📁 آخر الأخبار

قراءة أولية في المقتضيات المنظمة لعقد المقاولة من الباطن من خلال مدونة الشغل

قراءة أولية في المقتضيات المنظمة لعقد المقاولة من الباطن من خلال مدونة الشغل
ذ.محمد سعد جرندي

رئيس غرفة بمحكمة النقض




يعتبر عقد المقاولة من الباطن من أهم المستجدات التي أتت بها مدونة الشغل كما أولت له عناية خاصة بعدما أصبح هذا النوع من العقود يحتل أهمية قصوى حينما بدأ يشغل حيزا هاما على الصعيد الوطني كما أخذ يتزايد بشكل كبير، خاصة بعدما تنوعت مجالاته، وهكذا خصصت له قسما مستقلا احتوى على ست مواد من المادة 86 إلى 91.

وقبل تحليل المواد المنظمة لعقد المقاولة من الباطن نرى من الضروري التمهيد لذلك بالتوقف عند أسباب اللجوء إلى إبرام مثل هذه العقود، وكذا إلى ما نراه مبررا لإعطائها هذا الاسم، وذلك كما يلي:

أولا: أسباب اللجوء إلى المقاولة من الباطن

يرجع لجوء المشغل إلى تشغيل أجرائه في إطار عقد المقاولة من الباطن إلى إتاحة الفرصة لعنصر جديد من خلال مقاولة تتولى الإشراف على العمال وتتحمل مجموعة من المسؤوليات تجاههم، كما تهدف في المقابل إلى إعفاء المشغل من هذه المسؤوليات أو التخفيف منها، ولا شك أن إدخال هذا العنصر سيضخ دماء جديدة قد يرفع من المردودية ويساهم في تطوير المقاولة الأصلية.

ثانيا: مبرر تسمية هذه المقاولة بكونها من الباطن      

وأما تسمية هذه المقاولة بالتعبير عنها بكونها: " من الباطن " فيرجع في نظرنا إلى أنها لا تكون ظاهرة للعيان في الغالب، فإذا كان الظاهر يوحي بأن علاقة الشغل تكون قائمة مع صاحب المقاولة الأصلي أو مع صاحب المقر المتواجدة فيه باعتبار أن المقاولة من الباطن لا يكون لها مقر أو لا تستعمل مقر المقاولة الأصلية، فإن هذه العلاقة تكون من الناحية الفعلية جارية مع المقاولة من الباطن، والتي تكون إلى حد ما غير واضحة.

فالمقاولة من الباطن تشكل إذن معطى جديدا يدخل على نشاط المشغل الأصلي، فإذا كان الأصل أن تكون العلاقة قائمة بين هذا الأخير وبين أجرائه فإنه بعد دخول هذه المقاولة إلى جانبه تحل محله لتقوم بدوره كليا أو جزئيا.

غير أنه ما هو الدور الذي يقوم به المقاول الأصلي، هل تصبح علاقته مع أجرائه منعدمة ويعفى تجاههم من أية مسؤولية، وبالتالي تتحمل المقاولة من الباطن كامل المسؤوليات، ذلك ما نتناوله من خلال التوقف عند تحليل المواد المنظمة لهذا العقد كما يلي:

تعريف عقد المقاولة من الباطن:

لقد عرفت المادة 86 من مدونة الشغل هذا العقدوكذا الهدف منه كما حددت مهام المقاول من الباطن كما يلي:

( " عقد المقاولة من الباطن " هو عقد مكتوب يكلف بمقتضاه مقاول أصلي مقاولا من الباطن بأن يقوم له بشغل من الأشغال، أو أن ينجز له خدمة من الخدمات.

يتم اللجوء إلى عقد المقاولة من الباطن كلما كان ذلك في صالح المقاولة الأصلية، ولم يكن مخلا بحقوق أجرائها.)

أولا: شكل عقد المقاولة من الباطن

يظهر من تعريف هذا العقد أنه نص صراحة على أنه يكون مكتوبا، بمعنى أن شكلية الكتابة تعتبر وصفا ملازما له، مما يطرح سؤالا حول الحالة التي يكون فيها هذا العقد شفويا وغير مدون في وثيقة كتابية، وما هي طبيعة هذا العقد الذي يكون كذلك، وهل تترتب عليه نفس الآثار التي قد تترتب على العقد المكتوب.

غير أنه يلاحظ أن هذا العقد ليس هو العقد الوحيد الذي نصت مدونة الشغل على أن يكون مكتوبا، حيث فرضت ذلك أيضا في عقد الوكيل أو الممثل المتجول أو الوسيط في التجارة أو الصناعة[1]، وكذا في عقد الشغل الذي يبرم مع أجير أجنبي[2].

كما يتضح من هذا التعريف أن هذا النوع من العقود يمكن القول بأنه ثلاثي الأطراف، يتكون من المقاول الأصلي، ومن المقاول من الباطن، ومن الأجير أو من مجموعة من الأجراء.

ثانيا: مهام المقاول من الباطن

كما يفهم من هذا التعريف أيضا أن مهام المقاول من الباطن تأخذ إحدى صورتين: وكما عبرت عن ذلك هذه المادة " القيام بشغل " أو " إنجاز خدمة "، وأبرز مثال للقيام بشغل أو عمل: قيام المقاولة بأشغال النظافة داخل مقر المقاولة الأصلية، أما أبرز مثال لإنجاز خدمة: محافظتها على الأمن داخلها، وتنطبق هاتان الحالتان على المقاولة من الباطن التي تقوم بعمل إضافي أو تكميلي بالمقاولة الأصلية، أما الحالة الغالبة فهي أن تحل المقاولة من الباطن محل المقاولة الأصلية وتشرف إشرافا كليا على العمال.

إلا أنه من الملاحظ أن المقاولة من الباطن تعمد من أجل عدم تحملها سائر الالتزامات التي اكتسبها العمال في إطار المقاولة الأصلية، خاصة حينما يكونون مرتبطين معها بعقود شغل غير محددة المدة، تلجأ إلى إبرام عقود جديدة من طبيعة مؤقتة أو محددة المدة، وفي هذه الحالة يتعين أن تحظى هذه العقود بموافقة العمال حتى تنتج آثارها القانونية.

وبذلك تنقطع أية صلة بين هؤلاء العمال وبين المقاولة الأصلية، بينما في حالة استمرار هذه العقود على حالتها غير محددة المدة مع المقاولة من الباطن فإن العلاقة تعتبر مستمرة وامتدادا للعلاقة السابقة، ويحتفظ العمال تبعا لذلك بحقوقهم المكتسبة أثناء اشتغالهم لدى المقاولة الأصلية، ونكون أمام نوع من تغيير للمركز القانوني للمشغل، أو للوضعية القانونية للمقاولة، وتطبق على هذه الحالة جميع المقتضيات المنصوص عليها في المادة 19 من مدونة الشغل[3].

والملاحظ أن مدونة الشغل قد تعرضت لأحكام مقاولات التشغيل المؤقت من خلال المواد 495 إلى 506، والتي تشتغل غالبا داخل مقاولة أخرى لتعويض الخصاص من العمال، مما يجعلنا ما دامت المقاولة التي يشتغل فيها العمال المؤقتون في هذا الإطار هي صاحبة المقر وتكون لها صفة " مستعمل " حسب التسمية الواردة في الفقرة ج من المادة 477، بينما تقوم مقاولة التشغيل المؤقت بالإشراف على العمال، يجعلنا أمام نوع من المقاولات من الباطن.

ومن الملاحظ أن الدولة ومن خلال بعض الجماعات المحلية تعهد أحيانا إلى بعض المقاولات في إطار الصفقات العمومية للقيام ببعض الخدمات لفائدة السكان من أجل تحسين أداء هذه الخدمات تتمثل في الغالب في المحافظة على نظافة المدينة وجمع النفايات بها، وفي القيام بتوفير وتنظيم النقل العمومي داخلها، أو في الإشراف على توزيع الماء والكهرباء، بل إن بعض هذه المقاولات أصبحت تتولى السهر على استغلال مواقف السيارات بأرصفة أزقتها، أو حراسة هذه السيارات في الساحات المخصصة لها، فهل تعتبر هذه المقاولات مقاولات من الباطن. 






نعتقد أن هذه الصفقات التي تتم في إطار ما يسمى بالتدبير المفوض والذي تنوب من خلاله هذه المقاولات عن هذه الجماعة في القيام بهذه الخدمات والتي تعتبر وظيفة أصلية لها من حيث المبدأ، إلا أنها تفوض لهذه المقاولات القيام بهذه المهام، بالرغم من أن هذه الجماعات لا تعتبر مقاولة أصلية ما دام أنها حينما تسهر على هذه المرافق العمومية وتؤدي خدمة عمومية لا يكون هدفها الربح بالدرجة الأولى، على خلاف ما هو عليه الحال بالنسبة للمقاولات بصفة عامة، أنه ما دام عمل هذه المقاولات يؤطره عقد الوكالة على غرار ما يتم بين مقاولتين إحداهما أصلية والأخرى من الباطن، فإنه يدخل في صميم عمل المقاولات من الباطن.

ذلك أنه إذا كانت الفقرة الرابعة من المادة 50 من قانون الميثاق الجماعي الصادر بتاريخ: 03-10-2002 تخول لرئيس المجلس الجماعي ضمن صلاحياته أن: " يسهر على نظافة المساكن والطرق وتطهير قنوات الصرف الصحي وزجر إيداع النفايات بالوسط السكني والتخلص منها" فإن المادة الثانية من القانون الصادر بتاريخ: 14-02-2006 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة قد حددت شكل هذا العقد في أنه: " يعتبر...عقدا يفوض بموجبه شخص معنوي خاضع للقانون العام يسمى " المفوض " لمدة محددة تدبير مرفق عام يتولى مسؤوليته إلى شخص معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص يسمى " المفوض إليه " يخول له حق تحصيل أجرة من المرتفقين أو تحقيق أرباح من التدبير المفوض أو هما معا. يمكن أن يتعلق التدبير المفوض كذلك بإنجاز أو تدبير منشأة عمومية أو هما معا تساهم في مزاولة نشاط المرفق العام المفوض."

ثالثا: الهدف من المقاولة من الباطن

ما من شك في أن المقاول الأصلي يستعين بمقاول أو بمقاولة من الباطن لتحقيق ما فيه مصلحة له سواء على المدى القريب أو على المدى البعيد، والمصلحة هي بالطبع كل ما يحقق مردودية أكبر للمقاول الأصلي ويساهم في تطويره أو تحسين أدائه، أو يخفف عليه من بعض التكاليف أو الأعباء المادية، أو يقلل من بعض المسؤوليات الملقاة على عاتقه، أو يعفيه من هذه المسؤوليات تجاه العمال مثلا، حينما تصبح علاقة الشغل قائمة وبشكل مباشر بينهم وبين المقاولة من الباطن.

  غير أن الفقرة الأخيرة من المادة 86 وإن أكدت على أن اللجوء إلى المقاولة من الباطن يكون بهدف المحافظة على مصلحة المقاولة الأصلية، إلا أنها في المقابل اشترطت في ذلك أن لا يترتب عليه إخلال أو مساس بحقوق العمال، لذلك فإنه في حالة لجوء المقاولة الأصلية لهذا التدبير بأن تعهد إلى مقاولة أخرى بتكليفها بالإشراف على العمال، أو بأن تحل محلها كمشغلة لهم، فإنه تصبح مسؤوليتها كاملة عنهم.

نعتقد أنه يتعين على المقاولة الأصلية أن تشعر العمال بهذا التحول الذي يطرأ عليها، وما يترتب عليه من آثار، بل إننا نرى أنه يتعين التنصيص في العقد الذي يبرم بين المقاولتين على ضمان حقوق العمال المكتسبة، بالاحتفاظ لهم بأقدميتهم في العمل وما ينتج عنها من حقوق أو امتيازات، خاصة إذا تعلق الأمر بكون عقود هؤلاء العمال غير محددة المدة.

  بل إنه في حالة عدم موافقة المقاولة من الباطن على استمرار هذه العقود على حالتها، بتغيير طبيعتها أو بإبرام عقود محددة المدة أو مؤقتة فإن المقاولة الأصلية يتعين عليها أن تمنح لهؤلاء العمال تعويضا عن ما يمكن اعتباره فسخا لعقد الشغل بتغيير نوع المشغل، وما يترتب عنه من تغيير طبيعة عقد الشغل من عقد غير محدد المدة إلى عقد محدد المدة أو مؤقت، ما دام العقد محدد المدة أو المؤقت لا يستحق فيهما الأجير إلا الأجر، أو تعويضا يعادل الأجر في حالة فسخ العقد قبل انصرام مدته.

التزامات المقاول من الباطن:

وأما المادة 87 فقد حددت التزامات المقاول من الباطن كما يلي:

(يجب على المقاول من الباطن بصفته مشغلا، التقيد بجميع أحكام هذا القانون، وبالنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضمان الاجتماعي، وحوادث الشغل والأمراض المهنية.

إذا لم يكن المقاول من الباطن مقيدا في السجل التجاري، ولا صاحب أصل تجاري، وجب على المقاول الأصلي السهر على مراعاة ما تنص عليه أحكام الكتاب الثاني من هذا القانون في شأن الأجراء.)

  لقد أعطت هذه المادة للمقاول من الباطن صفة مشغل، ومن هذا المنطلق حملته جميع الالتزامات التي يتحملها أي مشغل عادي، وتبعا لذلك يتعين عليه احترام جميع مقتضيات مدونة الشغل، وكذا تطبيق النصوص التنظيمية والتشريعية للضمان الاجتماعي، ومقتضيات حوادث الشغل والأمراض المهنية.

  وبتحميل المقاول من الباطن مسؤولية تطبيق جميع هذه المقتضيات يكون المقاول أو المشغل الأصلي في حل من كل مسؤولية، غير أن هذه المادة اشترطت في ذلك شرطين أساسيين هما: أن يكون المقاول من الباطن مسجلا في السجل التجاري وأن يكون له أصل تجاري، وأما في حالة تخلف أحد هذين الشرطين فإنه يمكن القول بأنه يتعين تشطير المسؤولية، بمعنى أن مسؤولية المقاول من الباطن تكون جزئية، ويعفى من تطبيق مقتضيات الكتاب الثاني بشأن الأجراء، ويتحملها المقاول الأصلي، بينما تنحصر مسؤولية المقاول من الباطن في باقي المقتضيات المنصوص عليها في مدونة الشغل.

  غير أنه يلاحظ أن التسجيل في السجل التجاري أو توفر المقاول من الباطن على أصل تجاري لا يعتبران شرطين مستقلين عن بعضهما البعض وإنما يكونان متلازمين، بل إنهما يشكلان شرطا واحدا بحكم تداخلهما، لأن كل من يتوفر على أصل تجاري يفترض فيه أن يكون مسجلا في السجل التجاري، ذلك أنه لا يمكن تصور عدم توفر تاجر على أصل تجاري.

التزامات المقاول من الباطن بخصوص بطاقة الشغل وورقة الأداء:

  ونظرا لأهمية تسليم بطاقة الشغل وورقة الأداء الذي يعتبر من الالتزامات الملقاة على عاتق المشغل فقد أكدت المادة 88 على ضرورة احترام هذا الالتزام من قبل المقاول من الباطن، حيث جاء فيها ما يلي:

(يجب على المقاول من الباطن أن يضمن بطاقة الشغل وورقة الأداء، المنصوص عليهما في المادتين 23 أعلاه و370 أدناه، البيانات التي تحددها السلطة الحكومية المكلفة بالشغل.)

ونعتقد أن ما ورد في هذه المادة والذي يرتبط بتضمين البيانات الواردة في المادتين 23 و370 من مدونة الشغل، جاء فقط لتأكيد ما أشير إليه أعلاه في المادة 87 أعلاه، حينما يحل محل المقاول الأصلي كلية ويكون مسؤولا عن جميع أحكام المدونة في حالة تحقق الشرطين المشار إليهما أعلاه.

  فتطبيق مقتضيات مدونة الشغل كلا أو جزءا يشمل فيما يشمل أيضا ما ورد من مقتضيات في المادتين 23 و 370 من المدونة.

مسؤوليات المقاول الأصلي في حالة إعسار المقاول من الباطن:

  ومن أجل ضمان حقوق الأجراء في حالة إعسار المقاول من الباطن فقد تضمنت المادة 89 مجموعة من المقتضيات على الشكل التالي:

(إذا أعسر المقاول من الباطن، ولم يكن مقيدا بالسجل التجاري ولا منخرطا  في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فإن المقاول الأصلي يصبح مسؤولا عن الوفاء بالالتزامات التالية في جميع الحالات، وفي حدود المبالغ المترتبة بذمته لصالح المقاول من الباطن تجاه الأجراء الذين يشتغلون لحساب هذا الأخير، سواء أنجزت الأشغال أو الخدمات في مؤسسات المقاول الأصلي أو ملحقاتها، أو  في مؤسسات أو ملحقات ليست ملكا له، أو إذا أنجزها أجراء يشتغلون بمنازلهم:

- أداء أجورهم، مع مراعاة المقتضيات الواردة في المادة 91 أدناه؛

- التعويض عن العطلة السنوية المؤدى عنها؛

- التعويضات عن الفصل من الشغل؛

- دفع الاشتراكات الواجب أداؤها إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛

- دفع الرسم الخاص بالتكوين المهني.

يكون المقاول الأصلي،علاوة على ذلك، مسؤولا عن التعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، إذا أنجزت الأشغال أو الخدمات في مؤسساته، أو في ملحقاتها.)

فإذا كانت المادة 87 قد تعرضت لمسؤولية المقاول الأصلي في الحالة العادية فإن المادة 89 قد تطرقت لمسؤوليته في حالة إعسار المقاول من الباطن وما ينتج عن ذلك من إحلال المقاول الأصلي محل الأول في الوفاء ببعض الالتزامات، وهو ما يشكل استثناء من القاعدة، غير أنها أكدت مرة أخرى على ضرورة توفر الشرطين المشار إليهما في الفقرة الثانية من المادة 87 من مدونة الشغل، والمتمثلين في كون المقاول من الباطن يجب أن يكون غير مسجل في السجل التجاري، وغير منخرط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كما أنها حددت شروطا مرتبطة بهذه الالتزامات، إضافة إلى أنها أوردت هذه الالتزامات على سبيل الحصر، لأجل ذلك نتناول هذا الجانب من خلال نقطتين أساسيتين كما يلي:

أولا: الشروط المرتبطة بالتزامات المقاول الأصلي

  يلاحظ أن المادة 89 أعلاه وإن كانت قد نصت على أن ( المقاول الأصلي يصبح مسؤولا عن الوفاء بالالتزامات التالية في جميع الحالات...) إلا أنها وضعت قيودا على ذلك، حيث حصرتها في " المبالغ المترتبة " بذمة المقاول الأصلي لفائدة المقاول من الباطن ( تجاه الأجراء الذين يشتغلون لحساب هذا الأخير، سواء أنجزت الأشغال أو الخدمات في مؤسسات المقاول الأصلي أو ملحقاتها، أو في مؤسسات أو ملحقات ليست ملكا له، أو إذا أنجزها أجراء يشتغلون بمنازلهم. )

فقد افترضت هذه المادة أن تكون هذه المبالغ عبارة عن دين في ذمة المقاول الأصلي لفائدة المقاول من الباطن، غير أنها ربطت ذلك بما قام به هؤلاء الأجراء من أشغال لفائدة المقاول من الباطن، ودون أن تشترط أن تكون هذه الأشغال قد تمت في مؤسسات المقاول الأصلي أو في ملحقاتها، بل إنها تشمل فيما تشمل أيضا الأشغال التي أنجزت في مؤسسات أو ملحقات لا يملكها المقاول الأصلي، أو في منازل هؤلاء الأجراء إذا كان الأمر يتعلق ببعض الأعمال التي تنجز داخل منازلهم، ومن ثم فإنه ما دامت هذه المبالغ ترتبط بهذه الأشغال فإنه يمكن اعتبارها أجرا عن العمل أو الخدمة التي قاموا بها.  

وعلى خلاف ذلك فإنه هناك شرطا وحيدا يجب توفره بخصوص مسؤولية المقاول الأصلي عن التعويض عن حوادث الشغل أو الأمراض المهنية، وهو ضرورة إنجاز ( الأشغال أو الخدمات في مؤسساته، أو  في ملحقاتها. ) مما يفهم من ذلك أن المسؤولية عن هذا التعويض وعلى خلاف الحالة العامة السابقة تكون في حدود ضيقة، مع أن حادثة الشغل يكون لها أحيانا مفهوم عام حينما يتعرض لها الأجير - الضحية بمناسبة الشغل، طبقا لما ينص عليه الفصل الثالث من ظهير 6-2-1963 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، أو حينما تحمل الحادثة مفهوم حادثة طريق، وكما ينص على ذلك الفصل السادس من نفس الظهير.

ثانيا: الالتزامات التي يتحملها المقاول الأصلي

لقد حددت هذه المادة الالتزامات التي يتحملها المقاول الأصلي في أنواع متعددة وردت على سبيل الحصر تمثلت في الأجور، وفي التعويض عن العطلة السنوية المؤدى عنها، وفي التعويض عن الفصل، وهذه الالتزامات يمكن القول بأنها مرتبطة بحقوق العمال، كما حددتها في دفع الاشتراكات الواجب أداؤها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وفي دفع الرسم الخاص بالتكوين المهني، إلى أن ختمت بالتعويض عن حوادث الشغل والتي حددت لها شروطا سبق تفصيل الحديث عنها، غير أنها نصت بخصوص أداء الأجور على ضرورة مراعاة مقتضيات المادة 91 من مدونة الشغل.

حق الأجراء وصندوق الضمان الاجتماعي في إقامة الدعوى:

وأما المادة 90 فقد خولت لجهات معينة حق إقامة الدعوى في مواجهة المقاول الأصلي في حالة إعسار المقاول من الباطن وذلك كما يلي:

( يحق للأجراء المتضررين، وللصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، عند إعسار المقاول من الباطن، في الأحوال المنصوص عليها في المادة 89 أعلاه، إقامة دعوى على المقاول الأصلي، الذي أنجز الشغل لحسابه.)

وهكذا فقد مكنت الأجراء وكذا الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من اللجوء إلى القضاء في حالة إعسار المقاول من الباطن، وطبقا للشروط الواردة في المادة السابقة للمطالبة بما يستحقه هذان الفريقان، ورفع الدعوى يكون في مواجهة المقاول الأصلي الذي أنجز الشغل لصالحه.

غير أنه إذا كان الأمر واضحا بالنسبة للأجراء، حيث يفهم من ذلك أنهم قد قاموا بأشغال لفائدة المقاول الأصلي، فإن الصورة تبقى ليست كذلك بالنسبة للصندوق المذكور، ونعتقد أن المقصود بذلك ما يتحمله المقاول المذكور من أقساط عن اشتراك الأجراء لفائدة الصندوق.

إلا أنه من الملاحظ أنه في الوقت التي نصت المادة 89 على أن المقاول الأصلي يحل محل المقاول من الباطن في الوفاء ببعض الالتزامات في حالة إعسار هذا الأخير وبشروط معينة، وعن الأشغال التي قام بها الأجراء لحسابه، يلاحظ أن المادة 91 تعرضت للأشغال التي قام بها الأجراء لفائدة المقاول الأصلي، فكيف يمكن التوفيق بين الأشغال التي أنجزت لحساب المقاول من الباطن وبين الأشغال التي أنجزت لحساب المقاول الأصلي، وهذا ما يجعلنا نسجل عدم وجود انسجام بين المادتين.

شروط مسؤولية المقاول الأصلي عن أداء أجور العمال:

وأما المادة 91 فقد حددت هذه الشروط على الشكل التالي:

(لا يسأل المقاول الأصلي عن أداء أجور أجراء المقاول من الباطن، إلا إذا وجه إليه هؤلاء الأجراء،أو السلطة الإدارية المحلية، أو العون المكلف بتفتيش الشغل، خلال الستين يوم الموالية لتاريخ استحقاق الأجور، التي لم تؤد عن الشهر الأخير أو الخمسة عشر يوما الأخيرة، إشعارا يخطره بعدم أداء المقاول من الباطن أجور أجرائه.)

ذلك أن هذه المادة تعرضت لشرط مرتبط بأجل يتمثل في أن تحميل المقاول الأصلي أداء أجور عمال المقاول من الباطن يكون مشروطا بتوجيه إشعار إلى المقاول الأصلي يتعلق بعدم أداء المقاول من الباطن لهذه الأجور، على أن يكون ذلك خلال ستين يوما الموالية لتاريخ استحقاقها عن الشهر الأخير أو عن الخمسة عشر يوما، غير أنها قد فتحت المجال لمجموعة من الجهات في توجيه هذا الإشعار فلم تقصره على الأجراء فقط، وإنما قد خولت ذلك أيضا لكل من السلطة المحلية وكذا لمفتش الشغل، إلا أنها لم تحدد وسيلة تبليغ هذا الإشعار، وتحديد هذا الأجل يفهم منه أن توجيه هذا الإشعار بعد مروره يترتب عليه سقوط هذا الحق.  

                                                     والله ولي التوفيق

[1]  من خلال الفقرة الأولى من المادة: 80 من مدونة الشغل.

[2]  من خلال المادة: 516 من نفس المدونة.

[3] بخصوص تغيير المركز القانوني للمشغل: لقدسبق لنا المساهمة بمداخلة تحت عنوان:  " تأملات في موقف المجلس الأعلى من طرد الأجير الناتج عن تغيير المركز القانوني للمشغل " في " الندوة الجهوية التاسعة " في إطار الذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس الأعلى والتي تمحورت حول " عقود العمل والمنازعات الاجتماعية من خلال المجلس الأعلى " بتاريخ 5 و6 يوليوز 2007 بمقر محكمة الاستئناف بأكادير، وقد نشرت بالكتاب المخصص للندوة من الصفحة 190 إلى 200.
المصدر http://www.sejdm.com
تعليقات