القائمة الرئيسية

الصفحات



أحكام الشفعة الأستاذ أمبارك بوطلحة


أحكام الشفعة
الأستاذ امبارك بوطلحة
رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بالرباط
أستاذ بالمعهد العالي للقضاء

مقدمة




إن الشفعة هي استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه ولو جبرا، وهذا الحق بطبيعته استثنائي لأنه قيد على حرية التعاقد، فهو نوع من نزع الملكية لمنفعة خصوصية لذلك يضع دائما الفقهاء باب الشفعة عقب باب الغصب ويذكرون وجه الشبه بينهما، ففي كل منهما تملك مال الغير برضائه وعمدوا إلى تخفيف وطأته بالتشدد في شروطها والتوسع في مسقطاتها، فأقرو بأن الشفيع بمجرد علمه بالبيع يجب عليه أن يعلن فورا في الأخذ بها، وأن يشهد على رغبته هذه، وشرعت لرفع ضرر الشركة سواء الحقيقي أو المفترض من قيام حالة شياع وتعدد المالكين وتجنب ضرر القسمة، وهي تحول دون تشتت الملكية .
 وتحديد طبيعة حق الشفعة لقي خلافا بين الفقهاء والباحثين، فيما إذا كان حقا عينيا أو شخصيا أو مجرد رخصة، وقد بسط هذه الآراء الفقيه الدكتور أحمد عبد الرزاق السنهوري الذي خلص إلى أنها سبب من أسباب كسب الملكية واعتبرها المشرع في المادة 292 من مدونة الحقوق العينية حق ثابت لكل من يملك على الشياع في أخذ الحصة المبيعة من المشتري بعد أداء الثمن والمصروفات.
فالشفعة تخضع لمدونة الحقوق العينية باعتباره مصدرها التشريعي والفقه المالكي الذي يعد سندا أساسيا ومرجعا تاريخيا لهذا الحق.
وأحكام الشفعة متعددة ودقيقة بين أقوال وفتاوي الفقهاء والقضاة، وتشكل ثراء فكريا وحقوقيا، ولا يمكن الإلمام به، إلا أننا سنحاول معالجة أهم النقط المطروحة للنقاش والتي عرضت على أنظار المحاكم وتثير إشكالا وجدلا متباينا بغاية الوصول إلى فهم مشترك لها، وتشمل أحكام وموجبات الشفعة وهي وإن اختصرها المشرع في مدونة الحقوق العينية، إلا أن الفقه المالكي يضل مصدرا لا غنى عنه لفهمها.
لذا فإننا سنتناول الموضوع كما يلي:
المبحث الأول: موجبات الشفعة
المبحث الثاني: اليمين الشرعية في الشفعة
المبحث الأول: موجبات الشفعة
إن الحديث في موجبات الشفعة وشروطها يطول، وقد أفرد الفقهاء المصنفات في ذلك وبحثوا في كل أمر صغير وكبير وأفتى المفتون في النوازل المتعلقة بذلك وتباينت الآراء والأقوال والأحكام.
ولا يمكن حصر موجباتها وأركانها ومسقطاتها لكن من خلال التشريع والعمل القضائي نحاول التطرق إلى الموجبات الضرورية التي لها ارتباطا بالواقع القانوني والعملي، وذلك من خلال ثلاث نقط نتناول فيها تباعا شروط الشفيع، والتصرف الموجب للشفعة، ثم أجل الشفعة، وإجراءات ممارستها، وأخيرا مسقطاتها.




أولا: شروط الشفيع
إن حق ممارسة الشفعة يثبت لكل مالك على الشياع، والقسمة الاستغلالية لا تزيل حالة الشياع ويشترط في الشفيع تمام الأهلية، وهو ما يطرح معه السؤال حول جواز شفعة القاصر، وقد سئل القاضي أبو عبد الله بن عبد الوهاب الشريف عن المحجور إذا أراد أن يأخذ بالشفعة بعد زوال حجره فأجاب: المحجور الذي لا مال له وقت البيع، مذهب اللخمي أنه لا شفعة له وإن بلغ غنيا، وقال غيره: ينظر إن كان الأخذ أصلح له قضي له بها وإلا فلا، وكان من تقدمنا يعتمد قول اللخمي.
وللقاضي أن يجبر على الشفعة إذا أثبت السداد والنظر، والصغير إذا كان عديما يوم وجبت له، ثم بلغ غنيا ورادها يمكنه منها على ما جرى به العمل بفاس بناء على المعتبر يوم النظر وكذلك الوارث الصغير يتنزل منزلة مورثه إذا مات لأن من مات عن حق فلورثته وإلى ذلك أشار صاحب العمل
ووارث المحجور والمحجور                                          إن زال مـانع له ظهـور
إن قـام بالشفعة مكـن ولم                                        ينظر إلى الملأ قبل والعدم
وأشار العلامة الوزاني أن لا شفعة للصغير إلا إذا كان له مال يوم وجوبها ويضاف إلى ذلك خلال السنة لممارستها.
وفي نوازل محمد بن المدني كنون أنه نقل الزياتي في نوازله عن العلامة سيدي العربي بفاس أنه جرى العمل لما لابن رشيد ونظمه في العمليات، قال في الفتح الرباني بعد ذكره العمل المذكور ما نصه : لكن رأيت بخط سيدي ميارة شارح التحفة، فيما كتبه على نسخته من المتن ناقلا عن خط سيدي إبراهيم الجلالي ما نصه عن الشيخ اللخمي، ومن شروط الشفعة أن يكون الشفيع مليا يوم البيع، وكذلك إذا قدم الغائب البعيد يكلف بإثبات الغيبة أنه ملئ يوم البيع ومثله المحجور  عليه، ذكره الجزيري مجملا والشيخ بما ذكره اللخمي جرت الفتوى اليوم إهـ وقوله يوم البيع يعني داخل السنة ونظم ذلك سيدي ميارة بقوله :
وشرط من يشفع بعد العام                                            كقــادم ومهمـل الأيتـام
كونه ذا مـال يوم البيـع                                          ملكه في عام ذا البيع رووا
ومن المبادئ الفقهية في باب الشفعة أنه يجب أن يكون طالبها مالكا لجزء مشاع ولا نرى أن يكون حائزا فعليا، وإن كان المجلس الأعلى اعتبر في قرار رقم 176 أنه يجب لقبول طلب الشفعة أن يكون طالبها حائزا بالفعل للواجب الأصلي وقد علق عليه الأستاذ محمد الوافي العراقي بقوله "ما دام لم يثبت أنه يحوز واجبه الأصلي الذي يفسح له المجال ويعطيه الحق في طلب الأخذ بشفعة ما تناوله ذلك البيع، فإن طلب سابق لأوانه.
فالمطلوب أن يكون الشفيع مالكا على الشياع ولا تشير دواوين الفقه المالكي أن يكون حائزا فدعوى الشفعة ترمي إلى دفع ضرر الشريك الجديد وهو المشتري ولا داعي إلى إلزام الشفيع برفع دعوى الاستحقاق والتمكين، وقد يفوته أجل الشفعة.
 وتبعا لذلك أقر المجلس الأعلى في قرار حديث صدر في 1-12-99 أنه يكفي للشفيع أن يثبت تملكه للشقص الذي يشفع به دون اعتداد بحيازته الفعلية أو عدمها.
ويجب أن تكون ملكية الشفيع سابقة لقيام سبب الشفعة فإذا كان سبب الملكية لاحق على البيع موضوع الشفعة لا تجب الشفعة للمدعي.
وإذا كان العقار محفظا فإن الملكية تثبت لمن يكون مسجلا بالرسم العقاري ولا عبرة بتاريخ الشراء، أو حيازة المبيع، لأنه ليس مالكا بمفهوم الفصلين 65 و66 من ظهير التحفيظ العقاري.
ثانيا: قيام التصرف الموجب للشفعة
فقد نص الفقهاء في المذهب على ما تجب فيه الشفعة، فقد ذكر ابن عبد البر بقوله "وإنما الشفعة في المتاع من العقار كله الدور، والأرضي، والحوانيت والبساتين، والجنات، والكروم وكل ما يصلح فيه القسم، ويضرب فيه الحدود من الرباع والحوائط والأرض كلها، وما اتصل بها مما يثبت أصلا فيها. أما مدونة الحقوق العينية فإنها حصرت مجالها في المادة 298 فنصت على انها تكون الشفعة في العقارات سواء كانت قابلة للقسمة أم غير قابلة لها، وتكون في الحقوق العينية القابلة للتداول.
والتصرفات التي تكون موضوع الشفعة تختلف تبعا لطبيعة العقار، فإذا كان العقار محفظا فإن الشفعة تنصب على عقود العوض. فإذا أحجم المشتري عن تسجيل شراءه بالصك العقاري فإن الشفيع يجب عليه أن يطالب المشتري بتقييد شرائه بالرسم العقاري حتى يتمكن بدوره من تقييد الحكم باستحقاق الشفعة، ويستمد هذا الحق من القانون الذي يخول له أن يحل محل المشتري في أخذ الحصة المبيعة.
وإذا تعلق الأمر بعقار في طور التحفيظ أو غير محفظ فتخضع عقود البيع والمعاوضات للشفعة ولا تستثنى إلا التصرفات غير العوضية كالوصية والهبة والصدقة فالمشهور عند مالك أن الشفعة إنما تجب إذا كان انتقال الملك بعوض كالبيع والصلح والمهر..." فهي لا تشمل التبرعات ما لم يطعن فيها بشبهة البيع. وتكريسا لذلك نصت مدونة الحقوق العينية في المادة 303 على انه لا شفعة فيما فوت تبرعا ما لم يكن التبرع صوريا أو تحايلا، كما لا شفعة في الحصة الشائعة التي تقدم في صداق أو خلع.
وتثبت في هبة الثواب والإقالة والمناقصة والبيع مربوطا بشرط فاسخ وبيع الخيار عند إمضاءه والوعد بالبيع والعقد الابتدائي سواء اقترن بعربون أو لم يقترن، والعقد القابل للإبطال إذا أجيز والتصيير والمغارسة.
ولا تثبت الشفعة في العقد الباطل والوفاء بالمقابل والعقد الصوري ما لم يكن الشفيع سيء النية ومن يدعي ذلك يقع عليه الإثبات 
أما البيع بالمزاد العلني فإن المدونة حسمت في ذلك ولم تجز فيه الشفعة فنصت مدونة الحقوق العينية في المادة 302 على انه إذا بيعت الحصة المشاعة في المزاد العلني وفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون فلا يجوز أخذها بالشفعة.
ثالثا: أجل الشفعة
إن الحديث عن مدة الشفعة وسقوط حق الشفيع في ممارستها يرتبط بطبيعة الأجل كما يلي:
*االأجل في العقار المحفظ: نص المشرع في مدونة الحقوق العينية على آجالات يتعين ممارسة الشفعة فيها تحت طائلة سقوط الحق لمباشرتها، ولا يقبل أجل الإيقاف أو الانقطاع ولا تطبق عليه أحكام الفصل 381 من ق ل ع.
- أجل 30 يوما من التبليغ إلى الشفيع شخصيا وليس إلى أقربائه، وهكذا نصت المادة 304 من مدونة الحقوق العينية على أنه يمكن للمشتري بعد تقييد حقوقه في الرسم العقاري أو إيداعها في مطلب التحفيظ أن يبلغ نسخة من عقد شرائه إلى من له حق الشفعة، ولا يصح التبليغ إلا إذا توصل به شخصيا من له الحق فيها، ويسقط حق هذا الأخير إن لم يمارسه خلال أجل ثلاثين يوما كاملة من تاريخ التوصل.




ويتعين أن يتضمن التبليغ تحت طائلة البطلان بيانا عن هوية كل من البائع والمشتري، مع بيان عن الحصة المبيعة وثمنها والمصروفات ورقم الرسم العقاري أو مطلب التحفيظ
أو مراجع عقد التفويت.
- أجل السنة من تاريخ تقييد البيع في الرسم العقاري إن لم يقع هذا التبليغ أعلاه فإن حق الشفعة يسقط في جميع الأحوال بمضي سنة كاملة من تاريخ التقييد إذا كان العقار محفظا، أو الإيداع إذا كان العقار في طور التحفيظ، والعبرة هنا بالتقييد النهائي، فالتقييد الاحتياطي لا يلزم الشفيع لأنه قيد احتمالي ومعنى تقييد بالرسم العقاري لا ينسحب إلى التقييد بسجل الإيداع.
* الأجل في العقار غير المحفظ:
- أجل السنة: إن كان العقار غير محفظ فإن أجل الشفعة هو سنة من تاريخ العلم بالتصرف العوضي وذلك طبقا لما نصت عليه المادة 304 من مدونة الحقوق العينية، قال ابن عبد البر أن الشفعة المقيم سنة أو يتلوم له شيئا نحو شهر وما قرب منه وهو المشهور من المذهب، أجل سنة يتم من تاريخ العلم بالبيع لا من يوم العقد لقول المتحف ابن عاصم الغرناطي:
والترك للقيام فوق العام           ليسقط حقه مع المقام
ويشترط أن يكون حاضرا عالما بالبيع ولا يمنعه مانع وهو مذهب المدونة لسحنون.
ويأخذ الشفعة لأن الأصل عدم العلم لقول الشيخ خليل "وصدق أن أنكر علمه" أي علمه بالبيع وفي التحفة "وكذا ذو العذر لم يجد إليها منفذا".
قال التسولي إذا قام الحاضر بعد مضي السنة وأنكر علمه بالبيع فإنه يصدق بيمينه، ويسأل عن سبب سكوته ذلك أنه يحتمل أن يكون سكوته لعذر وإذا لم يثبت علم شفيع بحجة قاطعة وأنكر علمه فالقول قوله مع اليمين، والعلة هي العلم بالبيع وليس مضي المدة، وإن طالت هذه الأخيرة، فقد نص الفقهاء على أن الشفيع يصدق إذا ادعى أن المشفوع منه يتصرف ولا يعلم بأن تصرفه على وجه شراء إلا أن يكون تصرفه بالبناء أو الهدم وقطع الأشجار وتقدير القرائن مسألة يستقل بها قضاة الموضوع.
       ·أجل الأربع سنوات: وضع المشرع حدا أقصى لممارسة الشفعة في العقار غير المحفظ، بحيث لم يبق هذا الأجل مفتوحا إلى ما لا نهاية، وعليه فإن طلب الشفعة في العقار غير المحفظ يتقادم في جميع الحالات بأربع سنوات من تاريخ البيع.
والمجلس الأعلى كان قد أقر اجتهادا متواثرا في مجال  الأجل لأهميته وقيد المدة بأربعة سنوات في قرار بتاريخ 18-3-1986 جاء فيه "وحيث إن اعتماد هذا النص (قول الشيخ خليل) والقضاء بمقتضاه بعد مرور خمسة عشر عاما على عقد البيع المطلوب شفعته يشكل ضررا فادحا للطاعنة ذلك أنه يبعد كل البعد ألا يجعل العلم للشريك في عقار بظهور شريك جديد أصبح يملك معه طيلة هذه المدة وأنه ما علم به إلا ساعة قيامه برفع دعواه لاسيما في هذا العصر، وتحقيق العدالة وعملا بقول المشرع الأعظم لا ضرر ولا ضرار، فالذي يتعين العمل بمقتضاه في نوازل الشفعة التي يقام بطلب الأخذ بها بعد العام من تاريخ هذا البيع بدعوى عدم العلم بالنسبة لحاضر ومن في حكمه في عصرنا هذا، أن تحدد مدة القيام في أربعة أعوام من تاريخ البيع وهي مدة كافية لحصول العلم للشريك بظهور شريك جديد معه ولا يصدق فيما زاد عليها لاستبعاده وهذا الفقه أخذ به جماعة من أقطاب فقهاء المالكية وفي طليعتهم ابن عبد الحكم وابن المواز واقتصر عليه الباجي في كتابه لشرح موطأ الإمام مالك وابن رشد والقشتالي، الأمر الذي يستوجب القول بتقييد خليل وصدق إن أنكر علمه بما أجمع عليه هؤلاء المجتهدون" يعني يصدق القائم بيمينه إذا قام يطالب خارج سنة عقد البيع وداخل أربعة أعوام . وهذا الاجتهاد هو الذي كرسته المدونة الا انها قصرته على العقار المحفظ وقلصت المدة الى سنة فقط.
رابعا: إجراءات ممارسة الشفعة
 إن الشفيع ملزم بإيداع الثمن والمصروفات اللازمة والمعلومة قانونا كرسوم التقييد بالمحافظة العقارية والرسوم المؤداة في إطار تسجيل العقد لفائدة إدارة التسجيل والتنبر، والكل داخل الأجل القانوني، ويتم ذلك عمليا بعرض وإيداع المبالغ المذكورة على المشتري والتاريخ المعتبر في ذلك هو التاريخ الذي يتم التأشير عليه من طرف صندوق المحكمة، يعفى من العرض العيني إذا تعذر عليه التبليغ إلى المشتري، ويتم العرض والإيداع وفق المسطرة المنصوص عليها في الفصلين 172 و175 من قانون المسطرة المدنية.
وهذا الشرط أعاد المشرع التنصيص عليه في المادة 306 من مدونة الحقوق العينية بقوله يجب على من يرغب في الأخذ بالشفعة أن يقدم طلبا إلى رئيس المحكمة الابتدائية المختصة يعبر فيه عن رغبته في الأخذ بالشفعة، ويطلب فيه الإذن له بعرض الثمن والمصروفات الظاهرة للعقد عرضا حقيقيا ثم بإيداعهما في صندوق المحكمة عند رفض المشفوع منه للعرض العيني الحقيقي، وأن يقوم بكل ذلك داخل الأجل القانوني وإلا سقط حقه في الشفعة.
وهذا الأجل سمي عند الفقهاء أجل الاستفزار.
خامسا: مسقطات الشفعة
ومسقطات الشفعة هي المقاسمة والمساومة والشراء والمساقاة والإيجار وبيع الشفيع حصته وهدم وبناء المشتري أو غرسه ومن له الشفعة حاص عالم، بما قام به الشفيع من أعمال ومضى أجل الشفعة والتنازل عنها صراحة والأخذ بالشفعة للغير وإلى ذلك أشار الشيخ خليل "وسقطت إذ قاسم أو اشترى أو ساوم أو استأجر أو باع حصته أو سكت بهدم أو بناء... " وقد اختصرت مدونة الحقوق العينية في أسباب السقوط بقولها في المادة 311: "يسقط حق الشفيع في الأخذ بالشفعة:
- إذا تنازل عنها صراحة بشرط أن يحصل هذا التنازل بعد ثبوت حقه فيها؛
- إذا اشترى الحصة التي باعها شريكه من مشتريها أو قاسمه فيها؛
- إذا باع حصته التي يشفع بها، ولو كان لا يعلم أن شريكه قد باع حصته قبله."




المبحث الثاني: مسائل اليمين الشرعية في الشفعة
إن الحديث في هذا المبحث يقتضي أولا التطرق بإيجاز إلى اليمين الشرعية أو القانونية والمواضيع التي تتصل باليمين الشرعية عند عرض قضايا الشفعة بين المتخاصمين.
أولا: اليمين الشرعية
ثانيا: اليمين الشرعية في إثبات البيع
ثالثا: اليمين الشرعية عند إنكار العلم بالشراء
رابعا: اليمين الشرعية في اختلاف الثمن
خامسا: اليمين الشرعية بخصوص طبيعة العقد.



أولا: اليمين الشرعية
اليمين القانونية أو الشرعية إخبار عن أمر مع الإشهاد بالله تعالى على صدق الخبر من حيث تعلقها بإثبات أمر حاضر أو مضى، وقد تكون موضوع أمر مستقبلي كاليمين الدستورية
أو اليمين التي يؤدي الموظف قبل ممارسة عملهم إذا استوجبها القانون.
ويكون غرضها إنشاء العهد في ذاته وتسمى لدى فقهاء الشريعة «اليمين المنعقدة" ويكلف بها الشهود قبل تأدية شهادتهم، إشعار لهم بوجوب قول الحق، وهي إما قضائية أو غير قضائية وتشمل في القوانين الحديثة اليمين الحاسمة والمتممة والاستيثاق والتقويم.
قال الشيخ خليل "اليمين تحقيق ما لم يجب بذكر اسم الله أو صفته كبالله وأيم الله وحق الله والعزيز وعظمته وجلاله وإرادته وكفالته والقرآن والمصحف..." وهي تنعقد بأسماء الله وصفاته وفي ذلك قال الزقاق:
كجمع الدعاوي في يمين سوى التي*** ترد ومن يحلف بلا من له العلا
وقال ابن عاصم:
وما يقل حيث كان يحلف***فيه وبالله يكون الحلف
قال ابن جزي في قوانينه "في المحلوف به هو (بالله الذي لا إله إلا هو) ككل حلف في جميع الحقوق على المشهور وهي أربعة أنواع:
1-يمين المنكر على نفي الدعوى.
2-يمين المدعي على صحة الدعوى.
3-يمين المدعي مع شاهده.
4-يمين القضاء بعد ثبوت الحق على الغائب والمحجور، أما عند ابن عاصم فأنواعها هي:
وهي يمين تهمة أو القضا***أو منكر أو مع شاهد رضا


ثانيا: اليمين الشرعية في إثبات البيع
يتطلب لقيام الشفعة توفر شروطها وأهم ذلك ثبوت البيع الذي بمقتضاه باع أحد الشركاء ما يملك على الشياع، فعند ابن فتوح "إذا طلب الشفيع المبتاع بالشفعة عند السلطان فلا يقضي له بها حتى يثبت عنده البيع على الإشاعة والشركة وملك البائع ما باع من المبتاع".
وأكد ذلك للمجلس الأعلى في اجتهاداته أنه لا يحكم بين اثنين في مال ثالث.
فإذا وقع خلاف حول البيع فإنه إذا كان المبيع في حوزة البائع وأنكر هذا الأخير وأقر المبتاع بالشراء فلا شفعة. فإذا أنكر المشتري الشراء كان على الشفيع إثباته كما هو ثابت في المتون الفقهية.
ويحق للشفيع توجيه اليمين له وهي يمين الإنكار التي مع عدم أداءها يترتب عليها الحق للشفيع طبقا للقاعدة الفقهية "القول لمنكر العقد جماعا بيمينه." ولو أقر به البائع لما ذكره الشيخ خليل" أو أنكر المشتري الشراء وحلف وأقر به بائعه.
أما إذا أنكرا معا فلا شفعة، وأشار العلامة التسولي إلى أمر هام وهو إن ادعى البيع عليهما فأقر به أحدهما وأنكرا الآخر ولم يحلف فتجب الشفعة بلا يمين.
وإذا كان الشقص بيد المشتري فذلك قرينة على انتقال الملك ولا يتم إلا بسند فالقول قوله إن أشبه وإذا قال المشتري أنه اشترى مقسوما فيكلف بالإثبات لقول المتحف.
والمدعي لقسمة الثبات*** يؤمر في الأصح بالإثبات
غير أن الإمام اللخمي يرى فيما نقل عنه إبراهيم بن هلال في نوازله القول قول من ادعى ما كان عليه الأمر (الشركة) حتى يثبت غيره وهو ما أشار المهدي الوزاني في نوازل (مضيفا أنها رواية عن ابن القاسم إذا علم أن الأرض كانت مشتركة.)





ثالثا: اليمين الشرعية في نفي العلم بالشراء
إذا قام الحاضر (الشفيع) بعد مضي السنة وأنكر علمه بالبيع فإنه يصدق بيمينه ولو بعد مضي خمسة عشرة سنة أو أكثر، وقوله محمول على عدم العلم وهو قول ابن القاسم وأشهب حتى يثبت العلم بحجة قاطعة على ذلك، قال المتيطي هو ظاهر المذهب.
وعليه إذا أنكر علمه بالبيع ولم تقع حجة على ذلك وقد أشرنا أن المجلس الأعلى قيد هذا القول فيما أجمع عليه بعض المحققين في المذهب بحيث قصر المدة في أربع سنوات، وهو التوجه الذي أقرته مدونة الحقوق العينية في المادة 304 منها، وعليه فإذا مرت فإن أجل الشفعة ينقضي وتسقط، أما في غير هذا التوجه الجديد فإن الشفيع يستحق الشفعة بعد أدائه اليمين الشرعية على عدم العلم.
رابعا: اليمين الشرعية عند الاختلاف في الثمن
الأصل، أن العقود محمولة على الرضا وأن الثمن المسطر بالعقد هو المعتبر ما لم يقع دليل على وجود تدليس أو غش وهو الثمن الواجب عرضه إذا تعلق الأمر بعقار محفظ.
أما ما نحن بصدده، فيتعلق بالاختلاف في الثمن بين الشفيع والمشتري وليس لأحدهما بينه "فالقول قول المشتري مع الحلف وهو ما أشار له التسولي عند شرح قول الغرناطي.
وحيثما في ثمن الشقص اختلف***                           فالقول قول مشتر مع الحلف
غير أن ابن حبيب يرى ألا ينظر لقولهما ويقوم الشخص والمشهور القول الأول قال به شيخ خليل "وإذا اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري بيمينه في يشبه " وافتى الفقيه أبو حفص عمر الزيزي إذا اختلط حلفا ورد الثمن إلى الوسط وقال الإمام الونشريسي في نوازله القول قول المشتري لأنه ادعى عليه إلا أن يأتي بما لا يشبه إلى آخر ما ذكر واليمين مع تحقيق الدعوى متفق عليها، "وإذا قامت له بينة لا يحلف وهو ما أشار له صاحب التلقين القاضي محمد بن عبد الوهاب.
وإذا طال خصامهما ووقعت الغلة ثم حكم بالشفعة فالغلة للمشتري، وإذا اختلف البائع والمشتري في الثمن فلا شفعة حتى تنتهي الدعوى بينهما ويتحدد الثمن.

خامسا: اليمين الشرعية المتعلقة بالثمن المسطر بالعقد
إذا ثبت الشراء في دعوى الشفعة، غير أن الثمن المسطر بالرسم اختلف فيه، بحيث دفع الشفيع، أن الثمن المذكور غير حقيقي وأنه صوري.
فيجوز للشفيع تحليف المشتري بيمين التهمة من أن الثمن ظاهره كباطنه لا تدليس فيه ولو كان الثمن مدفوعا بالمعاينة ولا يحلف المشتري حتى يلزم الأخذ بالشفعة وإلى ذلك أشار صاحب العمل المطلق.
إذا الشفيع اتهم المبتاع أن ***يكون في الإعلان زاد في الثمن
فبوجوب حلفه قد افتـيا*** ولو رأى الدفع العدول الاتقيا
وأجاب العلامة أبا عبد الله سيدي محمد القوري، أما مسألة الشفعة فلا يمين فيها على المبتاع، لأن اليمين في الباب مبني على التهمة، وقد حصل ما ينفي الاتهام، ويجنبه الدفع بالمعاينة والمطالبة بذلك القدر والمحاسبة به لأنه يقبض للغير، والفتيا في غير هذه وجوب اليمين، ولو حصل الدفع بمعاينة عدلين، وهذا إن اتهما أن يزيدا في الثمن، ولا تقلب اليمين لكثرة تحيل الناس ولفساد الناس، صرح بذلك الشيخ اللخمي في مواضع من تبصرته وهو في المائة الخامسة، فكيف لو أدرك زماننا نعم يستثنى من ذلك المبرز في العدالة المنقطع الصلاح والخير فلا يحلف، وأنى هو اليوم إنما هو في وقتنا كالغراب الأعلم بين الغربان، ولا نعطف عليه بأي تعليق في عصرنا هذا.



سادسا: اليمين الشرعية بخصوص ماهية العقد
من شروط ممارسة الشفعة انتقال الملك من البائع إلى المشتري بعوض، ذلك أن الثابت في دواوين الفقه المالكي أنه لا شفعة في التبرعات كالصدقة والهبة لغير ثواب، إذا كانت حقيقة ولا لبس فيها، أما إذا حفت بها القرائن الدالة على صورية العقد، بغاية تفويت الشفعة على من له الحق فيها، فإن الفقهاء أوجبوا الشفعة للشفيع لمعاملة الشريك بنقيض قصده، وجاء في المعيار أنه سئل أبو عمر ابن المكوي الاشبيلي عن مسألة نزلت سبتة وهي إذ ذلك من عمل صاحب الأندلس، وذلك أن الفقيه يحي بن تمام من أهلها اشترى حصة من حمام فيه شريك وأشهد البائع للفقيه يحي بن تمام في الظاهر، أنه تصدق عليه ليقطع بذلك الشفعة فقام الشريك يطلب الشفعة فأجاب فقهاء سبتة بعدم الشفعة، وقال الشفيع للقاضي لا أرضى إلا بفتوى فقهاء الحضرة فرفع إليهم السؤال على وجهه وافتى أبي عمر : هذه من حيل الفجار، وأرى الشفعة واجبه فلما رأى ابن تمام جوابه هذا قال هذا عقاب لا يضار تحت جناحيه والحق خير وما قيل هات المال وخذ حمامك، وقال الشيخ ميارة في شرح التحفة، وما أجاب به ابن المكوي من وجوب الشفعة هو الظاهر والمتعين عندما تقوم القرائن على كذب المتبرع وبهذا أفتى العلامة المهدي الوزاني  فأجاب "الحمد لله لا شفعة في التبرعات على المشهور والعمل الذي نص عليه الزقاق قد نسخ كما قاله الشارح، وانظر شرح سيدي محمد بن القاسم لعمليات أبي زيد الفاسي، وقد صرح أبو علي بن رحال بأن القضاء بوجوب اليمين على المتصدق عليه ونحوه وما زال العمل –منذ أدركنا- بهذا، على أن مستند عمل الزقاق فتوى ابن المكوي وهو إنما أفتى بذلك في نازلة احتقت بها قرائن تكذب دعوى التبرع لا مطلق، ونحن نقول اليوم بما أفتى به إن وجد شرطه توافر قرائن قوية تكذب دعوى التبرع كما صرح بذلك شيخنا الإمام ابن سودة.
وقال العلامة التسولي أن قول ابن المكوي تقييد للمذهب عند شرح قول الناظم الغرناطي.
ومن له الشفعة فيما يدعي                                        بيعا للشقص حيز بالتبرع
فما ادعـاه فعليه البـينة                                               وخصمه بيمينه معينة
وللأخذ بالشفعة لابد من إثبات التوليج بالنسبة للعقد، ومعلوم أن التوليج ثلاثة أنواع:
1-التوليج المعلوم
2-التوليج مظنون
3-التوليج الموهوم
ويثبت التوليج بإقرار المشتري لا البائع أو بينة أو حجة دالة عليه لما أشار له الزقاق.
ويثبت توبيخ بإقرار مشتر                                         وبينه إن لم تفسر قيل لا
ويثبت كذلك بالقرائن والملابسات القوية وهكذا جاء في قرار المجلس الأعلى رقم 758:
" لما هو مقرر في أن التوليج كما يثبت بالإقرار والبينة يثبت بما يرتقي إلى مستواهما من القرائن القوية الدالة عليه بوضوح".
ويستطيع الشفيع إثبات التوليج أو الصورية بسائر وسائل الإثبات ما دام لم يكن طرفا في العقد، ويستقل قضاة الموضوع بتقدير ذلك لتعلق الأمر بفهم الواقع ويشترط أن تكون الأدلة التي أسس عليها الحكم سائغة وتؤدي إلى نتيجة مقبولة.
وتجب اليمين على المشتري لرفع التهمة وبهذا أفتى أبو إبراهيم يلح بدون يمين دون نظر إلى حال، وقال جرى العمل عندهم بمثل هذا ومثله للشيخ التاودي مقيدا به قول التحفة لابن عاصم.
 واليمين التي توجه للمشتري يمين التهمة لا ترد قال الغرناطي:
وتهمة إن قويت بها تجب                                        يمين متهوم وليست تقلب
قال التسولي في شرحه البهجة "وظاهره أيضا أنه (أي المشتري) يحلف ولو عاينت البينة دفعه وهو الظاهر والمعتمد عليه ويتعين العمل بمقتضاه لأنه مع الميل قد يدفعه (المشتري) إليه ليرده إليه وينفي باليمين عنه.
والمشهور والذي وقفنا عليه أن المشتري يؤدي اليمين لنفي تهمة التواطؤ مع البائع وإن كان بعض الفقهاء لا يرون وجوبها في التوليج الموهوم لما نقل عن الزقاق.
وإلا فلا لكن يحلف إن جرى                                      نزاع بتوليج وميل تحصلا
واليمين التي تأمر بها المحاكم في هذه الحالات غالبا ما يكون الحكم معلقا عليها مع الإشارة إلى تطبيق قاعدة النكول في حالة التي تكون اليمين تتعلق بها ويتخذ نكول صور متعددة ذكرها ابن شاس " وإذا قال المدعى عليه لا أحلف أو أنا نأكل أو قال للمدعي أحلف أنت وتمادى على الامتناع فقد تم نكوله ويؤدي اليمين عندئذ المدعي أما إن نكل فذلك تصديق للناكل الأول طبق القاعدة الفقهية "النكول بالنكول تصديق للناكل الأول".
ونرى أن الحكم المعلق على اليمين صحيح استنادا إلى أحكام الفقه المالكي والمتون الفقهية التي تشكل مرجعا تاريخيا في مادة الشفعة سواء تعلق الأمر بالعقار غير المحفظ أو طور التحفيظ أو العقار المحفظ ولا يعد خرق للقانون، إذا كان معلقا عليها كما ذهب إلى ذلك المجلس الأعلى في القرار عدد 205 الصادر في 30-10-1980 مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 28، ذلك أن المشرع المغربي نص في الفصل 449 من قانون المسطرة المدنية أنه إذا كان التنفيذ معلق على تأدية يمين أو تقديم ضمان من قبل الدائن فلا يبدأ قبل إثبات القيام بذلك، الأمر الذي يفيد أنه يمكن تعليق تنفيذ الحكم على أداء اليمين المحكوم بها.

تعليقات