القائمة الرئيسية

الصفحات



الإثــراء بلا سـبـــــــب أحكامـــــــــه وتطبـــيقاته في القانون المدني الجزائري pdf



الإثــراء بلا سـبـــــــب أحكامـــــــــه  وتطبـــيقاتهفي القانون المدني الجزائري






   إن من بين مصادر الالتزام غير الإدارية التي نصت عليها مختلف التشريعات الحديثة، الإثراء بلا سبب أو ما يعرف بالكسب غير المشروع أو الفعل النافع، فكما أن الفعل الضار يستوجب التعويض إذا أّلحــق ضرر بالغير، كذلك الإثراء بلا سبب إلى جانب التطبيقين الهامين له، وهما الفضالـــة والدفــع غير المستحق(1) .
    ويقصد بالإثراء بلا سبب، أن كل من نال أو أثري من عمل الغير أو من شيء له منفعة، ولو بحسن نية ودون سبب قانوني فإنه يلتزم بأن يرد لهذا الغير قدر ما أثري به، وفي حدود ما لحقه من خسـارة. 
     وإن فكرة الإثراء بل سبب فكرة قديمة، ذات صلة بقواعد العدالــة والقانون الطبيعـي، إذ وجدت منذ العهـد الروماني، وكانت تكتسي طابعا أخلاقيا، غير أنها لم تصبح قاعدة مستقلة كمصدر من مصادر الالتزام، إلا بعد عدة تطبيقات غير متصلة الأجزاء.
     أما في القانون الفرنسي القديم، فلم يكن لقاعدة الإثراء بلا سبب تطبيقا شامـلا بل اقتصر تطبيقهـا على بعض دعاوى استرداد غير المستحق، والفضالة من خلال المادتين (1371،1381) وفي القانون الفرنسي الـحديث فقـد وردت هـذه القـاعدة تـحت عنوان الأفعـال التـي تقــع بمحض إرادة الإنســان أو مـا يسمـى بأشباه العقود، (les faits purement volontaires de l'homme) وقد لعب فـي ذلك الفقيهين"أوبري" و" رو" (Aubry et Raw) دورا بارزا في بلــورة القاعدة، رغم بقائهـا مقيدة بقيـدي الدعوى الاحتياطية  واشترط بقاء الإثراء قائما وقت رفع الدعوى.
     أما الفقه الإسلامي، فإن كان أوسع ما يعترف به هو الدفع غير المستحق فإنـه كقاعدة عامة لا يقـرن بالإثراء بلا سبب إلا في حالات معينة، أما الفضالة فلا يعترف بها أصلا، على أساس أن عمل الفضولي لا يعد مصدرا للالتزام بل يعتبر من قبيل التبرع.
     هذا ولقد اختلف الفقهاء في تأصيل قاعدة الإثراء بلا سبب، حيث تـم ربطها في البداية بنظرية الفضالـة.(le gestion d'affaires irrégulière)  فاعتبرت أنها فضالة ناقصة فالفضولي يجب عليه أن يقصد تدبير شؤون رب العمل، فإذا انـعدم  هذا القصد أو أنه تولى شؤون غيره رغم إرادته، اختل ركن من أركان الفضالة، ويترتب علــى ذلك أن المفتقر لا يسترد كالفضولي كل المصروفات النافعة والضروريـة، بل يسترد قيمتي الإثراء للغير وافتقـاره، غير أن هــذه المحاولة لم تنجح، لأن الأصل أن تكون الفضالة تطبيقا للإثراء بلا سبب وليس العكس.





   كما حاول جانب من الفقه، رد قاعدة الإثراء بلا سبب إلـى العمل غير المشروع فاعتبر أن من أثري على حساب غيره، لا يجوز له أن يحتفظ بما أثري به، وإلا عّد مرتكبا لخطأ يجعله يسأل علــى أساس المسؤولية التقصيرية.

(1)- أورد المشرع الجزائري،الإثراء بلا سبب، والدفع غير المستحق، والفضالة تحت عنوان شبه العقود، فأخلط بذلك بين المبدأ وتطبيقه والظاهر        من النصوص تقول ذهبية حامق أنه يعتبر كل منهم كمصادر مستقلة من مصادر الالتزام.
-01-

      وقد ذهب فريق ثالث بزعامة الأستاذين "روبير" و "تسيير" إلـى  إسناد قاعدة الإثراء بـلا سبب إلـى نظرية تحمل التبعة، التي مؤداها أن من كان نشاطه مصدرا لغرم تحمل تبعته، وأن الغنم المستحدث ما هو إلا الوجه الآخر للغرم المستحدث، بيد أن هذا الاتجاه لا يستقيم، ذلك أن الرجوع على الغير في هذه الحالة يكون بما أثري به، وليس بأقل القيمتين فيؤدي ذلك إلى عدم ضرورة شرط الافتقار بالنسبة للدائن.
     ومهما يكن من خلاف فإن قاعدة الإثراء بلا سبب، قاعدة قائمة بذاتها وهـي مصدر مستقل من مصـادر الالتزام، تستند إلى قواعد العدالـة ويتفرع عنها الدفع غير المستحق والفضالة، وهو مـا ذهبت إليه جل التشريعـات الحديثة.
     والمشرع الجزائري تأثر بما وصل إليه الفقه الحديث بشأن مصادر الالتزام، حيث أورد المصـادر الإرادية والمتمثلة في العقد، والالتزام بالإرادة المنفردة (1) ، وكذا المصادر غير الإرادية والتي تتمثل في الفعل المستحق للتعويض، والقانون كمصدر مباشر للإلتزام، وشبه العقود، غير أنه لم يوضح هذا التقسيم في تبويبه لها، فقد أورد في الفصل الرابع من القانون المدني شبه العقود ضمن ثلاثة أقسـام وهي الإثــراء بلا سبب ( م 141- 142 ق م) والدفع غير المستحق من ( م 143-
 149ق م) والفضالة ( م 156 – 159  ق م) ، وذلك دون أن يفصل بين القاعدة في الإثراء بلا سبب وتطبيقها.
      ولقد سلطنا الضوء لمعالجة هذا الموضوع لعدة أسباب موضوعية وذاتية نظرا لأهمية موضوع الإثراء بلا سبب، وتطبيقاته في القانون المدني الجزائري على ضوء الممارسة القضائيـة، والذي لــم يحظ بالدراسة الكافية وبالتطبيق اللازم أو السليم له، إذ طغت عليه الدعاوى الناشئة عـن مصـادر الالـتزام الأخرى وهو ما لاحظناه من خلال تربصاتنا الميدانية لدى الجهات القضائية، هذا من جهة ومن جهة ثانية فإنه في ظل التطورات الحاصلة على الصعيد التشريعي و الاقتصادي بات إعطاء قاعدة الإثراء بلا سبب مكانتها أمر جد ضروري، إذ يلاحظ أنه لا تكاد تخلوا أغلب المنازعات المطروحة علـى القضاء من هذه القاعدة وتطبيقاتها، إلى جانب ذلك فإن النصوص المتعلقة بها تحتاج إلى تبيـان.






       وبناءا عليه فإن دراسة هذا الموضوع تطرح أكثر من تساؤل سيما في إطـار مـا ذهب إليـه المشرع الجزائري عندما أخلط بين القاعدة وتطبيقها وأورد الكل تحت عنوان " شبـه العقود " الذي في حد ذاته لا يعد سليما، ورغم أنه استدرك الأمر بالنسبة للالتزام بالإرادة المنفردة، فأضافه في التعديل الجديد إلا انه لم يفعل ذلك بشأن الإثراء بلا سبب، إذ من المفروض أن  مصادر الالتزام تتمثل في الواقعة القانونية والتي تنقسم إلى تصرف قانوني والى واقعة ماديـة(2)

       والإشكالية التي تنبني عليها دراستنا هي ما مضمون القاعدة العامة للإثراء بلا سبب ؟ وما هي أحكامهـا وتطبيقاتها في ظل القانون المدني الجزائـري ؟
        وفي إطار إجابتنا على الإشكالية المطروحـة ولمعالجة الموضوع سنعتمد في بحثنا على أسلوب استقراء النصوص القانونية، مع التحليل المدعم بالأمثلـة، وكـذا المقارنة من حين لآخر مع التشريعين الفرنسي والمصري لتقاربهما مع التشريع الجزائري، ولإمكانيـة الاستفادة من تطبيقاتهـا الـقضائية التي لا تتعارض مع نصوصنـا وموقف المحكمة العليا.
        ولإعطاء أكثر تفاصيل حول الموضوع سنتناول دراستنا هذه في فصلين، نخصص الأول لدراسة القاعدة العامة في الإثراء بلا سبب والثاني لدراسة تطبيقاتها، ويتضمن الفصل الأول مبحثين نـعالج فـي الأول أركان الإثراء بلا سبب وفي الثاني أحكامه المتمثلة في الدعوى والتعويض، أما الفصل الثاني نقسمه أيضا إلى مبحثين نتناول في الأول الدفع غير المستحق، شروطه، وأحكامه وفي الثانـي نتكلم عن الفضالــة  أركانها، وأحكامها، ونختم دراستنا بإبداء بعض الملاحظات.


تعليقات