القائمة الرئيسية

الصفحات



أثر تغيير الاختصاص المكاني على القضايا الجارية. ذ رضى بلحسين رئيس المحكمة الإبتدائية بميدلت أستاذ بالمعهد العالي للقضاء


أثر تغيير الاختصاص المكاني على القضايا الجارية
ذ رضى بلحسين






تبت كل محكمة في حدود اختصاصها النوعي و المحلي ، و يعتبر هذا الأخير بمثابة دائرة النفوذ المحددة في إطار حيز جغرافي معين ، و الذي قد يحصل أن يتغير بفعل تغيير الخريطة القضائية نتيجة إحداث محاكم إبتدائية جديدة تجتزئ من المجال الترابي لمحاكم إبتدائية قائمة بذاتها ، أو بتغيير دائرة نفوذ محاكم الإستئناف زيادة أو نقصانا ، كما حدث مؤخرا بموجب مرسوم 2.17.688 الصادر بتاريخ 07/12/2017 (القاضي بتغيير المرسوم رقم 2.74.498 الصادر بتاريخ 16 يوليوز 1974 الصادر تطبيقا لأحكام ظهير 1.74.338 الصادر بتاريخ 15 يوليوز 1974). بحيث ألحقت المحاكم الإبتدائية بميدلت و خنيفرة و وزان و كرسيف ، على التوالي  بمحاكم الإستئناف بالرشيدية و بني ملال و تطوان  و وجدة  بدلا من محاكم الإستئناف بمكناس و القنيطرة و وجدة.
و هنا يطرح السؤال عن مدى تأثير هذا التغيير على القضايا الجارية procèsencours ، و عن مدى صلاحية المحاكم المعروضة على أنظارها في الإستمرار للبت فيها ؟ 
تعاملت بعض محاكم الإستئناف المعنية بالتغيير ، بمقاربة واقعية محضة ، و اعتبرت نفسها غير مختصة للإستمرار في مناقشة الملفات المحالة عليها أو الرائجة أمامها قبل نشر المرسوم أعلاه بالجريدة الرسمية ، و أحالت تلقائيا جميع الملفات على محاكم الإستئناف التي خلفتها في احتضان جزء من دائرة نفودها السابقة ، و كان سندها في ذلك الفصل 26 من ظهير 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة بالنسبة للقضايا المدنية ، و الفصل 753 من قانون المسطرة الجنائية بالنسبة للملفات الزجرية.
بالنسبة لسند إحالة الملفات المدنية ، نجد أن أحكام المادة 26 من ظهير 15 يوليوز 1974 تنص بأن «تدخل مقتضيات هذا الظهير بمثابة قانون في حيز التطبيق ابتداء من 14 رمضان 1394 (فاتح أكتوبر 1974) باستثناء محاكم الجماعات والمقاطعات المشار إليها في الرقم الأول من الفصل الأول .




تحال على المحاكم الجديدة ابتداء من ذلك التاريخ بحكم القانون جميع القضايا التي تدخل ضمن اختصاصها والتي ليست جاهزة للبت فيها ، دون تجديد للأعمال والإجراءات والأحكام التي صدرت قانونيا قبل دخول مقتضيات هذا الظهير بمثابة قانون في حيز التطبيق غير أن الأطراف يقع استدعاؤهم من جديد لهذه الغاية.» 
و في نظرنا أن هذه المادة لا تسعف كمسوغ مسطري للتصريح بعدم الإختصاص المكاني في القضايا المدنية نتيجة تغيير الخريطة القضائية، لكونها مرتبطة زمنيا بتاريخ دخول ظهير 15 يوليوز 1974 حيز التنفيذ ، و هو ما يستشف صراحة من عبارة «ابتداء من ذلك التاريخ» و المحدد حسب الفقرة الأولى من المقتضى أعلاه في 1 أكتوبر 1974 ، لنفهم أن هذا المقتضى ينصرف إلى المحاكم التي ألغاها ظهير 1974 و هي المحاكم الإقليمية ،و محاكم السدد ،و المحاكم الشرعية ،و المحاكم الإجتماعية .
بالنسبة لسند إحالة الملفات الزجرية ، نجد المادة 753 من ق.م.ج تنص على أنه  : « إذا وقع تغيير في الاختصاص نتيجة تطبيق القانون الجديد، ينقل الملف بقوة القانون وبدون أي إجراء إلى هيئة التحقيق أو الحكم التي أصبحت مختصة».
مناقشة هذا السند ، يفرض بصفة مسبقة إستحضار معطى أساسي مفاده أن موضوع الإختصاص بشقيه النوعي و المكاني ، يتقاسم تنظيمه كل من السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية . بحيث أن الأولى تستأثر بتوزيع الإختصاص النوعي بين المحاكم و ذلك بإحداث محاكم نوعية جديدة أو بإلغاء أخرى عند الإقتضاء، و ذلك إستنادا على الفصل 71 من الدستور الذي ينص في هذا الصدد : «يختص القانون، بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور ، بالتشريع في الميادين التالية : .... التنظيم القضائي و إحداث أصناف جديدة من المحاكم » .
فيما تستأثر السلطة التنفيذية بتوزيع الإختصاص المكاني بين محاكم المملكة ، على اعتبار أن المجال التنظيمي يختص بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون (الفصل 72 من الدستور)، و دأبت السلطة التنفيذية على توزيع هذا الإختصاص في شكل مرسوم تطبيقي لقانون التنظيم القضائي للمملكة ، و هو المرسوم عدد 2.74.498 الصادر بتاريخ 16 يوليوز 1974 الذي عرف عدة تغييرات كانت آخرها بموجب المرسوم عدد 2.17.688 الصادر بتاريخ 07/12/2017.
و حاصل ما ذكر أن تنظيم الإختصاص النوعي يكون بواسطة قانون ، فيما يكون تنظيم الإختصاص المكاني بواسطة مرسوم ، و من تم نخلص على أن عبارة « ...نتيجة تطبيق القانون الجديد...» الواردة في المادة 753 من ق.م.ج أعلاه، تحدد لنا المقصود من طبيعة  الإختصاص الذي قد يطرأ عليه التغيير حسب هذا المقتضى، و هو بداهة الإختصاص النوعي ما دام أنه من صميم مجال القانون.
و بالتالي قد نعتبر على أن أي تغيير يطرأ على الإختصاص المكاني، و/أو على دائرة نفوذ محاكم الإستئناف ، لا تأثير  له - أمام غياب مقتضى تشريعي صريح- على القضايا الجارية ، التي تبقى من الإختصاص الصميم للمحاكم المعروضة على أنظارها، سيما وأن الفقه الحديث المقارن يستثني تغيير الخريطة القضائية من التطبيق الفوري للقواعد الإجرائية ، و هو المبدأ الذي كرسه صراحة المشرع الفرنسي في الفصـل R212-1   من قانون التنظيم القضائي. 

تعليقات