القائمة الرئيسية

الصفحات



التحكيم والتدابير المؤقتة والتحفظية

التحكيم والتدابير المؤقتة والتحفظية
                                                        ذ: عبد الرحمان المصباحي

رئيس غرفة  بمحكمة النقض




فصل تمهيــدي :

يترتب عن اتفاق التحكيم سواء أكان خاصا أو مؤسسيا، أثران، أولهما إيجابي وهو يعطي للمحكم الاختصاص للبت في موضوع النزاع، وثانيهما سلبي، يمنع قضاة الدولة من النظر في هذا النزاع.

لكن هل يمتد هذا الأثر السلبي ليشمل حتى التدابير المؤقتة.

يتخذ الفقه موقفا متباينا حول الإجراءات الوقتية والتحفظية يمكن تلخيصها فيما يلي :

أولا : هناك اتجاه يدافع عن اختصاص قضاة الدولة للبت في التدابير الوقتية، معتبرا أن الأثر السلبي المذكور يقتصر على موضوع النزاع دون الإجراءات الوقتية والتحفظية ، وفي رأي هذا الاتجاه ، لا يملك المحكم سلطة الإجبار ، وهو ما يتطلب الاستعانة بقضاة  الدولة لاستصدار التدابير المؤقتة وتنفيذها، كما لو تعلق الأمر باتخاذ إجراء تحفظي على أموال احد الأطراف، أو لما يتحرك قاضي الأمور المستعجلة كمساعد للعدالة التحكيمية ، قصد جمع الأدلة من أطراف غير معنية باتفاق التحكيم .

والملاحظ بالنسبة للمغرب، وقبل صدور القانون الجديد للتحكيم المؤرخ في 30/11/2007، كان الفقه المغربي يدعم الإبقاء على اختصاص القضاء الاستعجالي رغم وجود اتفاق التحكيم (1)  .

كما أن القضاء المغربي سار في نفس المنحى وبشكل أكثر وضوحا وجرأة، ففي قرار عدد 1905 صادر سنة 1973 في الملف عدد 47342 ، اعتبرت محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء أن قاضي الأمور المستعجلة يبقى مختصا بإصدار الأمر بمواصلة البناء حماية لمصالح الطرفين ، رغم كون النزاع معروضا في جوهره على محكمة التحكيم بلاهاي .

وصدر عن المجلس الأعلى المغربي قرار تحت عدد 726 بتاريخ 21/5/2008 في الملف عدد 782/3/1/2006، (يهم نزاعا يتعلق بمرحلة سابقة لصدور القانون الجديد للتحكيم) جاء فيه : بأنه يجوز لأحد طرفي النزاع أن يلتجأ لقاضي الأمور المستعجلة لاستصدار أمر بالاطلاع على وثائق الشركة والحصول على نسخ منها، وهذا الإجراء هو مجرد تدبير تحفظي ، لا تأثير له على جوهر النزاع المعروض على قضاء التحكيم .

ونختم بالنسبة لهذا الاتجاه أن هناك صعوبة بشأن توزيع الاختصاص بين محكمة التحكيم والقضاء الوطني، ويتعقد الأمر لما تقوم كل جهة بممارسة نفس التدبير في وقت واحد.

ثانيا : هناك اتجاه يدافع عن اختصاص محاكم التحكيم للبت في التدابير الوقتية، ويعتمد في ذلك على إرادة الأطراف التي منحت المحكمة التحكيمية سلطة البت في موضوع النزاع، وفي باب أحرى سلطة البت في جانبه الوقتي والتحفظي، تفاديا لتفاقم النزاع إن توفرت حالة الاستعجال.

والملاحظ أن هذا الاتجاه ينطوي على نوع من التعارض بين البت في جوهر النزاع الذي يتولاه المحكم، وبين التدابير الوقتية التي لها قواعد خاصة بقضاء الدولة الاستعجالي، ويتجلى التعارض أكثر في رغبة الأطراف في الابتعاد عن القضاء، ورغبتهم كذلك في الاستفادة من الإجراءات التحفظية والوقتية .

غير أن هذا الاتجاه تبقى محدوديته واضحة على اعتبار أن هناك عدة إجراءات وقتية وتحفظية لا يستطيع المحكم إصدارها ولو اتفق الأطراف على إسناد الاختصاص له بشأنها ، إما لتعلقها بالغير، أو لأنها تتطلب سلطة  الإجبار القاصرة على الدولة .

ثالثا : هناك اتجاه يدافع عن خضوع الفصل في التدابير الوقتية لمبدأ الاختصاص المشترك بين المحكمة التحكيمية ومحاكم قضاء الدولة الرسمي، ونظرا لأهمية هذا الاتجاه سنسلط الضوء عليه في تعريف بفكرة الاختصاص المشترك (فصل أول) وفي قيود الاختصاص المشترك (فصل ثان) ، وأهمية الاختصاص المشترك (فصل ثالث) وموقف التشريعات المختلفة من الاختصاص المشترك (فصل رابع) وموقف العمل القضائي (فصل خامس) وطبيعة وتنفيذ الأحكام التحكيمية  موضوع الأوامر التنفيذية والوقتية (فصل سادس).

الفصل الأول : فكرة الاختصاص المشترك :

لقد تنامت فكرة الأخذ باختصاص محكمة التحكيم بجانب اختصاص قضاء الدولة، وفي هذا المنحى يمكن للأطراف الحصول من محاكم الدولة على التدابير الوقتية والتحفظية ، رغم قيام اتفاق التحكيم، ودون حصول تنازل عن هذا الاتفاق ، كما تقضي بذلك المادة السابعة من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي للجنة الأمم المتحدة، والمادة الثامنة من لائحة التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية بباريس، والمادة 26 من لائحة التحكيم الدولي (2).

وفضلا عما ذكر، فإنه يترتب عن إعمال مبدأ الاختصاص المشترك قيام المحكمين أنفسهم بالبت في الإجراءات الوقتية والتحفظية .

وإن كانت التشريعات القديمة تمنح الاختصاص في هذا الأمر لمحاكم الدولة وحدها، فإن بعض القوانين الحديثة أصبحت تمنح للمحكم الاختصاص للبت في الإجراءات الوقتية والتحفظية، منها القانون السويسري الجديد في مادته 103، والقانون النموذجي للتحكيم الصادر عن لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري، والمشرع الهولاندي في المادة 1022 من قانون المسطرة المدنية بتاريخ 02/07/1986 والقانون المغربي للتحكيم المؤرخ في 30/11/2007، الذي نص في الفقرة الأولى من الفصل 327 -15على انه: " يجوز للهيأة التحكيمية، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك، أن تتخذ بطلب من أحد الأطراف كل تدبير مؤقت أو تحفظي تراه لازما في حدود مهمتها"وينص الفصل 327-1 على انه:                                                                          " لا يمنع اتفاق التحكيم أي طرف من اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها لطلب اتخاذ أي إجراء وقتي أو تحفظي وفقا للأحكام المنصوص عليها في هذا القانون، ويجوز التراجع عن تلك الإجراءات بالطريقة ذاتها ".

 الفصل الثاني : قيود الاختصاص المشترك :

هناك قيدان، احدهما مستمد من إرادة الأطراف، وثانيهما مصدره اختصاص المحاكم .

-  فبالنسبة للقيد الناتج عن إرادة الأطراف، يتجلى في أن هؤلاء قد يتفقوا على استبعاد البعض من الإجراءات الوقتية والتحفظية عن نظر المحكمين، ويشيروا إلى قصر نظرها على محاكم الدولة، كما انه قد يتفق الأطراف على منع اللجوء للمحاكم لاستصدار الأوامر التحفظية والوقتية طوال سريان فترة التحكيم ، غير أن هناك من يرى انه لا يجوز الاتفاق على استبعاد اختصاص قاضي الأمور المستعجلة الذي يعد من النظام العام لكون اختصاص هذا الأخير لا يمس ما يمكن أن تقضي به محكمة التحكيم التي ليس لها سوى نظر موضوع الحق وليس إجراءاته الوقتية والتحفظية التي لا يسعفها القانون في الاستئثار بنظرها ، فضلا عن أن سلطة الجبر التي تملكها الدولة لتنفيذ تلك الإجراءات تعوز قضاء التحكيم .

(2) من كتاب مدى اختصاص القضاء الوطني باتخاذ الاجراءات الوقتية والتحفظية لمؤلفته الدكتورة حفيظة السيد الحداد ص 17 .

- وبالنسبة للقيد الناتج عن اختصاص محاكم الدولة بشأن تنفيذ الأحكام، فإنه بمقتضى ما ذكر لا يجوز لقضاء التحكيم تنفيذ الأحكام الصادرة عنه سواء كانت وطنية أو أجنبية ، وهي وضعية مستمدة من المبادئ العامة للتحكيم، وتجري حتى على قواعد تحكيم المركز الدولي لحل النزاعات الناشئة عن الاستثمار .

   الفصل الثالث : أهمية الاختصاص المشترك :

يتميز هذا الاتجاه بقدرته على الإحاطة بجميع عناصر النزاع بغية الوصول لحل عادل له دون أن تعترضه أية عراقل، إذ انه بالإضافة إلى أن قضاء التحكيم هو المختص بنظر موضوع النزاع، فإنه لما تطفو على سطحه بعض الإجراءات التي تتطلب حلولا وقتية أو تحفظية، يجوز للمحكمين سد هذا الفراغ كما يتأتى ذلك لقضاء الدولة  الرسمي.

ورغم  هذه الايجابيات، فمن هي الجهة الأكثر قدرة على كفالة الإجراء الوقتي تقريرا وتنفيذا حماية للطرف الأكثر تضررا والأجدر بالحماية ؟ .





غير انه يمكن استخلاص النتائج التاليــة :

1.   يختص قضاء الدولة الاستعجالي وحده بالبت في الطلبات الوقتية والتحفظية، لما لا يكون في إمكان طالب الإجراء الحصول عليه بعد تكوين محكمة التحكيم لسبب من الأسباب المعتبرة، ولما لا يكون قد تم تكوينها .

2.   تختص محكمة التحكيم وحدها بالبت في الطلبات الوقتية والتحفظية بعد تكوين محكمة التحكيم، عدا لما يتطلب الأمر سلطة الجبر، بسبب رفض الخصم أو الغير، أو لما يتعلق الأمر بتنفيذ للإجراء خارج الدولة التي يجلس بها المحكمون.

3.   لما ينعقد الاختصاص لمحكمة التحكيم لاتخاذ الإجراءات التحفظية والوقتية ، يلزم قانونا اشفاع التدبير المتخذ بالأمر بالتنفيذ الصادر عن قضاء الدولة في حالة امتناع احد الأطراف .

الفصل الرابع : موقف التشريعات من الاختصاص المشترك  :

- قانون الوفاق السويسري : ينص في المادة 26/1 منه على أن: "السلطات الوطنية هي التي تختص وحدها باتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية ، وان الأطراف يمكنهم فقط الخضوع إراديا للإجراءات الوقتية المقترحة من محكمة التحكيم، ويمكن للمحكمين أن يعلنوا عدم اختصاصهم للأمر بالإجراءات الوقتية ".

- القانون اليوناني : ينص في المادة 685 من قانون المسطرة المدنية على أن : "القضاء المستعجل هو الذي يختص وحده باتخاذ الإجراءات الوقتية" وتنص المادة 889/1 من نفس القانون على انه: "لا يجوز للخصوم باتفاقهم على التحكيم، الخروج عن هذه القاعدة ، كما لا يملك المحكمون تعديل أو إلغاء أي إجراء وقتي سبق للقضاء أن اتخذه ".

- القانون الايطالي : ينص في المادة 218 على انه: "لا يجوز للمحكمين أن يأذنوا باتخاذ المحجوز ولا أية إجراءات تحفظية أخرى".

- القانون الدولي الخاص السويسري : نص في الفقرة  الأولى للمادة 183 على انه: "ما لم يوجد اتفاق مخالف للأطراف، فإن لمحكمة التحكيم إصدار الأوامر الوقتية والتحفظية بناء على طلب احد الأطراف" ونص في فقرتها الثانية على انه : " في حالة عدم الخضوع الإرادي من الطرف الصادر في مواجهته الأمر الوقتي أو التحفظي من قبل محكمة التحكيم، فإن هذه الأخيرة يمكنها أن تطلب مساعدة القضاء المختص الذي يقوم بتطبيق قانونه، ولمحكمة التحكيم أو للمحكمة المختصة أن تشترط في منحها الإجراءات الوقتية أو التحفظية أن يقوم الطرف طالب الإجراء بتقديم ضمانة  أو كفالة مناسبة ".

- القانون البلجيكي : ينص في مادته 1679/2 على إمكانية لجوء الخصوم إلى القضاء الوطني لاتخاذ إجراءات وقتية، دون أن يكون هذا الاختصاص قاصرا على القضاء لوحده .

- القانون الكويتي : يسير في نفس اتجاه القانون البلجيكي (المادة 173/6)

- القانون المصري : أجازت مادته 14 للمحكمة المختصة أن تأمر بناء على طلب احد طرفي التحكيم باتخاذ الإجراءات المؤقتة والتحفظية ، سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم، أو أثناء سيرها، وأجازت كذلك للطرفين الاتفاق على أن يكون لمحكمة التحكيم بناء على طلب احدهما صلاحية توجيه أمر إلى أي منهما لاتخاذ ما تراه مناسبا من تدابير مؤقتة أو تحفظية حسب طبيعة النزاع، وان تطلب تقديم ضمان كاف لتغطية نفقات التدبير الذي تأمر به، فإن تخلف من صدر عليه الأمر عن تنفيذه، جاز لمحكمة التحكيم بناء على طلب أن تأذن للطرف المستفيد من الإجراء باتخاذ الإجراءات  اللازمة لتنفيذه دون الإخلال بحقه في أن يطلب من رئيس المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع إصدار الأمر بالتنفيذ (المادة 24/2).

- التشريع التونسي : نصت المادة 54 من مجلة التحكيم التونسي على انه :        "لا يعتبر متناقضا مع اتفاق التحكيم أن يطلب احد الأطراف قبل بدء إجراءات التحكيم أو أثناءها من القاضي الاستعجالي أن ينفذ إجراء وقتيا وقائيا، وللقاضي الاستعجالي أن يتخذ وسيلة وقتية بناء على هذا الطلب ".

- القانون الألماني : ينص في المادة 1033 من قانون 22 دجنبر 1997 على أن: "تقديم طلب للمحكمة من أحد الأطراف قبل أو أثناء سريان مسطرة التحكيم بهدف الحصول على إجراءات وقتية أو تحفظية ، ومنح هذه الإجراءات من المحكمة لا يتنافى مع قيام اتفاق التحكيم " وتمنح المادة 1041 من نفس القانون الاختصاص للمحكم من اجل الأمر بالإجراءات الوقتية ، كما تتيح للطرف المعني تقديم طلب للقاضي الوطني والأمر بتنفيذ أمر المحكم، ويمكن للقاضي في هذه الظروف تغيير صيغة الأمر المقضي به إذا كان ذلك ضروريا لتنفيذه، ويظل القاضي مختصا –لاحقا- لإبطال أو تغيير قراره .

- القانون الجزائري : تنص المادة 458 مكرر على أن : " لمحكمة التحكيم السلطة في أن تأمر باتخاذ إجراءات وقتية أو تحفظية بناء على طلب احد الأطراف " .

- القانون النمساوي : تمنح المادة 589 من قانون المسطرة المدنية الإذن للمحكم في المطالبة بمساعدة قاضي الدولة بشأن جميع الأوامر التي يكون المحكم غير مؤهل لاتخاذها.

- القانون المغربي : نص الفصل 327/1 على انه: " لا يمنع اتفاق التحكيم أي طرف من اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة سواء قبل البدء في إجراءات  التحكيم أو أثناء سيرها لطلب اتخاذ أي إجراء وقتي أو تحفظي وفقا للأحكام المنصوص عليها في هذا القانون. ويجوز التراجع عن تلك الإجراءات بالطريقة ذاتها" ونص الفصل 327/15 على انه: " يجوز للهيئة التحكيمية، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك، أن تتخذ بطلب من احد الأطراف، كل تدبير مؤقت أو تحفظي تراه لازما في حدود مهمتها. إذا تخلف من صدر إليه الأمر عن تنفيذه ، يجوز للطرف الذي صدر الأمر لصالحه الالتجاء إلى رئيس المحكمة المختصة بقصد استصدار أمر بالتنفيذ ".

- نظام اليونسترال : تنص المادة 26 على ما يلي :

1.   يمكن للمحكمة التحكيمية بطلب من  أحد الأطراف أن تتخذ جميع الإجراءات الوقتية التي تراها ضرورية لموضوع النزاع، سيما الإجراءات التحفظية بخصوص البضاعة المتنازع حولها عبر الأمر بوضعها بمستودع بين يدي الغير وبيع المواد  القابلة للتلف .

2.   يمكن أن تتخذ هذه الإجراءات الوقتية طابع حكم تحكيمي، ويمكن للمحكمة التحكيمية المطالبة بكفالة لتغطية الصوائر المترتبة عن هذه الإجراءات .

3.   يجب عدم اعتبار طلب الحصول على إجراءات وقتية مقدم من أحد الطرفين إلى سلطة قضائية ، بأنه يتنافى مع اتفاق التحكيم أو بمثابة تخلي عن التمسك به.

الملاحظ من الاطلاع على النصوص القانونية السالفة الذكر أن اغلبها ينحو لخلق تعاون بين القضاءين التحكيمي والرسمي في مادة الإجراءات التحفظية والوقتية من خلال تمكين الخصوم من حق اللجوء للقضاء الوطني لاتخاذ هذه الإجراءات، دون أن يكون هذا الاختصاص قاصرا على القضاء لوحده، وإنما يمكن اتخاذه حتى من طرف المحكمين .

ثم انه لا وجود لما يمنع من اتخاذ المحكمين لإجراءات تحفظية عند إصدار أحكامهم بغية ضمان تنفيذها كإشفاعها بغرامة تهديدية عدا إن حال اتفاق عقدي دون ذلك .

ويجوز لهم استجواب شاهد بعد أداء اليمين، أو استدعائه تحت طائلة غرامة تهديدية أو طلب المساعدة لتنفيذ أمر استعجالي .

الفصل الخامس : موقف العمل القضائي من الاختصاص المشترك  :

- القضاء الفرنســي : في نزاع نشب بين جمهورية الكونغو والشركة الوطنية للبترول من جهة وشركة طوطال فينا ايلف الكونغو من جهة أخرى، وعلى إثر اتفاق الطرفين على إسناد البت في نزاعهما لغرفة التحكيم الدولية وبمناسبة اتخاذ إجراءات وقتية، أصدرت هذه الأخيرة في نطاق نظامها الاستعجالي إجراءا تحفظيا ، اعتبرت محكمة الاستئناف بباريس بمقتضى قرارها الصادر بتاريخ 29/4/2003 بأن هذا الأمر التحفظي الصادر لا يعد حكما تحكيميا (1).

- القضاء المغربــي : في قرار عدد 1905 صادر سنة 1973 في الملف عدد 47342 (2) اعتبرت محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، أن قاضي الأمور المستعجلة يبقى مختصا بإصدار الأمر بمواصلة البناء حماية لمصالح الطرفين ، رغم كون النزاع معروضا في جوهره على محكمة  التحكيم بلاهاي .

وصدر قرار عن المجلس الأعلى المغربي تحت عدد 726 بتاريخ 21/5/2008 في الملف عدد 782/3/1/2006 (يتعلق بنزاع صدر في ظل قانون المسطرة المدنية الملغى الذي لم يكن ينظم اتخاذ الإجراءات الوقتية والتنفيذية بالنسبة للقضايا المنظورة من طرف قضاء التحكيم) جاء فيه : بأنه يجوز لأحد طرفي النزاع أن يلتجأ لقاضي الأمور المستعجلة لاستصدار أمر بالاطلاع على وثائق الشركة والحصول على نسخ منها، وهذا الإجراء هو مجرد تدبير تحفظي لا تأثير له على جوهر النزاع المعروض على قضاء التحكيم.

الفصل السادس: طبيعة الأحكام التحكيمية الوقتية وقابليتها للتنفيذ  :

هناك من يضفي على التدبير التحفظي الصادر  عن المحكمة التحكيمية صفة الحكم التحكيمي، وهناك من يعتبره أمرا تحكيميا .

فبالنسبة للائحة التحكيم الدولية (صيغة 1998) نصت مادتها 23 على أن الإجراءات المتخذة بمقتضى هذه المادة تصدر في شكل أوامر معللة ، وعند الاقتضاء في شكل حكم تحكيمي حسبما تراه محكمة التحكيم مناسبا وهو ما يستفاد منه الطبيعة المزدوجة للإجراء التحكيمي الاستعجالي.

أما قانون التحكيم الهولندي المعروف بتميزه في هذه المادة ، فقد نص في مادته 1051 على أن: "الأحكام التحكيمية في مادة المستعجلات لها قوة  الحكم التحكيمي".

(1) (1) Alexis Mourre : Référé pré-artbitral de la CCI- Gazette du palais-Mai-Juin 2003 Page 1484                   

(2) مشار إليه في رسالة الدكتور عبد الله درميش في رسالته لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص بكلية الحقوق بالدارالبيضاء في موضوع التحكيم الدولي في المواد التجارية صفحة 226-227.

بينما القانون النموذجي للجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية CNUDCI فهو ينص في المادة 26/1 على أن: "الإجراءات الوقتية يمكن أن تصدر في شكل طابع حكم تحكيمي أو وقتي"، ونفس الموقف يقرره أيضا نظام التحكيم للمنظمة العالمية للملكية الأدبية، غير أن القانون السويسري لا يعطي للمقرر التحكيمي الوقتي أو التحفظي طابع حكم تحكيمي.

من جهة أخرى واستنادا لمعيار خرق التزام تعاقدي ، فإنه يجوز للمحكم كلما توفر وجود خرق واقعي أو مرتقب الوقوع لالتزامات تعاقدية (كطلب عدم تقديم كفالة بنكية خلال سريان الحكم) أن يصدر حكما تحكيميا ولو أن للإجراء أثرا محدودا في الزمان حسب مدلول معاهدة نيويورك.

ومتى تغيب الالتزام التعاقدي أساس الحصول على إجراء وقتي، فإنه يتعذر اتخاذ إجراء وقتي في شكل حكم تحكيمي حسب ما تتوخاه المعاهدة المذكورة، بينما يمكن أن يطلق عليه الوصف المذكور لو كان قانون الدولة موضوع الإجراء يكيفه بمثابة حكم تحكيمي، وفي هذه الحالة يكون قابلا للتنفيذ في هذا البلد، كما هو الحال بالنسبة للقانون الهولاندي المتميز.

وفي غير الحالتين المذكورتين يخلع على المقرر التحكيمي وصف أمر ، وبذلك لا تسدل عليه الصيغة التنفيذية كما لو انه حكما تحكيميا بمفهوم المعاهدة أو قانون دولة انعقاد التحكيم ، ولو منحه الأطراف تبعا للاتفاق صفة الحكم التحكيمي .

فصل ختامــي :

إن أهمية هذا الموضوع تظهر بارزة للعيان في تزايد المقررات الصادرة في ميدان الإجراءات الوقتية والتحفظية، وما يتطلبه ذلك من مواكبة للتشريعات الوطنية واللوائح ذات الصلة، وبروز دور فعال لقضاء الدولة لدعم تنفيذ هذه الأحكام التحكيمية الاستعجالية .

وما يجب لفت النظر إليه هو أن الاعتراف لقضاء الدولة بمنح الإجراءات التحفظية والوقتية رغم وجود اتفاق التحكيم، لا يعني إنكاره، وإنما يفيد أن هناك دعما مستمرا من طرف قضاء الدولة لقضاء التحكيم، لمجابهة حالة الضرورة القصوى المتجلية في حدوث خطر عاجل أو حالة اعتداء مادي تتطلب تدخلا للقاضي ، فلا يمكنه أن يرفضه لوجود اتفاق تحكيم، وإلا نعت بارتكابه لإنكار العدالة .

وإضافة لهذا الدور الفعال لقضاء الدولة من اجل حسن سير قضاء التحكيم، فإن هذا الأخير تزايد تدخله في مضمار النزاعات الناشئة عن إبرام عقود التجارة الدولية، وبرهن على نجاح معترف به، بإصداره لأوامر استعجالية ذات الصلة بمنتجات التكنولوجيا والتطبيقات العلمية والصيدلية والإعلاميات والمنافسة غير المشروعة والملكية الأدبية والطيران وغيرها، واتسمت تلك الأوامر بالجدية والابتكار والمراقبة .

غير انه لابد من الإقرار أن هناك عقبة كؤودا تحول دون نمو هذا الميدان وازدهاره لما يتعلق الأمر بمسألة تنفيذ الأوامر التحفظية والوقتية الصادرة عن المحكم، وهو ما يجعلنا نميل للمطالبة بمراجعة مجموعة من القوانين الوطنية ولوائح التحكيم، خاصة قواعد تحكيم اليونسترال بضرورة النص على دعم قضاء الدولة المالك لسلطة الإجبار لقضاء التحكيم وصولا لتنفيذ أحكامه التحكيمية الوقتية والتحفظية .
المصدر: http://www.sejdm.com

تعليقات