القائمة الرئيسية

الصفحات



توثيق التصرفات العقارية في مدونة الحقوق العينية

توثيق التصرفات العقارية في مدونة الحقوق العينية 

إعداد الطالب الباحث:
لعبيد محمد ياسين


تحت إشراف الأستاذ:
الدكتور محمد المهدي رمح
أستاذ التعليم العالي بكلية الشريعة بفاس، ونائب عميد كلية الشريعة في البحث العلمي والتعاون.

أعضاء لجنة المناقشة

الأستـاذ الدكتــور: محمد المهدي رمــح رئيسا ومشرفا
الأستاذة الدكتــورة: فاطــمــة مـلــول عضوا
الأستـاذ الدكتـــور: عبد المجيد الكتاني عضوا

تاريخ المناقشة: الجمعة 11 محرم 1435ﻫ الموافق 15 نونبر 2013م


نتيجة المناقشة: قبول الرسالة ومنح صاحبها درجة: 18/20.


انطلقت المناقشة يوم الجمعة في حدود الساعة الرابعة مساء بحضور مجموعة من الطلبة الباحثين وغيرهم من المهتمين بالشأن القانوني، بالإضافة إلى بعض أفراد عائلة الطالب الباحث وأصدقائه.

وقد ترأس هذه المناقشة الدكتور محمد المهدي رمح الذي قدم العمل وصاحبه، وتحدث عن ظروف إنجاز العمل وأثنى عليه، ثم أعطى الكلمة للطالب الباحث ليقدم ملخصا عن عمله، وبعد ذلك تناول الكلمة الأستاذان المناقشان ليُجمِعا على قيمة العمل وجِدّتِه وجدّيته، وليقدما ملاحظاتهم وانتقاداتهم واقتراحهم بخصوصه.

كلمة الطالب الباحث، وهو بصدد تقديم رسالته:

الحمد لله ذي الجلال والإكرام، الذي أنزل القرآن ووضع الميزان، وأوضح لعباده سبيل الأقضية والأحكام، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد إمام المرسلين المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

اسمحوا لي بداية أن أتقدم بخالص شكري وفائق تقديري لفضيلة الأستاذ الدكتور: "محمد المهدي رمح" على تفضله بقبول الإشراف على هذا العمل، وتتبعه بكل عناية واهتمام طيلة مدة إنجازه، بالتوجيه والتصويب والتقويم والتسديد، فله مني كل المودة والتقدير.

كما أتوجه بالشكر والثناء وفائق الاحترام والتقدير للأستاذين الجليلين: الدكتورة "فاطمة ملول"؛ والدكتور "عبد المجيد الكتاني" على تحملهما عناء قراءة هذا البحث وقبول مناقشته، حرصا منهما على خدمة العلم وأهله.

ولا يفوتني أيضا توجيه تحية عطرة وشكر خالص لكل الأساتذة الذين أشرفوا على تأطيري في وحدة "أحكام العقار في الفقه المالكي والقانون المغربي"، وفي مقدمتهم منسق الماستر الأستاذ الدكتور: "عبد السلام الزياني"، وأيضا لكل من ساعدني ـ من قريب أو بعيد ـ على إنجاز هذا البحث، فلهم مني جميعا كل الاحترام والتقدير والاعتراف بالجميل.


السياق العام للموضوع

تم تسجيل هذا الموضوع في شهر أبريل من هذه السنة بعنوان "توثيق التصرفات العقارية على ضوء مدونة الحقوق العينية"، وذلك في إطار إعداد بحث نهاية التكوين في سلك الماستر يكون منسجما مع عنوان الوحدة "أحكام العقار في الفقه المالكي والقانون المغربي".

وقد جاء اختيار هذا الموضوع في إطار الحراك المستمر الذي يعرفه مجال العقار على مستوى توثيق التصرفات الواردة عليه، حيث إن عجلة الإصلاح لم تتوقف، خاصة في المحطات الإصلاحية الكبرى وهي:

* القانون: 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية.

* قوانين الأصفار؛ القانون:  00.18المتعلق بالملكية المشتركة للعقارات المبنية، والقانون:  00.44 المتعلق ببيع العقارات في طور الإنجاز، والقانون: 00.51 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار.

* القانون:  03.16المتعلق بخطة العدالة.


* الظهير الشريف رقم: 1.09.236 المتعلق بمدونة الأوقاف.

* القانون: 07.14 المتعلق بالتحفيظ العقاري، المغير والمتمم لظهير 09 رمضان 1331ﻫ  (12 غشت 1913).

* القانون رقم: 08.39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.

* القانون رقم: 09.32 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق.

أهمية  الموضوع

يكتسي موضوع "توثيق التصرفات العقارية على ضوء مدونة الحقوق العينية" أهمية كبرى يمكن الوقوف عليها من خلال الآتي:
أولا: أهمية البحث في علم التوثيق الذي يحتل مكانة متميزة بين العلوم في القديم والحديث، جاء في تبصرة الحكام لابن فرحون ( ت799ﻫ): " فهي صناعة جليلة شريفة وبضاعة عالية منيفة تحتوي على ضبط أمور الناس على القوانين الشرعية وحفظ دماء المسلمين وأموالهم، والاطلاع على أسرارهم وأحوالهم، ومجالسة الملوك والاطلاع على أمورهم وعيالهم، وبغير هذه الصناعة لا ينال أحد ذلك ولا يسلك هذه المسالك "[1].
وقال الإمام الونشريسي ( ت914ﻫ) رحمه الله: " اعلم أن علم الوثائق من أجل العلوم قدرا وأعلاها إنابة وخطرا؛ إذ بها تثبت الحقوق، ويتميز الحر من الرقيق، ويتوثق بها، ولهذا سميت معانيها وثاقا "[2].
ثانيا: جِدّة هذه الدراسة والتي عملت على توحيد الأحكام المطبقة بشأن العقار المحفظ وغير المحفظ، وفرض ضرورة إبرام التصرفات العقارية في شكل محرر رسمي؛ أو محرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض.
ثالثا: رصد مظاهر القوة ومكامن الخلل في محتوى القانون محل الدراسة، وتجميع ومناقشة الحلول والاقتراحات المطروحة في هذا المجال.

إشكاليات الموضوع ومناهج دراسته

قبل صدور مدونة الحقوق العينية، كان النظام التوثيقي المغربي يطرح مجموعة من الإشكالات من بينها الإشكال الذي كان يثيره الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود[3] حول شكلية الكتابة في العقود العقارية، وعدم تحديد الأشخاص والجهات المخول لها كتابة هذا النوع من العقود.
لذلك فالإشكالية الرئيسة التي تمت معالجتها في هذا البحث، تتمحور أساسا حول أهم الضمانات التوثيقية التي جاءت بها مدونة الحقوق العينية لتجاوز الإشكالات التي كان يطرحها النظام التوثيقي السابق.
وعليه أتساءل: ماهي المستجدات التي جاء بها القانون محل الدراسة فيما يخص نظام التوثيق؟ وما مدى نجاعتها وفعاليتها؟
أين تتجلى مكامن القصور في هذه المقتضيات؟ وإلى أي حد كان المشرع المغربي موفقا في تنظيمه لمجال توثيق العقود العقارية في إطار هذا القانون؟
مجموع هذه التساؤلات وغيرها هو ما حاولت بحثه في هذه الدراسة المتواضعة معتمدا في ذلك خليطا من المناهج العلمية، ترجع أساسا إلى المنهج الوصفي عندما يقتضي المقام عرض النصوص القانونية والمواقف الفقهية والأحكام القضائية كما هي دون زيادة أو نقصان، ثم المزاوجة بينه وبين منهج آخر يكون تارة المنهج التأصيلي أو الاستقرائي وذلك عندما يقتضي الأمر جمع شتات جزئيات متشابهة تحت قاعدة عامة تنطبق عليها؛ وتارة أخرى يكون المنهج التحليلي أو الاستنباطي وذلك عندما يقتضي الأمر دراسة القواعد العامة وفهمها جيدا، ومعرفة شروط تطبيقها والآثار المترتبة عن تطبيقها على الجزئية المعروضة، ونادرا ما كنت أعتمد المنهج التاريخي وذلك عندما أود رصد النظام التشريعي الذي كان مطبقا في زمن مضى وموازنته بنظيره في الحاضر، مع استثمار المنهج المقارن الأفقي في بعض الأحيان لأصل إلى النظام المناسب الذي يصلح لحل المشكلة موضوع المقارنة.
أضف إلى هذا عدم اقتصاري في هذا البحث على الجانب النظري الصرف، بل كنت بين الفينة والأخرى أسعى إلى تطعيمه بكل ما توافر لدي من أحكام وقرارات قضائية، محاولا بذلك الوقوف على مواقف القضاء بخصوص جزئية ما، على اعتبار أنها تعكس مدى قابلية النصوص النظرية للتطبيق في واقع معين.

خطة البحث

لقد تمت مقاربة هذا الموضوع وفق خطة ترتكز على مقدمة وفصلين وخاتمة.
خصصت المقدمة للتعريف بموضوع البحث وبيان أهميته والسياق العام الذي جاء فيه، وإبراز دوافع اختياره، ثم تحديد إشكاليته الرئيسة مع الأسئلة المتفرعة عنها، وأخيرا الحديث عن المنهج المعتمد لدراسته  ثم الإعلان عن التصميم.
أما الفصل الأول من البحث والذي عنونته ب: "مستجدات توثيق التصرفات العقارية في مدونة الحقوق العينية"، فتتشكل بنيته من مبحثين:
المبحث الأول حول إقرار المشرع رسمية العقود في التصرفات العقارية، تناولت فيه مدلول مبدإ رسمية العقود وأهميته، ثم لنطاق تطبيق هذا المبدإ في إطار مدونة الحقوق العينية في مطلب أول؛ وفي مطلب ثان بينت شروط صحة المحرر الرسمي وجزاء تخلفها، ثم تعرضت لحجية المحرر الرسمي في توثيق التصرفات العقارية وكيفية الطعن فيه.
أما المبحث الثاني فتم فيه تحديد الجهات المخول لها توثيق التصرفات العقارية؛ وهم محررو العقود الرسمية "الموثقون العدول والموثقون العصريون"، ومحررو العقود الثابتة التاريخ، ويتعلق الأمر هنا بالمحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض.
وقد حاولت في فقرات هذا المبحث أن أبين الاختصاص النوعي والمكاني لكل جهة على حدة، مع الالتزامات والواجبات الملقاة على عاتقها فيما يخص توثيق التصرفات العقارية.
وبالنسبة للفصل الثاني من هذا البحث فحاولت أن أبين فيه "مظاهر القصور في المستجدات المنظمة لتوثيق التصرفات العقارية"، وذلك في مبحثين:
المبحث الأول في بيان مظاهر القصور المتعلقة بالمحررات الموثقة؛ ذلك أن المستجدات التي جاءت بها مدونة الحقوق العينية تطرح العديد من الإشكالات القانونية والعملية، والتي تكشف عن بعض جوانب القصور في هاته المدونة العقارية الجديدة، لعل أهمها: عدم تحديد المشرع لمفهوم وطبيعة المحرر الثابت التاريخ، (المطلب الأول)، وأيضا عدم تعرض المشرع لشكل جديد من وسائل الإثبات والمتمثل في المحررات الإلكترونية، نظرا للتطور الحاصل في الثورة التقنية والتي مست ميدان المعاملات العقارية، (المطلب الثاني).
أما المبحث الثاني فخصصته لإبراز مظاهر القصور المتعلقة بالجهات المؤهلة لتوثيق العقود؛ إذ المتمعن في المقتضيات الجديدة سيرى بأن المشرع المغربي لم يكن موفقا لا من الناحية القانونية ولا من الناحية الواقعية.
فمن الناحية القانونية نجد التعارض قائما في بعض مقتضيات مدونة الحقوق العينية مع ما تسطره أحكام بعض القوانين الأخرى، كما أنها أدت إلى إقصاء بعض المهنيين من إبرام هذا النوع من العقود، (المطلب الأول).
أما من الناحية الواقعية، فإن المشرع المغربي لم يتنبأ للآثار السلبية التي يمكن أن تنتج أثناء تطبيق هذه المقتضيات الجديدة، مثل تقييد حرية المحامي المخول له كتابة المحرر الثابت التاريخ، عندما فرض المشرع ضرورة المصادقة على توقيعات الأطراف من لدن السلطات المختصة، وممارسة التزوير في المحررات من ذوي النيات السيئة، (المطلب الثاني).

ثم أنهيت هذا البحث بخاتمة مركزة ـ أسأل الله حسنها ـ، وقد تضمنت أهم الملاحظات والمؤاخذات المتوصل إليها في هذا البحث، وأهمها:
غلبة طابع الغموض واللبس بخصوص المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، والتي لم تحسم في طبيعة المحرر الثابت التاريخ، والمقصود منه.
تمييز المادة الرابعة بين المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض وباقي المحامين.
إقصاء بعض المهن من تحرير العقود العقارية، خاصة منهم ذوو الشهادات العلمية في الحقوق والشريعة ممن يؤهلهم تكوينهم العلمي للقيام بهذه المهمة، ودون مراعاة الجانب الاجتماعي لفئة عريضة منهم كالكتاب العموميين.
عدم مواكبة بعض المؤسسات التي خول لها القانون إبرام العقود الرسمية  للمستجدات القانونية في مجال المعاملات العقارية، كمؤسسة التوثيق العدلي.
الإغراق في الرسمية وفي المبادئ التقليدية للتوثيق، والذي نتج عنه الحرمان من ميزات ثورة الاتصال، حيث تم إغفال الحديث عن المحرر الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني في مدونة الحقوق العينية.

وعلى إثر هذه الملاحظات أتقدم ببعض الاقتراحات عساها تفتح الآفاق لما هو آت، وأبرزها:

تعديل مقتضيات المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية بتحديد المقصود من طبيعة المحرر الثابت التاريخ؛ وذلك سدًّا لباب التأويلات التي ستؤدي إلى تضارب الآراء بهذا الخصوص.
وضع إطار قانوني لضبط وتنظيم المهن المقصية من تحرير العقود، وإدماجهم ضمن الجهات المخول لها توثيق التصرفات العقارية.
إعادة النظر في البناء الشكلي والموضوعي للوثيقة العدلية، حتى تكون في مستوى التحديات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية.
اعتماد التكوين المستمر للموثقين العدول؛ حتى يكونوا على اطّلاع بمختلف المستجدات القانونية والفقهية، مواكبين لمختلف المعاملات العقارية، وفي مستوى المسؤولية التي حملهم إياها المشرع في إطار مدونة الحقوق العينية.
التخفيف من تكلفة التوثيق العصري بشكل يجعله في متناول كل الفئات المعنية بالعقار والتصرفات الواردة عليه.
منح الاختصاص فيما يتعلق بالتعريف بإمضاء المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض لنقيب هيئة المحامين، وليس لرئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية.
وضع مرسوم تطبيقي لمدونة الحقوق العينية لا سيما فيما يتعلق بالمادة الرابعة، لتحديد العقود التي يحررها المحامي بدقة، وكذا بيان التزاماته وواجباته بشأن إنشاء هذه العقود وتلقيها حماية للأطراف.
إعادة النظر في قانون الالتزامات والعقود والقانون المتعلق بخطة العدالة وقانون المحاماة، وتعديلها تعديلا يساير مستجدات مدونة الحقوق العينية؛ لخلق الانسجام وتجاوز التناقض الحاصل بينها.

وفي ختام كلمة الطالب الباحث، أعرب مجددا عن شكره وامتنانه للسادة الأساتذة أعضاء لجنة المناقشة على تحملهم عناء قراءة وتصحيح هذا العمل، والذي لا يتصف بالكمال العلمي والتنظير الشمولي، بقدر ما هو محاولة متواضعة وبسيطة من طالب باحث قليل الزاد وفي بداية مشواره العلمي؛ معلنا في الأخير عن استعداده التام ورغبته الأكيدة في الأخذ بملاحظاتهم وتصويباتهم بما يخدم غايات البحث ومقاصده.

                                                                  والسلام عليكم

1- القاضي ابن فرحون، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، الطبعة الأولى 1406ﻫ/1986م،ج1، ص188.
1- أبو العباس الونشريسي، المنهج الفائق والمنهل الرائق والمعنى اللائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1418ﻫ/1998م، ص: 375.
2- ينص الفصل 489 على أنه: "إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء يمكن رهنها رهنا رسميا، وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ، ولا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون".

تعليقات