القائمة الرئيسية

الصفحات



مدخل لدراسة حق الملكية.








الحقوق العينية الأصلية هي الحقوق القائمة بذاتها من دون حاجة إلى غيرها ، وتشتمل في التشريع المغربي على الملكية والسطحية والإنتفاع والإستعمال والسكنى والكراء طويل الأمد والوقف والحقوق الإسلامية .
وسنتحدث بحول الله في هذا العرض عن القلب النابض للحقوق العينية ألا وهو حق الملكية ، هذا الأخير الذي تتفرع عنه سائر الحقوق الأخرى .
وقبل أن تستقر الملكية فيما هي عليه اليوم من أنها حق مغلق ، وفي نفس الوقت دور الطبقة الإجتماعية في المجتمع ، فقد مرت بمراحل مختلفة ، وعرفت تقلبات عديدة بين مد وجزر حتى أصبحت اليوم حق يحميه القانون وتقره الدساتير والأعراف في كل دول العالم كما نصت عليه المواثيق كحق من حقوق الإنسان الأساسية حيث نجد اليوم إنسانا لا يمارس حق الملكية[1].
وعموما إرتأينا أن نقسم موضوعنا إلى ثلاث مباحث أساسية ، على أن نخصص المبحث الأول للتطور التاريخي للملكية وتعريفها ، والمبحث الثاني لمكونات وخصائص حق الملكية ، ليبقى لنا في الأخير تناول نطاق حق الملكية .






المبحث الأول : التطور التاريخي للملكية وتعريفها .
سنتناول في مبحثنا التطور التاريخي لحق الملكية وتعريفها ، لذلك سنقسم مبحثنا إلى مطلبين .
      المطلب الأول : تاريخ الملكية .                     
             أولا : التطور التاريخي للملكية بوجه عام .
منذ أن خلق الله الإنسان على وجه الأرض وهو يسعى للتملك ، فالتملك غريزة بشرية يسعى لك كل إنسان وبشتى الطرق سواء كان غازيا أو غاصبا أو شاريا ، ولعل خروج آدم عليه السلام من الجنة هو سعيه نحو التملك .
ولقد كانت الملكية أول الأمر ملكية مشاعة حيث كان كل شيء مباحا للجميع وينال بالأحراز وبوضع اليد ، فلم يكن مسموح أو معروف أن يقول البدائي هذه أرضي وحدي ولاحق للآخرين فيها [2]
ومع بداية إستقرار الأسر والجماعات على أرض محددة ومع ظهور الحاجة إلى التعاون لفلاحة الأرض  بدأت أول بوادر الملكية الجماعية ، حيث كان أفراد القبيلة الذين يعتمدون على الرعي والصيد يشتركون في الإنتفاع بالأرض والمعدات ، ومع مرور الزمان وظهور ما أصبح يعرف بالأسرة الأبوية ، وترسخ سلطة الأب على أفراد أسرته ، فانتقلت الملكية من جماعية إلى ملكية أسرية أو عائلية التي تقضي بأن العائلة هي التي تملك الأرض وأدوات الفلاحة ، ثم إنتهى التطور إلى ظهور الملكية الفردية
التي تعني حق الفرد في الإستثار بما يستطيع تملكه من أموال ، والذي إعتبر حسب كثير من الباحثين أفضل أنظمة وأكثرها نفعا لبني الإنسان[3].
وإذا كان هذا التطور على مستوى من له الحق في الملكية فإن هاته الأخيرة عرفت تطورا آخر من حيث مداها وما تخوله من سلطة لصاحبها ، حيث إنتقلت من الحق المطلق في عهد الرومان إلى الحق المقدس في عهد الثورة الفرنسية حيث نصت المادة 87 عن دستور 1791 في فرنسا على أن : " حق الملكية مقدس لا يجوز إنتهاك حرمته "  ، ومنه تسرب إلى المادة 544 من القانون المدني الفرنسي .
غير أن هذه النزعة الفردية المطلقة أصبحت تصطدم مع مطلع القرن 19 بظهور الأفكار الشيوعية والأمريكية التي تنادي بنبذ الملكية الفردية ، وإعتبارها ذات وظيفة إجتماعية في المجتمع .
وعموما فقد حاولت معظم التشريعات الوضعية الحديثة المزدوجة بين النزعة الفردية للملكية ووظيفتها الإجتماعية في المجتمع ، وهو فعلا ما تجسده بعض الدساتير كالمادة 34 من الدستولا المصري ، وإذا كانت البشرية لم تضل إلى هذا الدور المزدوج للملكية الخاصة إلا في عصرنا الحالي ، وأذا كان الرأسماليون يفتخرون بكون الثورة الفرنسية هي من أضفت حق القدسية على حق الملكية وإذا كان الإشتراكيون يفتخرون بكون الأفكار الماركسية وللثورة الروسية هي من أعطى للملكية وظيفتها الإجتماعية ، فإننا نقول لهؤلاء وهؤلاء بأن الشريعة الإسلامية الغراء كانت
سباقة منذ قرون بعيدة إلى تقرير هذه الطبيعة المزدوجة للملكية الخاصة .

             ثانيا : تطور الملكية في المغرب .
*     قبل الفتح الإسلامي :
بالرجوع إلى الكتب التاريخية النتتبعة لحياة برابرة شمال إفريقيا من الوجهة الإجتماعية يمكن التوصل إلى معرفة أنه كان لهم إهتمام جماعي بالفلاحة في إطار الملكية القبلية للأرض والمرعى حيث أنهم كان لهم عناية بزرع الحبوب وغرس الأشجار .
وعموما فإن كل ما تبنته كتب التاريخ عن نمط الملكية  الذي كان سائدا هو الملكية الجماعية للقبيلة يدل على ذلك عمليات توزيع أراضي في حقب مختلفة وإكتشاف بيوعات عقارية عثر عليها ضمن 45 لوحة إكتشفت بجنوب تسة في شهر شتنبر 1928[4].
ولا يعني هذا الملكية الفردية إنعدمت بالمرة بين البربر بل أنها ظهرت بينهم أيضا ملكيات فردية كنوع طارئ لم يعرف بالظبط متى طرأ أو ماهي العوامل التي ساعدت على ظهور هذا النوع من الملكية .
*    ملكية الأرض في ظل الإسلام :
منذ أن حق الله على هانه الأرض المباركة بالإسلام ودخول الناس فيه أفواجا أصبح الإسلام هو المرجع الأول في كل شؤون الحياة وتنظيم سائر المعاملات وخاصة في ميدان القطاع العقاري ، حيث لم تبقى الملكية الجماعية للأرض هي المنتشرة وحدها بل أضيفت إليها أنواع أخرى تمثلت
 أساسا في الأراضي الوقوفة على جهة الإحسان وأراضي الحمى وعموما فإن نظام القانوني الذي كانت تخضع له الملكية هو قواعد الفقه الإسلامي على المذهب المالكي حيث كان هو المرجع الأساسي وأيضا من بعض الأعراف المحلية والممارسات العملية التي تتوافق مع المبادئ الأساسية لهذا الفقه .
وبالطبع فإنه لم يكن يتصور أن تكون الأراضي في ملك غير المغاربة ، ولكن مع بداية الظرف السياسي للدولة المغربية في أواخر القرن 19 ، وبداية التغلل الأجنبي في المغرب أصبح بإمكان الأجانب تملك الأرض بالمغرب وهذا ما نصت عليه المادة الثالثة من إتفاقية مدريد سنة 1881 حيث نصت على حق الأجنبي في تملك الأرض [5] .
*     الملكية في عهد الحماية :
ما إن خط الإستعمار البغيض قدميه في أرض المغرب وذلك على إثر توقيع عن هذه الحماية في 30 مارس 1912 [6]، حتى بدأت ملكية الأرض من الوجهة الفقهية تتغير حيث عملت سلطات الحماية على إصدار قوانين حديثة تتعلق بالمجال العقاري حيث تتناسب مع أهدافها الإستعمارية تصدرت في هذا الباب عدة قوانين وفي شكل ظهائر ومراسيم سدت فراغا كانت الملكية العقارية تشكو منه .
وترتب عن هذه القوانين وخاصة في منطقة الحماية الفرنسية أن أصبحت الملكية العقارية تعرف إزدواجا تشريعيا في القانون الواجب التطبيق .
*     ملكية الأرض بعد الإستقلال .
شرع المغلاب منذ حصوله على الإستقلال في تنظيم الملكية العقارية ، إلا أنه للأسف لم يفلح في توحيد النظام القانوني للملكية إذ أن هاته الأخيرة تعرف أنواعا عديدة بعضها ناتج عن تأثير الفتح الإسلامي وبعضها أفرزته عادات وأعراف مختلفة وبعضها ناتج عن تأثير النفوذ الأجنبي الذي خلق قواعد جديدة شغلت في ميدان العقار حيزا مهما في التطبيق .
وهذا التعدد هو الذي حدى ببعض الفقه إلى تجزئة الأنظمة العقارية إلى 18 أصناف في حين ذهب بها رأي آخر إلى أنها 27 نوع .
ولكن في الحقيقة وكما يقول بذلك أستاذنا الدكتورسعيد الدغيمر [7] أن هاته الأنظمة هي مجرد أنظمة صغرى لا ترقى إلى درجة صنف مستقل
مما يجعل الأنظمة العقارية في المغرب في رأي هذا الإتجاه أنها ثلاث أنواع .
عقارات محفظة وعقارات غير محفظة فضلا عن الأراضي الخاصة (أراضي جماعية / أراضي الكيش / أراضي الموقوفة ) .
         المطلب الثاني : تعريف حق الملكية .
*    الملكية في معناها اللغوي والحقوقي .
الملك لغة كما جاء في لسان العرب هو إحتواء الشيء والقدرة على الإستبدادية .
أما الملكية في معناها الحقوقي الواسع هي كل مصلحة للّإنسان ذات قيمة يحميها القانون كالأرض والسفينة وبراءة الإختراع وحقوق التأليف .
أما المقصود بالملكية بالمعنى الحقوقي هي الحق العيني المقصود في دراستنا هاته وهي أوسع الحقوق العينية وبنفس الوقت هي أكثرها مرونة ، لذلك إختلفت تعريفاتها سواء الفقهية أو القانونية .

*     الملكية في الفقه الإسلامي .
قبل الحديث عن تعريفات فقهاء الشريعة الإسلامية رحمهم الله للملكية لابد من الإشارة إلى أن هاته التعريفات كانت ذات صبغة عقائدية ، إذ أن المفهوم النظري للتملك في الفقه الإسلامي ينطلق من حقيقة أن الله عز وجل هو المالك لكل شيء مصداقا لقوله  عز وجل : " له ملك السموات والأرض ".
وعموما فقد ذهب فقهاء الحنفية في تعريف الملكية إلى أنها قدرة يتبعها الشارع إبتداء على التصرف الألماني [8] .
أما عند المالكية فقد عرفها الشيخ إبن عرفة : " الملك إستحقاق التصرف في الشيء بكل أمر جائز فعلا وحكما لا نيابة "[9] .
وعموما إختلفت تعريفا فقهاء الملكية بأنها تصب في إتجاه واحد أو وهو أن الملك يخول للشخص التصرف في الشيء المملوك .
*     الملكية في القوانين الوضعية .
لم تعرف أغلب التشريعات الوضعية حق الملكية وإنما إكتفت بإبراز خصائصها وهذا هو حال القانون المدني المصري وباقي القوانين المقتبسة منه حيث نص في المادة 802  " أن لمالك الشيء وحده في حدود القانون
 حق إستعماله واستغلاله والتصرف فيه  ، ويقابل هاته المادة 811 ليبي و768 سوري و684 سوداني ، وهذا الفراغ التشريعي في تعريف الملكية دفع الفقه إلى تعريفها وفي مقدمته عميد الفقه العربي المرحوم السنهوري ، حيث يعرفها : " إنها حق إستثار باستعماله وإستغلاله وبالتصرف فيه على وجه دائم وكل ذلك في حدود القانون " [10] .
ولم يخرج عن القوانين المدنية العربية المقتبسة من مدونة السنهوري إلا القانون العراقي حيث عرف حق الملكية في المادة 1048 المقتبسة عن المادة 11 من مرشد الحيران .
أما فيما يخص التشريع المغربي فإننا نجده قد أعطى تعريفا لحق الملكية في الفصل التاسع من ظهير 19 رجب حيث عرفها بأنها "حق التمتع والتصرف في عقار بطبيعته أو بالتخصيص بصورة مطلقة على أن لا يشكل هذا الحق إستعمالا تمثله القوانين أو الأنظمة "[11].
ولقد أورد الفقه المغربي وفي طليعته الأستاذ المأمون الكزبري مجموعة من الملاحظات حول الفصل التاسع وهي :
ü     - أن حق الملكية جاء مقتصرا على الملكية العقارية في حين أن حق الملكية يمكن أن يكون محله عقارا أو يمنك أن يكون منقولا .
ü     أن هذا التعريف يقتصر على إبراز عنصرين من عناصر الملكية وهما حق التمتع والإستعمال وحق التصرف ويغفل حق الإستغلال الذي لا يقل أهمية عن عنصري الإستعمال والتصرف .
ü     أن المشرع نص على أن حق الملكية هو حق مطلق وقد قيده بالقوانين وأنظمة في ممارسة الحق بل يجب عدم التعمق في ممارسته .
وبناء على هذه الملاحظات أورد الأستاذ الكزبري تعريف لحق الملكية حيث قال بأنه :" حق عيني على شيء معين يخول صاحبه دون غيره بصورة مطلقة إستعمال الشيء وإستغلاله و التصرف  فيه وذلك في حدود القانون والنظام ودون تعسف " .
ولا يسعنا إلا تبني هذا التعريف الذي أعطاه الفقه بإعتباره تعريف حاسم ومانع للملكية إذ أن من مميزات هذا التعريف :
1.     أنه إعتبر حق الملكية حقا عينيا يتناول شيئا معينا منقول كان أم عقار .
2.    أنه يحدد سائر عناصر ومميزات الملكية من إستعمال وإستغلال وتصرف .
3.    يشير إلى قيود ذلك الحق التي تمليها القوانين  والأنظمة فضلا عن عدم التعسف في إستعمال الحق .
وإذا كان جتنب من الفقه إعتبر أن الفصل التاسع من ظهير 19 رجب قد أورد تعريف ناقص فإنه بالمقابل يذهب رأي آخر إلى أن الفصل 9 من ظهير 19 رجب قد أوفى بجميع عناصر  الملكية ، وشدد هذا الرأي بعبارة "التمتع" الواردة في الفصل 9 حيث يقول إذا نظرنا إلى هذه الطرق من هذا المأخذ وما قد يعتبره البعض من جرائه نقصا في التعريف ، وأمعننا النظر في عبارة "التمتع" نجد أن خذا التعبير يمكن أن يصبح معناه إستعمال المملوك ذاته ، هذا هو عنصر الإستعمال وأيضا عنصر الإستغلال عن طريق ترك منفعته لغيره .
وبذلك يكون التعريف المذكور توفرت فيه عناصر حق الملكية الثلاثة التي يطلب قانونيا توفرها في تعريف حق الملكية والتي هي الإستعمال والإستغلال والتصرف ، وبالتالي فلا وجه إلى التعريف المذكور من نقذ [12].






        المبحث الثاني : مكونات وخصائص حق المليكة .
     المطلب الأول : مكونات حق الملكية .
لم يعمل الفقهاء المسلمون الأوائل على تخصيص باب لبيان عناصر الملكية بصفة متميزة ، لأن في منظورهم أن عناصر الملكية هي المكنان كما هو تعبير القرافي التي يتضمنها هذا الحق ، وهي مكنان تظخر بصورة واضحة في الملكية التامة التي تخول للمالك حق التصرف والإستعمال والإستغلال ، وفي نظرهم فإن التصرف بنوعيه المادي والشرعي هو أكثر المكنات بروزا بحيث أن الإكتفاء بذكره يغني عن ذكر الإستعمال والإستغلال لأن من ملك التصرف يعد مالكا في الأصل لهما [13] .
ولذا يمكن القول أن أسلافنا وإن لم يعملوا على تفصيل مكنات حق الملكية على الطريقة التي نهجها المحدثون ، فإنهم عملوا على تعريف حق الملكية إنطلاقا من معطيات الشريعة ، ومعللين عد م تفصيل عناصرها بأن عنصر التصرف والتركيز عليه ما يغني عن ذلك [14] .
وإذا كان هذا هو موقف فقهاء الإسلام الأوائل فإن الفقه الحديث درج على عادة القول بأن الملكية تتألف من ثلاثة عناصر هي : حق إستعمال الشيء ، والتصرف فيه ، وحق الإستغلال .
¨     حق الإستعمال :  ومعناه إستعمال الشيء في ما أعد له ، وفي كل ما يمكن أن يستعمل فيه وهو قد يكون شخصيا ، كسكنى المنزل أو ركوب السيارة أو إرتداء الملابس ، ويكون أيضا بإستهلاك الشيء كأكل الطعام ، وهو الإستعمال المادي .
وعموما فإن هذا العنصر المكون لحق الملكية يخول للمالك إستعمال ملكه كما يشاء ، وأن يفعل فيه ما يشاء لكن شريطة التقيد بالقوانين والأنظمة وعدم التعسف في إستعمال الحق .
¨     حق الإستغلال : يذهب بعض الفقه المصري [15]إلى أن الإستعمال والإستغلال يقربان أحدهما من الآخر فكلاهما في نظر هذا الفقه إستعمال للشيء ، فإذا ما استعمل المالك الشيء شخصيا يسمى إستعمال ، وإذا إستعمله بواسطة غيره في مقابل أجر يتقاضاه من الغير سمي إستغلال .
وعموما يقصد بحق الإستغلال أن للمالك حق إستخلاص ثمرات الشيء لنفسه سواء كانت طبيعية كالفواكه والحيوان أو مدنية كأجرة الدار [16].
والإستغلال قد يكون بطريق مباشر كأن يكون ملك الأرض فيزرعها بنفسه ويبيع محصولها أو بطريق غير مباشر بأن يؤجرها لمن يزرعها[17].
¨     حق التصرف : معناه أن للمالك إجراء سائر التصرفات سواء كانت تصرفات قانونية أو مادية .
1-التصرفات المادية[18]: يقصد بها القيام بأي عمل يؤدي إلى القضاء على مادة الشيء ذاته كليا أو جزئيا أو تحويله إلى شيء آخر أو تغيير صورته كهدم البناء كله أو في جزء منه .
2-التصرفات القانونية : قبل بيع هذا الحق أو رهنه أو هبته أو غير ذلك من ضروب التصرف القانوني[19].
وإذا كانت هاته العناصر الثلاثة هي المكنات الأساسية لحق الملكية ،ف إن هناك من الفقه من يأبى بإعتبارهاته العناصر حصرية ، إذ يعتبر أن التطور الحقوقي في المستقبل قد يأتي بقوانين أو أنظمة تنقص أو تزيد من هذه العناصر ، ويعتبر هذا الفقه أن هناك ملكيات قانونية لا تشتمل على هذه العناصر الثلاثة مجتمعة كالملكية الجماعية بالمغرب[20] .


                المطلب الثاني : خصائص حق الملكية .
إن الإعتراف بحق الملكية يقتضي ضرورة الإعتراف بخصائصها ومميزاتها التي تنفرد بها عن باقي الحقوق العينية الأخرى .
ولايجادل أحد في خصائص حق الملكية إذ أن هناك إجماع على أن للملكية مميزات مميزة لها ، وقد ذهب بعض الفقه إلى أنها ثلاثة خصائص والتي سنتناولها من خلال موضوعنا  وهي كالتالي :
أولا : الملكية حق جامع .
معناه أن حق حق الملكية يتسع بما يخوله من سلطات تمكن المالك من الحصول على كافة أوجه الإستفادة المستمدة من الشيء محل الحق [21] ، فهو يستعمل هذا الحق ويستغله ويتصرف فيه [22]، وليس لصاحب اي حق عيني آخر على الشيء ، كل هذه السلطات جميعا ، با لا يكون له إلا بعضها ثم أن للمالك أن يصنع بملكه ما يشاء إلا ما منع منه القانون .
ثانيا : حق مانع .
  وهذا يعني أنها حق مقصور على المالك دون غيره ، بمعنى أنها لا يستاثر بها إلا المالك وحده ، ويترتب على ذلك أن الشيء الواحد لا يمكن أن يكون مملوكا لشخصين في وقت واحد ، وبالنسبة لحالة الشيوع فإن الشخصين لا يملكان الحق كله ، بل يملك جزء من الحق على الشياع ، وذلك على خلاف ما يمكن أن يتوفر في الحق الشخصي عندما يكون هناك 
إثنان متضامنان إذ يملك كل منهما كل الحق أي يعتبر كل منهما دائنا به كله في مواجهة المدين [23] .
   ثالثا : حق دائم .
ويتم إعتبار خصيصة الدوام بالنظر إلى الشيء المملوك لا بالنسبة للشخص المالك ، لأن هذا الأخير لان هذا الأخير لا يبقى واحدا على الدوام فكثيرا ما تنتقل الملكية من شخص إلى آخر فيتغر شخص المالك ، ولكن الملكية تبقى بعينها ولذا يقال بأن الملكية تتابد بإنتقالها [24] .
وعموما فإن دوام الملكية معناه أنها لا تسقط بعدم إستعمال وهي في هذا تختلف عن سائر الحقوق العينية التي يلحقها التقادم المسقط [25].
ولا يجوز أن تقترن الملكية بأجل فلا يصح الإتفاق على أن يكتسب المتصرف إليه الشيء لمدة محددة 5 سنوات مثلا بحيث إذا إنقضت إعادة إلى مالكه القديم فهذا الإتفاق يتنافى مع طبيعة الملكية ، ومن تم يكون شرط الإضافة باطل مالم يعمل على أنه إنشاء من قِبل لحق الإنتفاع هو الذي يقبل بطبيعته التوقيث [26] .
رابعا : الملكية بين الإطلاق والتقييد .
إذا كانت الخصائص والمميزات المذكورة أعلاه تحوز إجماع فهي على أن الملكية تتميز بهما عن سائر الحقوق العينية ، فإن هذا الوصف الرابع يعرف خلافا بين الفقه في حين يذهب إتجاه أول [27] إلى أن الملكية حق مطلق يحتج به ضد الكافة لأنها تعتبر أكثر الحقوق إلتحاقا بالفرد وأقواها جميعا
أما إتجاه الثاني[28] فهو يعتبر أن حق الملكية هو حق ذو وظيفة إجتماعية تعود بالنفع على المجتمع بأسره من خلال ما يقوم به المالك من سلطات تحقيقا لمنفعته .
ولقد نصت بعض الدساتير صراحة على الوظيفة الإجتماعية للملكية كما هو الحال لافي الدستور المصري لسنة 1971 في المادة 34 : " ملكية الخاصة وينظم القانون وظيفتها الإجتماعية "
وإذا أردنا إستقراء موقف النشرع المغربي من هاته الخصيصة بمعنى هل الملكية حق مطلق أم ذو وظيفة إجتماعية ؟
 فإننا نجد أن المشرع المغربي قد حاول الدمج بين المعطيين معا ، ومن النصوص القانونية التي تؤكد على حماية الملكية هناك بالإضافة الفصل 9 من ظهير 19 رجب الذي أورد عبارة (بصورة مطلقة )
هناك أيضا المادة 15 من دستور 1996 فصل عن المشرع هذه الحماية الجنائية لتشمل حق الملكية طبقا لما هو منصوص عليه في الفصل 570[29] من القانون الجنائي ، بالإضافة إلى أن المشرع حمى الحيازة بدعوى إسترداد الحيازة وذلك في الفصل 166 من ق م م [30] .
وإذا كانت هاته النصوص ذات توجه فرداني في حماية الملكية ، فإن المشرع بالمقابل لم يهمل الجانب الإجتماعي في حق الملكية  ، وهو ما عبر عنه واضعوا دستور 1996 في الفقرة الثانية في المادة 15 .
وعموما فإن المستخلص مما سبق أن الملكية العقارية الخاصة ليست حقا مطلقا تطغى عليه النزعة الفردية بالكامل ولا بوظيفة إجتماعية خالصة ، وإنما هي حق يجمع بين النزعة الفردية وإتجاه إجتماعي [31] .





         المبحث الثالث : نطاق حق الملكية .
إذا كنا قد إعترفنا بـأن للمالك حف على ملكه يتصرف فيه كيف شاء فالسؤال الذي يطرح هو أين تنتهي حدود الإنسان على ملكه ، أو بعبارة أخرى ماهي مشمولات حق الملكية ؟؟
إن الجواب عن هذا السؤال جاء في الفصلين 11 و12 من ظهير 19 رجب حيث ينص لبفصل 11 " ملكية العقار يخول المالك جميع ما يتحصل عنه ومن توابعه إما طبيعة أو صناعة " .
وينص الفصل 12 " أن الغلال الطبيعية أو الصناعية المستخرجة من الأرض وكذلك الغلال المدنية وناتج الحيوانات كلها ملك لرب الأرض بموجب الحق الذي له في توابعها "
وبإستقرائنا لهذين الفصلين نلاحظ أنهما جمعا بين ما ينتجه العقار وما يتفرع عنه ، وبين ما يلتصق به إلتصاقا طبيعيا أو صناعيا في حين أن الإتجاه  الحديث في  التشريعات المقارنة  تتكلم عن شمول حق  الملكية لما
يتفرع عنه الملك في نطاق الملكية بينما يعتبر الإلتصاق  الطبيعي والصناعي سببا للملكية وندرجه ضمن أسباب كسب الملكية
وهذا ما أشار عليه الفقه المغربي[32] تماشيا مع ما تم تبنيه في القوانين المدنية الحديثة وهو ما سنسير على منواله بحول الله في هذا الغرض فضلا عن ماسلف ذكره فإن  الفصلين المذكورين 11 و12 يتحدثان عن نطاق ملكية العقار المحفظ فقط لكونهما وردا في ظهير العقارات المحفظة دون الحديث عن العقار غير المحفظ والمنقول ، ولا يرى الفقه المغربي مانع من تمديد هاته الأحكام الواردة في الفصلين المذكورين أعلاه ليشمل كذلك العقار غير المحفظ [33] والمنقول لأنهما من المبادئ العامة .
       المطلب الأول : نطاق الملكية من حيث العلو .
لقد إتفق الفقهاء المسلمون الأوائل على أن لمالك الأرض أن بستفيد مما فوقها إلى عنان السماء فله أن يعلي على الأرض من الأبنية ما يشاء وليس لغيره بغير إذنه أن يتعدى على هواء أرضه [34] ، وفي هذا الصدد يقول التسولي :" من ملك أرضا لملك هواءها إلى ما لا نهاية له " [35].
ولكن تماشيا مع الحديث النبوي الشريف الصادر عن المشرع الأعظم للبشرية (لا ضرر ولا ضرار ) فقد إشترط الفقهاء عدم الإضرار بالغير .
ويمكن القول أن ما تبناه فقهاء شريعة إسلامية هو ما توصلت إليه القوانين الوضعية الحديثة حيث يمنع في بعض الأماكن من أن يتجاوز المالك في إستغلال العلو مساحة معينة كالأماكن السكنية القريبة من المطارات علي سبيل المثال .
وعموما فإن المشرع المغربي ومن خلال الفقرة الأولى من الفصل 15 من ظهير 19 حيث نص على أن للمالك الحق في أن يقيم على أرضه جميع أنواع المغروسات والبنايات تغييرات إلا إذا كانت هناك حقوق أو إتفاقية (طبيعية أو قانونية أو إتفاقية ) .
وعموما فإن الفقه المغربي يرى أن من حق مالك العقار الإستثار بالتمتع بالهواء الذي يعلو أرضه ضمن الحد المفيد الذي يكون عادة في عشرات الأمتار .
        المطلب الثاني : نطاق الملكية من حيث العمق .
إن المعتمد في الفقه الإسلامي عموما والمالكي خصوصا هو أن مالك الأرض يملك ما تحتها ، وفي هذا الصدد يقول التسولي :" كما ملك الأرض يملك باطنها على المعتمد " [36] .
أما فيما يخص المشرع المغربي فبقراءة في الفقرة الثانية من المادة 15 من ظهير 19 رجب فإننا نجده أورد قاعدتان أولهما تعطي للمالك حق التصرف في العمق بكل حرية ، أما الثانية تجعل قيود وإستثناءات على هذا الحق .
¨     القاعدة العامة :
بناء على ماهو وارد في الفقرة الثانية من الفصل 15 فإن للمالك الحق في أن يحدث تحت أرضه كل بناء أو أن يقوم بكل تنقيب ، وأن يستخرج جميع المواد التي يحصل عليها فمثلا للمالك حق حفر بئر في أرضه ، كما له أن يمنع غيره من تجاوز على هذا العمق وللمالك أيضا أن يتصرف في هذا العمق تصرفا قانونيا كأن يبيعه أو يهبه .
وبالطبع فإن الفقه لم يجعل سلطة المالك على العمق إلى ما لا نهاية ، وإنما جعلها قاصرة علة حد المعقول [37] .
وهو ما حرصت عليه بعض التشريعات على ذكره صراحة كالمادة 803 من القانون المدني المصري " وملكية الأرض تشمل ما فوقها وما تحتها إلى الحد المفيد في التمتع بها علوا أو عمقا " ، وما يقابلها من مواد في القوانين المدنية العربية المقتبسة عن القانون المدني المصري .
وبهذا تكون هذه التشريعات العربية لم تترك مجال للجدل العقيم الذي حدث بفرنسا حول نطاق ملكية أرض علوا وعمقا وحرية المالك في تمتع الغير من إنتفاع بما فوق أرض وما تحتها ولو لم يلحقه ضرر من إنتفاع الغير وحقه في منع تحليق طائرات فقو أرضه ، لأن النصوص القانونية في هاته التشريعات صريحة في تقييد نطاق الملكية بالحد المفيد [38] .
وإذا كان المبدأ العام هو حق المالك في التصرف في ملكه وفي نطاقه فإن هذا المبدأ قد ترد عليه إستثناءات تحد من سلطاته .
وتتجلى هذه الإستثناءات فيما يلي :
لقد إستثني المشرع بنصوص خاصة المناجم والمقالع من أن تكون بين مشمول الملكية الخاصة وذلك راجع لكونها ذات منفعة عامة ، حيث أن المناجم منظمة بمقتضى ظهير 6 أبريل 1951 والمقالع منظمة بمقتضى ظهير 5 ماي 1914 .
وإذا كان هذا هو الحال عليه في مختلف التشريغات فلا يفوتنا هنا أن نشير إلى أن الفقه الإسلامي وخاصة فقهاء المالكية كان لهم السبق في تقرير هذع القاعدة حيث ينصون على أن المعادن كالذهب والفضة والنحاس والرصاص والقزدير والجوهر والياقوت تعتبر ملكا للإمام (الدولة ) ولو كانت في أرض مملوكة لشخص معين وأن الإمام هو الذي لديه الحق في التصرف فيها [39] .
وهناك إستثناء آخر يسري على التحف والآثار الفنية طبقا لما هو منصوص عليه في ظهير 21 يوليوز 1945 الذي أوجب الحصول على ترخيص معين من أجل التنقيب عنها ، وإذا إكتشفت صدفة أثناء القيام بحفريات فإن على من كان يقوم بالحفريات أو من أمر بإخراجها أن يخبر عن هذا الإكتشاف السلطة ، وقد يصبح ملكا للدولة إذا كانت الوزارة المعينة قد طالبت بها خلال مدة 6 أشهر من تاريخ اليوم الذي أحيطت فيه علما بالإكتشاف ، وفي هذه الحالة يمنح تعويض لحائز هذه الآثار وذلك ضمن فوائد حددها الظهير المذكور [40] .






بوصولنا إلى هاته النقطة نكون قد وصلنا إلى خاتمة هذا الموضوع المتواضع وكما يقال فخاتمة الشيء هي مغزاه والمغزى الذي نستطيع الخروج به عن هذا العرض هو أن التطور الإقتصادي والإجتماعي والحقوقي الذي عرفته البشرية فرض على الملكية وظيفة مزدوجة عملت جل التشريعات الحديثة على التنصيص عليها سواء قي قوانينها أو في دساتيرها .


[1] إبراهيم أبراش : " المؤسسات والوقائع الإجتماعية     إلى دولة المؤسسات " طبعة 1998 ص 133
[2]  _ إبراهيم أبراش : مرجع سابق ص134.

[3] محمد بن معجوز : "الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي " طبعة 2008

[4]  _ محمد بن الصالح العوفي : "تاريخ الحضارة المغربية " نقلا عن عبد العزيز بن عبد الله ص 185 .
[5] محمد الوكيلي : " محاضرات في القانون الدولي الخاص " الموسم الجامعي 2005/2006
[6] نصت المادة الثاثة من معاهدة الحماية " على أن الدولة الحامية ستتولى وضع أنظمة قانونية وتحديث الدولة "
[7] سعيد الدغيمر : محاضرات في مادة القانون العقاري والأنظمة العقارية ألقيت على طلبة الفصل الثالث في سلك الماستر الموسم الجامعي 2008/2007 محاضرات غير منشورة
[8] ابن نجيم : "الأشباه والنظائر " ص346.
[9] شرح حدود بن عرفة مشار إليه في كتاب الحقوق العينية لإبن معجوز مرجع سابق .
[10] عبد الرزاق السنهوري : " الوسيط في حق الملكية " الجزء الثامن ص493 .
[11] الجذير بالذكر أن هذا النص المذكور أعلاه هو ترجمة غير رسمية لظهير 19 رجب في حين برجوعنا إلى الترجمة الرسمية والتي جمعها وحققها أستاذنا الفاضل أحمد ادرويش نجد الفصل 9 من ظهير 19 رجب ينص على "إن حقيقة ملكية العقار هو أن يتصرف ربه فيه بكل حرية ويدبر أمره من حيث طبيعته أو إستعداده مالم يستعمله في شيء يخالف الشريعة أو القوانين
" القانون العقاري الجديد أحمد ادرويش منشور ان سلسلة المعرفة القانونية 1423ه/2008م .
[12] محمد بن صالح الصوفي : " الحقوق العرفية العينية الإسلامية " دراسة مقارنة بين الفقه المالكي والقانون المغربي الطبعة الثانية 2005.
[13] علي الخفيف : الملكية في الشريعة الإسلامية " نقل عن محمد بن الصالح الصوفي .مرجع سابق .
[14] محمد بن الصالح الصوفي : مرجع سابق ص 149 .
[15] أنور العمروسي : "الملكية وأسباب كسبها في القانون المدني طبعة 2004.
[16] عبد الرحمان الشرقاوي : محاضرات في الحقوق العينية ، كلية الحقوق سلا الجديدة ، الموسم الجامعي 2006/2007 ص14
[17] محمد بن الصالح الصرفي : مرجع سابق ص 171 .
[18] أحمد شوقي محمد بن عبد الرحمان :" حق الملكية والحقوق العينية المتفرعة عنه " طبعة 2004 ص9
[19] عبد الرحمان الشرقاوي : مرجع سابق ص 14
[20] مأمون الكزبري : "التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية طبعة 1982 .
[21] أحمد شوقي : مرجع سابق ص 8 .
[22] أنور العمروسي : مرجع سابق ص16 .
[23] عبد الرزاق السنهوري : مرجع سابق ص 532 .
[24] مأمون الكزبري : مرجع سابق .
[25] أنور العمروسي : مرجع سابق ص 17و18 و16 .
[26] أنور العمروسي : مرجع سابق ص 17و18 و16 .
[27] أنور العمروسي : مرجع سابق ص 17و18 و16 .
[28] أحمد شوقي : مرجع سابق ص 15.
[29] الفصل 570 من مجموعة القانون الجنائي .
[30] الفصل 166 من قانون المسطرة المدنية
[31] محمد بن الصالح الصوفي : مرجع سابق ص177 .
[32] مأمون الكزبري ص 282 محمد بن العجوز ص 63
[33] لا يفوتنا أن نشير إلى أن الأيام القليلة المقبلة ستحمل مدون للحقوق العينية تطبق على العقار غير محفظ إذ أن مشروع 01.19 المتعلق بهاته المدونة وصل المراحل الأخيرة في البرلمان .
[34] أحمد فراج الحسين : "الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية " طبعة 1998 ص 106.
[35] التسولي : " البهجة في شرح التحفة " الجزء الثاني ص16
[36] البهجة في شرح التحفة مرجع سابق الجزء الثاني ص16 .
[37] مأمون الكزبري : مرجع سابق ص 295.
[38] أنور العمروسي : مرجع سابق ص37 .

[39] بن معجوز : مرجع سابق ص 87 نقلا عن الزرقاني والخطاب .
[40] عبد الرحمان الشرقاوي " دروس في الحقوق العينية كلية الحقوق سلا الجديدة " لبسنة الجامعية 2006/2007 ص17

تعليقات