📁 آخر الأخبار

المحاكم المتخصصة كوسيلة للارتقاء بالعدالة

المحاكم المتخصصة كوسيلة للارتقاء بالعدالة
الدكتور حسن فتوخ

عضو المكتب المركزي

بالودادية الحسنية للقضاة

رئيس لجنة الشؤون الثقافية والنشر

رئيس مكتب الودادية الحسنية بمحكمة النقض




تمهيــد:

في إطار تكريس دولة الحق والقانون، بادر المشرع المغربي إلى تحيين المنظومة القانونية للتنظيم القضائي للمملكة من أجل جعل المحاكم مسايرة للتطورات الحاصلةفي جل الميادين، ومنسجمة مع المفهوم الجديد للسلطة القضائية ألا وهو القضاء في خدمة المواطن، وذلك من خلال عدالة مستقلة[1] ومتميزة بقربها من المتقاضين، وببساطة مساطرها وسرعتها، ونزاهةأحكامها، وحداثة هياكلها، وكفاءة وتجرد قضاتها، وتحفيزها للتنمية، والتزامها بسيادة القانون، في إحقاق الحقوق ورفع المظالم[2].

غير أن تأسيس المحاكم ولئن كان يشكل دعامة أساسية في سبيل ترسيخ دولة الحق والمؤسسات باعتبار العدل أساس الملك، فإن تفعيل المقتضيات الدستورية الجديدة يقتضي من القضاء تحقيق الأمن القضائي من خلال التطبيق العادل للقانون عبر حكامة قضائية جيدة تعتمد على آليات المقاربة التشاركية، ويجعل السلطة القضائية مؤتمنة على صيانة الحقوق والحريات الدستورية في ظل دولة الحق والمؤسسات، ومجتمع يؤمن بقيم المواطنة وربط المسؤولية بالمحاسبة لمكافحة الفساد وحماية المال العام.

وإذا كانت المحاكم العادية في المغرب هي المحاكم الابتدائية التي تبت كجهة ابتدائية فقط كقاعدة عامة[3]، وتبت كجهة ابتدائية واستئنافية بصفة استثنائية[4]، فإن المقصود بالمحاكمالمتخصصة المحاكم الإدارية، المحاكم التجارية، أقسام قضاء الأسرة، أقسام قضاء القرب، والأقسام المتخصصة في الجرائم المالية. أما المحاكم المصنفةفيقصد بها المحاكم المدنية والاجتماعية والزجرية التي أنشئت حديثا بالدارالبيضاء في سنة 2011 كتجربة أولية قابلة للتعميم بعد تقييم نتائجها على مستوى الواقع.

ولعل تناول هذا الموضوع بالدراسة والتحليل يستلزم منا تقسيمه إلى محورين كالتالي:

المحور الأول: المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية وأقسام قضاء الأسرة.

المحور الثاني: الأقسام المتخصصة في الجرائم المالية وأقسام قضاء القرب والمحاكم المصنفة.

المحور الأول:

المحاكم الإدارية والتجارية وأقسام قضاء الأسرة

الفقرة الأولى:المحاكم الإدارية

يحتل القضاء الإداري مكانة هامة داخل التنظيمالقضائي، بحيث يلعب دورا بارزا في تحقيق العدالة، ومن هذا المنطلق يمكن القول أن القضاءالإداري يختلف عن القضاء المدني من خلال تميزقواعده الموضوعية والمسطرية. ذلك أن القضاء الإداري بدوره الإنشائي للقاعدةالقانونية وتطبيقها على المنازعات المعروضة عليه حسبما تقتضيه المصلحة لاسيما في حالة انعدام النص، يساهم لا محالة في تحقيق احتياجات المرافق العامة وحسنتسييرها، ويضمن حماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية.

 كما أن القضاءالإداري المغربي الذي تأسست قواعده منذ سنة 1913 وترسخت بعد الاستقلالبإنشاء المجلس الأعلى - محكمة النقض حاليا - سنة 1957، وإصلاح النظام القضائيسنة 1974 وإحداث المحاكم الإدارية سنة 1994 يجعلنا نعتقد أن النظامالقضائي المغربي عرف الازدواجية في جوهره كما هو معمول به في فرنسا.[5]

وهكذا فإن المحاكم الإدارية بالمغرب لم تتوان منذ نشأتها في إعطاء صورة إيجابيةللمواطنين عن العدالة الإدارية[6]، إذ منحت خدمات مثلى للمتقاضين في نزاعاتهم مع الإدارة، كماأنها مارست وظيفة إيجابية جديرة بالاعتبار من خلال تقويم اختلالاتالإدارة، والارتقاء بثقافة الديمقراطية تكريسا لدولة الحق والقانون، وتفسير القوانين الوطنية واستكمالها بالاجتهاد في التفسير لما غمض أو سد ثغرات ما نقص خصوصا بالنسبة للحقوق الأساسية والحريات الفردية، وتحسين علاقة الإدارة بموظفيها وحماية الموظف من الشطط وخلق جو ملائم لاستقراره يدفعه لخدمة الشأن العام دون خوف من الانتقال، من خلال اشتراط عدم التعسف والانحراف في استعمال السلطة والمساس بمبدأ المشروعية أثناء ممارسة الإدارة لسلطتها التقديرية.

ولعل من بين مظاهر العدالة الإدارية، إلغاء القضاء الإداري لقرار نقل الموظف الذي اتخذته الإدارة بهدف تهميشه ومعاقبته، كما ألغى قرار الإدارة بعدم ترقية موظف المتخذ كوسيلة وبشكل من أشكال العقاب بالقياس مع موظفين أقل درجة منه حصلوا على الترقية لمخالفته لمبدأ دستوري وهو المساواة أمام الفرص المتاحة. كما أخضعت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض لرقابتها تدرج العقوبة مع الفعل المرتكب من التوبيخ إلى العزل كما هو منصوص عليه في قانون الوظيفة العمومية (الفصل 66) في إطار الملائمة حسب جسامة وخطورة المخالفة. ناهيك عن اعتبار القضاء الإداري لعدم تنفيذ الإدارة للأحكام القضائية ورفضها تسوية الموظف شططا في استعمال السلطة يمكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى تطبيق الغرامات التهديدية ضد الإدارة. ولتثبيت دولة الحق والقانون وحماية المواطن من شطط سلطة الإدارة قضى بضمان أحد حقوق الإنسان الرئيسية المتمثلة في حق التنقل بحرية وذلك من خلال إلغاءه لقرار رفض أو عدم تجديد جواز السفر بالرغم من تقديم كل الوثائق والمستندات اللازمة.

وفي إطار مراقبة القضاء لعلاقة الإدارة بالمواطنين اعتبر القضاء الإداري أن صفة المنفعة العامة لنزع الملكية والاحتلال المؤقت تتعارض وعنصر المضاربة عندما تلجأ الإدارة إلى نزع الملكية من أجل تجزئة الأراضي وبيعها بمبالغ لا تتناسب مع تلك الفترة المقترحة على المالكين، كما اعتبر أيضا أن الإدارة مرتكبة لشطط في استعمال السلطة عندما قررت التراجع عن رخصة لإنجاز بناء سلمت لمواطن يفترض أنه احترم قبل تسليمها كل القوانين والتنظيمات الجاري بها العمل، أو قامت الإدارة بتسليم رخصة غير قانونية (تحويل سكنى إلى مقهى في حي سكني). كما اعتبرت الغرفة الإدارية أموال الإدارة المخصصة لتعويض الأملاك المنزوعة ملكيتها والتي توجد في حوزة الإدارة أموالا ذات صفة خصوصية يمكن حجزها ولا يجوز معارضة ذلك بعدم قابليتها للحجز باعتبارها أموالا عمومية مرصودة لأمور تهم سير المرفق العام.

ذلك أن مبادئ العدل والإنصاف تقضي بأنه لا يمكن لأي مسؤول أن يكون خصما وحكما، أي أن يتولى مهمة البحث وتهيئ الحجج ثم اتخاذ القرار لمساءلة الموظف أو المواطن في نفس الوقت. فانعدام الفصل بين توجيه التهمة واتخاذ القرار هو الذي يحتم على القضاء الإداري أن يجتهد أكثر لكي يحافظ على ذلك التوازن الطبيعي بين حقوق الأفراد والجماعات وحقوق الإدارة في تسيير المرافق العامة وخدمته.

وبذلك، يمكن القول أن هناك اقتناعا بالإجماع حول نجاح تجربة المحاكم الإدارية، بالنظر إلىحصيلتها، ومستوى وطبيعة أحكامها، بالإضافة إلى مساهمتها في بناء تحقيق الأمن القضائي وتعزيز ثقة المواطن فيعدالة بلده تجسيدا لروح مبدأ تقريب القضاء من المتقاضين، وكل ذلك يستلزموبإلحاح دعم هذا النوع من القضاء العادي المتخصص وإعادة صياغة مقتضياتالتنظيم القضائي بما يخدم هذا الهدف السامي وربط وملائمة الخريطة القضائيةمع الخريطة الإدارية للمملكة.

لذلك يجب التفكير في مراجعة تلك الخريطةالقضائية وذلك بالزيادة في عدد المحاكم وإعادة النظر في توزيعها الجغرافيفي إطار توجهات الجهوية واللاتمركز التي أصبحت تفرض إعادة ضبط التنظيمالترابي للمحاكم وكذا اختصاصها المحلي، وذلك مراعاة للأبعاد الجغرافيةوالديمغرافية والاقتصادية، ومتطلبات فعالية الإدارة القضائية وتسهيل الولوجإلى القانون والعدالة وتحقيق النجاعة القضائية، وكذلك من أجل التوفيق بينضمان هيكلة مُحكمة لقضاء إداري قوي وفعال فوق مجموع التراب الوطني، وضمانقضاء قريب ليس فقط من المتقاضين بل ومن الواقع الاجتماعي والاقتصاديوالثقافي والمحلي. وهذا ما يجسد حرص المشرع المغربي على الانسجام في إعادة صياغة الخريطة القضائية معمشروع الجهوية المتقدمة، من خلال بلورة معايير عقلانية وواقعية لمنظومةجهوية جديدة، واعتماد مقاربة أكثر تطويرا وتحديثا للتنظيم القضائي للمملكةتتجاوب مع هذا السياق، بما يحقق الانسجام مع الأهداف الجوهرية للجهويةالموسعة باعتبارها توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة ومرافقهاالعمومية وفي مقدمتها مرفق القضاء.

وفي الختام نخلص إلى أنه، إذا كانت الأسباب التي تحكمت في إحداث قضاء إداري متخصص، ترتبط فيمجملها بقضية إعادة النظر في العلاقة التي كانت تحكم الدولة بمواطنيهاتدعيما لدولة القانون، وذلك من خلال تأمين حقوق الأفراد من كل تجاوز أوتعسف محتمل في استعمال السلطة، فإن القضاء الإداري لم يذهب إلى حد الشطط في حماية حقوق الأفرادوالتضحية بحقوق الإدارة، بل إنه عمل دوما على الموازنة بين المصلحتين العامةوالخاصة وفي حالة التعارض بينهما اهتدى القضاء الإداري، باعتبار دورهالإنشائي للمبادئ القانونية، إلى ترجيح الأولى على الثانية، وجعلها فوق كل اعتبار.

الفقرة الثانية:المحاكم التجارية

لم يكن إحداثالمحاكم التجارية في المغرب من باب تحصيل حاصل، بل جاء نتيجة إفرازات التحولات الدولية والداخلية التي ميزت العقد الأخير من القرن الماضي. فالعولمة ذات التوجه الليبرالي تعد تعبيرا عن وعي وإرادة المؤسسات بما فيها الحكومات والبرلمانات الموقعة على القوانين التي طبقت السياسة الليبرالية الجديدة وما نتج عن ذلك من إلغاء الحدود والحواجز أمام حركات تنقل السلع ورؤوس الأموال، وانتهى ذلك باتفاقية التجارة العالمية "الكَات"، التي تولت توقيع العقوبات على الدول المخالفة لبنود الاتفاقية، إلا أن انفتاح هذه الاقتصادات اعترضته عدة إشكاليات من بينها تنازع القوانين الداخلية والمعاهدات التجارية الدولية، مما استدعى إعادة النظر في التشريعات الداخلية وهذا ما خلص إليه مؤتمر التجارة العالمية المنعقد بمراكش سنة 1994.

وتجدر الإشارة إلى أن دول العالم خاصة "النامية" منها صارت تطبق سياسة الانفتاح تحت تأثير ضغوط منظمات دولية، صندوق النقد الدولي، والشركات المتعددة الجنسيات، مما اضطرها أيضا لإحداث إطار قانوني متكامل من شأنه تفعيل تلك الاتفاقيات التجارية[7].

ومن جهة أخرى، وفي إطار النظام الليبرالي اتخذ المغرب تدابير همت إصلاح وتحيين بعض القوانين حيث أصلح النظام المالي والجنائي والاقتصادي فأصدر ميثاق الاستثمارات سنة 1995، ومدونة التجارة، وقانون رقم 53-95 الصادر بتنفيذه الظهير المؤرخ في 12 فبراير 1997 الذي يعتبر بحق تعزيزاحقيقيا لتجربة القضاء المتخصص بعد محاولة لم يكتب لها الاستمرار مع القضاءالاجتماعي في 1974.

ويأتي قانون إنشاء المحاكم التجارية بعد انتفاضة تشريعيةمغربية بدأت بتحديث منظومة قانون الأعمال عموما فكان لزاما أن يوازي هذاالتطور في مجال القوانين الموضوعية للأعمال تطور آخر على مستوى القوانينالقضائية والإجرائية للأعمال. وتعتبر المحاكم التجارية محاكم متخصصة يحدداختصاصها بنص خاص في قضايا معينة وتقابل هده الولاية المحددة للمحاكمالتجارية الولاية العامة للمحاكم الابتدائية[8]. أي ما معناه أن المشرع المغربي لم يتبنى المعيار القيمي في تحديد اختصاصها، وإنما تبنى المعيار النوعي لتوزيع الاختصاص بينها وبين غيرها من المحاكم، فالتخصص إذن يعتبر أساس وجود المحاكم التجارية والمعيار المرتكز عليه في تحديد اختصاصها النوعي.لذلك قام المشرع المغربي بوضع لائحة بالمنازعات التي تدخل في اختصاص المحاكم التجارية، وذلك من خلال المادة الخامسة من القانون رقم 95-53.

ويمكن رصد أهم ما جاء به القانون المحدث للمحاكم التجارية كما يلي:

- إنشاء محاكم تجارية[9] ومحاكم استئناف تجارية متخصصة (المادة 1) من القانون المحاكم التجارية[10]

- جمع الاختصاص المتعلق بالمادة التجارية وإسناده للمحاكم التجارية المحدثة (المادة 5) من نفس القانون[11]

- رفعالحد القيمي الذي يبدأ فيه اختصاصها الابتدائي إلى ما يتجاوز 20.000درهم (المادة 6 كما عدلت بمقتضى القانون رقم 18.02 الصادر بتنفيذه الظهيرالمؤرخ في 13 يونيو 2002).

 - تكريس القضاء الجماعي والمسطرة الكتابية بإشرافمحام مسجل بإحدى هيئات المحامين بالمغرب المادة 4 و13 وذلك على الرغم منخصوصية القضايا التجارية.

- تقييد المسطرة بآجال صارمة وقصيرة توخيا لسرعةالبت في القضايا منها أجل الاستئناف الذي أصبح 15 يوما من تاريخ التبليغبدل أجل 30 المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية المواد 8-14-16-17-18-23.

- توسيعنطاق تدخل رئيس المحكمة التجارية في إطار المستعجلات بالرغم من وجودمنازعات جدية بإعطائه سلطة الأمر بكل التدابير التحفظية أو بإرجاع الحالةإلى ما كانت عليه لدرء ضرر حال أو لوضع حد لاضطراب ثبت جليا انه غير مشروع (المادة 21).

- تفعيل مسطرة الأمر بالأداء بجعل الاستئناف وأجله لا يوقفان تنفيذ الأمر بالأداء الصادر عن رئيس المحكمة المادة 22.

- إحداث قاض مكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ يعينه رئيس المحكمة التجارية باقتراح من الجمعية العمومية.

وبعد هذه التوطئة، فإن التساؤل يثار حول الغايات التي كان المشرع يروم تحقيقها من خلال إحداثه لهذا النوع من المحاكم المتخصصة؟

أولا: الأهداف الاقتصادية.

1 – حماية الحياة الاقتصادية.

للمحاكم التجارية دور فعال وأساسي في الحماية الاقتصادية من كافة الاختلالات التي قد تعتريها، وذلك عن طريق تطبيق أحكام القوانين التجارية والقوانين ذات الصلة بالمادة التجارية من قبيل السجل التجاري ومسلك الدفاتر التجارية ونظام صعوبة المقاولة والحماية الجنائية للشيك وباقي الأوراق المالية، وفرض الضرائب، ويتجلى دور القضاء في مجال تدخله في حالة نظام معالجة صعوبات المقاولات هذا بالإضافة إلى منع التهريب والمساهمة في تطوير وضبط قطاع الأعمال والتجارة بتطبيق المبادئ التي تشجع على التنمية وخاصة المنافسة المشروعة والإنصاف والشفافية في المعاملات التجارية ضمانا لاستمرارية المقاولة وحماية للدائنين[12].

2- المساهمة في التنمية الاقتصادية.

تعتبر المحاكم التجارية الجهاز القضائي المؤهل لرفع التحديات الداخلية وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وبذلك فقد صارت تلك المحاكم فاعلا اقتصاديا أساسيا مندمجا في عملية التنمية لأن القضاء المستقل النزيه والفعال هو الكفيل بخلق الثقة وتشجيع الاستثمارات ووضع حد للانغلاق وغياب الثقة. لذا يمكن القول، لا تنمية بدون استثمار، ولا استثمار بدون ثقة، ولا ثقة بدون قضاء عادل من شأنه خلق مناخ من الطمأنينة لدى المستثمر المغربي والأجنبي.

3- سرعة البث في الدعاوي المتعلقة بالقضايا التجارية.

إن تراكم الملفات وطول الإجراءات المسطرية بالمحاكم ذات الولاية العامة (المحاكم الابتدائية) يتنافى مع قضايا الأعمال الجارية التي لا تحتمل الانتظار بقدر ما تستدعي السرعة. ولا يتحقق ذلك إلا بوجود قضاة أكفاء ونزهاء، إلى جانب دقة ومرونة وتبسيط الإجراءات المسطرية، وهذا ما كرسه القانون المحدث للمحاكم التجارية حينما أوجب على رئيس المحكمة التجارية أن يعين قاضيا مكلفا بالقضية يوم تسجيل القضية أو في اليوم الموالى على الأكثر، وشدد على ألا يقع النطق بالحكم إلا بعد تحريره، تلافيا لكل تراخ قد يقع بعد النطق بالحكم، وجعل أجل استئناف الأحكام الابتدائية محددا في 15 يوما من تاريخ تبلغيها، وأوجب على كتابة ضبط المحكمة التجارية أن تبعث بالملف إلى محكمة الاستئناف داخل اجل 15 يوما كآخر اجل من تاريخ تقديم مقال الاستئناف.

ثانيا:الأهداف الاجتماعية.

1 - حماية الحقوق الأساسية للمواطنين.

تهدف المحاكم التجارية إلى الحفاظ على استقرار المعاملات التجارية وذلك من خلال حماية حقوق المواطنين في الميدان التجاري وضمان حقوق التجار سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو معنويين، وصيانة مصالح مختلف الفاعلين الاقتصاديين من عمال وأرباب العمل وذلك ببته في النزاعات المرتبطة أساسا بالأعمال التجارية على سبيل المثال لا الحصر، إضافة إلى حماية المتعاملين المدنيين بالشيك.

2 - تخفيف العبء عن المحاكم العادية.

لقد كان لتراكم الملفات والقضايا المعروضة على المحاكم الابتدائية - والتي كانت تبت في القضايا المدنية والأحوال الشخصية والميراث والقضايا التجارية والاجتماعية - أثر مباشر على بطء الإجراءات وعدم تجهيز الملفات مما شكل عرقلة واضحة في وجه المواطنين والمستثمرين سواء كانوا مغاربة أو أجانب، الشيء الذي دفع إلى التفكير في تخفيف العبء عنها بإقامة قضاء نزيه وعادل ومتخصص تكون له انعكاسات إيجابية على الاستثمار والتشغيل، وبذلك تظهر جليا أهمية المحاكم التجارية في رفع التحديات الخارجية المرتبطة بربح رهان التنافسية وكسب رهان المستثمرين[13] وإقامة السلم الاجتماعي الذي لا يتأتى إلا بإقرار هذه المحاكم لقواعد ومبادئ القوانين التجارية الجاري بها العمل.

وإذا كانت مدونة التجارة، وقوانين الشركات، وكذا القانون المحدث للمحاكم التجارية، تسعى كلها إلى توفير الحماية اللازمة في مجال المال والأعمال، فإنها قد أضفت على ذلك صبغة الاستعجال من خلال جوازها بتدخل قاضي المستعجلات بصفة مباشرة أو غير مباشرة في إدارة الشركة بناءا على طلب من له مصلحة، وذلك إيمانا من المشرع بأن الدور الإيجابي لرئيس المحكمة التجارية في حياة الشركة يبرز بجلاء حينما تعيش الشركات صعوبات مالية، حيث تتحرك اختصاصاته في نطاق مسطرة الوقاية من الصعوبات طبقا للكتاب الثالث من مدونة التجارة. ومتى وجدت خلافات خطيرة بين الشركات من شأنها أن تعصف بحياة المقاولة، كانت مؤسسة القضاء مسعفة بما توفره من إجراءات تحفظية فعالة سعيا وراء توفير الحماية العاجلة للحقوق.

ولا يسعنا في هذا الإطار، إلا أن ننوه بهذا المنحى الذي سلكه المشرع المغربي في إحداث محاكم تجارية متخصصة، ومؤسسة مستقلة للقضاء الاستعجالي في المادة التجارية، مراعاة منه للأهمية البالغة التي يحتلها القضاء المستعجل ضمن مؤسسة القضاء عموما، كما أن الحاجة إلى ضرورة إحداثه أضحت مؤكدة وملحة، خصوصا في هذا العصر الذي اتسم بالتطور والتقدم في جميع المجالات التي تهم حياة الإنسان والمجتمع.

وبذلك يمكن القول أن قواعد القضاء التجاري بنوعيه الموضوعي والاستعجالي قد أصبحت راسخة ومستقلة وقابلة لاستيعاب ما يطرأ من حالات وما يستجد من وضعيات يتعين البت فيها على وجه السرعة تمشيا مع الظروف التي أفرزت هذا النوع من المحاكم، وتجاوبا مع الأهداف المتوخاة من القرارات الصادرة في المادة التجارية، الأمر الذي يحقق لا محالة النتائج والمرامي المقصودة من سن هذا القضاء المتخصص، ومن فلسفة تشريعه ويخلق نوعا من الثقة في مجال المال والأعمال.

لكن، السؤال الذي يطرح تباعا يتعلق بمآل المحاكم التجارية بعد انتهاء أشغال الهيئة العليا للحوارالشامل والعميق لإصلاح منظومة العدالة في المغرب؟

بالرغم من النقاش حول المحاكم التجارية، فهناك شبه إجماع وطني حول ضرورة الاحتفاظ بهذا النوع من المحاكم، وإضافةمحكمة استئناف تجارية في طنجة، والدعوة إلى إحداث غرف متخصصة بالمحاكم العادية فيالمناطق التي لا توجد فيها محاكم تجارية، وذلك من أجل تحقيق مبادئ سامية تتجلى في العدالة للجميع، والمساواة بين المتقاضين، والعدالة السريعة المتبصرة، وتقريب القضاء من المواطن باعتبارها حقوقا مكفولة له دستوريا.

الفقرة الثالثة: أقسام قضاء الأسرة

أصدر المشرع المغربي قانونا جديدا للأسرة بعد الجدل الحاد الذي أثاره هذا الموضوع بين أنصار الاتجاه المحافظ وأنصار الاتجاه الحداثي، وقد أجمع الجميع على أنه قانون متميز، وأنه نجح في التوفيق بين الاتجاهين، بحيث اعتبر في مضمونه مسايرا لواقع العصر، ومتوافقا مع الاتفاقيات الدولية، وفي عمقه مستمدا من الشريعة الإسلامية، ومن الأمور التي وقع عليها الإجماع أيضا نجد ضرورة وجود قضاء متخصص من أجل ضمان التطبيق السليم لهذا القانون، فالجميع ربط نجاح هذا القانون بوجود قضاء فعال وعادل. لذلك تدخل المشرع من خلال الفصل الثاني من القانون المتعلق بالتنظيم القضائي بعد تغييره وتتميمه بمقتضى ظهير 1.04.24 الذي نص على ما يلي: "تنظر أقسام قضاء الأسرة في قضايا الأحوالالشخصية والميراث والحالة المدنية وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة وكل ماله علاقة برعاية وحماية الأسرة".





هذه المادة حددت بصفة حصرية اختصاصأقسام قضاء الأسرة، والمشرع عندما استعمل كلمة «أقسام قضاء الأسرة» فهواعتبر هذه الجهة القضائية قسما مستقلا بكل ما تعني كلمة الاستقلال ويسعىهذا التوجه، دون شك، في أفق إحداث محاكم مستقلة تختص في النظر في القضاياالمحددة في الفصل الثاني المذكور على غرار إنشاء المحاكم المختصة الإداريةمنها والتجارية[14].

وينص أيضا الفصل الثاني المنظم للمحاكم الابتدائية على ما يلي:

"يمكن لكل غرفة أن تبحث وتحكم في كل القضايا المعروضة على المحكمة كيفما كان نوعها باستثناء ما يتعلق بأقسام قضاء الأسرة".

وبمقتضىهذا النص، فإن اختصاص البحث والحكم في القضايا المتعلقة بما هو محدد فيالفقرة التي سبقتها يبقى لأقسام قضاء الأسرة دون سواها، وبذلك كرست هذهالفقرة استقلالية اختصاص قضاء الأسرة عن باقي اختصاص المحاكم الابتدائية. فما هي إذن الغاية من إحداث هذه الأقسام المتخصصة؟

وجوابا عن ذلك نجمل الغايات المذكورة فيما يلي:

أولا- سرعة البت في القضايا:

من أهم المبادئ التي نقف عليها بمجرد استقراء المدونة، نجد حرص المشرع على الإسراع في البت، وذلك من خلال وضع أجال محددة يجب على القضاء احترامها.

فالمادة 45 من المدونة أوجبت على الزوج إيداع المبلغ الذي تحدده المحكمة لفائدة الزوجة والأولاد داخل أجل 7 أيام وإلا اعتبر الزوج متراجعا عن طلب الإذن بالتعدد، ونجد أيضا المادة 83 التي تلزم الزوج بإيداع المبلغ الذي تحدده المحكمة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما كمستحقات للزوجة وللأطفال وإلا اعتبر متراجعا عن رغبته في الطلاق.

كما نجد المادة 97 من مدونة الأسرة التي تنص على أن الفصل في دعوى الشقاق يجب أن يتم داخل أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب.

وفي التطليق لعدم الإنفاق نجد المادة 102 من مدونة الأسرة التي تنص في فقرتها الثانية على أن المحكمة عليها أن تحدد للزوج أجلا لا يتعدى ثلاثين يوما حتى ينفق خلاله وإلا طلقت المحكمة عليه إلا في حالة وجود ظرف قاهر واستثنائي.

وفي الفقرة الثالثة من نفس المادة تنص على أنه إذا امتنع الزوج عن الإنفاق ولم يثبت العجز تطلق المحكمة الزوجة حالا.

وفي نفس الإطار واحتراما لنفس الفلسفة التي يرجى منها الإسراع في البت نجد المادة 112 من مدونة الأسرة بالنسبة للتطليق بسبب الإيلاء والهجر، فالمحكمة ملزمة بالبت بعد ستة أشهر من تاريخ رفع الزوجة طلب التطليق إلى المحكمة.

وفي نفس السياق، نجد المادة 113 من م أ التي حددت الأجل الأقصى في دعاوى التطليق باستثناء حالة الغيبة في أجل أقصاه ستة أشهر.

إن تحديد آجال من شأنه أن يخلق في نفوس المتقاضيين ارتياحا، ويشجعهم على اللجوء إلى القضاء، لأن التجربة أثبتت أن المساطـر الطويلة لا تبعث على الارتياح وتدخل اليأس في نفوس الأشخاص، كما أنها تفقد الناس الثقة في مرفق القضاء.

ثانيا-  التسهيل على المتقاضين:

إذا كان النظام القضائي السابق بشأن الأحوال الشخصية لم يهتم بجمع شتات أقسامها، فإن التوجيهات الملكية حثت على إدماج جميع الأقسام بقسم واحد حتى يتم تسهيل المأمورية على المتقاضين بشأن كافة النزاعات الأسرية، سواء تعلقت بقيام رابطة الزواج أو انفصامها أو شؤون القاصرين أو التوثيق أو قضايا الحالة المدنية، وذلك من أجل تفعيل نصوص المدونة وجعل الآجال المسرة بها قابلة لأن تكون آجالا محترمة، ونافذة وليس شكلية فقط.

إن التسهيل على المتقاضيين لا يشمل فقط جمع شتات قضاء الأسرة في قسم واحد بل يتعدى إلى التيسير على المتقاضيين من كل النواحي، كالتيسير في ميدان الإثبات، هذا الجانب الذي كان يشكل عقبة كبيرة في مواجهة الزوجة خاصة في دعوى التطليق، بحكم أن المشاكل الزوجية قلما يطلع عليها الغير حتى يشهد عليها، وقد تنبه المشرع لذلك، حيث فتح المجال لكل وسائل الإثبات بما في ذلك الاستماع إلى الشهود في غرفة المشورة، وهذا ما جاءت به المادة 100 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه:

"تثبت وقائع الضرر بكل وسائل الإثبات بما فيها شهادة الشهود، الذين تستمع إليهم المحكمة في غرفة المشورة...".

بل أن هذا التيسير بلغ إلى حد اعتماد مسطرة الشقاق التي لا تكلف الزوجة أي إثبات بل ينوب الحكمان عن الزوجين في استقصاء أسباب الخلاف وبذل الجهد لإنهاء النزاع.

 إن إقرار قضاء أسري مستقل، ليس الغرض منه السرعة في البت والتسهيل على المتقاضيين فقط، وإنما يتعدى ذلك إلى أهداف غير مباشرة تتجلى في تحقيق العدل والإنصاف والحفاظ على كيان الأسرة من التفكك.

ثالثا: العدل والإنصاف:

إن روح مدونة الأسرة وإقرار قضاء مستقل تتجلى في تحقيق العدل والإنصاف، وتحقيق المبادئ التي تسعى المدونة إلى تكريسها رهين بوجود قضاء فعال ونزيه وعدم تحيزه لصالح أحد الأطراف، فنصوص عديدة وردت في المدونة تسعى إلى تحقيق هذا الهدف، مذو من بينها نجد المادة 41، التي تحث المحكمة على احترام الشروط الاستثنائية للتعدد.

ومن بينها أيضا، نجد ترسيخ دور القضاء في عملية الفرقة أنواعها، وحتى على مستوى الطلاق، إذ نجد ضرورة مراقبة القضاء لعملية الطلاق منذ بدايتها إلى نهايتها وهذا يظهر من خلال المواد من 78 إلى 89 إذ تواكب المحكمة العملية منذ تقديم الطلب إلى محاولة الصلح وتحديد المستحقات وتوثيق رسم الطلاق حتى إصدار قرار معلل قابل للطعن وفق الإجراءات العادية، بل أكثر من ذلك فقد أوكل المشرع النظر في التطليق والطلاق على حد السواء للمحكمة التي تتكون من ثلاثة قضاة لتوفير ضمانات أكثر.

 وعلى اعتبار كون مدونة الأسرة تسعى إلى إنصاف المرأة، وحماية كرامة الرجل وضمان حقوق الطفل، فإن هذا الأخير أيضا تم إنصافه بأن أصبح من التزامات القضاء تقدير تكاليف سكنى المحضون مستقلة عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرها، وهو ما أقرته المادة168 من مدونة الأسرة، مع مراعاة مصلحة المحضون في إسناد الحضانة (المادة 170 من مدونة الأسرة).

رابعا- الحفاظ على كيان الأسرة من التفكك:

يتجسد مبدأ الحفاظ على كيان الأسرة من التفكك من خلال تفعيل مسطرة الصلح. فرغم أن الطلاق الموقع من أحد الزوجين مباشرة مرهون بالإذن القضائي، وبالرغم من أن القصد من هذا الإذن هو الحد من اللجوء للطلاق إثناء العازمين عليه وإصلاح ذات البين بينهما، فإن هذا الإجراء المحدث بمقتضى تعديل 1993، لم يقدم عمليا، خدمات تذكر للأسرة، وذلك لعدة اعتبارات من بينها كثرة الملفات بما لا يسمح للقضاء بإفراد الوقت الكافي لكل ملف ومحاولة التعرف على أسباب الخلاف الحقيقية، وإيجاد حل لها.

من جهة أخرى، وبالنظر لعدم توفر الأجهزة والأطر الكافية القادرة على ردم الخلاف وإيجاد الحلول بطريقة عملية مثينة، نجد مهمة القضاء في هذا الشأن محدودة جدا، بالتالي تنحصر مسطرة الصلح في أحيان كثيرة في محاولات سطحية.

ولقد أولى مشرع مدونة الأسرة لمسطرة الصلح أهمية كبرى حفاظا على كيان الأسرة من التفكك، وتتدخل في مسطرة الصلح ثلاث مؤسسات تتمثل في:

- القاضي.

- الحكمين.

- مجلس العائلة.

فالمدونة الحالية وسعت من الصلح وأعطت القضاء كامل الصلاحية في اختيار أي مؤسسة للصلح دون قيد أو شرط، بل توسعت إلى أبعد من ذلك إذ فتحت المجال لكل من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين (المادة 82 من مدونة الأسرة)، وبذلك منحت القضاء حرية تامة، الغرض منها هو الإصلاح وإنقاذ الأسرة.

ومما يدعم توجه المشرع في الحفاظ على هذا الكيان أن المحكمة تقوم بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما في حالة وجود أطفال.

ومع ذلك يمكن القول، أنه يجب تأهيل القضاء الأسري لأنه يعتبر تأهيلا للقضاء ككل، بدليل أن القضاء الأسري هو جزء من الكل، وذلك للاعتبارات التالية:

1- إن أقسام قضاء الأسرة استطاعت مع مرور الوقت أن ترسي ذاتها كقضاء مستقل وفعال لتحقيق المكاسب التي جاءت بها مدونة الأسرة.

2- تسريع تحديث وتأهيل قضاء الأسرة خاصة بعد مرور أزيد من ثماني سنوات بع صدور مدونة الأسرة.

3- إن أهمية أقسام قضاء الأسرة ترجع كذلك إلى عدد القضايا المسجلة أمامها والتي تمثل 1/3 القضايا الرائجة أمام المحاكم الابتدائية.

وعليه، فإننا ننوه بمجهودات قضاة الأسرة التي تتوج في أغلب القضايا بنجاحهم في مهمة الصلح والتصالح، غايتهم المثلى تحقيق الهدف المنشود ألا وهو لم شتات كل أسرة تعيش وضعية صعبة، وإيمانهم الراسخ بأن الاحتكاك اليومي لقاضي الأسرة بالمجتمع ودرايته بالمشاكل المجتمعية وكيفية علاجها من خلال الاطلاع على كل من علم النفس وعلم الاجتماع[15] من شأنه أن يساعد على البت في القضايا المعروضة عليه بحكمة وتبصر، بدليل أن القاضي ذو وظيفة اجتماعية تفرض عليه الالتصاق بالواقع الاجتماعي متجاوزا الدلالة الحرفية والضيقة للنصوص في اتجاه الملائمة بينها وبين الواقع الاجتماعي.

المحور الثاني:

الأقسام المتخصصة في الجرائم المالية

وأقسام قضاء القرب والمحاكم المصنفة

الفقرة الأولى: الأقسام المتخصصة في الجرائم المالية

منالمسلم به أن الفساد يهدد استقرار المجتمعات بالنظر إلى ما ينجم عنه منعدم الثقة في المؤسسات والقانون، وما يؤدي إليه ذلك من إفراغ كل مخططاتالإصلاح والتنمية من محتواها، نتيجة تراجع سيادة القانون.

ورغمالخلاف حول طبيعة الوظيفة القضائية وما إذا كانت وظيفة علاجية أم وظيفةوقائية أم الاثنين معا، فإن الأكيد أن دور القضاء في مكافحة جرائم الفساديبقى مهما ويتراوح بين الدور العلاجي المتمثل في الردع الخاص من خلالالمحاسبة والعقاب واسترداد الأموال وبين الدور الوقائي المتمثل في الردعالعام.

وفي هذا السياق فإن نهوض السلطة القضائية بتطبيق القانون بكلحياد وتجرد مع استقلالها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية يجعلها أكثركفاءة وقوة لكشف جرائم الفساد ومعاقبة مرتكبيها، لذلك فإن محاربة الفسادتمر حتما عبر توفير عدالة جنائية فعالة تكفل مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال إحداث قضاء متخصص ملم بتقنيات المحاسبة وآليات المراقبة لحماية المال العام.

ذلك أنالتدبير الجيد للشأن العام يستلزم ترشيد الإدارة لمواردها المالية، وإقرار نظاممؤسساتي وقانوني كفيل بضمان حماية فعالة للمال العمومي، وفي هذا الإطار تم إحداث أقسام متخصصة في الجرائم المالية بأربع محاكم استئناف كآلية حقيقية تجسد انخراط المغرب في تكريس مبادئ الشفافية واحترام القانون والمصلحة العامة وإرساء قواعد الحكامة القضائية الجيدة وضمان الأمن المالي.

وقد تم إحداث هذهالأقسام المتخصصة بمحاكم الاستئناف في كل من الرباط، والدارالبيضاء، وفاس، ومراكش لتسريع البت في قضايا الفساد المالي. وأن إحداث هذه الأقسام، في إطار مراجعةقانون التنظيم القضائي، يأتي لمواجهة تراكم وطول المدة التي يستغرقها النظرفي قضايا الجرائم المالية، بما فيها تلك التي تمت إحالتها من قبل المجلسالأعلى للحسابات، خاصة بعد توزيعها على مختلف محاكم المملكة إثر إلغاءمحكمة العدل الخاصة[16].

ذلك أن هذه القضايا تتطلب معرفة وتقنيات خاصةبالمالية والمحاسبة وتسيير المجالس الجماعية والصفقات العمومية، مما اضطرت معه وزارة العدل والحريات إلى تكوين 50 قاضيا من النيابة العامة وقضاةالتحقيق والمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف داخل المغرب وخارجه لكييتمكنوا من الإلمام بكل ما يتعلق بجرائم الأموال، وهي تلك الجنايات المتعلقة بالرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ والغدر وكذا الجرائمالتي لا يمكن فصلها عنها أو المرتبطة بها.

ونعتقد أن مثل هذه الأقسام ستخفف العبء عن باقي الغرف الجنائية، ويساهمإحداثها في ترسيخ مبدأ القضاء المتخصص على شاكلة المحاكم التجاريةوالإدارية في انتظار أن تحدث محاكم مالية، لأن مثل هذه القضايا تتطلبتكوينا خاصا للقضاة الذين يشرفون عليها في جميع مراحل المحاكمة. خاصة أنالمفهوم الذي جاءت من أجله ينطوي على تقليص كبير لمفهوم الجرائم المالية بحصرها في ما قد يرتكبه الموظف العمومي أو غيره من جرائم الرشوة والاختلاسواستغلال النفوذ والغدر، وما لا يمكن فصله عنها أو ما ارتبط بها من جرائم، مع وجود جرائم أخرى توصف بالفساد المالي، من قبيل التهرب الضريبي الذي هومد اليد إلى المال العام عن طريق استعمال الاحتيال للاحتفاظ به، ومن قبيلكل الأفعال المجرمة في القوانين المنظمة للشركات ومدونة التجارة وما يقع، تحت غطائها، من جرائم أموال في إطار مساطر صعوبة المقاولة وجرائم تبييضالأموال وغيرها من الجرائم المالية، التي تتطلب إدماجها في منظومة الجرائمالمالية.

ولعل الغاية من إحداث هذه الأقسام تتمثل في بطء إجراءات قضاء التحقيق والذي تسبب في تأخير العديد من القضايا، وخاصة القضايا التي تتعلق بجرائم الأموال الواردة من المجلس الأعلـىللحسابات، وغيرها من قضايا الفساد المالي، وهو ما دفع إلى اللجوء إلى إحداثأقطاب مالية في أربع محاكم استئناف البيضاء والرباط وفاس ومراكش، لكي لاتبقى مثل هذه القضايا موزعة على جميع المحاكم بعد إلغاء محكمة العدلالخاصة. كما أن هذه الأقطاب المالية متخصصة فعلا في جرائمالفساد المالي، لأنها تضم نيابة عامة متخصصة وقضاء تحقيق متخصص وقضاء حكم متخصصابتدائي واستئنافي، وهو ما سيمكن من عقلنة التنظيم القضائي والرفع من النجاعة القضائية، وتسريع البت في قضايا الفساد المالي، وفق الشكل الذي يليق بالمكانة الدستورية للسلطة القضائية، ويأخذ بعين الاعتبار المقولة التي تقضي بأن القاضي إذا لم يكن متخصصا في المسائل المالية يمكن أن يدين بريئا أويبرئ مدانا.

وتجدر الإشارة، أن المجلس الحكومي صادق في أكتوبر من سنة 2012 على مرسوم إحداثالأقسام المختصة بالجرائم المالية لتوفير قضاء متخصص، تطبيقا لمقتضياتالفصل السادس من الظهير الشريف رقم 338-74-1، الصادر في 15 يوليوز 1974، المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، كما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى القانونرقم 10-34، والذي أحدث أقساما للجرائم المالية في عدد محدد من محاكمالاستئناف للنظر في الجنايات المنصوص عليها في الفصول إلى 256 من القانونالجنائي وكذا الجرائم التي لا يمكن فصلها عنها أو المرتبطة بها. وتمالتأكيد على أن إحداث الأقسام المختصة بالجرائم المالية يهدف إلى توفيرقضاء متخصص يعمل في إطار القواعد العامة ودون إدخال أي إجراءات استثنائية، مع ضمان تأهيله ومده بالإمكانيات المادية والبشرية المتخصصة والمؤهلة، وهوما سيسهم في إيجاد الحلول للإشكاليات القانونية والتقنية والمعروضة على هذاالنوع من القضاء للبت في آجال معقولة، مما يمكنه من أداء مهمته على الوجهالأكمل، ويكون في مستوى مواجهة ما يتطلبه تخليق الحياة العامة، وحمايةالمال العام من حزم وفعالية.

ولتعيين عدد محاكم الاستئناف المختصةللنظر في الجرائم المذكورة أعلاه، تمت مراعاة عدد القضايا المعروضة علىمحاكم المملكة، وأهميتها، وتجربة الأطر القضائية بها، كما تمت مراعاة البعدالجغرافي عند تحديد دوائر نفوذ هذه المحاكم.

ويكاد الإجماع على أن هذه الأقسام المتخصصة قد ساهمت منذ بداية انطلاق عملها في مكافحة الفساد وفق مقتضيات الاتفاقياتالدولية التي صادق عليها المغرب، ومبادئالدستور الجديد الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة.

لذا ينبغي وضع قواعد واضحة لشفافية تدبير المالالعمومي، ودعم جهود المؤسسات المستقلة للمراقبة، وتأهيل مختلف الجهاتالمشاركة والمساعدة في العمل القضائي، كالضابطة القضائية والخبراء، وتشجيعودعم آليات الرقابة الشعبية من مكونات المجتمع المدني وسائل الإعلام.

الفقرة الثانية: أقسام قضاء القرب

فيإطار حرص المملكة المغربية على جعل القضاء قريبا من المتقاضين وفي خدمة المواطن، فقد انطلق العمل بأقسام قضاء القرب، في جميع المحاكم الابتدائية، تنفيذا للقانون المتعلق بتنظيم قضاء القرب المعدل لظهير التنظيم القضائي الجديد للمملكة. وأن مايقارب 224 قسما لقضاء القرب بدأت في العمل في جميع المحاكم الابتدائيةومراكز القضاة المقيمين، كقضاء بديل لمحاكم الجماعات والمقاطعات، وتفعيلالقانون قضاء القرب، الرامي إلى تقريب القضاء من المتقاضين، لمعالجةالمنازعات والمخالفات البسيطة، وتسريع إجراءات البت في القضايا، وفق مسطرةمبسطة.

كما أن بداية العمل بأقسام قضاء القرب يأتيلتقريب القضاء من المواطنين، إذ تعقد جلسات داخل هذه الأقسام، فضلا عنجلسات تنقلية إلى عدد من المناطق للنظر في القضايا، التي تدخل في إطاراختصاص هذه الأقسام، إضافة إلى تمركز عدد من كتاب الضبط في محاكم الجماعاتوالمقاطعات لتسجيل الملفات، ونقلها إلى أقسام قضاء القرب.

وتتألف أقسام قضاء القرب من قاض أو أكثر، وأعوان لكتابة الضبط أو الكتابة. وتعقد الجلسات بقاض منفرد بمساعدة كاتب للضبط، دون حضور النيابة العامة. كما يمكن عقد جلسات تنقلية بإحدى الجماعات الواقعة بدائرة النفوذ الترابيلقسم قضاء القرب للنظر في القضايا، التي تدخل ضمن اختصاص قضاء القرب، فيحين، تسند الجمعية العمومية البت في القضايا التي تندرج ضمن قضاء القربللقضاة العاملين بالمحاكم الابتدائية ومراكز القضاة المقيمين.

ويكلف رئيس المحكمة الابتدائية، أو من ينوب عنه، قاضيا للنيابة عن قاضيالقرب في حالة غيابه، أو عند ظهور مانع قانوني يمنعه من البت في الطلب، أي أن نظام القضاء الفردي[17] هو المعتمد أمام أقسام قضاء القرب كما هو الشأن بالنسبة للمحاكم الابتدائية.

وتكون جلسات أقسام قضاء القرب علنية، وتصدر الأحكام باسم جلالة الملك، وتضمن في سجل خاص بذلك، كما تذيل بالصيغة التنفيذية.

ويشمل اختصاص أقسام قضاء القرب النظر في القضايا التابعة للاختصاص الترابيللجماعات المحلية الواقعة بالدائرة الترابية للمحاكم الابتدائية، والقضاياالتي تدخل في اختصاصها الترابي الجماعات المحلية الواقعة بالدائرة الترابيةلمركز القاضي المقيم.

وتختص هذه الأقسام، حسب القانون المحدث لها، بالنظر في الدعاوى الشخصية والمنقولة، التي لا تتجاوز قيمتهامبلغ 5000 درهم، لكندون النظر في النزاعات المتعلقة بمدونة الأسرة والعقار والقضايا الاجتماعيةوالإفراغات، ويمتد اختصاصها إلى البت في المخالفات، على أن لا تتعدىالعقوبة، التي يمكن الحكم بها، مبلغ 1200 درهم كغرامة.

كما يمكن لقضاة القرب البت في ملفات زجر المخالفات حين لا تتعدى العقوبة، التي يمكن الحكم بها سقف 1200 درهم كغرامة.

وتحظى مقررات قضاة القرب بالصبغة الإلزامية، وهي غير قابلة للطعن، في حين، يمكن طلب إلغائها في حالات خاصة أمام رئيس المحكمة.

وحدد القانون أجل البت في القضايا المعروضة على قضاة القرب في 30 يوما، وأسند للسلطة الإدارية المحلية، وعند الاقتضاء للمفوضين القضائيين، مهمةتنفيذ وتبليغ القرارات والأحكام الصادرة.

وتأتي هذه الأقسام، التي سبق أن أعلنت عنها وزارة العدل والحريات في إطار ملائمة قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية معالقانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، من أجل تقريب القضاء منالمتقاضين، بمفهومه الحقيقي، وبعده الحقوقي.

ومع ذلك، يرى بعض الباحثين أن هذه الأقسام المستحدثة لا تشكل سوى صورة طبق الأصللمحاكم الجماعات والمقاطعات الملغاة، مع فارق رفع الاختصاص القيمي من ألفدرهم بالنسبة للمحاكم السابقة الى خمسة آلاف درهم بالنسبة لأقسام قضاءالقرب.

بيد أنه يمكن القول أن المشرع لم يمنح لأقسام قضاء القرب بعض الاختصاصاتالتي تشكل خطورة على المراكز القانونية للمتقاضين، والتي كانت موكولةسابقا لمحاكم الجماعات والمقاطعات، كالنظر في طلبات الوفاء بالكراء وفسخهلعدم أداء الوجيبة الكرائية، وكذا التدابير التي تضع حدا للاحتلال الحالوالمانع من الانتفاع بحق الملكية (الفصلين 22 و23 من ظهير 15 يوليوزالمتعلق بتنظيم محاكم الجماعات والمقاطعات.

وحيادا عن مقتضيات الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية، المتعلق بالدفعبعدم الاختصاص النوعي، فإن المشرع قد جعل الاختصاص النوعي لأقسام قضاءالقرب - شأنها شأن أقسام قضاء الأسرة – يعد من النظام العام، تثيرهالمحكمة من تلقاء نفسها في أي مرحلة من مراحل التقاضي.

وبناء عليه، فإنه لا يجوز للأطراف عرض نزاعهم على غرفة أخرى إذا كان القانون يسند الاختصاص في موضوع النزاع إلى أقسام قضاء القرب.

وبالرغم مما يقال عن هذا التعديل التشريعي، فان محاكم القرب عملت فعلا على تقريب القضاء من المتقاضين، ومكنتهم من الاستفادة من مجانية الرسوم القضائية، والسرعة في البت في النزاع، ومباشرة إجراءات التبليغ والتنفيذ داخل أجل معقول.

الفقرة الثالثة:المحاكم المصنفة

جدير بالذكر، أن المشرع المغربي أضاف فقرة جديدة للفصل الثاني من قانون التنظيم القضائي الذي يحدد تأليف المحكمةالابتدائية جاءفيها ما يلي:

"يمكن تصنيف المحاكم الابتدائية حسب نوعية القضايا التي تختص بالنظرفيها إلى محاكم ابتدائية مدنية ومحاكم ابتدائية اجتماعية ومحاكم زجرية: تقتسم المحاكم الابتدائية المدنية إلى أقسام قضاء القرب وغرف مدنية وغرفتجارية وغرف عقارية.

تقسم المحاكم الابتدائية الاجتماعية إلى أقسام قضاء الأسرة، وغرف حوادث الشغل والأمراض المهنية وغرف نزاعات الشغل.

تقسم المحاكم الابتدائية الزجرية إلى أقسام قضاء القرب وغرف جنحية وغرف حوادث السير وغرف قضاء الأحداث".

والملاحظأولا أن المشرع استعمل عبارة "يمكن" والتي تفيد الجواز أي أنه ليسبالضرورة تصنيف المحاكم الابتدائية حسب نوعية القضايا التي تختص بالنظرفيها إلى محاكم ابتدائية مدنية ومحاكم ابتدائية اجتماعية ومحاكم ابتدائيةزجرية ولكن يمكن ذلك متى كانت المصلحة والشروط تساعد على إقرار هذاالتصنيف.

وعندما يعتمد ذلك التصنيف يتم اللجوء إلى الفقرات الموالية حيث تقسم المحاكم الابتدائية المصنفة إلى ما يلي:

*المحاكم الابتدائية المدنية وتضم:

- أقسام قضاء القرب.

- غرف مدنية وتجارية وغرف عقارية.

*المحاكم الابتدائية الاجتماعية وتضم:

- أقسام قضاء الأسرة.

- غرف حوادث الشغل والأمراض المهنية.

- غرف نزاعات الشغل.

*المحاكم الابتدائية الزجرية وتضم:

- قضاء القرب.

- غرف جنحية.

- غرف حوادث السير.

- غرف قضاء الأحداث.

ولعلهذا التقسيم بدوره سينال حظه من الدراسة والانتقاد وذلك لمعرفة مبرراتهودواعيه ومدى انسجامها مع الواقع وهل تتوفر المقومات الضرورية والموضوعيةلذلك أم لا؟ وهل يمكن تمييز عقلية القاضي المدني أو التجاري أو العقاري عنعقلية القاضي الاجتماعي وقاضي الأسرة علما بان حالات عدة ومحاكم عدة يكونفيها القاضي المدني هو نفسه القاضي الاجتماعي أي يبث في غرفة مدنية ثم يبتفي غرفة نزاعات الشغل أو قسم قضاء الأسرة، لذلك فإننا نقترح تعزيز تكوين قضاة كل نوع من المحاكم الابتدائية المصنفة تكوينا قانونيا ونفسيايتلاءم مع الاختصاص الذي سيوكل إليه لتحقيق فلسفة هذا التصنيف لأنالنظام العام في القواعد العامة للقانون المدني ليست هي نفسها قواعد النظامالعام الاجتماعي ولا هي قواعد النظام العام الأسري أما واقع الحال فقد أفرزنتائج إيجابية للمتقاضين منذ بداية العمل بالمحاكم المصنفة في سنة 2011 كتجربة أولى بالدارالبيضاء، ليتم تعميم هذه التجربة في حالة نجاحها على جميع محاكم المملكة.

ونظرا لأهمية قانون التنظيم القضائي سيكون من المفيد والأنسب تغيير قانون التنظيم القضائي كما فعل المشرع البلجيكي معبداية سنوات الألفين والذي اخذ منه إعدادها وقتا طويلا، إذن فالمطلوب العمل على إعداد مدونةللتنظيم القضائي تساير مستجدات الدستور الجديد في مجال القضاء بتصور عام للمنظومة القضائية، ويأخذ بعين الاعتبار أولويات المرحلة واحتياجات المتقاضين الذين يثقون في مرفق القضاء تبعا لما أسفرتعنه توصيات الهيئة العليا للإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة.

[1]- استقلال القضاء هو تجسيد مادي لفصل السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية بعضها عن بعض. واستقلال القضاء ضرورة تفرضها حماية المتقاضين لن خضوع القاضي وتأثره بجهة أخرى سوف يجعله غير حر عند اتخاذ قراره، وهذا ما أكده الفصل 109 من الدستور الجديد الذي منع صراحة كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء; وشدد على ألا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط. ويجب على القاضي، كما خول للقاضي كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

[2]- مقتطف من خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الثامنة جاء فيه ما يلي:

"... وإننا نتوخى من جعل"القضاء في خدمة المواطن" قيامعدالة متميزة بقربها من المتقاضين، وببساطة مساطرها وسرعتها، ونزاهةأحكامها، وحداثة هياكلها، وكفاءة وتجرد قضاتها، وتحفيزها للتنمية، والتزامها بسيادة القانون، في إحقاق الحقوق ورفع المظالم".

[3]- المحاكم الإبتدائية:

نظم الظهير الشريف بمثابة قانون رقم1.74.338بتاريخ 15 يوليوز 1974 المحدد للتنظيم القضائي للمملكة في فصلهالثاني المحاكم الإبتدائية.(غير - الفقرة الثانية - بمقتضى الظهير الشريف رقم205-93-1 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993) - المادة الأولى – وغير- الفقرة الثانية- بمقتضى ظهير شريف رقم 118-98-1 صادر في 30 من جمادىالاولى 1419 (22 سبتمبر 1998) بتنفيذ القانون رقم 98-6 – مادة فريدة- وغيروتمم بمقتضى الظهير الشريف رقم 24-04-1 صادر في 12 من ذي الحجة 1424) 3فبراير 2004) - مادة فريدة -

1- التنظيم:

تتكون المحاكم الابتدائية من:

- رئيس ونواب رئيس وقضاة؛

- نيابة عامة تتكون من وكيل للملك ونائب أو عدة نواب؛

- كتابة الضبط؛

- كتابة النيابة العامة.

يمكنتقسيم هذه المحاكم بحسب نوعية القضايا التي تختص بالنظر فيها إلى أقسامالأسرة وغرف مدنية، وغرف تجارية وعقارية واجتماعية وزجرية.

 تنظر أقسامقضاء الأسرة في قضايا الأحوال الشخصية والميراث والحالة المدنية وشؤونالتوثيق والقاصرين والكفالة وكل ما له علاقة برعاية وحماية الأسرة.

يمكنلكل غرفة أن تبحث وتحكم في كل القضايا المعروضة على المحكمة كيفما كاننوعها باستثناء ما يتعلق بأقسام الأسرة. كما يمكن تكليف قاض أو أكثر منقضاة هذه المحاكم بمزاولة مهامهم بصفة قارة في أماكن توجد داخل نفوذهاوتحدد بقرار لوزير العدل.

2- الاختصاصات:

تختص المحاكم الابتدائية بالنظر في جميع القضايا مالم ينص القانون صراحة على إسناد الاختصاص لمحكمة أخرى.

ويعتبرهذا الاختصاص اختصاصا عاما يمتد ليشمل كل القضايا المدنية والعقاريةوالجنائية والاجتماعية. وتدخل كل المسائل المرتبطة بالأحوال الشخصيةوالعائلية والإرث أيضا في اختصاص المحاكم الابتدائية سواء تعلق الأمربالمواطنين المسلمين أو الإسرائيليين أو الأجانب.

وتختص المحاكمالابتدائية في القضايا إما ابتدائيا وانتهائيا أو ابتدائيا مع حق الاستئنافطبقا للشروط المحددة في قانوني المسطرة المدنية والجنائية أو النصوصالخاصة عند الاقتضاء.

في القضايا المدنية تختص المحاكم الابتدائيةابتدائيا وانتهائيا بالنظر إلى غاية ثلاثة آلاف درهم مع حفظ حق الإستئناففي الطلبات التي تتجاوز هذا المبلغ. على أنه يمكن لحكمها أن يكون موضوع نقضأمام المجلس الأعلى، وتبت المحكمة فقط ابتدائيا إذا كان القدر المتنازععليه يفوق هذا القدر.

وتجدر الإشارة إلى أن اليهود المغاربة يخضعونفي أحوالهم الشخصية إلى قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية.

 ويتولىقضاة عبريون بالمحاكم النظر في هذا النوع من القضايا.

محاكم الإستئناف:

ينص القانون الصادر بتاريخ 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة على تنظيم وتأليف محاكم الإستئناف.

1- التنظيم:

تتكون محاكم الاستئناف من عدة غرف متخصصة، من بينها غرفة الأحوال الشخصية والميراث والغرفة الجنائية.

وتتكونأيضا من نيابة عامة تضم وكيلا عاما للملك ونوابه العامين وقاض أو عدة قضاةمكلفين بالتحقيق وقاض أو عدة قضاة للأحداث وكتابة ضبط لكل من الرئاسةوالنيابة العامة.

تعقد الجلسات في جميع القضايا وتصدر القرارات عن طريق هيئة مكونة من ثلاثة مستشارين يحتفظ بها بالنظر لأهمية المهام الموكولة إليهم.

وبالنظر إلى خطورة القضايا المعروضة عليها تتألف الغرفة الجنائية من خمس قضاة: رئيس غرفة وأربعة مستشارين.

2- الاختصاصات:

تقومالمحاكم الاستئنافية بصفتها محكمة من درجة ثانية للتقاضي بدراسة القضاياالتي تم البت فيهاابتدائيا من قبل المحاكم الابتدائية للمرة الثانية.وبذلك تنظر استئنافيا في الأحكام التي تصدر عن هذه المحاكم أو عن رؤسائها.

إن التأليف المتميز للغرف الجنائية بمحاكم الاستئناف يؤهلها للبت في الجرائم ابتدائيا وانتهائيا.

محكمة النقض:

أحدثتمحكمة النقض غداة الاستقلال بظهير رقم 1.57.223 بتاريخ ربيع الثاني 1377الموافق ل 27 سبتمبر 1957 وكانت تسمى سابقا المجلس الأعلى. وهي توجد في أعلى الهرم القضائي وتشرف على جميعمحاكم الموضوع بالمملكة. أما تنظيمها واختصاصها فيحددهما قانون 15 يوليوز1974المحدد للتنظيم القضائي للمملكة وكذا قانون المسطرة المدنية وبعضمقتضيات قانون المسطرة الجنائية و العدل العسكري.

1- تنظيم محكمة النقض:

يترأس محكمة النقض رئيس أول. وتمثل النيابة العامة فيه بوكيل عام للملك يساعده المحامون العامون.

تشتملمحكمة النقض على ست غرف: غرفة مدنية (تسمى الغرفة الأولى)، وغرفةللأحوال الشخصية والميراث وغرفة تجارية وغرفة إدارية وغرفة اجتماعية وغرفةجنائية. يرأس كل غرفة رئيس غرفة.

ويمكن أن تقسم هذه الغرف إلى أقسام.

تبتمحكمة النقض في إطار قضاء جماعي، فالجلسات تعقد وتصدر القرارات من طرفخمس مستشارين. وفي بعض الحالات تعزز هذه الصفة الجماعية، فتصدر الأحكامبواسطة غرفتين مجتمعتين وفي بعض القضايا تبت جميع الغرف مجتمعة في جلسةعامة.

2- الاختصاصات:

إن اختصاصات محكمة النقض كثيرة ومتنوعة. وقد حدد القانون - مع ذلك - دوره في مراقبة المسائل المتعلقة بالقانون فقط، فهو يراقب شرعية القرارات التي تصدرها محاكم الموضوع ويضمن بذلك توحيدالاجتهاد القضائي.

وبهذه الصفة تنظر محكمة النقض في القضايا التالية:

•       الطعون بالنقض ضد الأحكام الانتهائية التي تصدرها جميع محاكم المملكة؛

•       الطعون المقدمة ضد القرارات التي يتجاوز بواسطتها القضاة سلطاتهم؛

•       البت في تنازع الاختصاص بين محاكم لا توجد محكمة أعلى درجة مشتركة بينها غير محكمة النقض؛

•       مخاصمة القضاة والمحاكم غير محكمة النقض؛

•       الإحالة من أجل التشكك المشروع؛

•       الإحالة من أجل الأمن العمومي أو لصالح حسن سير العدالة؛

•       اللجوءابتدائيا وانتهائيا إلى طلب الإلغاء من أجل الشطط في استعمال السلطة ضدالمقررات التنظيمية أو الفردية للوزير الأول، والطعن في قرارات السلطاتالإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة اختصاص المحكمة الإدارية؛

ومن جهة أخرى تبت محكمة النقض بصفة محكمة موضوع في:

القضايا الجنائية: مسطرة المراجعة تسمح له بإصلاح خطأ قضائي ارتكب على حق شخص وقعت إدانته ظلما من أجل جريمة.

[4]- فأصبحت بذلك غرفالاستئنافات بالمحاكم الابتدائية تبت كدرجة ثانية استئنافية بالنظر فيالاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائيةفي إطار البند الأول من الفصل 19 من ق.م.م أي في القضايا التي تختص بهاالمحكمة الابتدائية ابتدائيا إلى غاية 20.000,00 درهما.

كما تختص هذهالغرف بالنظر في الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة ابتدائيا عنالمحاكم الابتدائية في قضايا المخالفات المشار إليها في المادة 396 منقانون المسطرة الجنائية وفي القضايا الجنحية التي لا تتجاوز عقوبتها سنتينحبسا وغرامة وإحدى هاتين العقوبتين فقط.

كما تختص غرفة الاستئنافاتللأحداث لدى المحكمة الابتدائية بالنظر في الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكامالصادرة عن المحكمة الابتدائية في قضايا الأحداث إذا كانت العقوبة المقررلها تعادل أو تقل عن سنتين حبسا وغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين فقط.

[5]- لاعتبارات سياسية داخلية ومن أجل النهوض بوضعية حقوق الإنسان في جانبهاالقضائي ولاسيما في الجانب المرتبط بالقضاء الإداري، تم الإعلان عن تأسيس المحاكمالإدارية بمقتضى الخطاب الملكي التاريخي لجلالة المغفور له الحسن الثاني ليوم 8 مايو 1990 أمام أعضاء المجلس الاستشاريلحقوق الإنسان ليضع لبنات جديدة في تعزيز وتدعيم دولة الحق والقانونوالمؤسسات وذلك عن طريق الإعلان عن إصلاحيين أساسيين يعززان احترام مبدأالشرعية من قبل السلطات الإدارية حيث يكمن الشق الأول من هذا الإصلاح فيإنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، أما الشق الثاني فيكمن فيالإعلان عن إنشاء المحاكم الإدارية.

ومما جاء في خطاب جلالته: "وإذا أردنا حقيقة أن نبني دولة القانون علينا كذلك أن نأخذبعين الاعتبار حقوق المواطنين بالنسبة للسلط وللإدارة وللدولة" .وأضاف كذلك: "فدولة القانون هي هذه، فالسلطة ليسلها الحق في أن تتجاوز حدودها آنذاك لازم أن يكون من حق المغربي كيفما كانأن يشتكي إما بضابط الشرطة أو بضابط الدرك أو القائد الذي تسعف عليه أوغيرهم" ثم أكد جلالته على هذا التوجه مبررا بذلكأهمية مراقبة الإدارة وحق المواطن للدفاع عن حقوقه خدمة لدولة القانون فلايمكن لهذه البلاد أن تكون دولة قانون إلا إذا جعلنا كل مغربي عنده الوسيلةكي يدافع عن حقوقه كيفما كان خصمه".

[6]- تتوزع المحاكم الإدارية التي يبلغ عددها 7 محاكم لتشمل الجهات الرئيسية للمملكة.

1- التنظيم:

ويطبقعلى قضاة هذه المحاكم النظام الأساسي للقضاة، لكنهم يخضعون لتعيين وتكوينيتلاءم مع وظيفتهم. وتحدد كيفية العمل داخل هذه المحاكم بواسطة جمعياتهمالعامة.

تخضع المحاكم الإدارية لمبدأ القضاء الجماعي حيث تعقدالجلسات وتصدر الأحكام بواسطة ثلاثة قضاة، ويمكن للمحكمة أن تقسم إلىأقسام متخصصة حسب ما يتطلبه حجم ونوع القضايا بداخلها.

يعين رئيسالمحكمة الإدارية مفوضا ملكيا أو عدة مفوضين ملكيين للدفاع عن القانونوالحق لمدة سنتين من بين قضاة المحكمة وباقتراح من جمعيتها العامة. ويتعينعلى المفوضين الملكيين تقديم مستنتجاتهم في كل قضية في الجلسات بكلاستقلال، وهم بذلك يساهمون في تنوير المحكمة بخصوص القانون الواجب التطبيقوبتقديم مقترحات حلول، ولا يشاركون في إصدار الأحكام ولا يوكل إليهمالدفاع عن الإدارة، وإنما يتعين عليهم أن يقدموا تحليلا موضوعيا ومتوازنايشمل موضوع عناصر القضية مساهمين بذلك في مساعدة المحكمة لاتخاذ قرار عادلوصائب من الناحية القانونية.

2- الاختصاصات:

تختص المحاكم الإدارية للنظر ابتدائيا في:

- الطعن بالإلغاء بسبب تجاوز السلطة في مواجهة مقررات السلطة الإدارية؛

- النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية؛

- الأعمال المرتبطة بإصلاح الضرر الناتج عن أعمال وأنشطة أشخاص القانون العام؛

- النزاعاتالناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقةبالمعاشات ومنحالمتوفين من رجال الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية وموظفيإدارة مجلس النواب ومجلس المستشارين؛

- المنازعات الضريبية؛

- نزع الملكية الخاصة لأجل المنفعة العامة؛

- فحص شرعية القرارات الإدارية.

خلافا لقواعد الاختصاص الترابي تنظر المحكمة الإدارية بالرباط في نوعين من النزاعات:

- المنازعات المرتبطة بالوضعية الفردية لكبار المسؤولين الإداريين المعينين بظهير شريف أو مرسوم؛

- المنازعاتالتي تحدث في الخارج أو أعالي البحر، وبصفة عامة في جميع الأماكن التيتنشأ فيها النزاعات خارج دوائر اختصاص جميع هذه المحاكم؛

- تستأنفالأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية أمام الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى. وتعتبر هذه الوضعية مؤقتة لأن إحداث محاكم استئنافية ادارية مشروع قانونقيد الانجاز وذلك في أفق احداث مجلس الدولة.

محاكم الإستئناف الإدارية:

أحدثتمحاكم الاستئناف الإدارية بمقتضىالقانون رقم 03-80 بتاريخ 15 من محرم1427، 14فبراير 2006) المصادق عليه بالظهير الشريف رقم 07-06-1.

1- التنظيم:

يتحددعدد محاكم الاستئناف الإدارية في اثنتين هما الرباط ومراكش (مرسوم رقم 2.06.187الصادر في 29 من جمادى الآخر 1427 (25 يوليو 2006).

تتكون محكمة الاستئناف الإدارية من:

-رئيس أول ورؤساء غرف ومستشارين؛

-كتابة ضبط.

يجوز أن تقسم محكمة الاستئناف الإدارية إلى عدة غرف حسب أنواع القضاياالمعروضة عليها.

ويعينالرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية من بين المستشارين مفوضا ملكيا أوأكثر للدفاع عن القانون والحق باقتراح من الجمعية العمومية لمدة سنتينقابلة للتجديد.

تعقد محاكم الاستئناف الإدارية جلساتها وتصدر قراراتها علانية وهي متركبة من ثلاثة مستشارين من بينهم رئيس يساعدهم كاتب ضبط.

يجب أن يحضر الجلسة المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق.

يدليالمفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق بآرائه مكتوبة ويمكن له توضيحهاشفهيا لهيئة الحكم بكامل الاستقلال سواء فيما يتعلق بالوقائع أو القواعدالقانونية المطبقة عليها، ويعبر عن ذلك في كل قضية على حدة بالجلسةالعامة.

يحق للأطراف الحصول على نسخة من مستنتجات المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق.

لا يشارك المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق في المداولات.

2- الاختصاصات:

تختص محاكم الاستئناف الإدارية بالنظر في استئناف أحكام المحاكم الإداريةوأوامر رؤسائها ما عدا إذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة.

يمارس الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية أو نائبه مهام قاضي المستعجلات إذا كان النزاع معروضا عليها.

يمارس الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية أو نائبه مهام قاضي المستعجلات إذا كان النزاع معروضا عليها.

تستأنف الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية داخل أجل ثلاثين يوما منتاريخ تبليغ الحكم وفقا للمقتضيات المنصوص عليها في الفصل 134 وما يليه إلىالفصل 141 من قانون المسطرة المدنية.

يسري على الأوامر الصادرة عنرؤساء المحاكم الإدارية نفس أجل الاستئناف المنصوص عليه في الفصلين 148و153 من قانون المسطرة المدنية.

يقدم الاستئناف إلى كتابة ضبط المحكمةالإدارية التي أصدرت الحكم المستأنف بواسطة مقال مكتوب يوقعه محام، ماعدا استئناف الدولة والإدارات العمومية حيث تكون نيابة محام أمرا اختياريا.

يعفى طلب الاستئناف من أداء الرسوم القضائية.

[7]- كما أن توصيات البنك الدولي في المجال الاقتصادي والتي دقت ناقوس الخطر والمتمثلة في الخوصصة وتفعيل دور العدالة بتحسين الإطار القانوني للمناخ الاقتصادي الوطني خصوصا وأن عدد القضايا المعروضة على المحاكم الابتدائية ذات الولاية العامة إلى جانب بطء الإجراءات المسطرية. وعليه فالمحاكم التجارية مؤسسة ضمن بنايات أخرى لتدعيم دولة القانون في الميدان الاقتصادي بالحرص على مبدأ الاستقرار القضائي ومبدأ التوقيع القانوني اللذين يعتبران أساسيان لدولة القانون والتنمية الاقتصادية.

[8]- وفي هذا الإطار صدر قرارلمحكمة الاستئناف التجارية بفاس مؤرخ في 21/12/1998 غير منشور قضى بما يلي:

"إنالمحاكم التجارية لا يكمن التوسع في الاختصاص المخول لها مدام اختصاصها ضيقاوفي إطار محدود وشرع لفائدة أشخاص معينين ولأغراض خاصة بناء على نصوصواردة بمدونة التجارة وسكوت النص الخاص يفسر سلبا بعدم اختصاصها. أماالولاية العامة للمحاكم الابتدائية فتجعلها مختصة ولو لم ينص القانون صراحةعلى اختصاصها".

[9]- المحاكم التجارية:

يبلغ عدد المحاكم التجارية حاليا 8 محاكم توجد بمدن: الرباط، الدار البيضاء، فاس، طنجة، مراكش، أكادير، مكناس ووجدة.

وتتكون المحكمة التجارية من:

- رئيس ونواب للرئيس وقضاة؛

- نيابة عامة تتكون من وكيل للملك ونائب أو عدة نواب؛

- كتابة الضبط وكتابة النيابة العامة.

[10]- محاكم الاستئناف التجارية:

يبلغ عدد محاكم الاستئناف التجارية 3 محاكم توجد بمدن الدار البيضاء، فاس، مراكش.

وتتكون محاكم الاستئناف التجارية من:

- رئيس أول ورؤساء غرف ومستشارين؛

- نيابة عامة تتكون من وكيل عام للملك ونواب له؛

- كتابة الضبط وكتابة للنيابة العامة.

تعقد جلسات محاكم الاستئناف التجارية، وتصدر الأحكام فيها بواسطة ثلاثة قضاة، من بينهم رئيس يساعده كاتب الضبط.

[11]- تختص المحاكم التجارية بالنظر في مجموع النزاعات التجارية التي تتجاوز قيمتها 20000 درهم. ويرجع الاختصاص الترابي إلى محكمة مكان الإقامة الحقيقية أو المختار للمتقاضي، وإذا لم يكن هذا الأخير يتوفر على مسكن في المغرب وإنما على إقامة فيرجع الاختصاص إلى محكمة الإقامة.

وتختص المحاكم التجارية بالبت في:

- الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية؛

- الدعاوى التي تنشأ ما بين التجار المتعلقة بأعمالهم التجارية؛

- الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية؛

- النزاعات الناشئة بين شركاء في شركة تجارية؛

- النزاعات المتعلقة بالأصل التجاري؛

- النزاعات المتعلقة بصعوبات المقاولة.

[12]- جريدة الأحداث المغربية 11/11/98 عدد 18.

[13]- تم التوقيع بتاريخ 15 مارس 2013من طرف وزيرالعدلوالحريات ووزير الصناعةوالتجارة والتكنولوجياتالحديثةوالمدير العام للمكتب المغربي للملكية الصناعيةوالتجارية على "اتفاقية تعاون وشراكة حول تحديث السجل التجاري" بالمحكمة التجارية للدار البيضاء. وتندرج هذه الاتفاقية في إطاربرنامج المغرب الرقمي 2013 المدمجة في برنامجالحكومة الرقمية. وبفضلبوابة إلكترونية ثم إنشاؤها سيتمكن كل من المقاولاتوالتجار من التعامل معالسجل التجاري بشكل أكثر سلاسة ودون الحاجة إلىتنقل نحو المحاكمالتجارية والمقر المركزي للسجل التجاري وبذلك سوف يتمإعفاء 100 ألف مترددعلى المحكمة التجارية كل يوم في الدار البيضاء وحدها. ونوه وزير العدل والحريات بمناسبة توقيع الاتفاقية، بالعمل المشترك الذي تقوم به وزارته ووزارة الصناعة والتجارةوالتكنولوجيات الحديثة، والذي مكن من تطوير وسائط العمل الالكترونيلتسهيل عمل جل المتدخلين في المجال القضائي وكذا المواطنين، وأضاف بأن تحديث المنظومة التجاريةوالقضائية سيمر عبر مراجعة دور النيابة العامة في المحاكم التجارية ومراجعةقانون المسطرة المدنية، موضحا في الختام أن التصور المتكامل للمحكمة النموذجية التي تعتمد على إجراءات ممكننةوالتكنولوجيا الحديثة ستصبح الأداة الأساسية في التعامل بين أقسام المحكمةومصالحها وكذا التعامل مع الشركاء كالمقاولات والمحامين والضابطة القضائية، وسيبدأ العمل بهذا النظام فيمحاكمالتالية: المحكمة الابتدائية بالقنيطرة، المحكمة الابتدائيةالزجرية وكذاالمدنية بالدار البيضاء ومحكمة الاستئناف بسطات. وأوضحالوزير أنه بعدتقييم العمل بهذه المحاكم سوف تعمم التجربة على كافة محاكمالمملكة. أما بالنسبة لوزير الصناعة والتجارةوالتكنولوجيات الحديثة، فقد شدد في كلمته على أن الخدمات الالكترونيةورغم تبسيطهاستحافظ على مستوى جودتها والضمانات المصاحبة لها، وأضاف أنكل هذهالإجراءات ستشجع الاستثمار وتجلب مستثمرين وطنيين وأجانب، وذلكبالتركيزعلى اقتصاد الوقت لأنه مرتبط بالإنتاجية.

[14]- ولعل سند هذا الاختيار هو الخطاب الملكي ليوم 10أكتوبر 2003 الذي تضمن عبارة «قررت إنشاء قضاء الأسرة بصفة مستقلة» وكانذلك بمناسبة إقرار مدونة الأسرة.

[15]- لذلك فإن الحاجة لتوفير الأطر البشرية في مجال العمل الاجتماعي فقد تم إبرام اتفاقية بينوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التنمية الاجتماعية من أجلتكوين 6000 مساعد اجتماعي في أفق سنة 2012 لم يتحقق الوصول الى هذا الرقم. وفي سنة 2011 عملت وزارة العدل والحريات على إدماج وتعيين مجموعة منالمساعدين الاجتماعيين والمساعدات الاجتماعيات خريجوا الإجازة المهنية فيالمساعدة الاجتماعية بالعديد من المحاكم المغربية اعتقادا منها بأهمية ودورالخدمة الاجتماعية في معالجة القضايا والمشاكل المعروضة والتي تثقل كاهلالعمل القضائي. فإذا كان هذا الأخير يهتم بالجوانب الشكلية والقانونيةللقضية فإن المساعد الاجتماعي أو الأخصائي الاجتماعي يغوص في الأبعادالنفسية والاجتماعية للقضية مما يساهم في إيجاد حلول جذرية وعميقة لها.

[16]- وجدير بالذكر، أن تلك الجرائم كانت من اختصاص محكمة العدل الخاصة، وبعد أزيد من 38 سنة من عمرها ألغيت بسبب الانتقادات الموجهة إلى طريقةعملها من قبل الحقوقيين والإعلاميين، إضافة إلى أنها مناقضة للدستور ومبدأيالمساواة أمام القانون وفصل السلط. وبعد إلغاء هذا القضاء الاستثنائي أحليتالملفات من جديد على غرفة الجنايات في محاكم الاستئناف، وخلال المعالجةاليومية لتلك الملفات التي مازال بعضها متداولا منذ سنين عدة، ظهرت مجموعةمن الثغرات ووجهت سهام النقد إلى كيفية تدبير تلك الملفات في جميع مراحلالمحاكمة من المتابعة إلى التحقيق والمحاكمة، ما حتم ضرورة البحث عن طرقمعالجة جديدة لمعالجتها.

[17]- إنالقضاء الجماعي يذيب شخصية القضاة بنفس الهيئة ولا تبرز شخصيتهم في الحكم، عكس القاضي المنفرد فهو الذي يصنع الحكم القضائي وتبرز فيه شخصيته ومؤهلاتهوبذلك ستكون الفرصة متاحة بالتساوي بين جميع القضاة لإبراز كفاءاتهمومؤهلاتهم من خلال أحكام قضائية صادرة وموقعة من طرفهم وبالتالي يكون الحكمشهادة لتقييم القاضي مصدره وهو ما سيدفع السادة القضاة للاجتهاد والبحثوالتروي عند إصدار الحكم وصناعته.

إن هذا القضاء الفردي يؤدي إلىتحميل كل قاض مسؤوليته أمام المفتشية العامة لوزارة العدل بشان الملفاتالتي يبت فيها، وسيتقوى لديه الشعور بالمسؤولية وبالتالي سيتجنب كل الشبهاتوكل ما يمكن أن يجعله موضع مسؤولية ويكون بذلك هذا التعديل بمثابة وقايةمن الزلل.

إن هذه التجربة الجديدةستؤدي إلى الاقتصاد في عمل مجموعةمن القضاة في ملف واحد مما سيسرع البت في القضايا وسيسرع إجراءات التقاضيوكذا التحكم في الجلسات.
تعليقات