القائمة الرئيسية

الصفحات



التحقيق الابتدائي: إجراءات قضاء التحقيق والإحالة إعداد حبيب مخائيل ضومط

التحقيق الابتدائي: إجراءات قضاء التحقيق والإحالة 
إعداد  حبيب مخائيل ضومط







مقدمة
فصل تمهيدي: لمحة تاريخية –  مفهوم التحقيق الابتدائي
المبحث الأول: النظام الاتهامي
المبحث الثاني: النظام التحقيقي
المبحث الثالث: النظام المختلط
المبحث الرابع: مفهوم التحقيق الابتدائي
الفصل الأول: ضمانات المدعى عليه المتعلقة بأصول التحقيق وإجراءاته.
المبحث الأول: ضمانات المدعى عليه المتعلقة بأصول التحقيق.
المطلب الأول: ضمانات التحقيق.
أولاً: ضمانات المتّهم المتعلقة بالمُحقِّق.
ثانياُ: ضمانات المتهم المتعلقة بصفات التحقيق الابتدائي.
المطلب الثاني: ضمانات المدعى عليه في الدفاع.
أولاً: حق المتهم في الاستعانة بمحام.
ثانياُ: عدم جواز الفصل بين المتهم ومحاميه.
ثالثاً: صلاحيات محامي المدعى عليه.
المبحث الثاني: ضمانات المدعى عليه المتعلقة بإجراءات التحقيق.
المطلب الأول: ضمانات المدعى عليه في الاستجواب.
أولاً: حقوق المدعى عليه قبل الاستجواب.
ثانياُ: حقوق المدعى عليه أثناء الاستجواب.
المطلب الثاني: ضمانات المدعى عليه في التفتيش.
أولاً: تفتيش المساكن والدخول إليها.
ثانياً: شروط التفتيش.
ثالثاً: رضاء المتهم بالتفتيش.
رابعاً: ضبط المراسلات ومراقبة محادثات المدعى عليه.
المبحث الثالث: الإجراءات الاحتياطية المتخذة بمواجهة المدعى عليه.
المطلب الأول: مذكرتا الدعوة والإحضار.
أولاً: الأصول المتبعة بتنفيذها.
ثانياً: مدة حجز المدعى عليه بموجب المذكرتين.
المطلب الثاني: مذكرة التوقيف {التوقيف الاحتياطي}.
أولاً: شروط إصدار مذكرة التوقيف.
ثانياً: تنفيذ مذكرة التوقيف.
المطلب الثالث: إخلاء سبيل المدعى عليه.
أولاً: إخلاء السبيل بحق.
ثانياً: إخلاء السبيل الجوازي أو بناء على طلب الموقوف.
الفصل الثاني: ضمانات المدعى عليه المتعلقة بنتائج التحقيق ومؤيداته.
المبحث الأول: الطعن بقرارات قاضي التحقيق.
المطلب الأول: حق المدعى عليه في الطعن.
أولاً: القرارات التي يحق للمدعى عليه الطعن بها.
ثانياً: مفهوم الاستئناف.
ثالثاً: مهلة الاستئناف.
رابعاً: أثر الطعن على سير التحقيق.
المطلب الثاني: المرجع المختص للنظر في الطعن.
أولاً: صلاحيات قاضي الإحالة.
ثانياً: الأصول المتبعة أمام قاضي الإحالة.
ثالثاً: حق المدعى عليه في الطعن بقرارات قاضي الإحالة.
المبحث الثاني: مؤيدات التحقيق الابتدائي.
المطلب الأول: مسؤولية قاضي التحقيق.
أولاً: المسؤولية التأديبية والمدنية.
ثانياً: المسؤولية الجزائية.
المطلب الثاني: بطلان التحقيق الابتدائي.
أولاً: مذاهب البطلان.
ثانياً: أنواع البطلان.
ثالثاً: الدفع بالبطلان وآثاره.
الخاتمة.




المقدمة
"كلّ إنسان بريء حتّى تثبت إدانته بحكم قضائي مبرم"، هذه القاعدة القانونيّة البسيطة - وفي نفس الوقت عميقة المعنى والمدلول - تمثل جوهر وروح العدالة، حيث دأبت جميع الدساتير والنظم الجزائية المعاصرة إلى تبنّي هذه القاعدة وتكريسها.
فقد نصت المادة /11/ الفقرة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على:
{1- كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمَّن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه}.
وقد أخذ دستور الجمهورية العربية السورية بهذه القاعدة - مع غيرها من الضمانات التي كُرِّست لحماية الحرية الشخصية من تعسف السلطات - فقد نصّ في المادة الحادية والخمسون منه على:
{1- العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون.
2- كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم في محاكمة عادلة.
3- حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون. وتكفل الدولة المساعدة القضائية لغير القادرين وفقا للقانون.
4- يُحظَّر النصّ في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء.}

وعليه، فإنّه من حق كل متهم أن يتمتع بكافة الضمانات التي تكفل له الحفاظ على كرامته وحسن معاملته طوال فترة التحقيق والمحاكمة، سيراً على حقيقة أنه بريء مما يسند إليه من تهم، إلى أن يحكم عليه بحكم مبرم إما بالبراءة وإما بالإدانة.
ولقد خصصت بحثي هذا، لدراسة الضمانات التي يتمتع بها المدعى عليه في مرحلة التحقيق الابتدائي، حيث قسمت البحث إلى ثلاثة فصول:
الأول: تمهيدي؛ بحثت فيه تطور نظم الاتهام والتحقيق عبر التاريخ، وعن مفهوم التحقيق الابتدائي.
الثاني: موضوعي، تحدثت فيه عن الضمانات المتعلقة بأصول التحقيق وإجراءاته.
الثالث: موضوعي، تحدثت فيه عن الضمانات المتعلقة بنتائج التحقيق ومؤيداته.



فصل تمهيدي
لمحة تاريخية:
لا بد لنا في المقام الأول من التعريف بالتطور التاريخي، الذي مرّ به ما نطلق عليه في يومنا هذا "أصول المحاكمات الجزائية" بشكل عام، والتحقيق الابتدائي بشكل خاص.
نستطيع أن نقسم المراحل التي مر بها التحقيق في الجرائم إلى ثلاث مراحل تاريخية بارزة؛ وهي:
المبحث الأول
(النظام الاتهامي)
يعد النظام الاتهامي من أقدم الأنظمة الإجرائية، وقد ظهر في الوقت الذي لم تنتظم وتتبلور السلطة القضائية فيه بشكل واضح ومستقل، تستطيع فيه أن تكون مؤسسة قائمة بحد ذاتها، ذلك أن الجريمة في هذه المرحلة كانت لا تزال تعتبر جريمة خاصة، ينصب أذاها على المجني عليه وحده، أو من تأثر بها من الأشخاص الآخرين، ولهم وحدهم الحق في رفع الدعوى - أو بعبارة أدق "التشكّي" - أمام الشخص الذي ينتخبه الخصوم ليقوم بالحكم بينهم في جلسات علنية، فيقوم كل طرف بإلقاء حججه ودفوعه بين يدي الحَكم المختار، ليقوم هذا الأخير بالموازنة بين دفوع الطرفين والحكم وفقاً لقناعته. وهنا كانت المحاكمة ملكاً للخصوم وحدهم، لا تنازعهم فيها أي سلطة أخرى.
ولا بد من الإشارة إلى انه في ظل هذا النظام كان عبء إثبات البراءة يقع على كاهل المتهم وحده؛ حيث يقوم بالبحث عن الأدلة التي تنفي عنه التهمة، الأمر الذي يستدعي أن يكون حراً طليقاً، كي يتمكن من البحث والاستقصاء عن الأدلة التي تثبت براءته.
كما وأنه، ولكون الجريمة في هذه المرحلة تعتبر تعدٍّ على شخص المجني عليه فقط دون أن تشكل جريمة بحق المجتمع، فإن مرحلة التحقيق الابتدائي لم يكن لها وجود. وأبرز ما يميز هذا النظام هو أن القاضي المنتخب كان يمارس عملية التحقيق والمحاكمة معاً. وكانت هذه الإجراءات تتصف بأنها:
 حضوريّة: أي أن التحقيق والمحاكمة يكون بمواجهة الخصوم.
شفهية: بمعنى أنها لم تكن تدوّن، بل تباشر إجراءاتها مشافهة.
علنية: كونها كانت تنعقد في أماكن عامة وعلى الملأ.
ملك للخصوم: أي أنها لا تنعقد إلا إذا قام المجني عليه بالتشكي.
لا وجود تمثيل للدولة: وهي نتيجة حتمية للمبدأ السابق.
المبحث الثاني
(النظام التحقيقي)
تزامن ظهور النظام التحقيقي مع ظهور الدولة القوية المركزية، ومع ارتقاء الفقه القانوني للمجتمعات في نظرته إلى الجريمة، باعتبارها عدواناً يمس المجتمع في مجموعه، واتجاه الدولة إلى تنظيم وفرض سلطانها على كامل المجتمع، الأمر الذي يستدعي وجود نظام قضائي قوي وقادر على فرض قانون الدولة على شعبها.
ونتيجة لذلك، كان لا بد من ظهور النظام التحقيقي، كون الدولة قد أصبحت في هذه المرحلة التاريخية أحد أطراف النزاع، لا بل الطرف الأساسي والقوي فيه، فأصبحت تتمثل في الدعوى عن طريق وكلاء ينوبون عنها، فظهرت فكرة النيابة العامة باعتبارها سلطة اتهام. وفي هذه المرحلة ونتيجة لاعتبار الجريمة اعتداء يقع على الدولة التي تدعي تمثيلها للمجتمع، فقد أصبحت الخصومة الجزائية تباشر عن طريق مجموعة من الإجراءات، تتخذها سلطة تابعة للدولة، حيث لم تعد الدعوى ملكاً خالصاً للخصوم، كما في المرحلة السابقة.
حيث أصبح ديدن الدولة هو الوصول إلى الحقيقة، بغض النظر عن الطريقة، حتى ولو استعملت وسائل من شأنها المساس بحرية المتهم: كإيداعهم أماكن التوقيف؛ أو التي من شأنها أن تمس كرامتهم: كاستعمال القوة والتعذيب لانتزاع الاعتراف، كما وقد أصبحت إجراءات التحقيق تتم بصورة سرية، على عكس المرحلة السابقة. وأهم ما كانت تتصف به الإجراءات في هذا النظام:
السرية: والمقصود هنا الإجراءات التحقيقية فهي أصبحت تتم بصورة سرية.
الكتابة: إذ أن التدوين أصبح من الشروط المطلوبة وذلك لكي تتمكن الدولة من مراقبة ممثليها ونوابها في الدعاوى.
عموميّتها: فتقام باسم الملك والمجتمع، وهذا نتيجة حتمية للمبدأ (الجريمة هي اعتداء على المجتمع قبل أن تكون اعتداء على الفرد). وقد كانت تفصل الدعاوى دون تأمين حدّ أدنى من الضمانات، التي تخوّل المتهم أن يدافع عن نفسه.
المبحث الثالث
(النظام المختلط)
لقد نشأ هذا النظام بسبب التطرف الذي شاب اتجاه النظامين السابقين، لجهة منح الأفضليّة لأحد أطراف الدعوى الجزائية على حساب الأخر.
فالنظام الاتهامي لا ينسجم مع التنظيم الحديث للدولة، إذ أنه جعل مسؤولية البحث عن الأدلة بيد المتهم نفسه، هذا المتهم الضعيف الذي لا يملك لا السلطة ولا الإمكانيات التي تمكنه من البحث والاستدلال، ولا القدرة على إجبار الغير على مساعدته.
أما النظام التحقيقي فهو لم يقم وزناً للحرية الفردية، كون هدفه الأساسي كان الوصول إلى الحقيقة بغض النظر عن الوسيلة، لذلك فقد قام بتغليب المصلحة العامة على الخاصة، واستعمل الكثير من الأساليب غير المتحضرة في سبيل تحقيق هذه الغاية.
لذلك كله، فقد جاء النظام المختلط ليأخذ أفضل ما لدى النظامين السابقين، فأخذ من النظام الاتهامي مبدأ شفهية المرافعات وعلنية الإجراءات التحقيقية في مرحلة المحاكمة، ومباشرتها بحضور الخصوم.
وأخذ من النظام التحقيقي دور النيابة العامة في تحريك الدعوى الجزائية ومباشرتها، ولكن دون أن يلغي تماماً دور الأطراف الأخرى في ذلك؛ كما أخذ بفكرة القاضي المؤهل.
وتتمثل ملامح هذا النظام في أنه يُخضِع مرحلة التحقيق للنظام السرّي التحقيقي، ويختار لمرحلة المحاكمة النظام الاتهامي. وقد أخذ المشرِّع السوري بهذا النظام، وأسقطه على قانون أصول المحاكمات الجزائية.
وأخيراً، لا بد لنا قبل الخوض في غمار هذا البحث، أن نبيّن معنى التحقيق الابتدائي:
فالتحقيق الابتدائي ذو ماهيتين، الأولى: واسعة، تشمل جميع الأعمال التي تجري منذ كشف الجريمة، وحتى إحالتها إلى قضاء الحكم، أي جميع أعمال التحريّ والاستدلال وجمع المعلومات، التي تقوم بها الضابطتين العدلية والإدارية، ومن ثم التحقيق فالإحالة. والماهية الثانية: ضيّقة: تقتصر على أعمال قضاة التحقيق والإحالة.
وسوف أعمل في بحثي هذا، على دراسة المعنى الضيق لمرحلة التحقيق الابتدائي، لتبيان الضمانات التي يتمتع بها المدعى عليه في هذه المرحلة.
المبحث الرابع:
(مفهوم التحقيق الابتدائي)
وقد عرفه الدكتور عبد الوهاب حومد قائلاً: {التحقيق الابتدائي هو الذي يقوم به قضاة التحقيق وقضاة الإحالة، ويشمل جميع الأعمال التي يقومون بها، وهي الإجراءات المتخذة من قبلهم ابتداءَ من الشكوى وانتهاءً بالقرار الذي يصدرونه بإحالة المدعى عليه للمحاكمة أو بمنعها عنه؛ ومن هذه الإجراءات التدابير التي من شأنها إثبات الجريمة وماهيتها وكيفية ارتكابها، وكذلك الاستجواب وسماع الشهود ومعاينة مكان ارتكاب الجريمة وتفتيش البيوت وإصدار مذكرات التوقيف وإخلاء السبيل بحق أو بكفالة}.
وعيه، يمكن القول أنّ التحقيق الابتدائي هو "مجموعة الإجراءات، التي تباشرها سلطة التحقيق قبل مرحلة المحاكمة، بغرض الوقوف على مدى مناسبة وصلاحية عرض أمر المتهم على القضاء، من الناحية القانونية"

تعليقات