القائمة الرئيسية

الصفحات



الأعمال التجارية

أعمال تجارية

commercial acts - actes de commerce

الأعمال التجارية

الأعمال التجارية

هيثم الطاس

الأعمال التجارية بحكم ماهيتها

الأعمال التجارية بالتبعية

الأعمال المختلطة





اكتفى المشرع في المادة السادسة من قانون التجارة بتعداد قانوني للأعمال التجارية وهذا التعداد لم يرد على سبيل الحصر وإنما على سبيل المثال.

وتوضيحاً لما سبق سنقوم بعرض المواد (6)، (7)، (8) كما جاءت في قانون التجارة رقم (33) لعام 2007:

فقد نصت المادة السادسة في قانون التجارة رقم (33) على ما يلي:

تعد بحكم ماهيتها الذاتية أعمالاً تجارية:

1- شراء المنقولات المادية وغير المادية لأجل بيعها بربح ما سواء أبقيت على حالتها أم بعد شغلها أو تحويلها.

2- شراء تلك الأشياء المنقولة نفسها لأجل تأجيرها أو استئجارها لأجل تأجيرها ثانية.

3- البيع أو الاستئجار أو التأجير ثانية للأشياء المشتراة أو المستأجرة على الوجه المبين فيما تقدم.

4- أعمال الصرافة والمبادلة المالية ومعاملات المصارف العامة والخاصة.

5- مشروع التوريد.

6- مشروع المصانع وإن يكن مقترناً باستثمار زراعي إلا إذا كان تحويل المواد يتم بعمل يدوي بسيط.

7- مشروع الوكالة والسمسرة.

8- مشروع النقل براً أو جواً أو على سطح الماء.

9- مشروع التأمين بأنواعه.

10- مشروع المشاهد العامة.

11- مشروع النشر.

12- مشروع المخازن العامة.

13- مشروع المناجم والبترول.

14- مشروع الأشغال العقارية.

15- مشروع شراء العقارات لبيعها بربح.

16- مشروع وكالة أشغال.

17- كل مشروع لإنشاء أو شراء بواخر معدة للملاحة الداخلية أو الخارجية بقصد استثمارها تجارياً أو بيعها وكل بيع للبواخر المشتراة على هذا الوجه.

18- جميع الإرساليات البحرية وكل عملية تتعلق بها كشراء أو بيع لوازمها من حبال وأشرعة ومؤن.

19- إجارة السفن أو التزام النقل عليها والإقراض أو الاستقراض البحري.

20- وسائر العقود المختصة بالتجارة البحرية كالاتفاقات والمقاولات على أجور البحارة وبدل خدمتهم واستخدامهم للعمل على بواخر تجارية.

واستناداً إلى التعداد الوارد في المادة السابقة يمكننا أن نقسم الأعمال التجارية إلى قسمين:

أولاً: الأعمال التجارية بحكم ماهيتها: وهي تُعدّ تجارية بغض النظر عن صفة القائمين بها؛ أي سواء صدرت من تاجر أم غير تاجر، وسواء جرت بصورة متكررة أم لمرة واحدة.

ثانياً: الأعمال التجارية بالتبعية: وهي الأعمال التي تعد مدنية بحسب الأصل لكنها تكتسب الصفة التجارية متى قام بها تاجر لشؤون تتعلق بتجارته.

من ناحية أخرى إن كل هذه الأعمال قد تكون تجارية بالنسبة إلى أحد طرفيها، في حين تعد مدنية  بالنسبة إلى الطرف الآخر، وهذا ما يطلق عليه الأعمال المختلطة.

أولاً: الأعمال التجارية بحكم ماهيتها:

الأعمال التجارية بحكم ماهيتها هي الأعمال التي تتعلق بالوساطة في تداول الثروات وتهدف إلى المضاربة وتحقيق الربح وقد عددها المشرع في المادتين (6)    و(7) من قانون التجارة، ويتضح من هذا التعداد أن المشرع يعدّ بعض الأعمال تجارية ولو وقعت عرضاً من شخص ما لمرة واحدة، في حين يشترط لإسباغ الصفة التجارية على بعضها الآخر أن يمارسها شخص على سبيل الاحتراف، وبناء على ذلك يمكن تقسيم الأعمال التجارية بحكم ماهيتها إلى قسمين رئيسيين:

¯ أعمال تجارية منفردة.

¯ أعمال لا تعدّ تجارية إلا إذا صدرت على وجه الاحتراف أو المشروع وهي المشاريع التجارية.

1- الأعمال التجارية المنفردة:

تشمل الأعمال التجارية المنفردة: الشراء لأجل البيع والتأجير، الاستئجار لأجل إعادة التأجير، أعمال الصرافة والمبادلة المالية، الأعمال المتعلقة بالأسناد التجارية، الأعمال المتعلقة بالتجارة البحرية.

وسوف نستعرض هذه الأعمال تباعاً:

أ- الشراء لأجل البيع والتأجير:

الشراء لأجل البيع هو أول الأعمال المنفردة والتي نصت عليها المادة (6) وعدّته هذه المادة نموذجاً للأعمال التجارية الأخرى بوصفه أكثر الأعمال انتشاراً وأول ما يخطر على الذهن إذا ذكرت التجارة؛ ففيه تتمثل معاني المضاربة وفكرة التداول على نحو جلي وواضح.

ونستخلص من الفقرات (أ – ب - جـ) من المادة السادسة أنه يجب حتى يعدّ الشراء بقصد البيع أو الإيجار عملاً تجارياً توافر ثلاثة شروط مجتمعة وهي:

¦ أن يكون هنالك شراء.

¦ أن ينصب هذا الشراء على منقول.

¦ أن يكون هذا الشراء بقصد إعادة البيع أو التأجير بقصد الربح.

الشرط الأول: الشراء:

الأصل أنه لابد أن يبدأ العمل التجاري بالشراء، ويقصد بالشراء هنا الشراء بمعناه الواسع بحيث يشمل كل اقتناء للشيء بعوض، سواء أكان هذا العوض ثمناً نقداً كما هو الحال في عقد الشراء أم كان عوضاً عينياً كما هو الأمر في عقد المقايضة.

والشراء شرط ضروري لاعتبار العمل التجاري، لهذا فإن البيع الذي لا يسبقه شراء لا يعدّ تجارياً، كمن يبيع أشياء آلت إليه عن طريق الهبة أو الميراث أو الوصية أو بيعه لإنتاجه الذهني أو الفني فإنه لا يعدّ عملاً تجارياً، ولا يعدّ أعمالاً تجارية بل تبقى أعمالاً مدنية أعمال الأشخاص الذين يبيعون للغير مباشرة إنتاجهم المادي (كبيع المزارع حاصلاته الزراعية) أو إنتاجهم الذهني أو الفني (كبيع المؤلف مؤلفاته والرسام لوحاته)؛ ذلك أن الإنتاج هنا لم يسبقه شراء، كذلك فإن أصحاب المهن الحرة لا تعدّ أعمالهم تجارية وللأسباب نفسها كمهن المحاماة والطب وغيرها.

ويراعى هنا أن عمل الطبيب مثلاً لا يعدّ تجارياً ولو قام عرضاً ببيع الأدوية في الأماكن المفتقرة إلى صيادلة بفرض أن هذه الفعالية ثانوية وتابعة لمهنته الأصلية، أما إذا استثمر مشفى لمعالجة مرضى غير مرضاه الشخصيين فيعدّ عملاً تجارياً.

الشرط الثاني: ورود الشراء على منقول:

يجب أن يرد الشراء على مال منقول سواء كان المنقول مادياً (سيارة - سلع - خضار…) أم معنوياً (براءات اختراع- متجر - أسهم شركات…) وقد استبعد المشرع شراء العقارات من جعلها عملاً تجارياً بموضوعه (مفرد) لأن شراء العقارات يتم  بوساطة إجراءات معينة، وعدّه عملاً تجارياً بأسلوبه وليس بموضوعه أي بالمشروع. أما شراء عقار بقصد بيع تجهيزاته ومواده فيعدّ عملاً تجارياً مفرداً؛ وذلك لأن العقار أصبح منقولاً من حيث المآل والعمل التجاري وارداً على منقول.

الشرط الثالث: قصد البيع أو التأجير:

لا يكفي لوصف عملية بأنها تجارية أن يكون هنالك شراء وإنما يجب فوق ذلك أن يكون هذا الشراء قد تم بقصد البيع أو التأجير، ويستوي بعد ذلك أن يأتي بيع المنقول في الصورة التي اشُتري بها أم تم ذلك بعد تصنيفه أو تحويله؛ كأن يشتري المرء قطناً ويبيعه قطناً في الحالة الأولى، أو نصف مُصنع في خيوط أو مُصنعاً أقمشة كما في الحالة الثانية.

وبعد، فإن الشيء المهم في هذه العملية هو أن يكون المشتري قد اشترى وهو يقصد البيع، ولا فرق بعد ذلك سواء أباع ما اشترى فعلاً أم لا، فالشراء يبقى عملاً تجارياً منفرداً وإن عدل المشتري بعد ذلك عن البيع أو هلك الشيء المشترى قبل بيعه، فالمهم أن يكون قصد البيع متوفراً عند الشراء ولا يغير من الأمر اختلاف التسلسل الزمني لعمليتي الشراء والبيع ما دامت هناك رابطة قانونية بين البيع والشراء عندما يكون البيع سابقاً للشراء، وقد أصبحت عمليات البيع التي تسبق الشراء كثيرة ومألوفة في حياتنا الاقتصادية المعاصرة، وأما إذا لم يتوفر قصد البيع حين الشراء فإن العملية تكون مدنية وإن جرى البيع بعد ذلك، فالعبرة لنية المشتري حين الشراء وليس لما قرره فيما بعد.

وعلى هذا - ونظراً لأهمية توقيت نية البيع- فإن على من يدعي أنه اشترى وهو يقصد البيع أن يقدم الدليل على ذلك، ويمكن أن يتم الإثبات بمختلف طرق الإثبات.

قصد التأجير:

إن ما ينطبق على شراء المنقولات بقصد بيعها بربح ينطبق على عمليات الشراء (أو الاستئجار) بقصد التأجير.

وقد أصبحت عمليات الإيجار من الأعمال التجارية المربحة في عالم اليوم، كما أنها أصبحت ذات أهمية كبيرة في عالمي الصناعيين والتجار، فقد أوجدت الحياة المعاصرة أوضاعاً تجعل الإنسان في حاجة إلى الانتفاع ببعض الأشياء دونما حاجة إلى تملكها. وقد وضع العلم تحت تصرف المؤسسات الصناعية معدات وآليات وأجهزة ذات أثمان باهظة لا تستطيع أن تتملكها، أو لا تجد ضرورة لأن تجمد ثمنها وتتحمل نفقات صيانتها المرتفعة، وأن من الأفضل بالنسبة إليها أن تكتفي بالاستفادة من خدماتها لفترات معلومة عن طريق الاستئجار من ذلك: استئجار السيارات والشاحنات، استئجار آليات الحفر والروافع للبناء، وتأجير الأدمغة الإلكترونية Computers، ومن ذلك أيضاً: تأجير الأواني والكراسي والتجهيزات اللازمة للمناسبات والأفراح… إلخ.

وقد أصبحت هذه الأعمال تتعاطاها مؤسسات متخصصة في عالم اليوم، وهي تقوم بعملها هذا إما عن طريق الشراء وإما عن طريق الاستئجار أيضاً.

أشكال التأجير:

تأخذ عمليات التأجير صوراً متعددة في عالم اليوم، وهو عموماً إما أن يكون إيجاراً بسيطاً وإما مركباً. فأما الإيجار البسيط Renting فهو الصورة التقليدية التي ينظمها القانون المدني وبموجبه يملك مالك الشيء منفعته فترة زمنية تتناسب ومدة الإيجار.

ومن الأمثلة على ذلك: إيجار السيارات Renting car وإيجار الكراسي للأفراد والمناسبات…إلخ، إن هذا النوع من الإيجار يخضع للشروط التعاقدية، فإن لم تكن فلأحكام المواد (526-576) مدني.

وأما الإيجار المركب فهو صور جديدة للانتفاع من الأشياء أفرزتها الحياة المعاصرة، ومن أبرزها عقد الإيجار مع الوعد بالبيع، وهو ما يطلق عليه اسم «الليزينغ».

وبعد فقد اتضح لنا مما سبق أننا نحن دوماً بصدد إيجار ينصب على منقول، فإذا انصب الإيجار على عقار فالعملية تعدّ مدنية، لا فرق في ذلك سواء أكان العقار مفروشاً أو من دون فرش، وسواء أكان الإيجار لأغراض مدنية أم تجارية. وإذا كان المشرع قد وضع تنظيماً خاصاً لإيجار الأماكن المخصصة للأغراض التجارية والصناعية فلأن العقار المؤجر يصبح عندئذ من عناصر المتجر المعنوية.

إلا أن هذا لا يغير من طبيعة العملية بالنسبة إلى المؤجر فهي تبقى عملية مدنية لا تجارية، وأما بالنسبة إلى التاجر المستأجر فإن العملية هي عملية تجارية بالتبعية بالنسبة إليه.

الشرط الرابع: قصد جني الربح:

ليس كافياً لاكتساب عملية الشراء صفة العمل التجاري أن يكون الشراء من أجل البيع أو التأجير، وإنما يشترط فوق ذلك أن يكون القصد من البيع جني ربح مادي للبائع، وهو ما يدل عليه لفظ البيع وهو مبادلة شيء أو حق في مقابل ثمن، إلا أنه ليس من الضروري أن يحقق المشتري ربحاً فعلياً من البيع، وإنما يكفي أن يكون قصده و مبتغاه الربح، ولا فرق بعد ذلك سواء انتهت الصفقة إلى ربح أم إلى خسارة.

ولهذا يعدّ عملاً تجارياً -للسبب ذاته- شراء التاجر بضائع وسلع يبيعها بخسارة إذا كان قصده من ذلك منافسة تاجر آخر، أو إغراق السوق فترة من الزمن، فمثل هذا البيع يعدّ عملاً تجارياً لأنه يستهدف من حيث المآل تحقيق ربح، ولكن على المدى البعيد وذلك عن طريق احتكار السوق والتخلص من المنافسين. وبناء على ذلك يخرج من نطاق الأعمال التجارية شراء التاجر سلعاً وبضائع من أجل بيعها من دون ربح، فصاحب المعمل أو المدرسة أو المستشفى الذي يشتري المواد الغذائية لبيعها لعماله أو تلامذتها أو المرضى مساعدة لهم وسداً لحاجاتهم؛ ومن دون أن يكون الهدف من ذلك جني الربح لا يعدّ عملهم هذا عملاً تجارياً. كذلك يخرج من نطاق الأعمال التجارية - للسبب ذاته - شراء الجمعيات التعاونية الاستهلاكية المواد والسلع والبضائع لبيعها للموظفين والمستخدمين والعمال ما دامت في عملها هذا إنما تستهدف بذلك خدمة مصالح أعضائها، أما إذا باعت ما تشتريه بربح فإنها تنقلب عندئذ إلى مشاريع تجارية، حتى وإن سُميت جمعيات استهلاكية.





ب- الاستئجار لأجل التأجير ثانية:

نصت الفقرتان (ب و ج) من المادة السادسة من القانون التجاري على أن شراء الأشياء المنقولة نفسها لأجل تأجيرها أو استئجارها لأجل تأجيرها ثانية أو البيع أو الاستئجار أو التأجير ثانية للأشياء المشتراة أو المستأجرة تعدّ أعمالاً تجارية بحكم ماهيتها الذاتية، كما لو استأجر شخص سيارة من أجل نقل الركاب بالأجرة فعندئذ يُعدّ عمله تجارياً.

ج- أعمال الصرافة والمبادلة المالية ومعاملات المصارف:

تعدّ أعمال الصرافة أعمالاً تجارية منفردة، كذلك معاملات المصارف جميعها وأعمال الصرافة في جوهرها هي أعمال شراء من أجل البيع بربح، فالصّراف إنما يشتري نقوداً بنقود بهدف بيعها والربح فيها.

أما أعمال المصارف فمتعددة ومتنوعة فهي تقوم بتسليف النقود بفائدة سواء كان ذلك بضمان أو من دون ضمان، كما تقوم بفتح الاعتمادات والحسابات الجارية وقبول الودائع النقدية وتأجير الصناديق الحديدية وخصم الأسناد التجارية وغير ذلك.

عدّ المشرع أعمال الصرافة وأعمال المصارف أعمالاً تجارية ولو وقعت لمرة واحدة، وقد كان حرياً بالمشرِّع أن يدرج أعمال المصارف في عداد المشاريع التجارية، وألا يكتفي بالنظر إليها كأعمال منفردة، فممارسة مثل هذه الأعمال يصعب تصورها في إطار الأعمال المنفردة إلا أن هذه الأعمال لا تعدّ تجارية إلا من جانب المصرف، وأما بالنسبة إلى زبائنه والمتعاملين معه فتعدّ تلك العمليات مدنية مبدئياً ما لم يكن الزبون تاجراً ويتعاطى هذه الأعمال لمصلحة تجارته، فتعدّ عندئذ تجارية بالتبعية.

د- الأسناد التجارية:

الأسناد التجارية هي: السُفتجة أو سند السحب، والسند لأمر، والشيك، وهي من أدوات التجارة يستخدمها التجار خاصة لتداول الائتمان فيما بينهم ووفاء لديونهم كما هو دور السُفتجة والسند لأمر؛ أو وسيلة وفاء للديون كما هو وضع الشيك. لم تنص المادة (6 ق.ت) على أن الأسناد التجارية هي من الأعمال التجارية المنفردة، إلا أن المشرّع أفرد الكتاب الرابع من قانون التجارة للبحث فيها، وهي أحكام تجارية تطبق على كل سند بغض النظر عن شخصية المتعامل به، وهذا يدعونا إلى القول إن: الأسناد التجارية كلها هي أعمال تجارية بذاتها بغض النظر عن الغرض الذي يُستخدم من أجله السند التجاري؛ والشخص المستخدم للسند التجاري سواء كان تاجراً أم غير تاجر. ويدعم هذا الرأي أحكام المادة (745 ق.م) التي تعد الكفالة الناجمة عن ضمان الأسناد التجارية أو عن تظهيرها عملاً تجارياً دائماً.

هـ - الأعمال المتعلقة بالتجارة البحرية:

خص المشرع الفقرات (ق - ص - ث - خ) من المادة السادسة من القانون التجاري لأعمال التجارة البحرية فأضفى الصفة التجارية على بعض الأعمال المتعلقة بالتجارة البحرية، وهي إنشاء أو شراء بواخر للملاحة الداخلية أو الخارجية بقصد استثمارها تجارياً أو بيعها، وكل بيع للبواخر المشتراة على هذا الوجه، وكذلك جميع الإرساليات البحرية وكل عملية تتعلق بها كشراء لوازمها من حبال وأشرعة ومؤن  أو بيعها إضافة إلى إجارة السفن أو التزام النقل عليها والإقراض أو الاستقراض البحري.

غير أن هذا التعداد قد ورد على سبيل المثال لا الحصر بدليل نص الفقرة (خ) من المادة السادسة من القانون التجاري الذي يعدّ سائر العقود المختصة بالتجارة البحرية كالاتفاقات والمقاولات على أجور البحارة وبدل خدمتهم واستخدامهم للعمل على بواخر بحرية عملاً تجارياً. وجميع هذه الأعمال تعدّ تجارية حتى ولو تمت مرة واحدة، غير أنه يندر وقوعها على نحو منفرد؛ وإنما تتم عادة ضمن إطار مشاريع ضخمة وذلك نظراً لما تتميز به من أهمية وضخامة.

2- المشاريع التجارية:

أضفى المشرع في المادة السادسة من القانون التجاري الصفة التجارية على عدد من الأعمال بنص القانون حتى لو تمت لمرة واحدة، في حين لم يعدّ بعض الأعمال الأخرى التي ذكرها في المادة نفسها أعمالاً تجارية إلا إذا تمت من خلال مشروع؛ لأن تجارية هذه الأعمال لا تُستمد من العمل ذاته وطبيعة موضوعه أو من صفة الشخص القائم بها بل من شكل التنظيم الذي يستند إليه وهو المشروع.

والمفهوم المتفق عليه في الفقه والقضاء لمعنى المشروع يتطلب شرطين أساسيين:

أولهما: يجب أن يستند المشروع إلى تنظيم سابق مهيأ بالوسائل القانونية والمادية لقيامه على نحو مستمر كاختيار المكان المناسب مثل فتح محل تجاري أو مستودع أو مكتبة؛ وتهيئة مواد العمل ووسائله، واتخاذ اسم تجاري واستخدام عدد كبير من العمال، والواقع أن لاستخدام العمال أهمية خاصة في استنباط شرط المشروع؛ لأن المضاربة على عمل العمال هي التي تميز التاجر من الحرفي الذي يُصنِّع بنفسه ما يبيعه من دون أن يضارب على عمل الغير مثل النجار والحداد والخياط فهم ليسوا تجاراً، وبالتالي لا يعدّ عملهم من قبيل المشروع التجاري ولا يكتسبون صفة التاجر بل هم حرفيون.

وثانيهما: تكرار العمل على نحو متصل معتاد أي مزاولته على سبيل الاحتراف. والتكرار هو نتيجة منطقية لازمة للشرط الأول المتعلق بالتنظيم ذلك أن وجود التنظيم يتضمن ويفترض أن العمل ليس لمن يباشره لمرة واحدة وإنما على نحو متكرر، وسنبحث الآن كل مشروع من المشاريع التي ذكرها المشرع في المادة السادسة من قانون التجارة.

أ - مشروع التوريد:

هو عقد يتعهد شخص بموجبه أن يقدم مواد معينة لقاء مبلغ محدد بصفة دورية ومنتظمة خلال فترة معينة من الزمن لمصلحة شخص آخر. وأمثلة تقديم المواد كثيرة كتوريد اللحوم أو الأغذية إلى المطاعم أو المدارس أو المستشفيات، وتوريد الورق إلى إحدى الصحف وغير ذلك.

ب - مشروع المصانع:

عدّت الفقرة (و) من المادة السادسة من القانون التجاري مشروع المصانع عملاً تجارياً وإن يكن مقترناً باستثمار زراعي إلا إذا كان تحويل المواد يتم بعمل يدوي بسيط. والمقصود من مشروع المصانع الوارد في المادة السادسة هو تحويل المواد الأولية أو نصف المصنعة إلى سلع كاملة الصنع صالحة لإشباع حاجات الناس.

وقد يستند مشروع المصانع إلى شراء المواد الأولية فتعدّ تجارية ليس فقط باعتبارها مشروع صناعة وإنما باعتبارها شراء لأجل البيع بعد شغلها أو تحويلها. وإذا كان مشروع المصانع مستنداً إلى شراء المواد الخام الأولية وتحويلها ثم بيعها بربح تعدّ تجارية ولو بوشرت مرة واحدة؛ فإن النص على اعتبارها تجارية إذا بوشرت على وجه المشروع يُعد في هذه الحالة غير ذي قيمة لأن تجاريته تكون بديهية، لذلك فإنه لإعمال نص الفقرة (و) من المادة السادسة ينبغي التسليم بأن هذه الفقرة إنما تعرض للحالات التي لا يشتري فيها الصانع المادة الأولية، وينطبق ذلك على الصانع الذي يتلقى المادة الأولية من الغير ليقوم بتحويلها وتهيئتها في إطار معين ثم يعيدها إلى صاحبها كصاحب المحلجة الذي يحلج أقطان الغير وصاحب المصبغة الذي يصبغ ملابس الغير وصاحب المطبعة الذي يطبع كتباً للغير وصاحب المطحنة الذي تُقدم إليه الغلال لطحنها وتحويلها إلى طحين. إن أعمال المستصنع هنا لا تعدّ أعمالاً تجارية إلا إذا كان عمله ضمن مشروع يخضع لتكرار الأعمال وتنظيم مهني وأن تكون هنالك مضاربة على عمل الغير، والتفرقة هنا تدور بين التاجر الذي يستخدم العمال العديدين وينظم مشروعاً على درجة من الأهمية وبين الحرفي الذي يعمل وحده ويمارس الصناعة في نطاق محدود بحيث لا يتعدى عمله استغلال جهده البدني أو جهد أفراد أسرته أو جهد بعض الصبية الصغار؛ لأن هذا العمل هو بيع الإنتاج والمهارة الشخصية مثل الخياط الذي يقوم بخياطة ملابس لعملائه الذين يقدمون له القماش والنجار الذي يتسلّم من عملائه الخشب ليصنعه أثاثاً لهم.

ومن العودة إلى أحكام الفقرة (و) من المادة السادسة في قانون التجارة يُلاحظ أن المشرِّع قد نص على تجارة مشروع المصانع وإن كان مقترناً باستثمار زراعي.

وهذا يعني ارتباطاً بين الزراعة والصناعة كما هو الحال في المزارع الذي يصنع الزبدة والجبن من ألبان ماشيته أو يستخرج السكر من المحصولات التي تنتجها أرضه (الشوندر)، فهل تنطبق عليها أحكام الفقرة (و) من المادة السادسة وبالتالي عدّ هذه الأعمال مشروعاً صناعياً تنطبق عليه أحكام القانون التجاري أم أن هذه الأعمال تعتبر أعمال مدنية تنطبق عليها أحكام القانون المدني؟

وللإجابة عن هذا السؤال فإن القاعدة العامة تقضي بتطبيق المبدأ الذي يقضي بأن الفرع يتبع الأصل، فإذا كانت عملية الصناعة تابعة للزراعة فإنها تعدّ مدنية وإلا فإنها تعدّ تجارية وهذا يتطلب التمييز بين حالتين:

الحالة الأولى:

إذا قام شخص يملك مصنعاً للسكر بزراعة الشوندر أو إذا قام مُصنع الخمور بزراعة العنب أو إذا قامت شركة لإنتاج الجبن بتربية الأبقار للحصول على ألبانها، ففي هذه الحالة يكون الإنتاج الصناعي هو النشاط الرئيسي ولا يكون للإنتاج الزراعي إلا صفة النشاط التابع لمشروع الصناعة التجاري لذلك فإن الإنتاج الزراعي في هذه الحالات السابقة يكتسب الصفة التجارية مع أنه مدني بطبيعته وذلك نظراً لتبعيته الموضوعية لنشاط تجاري رئيسي.

الحالة الثانية:

إذا قام مزارع بتصنيع ما تنتجه أرضه كمن يستخرج الزيت من الزيتون الذي تغله أشجار بستانه أو الجبن من حليب مواشيه، أي إن نشاط هذا المزارع الرئيسي هو الزراعة وإن هذه الأعمال هي مكملة للاستغلال الزراعي الرئيسي لذلك فإن الصفة المدنية تلتصق بالإنتاج الزراعي والعمل الصناعي على حد سواء.

ج - مشروع النقل براً أو جواً أو على سطح الماء:

يقصد بالنقل البري كل عمليات النقل التي تحصل على اليابسة سواء تعلقت بنقل المسافرين أم البضائع، ولا عبرة للوسيلة المستعملة في النقل سواء أكانت سيارة أم قطاراً أم عربات تجرها الحيوانات أم غير ذلك .

كما يقصد بالنقل الجوي كل عمليات النقل التي تحصل في الفضاء بوساطة الطائرة.

أما المقصود بمشروع النقل على سطح الماء فهو النقل في المياه الداخلية الإقليمية كالأنهار والبحيرات والأقنية، أما النقل البحري فقد خصته المادة السابعة بأحكام مستقلة كما رأينا ويعد – عموماً - تجارياً ولو وقع لمرة واحدة.

لا يعد النقل سواء أكان جوياً أم برياً أم نهرياً عملاً تجارياً إلا إذا تم من خلال مشروع، وهو ما يقضي تكرار قيام الناقل بعمليات النقل وظهوره بمظهر صاحب المشروع الذي يضارب على عمل العمال، فإذا وقعت عملية نقل واحدة فلا يكتسب عمل الناقل الصفة التجارية بل تبقى لاصقة به الصفة المدنية.

ويعد مشروع النقل تجارياً بالنسبة إلى الناقل سواء أكان مالكاً لوسيلة النقل أم مستأجراً لها، وسواء أكان هذا الناقل فرداً أم شركة خاصة أم شخصاً من أشخاص القانون العام، أما بالنسبة إلى الشاحن أو المسافر محل النقل فيعدّ العمل مدنياً، إلا إذا كان تاجراً ويتعلق النقل بموضوع يخص تجارته فيعد العمل عندئذ تجارياً بالتبعية.

د - مشروع الوكالة والسمسرة:

عرَّف قانون التجارة الوكالة التجارية بأنها عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل أن يقوم بتصرف ذي صفة تجارية لحساب الموكل وقد فرق المشرّع بين الوكالة التجارية العادية والوكالة بالعمولة، فالوكالة التجارية العادية هي: إذا كان على الوكيل أن يتصرف باسم موكله ولحسابه، أما الوكالة بالعمولة فهي إذا قضت بأن يتصرف الوكيل باسمه الخاص لكن لحساب موكله.

ونتيجة لهذا التفريق يظهر الفرق بين الوكيل بالعمولة والوكيل العادي، فالوكيل العادي يبرم العقد باسم موكله ولحسابه فلا يظهر اسمه بالعقد إلا بوصفه وكيلاً وكل ما ينشأ من حقوق والتزامات يذهب مباشرة في ذمة الموكل وليس بذمة الوكيل، في حين أن الوكيل بالعمولة يبرم العقد باسمه الخاص لكن لحساب موكله ويظهر في العقد الذي يبرمه مع الغير كما لو كان صاحب الشأن فيه وبالتالي يصبح دائناً بالحقوق التي تنجم عنه ومديناً بالالتزامات التي تنشأ فيه.

والوكالة بالعمولة تعدّ تجارية متى قام بها الوكيل على وجه الاعتياد والاحتراف، أما بالنسبة إلى الموكل فإنها تعدّ تجارية بالتبعية إذا كان تاجراً ومدنية إذا كان غير تاجر.

أما السمسرة فهي من عقود الوساطة التي تمهد لإبرام عقد أصيل، فالسمسار يقدم لعميله خبرته في البحث عن متعاقد آخر وخبرته في التفاوض والإقناع حتى يصل بهذا المتعاقد إلى التعاقد مع العميل مباشرة، ولا يتدخل السمسار في العلاقة القانونية التي تتم مباشرة بين ذوي الشأن ويقتصر دوره على تقريب وجهات النظر بين الطرفين للوصول بهما إلى مرحلة التلاقي والاتفاق، فإذا نجح في وساطته فإن الطرفين يبرما العقد مباشرة من دون أن يتدخل السمسار بوصفة وكيلاً عن أحدهما. ومشروع السمسرة تجاري أياً كان موضوع العقد الذي تخصص السمسار في المساعدة لإبرامه.

هـ - مشروع التأمين بأنواعه:

عدّت الفقرة (ط) من المادة السادسة من قانون التجارة رقم (33) مشروع التأمين بأنواعه عملاً تجارياً.

والتأمين هو عقد احتمالي معناه تعهد شخص يُسمى المؤمِّن وغالباً ما يكون شركة بأن يؤدي إلى شخص آخر يُسمى المؤمِّن له مبلغاً من المال عند تحقق الخطر المؤمن عليه في مقابل مبلغ من المال يقبضه منه، ويُسمى المبلغ المترتب على المؤمن له بالقسط لأنه غالباً ما يُسدد على أقساط. أما الخطر المؤمن عليه فقد يتناول التأمين في النقل البري والجوي والبحري، والتأمين على الحياة، والتأمين ضد المرض أو الوفاة، والتأمين ضد الحريق وغير ذلك من أنواع التأمين.

وتتولى أعمال التأمين شركات تجمع أموالاً ضخمة لمواجهة ما تتعرض له من احتمالات.

ويجب أن نميز بين نوعين من التأمين: التأمين ذو الأقساط الثابتة، والتأمين التعاوني. فالتأمين ذو الأقساط الثابتة هو التأمين العادي الذي يلتزم بموجبه المؤمِّن أن يؤدي للمؤمَّن له مبلغاً من المال في حال تحقق الخطر المؤمن عليه وذلك لقاء قسط يؤديه المؤمَّن له إلى المؤمِّن.

ويحقق المؤمن الربح من الزيادة التي يحصل عليها بعد حساب احتمالات التعويضات التي يدفعها سنوياً. وهذا النوع من التأمين يكتسب الصفة التجارية إذا تم من خلال مشروع؛ أي إذا توافرت فيه عناصر المشروع وهي: رأس مال مخصص للإنفاق على أعمالها ودفع التعويضات المترتبة عليها، والعمال والوكلاء الذين تستخدمهم في التعامل مع المؤمن لهم، والقيام بالأعمال الإدارية والحسابية والقضائية والتنظيم والإدارة.

أما التأمين التعاوني أو المتبادل فيقصد به اتفاق مجموعة من الأشخاص المعرضين لأخطار متشابهة على تعويض الضرر الذي يلحق أحدهم عند تحقق الخطر من مجموعة الاشتراكات المدفوعة منهم لصندوق يُنشأ لهذا الغرض، أي إن كل عضو مشترك في هذا الصندوق يجمع بين صفتي المؤمن والمؤمن له فليس ثمة وساطة بين المؤمن لهم في هذه الحالة، لذلك لا يعدّ هذا النوع من التأمين من قبيل الأعمال التجارية.

و - مشروع المشاهد العامة:

يشمل تعبير المشاهد العامة كل ما أعد لتسلية الجمهور لقاء عوض كدور السينما والمسارح والمراقص والملاهي والمقاهي وغيرها، إلا أن هذه الأعمال لا تعد تجارية إلا إذا تمت ضمن إطار مشروع منظم ومستمر يضارب على عمل الآخرين.

ولا تتسم بالتجارية سوى أعمال صاحب الملهى الذي يحترف القيام به؛ لأنه يضارب على عمل الأشخاص الذين يستخدمهم كما يضارب على الروايات أو الأغاني أو الألحان أو الأفلام التي يشتريها أو يستأجر حق ملكيتها الأدبية من أصحابها، فالعقد الذي يتم بينه وبين الممثلين أو الراقصين أو المغنيين يعدّ تجارياً بالنسبة إليه ومدنياً بالنسبة إلى الآخرين؛ لأن كل واحد من هؤلاء يستغل في عمله مواهبه الشخصية.

ز - مشروع النشر:

يعد مشروع النشر تجارياً سواء تعلق بالإنتاج الأدبي أم العلمي أم الفني، وهنا يجب التمييز بين عمل المؤلف أو الفنان وعمل الوسيط ملتزم الطبع أو الناشر الذي يتولى عرض نتاجه الذهني على الجمهور. ففي حال يكون عمل الأول مدنياً لقيامه على استغلال موهبة طبيعية وخلوه من شراء سابق، ويظل كذلك حتى لو قام بنفسه بعملية النشر والبيع للجمهور؛ لأن عمله هذا يعد مكملاً وتابعاً لعمله الأصلي المدني وهو التأليف، يكون عمل الثاني تجارياً لأنه يتضمن أهم عناصر العمل التجاري وهو شراء حق الطبع لأجل النشر بقصد إعادة البيع للجمهور.

ج - مشروع المخازن العامة:

عدّت الفقرة (ل) من المادة السادسة من قانون التجارة رقم (33) مشروع المخازن العامة عملاً تجارياً، والمخازن العامة هي المستودعات التي يتم فيها إيداع البضائع، وتزداد أهمية الإيداع بازدياد أهمية البضائع وتضخم كمياتها. ونشاط المخازن العامة يتمثل بإيداع البضائع من المودعين لقاء أجر فتقوم المخازن العامة بحفظ هذه البضائع وصيانتها إلى أن يحين استردادها، وقد تُجهز هذه المستودعات بأجهزة تبريد لحفظ الفواكه والخضار ويقوم المخزن بإعطاء المودع إيصالاً ذا شقين يتيح لحامله التصرف بالبضاعة التي يمثلها وذلك بمجرد تسلم الشق الأول من الإيصال إذا كان للحامل أو تظهيره إذا كان يحتوي على صيغة لأمر، وهذا الشق الأول يثبت ملكية البضاعة المودعة؛ والشق الثاني يُسمى الضمان يُستخدم في رهن البضاعة المودعة، ويتيح هذا الشق الثاني لحامله طلب بيع البضاعة بالمزاد العلني لاستيفاء دينه ويتعذر عندئذ على مدينه - صاحب البضاعة - التصرف بها قبل استرداد الشق الممثل للضمان.

وغالباً ما تُلحق بالمخازن العامة محلات لبيع البضائع بالمزاد العلني فيما إذا لم يستطع مودعوها إيفاء ديونهم بالأموال التي اقترضوها بضمانتها.

ط - مشروع المناجم والبترول:

ظلت الصناعات الاستخراجية أمداً طويلاً أعمالاً مدنية مستبعدة من نطاق القانون التجاري لكونها من ضروب الاستغلال المباشر للطبيعة التي تعد من قبيل أعمال المنتج الأول.

أما في فرنسا فقد لاحظ المشرّع لاحقاً أن هذه الصناعات - وعلى الأخص استخراج الفحم والمعادن من المناجم والنفط من الآبار - تباشرها مشروعات تجارية ضخمة تتخذ أساليب التجارة الحديثة ويحتاج المتعاملون بها إلى ائتمان القانون التجاري وحمايته وضماناته؛ لذلك أصدر قانوناً في عام 1919 عُدّت هذه الصناعات بموجبه من المشاريع التجارية وجاء قانون التجارة السوري فنص هو أيضاً على تجارية مشروع المناجم والبترول، وقد أخذ الاجتهاد هذا النص بمعناه الضيق لذلك لم يسبغ الصفة التجارية على استثمار المقالع والممالح.

ي - مشروع الأشغال العقارية:

الأشغال العقارية هي عقد مقاولة وتشمل أعمال الإنشاء والتعديل والهدم وسائر الأشغال التي تستعمل فيها أدوات البناء ومواده، كإقامة السدود وبناء الجسور والمعامل والمستشفيات وتعبيد الطرق ومد السكك الحديدية ويستوي في إكساب هذه الأشغال العقارية الصفة التجارية ما إذا كان متعهد مشروع البناء فرداً أو شركة تابعة للقطاع العام أو الخاص، كما يعدّ عمل هذا المتعهد تجارياً سواء قدم الأدوات اللازمة للبناء أم الأيدي العاملة أم اكتفى بتقديم أحدهما. ويجدر بنا هنا أن نفرق بين متعهدي مشاريع الأشغال وبين المهندس المعماري ومكاتب الدراسات الفنية التي مهمتها وضع المخططات والقيام بالدراسات الهندسية أو الإشراف على أعمال الغير من دون أن تتولى تنفيذ هذه الأشغال فتظل مهنة حرة من دون أي طابع تجاري، لكن إذا اقترن عمل المهندس المعماري بوضع الدراسات الفنية والمخططات وقام في الوقت ذاته بتنفيذ الأشغال لحسابه الشخصي في إطار مشروع أضحى تاجراً إضافة إلى كونه صاحب مهنة حرة.

ك - مشروع شراء العقارات لبيعها بربح:

لقد خرج المشرِّع هنا على المبدأ التقليدي القديم الذي يقضي باستبعاد العقارات من نطاق القانون التجاري لذلك لم يعد من اختلاف بين عملية شراء العقار بقصد بيعه بربح، وعملية شراء المنقول لأجل البيع أيضاً فكلتاهما عملية تخضع لأحكام قانون التجارة إلا أنه في الحالة الأولى أوجب المشرِّع مزاولة هذه الأعمال ضمن نطاق مشروع؛ أي على وجه التكرار أو الاحتراف؛ أما في الحالة الثانية فقد عدّ هذه الأعمال تجارية ولو حدثت لمرة واحدة.

ل - مشروع وكالة الأشغال:

عدّت الفقرة (ع) من المادة السادسة من قانون التجارة رقم (33) مشروع وكالة الأشغال أعمالاً تجارية، ويقصد بوكالة الأشغال المكاتب التي تقوم بترويج الأشغال؛ أي لتسهيل أعمال الناس وإنجاز معاملاتهم مهما كانت طبيعة هذه الأعمال أو المعاملات سواء أكانت أعمالاً تجارية أم أعمالاً مدنية مثل مكاتب الاستخدام ومكاتب السياحة وسائر المكاتب التي تقوم بتحصيل الديون لأصحابها أو تقوم باستخراج الرخص أو براءات الاختراع أو تخليص البضائع في الجمرك وكذلك مكاتب الزواج وذلك لقاء أجر، وقد أضفى المشرِّع الصفة التجارية على عمل هؤلاء الذين يقومون بتأدية خدمات مأجورة للغير، ويمكن تبرير إضفاء الصفة التجارية على هذه الأعمال - بغض النظر عن طبيعتها أو الخدمات التي تُقدم لها سواء كانت مدنية أم تجارية - بأن مصلحة هذه المكاتب في أن تأخذ في الحسبان الأساليب التجارية التي تستوجب مسك دفاتر تجارية منتظمة وفتح سجلات وأن تتبع قواعد القانون التجاري الذي تعدّ قواعده هي الأصلح لمثل هذا اللون من النشاط، كما أن إضفاء الصفة التجارية على هذه الأعمال يجعل التزامات المكاتب في مواجهة المتعاملون معها التزامات تجارية وهي أشد وأقسى من الالتزامات المدنية وتؤدي إلى جواز أن يطلب هؤلاء المتعاملين شهر إفلاسها إذا توقفت عن أداء التزاماتها، كما أن هذه الصفة التجارية تسمح لهم بالإثبات في مواجهة هذه المكاتب بوسائل الإثبات كافة. ويجدر بنا الملاحظة في هذا المجال أن مكاتب المحامين والمهندسين والمحاسبين القانونيين لا تعدّ أعمالاً تجارية إذ إنها تعدّ من الأعمال الحرة وهذا متفق عليه.

ثانياً: الأعمال التجارية بالتبعية:

بحثنا فيما سبق في الأعمال التجارية بحكم ماهيتها والتي ورد عليها النص في المادتين السادسة والسابعة من قانون التجارة، وقد بيّنا في حينه أن هذه الأعمال لم ترد على سبيل الحصر ولكنها أمثلة يستطيع الفقه والقضاء أن يضيف إليها غيرها بالقياس عليها أو بالاجتهاد في استقصاء معنى التجارة فيها .

غير أن نظرية الأعمال التجارية لم تقتصر على الناحية الموضوعية التي تُرتب الصفة التجارية للعمل تبعاً لطبيعته وموضوعه بصرف النظر عن أي اعتبار آخر، بل تعدتها بإسباغها هذه الصفة على الكثير من الأعمال عن طريق رد نظرية العمل التجاري إلى أساس شخصي، ويقوم هذا الأساس الشخصي أو الذاتي على تقرير الوصف التجاري للعمل بالنظر إلى صفة القائم به بحيث يعدّ تجارياً إذا كان القائم به تاجراً. وبذلك اتسعت دائرة العمل التجاري وظهرت إلى جانب الأعمال التجارية بحكم ماهيتها أعمال أخرى اكتسبت الصفة التجارية تبعاً لحرفة الشخص القائم وسميت بالأعمال التجارية بالتبعية، ويسميها بعضهم بالنسبية أو الذاتية. وبهذا أخذ المشرِّع السوري بالمادة الثامنة من قانون التجارة إذ قال: «جميع الأعمال التي يقوم بها التاجر لحاجات تجارته تعدّ تجارية أيضاً في نظر القانون».

إن الأعمال التجارية بالتبعية هي في الأصل أعمال مدنية بطبيعتها، ولكنها تصبح تجارية بسبب صدورها من تاجر لحاجات تجارته. إذن: مصدر تجارية هذه الأعمال ليس في طبيعتها وإنما في مهنة القائم بها، من هنا نلاحظ الفرق بين الأعمال التجارية بحكم ماهيتها والأعمال التجارية بالتبعية من حيث أن الأولى هي التي تسبغ على الشخص الذي يمارسها على وجه الاحتراف صفة التاجر، أما الثانية فلا تعد تجارية إلا بفضل التاجر إذا مارسها لمصلحة تجارته.

يستند مفهوم التبعية إلى أن التاجر يقوم بنوعين من النشاط فهو يحترف الأعمال التجارية كما يعيش في المجتمع كغيره من الأفراد يمارس نشاطاً مدنياً صرفاً لا يمت بصلة إلى حياته التجارية، فيتزوج ويهب ويشتري سيارة لتنقل أفراد عائلته إلى غير ذلك من الأعمال التي لا علاقة لها بشؤون تجارته، غير أن هذا التاجر يقوم إلى جانب النشاط المدني الخاص والنشاط التجاري الخالص بأعمال من طبيعة مدنية ولكنها تتصل بشؤون تجارته، لذلك تعد هذه الأعمال تجارية لا بحسب أصلها وطبيعتها لأنها مدنية، لكن بالنظر إلى الشخص القائم بها على اعتبار أنها لازمة ومكملة لنشاطه التجاري، من أمثلة هذه الأعمال شراء تاجر الدفاتر التجارية اللازمة لمحله التجاري، أو النفط اللازم لإدارة مصانعه، أو السيارة لنقل بضائعه إلى عملائه.

نستخلص من ذلك أن نظرية التبعية تقوم على اعتبارات منطقية تقضي بإسباغ الصفة التجارية على عمل يكون تابعاً لحرفة التاجر حتى نطلق نظاماً قانونياً واحداً على العمل الأصلي والعمل التابع وفقاً للمبدأ القائل بأن الفرع يتبع الأصل في الحكم، وبالمقابل ومن هذا المنطلق نفسه يمكن القول: إن الأعمال التجارية تنقلب إلى أعمال مدنية متى أجراها غير التاجر لتكمل حرفته المدنية وتمكنه من مزاولتها، فيعدّ مدنياً بالتبعية مثلاً شراء المزارع للأكياس التي يُعبئ فيها محصوله ليبيعها مع المحصول، وشراء صاحب المدرسة الخاصة الأغذية والأدوات ليبيعها إلى تلاميذه.

وقد سهلت الفقرة الثانية من المادة (8) من قانون التجارة إثبات الصلة بين العمل الذي يقوم به التاجر وحرفته فأوردت قرينة قانونية يفترض بموجبها أن جميع أعمال التاجر تتعلق بتجارته إلى أن يقوم الدليل على خلاف ذلك.

ويترتب على هذا أن من يدعي بالصفة المدنية لعمل قام به تاجر بمناسبة تجارته أن يقيم الدليل على ذلك بمختلف طرق الإثبات.

ثالثاً: الأعمال المختلطة:

يتم العمل عادة بين شخصين ضمن ثلاثة حالات:

- الحالة الأولى: يتم العمل التجاري بين تاجرين كما لو باع صاحب المصنع السلع التي ينتجها للتاجر الوسيط الذي يشتريها لإعادة بيعها، ولا يثير هذا النوع من الأعمال أي مشكلة قانونية فيما يتعلق بالقواعد القانونية الواجبة التطبيق في حال وجود نزاع؛ إذ ينطبق على هذه الأعمال القانون التجاري لكون العمل من طبيعة تجارية بالنسبة إلى الطرفين.

- الحالة الثانية: قد يتم العمل بين شخصين ويعدّ مدنياً بالنسبة إلى كل منهما كما لو باع مزارع جزءاً من محصوله لشخص من أجل حاجته الشخصية من أجل استهلاكه، ولا يثير هذا النوع من الأعمال أي مشكلة قانونية فيما يتعلق بالقواعد الواجبة التطبيق في حال وجود نزاع؛ إذ ينطبق على هذه الأعمال القانون المدني نظراً لصفتها المدنية بالنسبة إلى طرفيها.

- الحالة الثالثة: وقد يتم العمل بين شخصين ويعدّ بالنسبة إلى أحدهما عملاً تجارياً وبالنسبة إلى الشخص الآخر عملاً مدنياً، ويسمى هذا النوع من الأعمال بالأعمال المختلطة نظراً لصفتها المختلطة بالنسبة إلى أطرافها، وأمثلة هذا النوع من الأعمال كثيرة:

كالمزارع الذي يبيع الأقطان الناتجة من زراعته إلى تاجر القطن، فيبيع الأقطان وهذا عمل مدني من جانب المزارع وشراؤها عمل تجاري بالنسبة إلى تاجر القطن، وكذلك عقد النشر الذي يتم بين المؤلف والناشر، وعقد العمل الذي يبرم بين العامل وصاحب المصنع، والعقد الذي يتم بين الممثل وبين صاحب مشروع المشاهد العامة. في كل هذه الصور نجد طرفاً يُعدّ العقد بالنسبة إليه عملاً تجارياً في حين يُعدّ العقد نفسه بالنسبة إلى الطرف الآخر عملاً مدنياً.

والحقيقة أن الأعمال المختلطة لا تمثل نوعاً جديداً من الأعمال التجارية وإنما هي الأعمال التجارية ذاتها التي سبق لنا بحثها سابقاً سواء التجارية المنفردة أو التي تتم على شكل مشروع أو بالتبعية، فكل هذه الأعمال يمكن أن تكون تجارية مختلطة، وذلك إذا أمكن أن تُعدّ تجارية على هذا النحو أو ذلك بالنسبة إلى طرف واحد فقط من طرفيها في حين تظل مدنية بالنسبة إلى الطرف الآخر.

والسؤال هنا ما هو القانون أو النظام القانوني الواجب التطبيق بالنسبة إلى الأعمال المختلطة؟

المشرع السوري ومن قبله المشرع الفرنسي لم يتعرضا لمثل هذه المشكلة والحقيقة أنه ترك ذلك لاجتهاد الفقه، والقضاء و الاجتهاد بنى رأيه على الأخذ بنظام مزدوج مفاده تطبيق أحكام القانون المدني على التزامات الطرف الذي يعد العمل تجارياً بالنسبة إليه.

أما فيما يتعلق بالإثبات فإنه يقتضي تطبيق قواعد الإثبات التجارية على من يُعدّ العمل تجارياً بالنسبة إليه، فإذا باع مزارع محصوله لتاجر وادعى الأخير أنه لم يتسلم المحصول من المزارع أو أنه دفع الثمن وجب عليه التزام قواعد الإثبات المدنية؛ أي يتعين عليه الإثبات بالكتابة لأن العمل مدني بالنسبة إلى المزارع، إما إذا ادعى المزارع أنه سلم المحصول إلى التاجر أو أنه لم يقبض الثمن كان له أن يُقيم الدليل على ادعائه بجميع طرق الإثبات لأن الإثبات في المواد التجارية حُر طليق من القيود.



مراجع للاستزادة:



- إلياس جوزيف عيد، الموسوعة التجارية، الجزء الأول، أحكام عامة بيع - رهن - إدارة حرة (دار بيروت للتأليف والطباعة والنشر، بيروت 1983)

- إلياس حداد ومحمد سامر عاشور، القانون التجاري - بري بحري جوي (منشورات جامعة دمشق، 2006- 2007).

- رزق الله أنطاكي ونهاد السباعي، الوسيط في الحقوق التجارية (دمشق 1963).

- هشام فرعون، الحقوق التجارية البرية (دمشق 1975).

- هشام فرعون، القانون التجاري البري، الجزء الأول (منشورات جامعة حلب، 2002).

- محمد فاروق أبو الشامات وجمال الدين مكناس، الحقوق التجارية - المتجر (منشورات جامعة دمشق، 2008-2009).

 المصدر: http://arab-ency.com

تعليقات