احتيال علي قانون
fraud over law - fraude sur la loi
الاحتيال على القانون
الاحتيال على القانون
ياسر محمد سالم عياش
أولاً: مفهومه:
قد يحدث أن يتحاشى العقد ويتجنب تطبيق قانون أو قاعدة قانونية تتعلق بالنظام العام دون أن يخالفهما صراحة، فالعقد في مثل هذه الحالة يحترم مبنى النظام العام لا معناه، وتلك هي صورة الاحتيال على القانون. كما لو قصد شخص الإيصاء، ولكنه ألبس التصرف صورة البيع حتى يفلت من النظام الشرعي للوصية، وهو ثلث التركة، أو كما لو ألبس المتعاقدان الهبة صورة البيع حتى يتعذر على دائني الواهب الطعن فيها بالدعوى الصورية.
وهو يخالف - كما هو ظاهر - حالة قيام العقد على الباعث غير المشروع، إذ ما يثار في الباعث غير المشروع هو الباعث الذي حدا بالمتعاقدين إلى التعاقد. أما الاحتيال على القانون فما يثار فيه هو الباعث الذي حدا بالعاقدين إلى اختيار هذا المسلك دون غيره، أو هذا التوقيت دون غيره.
فالسبب في العقد هو الغرض الذي يقصد المتعاقد إلى تحقيقه أو هو الباعث الذي حمل المتعاقد على إبرام العقد. والبواعث التي تحمل الإنسـان على إبرام عقد ما، هي بواعث متعـددة ومتنوعة ومختلفة من عقد إلى آخر ومن متعاقد إلى آخر. فمثلاً في عقد الهبة يلاحظ أن نية التبرع هي سبب الالتزام التي لا يمكن أن توصف بأنها مشروعة أو غير مشروعة، ولكن ما يوصف بأنه كذلك هو الغاية التي ينشدها الواهب، أهو ينشد من وراء الهبة اتخاذ الموهوب لها خليلة، وهذه هي حالة قيام العقد على الباعث غير المشروع. أم أنه ينشد غرضاً آخر؛ مشروعاً لكنه يقصد به التهرب من أحكام القاعدة القانونية المتعلقة بالنظام العام والمرهقة له؛ ليفلت من أحكامها كما لو كان الباعث على الهبة التهرب من أحكام الوصية مثلاً.
وكذلك ما لو منع القانون مثلاً الهبة الصادرة إلى شخص معيّن، فيوسط الواهب شخصاً آخر تكون مهمته تلقي الهبة على أن يكون مفهوماً أن ينقل بعد ذلك المال الموهوب إلى الموهوب إليه المقصود.
ففي الاحتيال على القانون يفترض أن العاقدين - وقد وجدا أمام عدة سبل - يختاران منها ما يتيح لهما تحاشي تطبيق قاعدة قانونية مرهقة لهما. وبهذا يختلف عن قيام العقد على الباعث غير المشروع، وهذا الاختيار هو في الأصل حر، ولا يفضي إلى بطلان العقد إلا استثناء.
ثانياً: آثار الاحتيال على القانون:
1- المبدأ: أن الاحتيال على القانون هو تواطؤ بين المتعاقدين على مخالفة قاعدة قانونية تعد من النظام العام وإخفاء هذه المخالفة تحت ستار تصرف مشروع، فهو -من حيث المبدأ- يعدّ التصرف إذا ما كان مشروعاً في ذاته مباحاً ولو استخدم لتحاشي تطبيق قاعدة قاسية، وهذا مظهر من مظاهر الحرية التعاقدية، وهكذا.
فلا تثريب على الأفراد إذا ما أقدموا في الحال على إبرام عقد تهرباً من تطبيق قانون وشيك الإصدار (كما لو أبرم العقد في الفترة الواقعة بين إصدار القانون ونشره في الجريدة الرسمية)، ولو كان هذا القانون سيحرم حتماً إبرام العقد المذكور، إذ لا يمكن أن يُقرر سلفاً في مثل هذه الحالة عدم مشروعية مثل هذا العقد؛ لأن العقد يظل مبدئياً خاضعاً للقانون الذي أبرم في ظله، وعليه فإنه يفلت من أحكام القوانين التي لا تطبق إلا بعد إبرامه.
ومن الطبيعي أن يتخذ على مبدأ الاحتيال على القانون مظهر الصورية التي تهدف إلى الاحتيال على أحكام القانون سواء أكان القانون المالي كالهبة المبرمة تحت ستار عقد البيع فهي تلحق ضرراً بخزينة الدولة بسبب أن الرسوم المفروضة على الهبة هي أبهظ من الرسوم المفروضة على البيع؛ أم كالهبة التي يقدمها شخص لخليلته تحت ستار عقد بيع.
وبالتالي فإذا كانت الصورية من قبيل الاحتيال فيجوز إثباتها وكشف هذا الاحتيال بجميع طرق الإثبات، ومنها البينة الشخصية عملاً بأحكام الفقرة (ج) من المادة 57 من قانون البينات التي تنص على أنه يجوز الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية حتى لو كان المطلوب تزيد قيمته على خمسمئة ليرة إذا طعن في العقد بأنه ممنوع بالقانون أو مخالف للنظام العام أو الآداب.
ومفاد ذلك أن المشرع جعل الكتابة شرطاً لإثبات التصرفات القانونية غير التجارية، فلا يجوز إثبات ما يخالفها أو يجاوزها ولا إثبات وجود هذه التصرفات أو انقضائها متى بلغت نصاباً معيّناً بغير الكتابة، وأباح الإثبات للوقائع والتصرفات التجارية أو التي لم تبلغ النصاب كما أباح الإثبات بالبينة في الحالات المنصوص عليها في المادتين 56 و57 من قانون البينات. بيد أن شرط إعمال قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة ألا يكون هناك احتيال على القانون؛ لأن الاتفاق على مخالفة قاعدة قانونية متعلقة بالنظام العام من ضروب الغش الذي يجب تيسير كشفه بإباحة إثباته بجميع طرق الإثبات حتى للمتعاقدين أنفسهم. ومثال ذلك إذا كان البيع الصادر من المؤرث لأحد ورثته يمس حق وارث آخر في التركة وقصد به الاحتيال على أحكام الإرث؛ كان لهذا الوارث أن يطعن في التصرف وأن يثبت بكل طرق الإثبات أن البيع في حقيقته يستر تبرعاً مضافاً إلى ما بعد الموت، وبالتالي هو وصية.
2- الاستثناءات: إن الآثار التي تترتب على الاحتيال على القانون - في الحالات الاستثنائية - ليست واحـدة، فقد يكون الحكم بالتعويض، وقد يكون البطلان، وقد يكون عدم سـريان التصرف والغرامـة وقد يكون الحبـس والغرامـة، والتعويض.
والأصل كما سبق بيانه صحة التصرف الذي يجريه المتعاقدان ولو كان احتيالاً على القانون مادام التصرف مشروعاً وغير مخالف للنظام العام. بيد أن هناك حالات يوجب القانون فيها إبطال العقود المخالفة لأحكامه مباشرة، والأكثر من هذا يمتد أثره إلى تلك التي من شأنها الإفلات من تطبيق هذه الأحكام.
ومن الأمثلة على تلك الاستثناءات التطبيقات التالية:
أ- ما نصـت عليه المادة 439 من القانون المدني على أنه لا يجوز للقضاة والمسـاعدين العدليين والمحضرين في المحاكم والدوائر القضائية ولا للمحامين أن يشتروا لا بأسمائهم ولا باسم مستعار الحق المتنازع فيه كله أو بعضه إذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة أو الدائرة القضائية التي يباشرون أعمالهم في منطقتها، وإلا كان البيع باطلاً.
ب- لا يجوز قبل وفاة إنسان الاتفاق على شيء يمس بحق الإرث من جهة الزيادة أو النقص؛ لأن سبب العقد يتصف بعدم المشروعية ومخالفة النظام العام، وعليه فإن المؤرث الذي يعطي أحد ورثته عقاراً على ألا يبقى له أي حق يستحقه بعد وفاته، وليس له حق الرجوع على باقي الورثة؛ فعقده هذا باطل، ويستتبع إلغاء تسجيله في السجل العقاري إذا تم تسجيله.
ج- إن وقوع البيع الصوري إخفاء لرهن إنما يرمي إلى تحقيق غرض يخالف النظام العام، ويعدّ احتيالاً على القانون. وعليه يجوز إثبات العقد الحقيقي حتى بين طرفي العقد بجميع وسائل الإثبات بما فيها القرائن؛ ليصار إلى التقيد بأحكام الرهن دون الاعتداد بشرط تملك المرهون عند حلول الأجل لبطلان هذا الشرط.
د- إن صدور حكم بتصديق المصالحة التي تعهد فيها المستأجر بالتخلية عند حلول أجل معيّن لا يمنع الطرف الآخر من الطعن بالبطلان بهذا العقد إذا كان المقصود به الاحتيال على الأحكام الإيجارية الاستثنائية؛ ومخالفة ما كان من هذه الناحية متعلقاً بالنظام العام.
هـ- إن البطلان يلحق بعقد الصلح إذا كان المقصود به الاحتيال على الأحكام الإيجارية الاستثنائية لأنها متعلقة بالنظام العام.
و- منع المؤجر من عدم إشغال العقار بالسكنى الفعلية بعد الإخلاء بمؤيد تهديدي وعقابي، فقضى في المادة 14 من قانون الإيجارات ذي الرقم 6 تاريخ 15/2/2001 أنه يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من /100/ إلى/1000/ ليرة سورية كل من أخلى عقاراً استناداً لأحكام الفقرات (هـ، و، ز) من المادة الثامنة من هذا القانون، ولم يشغل العقار أو يباشر البناء فيه خلال مدة ثلاثة أشهر من تاريخ الإخلاء أو لم ينته من بنائه خلال مدة خمس سنوات من تاريخ الإخلاء أو لم يستمر شاغلاً له مدة سنتين على الأقل. ويضمن المالك للمستأجر تعويضاً عن العطل والضرر من قيمة العقار المأجور وفق أحكام المادة التاسعة من هذا القانون.
ز- إن تثبيت العامل لا يعدّ تعييناً جديداً يبدأ براتب جديد، ذلك أن أجر العامل هو من حقوقه المكتسبة لا يمكن تخفيضه بتشريع لاحق لتعلقه بالنظام العام، وإن تخفيض راتبه وإلحاق الضرر به باطل عملاً بالمادتين 6 و57 من قانون العمل.
ح- منع رب العمل من الإفلات من تعويض التسريح، فقضى المشرع في الفقرة الأولى من المادة 662 من القانون المدني بأنه «يجوز الحكم بالتعويض عن التسريح ولو لم يصدر هذا التسريح من رب العمل؛ إذا كان هذا الأخير قد دفع العامل بتصرفاته، وعلى الأخص بمعاملته الجائرة أو مخالفته شروط العقد إلى أن يكون هو في الظاهر الذي أنهى العقد».
ط- نصت المادة 162 من القانون رقم 56 بشأن تنظيم العلاقات الزراعية 29/12/2004 على أنه يعدّ باطلاً كل شرط يخالف أحكام هذا القانون إلا إذا كان أكثر فائدة للعامل، كما يقع باطلاً كل مصالحة أو إبراء أو إسقاط عن الحقوق الناشئة عن عقد العمل خلال سريانه أو خلال شهرين من تاريخ انتهائه إذا كانت تخالف أحكام هذا القانون.
ي- إذا ظهر أن الرسوم المستوفاة لمصالح الدوائر المالية هي أقل من المقدار المتوجب قانوناً بسبب كتم البدل الحقيقي من قبل ذوي العلاقة أو بسبب إخفائه بعقد آخر كالهبة أو المبادلة غير المتكافئة؛ فيحق للإدارة في غضون ثلاث سنوات من تاريخ التسجيل أن تقيم الدعوى على المكلف بدفع الرسم لدى محاكم الصلح التي تنظر فيها بصورة مستعجلة فإذا ثبت بأوراق رسمية أو وثائق خطية أن البدل الحقيقي أكثر من البدل المصرح به في العقد تحكم على ذوي العلاقة بدفع الفرق مضافاً إليه غرامة تعادل ثلاثة أمثاله.
ك- نصت المادة 8 من قانون مكافحة التهرب الضريبي ذي الرقم 25 تاريخ 18/11/2003 على أنـه «خلافاً لأحكام قوانين الضرائب والرســوم يعاقب المخالف في حالات التهرب الضريبي المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون بالحبس مدة شهر وغرامة قدرها 200 بالمئة من الضريبة أو الرسم السنوي عن سنة واحدة عن التكليف أو جزء التكليف محل التهرب حسب الحال، وتضاعف العقوبة في حال التكرار».
مراجع للاستزادة:
- مصطفى أحمد الزرقا، نظرية الالتزام العامة (مطبعة جامعة دمشق، 1961).
المصدر: http://arab-ency.com
fraud over law - fraude sur la loi
الاحتيال على القانون
الاحتيال على القانون
ياسر محمد سالم عياش
أولاً: مفهومه:
قد يحدث أن يتحاشى العقد ويتجنب تطبيق قانون أو قاعدة قانونية تتعلق بالنظام العام دون أن يخالفهما صراحة، فالعقد في مثل هذه الحالة يحترم مبنى النظام العام لا معناه، وتلك هي صورة الاحتيال على القانون. كما لو قصد شخص الإيصاء، ولكنه ألبس التصرف صورة البيع حتى يفلت من النظام الشرعي للوصية، وهو ثلث التركة، أو كما لو ألبس المتعاقدان الهبة صورة البيع حتى يتعذر على دائني الواهب الطعن فيها بالدعوى الصورية.
وهو يخالف - كما هو ظاهر - حالة قيام العقد على الباعث غير المشروع، إذ ما يثار في الباعث غير المشروع هو الباعث الذي حدا بالمتعاقدين إلى التعاقد. أما الاحتيال على القانون فما يثار فيه هو الباعث الذي حدا بالعاقدين إلى اختيار هذا المسلك دون غيره، أو هذا التوقيت دون غيره.
فالسبب في العقد هو الغرض الذي يقصد المتعاقد إلى تحقيقه أو هو الباعث الذي حمل المتعاقد على إبرام العقد. والبواعث التي تحمل الإنسـان على إبرام عقد ما، هي بواعث متعـددة ومتنوعة ومختلفة من عقد إلى آخر ومن متعاقد إلى آخر. فمثلاً في عقد الهبة يلاحظ أن نية التبرع هي سبب الالتزام التي لا يمكن أن توصف بأنها مشروعة أو غير مشروعة، ولكن ما يوصف بأنه كذلك هو الغاية التي ينشدها الواهب، أهو ينشد من وراء الهبة اتخاذ الموهوب لها خليلة، وهذه هي حالة قيام العقد على الباعث غير المشروع. أم أنه ينشد غرضاً آخر؛ مشروعاً لكنه يقصد به التهرب من أحكام القاعدة القانونية المتعلقة بالنظام العام والمرهقة له؛ ليفلت من أحكامها كما لو كان الباعث على الهبة التهرب من أحكام الوصية مثلاً.
وكذلك ما لو منع القانون مثلاً الهبة الصادرة إلى شخص معيّن، فيوسط الواهب شخصاً آخر تكون مهمته تلقي الهبة على أن يكون مفهوماً أن ينقل بعد ذلك المال الموهوب إلى الموهوب إليه المقصود.
ففي الاحتيال على القانون يفترض أن العاقدين - وقد وجدا أمام عدة سبل - يختاران منها ما يتيح لهما تحاشي تطبيق قاعدة قانونية مرهقة لهما. وبهذا يختلف عن قيام العقد على الباعث غير المشروع، وهذا الاختيار هو في الأصل حر، ولا يفضي إلى بطلان العقد إلا استثناء.
ثانياً: آثار الاحتيال على القانون:
1- المبدأ: أن الاحتيال على القانون هو تواطؤ بين المتعاقدين على مخالفة قاعدة قانونية تعد من النظام العام وإخفاء هذه المخالفة تحت ستار تصرف مشروع، فهو -من حيث المبدأ- يعدّ التصرف إذا ما كان مشروعاً في ذاته مباحاً ولو استخدم لتحاشي تطبيق قاعدة قاسية، وهذا مظهر من مظاهر الحرية التعاقدية، وهكذا.
فلا تثريب على الأفراد إذا ما أقدموا في الحال على إبرام عقد تهرباً من تطبيق قانون وشيك الإصدار (كما لو أبرم العقد في الفترة الواقعة بين إصدار القانون ونشره في الجريدة الرسمية)، ولو كان هذا القانون سيحرم حتماً إبرام العقد المذكور، إذ لا يمكن أن يُقرر سلفاً في مثل هذه الحالة عدم مشروعية مثل هذا العقد؛ لأن العقد يظل مبدئياً خاضعاً للقانون الذي أبرم في ظله، وعليه فإنه يفلت من أحكام القوانين التي لا تطبق إلا بعد إبرامه.
ومن الطبيعي أن يتخذ على مبدأ الاحتيال على القانون مظهر الصورية التي تهدف إلى الاحتيال على أحكام القانون سواء أكان القانون المالي كالهبة المبرمة تحت ستار عقد البيع فهي تلحق ضرراً بخزينة الدولة بسبب أن الرسوم المفروضة على الهبة هي أبهظ من الرسوم المفروضة على البيع؛ أم كالهبة التي يقدمها شخص لخليلته تحت ستار عقد بيع.
وبالتالي فإذا كانت الصورية من قبيل الاحتيال فيجوز إثباتها وكشف هذا الاحتيال بجميع طرق الإثبات، ومنها البينة الشخصية عملاً بأحكام الفقرة (ج) من المادة 57 من قانون البينات التي تنص على أنه يجوز الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية حتى لو كان المطلوب تزيد قيمته على خمسمئة ليرة إذا طعن في العقد بأنه ممنوع بالقانون أو مخالف للنظام العام أو الآداب.
ومفاد ذلك أن المشرع جعل الكتابة شرطاً لإثبات التصرفات القانونية غير التجارية، فلا يجوز إثبات ما يخالفها أو يجاوزها ولا إثبات وجود هذه التصرفات أو انقضائها متى بلغت نصاباً معيّناً بغير الكتابة، وأباح الإثبات للوقائع والتصرفات التجارية أو التي لم تبلغ النصاب كما أباح الإثبات بالبينة في الحالات المنصوص عليها في المادتين 56 و57 من قانون البينات. بيد أن شرط إعمال قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة ألا يكون هناك احتيال على القانون؛ لأن الاتفاق على مخالفة قاعدة قانونية متعلقة بالنظام العام من ضروب الغش الذي يجب تيسير كشفه بإباحة إثباته بجميع طرق الإثبات حتى للمتعاقدين أنفسهم. ومثال ذلك إذا كان البيع الصادر من المؤرث لأحد ورثته يمس حق وارث آخر في التركة وقصد به الاحتيال على أحكام الإرث؛ كان لهذا الوارث أن يطعن في التصرف وأن يثبت بكل طرق الإثبات أن البيع في حقيقته يستر تبرعاً مضافاً إلى ما بعد الموت، وبالتالي هو وصية.
2- الاستثناءات: إن الآثار التي تترتب على الاحتيال على القانون - في الحالات الاستثنائية - ليست واحـدة، فقد يكون الحكم بالتعويض، وقد يكون البطلان، وقد يكون عدم سـريان التصرف والغرامـة وقد يكون الحبـس والغرامـة، والتعويض.
والأصل كما سبق بيانه صحة التصرف الذي يجريه المتعاقدان ولو كان احتيالاً على القانون مادام التصرف مشروعاً وغير مخالف للنظام العام. بيد أن هناك حالات يوجب القانون فيها إبطال العقود المخالفة لأحكامه مباشرة، والأكثر من هذا يمتد أثره إلى تلك التي من شأنها الإفلات من تطبيق هذه الأحكام.
ومن الأمثلة على تلك الاستثناءات التطبيقات التالية:
أ- ما نصـت عليه المادة 439 من القانون المدني على أنه لا يجوز للقضاة والمسـاعدين العدليين والمحضرين في المحاكم والدوائر القضائية ولا للمحامين أن يشتروا لا بأسمائهم ولا باسم مستعار الحق المتنازع فيه كله أو بعضه إذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة أو الدائرة القضائية التي يباشرون أعمالهم في منطقتها، وإلا كان البيع باطلاً.
ب- لا يجوز قبل وفاة إنسان الاتفاق على شيء يمس بحق الإرث من جهة الزيادة أو النقص؛ لأن سبب العقد يتصف بعدم المشروعية ومخالفة النظام العام، وعليه فإن المؤرث الذي يعطي أحد ورثته عقاراً على ألا يبقى له أي حق يستحقه بعد وفاته، وليس له حق الرجوع على باقي الورثة؛ فعقده هذا باطل، ويستتبع إلغاء تسجيله في السجل العقاري إذا تم تسجيله.
ج- إن وقوع البيع الصوري إخفاء لرهن إنما يرمي إلى تحقيق غرض يخالف النظام العام، ويعدّ احتيالاً على القانون. وعليه يجوز إثبات العقد الحقيقي حتى بين طرفي العقد بجميع وسائل الإثبات بما فيها القرائن؛ ليصار إلى التقيد بأحكام الرهن دون الاعتداد بشرط تملك المرهون عند حلول الأجل لبطلان هذا الشرط.
د- إن صدور حكم بتصديق المصالحة التي تعهد فيها المستأجر بالتخلية عند حلول أجل معيّن لا يمنع الطرف الآخر من الطعن بالبطلان بهذا العقد إذا كان المقصود به الاحتيال على الأحكام الإيجارية الاستثنائية؛ ومخالفة ما كان من هذه الناحية متعلقاً بالنظام العام.
هـ- إن البطلان يلحق بعقد الصلح إذا كان المقصود به الاحتيال على الأحكام الإيجارية الاستثنائية لأنها متعلقة بالنظام العام.
و- منع المؤجر من عدم إشغال العقار بالسكنى الفعلية بعد الإخلاء بمؤيد تهديدي وعقابي، فقضى في المادة 14 من قانون الإيجارات ذي الرقم 6 تاريخ 15/2/2001 أنه يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من /100/ إلى/1000/ ليرة سورية كل من أخلى عقاراً استناداً لأحكام الفقرات (هـ، و، ز) من المادة الثامنة من هذا القانون، ولم يشغل العقار أو يباشر البناء فيه خلال مدة ثلاثة أشهر من تاريخ الإخلاء أو لم ينته من بنائه خلال مدة خمس سنوات من تاريخ الإخلاء أو لم يستمر شاغلاً له مدة سنتين على الأقل. ويضمن المالك للمستأجر تعويضاً عن العطل والضرر من قيمة العقار المأجور وفق أحكام المادة التاسعة من هذا القانون.
ز- إن تثبيت العامل لا يعدّ تعييناً جديداً يبدأ براتب جديد، ذلك أن أجر العامل هو من حقوقه المكتسبة لا يمكن تخفيضه بتشريع لاحق لتعلقه بالنظام العام، وإن تخفيض راتبه وإلحاق الضرر به باطل عملاً بالمادتين 6 و57 من قانون العمل.
ح- منع رب العمل من الإفلات من تعويض التسريح، فقضى المشرع في الفقرة الأولى من المادة 662 من القانون المدني بأنه «يجوز الحكم بالتعويض عن التسريح ولو لم يصدر هذا التسريح من رب العمل؛ إذا كان هذا الأخير قد دفع العامل بتصرفاته، وعلى الأخص بمعاملته الجائرة أو مخالفته شروط العقد إلى أن يكون هو في الظاهر الذي أنهى العقد».
ط- نصت المادة 162 من القانون رقم 56 بشأن تنظيم العلاقات الزراعية 29/12/2004 على أنه يعدّ باطلاً كل شرط يخالف أحكام هذا القانون إلا إذا كان أكثر فائدة للعامل، كما يقع باطلاً كل مصالحة أو إبراء أو إسقاط عن الحقوق الناشئة عن عقد العمل خلال سريانه أو خلال شهرين من تاريخ انتهائه إذا كانت تخالف أحكام هذا القانون.
ي- إذا ظهر أن الرسوم المستوفاة لمصالح الدوائر المالية هي أقل من المقدار المتوجب قانوناً بسبب كتم البدل الحقيقي من قبل ذوي العلاقة أو بسبب إخفائه بعقد آخر كالهبة أو المبادلة غير المتكافئة؛ فيحق للإدارة في غضون ثلاث سنوات من تاريخ التسجيل أن تقيم الدعوى على المكلف بدفع الرسم لدى محاكم الصلح التي تنظر فيها بصورة مستعجلة فإذا ثبت بأوراق رسمية أو وثائق خطية أن البدل الحقيقي أكثر من البدل المصرح به في العقد تحكم على ذوي العلاقة بدفع الفرق مضافاً إليه غرامة تعادل ثلاثة أمثاله.
ك- نصت المادة 8 من قانون مكافحة التهرب الضريبي ذي الرقم 25 تاريخ 18/11/2003 على أنـه «خلافاً لأحكام قوانين الضرائب والرســوم يعاقب المخالف في حالات التهرب الضريبي المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون بالحبس مدة شهر وغرامة قدرها 200 بالمئة من الضريبة أو الرسم السنوي عن سنة واحدة عن التكليف أو جزء التكليف محل التهرب حسب الحال، وتضاعف العقوبة في حال التكرار».
مراجع للاستزادة:
- مصطفى أحمد الزرقا، نظرية الالتزام العامة (مطبعة جامعة دمشق، 1961).
المصدر: http://arab-ency.com
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم