع احتفاظها بكافة آثارها، ويمكن للمحكمة أن تحكم بإلغاء الدعوى في هذه الحالة، إذا لم يطالب المدعي الفصل في دعواه داخل أجل شهرين من قرار التشطيب من الجدول، غير أن الملاحظ من الناحية العملية أن المحاكم لا تلجأ لهذه المكنة رغم التنصيص عليها قانونا.
الحالة الثانية: حالة غياب المدعى عليه
تنص الفقرة الرابعة من الفصل 47 من ق.م.م على أنه:" يحكم غيابيا إذا لم يحضر المدعى عليه أو وكيله رغم استدعائه طبقا للقانون ما لم يكن قد توصل بالاستدعاء بنفسه وكان الحكم قابلا للاستئناف، ففي هذه الحالة يعتبر الحكم بمثابة حضوري تجاه الأطراف المتخلفة".
يتبين إذن، أن الحكم على المدعى عليه غيابيا مشروط باستدعائه هو أو وكيله بصورة قانونية، بحيث يلزم أن توجه له الاستدعاء إما بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط أو بواسطة أحد المفوضين القضائيين، أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، أو بالطريقة الإدارية، ويلزم إلى جانب ذلك ألا يكون قد تسلم الاستدعاء بنفسه.
ففي حالة توصل المدعى عليه بالاستدعاء شخصيا وتخلفه عن الحضور إلى الجلسة فإن الحكم يصدر في حقه بمثابة حضوري.
وتكمن أهمية وفائدة الحكم الغيابي، في أنه يفتح باب التعرض أمام المحكوم عليه أمام نفس المحكمة المصدرة للحكم داخل أجل عشرة أيام من تاريخ التبليغ، وبالمقابل فإن الحكم الحضوري يمنح لصاحبه حق الطعن فيه بالاستئناف كطريق عادي من طرق الطعن.
الحالة الثالثة: تعدد المدعيين وحضور بعضهم وتخلف البعض الآخر
لم يتعرض المشرع المغربي لهذا الاحتمال، وإنما تعرض لحالة غياب المدعي الفرد، وعليه فإنه إذا تخلف أحد المدعيين فإنه يمكن للقاضي إذا لم يتوفر على أي عنصر يسمح له بالبت في القضية، أن يقرر التشطيب على الدعوى في مواجهة المدعي المتخلف، وحصر النظر بطلب الذين حضروا من المدعيين إذا كان الطلب قابلا للتجزئة، أما إذا كان الطلب غير قابل للتجزئة كما لو كان يتعلق بحق ارتفاق أو بقسمة أموال، فإنه يتعين على من حضر من المدعين تلقائيا أو بتكليف من القاضي دعوة المتخلفين للحضور، ليصدر في حقهم جميعا حكما واحدا مشتركا يعتبر بمثابة حضوري بالنسبة لجميع الأطراف.
ويتبين أن القانونين المصري والسوري قد عالجا هذه الحالة بنص صريح، إذ جاء في نص قانون المرافعات المصري في المادة 94 ما يلي:
" إذا تعدد المدعون وتخلفوا كلهم أو بعضهم عن حضور الجلسة الأولى، أجلت القضية إلى جلسة أخرى مع تكليف المدعى عليه بإعلان المتخلفين واعتبر الحكم الذي يصدر في القضية بعد ذلك حضوريا في حقهم جميعا".
الحالة الرابعة: تعدد المدعى عليهم وحضور بعضهم وتغيب البعض الآخر
نظم الفصل 48 من ق. م. م حكم هذه الحالة حيث نص على أنه:
" إذا تعدد المدعى عليهم ولم يحضر أحدهم بنفسه أو بواسطة وكيله، أخرت المحكمة القضية إلى جلسة مقبلة وأمرت من جديد باستدعاء الأطراف طبقا للقواعد المقررة في الفصول 37 و38 و39 للحضور في اليوم المحدد، مع تنبيههم في نفس الوقت إلى أنه ستبت حينئذ في القضية بحكم واحد يعتبر بمثابة حضوري تجاه الأطراف المتخلفة.
لا يعتبر الحكم بمثابة حضوري إلا بالنسبة إلى الأشخاص الذي توصلوا بالاستدعاء شخصيا أو في موطنهم".
يتضح بأن المشرع لم يتطرق إلى تخلف أحد المدعى عليهم، ولم يرتب على تخلفه إصدار حكم غيابي في مواجهته، وإنما قام بمنح فرصة للمتخلفين للحضور تحت طائلة صدور حكم بمثابة حضوري في حقهم.
2 ــ الأحكام الابتدائية والأحكام الانتهائية:
الأحكام الابتدائية هي الصادرة عن المحكمة الابتدائية، وتقبل الطعن بالاستئناف، إما أمام غرف الاستئناف بنفس المحكمة متى كانت قيمة الدعوى لا تتجاوز 20000 درهم، وإما أمام المحاكم الاستئنافية في جميع الطلبات التي تتجاوز 20000 درهم أو كان موضوع النزاع غير محدد القيمة.
والأحكام الانتهائية هي الأحكام التي لا تقبل الطعن بالاستئناف، وكذا الأحكام الصادرة عن محكمة الاستئناف نفسها، ويعتبر الحكم انتهائيا مادام الطعن فيه بالاستئناف غير جائز، ولو كان غيابيا قابلا للطعن فيه عن طريق التعرض، ويقبل هذا الحكم الطعن بالطرق غير العادية، كالنقض وإعادة النظر وتعرض الغير الخارج عن الخصومة.
3 ـــ الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به والأحكام النهائية:
الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به هي التي لا تقبل طرق الطعن العادية من تعرض واستئناف، وإن كانت تقبل الطعن بالطرق غير العادية، كإعادة النظر، وتعرض الغير الخارج عن الخصومة، والنقض.
وتجدر الإشارة إلى أن حجية الشيء المحكوم به مختلفة من حيث معناها عن قوة الشيء المحكوم به، فالأولى قرينة قانونية لا تقبل إثبات العكس، مقتضاها أن الحكم صدر صحيحا من ناحية الشكل، وعلى حق من ناحية الموضوع، أما قوة الشيء المحكوم به فهي وصف للحكم الذي لا يقبل الطعن فيه بالتعرض والاستئناف ولو كان قابلا للطعن فيه بطريقة طعن غير عادية، بل ولو طعن فيه بالفعل بأحد طرق الطعن غير العادية.
وتتميز الأحكام الحائزة لقوة الأمر المقضي بأنها وحده قابلة للتنفيذ الجبري في الأحوال العادية، طبقا لما نصت عليه المادة 428 من ق م م.
أما الأحكام النهائية أو الباتة هي الأحكام التي لا تقبل الطعن بأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية وهي أقوى درجات الأحكام.
ويكون الحكم نهائيا في الحالات الآتية:
ـــــــ إذا صدر عن المحكمة الابتدائية وأهمل المحكوم عليه الطعن فيه سواء بالاستئناف إذا كان قابلا له، أو بالتعرض إذا كان غيابيا، أو بطرق الطعن غير العادية إذا اكتسب قوة الشيء المقضي به، ففي هذه الحالة يصبح الحكم نهائيا وفاصلا في الموضوع لأن سكوت المحكوم عليه عن الطعن يحمل على قبوله ورضاه به.
ـــــ إذا صدر حكم عن محكمة الاستئناف لم يطعن فيه المحكوم عليه سواء بالتعرض إذا كان غيابيا، أو بطرق الطعن غير العادية خاصة بالنقض، ففي هذه الحالة وبعد انصرام الآجال القانونية المحددة لمباشرة الطعون المسموح بها، دون تحريك ذي المصلحة لأي ساكن، ينتقل الحكم-أو القرار-المذكور إلى حكم نهائي وبات، لا يقبل أي طريق من طرق الطعن.
ـــــ إذا بلغ الحكم مرحلة التقاضي أمام محكمة النقض، ففي هذه الحالة يصبح الحكم نهائيا إذا صدر فيه قرار عن محكمة النقض، ما لم يكن قابلا لإعادة النظر، ويستوي أن يكون قرار محكمة النقض مؤيدا أو ناقضا للحكم المطعون فيه.
4 ـــ الأحكام القطعية والأحكام غير القطعية:
تنقسم الأحكام من حيث فصلها في النزاع المعروض على المحكمة أو عدم فصلها إلى أحكام قطعية وأحكام غير قطعية.
فالأحكام القطعية هي التي تحسم النزاع المعروض على المحكمة، ولو كانت غيابية قابلة للتعرض، أو ابتدائية قابلة للاستئناف.
وليس من الضروري حتى يعتبر الحكم قطعيا أن يفصل في النزاع بجملته، بل يكفي أن يضع حدا للنزاع في بعض أجزاء الدعوى، أو الطلبات المقدمة فيها، أو الدفوع أو المسائل الفرعية ولو كانت نقط النزاع الأخرى لم يفصل فيها، كالحكم الذي يصدر بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة أو الأهلية أو المصلحة، أو الذي يصدر بقبولها لتحقق هذه الشروط عند رافعها، والحكم الذي يصدر بإيقاف الفصل في النزاع حتى يبت في نزاع آخر أو حتى توجه إجراءات الخصومة قبل من له صفة فيها، و الحكم الذي يصدر في الدفع بالبطلان سواء بقبوله أو برفضه، وكذلك الحكم الذي يصدر في الدفع بعدم الاختصاص سواء بقبوله أو برفضه.
وقد يختلط الحكم القطعي بالحكم النهائي نظرا لتقاربهما على الأقل من حيث المصطلحات، لكن الفرق قائم بينهما، فالحكم القطعي يحسم النزاع في مسألة معينة أو في موضوع الدعوى برمته، أما الحكم النهائي فهو الذي يفصل في النزاع بصورة نهائية إذ لا يقبل أي طريق من طرق الطعن.
أما الأحكام غير القطعية فهي التي لا تحسم نزاعا ما في تمام موضوع الدعوى ولا في جزئية من جزئياتها، ولكنها تتعلق فقط بسير الدعوى وإجراءاتها، أو المحافظة على حقوق الأطراف في انتظار الفصل في موضوع الدعوى.
وتبت الأحكام غير القطعية في إجراء من الإجراءات التحفظية كتعيين حارس قضائي، أو تأمر بإجراء من إجراءات التحقيق كتعيين خبير أو معاينة الأماكن أو الأبحاث أو اليمين، وتعرف هذه الأحكام كذلك بالأحكام التمهيدية.
وتختلف الأحكام القطعية عن الأحكام غير القطعية في عدة نواح وهي:
1-فالأولى تتمتع بحجية كاملة إذ لا يجوز للمحكمة أن تعدل عنها، كما لا يسوغ عرض النزاع الذي حكمت فيه من جديد على محكمة أخرى، إلا إذا كانت هذه المحكمة هي المختصة بالنظر في الطعن الذي قدم ضد الحكم القطعي الصادر عن المحكمة الأولى.
2-أما الثانية فليست إلا أحكاما وقتية لا تحسم في النزاع ولا في نقطة فيه، وهذا يعني أنه بإمكان المحكمة العدول عنها وعدم تنفيذها، فضلا عن إمكانية عرضها من جديد على محكمة أخرى للنظر فيها.
5 ـــ الأحكام الملزمة والأحكام التقريرية و الأحكام المنشئة :
وتقسم الأحكام من زاوية قابليتها للتنفيذ الجبري إلى أحكام ملزمة وتقريرية ومنشئة، وهكذا يعرف الحكم الملزم بأنه الحكم الذي يرد فيه التقرير على حق يقابله التزام الطرف الآخر بأداء حق معين)، أما الحكم التقريري فيعرف بأنه الحكم الذي يؤكد وجود أو عدم وجود الحق أو المركز القانوني، وهو إما إيجابي مثل الحكم بوجود رابطة زوجية بين شخصين، وإما سلبي مثل الدعوى التي يقيمها المالك بهدف الحكم بعدم وجود حق ارتفاق على ملكه ضد شخص يدعي وجود هذا الحق)، أما الحكم المنشئ فهو الذي يقرر حقا فينشأ عن هذا التقرير تغير في مركز سابق وينشأ مركزا جديدا مثل الحكم الصادر بالتصفية القضائية أو إبطال العقد أو التطليق أو الفسخ، و عليه فأحكام الإلزام وحدها التي تقبل أن تكون محلا للتنفيذ الجبري دون باقي الأحكام التقريرية أو المنشئة).
والتساؤل المطروح هو ما هو معيار التمييز بين هذه الأنواع المختلفة من الأحكام ؟
لقد اختلفت الآراء الفقهية حول معيار التمييز بينها، بحيث ذهب رأي فقهي إلى اعتماد النتيجة التي انتهى إليها الحكم، ومن خلالها تحدد طبيعته اعتمادا على ما تضمنه من أمر أو تأكيد أو تطبيق لجزاء معين.
أما الرأي الثاني فيذهب إلى البحث عن عنصر الإلزام من خلال العلاقات القانونية التي يرد عليها الحكم.
أما محكمة النقض المصرية فقد تبنت الطرح الفقهي الأول، إذ جاء في أحد قراراتها: "إن الأحكام التي يقتصر التنفيذ الجبري عليها هي تلك التي تتضمن إلزام المدعى عليه بأمر معين يقبل التنفيذ الجبري، بحيث لا يقتصر على تقرير حق أو مركز قانوني أو واقعة قانونية، بل تتعدى إلى وجوب أن يقوم المدعى عليه بعمل أو أعمال لصالح المحكوم له".
وقد أوضحت محكمة النقض المصرية في قرار آخر لها أن تحديد طبيعة الحكم يكون من خلال تفهم مراميه ومقاصده وليس بمجرد الاعتماد على ظاهره فقط، ومما جاء في قرارها: "إن المناط في معرفة ما للحكم الصادر من قوة الإلزام هي بتفهم مقتضاه وتقصي مراميه" .
وعموما فإنه مهما تعددت تصنيفات الأحكام القضائية، فإن المهم فيها هو احترام معايير الجودة التي تفرض في الحكم أن يسعى إلى التطبيق العادل للقانون، وأن يحافظ فيه على نسق منطقي يبرر النتيجة التي انتهى إليها الحكم، وأن يدعم بالنصوص القانونية والاتفاقيات الدولية والاجتهادات القضائية والآراء الفقهية ذات الصلة بالموضوع، أما حيث لغة الحكم فإنه من الأكيد أنه يتعين على القاضي أن يكتبه بلغة مبسطة وواضحة، على اعتبار أنه لم يعد ينظر للمقررات القضائية على أنها وثيقة تقنية يكفي أن يفهمها المهنيون المعنيون بها فحسب، بل من طرف المتقاضي حاضرا وأساسيا لدعم الثقة فيها بتبسيط لغتها وتوخي جعلها في متناول العموم.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم