القائمة الرئيسية

الصفحات



التقادم في القانون الخاص

التقادم في القانون الخاص

محمد سامر القطان

 تعريف التقادم وأهميته

التقادم المسقط

التقادم المكسب





تناول المشرع السوري موضوع التقادم على نحو رئيسي في القانون المدني، وفَصَلَ بين نوعيه المسقط والمكسب، فجعل مكان التقادم المسقط بين أسباب انقضاء الالتزام (المواد من 372 إلى 385)، ومكان التقادم المكسب بين أسباب كسب الحقوق العينية (المواد 917 إلى 926)، وذلك نظراً للاختلافات الجوهرية بين أحكام كل منهما. في حين أورد المشرع الفرنسي أحكام التقادم بشقيه المسقط والمكسب في باب واحد من القانون المدني نظراً لاتحادهما في الكثير من القواعد. وهو موقف لم يسلم من انتقاد بعض الفقهاء الفرنسيين نظراً لوجود بعض الفوارق الهامة بين هذين النوعين من التقادم ولاسيما من حيث الأثر.

أولاً - تعريف التقادم وأهميته:

1- تعريف التقادم:

لم يعطِ المشرع السوري أي تعريف مباشر للتقادم ولا لأي من نوعيه المسقط أو المكسب. في حين عرّفه المشرع الفرنسي في المادة 2219 من القانون المدني بأنه وسيلة تملك أو تحرر بمرور مدة زمنية محددة ووفق شروط معينة في القانون. وانطلاقاً من هذا النص يرى دينود (Dinod) أن التقادم: «هو وسيلة للحصول على ملكية الأشياء، وذلك بحيازتها تحت صفة الملكية، وللتحرر من الحقوق المعنوية، ومن الدعاوى والالتزامات، عندما يهمل أصحابها استعمالها وممارستها مدة من الزمن».

ويرى مصطفى أحمد الزرقا أن «التقادم هو مرور زمن معين على دين لشخص دون أن يطلبه طلباً معتبراً، أو على حيازته شيئاً أو حقاً عينياً لا يخصه بشرائط يعينها القانون».

وفي الواقع هناك تعاريف كثيرة أعطاها الفقه للتقادم، أو ما يسمى أيضاً بمرور الزمن أو مضي المدة، وكلها تعاريف تتشابه فيما بينها ولاسيما لجهة إبراز أثر التقادم في اكتساب الحقوق أو زوالها.

2- أهمية التقادم:

قد يتساءل المرء فيما إذا كان التقادم وسيلة لاغتصاب الحقوق باسم القانون أو لا؟ فهو يؤدي في بعض الأحيان إلى حرمان المالك من ملكه من دون رضاه ومن دون مقابل، أو يؤدي إلى سقوط الالتزام عن المدين رغم عدم الوفاء به، وهذا أمر منافٍ للعدالة.

لكن رغم ذلك أقرت مختلف تشريعات العالم بالتقادم، بشقيه المسقط والمكسب، وذلك لاعتبارات متعددة، اجتماعية واقتصادية وعملية، فترك المالك ملكه في يد الغير وسكوته عن ذلك مدة طويلة من الزمن قد يسمح لهذا الغير أن يعتقد بأن المالك تنازل عن ملكيته. وعدم قيام الدائن مدة طويلة من الزمن بأي عمل قانوني للحصول على حقه قد يسمح للمدين أن يعتقد بأن الدائن قد تنازل عن دينه.

ولو سمحت التشريعات بالمطالبة بالحقوق مهما مضى عليها من زمن لاضطرت المحاكم إلى سماع القضايا حتى لو مرّ عليها عشرات أو مئات أو آلاف السنين… ولعمت الفوضى، وتزعزعت المراكز القانونية، واضطرب عمل المحاكم… ولاضطر كل إنسان إلى الاحتفاظ  بكل الوثائق والمخالصات التي تثبت ما له وما عليه مهما تعددت وتنوعت إلى ما شاء الله؛ لأنه ربما سيحتاج إلى أي منها، هو أو ورثته في مواجهة من تعامل معهم أو ورثتهم، في كل مرّة يخطر ببال أي من هؤلاء أن يدعي، أو يجدد الادعاء، بخلاف ما هو ثابت بهذه الوثائق أو المخالصات!

وتحقيق النظام العام في المجتمع يقتضي توفير ما أمكن من الاستقرار والاطمئنان في التعامل؛ مما يستلزم احترام الأوضاع المستقرة التي مضى عليها فترة طويلة من الزمن، وعدم تأبيد المنازعات وإن كان في ذلك شيء من الخروج على العدالة. وفي هذا يقول الفقيهان الفرنسيان بودري وتيسيه: «إن لكل مؤسسة إنسانية نقطة ضعفها، والتقادم لا يشذ عن هذه القاعدة». كما أن الزمن وحده يصبح - بحسب تعبير مصطفى الزرقا- وثيقة تغني عن الإيصال ولا يبقى للدائن حق المطالبة إلى ما لا نهاية.

ثانياً - التقادم المسقط extinctive Prescription: 

1- تعريف التقادم المسقط:

التقادم المسقط هو وسيلة أو طريقة ابتدعها المشرع لانقضاء الالتزام، أو لسقوط الحق بمرور فترة محددة من الزمن، لم يقم الدائن أو صاحب الحق خلالها بأي عمل قانوني للحصول على حقه. وبمعنى آخر هو: «وسيلة سقوط حق تقاعس صاحبه عن اقتضائه أو المطالبة به أو استعماله مدة معينة». ويكمن هدف المشرع من النص على  التقادم المسقط تثبيت وضع واقعي دام فترة زمنية معينة، وذلك بمنع طرح الموضوع على القضاء، للحيلولة دون إقامة دعاوى من الصعب التحقيق والبت فيها بسبب مرور الزمن عليها. وقد خصص المشرع المواد من 372- 385 من القانون المدني للتقادم المسقط.

2- مدد التقادم المسقط:

من الرجوع إلى النصوص القانونية التي نصت على التقادم المسقط يتضح أنه ينقسم - من حيث مدته - إلى تقادم طويل وتقادم قصير.

أ- التقادم الطويل (الخمس عشري): ويسمى أيضاً بالتقادم العادي أو العام، وهو يسري من حيث المبدأ على جميع الحقوق والالتزامات إلا ما استثني منها بنص خاص. ومدته خمس عشرة سنة، وهي أطول مدة تقادم محددة في التشريع السوري (المادة 372 مدني). وهي مدة مستمدة في الأصل من الشريعة الإسلامية وفق ما صرحت به المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري الذي استَمَدَ منه القانون المدني السوري معظم نصوصه.

ويرى رجال القانون المدني في مصر أن أساس التقادم العام ومبناه هو حماية الأوضاع المستقرة، وبالتالي لا تأثير لإقرار المدين بالحق الذي يخضع لهذا التقادم الطويل بعد تمامه، في حين ذهب الفقه والاجتهاد في سورية إلى أن التقادم الطويل العام مبني على قرينة الوفاء، فهو بالتالي ينهدم بالإقرار بعد اكتماله، كما ينقطع به قبل الاكتمال.

وتجدر الإشارة إلى أن الحقوق والالتزامات التي يسري عليه التقادم الطويل هي كثيرة جداً ولا يمكن حصرها، على خلاف الحقوق والالتزامات التي تخضع للتقادم القصير فهي محددة ويمكن حصرها؛ لأنها استثنائية وقد ورد كل منها بنص قانوني. وإذا ما أفلت أي من هذه الحقوق أو الالتزامات من التقادم القصير لسبب أو لآخر فإنه يخضع للتقادم الطويل.

ب- التقادم القصير: يستثنى من التقادم الطويل أو العام مجموعة من الحقوق أخضعها المشرع لتقادم قصير تراوح مدته - من حيث المبدأ - من سنة إلى خمس سنوات، ولعل من أهم أنواع هذا التقادم هو: التقادم الخمسي، والثلاثي، والحولي.

(1) التقادم الخمسي: أي التقادم بخمس سنوات، فقد أخضع المشرع لهذا النوع من التقادم بعض الحقوق التي يمكن تصنيفها في الزمرتين التاليتين:

الزمرة الأولى: الحقوق  الدورية المتجددة، فكل حق دوري متجدد، كأجرة المباني والأراضي الزراعية وبدل الحكر، وكالفوائد والإيرادات المرتبة والرواتب والأجور والمعاشات، يتقادم بخمس سنوات حتى لو أقر به المدين (المادة 373 مدني). وعلى هذا يكفي أن يكون الحق دورياً متجدداً ليسري عليه التقادم الخمسي. هذا مع ملاحظة أن الريع المستحق في ذمة الحائز سيئ النية لا يسقط إلا بانقضاء خمس عشرة سنة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الريع الواجب على ناظر الوقف أداؤه للمستحقين.

الزمرة الثانية: حقوق بعض أرباب المهن الحرة، حيث تتقادم بخمس سنوات أيضاً، مثل: حقوق الأطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين والخبراء ووكلاء التفليسة والسماسرة والأساتذة والمعلمين، وذلك بشرط أن تكون هذه الحقوق واجبة لهؤلاء جزاء عما أدّوه من عمل من أعمال مهنتهم أو ما تكبدوه من مصروفات. وقد أورد المشرع  هذه المهن على سبيل الحصر، وأخضعها للتقادم القصير (خمس سنوات) استثناءً من المبدأ العام (التقادم الطويل)، فلا يجوز بالتالي التوسع في تفسيرها أو القياس عليها، بإضافة مهن أخرى إليها (المادة 374 مدني)..

(2) التقادم الثلاثي: أي التقادم بثلاث سنوات، ويسري هذا النوع من التقادم على مجموعة من الحقوق أهمها:

Ÿ الحق في إقامة دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع: حيث يسقط هذا الحق بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه المضرور بحصول الضرر وبالشخص المسؤول عنه، كما يسقط في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع، وإذا كان الحق بإقامة الدعوى ناشئاً عن جريمة، وكانت الدعوى الجزائية لم تسقط بعد فإن دعوى التعويض لا تسقط حينئذٍ إلا بسقوط الدعوى الجزائية (المادة 173 مدني).

Ÿ الحق في إقامة دعوى التعويض عن الإثراء بلا سبب: ويسقط هذا الحق أيضاً بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من لحقته الخسارة بحقه في التعويض، كما يسقط في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي نشأ فيه هذا الحق (المادة 181 مدني).

Ÿ الحق في إقامة دعوى استرداد ما دفع بغير حق: ويسقط  هذا الحق أيضاً بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من دفع غير المستحق بحقه في استرداده، كما يسقط في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي نشأ فيه هذا الحق (المادة 188 مدني).

Ÿ الحق في إقامة الدعوى الناشئة من الفضالة: ويسقط هذا الحق أيضاً بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه كل طرف من الأطراف بحقه، كما يسقط في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي نشأ فيه هذا الحق (المادة 198 مدني).

Ÿ الحق في إقامة دعوى عدم نفاذ التصرف (الدعوى البولصية): ويسقط هذا الحق أيضاً بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه الدائن بسبب عدم نفاذ التصرف، كما يسقط في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي صدر فيه التصرف المطعون فيه (المادة 244 مدني).

Ÿ الحق في إقامة دعوى تكملة ثمن العقار المبيع بغبن: ويسقط هذا الحق أيضاً بانقضاء ثلاث سنوات من يوم  توافر الأهلية لدى مالك العقار المبيع الذي لم تكن تتوافر فيه الأهلية وقت البيع، أو من اليوم الذي يموت فيه هذا المالك (المادة 394 مدني).

Ÿ الحق في إقامة الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين: ويسقط  هذا الحق أيضاً بانقضاء ثلاث سنوات من وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها هذه الدعاوى. مع ذلك إذا تم إخفاء بيانات متعلقة بالخطر المؤمن منه، أو تقديم بيانات غير صحيحة أو غير دقيقة عن هذا الخطر فلا تسري مدة ثلاث سنوات إلا من اليوم الذي علم فيه المؤمن بذلك، وفي حالة وقوع الحادث المؤمن منه تسري مدة ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه ذوو الشأن بوقوعه (المادة 718 مدني).

(3) التقادم الحولي: أي التقادم بسنة واحدة فقط، ويسري هذا النوع من التقادم على مجموعة من الحقوق لمجموعة من الأشخاص، يمكن تصنيفهم -طبقاً لما نصت عليه المادة 573 مدني- في الزمر الثلاث التالية:

- الزمرة الأولى: حقوق التجار والصناع عن أشياء ورّدوها لأشخاص لا يتاجرون في هذه الأشياء، كالمواد الغذائية أو غيرها من المواد المعدة للاستهلاك وليس للاتجار. أما إذا كانت معدة للاتجار فيسري عليها التقادم التجاري المنصوص عليه في الحقوق التجارية.

- الزمرة الثانية: حقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب زبائنهم، كأجور المكالمات الهاتفية وغيرها.

- الزمرة الثالثة: حقوق العمال والخدم والأجراء من أجور يومية وغير يومية، وسواء أكانوا يعملون في المنازل أم المصانع أم المزارع، وحقوقهم من ثمن ما قدموه من توريدات لمصلحة أرباب عملهم.

والسبب في إخضاع هذه الحقوق للتقادم بسنة واحدة يكمن في أن الديون المقابلة لها لا تبقى عادة في ذمة المدينين بها أكثر من هذه الفترة، حتى إن حقوق العمال والخدم والإجراء تدفع، أو يجب أن تدفع على الفور في مواعيد استحقاقها؛ لأنها عموماً مورد رزقهم وقوتهم اليومي.





ويشترط لتطبيق التقادم الحولي:

Ÿ ألا تكون الحقوق، التي يسري عليها مثبتة في سند أو صك، وإلا خضعت للتقادم العام الطويل (خمس عشرة سنة).

Ÿ ويتوجب على من يتمسك بأن الحق قد تقادم بمرور سنة، أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً. وللمحكمة توجيه هذه اليمين من تلقاء نفسها للمدين أو لورثته أو لأوصيائهم إن كانوا قصراً، ويتوجب حينئذٍ أن تنصب اليمين على أنهم لا يعلمون بوجود الدين أو يعلمون بحصول الوفاء. ويطلق على هذه اليمين يمين الاستيثاق؛ لأنها توجه توثيقاً لقرينة الوفاء التي يقوم عليها التقادم الحولي، وإذا نكل المدين عن حلفها عدّ نكوله كالإقرار بعدم الوفاء، وبالتالي ينهدم التقادم ويحكم عليه بالحق. 

والجدير بالذكر أن التقادم لا يقتصر على التقادم الطويل (خمس عشرة سنة)، أو التقادم القصير (الخمسي والثلاثي والحولي)، وإنما هناك أنواع أخرى من التقادم بمدد أخرى، أوردها المشرع بنصوص خاصة متفرقة في القانون المدني وفي غيره.

3- سريان التقادم:

أ- بدء سريان التقادم: تقضي القاعدة العامة بأن لا يبدأ سريان التقادم إلا من اليوم الذي يصبح فيه الدين مستحق الأداء (المادة 378 مدني). ويستثنى من ذلك بعض الحالات التي حدد فيها المشرع تاريخاً آخر لبدأ سريان التقادم، كالحقوق المشمولة بالتقادم الخمسي وبالتقادم الحولي، حيث يبدأ سريان التقادم فيها من الوقت الذي يُكمل فيه الدائنون تقدماتهم، ولو استمروا يؤدون تقدمات أخرى، أما إذا حرر سند بحق من هذه الحقوق فلا يتقادم هذا الحق إلا بالتقادم العادي الطويل، أي بانقضاء خمس عشرة سنة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مدة التقادم تحسب بالأيام لا بالساعات، ولا يحسب اليوم الأول، كما لا تكتمل المدة إلا بانقضاء آخر يوم منها.

ب- وقف التقادم: يقضي المبدأ العام بأن يقف سريان التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على صاحب الحق أن يطالب بحقه. وقد يكون المانع مادياً، كالحرب أو الأسر أو انقطاع المواصلات… كما قد يكون المانع أدبياً كقيام حالة الزوجية أو القرابة بدرجة معينة بين الحائز وصاحب الحق. وكذلك لا يسري التقادم فيما بين الأصيل والنائب (المادة 379 مدني).

من جهة أخرى استقر الاجتهاد القضائي على أن الملاحقة الجزائية توقف التقادم على الادعاء بالحقوق المدنية.

وإذا كانت مدة التقادم تزيد على خمس سنوات فلا يسري هذا التقادم في حق من لا تتوافر فيه الأهلية، أو في حق الغائب، أو في حق المحكوم عليه بعقوبة جناية إذا لم يكن له نائب يمثله قانوناً. أما في حال وجود نائب قانوني فلا يقف التقادم، فالنائب كالأصيل ويتعين عليه المطالبة بحقوق من يمثله وإلا كان مسؤولاً عن إهماله.

ويترتب على وقف التقادم إسقاط كامل المدة التي وقف التقادم خلالها من حساب مدة التقادم، سواء طرأ سبب الوقف في بدء مدة التقادم، أم أثناء سريانها، أم في نهايتها.  

ج- انقطاع التقادم: ينقطع التقادم قانوناً بمطالبة صاحب الحق بحقه أمام القضاء، حتى لو رفع الدعوى إلى محكمة غير مختصة، وكذلك ينقطع بالتنبيه وبالحجز، وبالطلب الذي يتقدم به الدائن لقبول حقه في تفليس أو في توزيع وبأي عمل يقوم به الدائن للتمسك بحقه أثناء السير في إحدى الدعاوى. كما ينقطع التقادم في حال أقر المدين صراحة أو ضمناً بحق الدائن (المادة 380 مدني).

والمقصود بالمطالبة القضائية التي تقطع التقادم هو -وفق ما استقر عليه الاجتهاد القضائي- كل إجراء قانوني يشفّ عن تمسك صاحب الحق بحقه سواء أكان ذلك بطريق الادعاء أم الدفع. كما أن الإخطار التنفيذي، وهو ما يسمى بالتنبيه وفق تعبير محكمة النقض يقطع مدة التقادم على الأحكام موضوع التنفيذ.

ويترتب على انقطاع التقادم محو أو سقوط ما تم من مدته قبل حصول سبب الانقطاع، ومن ثم يبدأ تقادم جديد يسري من وقت انتهاء الأثر المترتب على سبب الانقطاع. وتكون مدته من حيث المبدأ هي مدة التقادم الأول ذاتها، لكن إذا حكم بالدين وحاز الحكم قوة القضية المقضية، أو إذا كان الدين مما يتقادم بسنة واحدة وانقطع تقادمه بإقرار المدين كانت مدة التقادم الجديد خمس عشرة سنة، ما لم يكن الدين المحكوم به متضمناً لالتزامات دورية متجددة لا تستحق الأداء إلا بعد صدور الحكم (المادة 382 مدني).

4- الدفع بالتقادم والتمسك به:

لم يجز المشرع للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها، وإنما اشترط أن يكون ذلك بناء على طلب يقدم للمحكمة، إما من قبل المدين وإما من دائنه وإما من أي شخص آخر له مصلحة في هذا الطلب حتى لو لم يتمسك به المدين، ويمكن التمسك بالتقادم في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرّة أمام محكمة الاستئناف (المادة 384 مدني). ولكن لا يسمح الدفع بالتقادم لأول مرّة أمام محكمة النقض؛ لأن الدفع بالتقادم هو دفع موضوعي ويقتضي البحث في وقائع الدعوى مما يخرج عن اختصاص محكمة النقض.

ولا تترتب آثار التقادم حكماً بمجرد اكتمال مدته، بل لابد من التمسك أو الدفع به، وذلك لأن الإفادة من التقادم مسألة لا تتعلق بالنظام العام في التشريع السوري، بل هي مسألة تتعلق بالأحرى بضمير الحائز، فقد يتمسك به أو يتنازل عنه، فقد يأبى عليه ضميره أن يحصل على حق لا يملكه. وإذا ما حصل التمسك بالتقادم وجب على القاضي أن يحكم به، بعد أن يتأكد من توافر شرائطه القانونية، وليس له في ذلك أي سلطة تقديرية. 

ولهذا يتبين أن المشرع وإن كان قد رتب على التقادم انقضاء الالتزام، قد أبقى في ذمة المدين في الوقت ذاته التزماً طبيعياً تجاه صاحب الحق، فإذا ما لبى نداء الضمير وأعاد الحق لصاحبه فتصرفه هذا يعد وفاءً صحيحاً للالتزام ولا يعد تبرعاً، وبالتالي ليس له أن يسترده (المادة 383 مدني).

5- النزول عن التقادم والاتفاق على تعديل مدته:

من المسلم به قانوناً عدم جواز النزول عن التقادم قبل ثبوت الحق فيه من جهة، وعدم جواز الاتفاق على أن يتم التقادم في مدة تختلف عن المدة التي حددها القانون من جهة ثانية. أما بعد ثبوت الحق بالتقادم فقد أجاز المشرع لكل من يملك التصرف في حقوقه أن يتنازل عنه صراحة أو ضمناً، إلا أن هذا التنازل لا ينفذ في حق الدائنين إذا كان قد صدر بقصد الإضرار بهم.

ثالثاً - التقادم المكسب acquisitive Prescription:

1- تعريف التقادم المكسب:

التقادم المُكسب هو وسيلة أو طريقة أقرّها المشرع ليُكسب بواسطتها حائز الشيء إما ملكيته، وإما أي حق عيني آخر عليه، وذلك بمقتضى حيازته له مدة معينة من الزمن، ووفق شروط محددة بالقانون. وعليه فإن التقادم المكسب يختص بالحقوق العينية فقط، ولهذا أورده المشرع في قسم الحقوق العينية وعدّه سبباً من أسباب اكتسابها. وباعتبار أن الحيازة تعدّ ركناً أساسياً في التقادم المكسب لذلك نظم المشرع موضوع الحيازة والتقادم تحت عنوان واحد في القسم السادس من أسباب كسب الملكية.

2- نطاق التقادم المكسب:

أوضح المشرع مجال التقادم المكسب بالمادة 917 مدني التي نصت على أن: «من حاز منقولاً أو عقاراً غير مسجل في السجل العقاري دون أن يكون مالكاً له، أو حاز حقاً عيناً على منقول، أو حقاً عينياً على عقار غير مسجل في السجل العقاري، دون أن يكون هذا الحق خاصاً به كان له أن يكسب ملكية هذا الشيء أو هذا الحق العيني إذا استمرت حيازته دون انقطاع خمس عشرة سنة». وعلى ذلك فإن الحقوق التي يمكن أن يسري عليها التقادم المكسب هي:

أ - الحقوق العينية الأصلية وأهمها حق الملكية وما يتفرع عنه من حقوق عينية أخرى كحق الانتفاع وحق الارتفاق، وكذلك الحقوق العينية التبعية التي تتطلب حيازة الدائن للشيء المثقل بالحق كالرهن الحيازي.

ب - الحقوق العينية القابلة للتعامل والحيازة، فما لا يقبل التعامل والحيازة، سواء بطبيعته أم بنص القانون لا يمكن أن تنتقل ملكيته، وبالتالي لا يمكن كسبه بالتقادم، كالشمس والبحر والأموال العامة، والعقارات المسجلة بالسجل العقاري أو التي هي تحت إدارة أملاك الدولة، والعقارات المتروكة المحمية والمرفقة.

3- أنواع التقادم المكسب:

من الرجوع إلى النصوص القانونية التي نصت على التقادم المكسب يتضح أنه ينقسم من حيث مدته إلى تقادم طويل وتقادم قصير وتقادم عشري.

أ- التقادم الطويل (الخمس عشري): ويسري من حيث المبدأ على العقارات الملك غير المسجلة في السجل العقاري وعلى المنقولات، وبموجبه يكسب الحائز الملكية أو الحق العيني إذا استمرت حيازته خمس عشرة سنة. ولا يطبق هذا النوع من التقادم إلا في حال لم يكن بيد الحائز سند صحيح، أو كان لديه سند صحيح ولكنه سيئ النية (المادة 917 مدني).

ب- التقادم القصير (التقادم الخمسي): وهو يسري على العقارات الملك فقط غير المسجلة في السجل العقاري، وبموجبه يكسب الحائز الملكية أو الحق العيني إذا استمرت حيازته خمس سنوات، وكانت مقرونة بحسن نية، ومستندة في الوقت ذاته إلى سبب صحيح (المادة 918 مدني).

ويكون الحائز حسن النية إذا كان يعتقد أن من تصرف إليه في العقار هو المالك الحقيقي. أي إن الحائز يعد حسن النية إذا كان يجهل أنه يعتدي على حق الغير. ويجب أن يتوافر حسن النية وقت تلقي الحق، أي الوقت الذي ينتقل فيه الحق إلى الحائز.

أما السبب الصحيح فهــــــــــــو قانوناً سند أو حادث يثبت حيازة العقار بإحــــــدى الوسائل التالية: (1) الاستيلاء على الأراضي الموات (2) انتقال الملك بالإرث أو الوصية (3) الهبة بين الأحياء بعوض أو من دون عوض (4) البيع أو الفراغ. وقد استقر الاجتهاد القضائي في مصر على أن السبب الصحيح في التقادم الخمسي هو التصرف القانوني الصادر من غير مالك الحق موضوع التقادم.

ج- التقادم العشري (العشري): وهو يسري على الأراضي الأميرية غير الخاضعة لإدارة أملاك الدولة، وهذا النوع من التقادم يكسب الحائز حق التصرف إذا استمرت حيازته عشر سنوات، وسواء أكانت هذه الحيازة بسند أم بغير سند، لكن بشرط أن يكون الحائز قائماً بزراعة الأرض (المادة 919 مدني).

4- سريان التقادم:

قضى المشرع بتطبيق قواعد التقادم المسقط على التقادم المكسب، وذلك فيما يتعلق ببعض المسائل القانونية وهي: حساب مدة التقادم، ووقف التقادم وانقطاعه، والتمسك به أمام القضاء، والتنازل عنه، والاتفاق على تعديل مدته، وكل ذلك بالقدر الذي لا تتعارض فيه هذه القواعد مع طبيعة التقادم المكسب، ومع مراعاة الأحكام الخاصة المنصوص عليها في القانون (المادة 922 مدني).

مراجع للاستزادة:



- القانون المدني السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 تاريخ 18 أيار 1949.

- أحمد نشأت، رسالة الإثبات، ج2 (دار الفكر العربي، 1972).

- ادوار عيد، الحقوق العينية العقارية الأصلية (مؤسسة خليقة للطباعة، 1980).

- جورج أنطاكي، التقادُم المُسقط (1970).

- شاكر ناصر حيدر، شرح القانون المدني الجديد -الحقوق العينية الأصلية- الجزء الأول (في حق الملكية) (مطبعة المعارف، بغداد 1959).

- شفيق طعمة، التقنين المدني السوري، الجزء 7 (الطبعة الأولى، استانبولي 1986).

- عبد الجواد السرميني وعبد السلام الترمانيني، القانون المدني - الحقوق العينية - الجزء الأول (في الحقوق العينية الأصلية) (منشورات جامعة حلب، 1986).

- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء 9 ( أسباب كسب الملكية) (دار إحياء التراث العربي، بيروت 1986).

- عبد المنعم فرج الصده، الحقوق العينية الأصلية (دراسة في القانون اللبناني والقانون المصري) (دار النهضة العربية، بيروت 1982).

- محمد عبد اللطيف، التقادم المكسب والمسقط (الطبعة الثانية، القاهرة 1966).

- محمد علي الأمين، التقادم المكسب للملكية في القانون اللبناني (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 1993).

- محمد وحيد الدين سوار، شرح القانون المدني -الحقوق العينية الأصلية (الطبعة السابعة، منشورات جامعة دمشق 1996-1997).

- مصطفى أحمد الزرقا، شرح القانون المدني، نظرية الالتزام العامة.

- ياسين غانم، التقادم المكسب والمسقط، دراسة مقارنة (الطبعة الأولى 1992).

- شفيق طعمة، التقنين المدني السوري، الجزء 8 (الطبعة الأولى 1986).

- محمد أديب الحسيني، موسوعة القضاء المدني، الجزء الأول (دار اليقظة العربية، الطبعة الأولى 2002).

المصدر: http://arab-ency.com

تعليقات