علاقة نظام التحفيظ العقاري بالوسطين الحضري والقروي.
تقديــــم:
يكمن
الهدف من تشريع القواعد المنظمة للعقار المحفظ والسجل العقاري في تثبيت الملكية
العقارية وإشهار الحقوق العينية إشهارا عينيا تتيسر معه علانية المعاملات العقارية
في السجل العقاري والحصول على القروض استنادا إلى الرهون الرسمية وتسنيد الديون
الرهنية لولوج سوق التمويل العقاري.
وعليه،
فإن العقار المحفظ يتبوأ المكانة الأولى في تلبية الحاجة إلى الأراضي الجاهزة
للاستثمار، وإيجاد الثروة وتوفير الشغل، وإنتاج السكن ومن ثم ضمان التنمية بمختلف
أنواعها، وتأمين السلم الاجتماعي.[1].
إن
الحديث عن الاستثمار في مجال العقار وعلاقته بالتنمية، يقتضي بيان المقصود من
الاستثمار المرتبط بالوعاء العقاري الوطني، ومختلف الجهود الرامية إلى تأهيله وفق
نموذج العقارات المحفظة. علما أن نظام التحفيظ العقاري أصبح منذ عقود محركا مهما
للاقتصاد الوطني في كل تجلياته.[2].
إن
أهم الخصائص التي يتميز بها نظام التحفيظ العقاري. حرصه على أن تكون الملكية
العقارية ثابتة ومستقرة، وخالية من كل منازعة. وهذا ما يجعل – وبامتياز – من
العقار، الأرضية الأساسية والصلبة للمشروعات الاقتصادية والأهداف التنموية على
الصعيدين، القروي والحضري على حد السواء.[3].
إلا
أن المشكل الذي يعترض نظام التحفيظ العقاري ببلادنا، والذي أصبحت آثاره وانعكاساته
تؤثر سلبا أكثر فأكثر، مع زيادة تعقيد الأوضاع القانونية، يتجلى في تعدد أنماط
الملكية العقارية ببلادنا، وتعقد وضعيتها القانونية والمساطر التي تنظمها، هذا
الوضع عرقل كل المبادرات الرامية إلى إعادة تهيئة وتنظيم الوعاء العقاري الوطني
وعقلنة استغلاله، سواء على صعيد الإنتاج والإنعاش العقاري والتجهيز وإقامة المرافق
العمومية في ظل ضعف الآليات اللازمة لضبط المعاملات العقارية وغياب أدات فعالة
لتوجيه التهيئة الحضرية وفق البرامج المسطرة.[4].
وإلى
جانب هذه الوضعية، فإن الملكية العقارية ببلادنا تعرف نوعا من الشتات والتنافر في
الوضعية القانونية، بوجود عقارات محفظة إلى جانب أخرى غير محفظة أو في أي وضع
قانوني آخر خاص.
وبناء
على ما تقدم، سأحاول من خلال هذا العرض تسليط الضوء على مظاهر وأوجه الارتباط ما
بين نظام التحفيظ العقاري والتنمية في الوسطين القروي والحضري كل وسط على حدة مع
الوقوف عند جملة المشاكل المادية والواقعية والقانونية التي تعيق مسلسل التنمية في
المجال العقاري ببلادنا.
المبحث الأول: أهداف نظام التحفيظ العقاري وعلاقتها
بالتنمية بالوسط القروي
إن
الحديث عن نظام التحفيظ العقاري في علاقته بالتنمية بالوسط القروي يستلزم الوقوف
عند هذا الوسطى والإحاطة بالجهود المبذولة تشريعيا وإداريا للمنهوض بأوضاعه وإعادة
تأهيل الوعاء العقاري القروي ليضطلع بدوره التنموي المنشود. وسيجرنا الحديث في هذا
المقام إلى تسليط الضوء على وضعية العالم القروي الراهنة ومحاولات الإصلاح
التشريعي والإداري في هذا المجال.
المطلب
الأول: الوضعية العقارية بالوسط القروي ومحاولات الإصلاح
سأحاول
من خلال هذا المطلب إعطاء نظرة عن الوضعية العقارية بالوسط القروي وتركيبة الأراضي
الفلاحية (الفرع الأول) ثم استعراض أهم المحاولات الرامية إلى إصلاح وضعية العقار
بالعالم القروي وتأهيله سواء على المستوى التشريعي والإداري (الفرع الثاني).
الفرع
الأول: الوضعية العقارية بالوسط القروي، من التركيبة المشتتة للأراضي الفلاحية إلى
الأشكال القانونية المعقدة.
إن
ما يميز الوضعية العقارية بالوسط القروي وجود غالبية الأراضي الفلاحية في وضعية
مادية غير مهيكلة وغير منظمة. ويتجلى ذلك في تعدد الأراضي الفلاحية وانقسامها في
شكل بقع فلاحية متناثرة متعددة يتعدد ملاكها وهو ما يؤدي في النهاية إلى ضياع الجهود
الفردية التي يبدلها الفلاحون وكثرة المنازعات التي تقوم حول هذه الأراضي
الفلاحية.
وهذه
الوضعية تؤثر سلبا على الوعاء العقاري الفلاحي نفسه من جهة، وتحول دون أية عملية
استصلاح عبر أساليب الاستغلال الجماعية أو تحسين مردودية الإنتاج الفلاحي
بالاعتماد على الأساليب التكنولوجية الحديثة من جهة ثانية.
وما
يزيد الوضع سوءا، وجود الأراضي الفلاحية في وضعية قانونية معقدة وشاذة تجعل الوضع
العقاري برمته غير مستقرة وثابت في عمومه ومرد ذلك إلى سببين رئيسيين:
Ã
الأول: عدم تغطية نظام
التحفيظ العقاري لأوسع مساحة ممكنة من الأراضي الفلاحية.
Ã
الثاني: غياب رسم واضح وخريطة
عقارية فلاحية دقيقة تعتمد أسس قانونية وهندسية صلبة مسايرة للبرامج الاقتصادية
والمخططات التنموية.
وهما
سببان كافيان لإعاقة أي استثمار عقاري في الوسط القروي وتؤدي حتما إلى عدم إمكانية
إجراء أو تقوية ضمانات الائتمان بما يخدم الاستثمار في الميدان الفلاحي.[5]
والجدير
بالذكر هنا، أن مساهمة القطاع الفلاحي داخل النسيج الاقتصادي الوطني وتأثيره عليه
إيجابا وسلبا من المحددات الأساسية للاقتصاد المرتبط بالبادية المغربية خصوصا
والاقتصاد الوطني برمته. وتصل مساهمة القطاع الفلاحي في الناتج الخام الوطني إلى
30%
وهو ما يجعل من المغرب بلدا فلاحيا بامتياز.[6].
وفي
هذا السياق، يحضر الثقل الاقتصادي للعقارات الفلاحية في علاقتها بالتنمية في
المجال القروي أولا وعلى المستوى الوطني ثانيا، وهو ما يجعل منها مخزونا معولا
عليه في جلب الاستثمارات وخلق فرص الشغل الدائمة.[7] الأمر
الذي أذى بالمشرع والإدارة كل في مجال تدخله إلى محاولة تجاوز الوضعية المعقدة
للأراضي الفلاحية سواء من خلال ظهير 30/06/1962 المتعلق بضم الأراضي الفلاحية
بعضها إلى بعض وهذا على المستوى التشريعي، ثم المحاولات التي تقوم بها الإدارة في
شخص الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية لتحفيز الفلاحين على إخضاع أملاكهم لنظام التحفيظ العقاري.
الفرع
الثاني: الأهداف التنموية التي جاء بها ظهير 30/06/1962 والمحفزات الإدارية لتصميم
نظام التحفيظ العقاري.
أما
الوضعية المعقدة والمتأزمة للأراضي الفلاحية بالبادية المغربية، تولدت فكرة تنظيم
العقارات الفلاحية وتوحيد جهود الفلاحين بما يخدم التنمية بالوسط القروي. الأمر
الذي أدى بالمشرع المغربي إلى إصدار الظهير الشريف رقم 105.62.1 بتاريخ 27 محرم
1382 هـ موافق 30/06/1962 بمثابة قانون ضم الأراضي الفلاحية. وهو ما يستشف عموما
من خلال مقتضيات الفصل الأول منه والتي نصت على أنه "... تنحصر الغاية
الأساسية لضم الأراضي الفلاحية بعضها إلى بعض في تحسين أساليب استغلالها وجمع
وإعادة ترتيب القطع المبعثرة أو المجزأة أو التي ليس لها شكل منتظم، لتتكون منها
أملاك موحدة الأطراف أو أملاك محتوية على قطع أرضية كبيرة ومنسجمة ومضموم بعضها
إلى بعض تساعد على الوصول إليها وريها وصرف المياه منها. وبوجه عام تكون صالحة
للاستفادة من التحسينات العقارية الممكن إدخالها عليها...".
لقد
عرف هذا الفصل عملية ضم الأراضي الفلاحية من خلال أهدافها وغاياتها فهي عملية
تقنية وقانونية أوسع من حصرها في أهدافها فقط، بل ترك المشرع المجال مفتوحا وقابلا
للنحول والتغير من حيث الزمان والمكان.[8].
إن
صدور قانون الضم أو ظهير 30 يونيو 1962 بعد مدة طويلة من العمل بنظام التحفيظ
العقاري يحمل أكثر من دلالة قانونية وواقعية بل يرى البعض أن صدوره يشكل
استمرار للدعاية المعاكسة
للتيار الفقهي المتحمس لفكرة توحيد الأنظمة القانونية المطبقة على العقار ببلادنا
وأيضا للتيار المندهش أمام تعميم نظام التحفيظ العقاري وجبريته، علما أن تحقيق كلا
الأمرين يعد مطلبا بعيد المنال بالنظر إلى الصعوبات الحاضرة في هذا المجال
والمرتبطة بالموروث العقاري التاريخي الراسخ والمتجدر والذي أجبر المشرع المغربي
نفسه على الاعتراف بأنواع متعددة من الهياكل العقارية (أراضي المجموع/ أراضي
الجيش/ الملك العام/ الملك الخاص...).[9].
وبالرغم
من الأهداف الهامة التي حملها قانون الضم، فإن المتمعن في وضعية العالم القروي
ببلادنا يجدها تعكس مشاكل عدة تترجمها النسب المتدنية لمعدلات الإنتاج وعدم
الاستفادة من الأساليب العصرية والتكنولوجية الحديثة مما ينعكس سلبا على قدرة
البادية المغربية على التنافسية الاقتصادية المؤثرة.
وإلى
جانب الجهود التشريعية، تسعى الإدارة بدورها في شخص الوزارة المعينة وهي وزارة
الفلاحة وأيضا الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية
وخصوصا هذه الأخيرة وفي إطار الجهود التحفيزية لتعميم نظام التحفيظ العقاري تقوم
بحملات توعية في أوساط الفلاحة الملاكين لتحسيسهم بمزايا نظام التحفيظ العقاري
وتأثيره الإيجابي على الوعاء العقاري الفلاحي وجعله مفتوحا وقابلا للاستثمارات
الفلاحية العصرية بالإضافة إلى فتح آحال للتحفيظ العقاري في وجه الملاك الحائزين
للأراضي الفلاحية المتوفرين على عقود تفويت أو عقود ملكية عدلية لحثهم على تحفيظ
أراضيهم وبالنظر أيضا إلى المصارف والرسوم الإلزامية المصاحبة لمطالب التحفيظ تعمد
المحافظات العقارية إلى فتح آجال محددة تعفى خلالها مطالب التحفيظ من أداء الرسوم
والمصاريف الإدارية المتعلقة بها.
ولا
يقتصر الأمر على ما سبق، بل تتدخل أيضا مؤسسات الإئتمان والأبناك في هذه العملية
الرامية إلى تعميم نظام التحفيظ العقاري خصوصا الأبناك التي تركز نشاطها على مجال
الفلاحي ببلادنا حيث تقوم بمنح قروض مالية بهدف تشجيع الفلاحة ملاك الأراضي
الزراعية على تحفيظ ملكياتهم وما يترتب عنه من قابلية هذه الأملاك لإجراء الرهون
الرسمية عليها واستفادتها من عمليات الإئتمان العقارية مما يرفع من قيمة العقار
وقابليته للاستثمار المعلقن.
كل
هذه الجهود تدخل في إطار إستراتيجية الدولة وسعيها إلى تعميم نظلم التحفيظ العقاري
ببلادنا والخروج من الوضعية المعقدة التي يعيشها العالم القروي والتي تحول دون
تحقيق المشاريع التنموية المبرمجة لهذا الوسط.
المطلب
الثاني: الوسط القروي من خلال ظ 30/06/1962 المنجزات والمعيقات
بقدر
تعدد أسباب وحوافز التنمية بالبادية المغربية تتعدد أزمة هذا الوسط، إذ في الوقت
الذي يفترض فيه المنطق أن يكون العالم القروي، الظهر الخلفي لتنمية الحواضر
القريبة منها، إلا أن الواقع الحالي يعكس صورة معاكسة تماما تجعل من البادية أحد
الأسباب الرئيسية لتقهقر أوضاع المدن وتلويثها بجل الآفات الاقتصادية والاجتماعية
المعقدة.[10].
وعليه،
سأحاول من خلال هذا المطلب الوقوف على المنجزات المحققة بالبادية المغربية في ظل
ظهير 30 يونيو 1962 مقارنة بالأهداف المسطرة (الفرع الأول) والمعيقات التي
تحول دون إتمام هذه العملية وتحول دون تنمية قروية حقيقية وشاملة. (الفرع
الثاني).
الفرع
الأول: المنجزات المحققة بالعالم القروي في ظل ظ 30/06/1962.
تشير
الإحصائيات إلى أن عملية ضم الأراضي الفلاحية بعضها إلى بعض على مجموع تراب
المملكة، شملت مساحة تقدر ب 361837
هكتار ويزمع أن تستأنف هذه العملية في مناطق فلاحية أخرى
والجدير بالذكر أن عملية ضم الأراضي أوجدت ملكية موحدة مما ساعد على تجهيزها
وجعلها قابلة للاستثمار بعد تحفيظها.
إن
الاهتمام بالتحفيظ العقاري في علاقته بالاستثمار وما صاحب ذلك من تعبئة للموارد
المالية والبشرية المؤهلة من شأنه تنمية القرى المغربية وتطوير الفلاحة ومراقبة
العمليات المبرمة على الأملاك الفلاحية عند طلب إشهارها هو ما يعكسه النموذج
الفلاحي لدوائر الاستثمار الفلاحي للسقي والتي شملت أزيد من 750000 هكتار مع توخي
الإدارة الوصول إلى إنجاز مليون هكتار سقيا.[11].
وإلى
جانب الأراضي الفلاحية المضمومة، لازالت البادية المغربية تشمل أيضا أراضي فلاحية
أو ذات طابع فلاحي تدخل في ملك الدولة الخاص ويعود مصدر هذه الأخيرة إلى:
v الأراضي المسترجعة
طبقا لظهير 26 سبتمبر 1963.
v الأراضي موضوع نزع
الملكية طبقا لظهير يوليوز 1963 بشأن تشجيع الاستثمارات الفلاحية.
v الأٍراضي العائدة
ملكيتها إلى الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الأجانب التي انتقلت ملكيتها إلى
الدولة طبقا لظهير 2 مارس 1973.
وهذه
الأملاك يتم تدبيرها من قبل الأملاك المخزنية أو شركات مختصة كشركة التنمية
الفلاحية « SODEA ».[12].
وبالرغم
من مختلف الجهود المبذولة تشريعا وإداريا لضبط وحصر الوعاء العقاري القروي وحث
الملاكين على اختيار نظام التحفيظ العقاري بما يوفره من مزايا الاستقرار والنبات
والقابلية للاستثمار الفلاحي والعمليات الانتمائية لازال هذا الوسط يعرف مشاكل
معقدة.
الفرع
الثاني: معيقات وإكراهات التنمية بالوسط القروي
ü
بالنسبة لظهير 30/06/1962:
على
الرغم من الأشواط التي قطعتها مسطرة الضم، فإن مساحة الأراضي المضمومة لم تتجاوز
900 ألف هكتار في وقت لا تزال فيه أكثر من 8 ملايين وحدة فلاحية غير مهيكلة
ومفتقرة إلى أساليب الاستغلال المتبعة في الاستغلاليات الفلاحية المضمومة.
إلا
أنه وقع استغلال بعض الأراضي الفلاحية المضمومة بعيدا عن الرقابة الإدارية حيث
تحولت إلى تجمعات سكنية عشوائية بسبب توسع المدارات الحضرية، مما أدى إلى انحراف
قانون الضم من خلال هذه الممارسة عن أهدافه التنموية الحقيقية.
ومما
يعرقل أيضا قانون الضم، تعقد المساطر المتبعة وتعدد الأجهزة المشرفة على هذه
العملية والمتمثلة في الأجهزة الإدارية التالية:
Ã
وزارة الفلاحة: وذلك بمقتضى
الفصل السادس من قانون الضم الذي خول لوزير الفلاحة إصدار قرار يعين حدود المنطقة
المراد ضمها، فيأذن بموجبه بافتتاح عملية ضم الأراضي الفلاحية للمنطقة المعنية
وإنجاز الأبحاث وأشغال مسح الأراضي التي تشملها العملية ، وبعد انتهاء الأشغال
الأولية يصدر وزير الفلاحة قرارا آخر يصادق بموجبه على مشروع الضم بعد انتهاء كافة
الأشغال واستشارة الجماعة أو الجماعات المعينة.
Ã
لجان الضم والجان المحلية:
يعهد إلى هذه اللجان بتتبع المسطرة وإبداء الاقتراحات ومراقبة التصرفات المادية
والقانونية للملاك المنصبة على العقارات الفلاحية موضوع عملية الضم، تفاديا لكل
وضعية قد تغير من شكل العقارات.
Ã
المجالس المحلية: تتولى إعداد
الاستشارات المطلوبة بحكم قربها من الملاك أصحاب الأراضي الفلاحية المضمومة، وبحكم
معرفتها المسبقة بالمنطقة.
Ã
الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية: في شخص المحافظ الذي يسهر في حدود اختصاصاته على تلقي
طلبات التحفيظ وقبول التعرضات ومباشرة كافة العمليات المرتبطة بمسطرة التحفيظ.[13].
لقد
أوجد هذا التداخل في الأجهزة والاختصاصات في بعض الأحيان نتائج عكسية على العملية
برمتها أمام تفاوت الإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة لدى كل جهاز، وهذا ما جعل
الإجراءات بطيئة مع طول الوقت الذي تستغرقه بسبب تأخر صدور المراسيم النهائية حيث
تبقى عملية الضم معلقة بل وقد تتوقف بشكل نهائي في أحيان أخرى دون الإعلان عن هذا
التوقف رسميا وبشكل صريح. وهو الوضع الذي عاشته العديد من المناطق مما تسبب بأضرار
بالغة للملاك أصحاب الأراضي الفلاحية، فلا المشاريع أنجزت ولا بإمكانهم التصرف
بملكياتهم وهذا ما خلق وضعية شاذة.
وتداركا
لهذا الوضع، صدر مرسوم 06/01/1999 وتحديدا الفصل العاشر مكرر الذي خول للمحافظ بعد
استشارة اللجنة المحلية، إمكانية إلغاء الإعلان بإيداع التصميم والبيان التجزيئيين
في حالة توقف المشروع وعدم استئنافه داخل سنتين من تاريخ التوقف وذلك بنشر إعلان
الإلغاء بالجريدة الرسمية.
والملاحظ
أيضا في هذا الصدد غياب القضاء عن عملية الضم، باستثناء حضور القاضي كعنصر في
اللجنة المحلية للضم وأيضا صلاحيات القضاء للبت في التعرضات المثارة على مطالب
التحفيظ والبت في الطعون أمام المجلس الأعلى ضد قرارات لجان الضم. في الوقت الذي
كان يجب فيه على القضاء مواكبة عملية الضم منذ بدايتها بدءا بعملية فحص الحجج
المثبتة لحقوق الملك والحقوق العينية الأخرى دون أن يكون هذا الدور حكرا على أجهزة
الدولة الإدارية فحسب.[14].
ü
بالنسبة للتحفيزات الإدارية:
ما
فتئت الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية وبتنسيق مع
مختلف المحافظات العقارية المتناثرة عبر مختلف مدن وجهات المملكة، تفتح آجالا
محددة من حين لآخر في وجه الملاك عموما للأقدام على عملية التحفيظ العقاري وما
تحمله معها من امتيازات وضمانات ترفع من قيمة العقار وتجعله مفتوحا في وجه
الاستثمار المعقلن. إلا أن الوضعية المعقدة للأراضي سواء الفلاحية أو غيرها من
الناحية القانونية والواقعية والافتقار إلى التحديد الدقيق للمساحة ووجود عدة ملاك
أو شركاء على الشياع في قطعة أرضية واحدة أو عدم توفر بعض الملاك لأي حجج على
ملكية الأٍراضي المقيمين عليها والتي يستغلونها من خلال الترامي أو وضع اليد أو
الأراضي التي استوفى أصحابها شروط الحيازة عليها كلها أوضاع تجعل أصحاب هذه الأراضي
لا يقدمون على مسطرة التحفيظ خوفا من إثارة نزاعات مع جيرانهم أو ظهور تعرضات على
مطالب تحفيظهم فيفضلون بالتالي خيار بقاء الوضع على ما هو عليه دون نزاعات تزيد أوضاعهم سوءا.
Ã
بالنسبة للتحفيزات المالية المقدمة من الأبناك:
مواكبة
لعملية التحسيس بأهمية نظام التحفيظ العقاري، ووعيا منها بالأهمية البالغة التي
يلعبها العقار في مجال المعاملات المالية والضمانات التي يقدمها والقيمة التي
يعكسها متى كان العقار محفظا، تساهم بعض المؤسسات المالية والأبناك في التشجيع على
عملية التحفيظ العقاري، وتمنح لهذا الغرض للفلاحين قروضا مالية وبامتيازات خاصة
قصد حثهم على تحفيظ ملكياتهم، إلا أن الواقع أثبت أن هذه القروض الممنوحة وللأسف
لا ترصد لهذه الغاية وإنما يعمد جل الفلاحين إلا إنفاقها سدادا للديون المتراكمة
عليهم بفعل المواسم الفلاحية الصعبة التي مروا بها والتي لا تصل مستويات إنتاجها
إلى المعدل المتوسط. ومن الفلاحين أيضا من يرصد هذه القروض أما لبناء دور سكنية أو
شراء أراضي مجاورة أخرى إلى حد يذهب معه البعض في حالات أخرى غريبة إلى إنفاق هذه
القروض في عقد زيجات جديدة، وهذا ما يدعو إلى إعادة التفكير في هذه السبل
التشجيعية التي لم تحقق الأهداف المرسومة لها والمنسجمة مع نظام التحفيظ العقاري.
فالحاجة الأساسية تمكن في ترسيخ ثقافة التحفيظ العقاري أولا وأخيرا.
المبحث الثاني: نظام التحفيظ العقاري وعلاقته بالتنمية
في الوسط الحضري.
لاشك
في أن الأهداف التي رامها المشرع من خلال إصداره لظهير التحفيظ العقاري كانت تدخل
في إطار مخططات واستراتيجيات حاولت بالأساس التغلب على الإرث العقاري المعقد
والشائك الذي توارثه المغرب منذ قرون خلت.
وإذا
كان التركيز في هذا المبحث سينصب على الوسط الحضري والدور الذي يلعبه نظام التحفيظ
العقاري لتحقيق التنمية لهذا الوسط. فلا بد إذن من إلقاء نظرة على الوضعية
العقارية بالمدن المغربية وما تعيشه بدورها من تعدد وتعقيد في الأنظمة العقارية
التي باتت تفرض وجودها وآثارها أمام زحف العمران والتمدن. (المطلب الأول).
هذا
الوضع أثار صعوبات جمة أصبحت عائقا حقيقيا في وجه التنمية الحضرية خصوصا وفي
علاقتها أيضا بنظام التحفيظ العقاري على العموم، وهو ما جعل الباب مفتوحا على
مصراعية لمختلف الفاعلين والمهتمين بالشأن العقاري إلى إعطاء اقتراحات وجيهة
ومختلفة لتجاوز الوضعية العقارية المعقدة ببلادنا. (المطلب الثاني).
المطلب
الأول: الوضعية العقارية بالوسط الحضري ما بين التعدد وتعقد الأنظمة العقارية
إن
الباحث في الشأن العقاري داخل المدن المغربية، سيقف على وضعية سمتها الغالبة،
التناقض والمفارقات الواضحة أمام اتساع العمران وانتشار التمدن بوثيرة متسارعة
كنتيجة للتحولات الاقتصادية والزيادة في الكثافة السكانية، وضعية فرضت على الحواضر
ضرورة الامتداد والتوسع نحو فضاءات كانت محيطة بها مما أدى إلى الاصطدام بأنظمة
عقارية متعددة ومعقدة.
الفرع
الأول: الوضعية العقارية بالوسط الحضري
تلعب
الهياكل العقارية داخل المجالات الحضرية والمناطق المحيطة بها دورا حاسما في تشكيل
المدن، وعليه فإن أخدها بعين الاعتبار أمر ضروري عند بحث ورصد تطور المدن.
إن
المشكل الأساسي الذي بات يعترض المدن المغربية، يكمن في قلة الأراضي الصالحة
للبناء إذ هي إما منعدمة وإما مجمدة لأغراض المضاربة العقارية أو تابعة لملكيات
عمومية أو أنظمة عقارية أخرى يصعب الحصول عليها أو يطول أمد اقتناءها لبطئ وتعقد
المساطر، إضافة إلى وجود أراض داخل المجال الحضري خاضعة لنظام التحفيظ العقاري إلى
جوار أخرى غير خاضعة له مما يخلق وضعا متنافرا، إذ الأولى تكون قابلة للتقسيم
والتجزئة وإجراء الرهن الرسمي عليها في وقت يتعذر تجزئة الثانية مما يخلق فوارق
واقعية ومادية صعبة تساهم في عدم إقدام المستثمرين عليها، خصوصا في المناطق التي
كانت محيطة بالمدن وتحولت بسبب التوسع العمراني إلى مجالات حضرية. ويفضل
المستثمرون في هذا الصدد عدم الإقدام على دفع الثمن واقتناء الأرض. إلا إذا كانت
موضوع مطلب التحفيظ، بل وإلى الحد من المسطرة يكون معه باب التعرضات قد أقفل
نهائيا، وهي وضعية نؤثر على السوق العقاري وتضاعف من حدة الطلب على الأراضي
المحفظة وهو ما ينعكس تبعا على أثمنتها التي تبقى في ارتفاع مستمر.[15].
الفرع
الثاني: تعدد وتعقد الأنظمة العقارية بالوسط الحضري وآثارها.
اصطدم
التوسع الحضري للمدن بوجود أنظمة عقارية مختلفة كما هو الحال بالنسبة للأراضي
الجماعية وأراضي الجيش وأراضي الأحباس وهو ما أدى إلى صعوبات وعراقيل تقف عائقا
وسدا أمام أي استثمار حقيقي ومعقلن حسب احتياجات مختلف التجمعات الحضرية ببلادنا.
وعليه،
لابد من إلقاء نظرة ولو موجزة على مختلف هذه الأنظمة العقارية قبل الوقوف على
أثرها على الوضعية العقارية داخل المدن.
أولا:
نماذج عن الأنظمة العقارية الخاصة.
Ã
الأراضي الجماعية:
ينظمها ظهير 27 أبريل 1919 المعتبر بمثابة ميثاق لها كما وقع تتميمه وتغيير بعض
نصوصه.
ويعتبر
هذا النوع من الأراضي هما يشغل ويؤرق فكر الدولة في شخص الوزارة المعنية والمصالح
المختصة وكذا الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، إذ بالرغم من الجهود المبذولة
لتبسيط القواعد القانونية الخاصة بها وحل مشاكلها المعقدة، إلا أنها لازالت مصدر
نزاعات ومشاكل قانونية لا تنتهي في ارتباط صرف مع الاستغلال والتحديد والترامي
زيادة على الظروف الاجتماعية لساكنتها، لذلك فإن التطبيق العملي لقوانين تحديد هذه
الأراضي واجهته صعوبات جمة منها:
v صعوبة التعرف بدقة على
ذوي الحقوق على هذه الأراضي، مما يؤدي إلى طول إجراءات التحديد وما ينتج عنها من
تجميد هذه الأراضي.
v خضوع هذه الأراضي إلى
الأعراف المحلية المطبقة عليها والمختلفة من قبيلة إلى أخرى.
v اختلاف طرق الاستغلال
على مستوى القبيلة الواحدة والأرض الجماعية نفسها.
v توقف عملية التقسيم
الدوري في بعض الأراضي الجماعية، أدى إلى الاستقرار النهائي للأفراد عليها نتج عنه
نوع من التمليك.
v ظهور تعمير فوضوي على
المستوى الحضري وكذا المناطق المحيطة به وانتشار السكن غير القانوني والمساكن
العشوائية ودور الصفيح.
v بقاء السلطات العامة
والجهات المعنية عاجزة أمام وضعية تسوء يوما بعد آخر بالنسبة للأراضي الجماعية مع
ما باتت تثيره من مشاكل اجتماعية وحساسيات سياسية تدور في معظمها حول أحوال وقاطني
هذه الأراضي.[16].
Ã
أراضي الجيش: وينقسم حق
الملكية على أراضي الجيش إلى حق أو ملكية الرقبة العائد للدولة وحقي الاستغلال
والانتفاع العائدين للقبائل المقيمة عليها في ظل غياب أي نص قانوني منظم لهذه
الأراضي وعلاقتها بالجماعة المقيمة عليها من حيث التسيير والتصرف والمتحصل منها،
وبقائها بالتالي خاضعة للأعراف المحلية لكل قبيلة.
ومن
الناحية العملية يمكن التمييز بين نوعين من أراضي الجيش، وذلك حسب تطبيقات سلطات
الوصاية:
الأول: أراضي الجيش المسلمة للسكان المقيمين عليها قصد توزيعها
بين الأفراد، كأراضي جيش الأوداية وبالتالي عدم خضوعها لرقابة مديرية الأملاك
المخزنية وتسري عليها القوانين المنظمة للأراضي الجماعية.
الثاني: الأراضي التي لم يقع تسليمها بصفة نهائية للجماعات فهي
إذن من أملاك الدولة وتبقى بالتالي خاضعة لتدبير ورقابة مديرية الأملاك المخزنية.[17].
Ã
أملاك الأحباس: يطرح هذا النظام
مشاكل بالنسبة لاقتناء العقارات التابعة للأحباس الخاضعة لقواعد الشرع الإسلامي
والأعراف بعيدا عن تدخل سلطات الدولة.
إلا
أن هذه الأملاك عرفت تطورا هاما ومنذ عهد الحماية حيث أقدمت سلطات الحماية على
تقنين وتنظيم هذا النوع من الأملاك العقارية بهدف توجيه مؤسسة الأوقاف لتحقيق
أهداف التعمير وإشراكها في البناء والسكن للتمكن من استغلال رصيدها العقاري
والحصول على موارد مالية من ورائه.
هذا
الوضع، جعلها تقبل من جهة القيام بمشاريع غي ميدان المباني المخصصة للسكن أو
التجارة أو الصناعة تعود عليها بالفائدة في حين، ومن جهة ثابتة، تبقى القواعد
القانونية المنظمة لهذه الأملاك سدا منيعا أمام عملية اقتناء هذه الأراضي من قبل
السلطات العمومية. إضافة إلى ذلك فإن عملية التصرف في أملاك الأحباس بالبيع للخواص
دون تعويض في بعض الأحيان أو الاحتفاظ بملكيتها مع التنازل عن حق استعمال السطح
الواقع عليها عن طريق الحقوق العرقية الإسلامية سيؤدي لا محالة إلى ضياع هذا
الوعاء العقاري والحيلولة دون خضوعه لبرامج الدولة.[18].
ثانيا:
آثار تعدد الأنظمة العقارية على الوعاء العقاري بالوسط الحضري.
مما
لاشك فيه. أن تعدد الأنظمة العقارية داخل الوسط الحضري سبب ولا يزال، الكثير من
المشاكل والتعقيدات تحول حقا دون أية تنمية عمرانية حقيقية بالمدن المغربية.
وإذا
كان نظام التحفيظ العقاري وفي علاقته المباشرة بالتنمية يوفر مزايا هامة دفعت
بالسلطات العمومية إلى السير غي اتجاه تعميمه قصد تجاوز الوضع العقاري المعقد
ببلادنا، إلا أن هذا المسلك اصطدام بعراقيل تجد منبتها في نظلم التحفيظ نفسه، مما
أدى إلى البطئ في وثيرة التطبيق والتعميم ومن أهم المشاكل التي أفرزها هذا النظام:
ü
غياب سجل هندسي متكامل ومحين، وهذا الغياب مرتبط في جانب
مهم منه بعملية التحفيظ العقاري نفسها القائمة على مبدأ الاختيارية وفردية النظام
بقي معها رهينا برغبة الأفراد.
ü
انعدام التخطيط المحكم في الميدان العقاري من خلال غياب
برامج حكومية وإرادة سياسية قوية لتحديد برامج محددة لتحفيظ الأراضي من جهة وتعميم
هذا النظام على مختلف الأنظمة العقارية للخروج من وضعية الشتات واللاستقرار في
المعاملات العقارية أمام غياب أرضية قانونية موحدة وثابتة.
ü
عجز الدولة عن تعميم وتوحيد نظام التحفيظ العقاري دفع
إلى إعادة التفكير في مبدأ اختيارية التحفيظ أمام الحاجيات الضرورية والملحة
للتنمية الاقتصادية والاجتماعية خصوصا في مواجهة التطورات السريعة والتمدن الذي
بات ينتشر بسرعة كبيرة.
هذا
الوضع دفع الدولة إلى خلق سجل وطني للأملاك العقارية المحفظة وغير المحفظة مع
الاحتفاظ بنظام التحفيظ العقاري بمقتضى ظهير 19 يوليوز 1932 وتظهر الفائدة العملة
لهذا السجل من الناحية الاقتصادية ومن ناحية المعلومات التي يوفرها حول العقارات
على اختلاف الأنظمة السارية عليها.
ومن
جانب التطبيق العملي، فإن إنشاء ووضع هذا السجل الوطني يتحقق في وقت وجيز مقارنة
مع تعميم نظام التحفيظ العقاري الذي يسير بشكل بطئ وتدريجي.
كما
أن المراجعة الدورية للسجل تجعل منه أداة قيمة ووسيلة فعالة تساعد في عملية
التحفيظ العقاري وأداة لتعميمه، إلا أن المؤاخذ على هذا السجل اعتماده على الواقع
الظاهر وبالتالي عدم ارتكازه على أسس قانونية، كما أنه لم يشمل كافة مناطق المغرب.[19].
إن
الحتمية التي لا مفر منها تفيد بأن وجود أنظمة عقارية مختلفة لحيازة العقارات
وتملكها والمنتظمة في تقنيات عقارية متنوعة مع خضوعها من عدمه لنظام التحفيظ
العقاري كلها عوامل تؤثر بشكل مباشر في تكوين الحواضر المغربية.[20].
المطلب
الثاني: اقتراحات لتجاوز الوضعية العقارية المعقدة بالوسط الحضري
أمام
حدة المشاكل التي يطرحها تعدد الأنظمة العقارية والجمود القانوني في مقابل حركة
التمدن السريعة والتأثيرات المباشرة والسلبية لوضع الازدواجية في النظام العقاري
مما يشكل عائقا حقيقيا في وجه التنمية ظهرت عدة آراء واقتراحات حاولت تقديم حلول
لتجاوز الوضعية العقارية المعقدة منها من سار في اتجاه إعادة النظر في التشريعات
العقارية الحالية والسعي في اتجاه توحيد هذه المنظومة (الفرع الأول).
في
حين وجد البعض أن الإصلاح يجب أن يتوجه نحو الإطار المؤسساتي عبر مختلف الأجهزة
المتدخلة في الشأن العقاري وتجاوز وضعية التداخل في الاختصاص الذي يطبع عملها (الفرع
الثاني).
وفي
مقاربة شمولية، وإلى جانب الإصلاح التشريعي والمؤسساتي، ذهب رأي آخر إلى مد
الإصلاح إلى مختلف المهن المرتبطة بالعقار (الفرع الثالث).
الفرع
الأول: إعادة النظر في التشريعات العقارية
يرى
بعض الفقه[21] أن رد الاعتبار للعقار
يستلزم إعادة صياغة التشريعات التي تنظمه وذلك بتوحيد النظام العقاري والتخلص من
الازدواجية عبر التشجيع على التحفيظ العقاري وتبسيط مساطره والتخفيض من كلفته
والعمل على تعميمه وجعله إجباريا تجاوبا مع التقرير الخمسيني حول التنمية بالمغرب
لسنة 2005.
بالإضافة
إلى ذلك يجب مراجعة الوضعية الخاصة لبعض الأملاك كأراضي الجيش والأملاك الجماعية
والأحباس وملك الدولة الخاص لجعلها ملائمة لمتطلبات العصر وضرورات التمدن الحديث
المعقلن.
في
حين يقف البعض الآخر[22] أمام
طرح إعادة صياغة التشريع العقاري موقف حذر وتساؤل أسبق عن هذا الطرح، فإصلاح
النظام العقاري حسب هذا الرأي يستلزم بالضرورة تحديد الاتجاه الذي سيأخذه هذا
الإصلاح هل نحو التطوير؟ أم نحو التعبير؟.
ويبدو
أن الإجابة التي نفرض نفسها تسير في اتجاه السعي نحو التطوير أكثر من التغيير
لصعوبة تغيير بعض الأوضاع القانونية دفعة واحدة وبصفة فجائية كما هو الحال بالنسبة
للأنظمة العقارية الخاصة كأراضي الجيش والأراضي الجماعية وأراضي الأحباس التي
تصطدم بمشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية أو بحق الملكية نفسه.
أن
أي بحث للسياسة العقارية في هذا الاتجاه يصطدم بمشكل مزدوج، الأول يتمثل في وضع
إستراتيجية عقارية ملائمة ومعينة لتطور المجالات الحضرية.
أما
الثاني فيكمن في ملائمة هذه الاستراتيجيات وتوافقها مع القواعد العقارية التقليدية
الموجودة حاليا.
وعلى
الرغم من الصعوبة الظاهرة لهذا المشكل المزدوج إلا أن توافر الإرادة السياسية
اللازمة وتعبئة كل الفاعلين في المجال العقاري قد تجعل هذا الاتجاه أنجع وأقرب إلى
التحقيق وهذا يستدعي بدوره النظر في الإطار المؤسساتي المهتم بالشأن العقاري.
الفرع
الثاني: إصلاح الإطار المؤسساتي المتدخل في الشأن العقاري.
يعتبر
إصلاح الإطار المؤسساتي المتدخل في الشأن العقاري المدخل الثاني لعناصر إصلاح
المنضومة العقارية ببلادنا.
وعليه،
يجب إيجاد إطار مؤسساتي مهيكل ومتناسق ومكمل لبعضه قادر على نهج سياسة عقارية
فعالة وذلك عبر أجهزة متخصصة تعمل على تحديد الأولويات والتنسيق مع مختلف
المتدخلين في المجال العقاري الحضري، بل ويشمل أيضا المناطق القروية أمام إقبال
المشاريع التنموية عليها.
إن
الوضع الحالي، والذي يعكس تعدد الأجهزة والمتدخلين والتداخل في الاختصاص الذي يسم
أعمالهم في أحيان عديدة لا يساهم في تطوير الوضع بقدر ما يربكه، خصوصا وأن تدخل
هذه الإدارات المختلفة لا يتم في إطار تعاون مشترك مما يبعثر كل الجهود المبذولة،
وبالتالي ضرورة خلق جهاز إداري يؤلف ما بين كل الفاعلين العقاريين تابعين للدولة
أو كانوا خواص.
إن
تنظيم المدن يطرح أكثر من صعوبة وإشكال منها ما هو مرتبط بتحديد هياكل التسيير
المشرفة على التنمية الحضرية،كما أن الرقابة على الأراضي وإن كان معترفا بها
للدولة إلا أن طبيعتها وحدودها تختلف حسب النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي تنهجه
والمعتمد بالدرجة الأولى على مدى فعالية ونجاعة الأجهزة الإدارية المختصة.
وأمام
هذه المسؤولية الجسيمة والاختلاف الذي تتميز به الأسواق العقارية فإنه من الأنجع
أن تتقلد بهذه المهمة المجالس المحلية خصوصا وأن التوجه الحالي يسير نحو توسيع
اللامركزية. وبالتالي فمن المنطقي أن تقوم هذه الأخيرة بالسهر على احترام متطلبات
التنمية الحضرية المحددة في تصاميم التعمير وأن توجه الإستراتيجية العقارية على
ضوئها خصوصا بالنظر إلى اختلاف الأوضاع القانونية من منطقة إلى أخرى وبالتالي فإن
المعالجة يجب أن تكون على المستوى المحلي أولا.
وإذا
كان واقع الحال، يسجل حاليا ضعف وعجز الجماعات عن التدخل الفعال على الصعيد
العقاري أمام العراقيل التقنية والمالية والبشرية. فهل يعني هذا أن العلاج قد يمكن
في إطار أوسع؟.[23]
ولعل
الإجابة تمكن في أسلوب الجهوية، ذلك أن تسيير سياسة عقارية بكل مكوناتها ونتاجها
يتجاوز الإطار المحلي من جهة، كما أن حركة السكان لها دور أساسي في خلق الحاجة إلى
الأراضي من جهة ثانية. وهذا ما يجعل من الجهة، الفضاء الأمثل لوضع حصيلة للحاجيات
والإمكانيات في المجال العقاري.
ومن
النماذج البارزة في التجارب المقارنة في المجال العقاري ما حققته بعض الدول بالرغم
من الاختلاف والتباين في السياسات العقارية المتبعة نجد مثلا بريطانيا حيث تم
إنشاء مؤسسات عقارية على الصعيد المركزي تهدف إلى اقتناء الأراضي للقيام بعمليات
التعمير طبقا لقانون 1967.
وفي
السويد، برز الدور الهام للجماعات المحلية في المجال العقاري والذي أعطى نتائج
إيجابية متميزة، أما قي فرنسا، فقد ظهرت بها مؤسسات مختصة تقوم بتسيير العمليات العقارية
على المستوى الحضري وإن بشكل محدود على غرار الوكالة العقارية للمنطقة الباريزية.[24]
إن
مختلف السياسات والإستراتيجية المتعمدة في المجال العقاري، تؤكد ضرورة تدخل
السلطات العمومية للقيام بعمليات اقتناء الأراضي قبل استعمالها لأغراض التمدن
وأهمية هذه العملية تبرز بالنظر إلى الاحتياطي المتوفر من الوعاء العقاري على
المستوى المحلي أو الجهوي أو الوطني وهذا ما يشكل الأساس والدعامة للتحكم في
التنمية عموما.
إن
عملية الاحتياطات العقارية تحقق عدة مزايا أهمها:
ü
استفادة الدولة من الريع الناتج عن تجهيز هذه الأراضي
بتوفيرها للإمكانيات الاقتصادية المناسبة.
ü
تساهم في القضاء على السكن غير القانوني والعشوائي
والمسبب لإنعدام التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
ü
مراقبة تطور القيم العقارية، فتدخل الدولة في هذا
الجانب، وأمام الحاجة إلى الأرصدة العقارية يسمح بقطع الطريق أمام جميع أشكال المضاربات
العقارية التي تعتبر رأس المشاكل وبالتالي يكون دور الدولة هو السهر على استقرار
السوق العقاري ومن تم الأثمنة الخاصة بها.[25]
وللوصول
بهذه المزايا والغايات في حد ذاتها يرى بعض الفقه[26]
ضرورة إعادة تأهيل مختلف المهن المرتبطة بالمجال العقاري.
الفرع
الثالث: تأهيل المهن العقارية
أصبحت
الحاجة ملحة إلى إعادة النظر في وضعية المهن العقارية لتكون رهن إشارة الاستثمار
والتنمية بمفهومها الاقتصادي والاجتماعي.
إن
الوصول إلى هذه الغاية، يستلزم جرد المهن ذات الصلة بالمجال العقاري وتنظيمها داخل
إطار يساعد على إيجاد المناصب وفرص الشغل بالتأهيل وتدريب الكفاءات المتخرجة من
كليات الحقوق والتوثيق العقاري ومكاتب التبليغ وتهيئ مطالب التحفيظ العقاري
وإعدادها قبل التوجه إلى الوكالة الوطنية للتحفيظ العقاري، وإنجاز المحررات
العقارية وتفعيل الدور المنوط بوكيل إتحاد الملاك المشتركين في العقارات المبنية
وإيجاد محاكم عقارية متخصصة في المنازعات العقارية بين الأطراف أسوة بالمحاكم
التجارية، وتكوين القضاة في العلوم العقارية والتوثيق والمحاسبة والمعلوميات
والهندسة، بدلا عن القضاء العادي تأمينا للسرعة في تصفية المنازعات العقارية
والحفاظ بذلك على ثبات واستقرار أوضاع الملكية العقارية، الأمر الذي لا يتحقق في
ظل القضاء العادي ومساطره الطويلة والمعقدة.
كما
يجب إعادة تأهيل وتنظيم مهنة الوكيل العقاري بشتى اختصاصاته لاستيعاب جانب مهم من
المهن العقارية علما بأن المجال العقاري يمكنه استخدام طاقات وإمكانيات وكفاءات
مختصة في العقار في نطلق الشغل الحر والمبادرة المستقلة وهو ما سيساهم حقا في وضع
العقار في مساره الصحيح للتنمية المستدامة وسيفتح الأفق لتأسيس أرضية استثمارية
خصبة تحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية.[27]
فهرس المراجع
العقار والاستثمار:
v أشغال الندوة الوطنية
المنظمة من طرف وحدتي التكوين والبحث لنيل الدكتوراه ودبلوم الدراسات العليا
المعمقة في قانون العقود والعقار بكلية الحقوق جامعة محمد الأول وجدة -19-20 ماي
2006.
إعداد وتنسيق الدكتور إدريس الفاخوري- الطبعة الأولى-
2007 ، المطبعة دار النشر الجسور ش م م.
vالأنظمة العقارية في المغرب- ندوة علمية – الناشر- مركز
الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق- بمراكش- المطبعة الوطنية-
مراكش- الطبعة الأولى 2003 – تنسيق الدكتور محمد بونبات – محمد مومن.
الفهرســــــة
تقديــــم:...................................................................................................... 1
المبحث الأول: أهداف نظام التحفيظ العقاري وعلاقتها بالتنمية بالوسط
القروي..................... 3
المطلب الأول: الوضعية العقارية بالوسط القروي ومحاولات
الإصلاح........................ 3
الفرع الأول: الوضعية العقارية بالوسط القروي، من
التركيبة المشتتة للأراضي الفلاحية إلى الأشكال القانونية المعقدة........................................................................... 3
الفرع الثاني: الأهداف التنموية التي جاء بها ظهير
30/06/1962 والمحفزات الإدارية لتصميم نظام التحفيظ العقاري.......................................................................... 5
المطلب الثاني: الوسط القروي من خلال ظ 30/06/1962
المنجزات والمعيقات.......... 7
الفرع الأول: المنجزات المحققة بالعالم القروي في ظل ظ
30/06/1962............... 7
الفرع الثاني: معيقات وإكراهات التنمية بالوسط القروي..................................... 9
المبحث الثاني: نظام التحفيظ العقاري وعلاقته بالتنمية في الوسط
الحضري........................ 13
المطلب الأول: الوضعية العقارية بالوسط الحضري ما بين
التعدد وتعقد الأنظمة العقارية... 13
الفرع الأول: الوضعية العقارية بالوسط الحضري............................................ 14
الفرع الثاني: تعدد وتعقد الأنظمة العقارية بالوسط
الحضري وآثارها....................... 14
المطلب الثاني: اقتراحات لتجاوز الوضعية العقارية
المعقدة بالوسط الحضري................ 19
الفرع الأول: إعادة النظر في التشريعات العقارية............................................. 19
الفرع الثاني: إصلاح الإطار المؤسساتي المتدخل في الشأن
العقاري....................... 20
الفرع الثالث: تأهيل المهن العقارية............................................................. 23
فهرس
المراجع...............................................................................25
[1] - د.
محمد بونبات: الاستثمار العقاري والتنمية – أشغال الندوة الوطنية حول العقار
والاستثمار المنظمة من طرف وحدتي التكوين والبحث لنيل الدكتوراه ودبلوم الدراسات
العليا المعمقة في قانون العقود كلية الحقوق جامعة محمد الأول – وجدة 19-20 ماي
2006- أعداد وتنسيق الدكتور إدريس الفاخوري – الطبعة ألأولى 2007- دار النشر
الجسور – ص 40 و 41.
[4] -
مولاي عبد السلام شيكري- صلابة الأنظمة العقارية الخاصة وتأثيرها على مسار التنمية
العمرانية – ندوة علمية حول الأنظمة العقارية بالمغرب – الناشر مركز الدراسات القانونية
المدنية والعقارية بالمغرب- الناشر: مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية
بكلية الحقوق بمراكش – المطبعة الوطنية – مراكش- الطبعة ألأولى 2003 تنسيق د. محمد
بونبات ومحمد مومن- ص 123.
[5] - ذ.
نجيب شوقي- مسطرة التحفيظ الإجباري بشأن ضم ألأراضي الفلاحية بعضها إلى بعض (ظ 30
يونيو 1962) وأثرها على التنمية في المجال القروي – العقار والاستثمار- أشغال
الندوة الوطنية المنظمة من طرف وحدتي التكوين والبحث لنيل الدكتوراه ودبلوم
الدراسات العليا المعمقة في قانون العقود والعقار بكلية الحقوق جامعة محمد الأول
وجدة – 19-20 ماي 2006- إعداد وتنسيق الدكتور إدريس الفاخوري- الطبعة الأولى 2007-
دار النشر الجسور- صفحة 14. 15.
[12] -
محمد الوكاري – العقار بين الازدواجية وتعدد الأنظمة ومتطلبات التنمية الحضرية –
الندوة العلمية – الأنظمة العقارية في المغرب- الناشر: مركز الدراسات القانونية
المدنية والعقارية – كلية الحقوق مراكش – المطبعة الوطنية- مراكش- الطبعة الأولى
2003. تنسيق الدكتور محمد بونبات ومحمد مومن- الصفحة 251.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم