القائمة الرئيسية

الصفحات



التعرضات على مسطرة التحفيظ العقاري الأستاذ رضا بلحسين


التعرضات على مسطرة التحفيظ العقاري

الأستاذ رضا بلحسين
رئيس المحكمة الابتدائية بميدلت
أستاذ بالمعهد العالي للقضاء






مقدمة
يتمثل الهدف العام للتحفيظ، حسب المادة الأولى من ظهير التحفيظ العقاري في جعل العقار المحفظ خاضعا للنظام المقرر في قانون التحفيظ العقاري من غير أن يكون في الإمكان إخراجه منه فيما بعد.
وعليه فإن تأسيس الرسم العقاري يرتب أثرا تطهيريا للعقار من كل الحقوق السابقة على عملية التحفيظ، وذلك حسب القاعدة المقررة في الفصلين 1 و62 من ظهير التحفيظ العقاري، حيث تنص الفقرة الثانية من الفصل 1 المذكور حرفيا على مايلي:
" تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطلان ماعداه من الرسوم، وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به.
كما نص الفصل 62 من ذات القانون على مايلي:
" ان الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن، ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق الغير المقيدة."
واعتبارا لخطورة الأثر الناجم عن تأسيس الرسم العقاري، فإن المشرع أقر آلية لكل من يدعي حقا على العقار موضوع مطلب التحفيظ تمكنه من حماية حقه من خلال ممارسته للتعرض على مطلب التحفيظ.
فالتعرض إذن هو إجراء مسطري خاص يهدف إلى الحيلولة دون إتمام إجراءات التحفيظ خلال الآجال القانونية المقررة، لأن المتعرض يهدف إلى المطالبة بحق الملكية أو بأحد الحقوق المتفرعة عنه.
وانطلاقا من هذا المفهوم فإن أسئلة عدة تطرح حول هذه المسطرة منها:
لمن يثبت حق التعرض؟ وضد من يمارس؟ وماهو شكله ومؤيداته؟ وماهي أنواعه وآجاله؟ وما طبيعة الأجل المحدد لتقديم التعرض؟ هل هو أجل سقوط أم أنه أجل يجوز تمديده؟ وماهي صلاحيات محكمة التحفيظ؟
تساؤلات سنحاول أن نجيب عنها من خلال نقطتين نتناول في الأولى مسطرة التعرض على مطلب التحفيظ وفي الثانية البت في مسطرة التعرض على مطلب التحفيظ






أولا: مسطرة التعرض على مطلب التحفيظ
القاعدة طبقا للفصل 24 من ظهير التحفيظ العقاري أنه: " يمكن لكل شخص أن يتدخل عن طريق التعرض في أعمال التحفيظ ".
ولا يثبت حق التعرض إلا في الحالات الآتية:
حالة النزاع في وجود حق الملكية لطالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق أو بشأن حدود العقار.
       في حالة الادعاء باستحقاق حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري الذي سيقع تأسيسه.
             في حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من هذا القانون.
ويمارس التعرض ضد طالب التحفيظ وحده دون غيره، وتكون له أي المتعرض-صفة المدعي، ومن تم يكون هو الطرف الملزم بالإثبات.
وتثار من الناحية العملية بعض الإشكالات المرتبطة بممارسة التعرض، أولها هل يمكن أن يتحول طالب التحفيظ إلى متعرض في حالة ثبوت صحة تعرض هذا الأخير؟ الجواب أنه لا يجوز ذلك لأنه يواجه بحجية الحكم السابق بينهما.
أما الإشكال الثاني فيرتبط بوضعية الحقوق المكتسبة أثناء التحفيظ، ذلك أن طالب التحفيظ قد يفوت حقوقه للغير أثناء جريان مسطرة التحفيظ، وهنا نكون أمام فرضيتين:
- الفرضية الأولى: حالة الفصل 83 نشر الخلاصة الإصلاحية (يتخذ صفة طالب التحفيظ) وفي حالة وجود تعرضات من الأفضل اختيار هذه المسطرة.
- الفرضية الثانية: حالة الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري، حيث يتم إيداع عقد البيع في سجل التعرضات، وبالتالي يتم الاحتفاظ بالرتبة في مواجهة الجميع بعد تأسيس الرسم العقاري من تاريخ الإيداع، وعليه ففي حالة عدم وجود أي تعرض فالأفضل اختيار هذه الطريقة قصد ربح الوقت والاستفادة من الإجراءات السابقة.
ولا يلزم لصحة التعرض أن يقدم وفق شكل كتابي، لأنه يمكن تقديمه بواسطة تصريح كتابي أو بواسطة تصريح شفوي إما للمحافظ العقاري، وإما للمهندس المساح الطبوغرافي المنتدب أثناء إجراء التحديد بعين المكان، والسند التشريعي في ذلك هو مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 25 من ظ ت ع التي نصت حرفيا على ما يلي:
ويتضمن التعرض مجموعة من البيانات الإسم الكامل والعنوان والصفة بالأصالة أم بالنيابة وتعيين الموطن المختار وبيان العقار المتعرض عليه وتحديد نطاق التعرض.
ويتعين على المتعرض أن يتأكد من أن مطلب التحفيظ الذي ينوي التعرض بشأنه لم يدخل عليه أي تغيير بعد إيداعه بسبب وجود مطلب تعديلي، لأن كل مطلب تعديلي يكون موضوع نشر بالجريدة الرسمية وتفتح بشأنه آجال جديدة للتعرض، وبهذا فإن آخر مطلب تعديلي هو الذي يجب أن يكون موضوع التعرض حتى لا تضيع حقوقه لاحقا.
ولصحة التعرض يجب أن يدلي المتعرض بالوثائق قبل انصرام أجل الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض تحت طائلة اعتبار التعرض ملغى. (الفصل 25 و32 من ظهير التحفيظ العقاري).
وقد حدد المشرع بدقة أجل التعرض من خلال الفصلين 24 و27 من ظهير التحفيظ العقاري، بحيث يمكن أن يقدم إما قبل نشر التحديد المؤقت بالجريدة الرسمية، وإما داخل أجل شهرين من تاريخ نشر الإعلان عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية.
وقد أعطى المشرع بصفة استثنائية بمقتضى الفصل 29 من ظ ت ع اختصاصا حصريا للمحافظ وحده لقبول التعرضات خارج الأجل شريطة ألا يكون الملف قد وجه إلى المحكمة الابتدائية، وأن يثبت المتعرض الأسباب التي منعته من التعرض والإدلاء بالوثائق المؤيدة للتعرض وأداء الرسوم أو الإدلاء بما يفيد حصوله على المساعدة القضائية، فإذا رفض المحافظ التعرض الاستثنائي فإن قراره يكون غير قابل للطعن القضائي.




والشرط الأخير اللازم لصحة التعرض شكلا هو أداء الرسوم القضائية الواجبة على التعرض، وذلك بناء على الفقرة 3 من الفصل 25 من ظهير التحفيظ العقاري التي نصت على ما يلي:
"يجب على المتعرض أن يؤدي الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يدلي بما يفيد حصوله على المساعدة القضائية وذلك قبل انصرام أجل الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض."
وفي حالة عدم استيفاء هذا الإجراء داخل الأجل المذكور يترتب عنه إلغاء التعرض طبقا الفصل 32 من ظ ت ع.
ونشير ختاما إلى أنه في حالة التعرضات المتبادلة بين مطلبين للتحفيظ الناتجة عن تداخل بينهما، لا يؤدى عنها الرسوم القضائية أو حقوق المرافعة (الفقرة 3 من الفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري).
 ثانيا: مسطرة البت في التعرضات
يحدد الفصل 37 من ظ ت ع نطاق اختصاص قضاء التحفيظ العقاري، فقد جاء فيه مايلي:
" المحكمة تبت في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين وطبيعته ومشتملاته ونطاقه وتحيل الأطراف للعمل بقرارها بعد اكتسابه لقوة الشيء المقضي به على المحافظ العقاري".
وقد استخلص الاجتهاد القضائي قاعدة مفادها أن محكمة التحفيظ لا يمكنها البت إلا في حدود وادعاءات المتعرضين في مواجهة طلب التحفيظ وبالتالي ليس من اختصاص المحكمة النظر في الحقوق المزعومة من طرف طالب التحفيظ والتقرير بشأنها لأن ذلك يدخل في صلاحية المحافظ على الأملاك العقارية وحده، كما أنها لا تختص النظر في حقوق المتعرضين فيما بينهم.
 كما استخلص العمل القضائي أن المتعرض هو المدعي وبالتالي يقع عليه عبء الإثبات. أي إن طلب التحفيظ يعطي لصاحبه صفة المدعى عليه وهو لذلك غير ملزم بالإدلاء بحجة حتى يدعم المتعرض تعرضه بحجة قوية وأن المتعرض في مادة التحفيظ هو المدعي وهو من يجب عليه إثبات ما يدعيه، وأن حجج طالب التحفيظ باعتباره مدعى عليه لا تناقش إلا إذا أدلى المتعرض بحجة قوية تؤيد تعرضه.
وللإشارة فإن المحكمة لا تنظر في الشق المتعلق بالشكل في قضايا التعرضات، لأن المحافظ هو الذي قبل التعرض وأحاله على القضاء للبت في موضوع بصحته أو عدم صحته.


تعليقات