القائمة الرئيسية

الصفحات



أسباب كسب الملكية : العـــقـــــد.

أسباب كسب الملكية :
العـــقـــــد







يقصد بالعقد المكتسب للملكية ما يتوقف على إرادتين كالبيع، وما يتم بإرادة واحدة كالهبة والصدقة، ويمكن تعريف العقد بأنه تراضي الطرفين، أو التعبير عن الإرادة بما يدل على نقل الحق الذي للشخص على شيء معين إلى شخص آخر.
ويرى الفقهاء أن مجرد تراضي الطرفين في العقد يجعله قائما وينتج أثره في المعقود عليه مباشرة ودون أي إجراء آخر، وذلك كما هو الشأن في البيع، حيث إن تراضي البائع والمشتري على الثمن والمثمن وشروط البيع ينتج نقل الملكية فيصبح موضوع العقد مملوكا للمشتري من غير حاجة إلى أي إجراء آخر، مهما كانت الطريقة التي تم بها التراضي، وكيفما كانت الصيغة التي أعرب بها الطرفان عن إرادتهما ، وفي هذا يقول الشيخ خليل:  ( ينعقد البيع بما يدل على  الرضى) ويقول المقري في كلياته ( كل عقد فالمعتبر في انعقاده ما يدل على معناه لا صيغة مخصوصة) وهذا يعني أنه إذا ثبت تراضي الطرفين على العقد فإنه ينتج أثره بالنسبة للطرفين أنفسهما وبالنسبة للغير من غير توقف على شكل معين، أو إجراءات خاصة.
أما في القانون فإن القاعدة العامة تقضي أيضا بأن العقد يتم بمجرد تراضي الطرفين، سواء كان متعلقا بمنقول أو بعقار، وفي هذا يقول الفصل 488 من قانون الالتزامات والعقود " يكون البيع تاما بمجرد تراضي عاقديه أحدهما بالبيع والآخر بالشراء وباتفاقهما على المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى " ويصرح الفصل 491 بما يلي: " يكسب المشتري بقوة القانون ملكية الشيء بمجرد تمام العقد بتراضي طرفيه.
ويستثنى من هذه القاعدة العقود التي تتعلق بعقار محفظ أو بمنقول خاضع للتسجيل كالسيارات والسفن والطائرات ، والمحلات التجارية المسجلة في السجل التجاري، حيث إن القانون يفرض أن تأتي التصرفات الواقعة عليها في شكل معين، كما أنه ينص على أن هذه التصرفات لا يكون لها أي أثر إلا إذا سجلت في السجل المعد لذلك، وابتداء من تاريخ ذلك التسجيل.
1)            ففيما يتعلق بالشكلية: ينص الفصل 489 التزامات وعقود على أن البيع الوارد على عقار أو حقوق عقارية أو أشياء يمكن أن ترهن رهنا رسميا يجب أن يجري كتابة في محرر ثابت التاريخ، ومعلوم أن العقار الذي يمكن رهنه رهنا رسميا هو العقار المحفظ، كما أن المراد بالأشياء الأخرى التي يمكن رهنها رهنا رسميا هو السيارات والطائرات والسفن، والمحلات التجارية المسجلة في السجل التجاري.
وهذا يعني أن البيع (ومثله أي تصرف يقصد به إحداث حق عيني أو نقله) إذا ورد على عقار محفظ أو منقول خاضع للتسجيل لا يتم بمجرد تراضي طرفيه، بل لابد أن يأتي هذا التراضي في شكل معين، وهو الكتابة في محرر ثابت التاريخ، وإلا لم يكن له أي أثر ولو بين الطرفين أنفسهما. وهذه الشكلية ضرورية في هذه الحالة، لأن التصرف الواقع على عقار محفظ أو منقول له سجل خاص، لابد أن يسجل في السجل المعد لذلك، ولا يمكن تسجيله إلا إذا كان مكتوبا.




2)            وفيما يتعلق بالتسجيل يقضي القانون بأن كل تصرف يرد على عقار محفظ أو حق عيني عقاري محفظ لا يكون له أي أثر بين الأطراف وبالنسبة للغير إلا من يوم تسجيله في السجل العقاري، " الفصل 67 من ظهيره 09 رمضان"  بل إن القانون يعتبر التصرف الوارد على عقار أو حق عيني عقاري غير موجود مادام لم يسجل " الفصل 66 من الظهير المذكور".
وهذا يعني أن بيع أو نقل الحق العين الواقع على عقار محفظ " ومثله الواقع على منقول خاضع للتسجيل" لا يعتبر وحده سببا لكسب الملكية إلى المشتري أو المتصرف إليه بل لابد من تسجيله.
وبهذا يمكننا أن نقول إن العقد الذي يكون سببا لنقل ملكية العقار المحفظ والمنقول الخاضع للتسجيل لابد أن يتوفر على  الركنين التاليين إضافة إلى الأركان الأخرى.
-       الشكلية التي تتمثل في الكتابة في محرر ثابت التاريخ.
-       التسجيل في الرسم العقاري أو السجل المعد للمنقول.
وينبني على هذا أنه إذا لم يتوفر العقد على الشكلية المطلوبة فلا يكون للعقد أي أثر ولو بين الأطراف .
وإذا توافر على الشكلية وحدها، فإنه لا يكون سببا في كسب الحق وإنما يقتصر أثره على إنشاء التزام في ذمة المتصرف بالعمل على نقل ملكية الحق العيني موضوع ذلك العقد إلى المتصرف إليه. ولا تنتقل هذه الملكية فعلا إلا بتسجيل العقد في السجل المعد لذلك، ولذلك لا يحق لهذا المشتري أن يضع يده  على العقار الذي اشتراه قبل أن يسجل شراءه ، ولا أن يطالب بتمكينه منه، ولا من غلته، وحتى إّذا وضع يده على ذلك العقار فإن من حق المالك أن يطالب بالحكم بطرده، ولهذا كله يكون مكن مصلحة المستفيد من ذلك العقد أن يبادر إلى تسجيله ليكتسب ذلك الحق وليمكن الاحتجاج به أمام الجميع.
فإن لم يتمكن من ذلك التسجيل لسبب من الأسباب، كما إذا كان البائع غير مذكور في الرسم العقاري موضوع العقد أو كان ذلك العقار مثقلا برهن رسمي، أو كان ذلك العقد نفسه يحتوي على ما يجعله غير قابل للتسجيل ، فإن من حق المشتري أن يلزم البائع- ولو عن طريق القضاء- بأن يقوم بتنفيذ ما التزم به من نقل الملكية، وذلك بالعمل على تمكينه من تسجيل عقده عن طريق إزالة المانع الذي حال بينه وبين التسجيل، مع الحكم عليه بالتعويض عن الأضرار التي أصابت هذا المشتري بعدم تمكنه من بتسجيل في الوقت المناسب ويمكنه في هذه الحالة أن يطالب بالإجراءات التحفظية التي تحمي حقه من خطر تفويته كالحجز التحفظي أو القيد الاحتياطي.
وبهذا يتبين أن التسجيل في الرسم العقاري وفي السجل المعد للمنقولات هو السبب في كسب ملكية الحقوق الخاضعة للتسجيل، مما يعني أن المشتري مثلا لا يعتبر مالكا للحق الذي اشتراه من يوم إبرام عقد الشراء، وإنما يصبح مالكا ابتداء من يوم تسجيل عقد شرائه ذاك، ولهذا لو فرضنا أن المالك لعقار محفظ باع عقاره هذا لشخص بمقتضى عقد، ثم باعه أو وهبه لشخص آخر بمقتضى عقد ثان، فإن الذي يكسب ملكية ذلك العقار هو الذي سجل شراءه في الرسم العقاري ، ولو كان تاريخ عقده متأخرا عن العقد الآخر، وإن كان يحق للمشتري الأول فيما إذا لم يتمكن من تسجيل شرائه بسبب مبادرة المشتري الثاني إلى تسجيل عقده أن يطلب التشطيب على ذلك التسجيل فيما إذا أثبت أن المشتري الثاني تواطأ مع البائع ليحولا بينه وبين تسجيل شرائه، أو أثبت أن ذلك الشراء المسجل مجرد شراء صوري، وبطبيعة الحال فإن المشتري الذي سجل شراءه يعتبر هو المالك لذلك العقار مادام لم يتم ذلك التشطيب .
هكذا ومن خلال ما سبق يجب إذ نعالج العقد كسبب مكسب للملكية والحقوق العينية الأخرى أن نميز بين أن يكون العقد منصبا على منقول أو على عقار غير محفظ أو على عقار محفظ  لاختلاف الحكم في مختلف هذه الحالات.
أولا: العقد المنصب على منقول:
إذا كان الشيء الذي يرد عليه العقد منقولا، وجب التمييز بين الشيء المعين بالذات والشيء الذي لم يعين إلا بنوعه، ومن المبادئ العامة أن العقد ينقل من تلقاء نفسه الملكية وغيرها من الحقوق العينية في المنقول متى ورد على شيء معين بالذات يمكله المتعاقد، وذلك سواء فيما بين الطرفين المتعاقدين أم بالنسبة للغير، لذا نرى المشرع المغربي يعتبر البيع منعقدا ومنتجا آثاره بمجرد تراضي طرفيه، ( الفصل 488  من قانون الالتزامات والعقود) كما يطبق نفس المبدأ على عقد المعاوضة (الفقرة الأولى من الفصل 620).
أما إذا ورد العقد على منقول لم يعين إلا بنوعه كبيع مائة كيلو من اللوز  أو عشرة أطنان من القمح أو السكر، فإن ملكية هذا المنقول لا تنتقل  إلا بإفرازه، ولو قبل التسليم .
فلو أن شخصا باع إلى شخص آخر عشرين إردبا من القمح معادلة للمقدار المحدد في عقد البيع يقصد تسليمها إلى المشتري، ومن ثم يصبح المبيع شيئا معينا بالذات، فتنتقل ملكيته بالإفراز دون حاجة إلى التسليم فالقاعدة إذن في العقود التي يكون محلها منقولا معينا بذاته، أن الملكية تنتقل بمجرد التعاقد سواء فيما بين المتعاقدين أم بالنسبة للكافة.
على أنه يستثنى من مبدأ انتقال ملكية المنقول بالعقد المركبات الهوائية والسيارات والسفن التي يتوقف نقل ملكيتها تجاه الغير على تسجيل العقد الناقل للملكية في سجل خاص معد لذلك.
ثانيا: العقد المنصب على عقار غير محفظ
إذا انصب العقد على عقار غير محفظ، فهو يتطلب حتى يكون ناقلا للملكية بين المتعاقدين أو إزاء الغير، أن تتوافر فيه بعض الشروط:
أ. فيما يتعلق بالمتعاقدين يتوقف نقل ملكية العقار غير المحفظ  أو الحقوق العينية المترتبة عليه، على تنظيم عقد كتابي في محرر ثابت التاريخ، وهذا ما أوضحه المشرع المغربي في الفصل 489 من قانون الإلتزامات والعقود بالنسبة للبيع حيث ورد أن المبيع" إذا كان عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا وجب ان يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ" وهو ما أكده في الفصل 620 ق.ل.ع بالنسبة للمعاوضة  حيث أحال على أحكام الفصل 489.
ب. وفيما يتعلق بالغير لا تنتقل الملكية إلا ذا سجل العقد  في الشكل المحدد بمقتضى القانون على ما ورد عليه النص صراحة في الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود بالنسبة للبيع والفصل 620 بالنسبة للمعاوضة، فلابد إذن كي تسري العقود المتضمنة نقل ملكية عقار غير محفظ أو بصورة أعم نقل الحقوق العينية المترتبة  على عقار غير محفظ في مواجهة الغير، من تسجيل هذه العقود فيالسجل الخاص المعد لذلك.
ثالثا: العقد المنصب على عقار محفظ
إن العقود المتعلقة بنقل ملكية عقار محفظ أو حق عيني  مترتب عليه لا تنقل بحد ذاتها الملكية أو الحق العيني بل تنشئ إلتزاما بنقل هذه الملكية أو هذا الحق العيني رضاء أو قضاء، فالبيع الواقع على عقار محفظ مثلا لا يجعل المشتري مالكا للعقار المبيع، ولكنه يعطيه حق مطالبة البائع بتسجيل العقار على اسمه في السجل العقاري لكي يصبح مالكا  له، وإن امتنع البائع عن القيام بالتسجيل رضاء، فللمشتري أن يراجع القضاء ليستحصل على حكم بالتسجيل، فمشرع ظهير 9 رمضان بعد أن نص في الفصل 66 على أن " كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود إلا بتسجيله وابتداء من يوم التسجيل في الرسم العقاري.." أو ضح في الفصل 67 " أن  الأفعال  الإرادية والاتقافات التعاقدية الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير أو الاعتراف به أو تغييره أو إسقاطه لا تنتج أي أثر ولو بين الأطراف إلا من تاريخ التسجيل، دون الإضرار بحقوق الأطراف بعضهم على بعض و كذا بإمكانية إقامة دعاوي فيما بينهم بسبب عدم تنفيذ اتفاقاتهم.
ففي ضوء الفصلين 66 و67 من ظهير 9 رمضان يتضح بجلاء:
-       أن كل حق عيني يكون مصدره العقد لا ينشأ أو ينتقل فيما بين الأطراف ولا يسري  في مواجهة الغير إلا إذا سجل العقد في السجل العقاري وابتداء من تاريخ هذا التسجيل .
-       وأنه في حالة عدم القيام بالتسجيل رضاء يكون للأطراف " إقامة دعوى فيما بينهم بسبب عدم تنفيذ اتفاقاتهم".
فاستنادا إلى الفصل 67  من ظهير 9 رمضان 1331 ذهب رأي إلى القول بأن المتصرف إليه، عند عدم قيام المتصرف طواعية بتسجيل الحق المتصرف فيه على اسمه ينحصر حقه في المطالبة بالعطل والضرر الناجم عن " عدم تنفيذ المتصرف التزاماته" المنبثقة عن العقد الذي لا يتولد عنه لمصلحة المتصرف إليه سوى حقوق شخصية ولكن لا يكون له الحق في إقامة دعوى عينية ترمي إلى الحصول على تسجيل الحق المتصرف فيه على اسمه مادام الحق العيني لا يوجد إلا بالتسجيل ، ومادام التسجيل هنا منعدما ، وقد ذهبت محكمة وجدة الابتدائية هذا المذهب في حكم صدر عنها بتاريخ 6 شتنبر 1940 حيث منعت على المشتري الذي استنكف بائعه عن تسجيل العقار المبيع على اسمه أن يقيم عليه دعوى عينية قصد الحصول على التسجيل وقصرت حقه في مقاضاة البائع بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء النكول عن تنفيذ عقد البيع.
ولكن الدكتور مأمون الكزبري يعتقد بأن الرأي القائل بعدم نفاذ العقود المتضمنة إنشاء أو نقل حق عيني عقاري على عقار محفظ هو رأي  غير سليم وأن الرأي القائل بلزوم مثل هذه العقود وبإمكانية تنفيذها قضاء هو الرأي الصواب لأنه يتفق والنصوص العقارية ويتلاءم مع المبادئ القانونية العامة التي تمنح المتعاقدين الخيار بين طلب تنفيذ العقد وبين طلب فسخه مع التعويض طبقا للفصل 259 من قانون الإلتزامات والعقود، فضلا عن كونه يحفظ الحقوق ويشجع على احترام العهود، وعليه فمن حق المشتري مثلا الذي امتنع بائعه عن تسجيل المبيع على اسمه في السجل العقاري أن يقاضيه قصد إلزامه على تنفيذ البيع وتسجيله في السجل العقاري وهو نفس الرأي الذي أخذت به محكمة الاستئناف بالرباط عرض عليها حكم محكمة وجدة الابتدائية بحيث لم تتردد في فسخه وفي  الحكم بوجوب تسجيل العقار المبيع على اسم المشتري مع التعويض عليه عن الضرر الذي أصابه، وقد أيد المجلس الأعلى هذا الاتجاه، ففي قرار صدر عنه ورد أن " امتناع البائع من اتخاذ الإجراءات الضرورية لتقييد البيع في الرسم العقاري يكون إخلالا بالإلتزام بضمان نقل الحق المبيع ويوجب على المحاكم أن تجبر البائع على القيام بما التزم به سواء على إثر دعوى أصلية تقدم بها المشتري أو على إثر طلبه إدخال البائع بصفته ضامنا" (حكم مدني ع 265 م.ق.م.أ.ع.4) .
عن القاعدة الأصلية في نظام الشهر العيني أن للتسجيل أثرا منشئا للحق لا معلنا له، وعليه إذا ما طبقنا هذه القاعدة على التسجيل المكتسب بمفعول العقد، وجب عينا القول بان الحق العيني المنشأ بموجب العقد لا يعتبر موجودا بين الأطراف ولا نافذا في مواجهة الغير، إلا من تاريخ تسجيله في السجل العقاري، فهكذا مثلا لو نظم عقد بيع محفظ في فاتح يناير عام 1978 وجرى تسجيل البيع في فاتح يوليوز عام 1978 فإن المشتري يعتبر مالكا للعقار المبيع من يوم التسجيل الجاري في يوليوز من يوم الشراء الواقع في يناير، وعلى هذا قررت محكمة النقض السورية " أن الحقوق العينية العقارية تبقى على ذمة المتصرف صاحب التسجيل في الفترة التي تنقضي من تاريخ التعاقد إلى وقت التسجيل" وأيدت ما ذهبت إليه محكمة الموضوع في قضائها أن العقار المبيع إذا ما استملك قبل  تسجيل عقد البيع في السجل العقاري، فإن هذا الاستملاك من شانه أن يؤدي إلى انفساخ العقد لاستحالة تنفيذه لسبب لا يد للبائع فيه مما يترتب عليه إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد واعتبار  بدل الاستهلاك من حق البائع لا من حق المشتري.




قد يحصل أن يكتسب شخصان حقا عينا واحدا  بمقتضى عقدين متتاليين عقدا لمصلحتهما، كأن يبيع المالك عقاره لمشترين مختلفين بموجب عقدي بيع على التعاقب، ففي هذه  الحالة تكون الأفضلية بين الشاريين المتتالين لمن سجل عقد شرائه في السجل العقاري مالم يثبت أن شراءه كان تواطؤا الإقصاء المشتري الأول، والإضرار به، أو ما لم يثبت أن هذا الشراء كان صوريا، ولا يؤثر في صحة تفصيل العقد المسجل  لجوء المشتري الآخر إلى وضع إشارة الدعوى في صحيفة العقار بعد البيع المسجل الصادر بمصلحة صاحب العقد المفضل مادام حقه المعترف به بحكم القانون قد ترتب قبل وضع إشارة الدعوى بصورة تمنع من إعطاء هذه الإشارة أثرا  رجعيا تجاهه.
بقي أن أشير إلى أنه إذا كان المتصرف كالبائع مثلا قد احتفظ في العقد بحق النكول عن الفراغ مقابل تعويض معين، فإنه لا يجوز حمله على التنفيذ العيني وإلزامه بتسجيل العقار على اسم المشتري لأن التزام البائع بنقل ملكية المبيع مع وجود ما يفيد منحه حق النكول تحت طائلة دفع تعويض في صك البيع، يعتبر من الإلتزامات التخييرية التي يشمل محلها أشياء متعددة والتي يكون فيها للمدين أن يبرئ ذمته بأداء واحد من هذه الأشياء طبقا للفصل 146 من قانون الالتزامات والعقود ، وبعود طبعا لقضاء الموضوع الوقوف على إرادة الطرفين وقصدهما من مندرجات العقد ومعرفة ما إذا كانت النية المشتركة للعاقدين انصرفت إلى الاتفاق مسبقا على منح البائع الحق بالامتناع عن الفراغ، فإذا ثبت لقضاة الموضوع شيء من ذلك، امتنع إلزام البائع بالتسجيل وانحصر حق المشتري بالمطالبة في إعادة الثمن مع العطل والضرر.
بقي في الأخير أن أشير في عجالة إلى العقود التي تعتبر سببا في كسب الملكية بالإضافة إلى عقد البيع وهي:
-      االمعاوضة : وهي أن يتفق الطرفان على أن يتنازل كل واحد منهما عن شيء معين يملكه مقابل حصوله على شيء معين يملكه الطرف الآخر، وذلك كان يتفق شخصان على أن يعطي أحدهما الآخر ثوبا أو سيارة أو مقدارا من القمح مقابل أن يأخذ منه بقرة او آلة حصاد أو قطعة من الأرض أو بناء.
والمعاوضة بجميع أنواعها جائزة إلا في الحالات التالية:
أ‌-       إذا كان في كل من العقارين اللذين وقعت المعاوضة حولهما زرع أو ثمر لم يؤثر
ب‌-  إذا كان في العقارين زرع أو ثمر مؤثر واشترط كل واحد أن يأخذ ذلك الزرع أو الثمر الذي أصبح مالكا له.
ت‌-  إذا دفع كل من المتعاوضين للآخر مقدارا من الذهب أو الفضة مع ما وقعت المعاوضة به، فإن ذلك لا يجوز لأنه يؤدي إلى الربا.
-      التصيير والتولية: التصيير هو إعطاء ملك في دين يكون للمصير له على  المصير، بحيث يكون لشخص على آخر دين، فيدفع له المدين عوضا عن ذلك الدين شيئا أو حقا. وهو نوع من البيوع ولذلك يتعين أن يتوفر فيه ما يجب أن يتوف ر عليه البيع من الأركان والشروط أما التولية فهي أن يتنازل المشتري عما اشتراه لشخص آخر مقابل الثمن الذي اشتراه به .
ويستثنى من ذلك ما يسمى بالتمحي وهو أن يدفع الأب أو الزوج لابنه أو لزوجته  ملكا عوضا عما استهلكه من مالهما مما لا يعرف قدره بالتدقيق، ويريد أن يبرئ ذمته مما لهما عليه.
ومن الفقهاء من يعتبر الحيازة شرطا في تمام التصيير، بحيث يرى هؤلاء الفقهاء أن المصير إذا لم يقبض ولم يحز الشيء المصير له عند عقد التصيير فإن هذا العقد يعتبر فاسدا ويفسخ على القول المشهور والمعمول به، خصوصا إذا كان هذا الشيء غير معين، كما إذا اتفق الطرفان  على ان يصير المدين لدائنه مقدارا من القمح، أو بقرة من بقره، أو غير ذلك مما يدخل في الذمة ، لأن هذه العملية تعتبر حينئذ  من باب فسخ الدين في الدينن وهذا ممنوع.
وذكر العلامة التسولي أن القول بأن التصيير لا تشترط فيه الحيازة قوي، ونص ابن سهل على أنه الصواب، وقال ابن يونس إنه هو الصواب ، وصححه المتأخرون من المالكية وأفتى به اليزناستي ، وابن عتاب ، وابن القطان، وقد اعتمدوا في ذلك على أن التصيير نوع من المعاوضات وهي لا تفتقر إلى الحيازة.
ثم إن أغلب الذين يقولون بأن الحيازة شرط في التصيير، لا يشترطون أن يقع إشهاد عدلين بمعاينتهم لهذه الحيازة ، وإنما يكفي أن يعترف الطرفان معا بأن المصير تخلى عن ذلك الشيء وأن المصير له حازه.
والتولية تجوز في جميع الحالت، أي سواء كان موضوع التولية شيئا منقولا أو عقارا أو حقا عينيا وسواء وقعت بعد أن قبض المشتري ذلك الشيء أو قبل أن يقبضه، ولو كان ذلك الشيء عبارة عن طعام ، حيث لا يمنع من اشتراه من تولية لغيره قبل أن يقبضه ، لأن التولية معروف وتبرع ندب إليه الشرع ولم يعتبره بيعا، وفي ذلك يقول الإمام مالك في الموطأ: ولا يحل بيع الطعام قبل أن يستوفي لنبي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك غير أن أهل العلم قد اجتمعوا على أنه لا بأس بالشرك، والتولية، والإقالة في الطعام وغيره قال مالك: وذلك أن أهل العلم انزلوه على وجه المعروف، ولم ينزلوه على وجه البيع.




-      الإقالة: وهي اتفاق الطرفين على إلغاء البيع الذي وقع بينهما والرجوع إلى الحالة التي كانا عليها قبله.
وهي جائزة إلا في حالة واحدة، وهي أن يقع البيع على شيء بثمن مؤجل، كأن يبيع شخص عقارا بمائة ألف درهم يؤديها المشتري للبائع بعد سنة، ثم قبل انتهاء السنة يتفقان على الإقالة على أن يؤدي البائع للمشتري :
أ‌-      إما ثمانين ألف درهم الآن وتبقى المائة ألف في ذمة المشتري إلى أن يؤديها عند حلول الأجل.
ب‌-       إما ثمانين ألف درهم يؤديها بعد خمسة أشهر، ويبقى الثمن في ذمة المشتري يؤديه عند حلول الأجل.
ت‌-       إما مائة ألف درهم يؤديها بعد سنتين على أن يؤدي المشتري للبائع الثمن المتفق عليه عند حلول أجله.
فإن ذلك لا يجوز في الصور الثلاث لما فيها من سلف جر منفعة.
-      المغارسة: وهي أن يتفق مالك الأرض مع شخص على أن يتولى هذا الأخير غرس تلك الأرض بأشجار معينة، ويلتزم بأن يتعهدها، وعندما تنبت تلك الأشجار أو تطعم يكون له جزء معين من تلك الأرض، أما إذا لم تنجح مغارسته ولم تطعم تلك الأشجار خلال المدة المعنية فلاشيء له على صاحب الأرض.
وهذا يعني أن العامل لا يكتسب ملكية الجزء المتفق عليه إلا بعد إطعام الأشجار أو نباتها حسبما اتفقا عليه، أما قبل ذلك فلا يكون له إلا حق احتمالي في كسب الملكية.
وهذه المعاملة جائزة للحاجة إليها، ولكن يشترط فيها:
1. أن يكون الجزء الذي سيملكه معلوما كربع أو خمس أو جزءين من خمسة أجزاء أو غير ذلك.
2. أن يكون الشجر الذي سيغرس في تلك الأرض معينا، بحيث ينص على أن الأرض ستغرس بالزيتون أو التفاح.
3. أن يكون الشجر المعين مما يمكث طويلا في الأرض ويعمر سنين عديدة ويستغل مرار، فلا تجوز المغارسة على زرع أو خضر.
4. أن تحدد المدة التي ينجز المغارس خلالها عمله. وهذا التحديد يكون إما:
أ- بمدة معينة، كان ينفقا على أن المغارس يعمل في الأرض خمسة أعوام أو أربع سنوات، ونحوها من المدة التي لا يطعم الشجر عادة فيها.
ب- بلوغ الأشجار إلى علو معين. كأن يتفقا على أن المغارس لا يستحق شيئا إلا إذا بلغ علو الأشجار مترين أو عشرة أشبار أو غير ذلك مما لا يطعم الشجر عادة إلا إذا بلغها.
ج- بالإطعام، كأن يتفقا على أن المغارس لا يصبح شريكا بالجزء المعين إلا إذا نجح غرسه وأطعمت الأشجار التي غرسها وأثمرت ثمارها.
5. أن يتفقا على أن المغارس يملك النصيب المعين في كل من الأرض والشجر.
6. أن لا يكلف العامل بأعمال كثيرة تكفله نفقات بالإضافة إلى عمله، كان يكلف ببناء حظيرة أو بتنقية أرض محجرة قبل غرسها.
فإن توفرت هذه الشروط اعتبرت المغارسة صحيحة، وعندما ينتج عمل المغارس يصبح مالكا للجزء المتفق عليه.
وأن لم تتوفر الشروط المذكورة فسخ العقد وعوامل العامل معاملة الأجير فيما إذا كان قد قام بعمل ما. لكن إن لم يتبين فساد العقد إلا بعد تمام العمل وإطعام الأشجار فإن تلك المغارسة تنتج كل الآثار التي تنتجها المغارسة الصحيحة.
وإن تخلى العامل عن متابعة العمل مختارا أو مضطرا، فغن صاحب الأرض يكون مخيرا بين أن يسترد أرضه بدون أي مقابل، أو يستأجر من يكمل العمل على حساب ذلك المغارس، بحيث إذا تم العمل يباع الجزء الذي يستحقه العامل، ثم يسترد صاحب الثمن بالمصاريف كان العامل مسؤولا عن الباقي.
وبطبيعة الحال إذا وقعت المغارسة على عقار محفظ، فغنه يمكن للعامل أن يطالب تقييدا احتياطيا ليحتفظ برتبته ابتداءا من تاريخ ذلك القيد، حتى إذا تم عمله ونجحت مغارسه أمكنه تسجيل حقه هذا بصفة نهائية بمجرد أن يتقدم بما يثبت نجاح عمله، وذلك إما بواسطة اعتراف مكتوب من طرف صاحب الأرض بنجاح المغارس للجزء المتفق عليه.
-      المزارعة:
المزارعة كما ذكر ابن عرفة: الشركة في الحرث. ومن صورها أن يكون لشخص أرض، ويتفق مع آخر على أن يشتركا في حرث تلك الأرض، بان يقدم صاحب الأرض أرضه وجزءا من البذور، ويقدم الآخر عمله وجزءا من البذور، ويقدم أحدهما أوهما معا آلة الحرث )البقر أو المحراث( ويقتسمان ما تنتجه الأرض بنسبة ما يقدمه كل واحد منهما من البذور.
وهذه المعاملة ليست جائزة إذا اعتبرت من باب الإجازة نظرا للجهل بما يأخذه هذا العامل. أما إذا اعتبرت نوعا من الشركة فتكون جائزة حينئذ.
ويجري العمل منذ القديم بهذه المعاملة التي يحتاج الناس إليها كثيرا بالرغم من أنها قد تؤدي إلى كراء الأرض بما يخرج منها، وهو ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث. مثل قوله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري عن رافع رضي الله عنه قال: "كنا أكثر أهل المدينة حقلا وكان أحدنا يكري أرضه فيقول هذه القطعة لي وهذه لك فربما أخرجت هذه ولمتخرج فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما رواه أبو داود عن زيد بن ثابت قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة. قلت: وما المخابرة؟ قال: أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو بربع".
لكن المالكية يشترطون- لتكون هذه المعاملة مشروعة- شرطين أساسيين هما:
1.        أن لا تؤدي إلى كراء الأرض بما يمنع كراؤها به.
2.        أن لا يتم الاتفاق على أن يأخذ صاحب الأرض من اللغة أكثر من نسبة ما دفعه من البذور. كان يشترط صاحب الأرض أن يدفع ثلث البذور ويأخذ نصف الغلة مثلا.
-      الجعالة: وهي أن يتفق الطرفان على أن يقوم أحدهما بعمل لصالح الآخر مقابل شيء لا يأخذه إلا إذا  أتم عمله ذلك، بحيث  إذا لم ينجز كل العمل المطلوب منه لم يأخذ شيئا من العوض.
ومن الجعل الاتفاق مع الطبيب على أن لا يستحق الأجرة إلا إذا شفي المريض. أم مع المحامي أن لا يأخذ شيئا إذا لم تنجح دعواه. ومع الدلال على أن لا يستحق الأجرة إلا إذا تم البيع لآخر مزايد. ومنه أيضا: تعهد الشخص بدفع جائزة لمن يعثر على شيء ضائع.





ويشترط في الجعل شرطان، هما:
أ. أن لا يحدد أجل يكون على العامل أن ينجز عمله خلاله. فإن اتفق الطرفان على أن العامل لا يستحق العوض إلا إذا أتم عمه في وقت محدد، فغن تلك التحديد باطل لا يعمل به. لما فيه من شدة الغرر على العامل، لأنه قد يعمل كثرا أثناء الأجل، ولكنه لا يتم قبل انتهاء المدة فتضيع جهوده سدى.
ب-أن لا يتفق الطرفان على أن يدفع الجاعل للعامل العوض )إذا كان نقدا( قبل تمام العمل. فإن اتفاقا على ذلك كان العقد فاسدا. لما عرفنا من أن العامل لا يستحق العوض إلا بعد نجاح عمله، مما يعني أنه إذا اتفقا على تعجيل العوض النقدي قبل نجاح العمل فغنه لا يدري هل سيكون عوضا أو سلفا، وهذا غير جائز.
نعم عن قدم المجاعل العوض من تلقاء نفسه للعامل أثناء العم من غير اشتراط لذلك فإنه لا يؤثر على الجعالة.
ومتى تم العقد بالإيجاب والقبول، وتوفرت الشروط اللازمة في المتعاقدين تكون الجعالة صحيحة. إلا أنها لا تصبح لازمة إلا بالشروع في العمل. أما قبل ذلك فيمكن لكل واحد منهما أن يتراجع عنها. فإن شرع العامل في العمل لم يكن للجاعل )أي الذي سيدفع العوض( أن يتراجع عن هذا الاتفاق.
أما العامل فيمكنه أن يتخلى عن عمله في أي وقت شاء، ولا يمكن إلزامه بتمام ما تعهد بالقيام به. إلا أنه لا يحق له أن يطلب جزءا من العوض المتفق عليه مقابل ما قام به من عمل، لما قلنا من أن العامل لا يستحق العوض إلا بنجاح عمله.
نعم عن تخلى العامل عن عمله أثناء العمل، فاستاجر الجاعل من قام بتمام العمل، فإن ذلك العامل يستحق حينئذ أجرته بنسبة عمله، كما لو اتفق شخص مع آخر على حفر بئر مقابل هكتار من الأرض،فحفر العامل خمسة أمتار ثم تخلى عن العمل، فجاعل صاحب الأرض من تابع الحفر مقابل نصف هكتار من الأرض أو بمبلغ من المال. فإن العامل الأول يستحق نصيبا من الهكتار المتفق عليه بنسبة عمله الذي تخلى عنه.
وإذا كان العوض المتفق عليه عبارة عن عقار محفظ،فغن العامل وإن كان لا يكتسب ملكيته إلا بعد نجاح عمله، إلا انه يمكنه أن يطلب إجراء قيد احتياطي على الرسم العقاري المتعلق بذلك العقار، وذلك عن طريق الإدلاء بعقد الجعالة لدى المحافظ.
-      هبة الثواب : وهي أن يهب الإنسان مالا ( منقولا أو عقارا) لشخص على أن يرد له في مقابله شيئا آخر.
ولكن المالكية أجازوا هذه المعاملة )أي هبة الثواب( لأنهم وإنعدوا عقدا من عقود المعاوضات، حيث غنهم ذكروا أنمن قدم لغيره هدية في مناسبة من المناسبات فإنها لا تحمل على التبرع، وإنما تحمل على أنه ينتظر أن يعوضه عنها في المستقبل، ولكنهم مع ذلك يعتبرونها من قبيل المكارمة والتعاون، لا من باب المعاوضات التي يجب فيها التماثل والتقابض.
ويرى المالكية أن الواهب )هبة الثواب(يكون مخيرا- عندما يدفع له الموهوب له هدية أخرى مقابل هديته- بين ثلاثة أمور.
1.     أن يقبل تلك الهدية،وبهذا يكون كل واحد منهما قد ملك ما أهدى إليه صاحبه.
2.     أن يرد تلك الهدية، ويطالب بقيمة الهدية التي كان قد دفعها لصاحبه، وبهذا يملك الموهوب له الأول تلك الهدية التي دفع قيمتها.
3.     أن يسترد هديته بنفسها إن كانت ما تزال موجودة عند الموهوب له.
-      الصلح: وهو أن يتفق الطرفان على أن يعطي أحدهما الآخر شيئا ليتنازل له عن الحق الذي يدعيه.
ويعتبر الصلح من العقود الجائزة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: )الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلال أو حل حراما( بل قد يكون مرغوبا فيه وخصوصا بين الأقارب أو عندما يتبين أن الفصل بين الأطراف عن طريق إصدار حكم قد يؤدي إلى عداوة أو تباغض. وفي ذلك يقول الله تعالى: )لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس( وقال تعالى: )والصلح خير(.
ويعتبر الصلح من قبيل البيع سواء وقع عن الإقرار أو عن الإنكار.ولذلك يشترط فيه كل الشروط التي تشترط في البيع، ومن جملتها.
1. أن لا يؤدي إلى أي صورة من صور الربا. من ربا النسيئة أوربا الفضل. أو السلف بفائدة. أو تعجيل الدين المؤجل مقابل التنازل عن بعضه، أو تأجيل الدين الحال مقابل الزيادة فيه.
2. أن لا يشتمل على جهل أو غرر، كأن يصالحه بجزء غير معين من عقار، أو بثمرة لم يبد صلاحها،وكأن يتفق الشركاء على اقتسام الزرع قبل ذروه أو الثمار ما دامت في أشجارها،لنمثل هذه الأشياء لا تقسم إلا بالكيل أو الوزن. وكأن يتصالح الورثة على أن يدفعوا لحدهم )الزوجة أو الجلد مثلا( شيئا من التركة مثل دار قبل أن تحصى التركة ويتعرف على مشمولاتها ليعمل على تجنب الربا في الصلح حولها.
وقد تبنى ظهير الإلتزامات والعقود هذين الشرطين حينما قال في الفقرة الأولى من الفصل 1100 )لا يجوز الصلح بين المسلمين على ما لا يجوز شرعا التعاقد عليهم بينهم(.




فإن وقع الصلح بشروطه المذكورة وغيرها من شروط البيع، فإنه يعتبر سببا لكسب الملكية، بحيث يصبح المصالح مالكا لما صار إليه بمقتضى ذلك الصلح، ولكن إن كان يعلمانه لا حق له فيما يدعيه فيحرم عليه أن يأخذ ذلك الشيء. 
ولا يمكن نقص الصلح الصحيح ولا الرجوع فيه ولو اتفق الطرفان على ذلك. وفي هذا يقول الفصل 1106 أوع )لا يجوز الرجوع في الصلح ولو باتفاق الطرفين( ويستثنى من ذلك ما إذا تنازل الشخص عن بعض حقه بمقتضى الصلح فغنه يجوز له أن يطالب بباقي حقه في الحالتين الآتيتين:
1. إذا كان الصلح على إنكار ثم عاد المنكر إلى الإعتراف بالحق الذي يدعيه المدعي. فإن من حق هذا المدعي أن يرجع على هذا المعترف بما بقي عليه من ذلك الحق.
2. إذا كان قد احتفظ بحقه في الرجوع في الصلح الذي أرمه مضطرا إليه، غما لكونه يعتقد انه لا يتوفر على الحجة الكافية لإثبات حقه الذي ينكره خصمه، وإما لإثبات حقه أو عثر على حجته الضائعة. سواء كان خصمه يعلم انه احتفظ بحقه في الرجوع في الصلح أو لم يعلم ذلك، كما هو الشأن فيما إذا أشهد احد المتصالحين في غيبة الآخر قبل إقدامه على الصلح انه إنما يصالحه ليحفظ حقه ولتحين الفرصة للدفاع عن مصالحه. وهذا ما يسمى بشهادة الإستحفاظ أو الإسترعاء.
لكن الفصل 1113 أوع،نص على انه لا يمكن لأحد المتصالحين إبطال الصلح بسبب العثور على الوثائق التي كانت مجهولة منهما حين الصلح غلا إذا أثبت أن الطرف الآخر دلس في الصلح.
كما أن الفصل 1111 اوع. حصر الأسباب التي يجوز فيها للطرف حسن النية أن يطعن في الصلح وهي:
1.    الإكراه والتدليس.
2.    الغلط المادي في شخصية المتعاقد الآخر أو صفته أو في الشيء الذي كان محلا للنزاع.
3.    انتقاء السبب الدافع إلى الصلح. كما إذا تبين أن ذلك السبب كان مزورا، أو كان غير موجود. أو تبين أنذلك الصلح أجري على نازلة سبق الفصل فيها بمقتضى صلح صحيح أو حكم نهائي كان الطرفان أو احدهما يجهل وجوده.
-      الهبة والصدقة: هي تمليك مال بدون عوض، والفرق بينهما أن الصدقة يقصد بها التقرب إلى الله تعالى ونيل ثواب الآخرة، في حين  أن الهبة يقصد بها شخصية الموهوب له والتقرب إليه.
وتطبق عليهما نفس الأحكام إلا في الوجهين الآتيين:
الأول: أنه لا ينبغي )أي يكره وقيل يحرم( للمتصدق أن يرجع ما تصدق به إلى ملكه بشراء أو هبة أو غير ذلك، بخلاف الهبة،فغنه يمكن للواهب أن يرجع ما وهبه إلى ملكه بشراء أو هبة، باستثناء ما وهبه للأيتام أو الفقراء أو لأولي الأرحام كالعمة والخالة والبنت فلا ينبغي للواهب أيضا أن يرجعه إلى ملكه لأنه بمثابة الصدقة.
الثاني: انه يحق لمن وهب ابنه شيئا أن يسترده منه عن طريق ما يسمى بالإعتصار، بخلاف من تصدق بشيء، حيث لا يحق له أن يسترده.
ثم إنه يشترط في المتبرع أن يكون رشيدا، وغير مريض مرضا مخوفا، وغير مفلس، فغن كان مريضا مرضا مخوفا حين إبرام التبرع ومات بعد أشهر قليلة من ذلك المرض فيطبق على تبرعه حكم الوصية، بحيث.
1. إذا كان المتبرع عليه مورثة المتبرع أمكن لباقي الورثة أن يردوها، ويصير المتبرع به إرثا.
2. إن كان من غير ورثة المتبرع.
أ- فإن كان المتبرع به لا يتعدى ثلث مال المتبرع فإنها تقبل ولا كلام للورثة.
ب- وإن كان أكثر من ثلث ماله أمكنهم أن يردوا الثلث ويصبح هذا الزائد ميراثا.
وإن كان المتبرع مدينا وقد أحاط الدين ماله، فإن للدائنين الحق في إبطال هذا التبرع، سواء كان الدين سابقا على إبرام التبرع أو على انتقال الشيء المتبرع به من حيازة المتبرع إلى حيازة المتبرع عليه.
ومتى كان المتبرع رشيدا غير مريض ولا مفلس فإن التبرع يصبح بمجرد إعراب المتبرع عن إرادته أو الصدقة، ويصبح تبرعه لازما في حقه، حيث يمكن للمتبرع عليه أن يطالبه بأن يحوزه ما تبرع به عليه، ويرغم على ذلك.
وهذا يعني أن التبرع يصح بمجرد التعبير عن الإرادة، ولكنه لا يمكن الإحتجاج به بالنسبة للغير من دائن ووارث إلا إذا تم نقل الحيازة إلى المتبرع عليه. وثبت ذلك بشهادة عدلين على أنهما عاينا الشيء المتبرع به قد انتقل من حيازة المتبرع وأصبح شاغرا من حوائجه، وأن المتبرع عليه قد حازه ووضع يده عليه.
ويتبين من هذا أن الحيازة- في التبرعات بكافة أنواعها—لا تثتبت بمجرد اعتراف المتبرع أو المتبرع عليه، أوهما معا، بان الشيء المتبرع به قد انتقل إلى حيازة المتبرع عليه، بل لابد من معاينة العدلين لهذه الحيازة وشهادتها بها.
لكن إن ثبت أن المتبرع عليه كان يجوز الشيء المتبرع به عليه حصول التبرع فإن تلك الحيازة الأولى كافية، ولا يحتاج إلى إشهاد عدلين على أن هذا التبرع عليه قد حاز الشيء المتبرع عليه بعد التبرع.
-      النحلة: وهي ما يعطيه الوالد لولده- ذكرا أو أنثى- عند زواجه، وينعقد الزواج على ذلك بحيث يتفق كل  من الوالد المعطي والزوجين على الزواج على هذا الأساس.
والنحلة تعتبر نوعا من التبرع من حيث إنه يشترط في الناحل نفس الشروط التي تشترط في المتبرع. كما انه لا تثبت الشفعة فيها.
ولكنها تختلف عن التبرعات في انه لا تشترط الحيازة فيها، وإنما تكون لازمة بمجرد الإتفاق عليها. وينبني على ذلك المنحول يصبح مالكا للشيء المتبرع عليه بمجرد صدور ما يدل على الرضى بذلك من الولد المتبرع. ويمكن هذا المتبرع عليه أن يطالب الناحل بتمكينه مما نحله  ولو مرض أو فلس. وحتى إذا مات الناحل قبل أن يحوزها المنحول فغن لهذا الأخير أن يطالب بها لا تعتبر من تركة الناحل لأنه أخرجها عن ملكه حينما نحلها ولده.
وكذلك إذا مات المنحول قبل أن يحوز ما نحله والده فإن لورثته أن يطالبوا الناحل بها لأنها تعتبر مملوكة لهذا المتبرع عليه.
وبطبيعة الحال، إذا صدرت هذه النحلة من الوالد قبل عقد الزواج أو بعده، ولم ينعقد الزواج على أساسها فإنها تعتبر هبة أو صدقة –على حسب نية الواهب- ولا تتم حينئذ إلا بالحيازة كما هو الحال في الهبة والصدقة.
الاعتصار:
قلنا عن التبرع الذي لا يكون في شكل الصدقة إذا أجراه الأب لإبنه أو بنته،كما إذا وهبه أو نحله أو أعطاه شيئا كدار أو غيرها، واحتفظ بحقه في الرجوع في هذا التبرع، فيمكنه أن يستعمل هذا الحق الذي يسمع الفقهاء )الاعتصار( ويسترجع بمقتضاه ما تبرع على ولده متى شاء، سواء كان الولد كبيرا أو صغيرا، ذكرا أو أنثى رشيدا كان أو محجورا إذا توافرت الشروط الآتية:
1. أن يكون الوالد سالما من المرض المخوف عند حصول الاعتصار، فغن اعتصر الأب وهو مريض ومات من ذلك المرض لم يقبل هذا الاعتصار، لأنه تبين أنه لم يفعل ذلك لنفسه، وإنما فعله للورثة.
2. أن لا يتعلق حق الغير بالشيء المتبرع به. فإن تعلق به حق الغير، كما إذا أحاط الدين بمال المتبرع عليه، أو كان قد تزوج بعد التبرع أو كان مريضا مرضا مخوفا، فلا يمكن للأدب أن يعتصر ما كان قد تبرع به عليه قبل ذلك، لن حق الدائنين أو الزوج أو الورثة قد تعلق بذلك الشيء المتبرع به.
3. أن يكون الشيء المتبرع به ما يزال على ملك ذلك الولد المتبرع عليه، بحيث لم يخرج عن ملكه.
4. أن يكون ذلك الشيء ما يزال على حالته ولم يلحقه تغيير كبير من بناء وهدم، أو حفر بئر، أو غرس أشجار.
ونشير في الأخير إلى أن الأم يمكنها أيضا أن تعتصر ما وهبته لابنها الكبير متى أرادت كما يمكنها إذا وهبت ابنها شيئا في حياة أبيه أن تعتصره منه متى شاءت، سواء كان أبوه ما يزال حيا أو توفي، وسواء أرادت أن تعتصر ذلك والطفل ما يزال صغيرا أو بعد أن كبر.
أما ما وهبته ابنها بعد وفاة أبيه فلا يمكنها أن تعتصره، لما ذكرناه من أن ما يوهب لليتيم يعتبر صدقة، والصدقة لا تعتصر.




المراجع:
& د. مأمون الكزبري: التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي- الجزء الثاني- الطبعة الثانية 1987 ، العربية للطباعة والنشر.
& مأمون الكزبري: التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي- الجزء الأول – الطبعة الثانية 1987 العربية للطباعة والنشر.
& محمد ابن معجوز: الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي- طبعة 2008. مطبعة النجاح الجديدية ، الدار البيضاء.
& المستشار أنور العمروسي: الملكية وأسباب تسببها  في القانون المدني، دار محمود للنشر والتوزيع
& عبد الرزاق أحمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، أسباب كسبب الملكية ، المجلد التاسع ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان.
& حسام الدين كامل الأهواني: الحقوق العينية الأصلية ، أسباب كسبب الملكية
& عبد المنعم البدراوي : حق الملكية بوجه عام وأسباب كسببها.
& ذ. عبد الكريم شهبون: عقود التبرع في القفه المالكي ، الطبعة الأولى 1992.
& د. عبد الرحمان بلعكيد: الهبة في المذهب والقانون ، الطبعة الأولى 1997.

تعليقات