دعاوي حيازه
possessory action - actions de possession
دعاوى الحيازة
دعاوى الحيازة
شفيق إسماعيل
أولاً- مفهوم الحيازة عموماً:
أورد القانون المدني الصادر في العام 1949 الأحكام العامة للحيازة بمفهومها العام بوصفها سبباً من أسباب كسب الملكية وذلك في الفقرة السادسة من الفصل الثاني منه الذي يبحث فيه في الحقوق العينية الأصلية المتفرع منها حق الملكية، وذلك تحت عنوان «أسباب كسب الملكية» مبتدئاً بالأحكام العامة في اكتساب الحقوق العينية العقارية وتسجيلها وانتقالها وسقوطها ليصل إلى الفقرة السادسة التي تبحث بها الحيازة وانتقالها وزوالها. وكان هذا البحث التشريعي في سورية سابقاً لصدور قانون أصول المحاكمات بأربع سنوات، لذلك اقتصر بحثه على المفهوم العام للحيازة مبتدأً بالمادة 907 مدني التي نفت أن تقوم الحيازة على عمل يأتيه شخص على أنه مجرد رخصة من المباحات أو عمل يتحمله الغير على سبيل التسامح، كما نفاه عن عمل واقع بالإكراه أو حصول الحيازة على نحو خفي أو الالتباس بأمرها قبل أن تزول هذه العيوب الواقعة للحيازة.
ولم يبحث القانون المدني في تعريف مجرد لهذه الحيازة، وإنما لامس هذا التعريف ملامسة في مطلع (المادة 917) مدني حيث جاء فيها:
(«من حاز» منقولاً أو عقاراً غير مسجل في السجل العقاري دون أن يكون مالكاً له أو حاز «حقاً عينياً» على منقول أو حقاً عينياً على عقار غير مسجل في السجل العقاري دون أن يكون هذا الحق خاصاً به كان له أن يكتسب الشيء أو الحق العيني إذا استمرت حيازته دون انقطاع خمسة عشر عاماً).
وبهذا المفهوم العام لموضوع الحيازة عدّ القانون أنها تقع على المنقول والعقار على حد سواء وعلى الحق العيني للمنقول والعقار غير المسجلين في السجل العقاري على أن يكسب ملكية هذا الحق مدة معيّنة إذا استمرت الحيازة مدة 15 سنة، ولكن هذا القول وحده لا يكفي لتعريف الحيازة التي تركها المشرع إلى الفقه كعادته.
عندما صدر قانون الأصول في العام 1953 - أي بعد أربعة أعوام من صدور القانون المدني - لم يفرد بحثاً خاصاً لتعريف الحيازة، وإنما اقتصر بحثه على الدعاوى التي تحمي الحيازة المقررة في القانون المدني وأحكامها، وذلك عند بحثه في الاختصاص النوعي لمحاكم الصلح إذ جعل هذا الاختصاص مطلقاً لمحكمة الصلح، ثم بحث بأنواعها، وهي منع التعرض ووقف الأعمال الجديدة واسترداد الحيازة؛ ليكرس القاعدة القانونية بعدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة والمطالبة بأصل الحق وإلا سقط الحق بدعوى الحيازة، ومنع الحكم في دعاوى الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه (المادة 73 أصول) لينتهي إلى إعطاء حق ممارسة هذه الدعاوى من قبل المستأجر وصاحب الامتياز والترخيص الثابت في الملك العام والمنتفع والمرتهن وذلك بصراحة أحكام المادة 74 أصول.
1- التعريف الفقهي للحيازة:
عرّف مشروع القانون المدني المصري الحيازة في إحدى مواده بأنها «وضع مادي يسيطر به الشخص سيطرة فعلية على شيء يجوز التعامل معه أو يستعمل به حقاً من الحقوق»، وقد ألغي هذا النص من المشروع في لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ المصري؛ لأنه تضمن تعريفاً عليه الصفة الفقهية. «أنطاكي صفحة 214 الطبعة 6 منشورات جامعة دمشق».
ورغم أن هذا التعريف مقتبس من المادة 854 من القانون المدني الألماني الآخذ بفكرة الحيازة المادية فإن حذفه لم يؤدِّ بالمشرع المصري إلى التخلي عن الفكرة المادية للحيازة؛ لأن ذلك لم يرد بأي نص من نصوص القانون المدني المصري تشير إلى هذا الرجوع، وظل متمسكاً بالفكرة المادية للحيازة، وأضاف إليها العنصر المعنوي لهذه الحيازة بالسماح للمستأجر بممارسة هذه الدعوى.
وقد عرّفها أحمد أبو الوفا بأنها «حالة واقعية تنشأ من سيطرة شخص على شيء أو على حق عليه بصفته مالكاً للشيء أو صاحب الحق عليه». «صفحة 136 الوسيط طبعة 4 لعام 1956».
كما عرّفها محمد حامد فهمي بأنها «انتفاع الإنسان بشيء أو بحق عليه انتفاعاً فعلياً ظاهراً فيه باعتباره مالك الشيء أو صاحب الحق عليه». «هامش الصفحة 136 من كتاب المرافعات المدنية للدكتور أحمد أبو الوفا طبعة عام 1956».
وقد عرّف القانون المدني الفرنسي الحيازة بأنها وضع اليد على شيء أو حق الانتفاع به سواء من قبل واضع اليد أو المنتفع بالذات أو من قبل شخص آخر يباشر هذه الحقوق باسم واضع اليد أو المنتفع. «مادة 2228، أنطاكي صفحة 214 طبعة 6 عام 1993».
2- عنصر الحيازة:
من مجمل هذه التعاريف يتبين أن للحيازة عنصرين رئيسين، هما:
الأول: العنصر المادي وهو السيطرة المادية على شيء يمكن تملكه.
الثاني: العنصر المعنوي، ويظهر هذا العنصر بظهور واضع اليد بمظهر صاحب الحق.
فإذا توافر هذان العنصران عدّت الحيازة قرينة على تملك هذا الحق؛ لذلك كان لابد للمشرع من حمايتها ومن ترتيب أثر مهم عليها، وهو التقادم المكسب، فإذا فقدت الحيازة عنصرها المعنوي (حالة الظهور بمظهر المالك)؛ فيعدّ مجرد وضع اليد حالة عرضية لا تؤدي إلى اكتساب الحق بالتقادم، وهذا ما يحقق المفهوم القانوني لأحكام المادة 907 من القانون المدني.
والحيازة التي قصد مشرع قانون الأصول حمايتها هي الحيازة الواردة بالمادة 917 وما بعدها من القانون المدني؛ لأنها تنص على حماية واضع اليد بصورة قانونية على عين العقار بشكل هادئ وعلني ومستمر بغاية الانتفاع به بحيث يظهر بمظهر المالك المادي لهذه العين دون أن يكون مالكاً لها بالسجل العقاري.
ولم يمنع الاجتهاد القضائي المستقر في سورية من ممارسة هذه الحماية من قبل المالك على الشيوع على شركائه إذا كانت المصلحة المشتركة أو مصلحة بعضهم تقضي هذه الحماية. «نقض 304 مجلة القانون لعام 1964 صفحة 548».
كما ذهب الاجتهاد إلى أن مالك الحصة الشائعة يملك الحق باسترداد الحيازة من واضع اليد، ولا يتوقف ذلك على موافقة جميع الشركاء. «نقض 1821لعام 1955 مجلة القانون صفحة 623».
وذهبت محكمة النقض المصرية الاتجاه نفسه قائلة: «للمالك على الشيوع أن يدفع تعرض الشركاء صوناً لحيازته. «نقض مصرية في 16 ديسمبر» هامش صفحة 142 للباحث رمزي سيف في وسيطه الطبعة السابعة 567».
3- أهمية التفريق بين دعاوى الحيازة وأصل الحق:
لاشك أن دعاوى الحيازة هي نتيجة طبيعية لتقسيم الدعاوى العقارية بين دعاوى تتعلق بأصل الحق وبين دعاوى الحيازة. فدعوى أصل الحق هي التي تحمي حق الملكية وجميع الحقوق العينية الأخرى من كل اعتداء يقع عليها كدعاوى الاسترداد والدعاوى التي تهدف إلى تقرير حق ارتفاق على عقار والدعوى التي تنصب على إنهاء حق عيني مدعى به على عقار، أما دعاوي الحيازة فهي التي تحمي حيازة العقار من قبل مالكه أو واضع اليد عليه بطريقة مشروعة.
ويظهر أهمية هذا التفريق بين هذين النوعين من الدعاوى بما يلي:
أ- من جهة الاختصاص:
فالاختصاص النوعي للمحاكم في ملكية أصل الحق يخضع للقواعد العامة المنصوص عليها في قواعد الأصول، وذلك بحسب قيمة المال المتنازع عليه، فإذا كانت قيمته أقل من عشرة آلاف ليرة سورية؛ فإنه يكون من اختصاص محاكم الصلح أما إذا زاد على ذلك فإنه يقع ضمن اختصاص محاكم البداية.
أما فيما يتعلق بدعاوى الحيازة فإنها من اختصاص قاضي الصلح مها بلغت قيمة المتنازع عليه وفق صراحة المادة 64 أصول.
ب- في المدة التي تقام فيها:
إن الادعاء بأصل الحق يبقى قائماً أمام القضاء ما لم ينقض هذا الحق بالتقادم الطويل «15 عاماً». أما دعاوى الحيازة على أنواعها الثلاثة فلا تسمع إلا خلال العام الذي يلي فقدانها، وذلك تحت طائلة عدم قبولها، وفي الحيازة الخفية يبدأ سريان السنة من وقت كشفه (المادة 65 فقرة أولى). وأجاز القانون ممارسة حق استرداد الحيازة لمن كان حائزاً لها بالنيابة عن غيره (المادة 66).
وذهب الاجتهاد القضائي إلى أن ميعاد السنة المحدد لإقامة دعاوى الحيازة هو ميعاد سقوط، وليس تقادماً فلا ينقطع بالمطالبة القضائية.
(نقض 1768 تاريخ 17/07/1958 مجلة القانون صفحة 438 لعام 1958).
وفي اجتهاد آخر «ميعاد المدعاة بدعوى استرداد الحيازة لا يطبق عليه أحكام التقادم».
(نقض 1660 تاريخ 25/06/1957 مجلة القانون صفحة 502 لعام 1957).
ج- في الأحكام التي تصدر في كل من الدعويين:
فالأحكام التي تصدرها المحاكم في دعاوى أصل الحق إذا كانت قيمتها أقل من عشرة آلاف ليرة يطعن بها بالاستئناف، وحكم هذه المحكمة التي يصدر بها مبرماً غير خاضع للطعن بالنقض، وإذا كانت قيمتها أكثر من عشرة آلاف ليرة سورية تكون خاضعة للطعن بالاستئناف؛ وقرار هذه المحكمة خاضعا للطعن بالنقض.
أما الأحكام الصلحية الصادرة بدعاوى الحيازة فإنها جميعاً خاضعة للطعن بالاستئناف، وقرار هذه المحكمة مبرماً غير خاضع لأي طريق من طرق الطعن؛ وذلك وفقاً لصراحة أحكام المادة 75 أصول فقرة «ب».
د- لجهة التنفيذ:
الأحكام الصادرة بالحيازة أجاز القانون فيها إعطاءها صفة النفاذ المعجل وفقاً لأحكام الفقرة الثانية من المادة 293 أصول. أما في الأحكام الصادرة بأصل الحق فإنها تخضع من حيث التنفيذ إلى القواعد العامة لتنفيذ الأحكام.
هـ- منع المشرع صراحة الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى أصل الحق:
تحت طائلة سقوط الادعاء بدعوى الحيازة، كما منع من جهة أخرى على القاضي الحكم بدعوى الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه وفقاً لصراحة أحكام المادة 73 أصول بفقرتيها1و2.
فإذا رفع المدعي دعواه بأصل الحق فلا يحق له عندئذ رفع دعوى الحيازة ولو كانت الدعوى الأولى مرفوعة إلى محكمة غير مختصة، على أنه يشترط في تطبيق هذا المبدأ أن تكون دعوى الحيازة قد نشأ الحق فيها قبل رفع الدعوى بأصل الحق، أما دعوى الحيازة التي ينشأ فيها الحق بعد رفع الدعوى فتبقى مسموعة.
ولكن هل يحق للمدعى عليه أن يرفع دعوى الحيازة بالاستناد إلى أصل الحق؟ ذهب الدكتور أنطاكي إلى أن القانون السوري سكت عن هذه الناحية في حين أن قانون المرافعات المصري نص صراحة في المادة (48) منه على أنه لا يجوز من المدعى عليه في دعوى الحيازة أن يدفعها بالاستناد إلى الحق، ولا تقبل دعواه بالحق قبل الفصل في دعوى الحيازة وتنفيذ الحكم الذي يصدر فيها إلا إذا تخلى عن الحيازة لخصمه «أنطاكي صفحة 213».
وإذا كان القانون السوري لم ينص صراحة على عدم جواز تمسك المدعى عليه بأصل الحق في دعوى الحيازة المرفوعة ضده؛ فإن نص الفقرة الثانية من المادة 73 أصول منعت على القاضي أن يحكم في دعوى الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه بمعنى أن المشرع منع على القاضي أن يتعرض لأصل الحق في موضوع دعوى الحيازة، وينجم عن ذلك أنه لا يجوز للقاضي أن يفحص المستندات المتعلقة بالحق إلى مستندات الملكية، ويبني حكمه على أساس هذه المستندات. وهذه الفقرة الواردة بالمادة (73) تنفي ما أشار إليه الباحث الأنطاكي بعدم وجود نص صريح في البحث بالدفع المتعلق بأصل الحق من قبل المدعى عليه بدعوى الحيازة؛ لأنه يمتنع على القاضي البحث بهذا الدفع فالتمسك به من قبل المدعى عليه مردود بحكم النص القانوني الصريح في الفقرة الثانية من المادة 73 أصول.
ثانياً- الأحكام المشتركة لدعاوى الحيازة:
إن لدعاوى الحيازة أحكاماً مشتركة رغم أن كل واحدة منها تتصف بصفات خاصة بها، وهي:
1- دعاوى الحيازة هي دعاوى عينية عقارية:
فهي عينية رغم أنها تستند إلى الحيازة، ولكنها تستهدف الحق بطريق غير مباشر؛ لأن الحيازة بالأصل قرينة على حق التملك، فحائز العقار يعدّ مبدئياً صاحبه إلى أن يثبت العكس، ودعاوى الحيازة هي دعاوى عقارية لأنها تقع على عقار ولا تقع على منقول؛ لأن العقارات تتميز من الحق نفسه، فقد يكون الحق لشخص، وتكون الحيازة لشخص آخر. أما في المنقولات فالحيازة تختلط بالحق، ولا تنفصل عنه إلا نادراً، لذلك لم يحمِ المشرع حيازة المنقول وفقاً لقاعدة حيازة المنقول سند الملكية.
وحكمة حماية الحيازة بدعاوى خاصة لأنه يحمي الحيازة بحد ذاتها بصرف النظر عن كون الحائز صاحب حق بالعقار أم لا، وقد يبدو الأمر غريباً حماية الغاصب ضد صاحب الحق، ولكن تزول هذه الغرابة لأن الحيازة قرينة على الملكية وأن حمايتها أيسر من حماية الحق نفسه، وبالتالي فإن حمايتها هي حماية للأمن والنظام العام لأن الاعتداء عليها هو اعتداء على الأمن العام، لذلك حماها المشرع بدعاوى خاصة تفيد صاحب الحيازة، ولا تتعرض لصاحبها إن لم يكن هو الحائز، ولا تتعرض لحقوقه.
2- الحيازة المحمية بالقانون يجب أن تكون قانونية:
وهي السيطرة الفعلية على الشيء أو استعماله لحق عيني باعتباره مالكاً لهذا الحق أو صاحبه. وللحيازة كما ذهب الفقهاء عنصرين أساسيين:
أولهما مادي: وهو القائم على وضع اليد الذي يخول صاحبه القيام بأعمال مادية يقوم بها عادة مالك الشخص أو صاحب الحق من سكن أو زراعة حسب طبيعة هذا الشيء، وهذه الأعمال المادية هي التي تحمل على اعتقاد أن من يقوم بها هو صاحب الحق على الشيء الذي تقع عليه.
ثانيهما معنوي: وهو نية الحائز في استعمال الشيء أو الحق باعتباره مالكه أو صاحبه، وتُستفاد هذه النية من ظهور الحائز بمظهر مالك الشيء أو صاحب الحق العيني عليه، أما إذا لم يكن وضع اليد بنية التملك كانت الحيازة عرضية وغير محمية بدعاوى الحيازة؛ ذلك لأن الحيازة المحمية بالقانون هي الحيازة القانونية وليست الحيازة العرضية.
3- الحيازة المحمية بالقانون يجب أن تكون ظاهرة وواضحة وهادئة:
فهي يجب أن تكون ظاهرة بحيث يمكن أن يراها ويعلمها من يحتج عليه بالحيازة حتى يبادر بالمنازعة فيها. أما إذا كانت الحيازة خفية فلا تعدّ قرينة على الملكية، ويجب أن تكون واضحة بمعنى ألا يكون فيها لبس أو غموض. كما يجب أن تكون هادئة؛ أي لا تكون قد اكتسبت بعمل من أعمال العنف المادي أو الإكراه الأدبي؛ لأن استعمال العنف والإكراه من جانب من يحتج عليه بالحيازة ينفي عنه قرينة الملكية. وهذه الشروط تشير إليها المادة 907 من القانون المدني التي نفت صراحة قيام الحيازة دون توافرها بشروط الوضوح والظهور والهدوء.
4- يشترط أن يكون العقار أو الحق العيني موضوع الحيازة مما يمكن اكتساب ملكيته بمضي المدة:
ذلك لأن الحيازة المحمية بالقانون هي الحيازة المؤدية إلى الملكية بمضي المدة، لذلك لا تقبل دعاوى الحيازة على الحكومة بالنسبة إلى العقارات المقيدة من الأملاك العامة؛ لأن مثل هذه العقارات لا يجوز تملكها بمضي المدة. كذلك فإن دعاوى الحيازة لا تقع إلا على الحقوق التي تكتسب بالتقادم كحق الملكية وحق الانتفاع وحقوق الارتفاق الظاهرة، أما حقوق الارتفاق غير الظاهرة فلا تكتسب إلا بالتقادم، ولذلك لا يحمي الانتفاع بها بدعاوى الحيازة لأنها معيبة بالخفاء إلا إذا كانت باتفاق بين الخصوم أو نص القانون عليها.
5- يشترط أن تستمر الحيازة لمدة سنة:
بمعنى أن يكون رافع الدعوى قد حاز العقار قبل حصول التعرض له. وحكمة هذا الشرط أن الحيازة الجديرة بالحماية هي التي استمرت مدة يمكن أن يقال معها: إنها حالة مستقرة لا يصح الاعتداء عليها، وقد قدر المشرع هذه المدة بسنة على الأقل، واستثناها من دعوى استرداد الحيازة.
6- يشترط أن يقع تعرض للحائز في حيازته:
والتعرض هو كل عمل مادي أو قانوني يتضمن ادعاء ينطوي على منازعة للحائز في حيازته. فالتعرض المادي أن يقع فعل يجرد الحائز من حيازته للعين، أو يعطل الانتفاع بها تعطيلاً كلياً أو جزئياً، أما التعرض القانوني فهو كل إجراء قانوني يوجه ضد الحائز ينطوي على ادعاء بحق فيه إنكار للحيازة أو منازعة فيها.
7- يشترط أن ترفع الدعوى خلال سنة من حصول التعرض أو الفقدان:
وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 65 أصول التي قالت «بأن لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه». فإذا تراخى الحائز عن رفعها بعد أن تكون قد مضت سنة على حصول التعرض أو الفقدان؛ سقط الحق في رفع دعوى الحيازة، ولم يبق أمامه إلا أن يرفع دعوى للمطالبة بالحق إن شاء، ولا ارتباط بين هذا الشرط واستمرار الحيازة، ولا يشترط برافع الدعوى بالحق أن يكون حاز العقار مدة سنة. وبمضي سنة على حصول التعرض وسقوط الحق برفع دعوى الحيازة لا يكسب المتعرض الحق في حماية حيازته باستمراره حائزاً للعقار مدة سنة.
ويثير هذا الحق صعوبة في حالة ما إذا تعددت أفعال التعرض، فهل يبدأ حساب السنة من الفعل الأول أو من الفعل الأخير؟
8- عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة وأصل الحق:
وهي الخاصية المشتركة الأخيرة التي تختص فيها دعاوى الحيازة بمختلف أنواعها التي كرستها المادة 73 أصول التي نصت على أنه «لا يجوز للمدعي أن يجمع بين دعوى الحيازة وبين المطالبة بأصل الحق وإلا سقط ادعاؤه بدعوى الحيازة، ولا يجوز الحكم بدعوى الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه».
ثالثاً- أنواع دعاوى الحيازة:
1- دعوى وقف الأعمال الجديدة:
نصت المادة 71 من قانون الأصول في فقرتها الأولى على ما يلي:
«من حاز عقاراً واستمر حائزاً له سنة كاملة، وخشي لأسباب معقولة التعرض له من جراء أعمال جديدة تهدد الحيازة؛ كان له أن يرفع الأمر إلى محكمة الصلح طالباً وقف الأعمال هذه بشرط ألا تكون قد تمت، ولم ينقضِ عام على البدء في العمل الذي يكون من شأنه أن يحدث الضرر».
ويتضح من هذا النص أن دعوى وقف الأعمال الجديدة دعوى يرفعها حائز العقار أو حائز الحق العيني على العقار على من شرع في عمل لو تم لأصبح تعرضاً للحائز في حيازته، والغرض من هذه الدعوى ليس منع تعرض وقع بالفعل؛ وإنما تفادي التعرض قبل حصوله، ولذلك فإن هذه الدعوى تعدّ دعوى وقائية المصلحة فيها ليست قائمة على وقوع تعرض، وإنما احتمال وقوع هذا التعرض، ومثلها حالة ما إذا شرع جار في بناء حائط في ملكه لو تم بناؤه سد النور على مطل في عقار جاره، فيرفع هذا الجار الذي فيه المطل دعوى على جاره بوقف الأعمال في البناء.
وهذه الدعوى تختلف عن دعوى التعرض من حيث السبب؛ لأن دعوى وقف الأعمال لا تكون بسبب التعرض الذي لم يقع بعد، وإنما خشية وقوعه كما ورد بالنص، فتقام على سبب الخشية من وقوع التعرض، أما دعوى منع التعرض فتقوم على التعرض بعد وقوعه.
وقد تقوم دعوى وقف الأعمال على عقار المدعى عليه، وليس على عقار المدعي، لذلك فإن بعض القوانين المدنية لم تعدّ دعوى وقف الأعمال من دعاوى الحيازة؛ لأنها لا ترمي إلى حماية الحيازة؛ وإنما دعوى وقائية ترمي إلى تفادي ضرر مستقبلي يرفعها الحائز وغير الحائز.
وهي تختلف أيضاً عن دعوى التعرض من حيث سقوط الحق برفع الدعوى، فرفع الدعوى بوقف الأعمال الجديدة ينقضي بمضي سنة على بدء الأعمال أو بتمامها وصيرورته تعرضاً للحائز ولو لم يكن قد انقضى على البدء فيه سنة، وتنقضي دعوى منع التعرض بانقضاء السنة على وقوع هذا التعرض.
أضف إلى ذلك اختصاص المشرع هذا النوع من أنواع دعوى الحيازة بتقرير الكفالة، وهي ما نصت عليها الفقرة الثانية من المادة (71) على أن للقاضي أن يمنع استمرار الأعمال أو يأذن باستمرارها، وفي كلتا الحالتين يجوز للقاضي أن يأمر بتقديم كفالة مناسبة تكون في حالة الحكم بوقف الأعمال ضماناً عن الضرر الناشئ من هذا الموقف متى تبين بحكم نهائي أن الاعتراض على استمرارها كان على غير أساس، ويكون الحكم باستمرارها ضماناً لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها تعويضاً للضرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي في مصلحته.
واشتراط القانون لهذه الكفالة يجعل المشرع الإيطالي على حق بإخراج هذه الدعوى من عداد دعاوي الحيازة بحيث لم يبقَ من دعاوى الحيازة سوى دعويين، هما منع التعرض واسترداد الحيازة.
ويقر الباحث رمزي سيف في وسيطه أن القانون المصري أخذ هذه الدعوى من القانون الإيطالي بخطأ في فهم التعبير الإيطالي الوارد في القانون المدني الذي تضمن أن هذه الدعوى لا ترفع بقصد تفادي تعرض مستقبل وإنما لتفادي ضرر مستقبل. «وهي المادة (1171) من القانون المدني الإيطالي دون أن يلحظ أن القانون الايطالي لم يُدخل هذه المادة في عداد دعاوى الحيازة». (راجع وسيط، رمزي سيف في حاشية صفحة 149 الطبعة 7/1967/).
وربما أخذ المشرع السوري النص الوارد بالمادة 71 بفقرتيها من القانون المصري، وأدرجها في دعاوى الحيازة دون أن يلحظ المصدر الأصلي لها.
2- دعوى منع التعرض:
نصت المادة (70) من قانون الأصول على أن «من حاز عقاراً واستمر حائزاً له سنة كاملة، ثم وقع له تعرض في حيازته؛ جاز له أن يرفع خلال السنة التالية دعوى بمنع هذا التعرض».
ويُعتقد أن هذا النص وضع من قبل المشرع خصوصاً للتصرفات التي تقع على الأراضي الأميرية التي لا تتصرف بها الدولة والتي تقع تحت تصرف الأفراد والجائز ملكية التصرف بها، بدليل ما ورد بنص المادة التي سبقتها وهي المادة 69 التي نصت على أنه في المناطق التي جرى فيها معاملات التحديد والتحرير لمالك الحق العيني المسجل بالسجل العقاري أن يرفع استرداد الحيازة دون التقيد بالشروط المنصوص عليها في المواد السابقة. (مراجعة المادة921 من القانون المدني).
ومعنى هذا أنه قد صان قيود السجل العقاري من العبث بها، ومنع تملكها بطريق التقادم، ووضع قيوداً أخرى لتملكها نص عليها القانون المدني في المادة (825) منه.
وعلى هذا خروج الملكية المسجلة في السجل العقاري من دائرة الملكية بالحيازة جعل لها أوضاعاً خاصة بها فلم يبقَ لدعاوى الحيازة من منعها للتعرض والاسترداد ضمن الشروط التي رسمها القانون لها إلا الأراضي القابلة للتصرف فيها وغير المملوكة للأفراد بالسجل العقاري، لذلك فسوف يكون البحث في التعرض للتصرفات التي تقع على الأراضي القابلة للتملك عن طريق الحيازة من تعرض لهذه الحيازة ومن فقدانها وفق المادة 917 مدني.
وقد عرّف الفقهاء هذه الدعوى التي عدّوها من أهم دعاوى الحيازة لأنها ترفع في كل صور التعرض خلافاً لباقي دعاوى الحيازة التي لا ترفع إلا في صور خاصة من التعرض.
واشترط القانون والفقه لقبول دعوى منع التعرض الحيازة القانونية للمدعي للعقار باعتباره مالكاً له أو صاحب الحق العيني المعتدى عليه؛ وذلك بعنصريها المادي والمعنوي، ويجب أن تكون الحيازة المحمية بدعوى منع التعرض حيازة ظاهرة وواضحة وهادئة يمكن اكتساب ملكيتها بمضي المدة المنصوص عليها بالقانون المدني، وأن تستمر هذه الحيازة سنة على الأقل قبل حصول التعرض، وأن يقع التعرض عليه بعد هذه السنة من الملكية الهادئة المعلنة. والتعرض المقصود هنا هو كل تعرض مادي أو قانوني يتضمن ادعاء ينطوي على منازعة الحائز في حيازته. ويشترط لقبول هذه الدعوى أن تكون قد رفعت خلال سنة من وقوع التعرض، فإذا تراخى الحائز برفعها، ومضت هذه السنة سقط حقه بدعوى منع التعرض، وبالتالي فإن هذه الدعوى يجب أن تتوافر فيها جميع الشروط المشتركة لدعاوى الحيازة.
3- دعوى استرداد الحيازة:
نصت المادة (65 أصول) في فقرتها الأولى أن لحائز العقار إذا فقد حيازته أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه، ونصت الفقرة الثانية أنه إذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت كشفها، وأجازت المادة (66) أن يسترد الحيازة من كان حائزاً لها بالنيابة عن غيره.
من مجمل هذه الأحكام القانونية يتبين أن المشرع أجاز إقامة دعوى استرداد الحيازة من فاقدها ونائبه على حد سواء، هذا إذا كان الفقدان ظاهراً، وإذا كان الفقدان وقع خفية فقد جعل القانون بدء سريان السنة من وقت كشف هذا الفقدان. ولفاقد الحيازة أن يسترد هذه الحيازة من شخص لا يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل. والحيازة التي هي أحق بالتفضيل هي الحيازة التي تقوم على سند قانوني، فإذا لم يكن لدى أي من الحائزين سند أو تعادلت السندات كانت الحيازة الأحق هي الأسبق في التاريخ، وإذا فقدت بالقوة فللحائز في جميع الأحوال أن يسترد خلال سنة حيازته من المعتدي، وأعطى المشرع للحائز أن يسترد حيازته ممن انتقلت إليه الحيازة المفقودة ولو كان هذا الأخير حسن النية.
وقد جرى المشرع السوري بالتيسير على رافع دعوى استرداد الحيازة وتقديمها عن باقي دعاوى الحيازة، فلم يشترط أن يكون حائزها حائزاً لها حيازة قانونية، وإنما أباح رفعها من قبل الحائز لها حيازة عرضية كالمستأجر والمستعير كما أباح رفعها من الحائز الذي لم يمضِ على حيازته سنة، وبذلك رد المشرع دعوى الحيازة إلى وضعها بالقانون الكنسي الذي أُخذت عنه هذه الدعوى مع فارق واحد أن المشرع حصرها بالعقار فقط في حين كانت في القانون الكنسي تقع على العقار والمنقول، وبكل الأحوال فإن المشرع اشترط لقبول هذه الدعوى الشروط التالية:
أ- الحيازة: بمعنى أن تكون الحيازة ثابتة عند حصول الاعتداء، ولم يشترط المشرع أن يكون حائزاً بنية التملك وأن يكون قد مضى على هذه الحيازة سنة، وإنما يكفي أن يكون حائزاً حيازة مادية هادئة ظاهرة.
ب- فقدان هذه الحيازة: بمعنى الحرمان الكامل من الانتفاع بالعين، فكل تعرض للحائز دون الحرمان من الانتفاع لا يبرر مثل هذه الدعوى، ولا يقصد بفقدان الحيازة سلبها بالقوة والإكراه، وإنما يكفي أن يحصل ذلك على غير إرادة الحائز رغم اعتراضه نحو لا سبيل له إلى دفعه، ولذلك عدّ الاجتهاد في مصر أن سلب الحيازة نتيجة لتنفيذ حكم قضائي ليس الحائز طرفاً فيه؛ فيجوز لهذا الحائز اللجوء إلى دعوى استرداد الحيازة. «رمزي سيف ص 145 الحاشية».
ج- أن تقام دعوى الاسترداد خلال السنة التالية للفقدان: وتبدأ هذه المدة من تاريخ فقدانها، وإذا وقعت خفية فإنها تبدأ من تاريخ اكتشافها، ولا يجوز الجمع بين الحيازة والمطالبة بأصل الحق كما سبق أن تبيّن عند المقارنة بين الدعويين.
رابعاً- إجراءات دعوى الحيازة والحكم فيها:
إن المشرع حرص على حماية الحيازة باعتبارها قرينة للملكية، لذا أحاطها برعاية خاصة فجاءت دعاوي يسيرة الإجراءات وسهلة الإثبات. وجعل الاختصاص بشأنها محاكم الصلح مهما كانت قيمة المتنازع عليه، وأجاز للمدعي كما أوجب عليه أن يقتصر في دعواه على إثبات الحيازة فقط دون التعرض لإثبات الملكية أو البحث فيها مفترضاً أن المدعي مباشر الحيازة إنما يحوز لنفسه وبصورة لافتة باعتبار أن الحائز له حيازة مادية بصفة فردية، ويثبت الحيازة عادة باعتبارها واقعة مادية بالشهادة والقرائن، ولا رقابة لمحكمة النقض في تحقق شروطها. وإذا نجح المدعي بإثبات حيازته وإثبات وقوع التعرض قضت له المحكمة، وإذا لم ينجح قضت برفض دعواه، والحكم في كلتا الحالتين يقوم على وقائع قابلة للتعديل والتغيير أمام قاضي الموضوع الذي يقوم بالبحث والتحري بأساس النزاع والتحري في حقيقة التملك والحيازة، والأحكام التي تصدر في دعاوى الحيازة قابلة للاستئناف، وحكم محكمة الاستئناف فيها غير خاضع لأي طريق من طرق النقض.
1- سلطة قاضي الحيازة:
قارن الفقهاء بين سلطة قاضي الحيازة وسلطة قاضي الأمور المستعجلة، فقالوا: إن سلطة قاضي الحيازة بالنسبة إلى النزاع على الحق موضوع الحيازة تشبه سلطة قاضي الأمور المستعجلة بالنسبة إلى النزاع على الموضوع، فكما أن قاضي الأمور المستعجلة ممنوع من بناء حكمه في الإجراء المؤقت على أسباب تتعلق بموضوع النزاع فإن قاضي الحيازة ممنوع من بناء حكمه على أسباب تتعلق بموضوع الحيازة. (راجع المادتين 73 و78 من قانون الأصول).
2- حجية الحكم الصادر في دعاوى الحيازة:
الحكم الصادر بالحيازة لا يفصل بالحق، ولا يقوم على أسباب تتعلق بالحق، ويبنى على ذلك أن الحكم الصادر الذي يبنى على دعوى الحيازة سلباً أو إيجاباً لا يمنع من الالتجاء إلى القضاء بدعوى الحق كما أنه لا يعيّن المحكمة التي ترفع إليها دعوى الحق؛ وذلك لاختلاف كل من الدعويين سبباً وموضوعاً، فدعوى الحيازة تحمي الحيازة فقط دون التعرض للملكية، أما دعوى الملكية فتحمي أصل الحق وتفرعاته، ومنها الحماية للحيازة القانونية، فإن الحكم الصادر في دعوى استرداد الحيازة لا يحوز الحجية لتوفير الحيازة القانونية، فالحكم فيها لا يقيد حتماً حيازة حائز حيازة قانونية، ولا يمنع خصمه من ادعاء هذه الحيازة أمام محكمة الموضوع، ويثبتها عن طريق حق الملكية وتبعاً لها إذا ثبت أنه لم يتنازل عنها لخصمه في الدعوى.
مراجع للاستزادة:
- رزق الله أنطاكي، أصول المحاكمات المدنية (مننشورات الجامعة السورية، طبعة 3991).
- أحمد أبو الوفا، المرافعات المدنية (طبعة 9561).
- رمزي سيف، الوسيط في المرافعات (طبعة 9571).
- مجلة «القانون» الصادرة عن وزارة العدل بدمشق. .
- مجلة «المحامون» الصادرة عن نقابة المحامين.
المصدر: http://arab-ency.com
possessory action - actions de possession
دعاوى الحيازة
دعاوى الحيازة
شفيق إسماعيل
أولاً- مفهوم الحيازة عموماً:
أورد القانون المدني الصادر في العام 1949 الأحكام العامة للحيازة بمفهومها العام بوصفها سبباً من أسباب كسب الملكية وذلك في الفقرة السادسة من الفصل الثاني منه الذي يبحث فيه في الحقوق العينية الأصلية المتفرع منها حق الملكية، وذلك تحت عنوان «أسباب كسب الملكية» مبتدئاً بالأحكام العامة في اكتساب الحقوق العينية العقارية وتسجيلها وانتقالها وسقوطها ليصل إلى الفقرة السادسة التي تبحث بها الحيازة وانتقالها وزوالها. وكان هذا البحث التشريعي في سورية سابقاً لصدور قانون أصول المحاكمات بأربع سنوات، لذلك اقتصر بحثه على المفهوم العام للحيازة مبتدأً بالمادة 907 مدني التي نفت أن تقوم الحيازة على عمل يأتيه شخص على أنه مجرد رخصة من المباحات أو عمل يتحمله الغير على سبيل التسامح، كما نفاه عن عمل واقع بالإكراه أو حصول الحيازة على نحو خفي أو الالتباس بأمرها قبل أن تزول هذه العيوب الواقعة للحيازة.
ولم يبحث القانون المدني في تعريف مجرد لهذه الحيازة، وإنما لامس هذا التعريف ملامسة في مطلع (المادة 917) مدني حيث جاء فيها:
(«من حاز» منقولاً أو عقاراً غير مسجل في السجل العقاري دون أن يكون مالكاً له أو حاز «حقاً عينياً» على منقول أو حقاً عينياً على عقار غير مسجل في السجل العقاري دون أن يكون هذا الحق خاصاً به كان له أن يكتسب الشيء أو الحق العيني إذا استمرت حيازته دون انقطاع خمسة عشر عاماً).
وبهذا المفهوم العام لموضوع الحيازة عدّ القانون أنها تقع على المنقول والعقار على حد سواء وعلى الحق العيني للمنقول والعقار غير المسجلين في السجل العقاري على أن يكسب ملكية هذا الحق مدة معيّنة إذا استمرت الحيازة مدة 15 سنة، ولكن هذا القول وحده لا يكفي لتعريف الحيازة التي تركها المشرع إلى الفقه كعادته.
عندما صدر قانون الأصول في العام 1953 - أي بعد أربعة أعوام من صدور القانون المدني - لم يفرد بحثاً خاصاً لتعريف الحيازة، وإنما اقتصر بحثه على الدعاوى التي تحمي الحيازة المقررة في القانون المدني وأحكامها، وذلك عند بحثه في الاختصاص النوعي لمحاكم الصلح إذ جعل هذا الاختصاص مطلقاً لمحكمة الصلح، ثم بحث بأنواعها، وهي منع التعرض ووقف الأعمال الجديدة واسترداد الحيازة؛ ليكرس القاعدة القانونية بعدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة والمطالبة بأصل الحق وإلا سقط الحق بدعوى الحيازة، ومنع الحكم في دعاوى الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه (المادة 73 أصول) لينتهي إلى إعطاء حق ممارسة هذه الدعاوى من قبل المستأجر وصاحب الامتياز والترخيص الثابت في الملك العام والمنتفع والمرتهن وذلك بصراحة أحكام المادة 74 أصول.
1- التعريف الفقهي للحيازة:
عرّف مشروع القانون المدني المصري الحيازة في إحدى مواده بأنها «وضع مادي يسيطر به الشخص سيطرة فعلية على شيء يجوز التعامل معه أو يستعمل به حقاً من الحقوق»، وقد ألغي هذا النص من المشروع في لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ المصري؛ لأنه تضمن تعريفاً عليه الصفة الفقهية. «أنطاكي صفحة 214 الطبعة 6 منشورات جامعة دمشق».
ورغم أن هذا التعريف مقتبس من المادة 854 من القانون المدني الألماني الآخذ بفكرة الحيازة المادية فإن حذفه لم يؤدِّ بالمشرع المصري إلى التخلي عن الفكرة المادية للحيازة؛ لأن ذلك لم يرد بأي نص من نصوص القانون المدني المصري تشير إلى هذا الرجوع، وظل متمسكاً بالفكرة المادية للحيازة، وأضاف إليها العنصر المعنوي لهذه الحيازة بالسماح للمستأجر بممارسة هذه الدعوى.
وقد عرّفها أحمد أبو الوفا بأنها «حالة واقعية تنشأ من سيطرة شخص على شيء أو على حق عليه بصفته مالكاً للشيء أو صاحب الحق عليه». «صفحة 136 الوسيط طبعة 4 لعام 1956».
كما عرّفها محمد حامد فهمي بأنها «انتفاع الإنسان بشيء أو بحق عليه انتفاعاً فعلياً ظاهراً فيه باعتباره مالك الشيء أو صاحب الحق عليه». «هامش الصفحة 136 من كتاب المرافعات المدنية للدكتور أحمد أبو الوفا طبعة عام 1956».
وقد عرّف القانون المدني الفرنسي الحيازة بأنها وضع اليد على شيء أو حق الانتفاع به سواء من قبل واضع اليد أو المنتفع بالذات أو من قبل شخص آخر يباشر هذه الحقوق باسم واضع اليد أو المنتفع. «مادة 2228، أنطاكي صفحة 214 طبعة 6 عام 1993».
2- عنصر الحيازة:
من مجمل هذه التعاريف يتبين أن للحيازة عنصرين رئيسين، هما:
الأول: العنصر المادي وهو السيطرة المادية على شيء يمكن تملكه.
الثاني: العنصر المعنوي، ويظهر هذا العنصر بظهور واضع اليد بمظهر صاحب الحق.
فإذا توافر هذان العنصران عدّت الحيازة قرينة على تملك هذا الحق؛ لذلك كان لابد للمشرع من حمايتها ومن ترتيب أثر مهم عليها، وهو التقادم المكسب، فإذا فقدت الحيازة عنصرها المعنوي (حالة الظهور بمظهر المالك)؛ فيعدّ مجرد وضع اليد حالة عرضية لا تؤدي إلى اكتساب الحق بالتقادم، وهذا ما يحقق المفهوم القانوني لأحكام المادة 907 من القانون المدني.
والحيازة التي قصد مشرع قانون الأصول حمايتها هي الحيازة الواردة بالمادة 917 وما بعدها من القانون المدني؛ لأنها تنص على حماية واضع اليد بصورة قانونية على عين العقار بشكل هادئ وعلني ومستمر بغاية الانتفاع به بحيث يظهر بمظهر المالك المادي لهذه العين دون أن يكون مالكاً لها بالسجل العقاري.
ولم يمنع الاجتهاد القضائي المستقر في سورية من ممارسة هذه الحماية من قبل المالك على الشيوع على شركائه إذا كانت المصلحة المشتركة أو مصلحة بعضهم تقضي هذه الحماية. «نقض 304 مجلة القانون لعام 1964 صفحة 548».
كما ذهب الاجتهاد إلى أن مالك الحصة الشائعة يملك الحق باسترداد الحيازة من واضع اليد، ولا يتوقف ذلك على موافقة جميع الشركاء. «نقض 1821لعام 1955 مجلة القانون صفحة 623».
وذهبت محكمة النقض المصرية الاتجاه نفسه قائلة: «للمالك على الشيوع أن يدفع تعرض الشركاء صوناً لحيازته. «نقض مصرية في 16 ديسمبر» هامش صفحة 142 للباحث رمزي سيف في وسيطه الطبعة السابعة 567».
3- أهمية التفريق بين دعاوى الحيازة وأصل الحق:
لاشك أن دعاوى الحيازة هي نتيجة طبيعية لتقسيم الدعاوى العقارية بين دعاوى تتعلق بأصل الحق وبين دعاوى الحيازة. فدعوى أصل الحق هي التي تحمي حق الملكية وجميع الحقوق العينية الأخرى من كل اعتداء يقع عليها كدعاوى الاسترداد والدعاوى التي تهدف إلى تقرير حق ارتفاق على عقار والدعوى التي تنصب على إنهاء حق عيني مدعى به على عقار، أما دعاوي الحيازة فهي التي تحمي حيازة العقار من قبل مالكه أو واضع اليد عليه بطريقة مشروعة.
ويظهر أهمية هذا التفريق بين هذين النوعين من الدعاوى بما يلي:
أ- من جهة الاختصاص:
فالاختصاص النوعي للمحاكم في ملكية أصل الحق يخضع للقواعد العامة المنصوص عليها في قواعد الأصول، وذلك بحسب قيمة المال المتنازع عليه، فإذا كانت قيمته أقل من عشرة آلاف ليرة سورية؛ فإنه يكون من اختصاص محاكم الصلح أما إذا زاد على ذلك فإنه يقع ضمن اختصاص محاكم البداية.
أما فيما يتعلق بدعاوى الحيازة فإنها من اختصاص قاضي الصلح مها بلغت قيمة المتنازع عليه وفق صراحة المادة 64 أصول.
ب- في المدة التي تقام فيها:
إن الادعاء بأصل الحق يبقى قائماً أمام القضاء ما لم ينقض هذا الحق بالتقادم الطويل «15 عاماً». أما دعاوى الحيازة على أنواعها الثلاثة فلا تسمع إلا خلال العام الذي يلي فقدانها، وذلك تحت طائلة عدم قبولها، وفي الحيازة الخفية يبدأ سريان السنة من وقت كشفه (المادة 65 فقرة أولى). وأجاز القانون ممارسة حق استرداد الحيازة لمن كان حائزاً لها بالنيابة عن غيره (المادة 66).
وذهب الاجتهاد القضائي إلى أن ميعاد السنة المحدد لإقامة دعاوى الحيازة هو ميعاد سقوط، وليس تقادماً فلا ينقطع بالمطالبة القضائية.
(نقض 1768 تاريخ 17/07/1958 مجلة القانون صفحة 438 لعام 1958).
وفي اجتهاد آخر «ميعاد المدعاة بدعوى استرداد الحيازة لا يطبق عليه أحكام التقادم».
(نقض 1660 تاريخ 25/06/1957 مجلة القانون صفحة 502 لعام 1957).
ج- في الأحكام التي تصدر في كل من الدعويين:
فالأحكام التي تصدرها المحاكم في دعاوى أصل الحق إذا كانت قيمتها أقل من عشرة آلاف ليرة يطعن بها بالاستئناف، وحكم هذه المحكمة التي يصدر بها مبرماً غير خاضع للطعن بالنقض، وإذا كانت قيمتها أكثر من عشرة آلاف ليرة سورية تكون خاضعة للطعن بالاستئناف؛ وقرار هذه المحكمة خاضعا للطعن بالنقض.
أما الأحكام الصلحية الصادرة بدعاوى الحيازة فإنها جميعاً خاضعة للطعن بالاستئناف، وقرار هذه المحكمة مبرماً غير خاضع لأي طريق من طرق الطعن؛ وذلك وفقاً لصراحة أحكام المادة 75 أصول فقرة «ب».
د- لجهة التنفيذ:
الأحكام الصادرة بالحيازة أجاز القانون فيها إعطاءها صفة النفاذ المعجل وفقاً لأحكام الفقرة الثانية من المادة 293 أصول. أما في الأحكام الصادرة بأصل الحق فإنها تخضع من حيث التنفيذ إلى القواعد العامة لتنفيذ الأحكام.
هـ- منع المشرع صراحة الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى أصل الحق:
تحت طائلة سقوط الادعاء بدعوى الحيازة، كما منع من جهة أخرى على القاضي الحكم بدعوى الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه وفقاً لصراحة أحكام المادة 73 أصول بفقرتيها1و2.
فإذا رفع المدعي دعواه بأصل الحق فلا يحق له عندئذ رفع دعوى الحيازة ولو كانت الدعوى الأولى مرفوعة إلى محكمة غير مختصة، على أنه يشترط في تطبيق هذا المبدأ أن تكون دعوى الحيازة قد نشأ الحق فيها قبل رفع الدعوى بأصل الحق، أما دعوى الحيازة التي ينشأ فيها الحق بعد رفع الدعوى فتبقى مسموعة.
ولكن هل يحق للمدعى عليه أن يرفع دعوى الحيازة بالاستناد إلى أصل الحق؟ ذهب الدكتور أنطاكي إلى أن القانون السوري سكت عن هذه الناحية في حين أن قانون المرافعات المصري نص صراحة في المادة (48) منه على أنه لا يجوز من المدعى عليه في دعوى الحيازة أن يدفعها بالاستناد إلى الحق، ولا تقبل دعواه بالحق قبل الفصل في دعوى الحيازة وتنفيذ الحكم الذي يصدر فيها إلا إذا تخلى عن الحيازة لخصمه «أنطاكي صفحة 213».
وإذا كان القانون السوري لم ينص صراحة على عدم جواز تمسك المدعى عليه بأصل الحق في دعوى الحيازة المرفوعة ضده؛ فإن نص الفقرة الثانية من المادة 73 أصول منعت على القاضي أن يحكم في دعوى الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه بمعنى أن المشرع منع على القاضي أن يتعرض لأصل الحق في موضوع دعوى الحيازة، وينجم عن ذلك أنه لا يجوز للقاضي أن يفحص المستندات المتعلقة بالحق إلى مستندات الملكية، ويبني حكمه على أساس هذه المستندات. وهذه الفقرة الواردة بالمادة (73) تنفي ما أشار إليه الباحث الأنطاكي بعدم وجود نص صريح في البحث بالدفع المتعلق بأصل الحق من قبل المدعى عليه بدعوى الحيازة؛ لأنه يمتنع على القاضي البحث بهذا الدفع فالتمسك به من قبل المدعى عليه مردود بحكم النص القانوني الصريح في الفقرة الثانية من المادة 73 أصول.
ثانياً- الأحكام المشتركة لدعاوى الحيازة:
إن لدعاوى الحيازة أحكاماً مشتركة رغم أن كل واحدة منها تتصف بصفات خاصة بها، وهي:
1- دعاوى الحيازة هي دعاوى عينية عقارية:
فهي عينية رغم أنها تستند إلى الحيازة، ولكنها تستهدف الحق بطريق غير مباشر؛ لأن الحيازة بالأصل قرينة على حق التملك، فحائز العقار يعدّ مبدئياً صاحبه إلى أن يثبت العكس، ودعاوى الحيازة هي دعاوى عقارية لأنها تقع على عقار ولا تقع على منقول؛ لأن العقارات تتميز من الحق نفسه، فقد يكون الحق لشخص، وتكون الحيازة لشخص آخر. أما في المنقولات فالحيازة تختلط بالحق، ولا تنفصل عنه إلا نادراً، لذلك لم يحمِ المشرع حيازة المنقول وفقاً لقاعدة حيازة المنقول سند الملكية.
وحكمة حماية الحيازة بدعاوى خاصة لأنه يحمي الحيازة بحد ذاتها بصرف النظر عن كون الحائز صاحب حق بالعقار أم لا، وقد يبدو الأمر غريباً حماية الغاصب ضد صاحب الحق، ولكن تزول هذه الغرابة لأن الحيازة قرينة على الملكية وأن حمايتها أيسر من حماية الحق نفسه، وبالتالي فإن حمايتها هي حماية للأمن والنظام العام لأن الاعتداء عليها هو اعتداء على الأمن العام، لذلك حماها المشرع بدعاوى خاصة تفيد صاحب الحيازة، ولا تتعرض لصاحبها إن لم يكن هو الحائز، ولا تتعرض لحقوقه.
2- الحيازة المحمية بالقانون يجب أن تكون قانونية:
وهي السيطرة الفعلية على الشيء أو استعماله لحق عيني باعتباره مالكاً لهذا الحق أو صاحبه. وللحيازة كما ذهب الفقهاء عنصرين أساسيين:
أولهما مادي: وهو القائم على وضع اليد الذي يخول صاحبه القيام بأعمال مادية يقوم بها عادة مالك الشخص أو صاحب الحق من سكن أو زراعة حسب طبيعة هذا الشيء، وهذه الأعمال المادية هي التي تحمل على اعتقاد أن من يقوم بها هو صاحب الحق على الشيء الذي تقع عليه.
ثانيهما معنوي: وهو نية الحائز في استعمال الشيء أو الحق باعتباره مالكه أو صاحبه، وتُستفاد هذه النية من ظهور الحائز بمظهر مالك الشيء أو صاحب الحق العيني عليه، أما إذا لم يكن وضع اليد بنية التملك كانت الحيازة عرضية وغير محمية بدعاوى الحيازة؛ ذلك لأن الحيازة المحمية بالقانون هي الحيازة القانونية وليست الحيازة العرضية.
3- الحيازة المحمية بالقانون يجب أن تكون ظاهرة وواضحة وهادئة:
فهي يجب أن تكون ظاهرة بحيث يمكن أن يراها ويعلمها من يحتج عليه بالحيازة حتى يبادر بالمنازعة فيها. أما إذا كانت الحيازة خفية فلا تعدّ قرينة على الملكية، ويجب أن تكون واضحة بمعنى ألا يكون فيها لبس أو غموض. كما يجب أن تكون هادئة؛ أي لا تكون قد اكتسبت بعمل من أعمال العنف المادي أو الإكراه الأدبي؛ لأن استعمال العنف والإكراه من جانب من يحتج عليه بالحيازة ينفي عنه قرينة الملكية. وهذه الشروط تشير إليها المادة 907 من القانون المدني التي نفت صراحة قيام الحيازة دون توافرها بشروط الوضوح والظهور والهدوء.
4- يشترط أن يكون العقار أو الحق العيني موضوع الحيازة مما يمكن اكتساب ملكيته بمضي المدة:
ذلك لأن الحيازة المحمية بالقانون هي الحيازة المؤدية إلى الملكية بمضي المدة، لذلك لا تقبل دعاوى الحيازة على الحكومة بالنسبة إلى العقارات المقيدة من الأملاك العامة؛ لأن مثل هذه العقارات لا يجوز تملكها بمضي المدة. كذلك فإن دعاوى الحيازة لا تقع إلا على الحقوق التي تكتسب بالتقادم كحق الملكية وحق الانتفاع وحقوق الارتفاق الظاهرة، أما حقوق الارتفاق غير الظاهرة فلا تكتسب إلا بالتقادم، ولذلك لا يحمي الانتفاع بها بدعاوى الحيازة لأنها معيبة بالخفاء إلا إذا كانت باتفاق بين الخصوم أو نص القانون عليها.
5- يشترط أن تستمر الحيازة لمدة سنة:
بمعنى أن يكون رافع الدعوى قد حاز العقار قبل حصول التعرض له. وحكمة هذا الشرط أن الحيازة الجديرة بالحماية هي التي استمرت مدة يمكن أن يقال معها: إنها حالة مستقرة لا يصح الاعتداء عليها، وقد قدر المشرع هذه المدة بسنة على الأقل، واستثناها من دعوى استرداد الحيازة.
6- يشترط أن يقع تعرض للحائز في حيازته:
والتعرض هو كل عمل مادي أو قانوني يتضمن ادعاء ينطوي على منازعة للحائز في حيازته. فالتعرض المادي أن يقع فعل يجرد الحائز من حيازته للعين، أو يعطل الانتفاع بها تعطيلاً كلياً أو جزئياً، أما التعرض القانوني فهو كل إجراء قانوني يوجه ضد الحائز ينطوي على ادعاء بحق فيه إنكار للحيازة أو منازعة فيها.
7- يشترط أن ترفع الدعوى خلال سنة من حصول التعرض أو الفقدان:
وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 65 أصول التي قالت «بأن لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه». فإذا تراخى الحائز عن رفعها بعد أن تكون قد مضت سنة على حصول التعرض أو الفقدان؛ سقط الحق في رفع دعوى الحيازة، ولم يبق أمامه إلا أن يرفع دعوى للمطالبة بالحق إن شاء، ولا ارتباط بين هذا الشرط واستمرار الحيازة، ولا يشترط برافع الدعوى بالحق أن يكون حاز العقار مدة سنة. وبمضي سنة على حصول التعرض وسقوط الحق برفع دعوى الحيازة لا يكسب المتعرض الحق في حماية حيازته باستمراره حائزاً للعقار مدة سنة.
ويثير هذا الحق صعوبة في حالة ما إذا تعددت أفعال التعرض، فهل يبدأ حساب السنة من الفعل الأول أو من الفعل الأخير؟
8- عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة وأصل الحق:
وهي الخاصية المشتركة الأخيرة التي تختص فيها دعاوى الحيازة بمختلف أنواعها التي كرستها المادة 73 أصول التي نصت على أنه «لا يجوز للمدعي أن يجمع بين دعوى الحيازة وبين المطالبة بأصل الحق وإلا سقط ادعاؤه بدعوى الحيازة، ولا يجوز الحكم بدعوى الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه».
ثالثاً- أنواع دعاوى الحيازة:
1- دعوى وقف الأعمال الجديدة:
نصت المادة 71 من قانون الأصول في فقرتها الأولى على ما يلي:
«من حاز عقاراً واستمر حائزاً له سنة كاملة، وخشي لأسباب معقولة التعرض له من جراء أعمال جديدة تهدد الحيازة؛ كان له أن يرفع الأمر إلى محكمة الصلح طالباً وقف الأعمال هذه بشرط ألا تكون قد تمت، ولم ينقضِ عام على البدء في العمل الذي يكون من شأنه أن يحدث الضرر».
ويتضح من هذا النص أن دعوى وقف الأعمال الجديدة دعوى يرفعها حائز العقار أو حائز الحق العيني على العقار على من شرع في عمل لو تم لأصبح تعرضاً للحائز في حيازته، والغرض من هذه الدعوى ليس منع تعرض وقع بالفعل؛ وإنما تفادي التعرض قبل حصوله، ولذلك فإن هذه الدعوى تعدّ دعوى وقائية المصلحة فيها ليست قائمة على وقوع تعرض، وإنما احتمال وقوع هذا التعرض، ومثلها حالة ما إذا شرع جار في بناء حائط في ملكه لو تم بناؤه سد النور على مطل في عقار جاره، فيرفع هذا الجار الذي فيه المطل دعوى على جاره بوقف الأعمال في البناء.
وهذه الدعوى تختلف عن دعوى التعرض من حيث السبب؛ لأن دعوى وقف الأعمال لا تكون بسبب التعرض الذي لم يقع بعد، وإنما خشية وقوعه كما ورد بالنص، فتقام على سبب الخشية من وقوع التعرض، أما دعوى منع التعرض فتقوم على التعرض بعد وقوعه.
وقد تقوم دعوى وقف الأعمال على عقار المدعى عليه، وليس على عقار المدعي، لذلك فإن بعض القوانين المدنية لم تعدّ دعوى وقف الأعمال من دعاوى الحيازة؛ لأنها لا ترمي إلى حماية الحيازة؛ وإنما دعوى وقائية ترمي إلى تفادي ضرر مستقبلي يرفعها الحائز وغير الحائز.
وهي تختلف أيضاً عن دعوى التعرض من حيث سقوط الحق برفع الدعوى، فرفع الدعوى بوقف الأعمال الجديدة ينقضي بمضي سنة على بدء الأعمال أو بتمامها وصيرورته تعرضاً للحائز ولو لم يكن قد انقضى على البدء فيه سنة، وتنقضي دعوى منع التعرض بانقضاء السنة على وقوع هذا التعرض.
أضف إلى ذلك اختصاص المشرع هذا النوع من أنواع دعوى الحيازة بتقرير الكفالة، وهي ما نصت عليها الفقرة الثانية من المادة (71) على أن للقاضي أن يمنع استمرار الأعمال أو يأذن باستمرارها، وفي كلتا الحالتين يجوز للقاضي أن يأمر بتقديم كفالة مناسبة تكون في حالة الحكم بوقف الأعمال ضماناً عن الضرر الناشئ من هذا الموقف متى تبين بحكم نهائي أن الاعتراض على استمرارها كان على غير أساس، ويكون الحكم باستمرارها ضماناً لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها تعويضاً للضرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي في مصلحته.
واشتراط القانون لهذه الكفالة يجعل المشرع الإيطالي على حق بإخراج هذه الدعوى من عداد دعاوي الحيازة بحيث لم يبقَ من دعاوى الحيازة سوى دعويين، هما منع التعرض واسترداد الحيازة.
ويقر الباحث رمزي سيف في وسيطه أن القانون المصري أخذ هذه الدعوى من القانون الإيطالي بخطأ في فهم التعبير الإيطالي الوارد في القانون المدني الذي تضمن أن هذه الدعوى لا ترفع بقصد تفادي تعرض مستقبل وإنما لتفادي ضرر مستقبل. «وهي المادة (1171) من القانون المدني الإيطالي دون أن يلحظ أن القانون الايطالي لم يُدخل هذه المادة في عداد دعاوى الحيازة». (راجع وسيط، رمزي سيف في حاشية صفحة 149 الطبعة 7/1967/).
وربما أخذ المشرع السوري النص الوارد بالمادة 71 بفقرتيها من القانون المصري، وأدرجها في دعاوى الحيازة دون أن يلحظ المصدر الأصلي لها.
2- دعوى منع التعرض:
نصت المادة (70) من قانون الأصول على أن «من حاز عقاراً واستمر حائزاً له سنة كاملة، ثم وقع له تعرض في حيازته؛ جاز له أن يرفع خلال السنة التالية دعوى بمنع هذا التعرض».
ويُعتقد أن هذا النص وضع من قبل المشرع خصوصاً للتصرفات التي تقع على الأراضي الأميرية التي لا تتصرف بها الدولة والتي تقع تحت تصرف الأفراد والجائز ملكية التصرف بها، بدليل ما ورد بنص المادة التي سبقتها وهي المادة 69 التي نصت على أنه في المناطق التي جرى فيها معاملات التحديد والتحرير لمالك الحق العيني المسجل بالسجل العقاري أن يرفع استرداد الحيازة دون التقيد بالشروط المنصوص عليها في المواد السابقة. (مراجعة المادة921 من القانون المدني).
ومعنى هذا أنه قد صان قيود السجل العقاري من العبث بها، ومنع تملكها بطريق التقادم، ووضع قيوداً أخرى لتملكها نص عليها القانون المدني في المادة (825) منه.
وعلى هذا خروج الملكية المسجلة في السجل العقاري من دائرة الملكية بالحيازة جعل لها أوضاعاً خاصة بها فلم يبقَ لدعاوى الحيازة من منعها للتعرض والاسترداد ضمن الشروط التي رسمها القانون لها إلا الأراضي القابلة للتصرف فيها وغير المملوكة للأفراد بالسجل العقاري، لذلك فسوف يكون البحث في التعرض للتصرفات التي تقع على الأراضي القابلة للتملك عن طريق الحيازة من تعرض لهذه الحيازة ومن فقدانها وفق المادة 917 مدني.
وقد عرّف الفقهاء هذه الدعوى التي عدّوها من أهم دعاوى الحيازة لأنها ترفع في كل صور التعرض خلافاً لباقي دعاوى الحيازة التي لا ترفع إلا في صور خاصة من التعرض.
واشترط القانون والفقه لقبول دعوى منع التعرض الحيازة القانونية للمدعي للعقار باعتباره مالكاً له أو صاحب الحق العيني المعتدى عليه؛ وذلك بعنصريها المادي والمعنوي، ويجب أن تكون الحيازة المحمية بدعوى منع التعرض حيازة ظاهرة وواضحة وهادئة يمكن اكتساب ملكيتها بمضي المدة المنصوص عليها بالقانون المدني، وأن تستمر هذه الحيازة سنة على الأقل قبل حصول التعرض، وأن يقع التعرض عليه بعد هذه السنة من الملكية الهادئة المعلنة. والتعرض المقصود هنا هو كل تعرض مادي أو قانوني يتضمن ادعاء ينطوي على منازعة الحائز في حيازته. ويشترط لقبول هذه الدعوى أن تكون قد رفعت خلال سنة من وقوع التعرض، فإذا تراخى الحائز برفعها، ومضت هذه السنة سقط حقه بدعوى منع التعرض، وبالتالي فإن هذه الدعوى يجب أن تتوافر فيها جميع الشروط المشتركة لدعاوى الحيازة.
3- دعوى استرداد الحيازة:
نصت المادة (65 أصول) في فقرتها الأولى أن لحائز العقار إذا فقد حيازته أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه، ونصت الفقرة الثانية أنه إذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت كشفها، وأجازت المادة (66) أن يسترد الحيازة من كان حائزاً لها بالنيابة عن غيره.
من مجمل هذه الأحكام القانونية يتبين أن المشرع أجاز إقامة دعوى استرداد الحيازة من فاقدها ونائبه على حد سواء، هذا إذا كان الفقدان ظاهراً، وإذا كان الفقدان وقع خفية فقد جعل القانون بدء سريان السنة من وقت كشف هذا الفقدان. ولفاقد الحيازة أن يسترد هذه الحيازة من شخص لا يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل. والحيازة التي هي أحق بالتفضيل هي الحيازة التي تقوم على سند قانوني، فإذا لم يكن لدى أي من الحائزين سند أو تعادلت السندات كانت الحيازة الأحق هي الأسبق في التاريخ، وإذا فقدت بالقوة فللحائز في جميع الأحوال أن يسترد خلال سنة حيازته من المعتدي، وأعطى المشرع للحائز أن يسترد حيازته ممن انتقلت إليه الحيازة المفقودة ولو كان هذا الأخير حسن النية.
وقد جرى المشرع السوري بالتيسير على رافع دعوى استرداد الحيازة وتقديمها عن باقي دعاوى الحيازة، فلم يشترط أن يكون حائزها حائزاً لها حيازة قانونية، وإنما أباح رفعها من قبل الحائز لها حيازة عرضية كالمستأجر والمستعير كما أباح رفعها من الحائز الذي لم يمضِ على حيازته سنة، وبذلك رد المشرع دعوى الحيازة إلى وضعها بالقانون الكنسي الذي أُخذت عنه هذه الدعوى مع فارق واحد أن المشرع حصرها بالعقار فقط في حين كانت في القانون الكنسي تقع على العقار والمنقول، وبكل الأحوال فإن المشرع اشترط لقبول هذه الدعوى الشروط التالية:
أ- الحيازة: بمعنى أن تكون الحيازة ثابتة عند حصول الاعتداء، ولم يشترط المشرع أن يكون حائزاً بنية التملك وأن يكون قد مضى على هذه الحيازة سنة، وإنما يكفي أن يكون حائزاً حيازة مادية هادئة ظاهرة.
ب- فقدان هذه الحيازة: بمعنى الحرمان الكامل من الانتفاع بالعين، فكل تعرض للحائز دون الحرمان من الانتفاع لا يبرر مثل هذه الدعوى، ولا يقصد بفقدان الحيازة سلبها بالقوة والإكراه، وإنما يكفي أن يحصل ذلك على غير إرادة الحائز رغم اعتراضه نحو لا سبيل له إلى دفعه، ولذلك عدّ الاجتهاد في مصر أن سلب الحيازة نتيجة لتنفيذ حكم قضائي ليس الحائز طرفاً فيه؛ فيجوز لهذا الحائز اللجوء إلى دعوى استرداد الحيازة. «رمزي سيف ص 145 الحاشية».
ج- أن تقام دعوى الاسترداد خلال السنة التالية للفقدان: وتبدأ هذه المدة من تاريخ فقدانها، وإذا وقعت خفية فإنها تبدأ من تاريخ اكتشافها، ولا يجوز الجمع بين الحيازة والمطالبة بأصل الحق كما سبق أن تبيّن عند المقارنة بين الدعويين.
رابعاً- إجراءات دعوى الحيازة والحكم فيها:
إن المشرع حرص على حماية الحيازة باعتبارها قرينة للملكية، لذا أحاطها برعاية خاصة فجاءت دعاوي يسيرة الإجراءات وسهلة الإثبات. وجعل الاختصاص بشأنها محاكم الصلح مهما كانت قيمة المتنازع عليه، وأجاز للمدعي كما أوجب عليه أن يقتصر في دعواه على إثبات الحيازة فقط دون التعرض لإثبات الملكية أو البحث فيها مفترضاً أن المدعي مباشر الحيازة إنما يحوز لنفسه وبصورة لافتة باعتبار أن الحائز له حيازة مادية بصفة فردية، ويثبت الحيازة عادة باعتبارها واقعة مادية بالشهادة والقرائن، ولا رقابة لمحكمة النقض في تحقق شروطها. وإذا نجح المدعي بإثبات حيازته وإثبات وقوع التعرض قضت له المحكمة، وإذا لم ينجح قضت برفض دعواه، والحكم في كلتا الحالتين يقوم على وقائع قابلة للتعديل والتغيير أمام قاضي الموضوع الذي يقوم بالبحث والتحري بأساس النزاع والتحري في حقيقة التملك والحيازة، والأحكام التي تصدر في دعاوى الحيازة قابلة للاستئناف، وحكم محكمة الاستئناف فيها غير خاضع لأي طريق من طرق النقض.
1- سلطة قاضي الحيازة:
قارن الفقهاء بين سلطة قاضي الحيازة وسلطة قاضي الأمور المستعجلة، فقالوا: إن سلطة قاضي الحيازة بالنسبة إلى النزاع على الحق موضوع الحيازة تشبه سلطة قاضي الأمور المستعجلة بالنسبة إلى النزاع على الموضوع، فكما أن قاضي الأمور المستعجلة ممنوع من بناء حكمه في الإجراء المؤقت على أسباب تتعلق بموضوع النزاع فإن قاضي الحيازة ممنوع من بناء حكمه على أسباب تتعلق بموضوع الحيازة. (راجع المادتين 73 و78 من قانون الأصول).
2- حجية الحكم الصادر في دعاوى الحيازة:
الحكم الصادر بالحيازة لا يفصل بالحق، ولا يقوم على أسباب تتعلق بالحق، ويبنى على ذلك أن الحكم الصادر الذي يبنى على دعوى الحيازة سلباً أو إيجاباً لا يمنع من الالتجاء إلى القضاء بدعوى الحق كما أنه لا يعيّن المحكمة التي ترفع إليها دعوى الحق؛ وذلك لاختلاف كل من الدعويين سبباً وموضوعاً، فدعوى الحيازة تحمي الحيازة فقط دون التعرض للملكية، أما دعوى الملكية فتحمي أصل الحق وتفرعاته، ومنها الحماية للحيازة القانونية، فإن الحكم الصادر في دعوى استرداد الحيازة لا يحوز الحجية لتوفير الحيازة القانونية، فالحكم فيها لا يقيد حتماً حيازة حائز حيازة قانونية، ولا يمنع خصمه من ادعاء هذه الحيازة أمام محكمة الموضوع، ويثبتها عن طريق حق الملكية وتبعاً لها إذا ثبت أنه لم يتنازل عنها لخصمه في الدعوى.
مراجع للاستزادة:
- رزق الله أنطاكي، أصول المحاكمات المدنية (مننشورات الجامعة السورية، طبعة 3991).
- أحمد أبو الوفا، المرافعات المدنية (طبعة 9561).
- رمزي سيف، الوسيط في المرافعات (طبعة 9571).
- مجلة «القانون» الصادرة عن وزارة العدل بدمشق. .
- مجلة «المحامون» الصادرة عن نقابة المحامين.
المصدر: http://arab-ency.com
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم