القائمة الرئيسية

الصفحات



السلطة التقديرية للنيابة العامة للتصرف في نتائج البحث والتحري

السلطة التقديرية للنيابة العامة للتصرف في نتائج البحث والتحري




مقدمة:
    لما كان وقوع الجريمة هو الذي ينشىء للدولة الحق في عقاب مرتكبها ،و لما كان إقتضاء هذا
الحق يستلزم وجود تنظيم قضائي جنائي يخضع هو بدوره لسيادة القانون و يهدف  إلى إقامة العدل في المجتمع و حماية أفراده ، في أرواحهم و ممتلكاتهم أعطيت النيابة العامة باعتبارها وكيلة عن المجتمع – وشعبة أصيلة من شعب  السلطة القضائية –  سلطتي الاتهام و المتابعة وفقا لقانون الإجراءات الجزائية الجزائري ، وتملك النيابة العامة  في سبيل ذلك وسيلة قانونية تسمى الدعوى العمومية تتولى تحريكها و مباشرتها أمام القضاء للمطالبة بتسليط العقاب ضد مرتكب الجريمة .
و من خلال النشاط الإجرائي الذي تقوم به النيابة العامة،عرف الفقه الفرنسي الدعوى العمومية بأنها  "نشاط إجرائي يمارس باسم المجتمع بواسطة النيابة العامة للفصل في مدى نسبة الجريمة إلى شخص معين بواسطة القاضي و مسؤوليته عنها و الحكم بالجزاء المقرر بمقتضى القانون  ".
و ضمانا لحق المجتمع  في العقاب من جهة و حق الجاني في محاكمة عادلة ،كرس المشرع الجزائري مبدأ الفصل بين سلطات القضاء الجنائي،حيث جعل النيابة العامة سلطة إدعاء مستقلة وقائمة بذاتها، إلى جانب سلطتي التحقيق  و الحكم، مع وضع قواعد إجرائية تحدد سلطة النيابة العامة،و اختصاصاتها في الدعوى العمومية، إبتداء من مرحلة تحريكها ،مباشرتها و السير فيها إلى غاية صدور حكم نهائي بشأنها .
و لذلك فإن سلطة النيابة العامة التقديرية في الدعوى العمومية ،تمارس على مرحلتين إجرائيتن هما مرحلة تحريك الدعوى العمومية، و هي نقطة البداية و تتمثل في الإجراءات الأولية و التي تقوم بها النيابة العامة كجهة اتهام في الدعوى العمومية ، بغرض طرحها بين يدي القضاء ، كتكليف المتهم بالحضور أمام محكمة الجنح أو المخالفات أو إحالته على محكمة الجنح وفق إجراءات التلبس ، أو تقديم طلب افتتاحي لقاضي التحقيق لفتح تحقيق في الموضوع ، أما مباشرة الدعوى العمومية و السير فيها لغاية استصدار حكم نهائي في الدعوى، فتتمثل في مجموع الإجراءات التي تقوم بها النيابة العامة باعتبارها خصما عاما في الدعوى العمومية بعد تحريكها ، فلها حق الحضور و متابعة جميع الإجراءات المتخذة ، وإبداء الطلبات بشأنها، و استئناف أوامر قاضي التحقيق المخالفة لطلباتها ، وحضور جلسات المحاكمة والقيام بالمرافعات و تقديم الطلبات ،و الطعن في الأحكام و القرارات الصادرة عن الجهات القضائية.
ولعل أهم سلطة تقديرية تتمتع بها النيابة العامة كجهة اتهام في الدعوى العمومية ،هي سلطتها في التصرف فيما توصلت إليه مرحلة البحث و التحري أو جمع الاستدلالات من نتائج ،فهي الجهة التي بيدها سلطة الإشراف على كل العمليات و الإجراءات التي تتـم خلال هذه المرحلة.
فالضبطية القضائية يبدأ عملها في الواقع منذ وقوع الجريمة بهدف معاونة النيابة العامة على الوفاء بدورها في المجتمع ، بإمدادها بالمقدمات و المعلومات و العناصر اللازمة لأدائها هذا الدور.
و لذلك أوجب القانون رفع محضر إجراءات البحث و التحري التي تمت إلى النيابة العامة ، طبقا لنص المواد17 و 18 من قانون الإجراءات الجزائية.
ويقصد بنتائج البحث و التحري، تلك العمليات التمهيدية أو التحضيرية التي تتم بمعرفة الضبطية القضائية، خلال مرحلة جمع الاستدلالات، و التي قد يترتب عنها تحريك الدعوى العمومية، وتتخذ خلال هذه المرحلة مجموعة من الإجراءات تهدف إلى الكشف عن الجرائم و مرتكبيها وضبط الأدلة و الأشياء التي لها علاقة بالجريمة و فاعليها ( ).
و تتميز مرحلة البحث و التحري في أن إجراءاتها سابقة على مرحلة تحريك الدعوى العمومية وتتم تحت إشراف و إدارة و النيابة العامة، و أن القائمين بها هم ضباط الشرطة القضائية مكلفون قانونا بالكشف عن ظروف الجريمة ، ومعرفة مرتكبيها و التوصل إلى تجميع القرائن و أوجه الإثبات, التي يترتب عليها اسناد الجريمة لمرتكبها قانونا ،و أنها موجهة  إلى المشتبه فيه و ليس المتهم ، لان الشخص لا يصبح متهما إلا منذ لحظة توجيه الاتهام له من طرف النيابة العامة وتحريك الدعوى العمومية في مواجهته كما تتميز هذه المرحلة أن إجراءاتها استئناسية أي غير ملزمة للجهات القضائية بل تأخذ بها على سبيل الإستدلال.
و أيا كانت العمليات و الإجراءات التي تتخذ خلال مرحلة البحث  و التحري ، فإنها تنتهي بتحرير محضر يدون فيه كل إجراء  اتخذ يتعلق بالجريمة و مرتكبيها و كيفية الكشف عنها لتتمكن النيابة العامة من حسم الأمر و اتخاذ الإجراء المناسب، فإذا رأت النيابة العامة أن ما جاء  في محاضر الاستدلالات يبدو غير جدي أو كان كيديا أو ضئيل الأهمية، أصدرت قرارا بحفظ الملف ، أما إذا رأت أن ما تضمنته من معلومات كاف لتوجيه الاتهام  حركت الدعوى العمومية .
و لكن قد يسأل سائل لماذا تقف النيابة العامة دائما ضد المتهم و تطالب بمعاقبته ؟ إلا أن طارح هذا السؤال لم ير الجانب الآخر من عملها، وذلك عندما تأمر بحفظ الأوراق بناء على محضر الاستدلالات، عقب القيام بأعمال التحقيق الأولي بمعرفة الضبطية القضائية (1)، لذلك فإبراز هذا الجانب الخفي من عمل النيابة العامة عندما تأمر بحفظ الملفات، وقيامها إلى جانب ذلك في ملفات أخرى بتحريك الدعوى العمومية ضد مرتكب الجرم، كان أحد الأسباب التي دفعتني إلى اختيار هذا الموضوع لبحثه في هذه المذكرة بعنوان "السلطة التقديرية للنيابة العامة في التصرف في نتائج البحث و التحري ".  لا سيما و أن فقه الإجراءات الجزائية حينما يتصدى لهذا الموضوع بالبحث يقف عند حد تناول النصوص بالشرح معلقا على استقر عليه من أحكام القضاء دون الغوص في أمهات المسائل و فروعها ، بالنسبة للموضوع محل البحث، وهذه  هي سمة الدراسة العامة دون الدراسة الخاصة التي نحن بصدد القيام بها ، كما أنه لم يصادفني من خلال الاطلاع ، على مؤلف كامل بشأن هذا الموضوع الذي لا تقتصر أهميته على المنشغلين بالقانون نظريا فحسب ،بل تأتي أهميته العملية في حاجة رجال القضاء عامة ، ورجال النيابة خاصة ، علما و أن إصدار النيابة العامة قرار الحفظ و مباشرتها من جهة أخرى تحريك الدعوى العمومية هو لب عمل النيابة ، وكل منهما ينطوي على قدر من الخطورة خاصة و أن قرار الحفظ سوف يحجب الدعوى العمومية عن قضاء الحكم ، و أن تحريك الدعوى العمومية بدوره ضد المشتبه فيه سيجعل منه متهما يحال أمام قضاء الحكم ، لذلك فإن التسرع في إصدار قرار الحفظ قد يجافي  حقوق المضرور  من الجريمة ويضيع حق المجتمع في تسليط العقاب على الجاني ، كما أن التسرع في توجيه الاتهام و تحريك الدعوى العمومية ضد المشتبه فيه يؤدي إلى الإضرار بمصالحه ، لاسيما إذا ما انتهى قضاء الحكم إلى تبرئة ساحته.
ـــــــــــــــــ
1-د/عبد الفتاح بيومي حجازي/سلطةالنيابة العامة في حفظ الأوراق و الأمر بألاوجه لإقامة الدعوى الجنائية-دراسة مقارنة-دار الفكر العربي-طبعة2004-ص 168.

للإشارة فقط فإنني اعتمدت في بحثي هذا على القانون الجزائري ، بالإضافة إلى الاستعانة ببعض التشريعات كالقانون الفرنسي ، المصري ، الأردني ،الألماني و غيرها محاولة الإلمام بجوانب هذا الموضوع واثرائه.
غير أن الوصول إلى هذه النتيجة، ينبغي منا طرح بعض الإشكالات القانونية و التي نجيب عنها بإتباع خطة مفصلة سيتم إعلانها لاحقا .
و عليه يثار التساؤل حول : 
1 /ما هي حدود و نطاق السلطة التقديرية التي تتمتع بها النيابة العامة للتصرف في نتائج البحث والتحري ؟
2  /ما هي أسباب إصدار النيابة العامة قرار الحفظ ؟بمعنى اخر متى تقرر النيابة العامة حفظ اوراق الملف ؟
ما طبيعة قرار الحفظ  وما هي أحكامه القانونية؟
3 /إذا تبين للنيابة العامة ضرورة تحريك الدعوى العمومية ، فما مدى السلطة التقديرية التي تتمتع بها في هذا المجال ؟  و ما هي طرق تحريك الدعوى العمومية من قبلها ؟ 
هذه الإشكاليات القانونية الرئيسية و غيرها نحاول الإجابة عنها باتباع منهج بحث نجسده من خلال الخطة التالية :











مبحث تمهيدي : سلطة النيابة العامة التقديرية في التصرف في نتائج البحث و التحري في ظل مبدأي الشرعية و الملائمة.
المطلب الأول : سلطة النيابة العامة التقديرية في ظل مبدأ الشرعية.
المطلب الثاني: سلطة النيابة العامة التقديرية  في ظل مبدأ الملائمة .
المطلب الثالث: موقف المشرع الجزائري من الأنظمة السابقة. 
الفصل الأول : السلطة التقديرية للنيابة العامة في إصدار قرار الحفظ .
المبحث الأول : المقصود بقرار الحفظ و الفرق بينه و بين الأمر بألا وجه للمتابعة و الأمر بألاوجه لإقامة الدعوى.
المطلب الأول: المقصود بقرار الحفظ.
المطلب الثاني : الفرق بين قرار الحفظ و بين الأمر بألا وجه للمتابعة .
المطلب الثالث: الفرق بين قرار الحفظ و الأمر بالأوجه لإقامة الدعوى.
المبحث الثاني: الأسباب القانونية و الموضوعية لقرار الحفظ و نطاقه .
 المطلب الأول : الأسباب القانونية لقرار الحفظ .
المطلب الثاني: الأسباب الموضوعية لقرار الحفظ .
المطلب الثالث : نطاق و مجال قرار الحفظ .
المبحث الثالث : أحكام قرار الحفظ ، طبيعته القانونية ،و الآثار المترتبة عنه .
المطلب الأول : أحكام قرار الحفظ . 
المطلب الثاني : الطبيعة القانونية لقرار الحفظ .
المطلب الثالث : الآثار المترتبة على إصدار قرار الحفظ.
الفصل الثاني : السلطة التقديرية للنيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية .
المبحث الأول : حالات جواز إحالة الدعوى العمومية على المحكمة أو على جهات التحقيق.
 المطلب الأول : حالة الجنح .
المطلب الثاني : حالة المخالفات.
المطلب الثالث : حالة الجنح المتلبس بها.
المبحث الثاني: حالات وجوب إحالة الدعوى العمومية على جهات التحقيق. 
المطلب الأول : حالة مواد الجنايات.
المطلب الثاني: حالة الجرائم المرتكبة من طرف أعضاء الحكومة و بعض الموظفين.
المطلب الثالث: حالة جنح الأحداث.
الخاتمة 
المبحث التمهيدي :
سلطة النيابة العامة التقديرية للتصرف في نتائج البحث و التحري في ظل مبدأي الشرعية و الملائمة:
الدعوى العمومية ملك للمجتمع كله ،و يقتصر دور النيابة العامة فيها  على ممارسة هذه الدعوى نيابة عن المجتمع بنص القانون، و لما كان قيامها بتوجيه الاتهام إلى شخص ما يؤدي حتما إلى المساس بالحرية الفردية له و بحرمه مسكنه ، كان ضروريا أن تكون ثمة مرحلة تسبق تحريك الدعوى العمومية و تهدف إلى الإعداد لجمع العناصر اللازمة لتمكين النيابة العامة من تقدير ملائمة تحريك الدعوى العمومية من عدمه ، مع اسناد تلك  المهمة إلى مجموعة قادرة بموجب تخصصها أو موقعها الوظيفي على جمع تلك العناصر و المحافظة عليها و إحالة صورة صادقة عن الأمر كله ، و هي ما إصطلح عليها المشرع مصطلح "ضباط الشرطة القضائية" .
غير أن النيابة العامة و في إطار ممارستها لصلاحياتها  فإنها تعمل بمبدأين و هما: مبدأ الشرعية و الذي يقصد به إلزامية رفع الدعوى العمومية على نحو يتعين فيه على النيابة العامة مباشرة الاتهام في جميع الحالات، حينما تتوافر الشروط القانونية لذلك ، و كذا مبدأ الملائمة الذي يقصد به تمتع  النيابة العامة بسلطة تقديرية تمنح لها حق مباشرة الاتهام و تحريك الدعوى العمومية ، أو الامتناع عن ذلك وفقا للأسباب التي تقدرها ، لذلك ارتأيت أن أتعرض في هذا المبحث التمهيدي إلى مفهوم كلا المبدأين بإيجاز غير مخل بفحوى الموضوع حتى يسهل علينا فيما بعد التطرق بصفة موسعة لسلطة النيابة العامة التقديرية للتصرف في ما توصلت إليه نتائج البحث و التحري  التي تمت بمعرفة الضبطية القضائية .
المطلب الأول :سلطة النيابة التقديرية  في ظل مبدأ الشرعية (النظام القانوني الإلزامي)
و يطلق عليه اصطلاح "نظام الشرعية" في حين يفضل بعض من الفقه  أن يعبر عنه باصطلاح "نظام حتمية تحريك الدعوى و استعمالها"  ،و مقتضى هذا المبدأ أنه يلزم النيابة لدى علمها بوقوع الجريمة ، بتحريك الدعوى العمومية و استعمالها أي إقامتها أمام القضاء إذا ما ثبت للنيابة العامة توافر أركان الجريمة و ثبت نشوء المسؤولية على عاتق شخص معين ، و انتفت أية عقبة إجرائية تحول دون إقامة الدعوى ضده و إقامتها لدى قضاء الحكم ، و ليس للنيابة العامة وفقا لهذا  المذهب أية سلطة تقديرية في تحريك الدعوى من عدمه ، ويستند  أنصارهذا المذهب إلى حجج عديدة منها أن هذا المذهب يتفق مع مبدأ الشرعية في قانون الجزاء لأن المشرع و هو يربط  بين وقوع الجريمة و توقيع العقاب على مرتكبها ، فإن ذلك يستتبع حتما التزام النيابة العامة بتقديم المتهم بارتكاب الجريمة  إلى القضاء لكي يوقع عليه العقوبة  التي حددها القانون ، و إذا ما أعطيت النيابة العامة صلاحية تقديرية لتقديم أو عدم تقديم هذا المتهم للمحاكمة ، فإن ذلك من شأنه أن يوجد ثغرات في مبدأ الشرعية عند وضعه موضع التطبيق ، إذ يصبح الاتهام و تحريك الدعوى مستندا لهذه الصلاحية التقديرية التي قد لا تخلو من التحكم ، كما أن هذا المذهب يحقق مبدأ المساواة بين جميع الأشخاص الذين يرتكبون جريمة و يخالفون قانون العقوبات فجميعهم سوف يحالون للقضاء لإصدار الحكم المناسب بشأن كل منهم ، فالقوانين العقابية تتضمن قواعد آمرة تنص على أنه "يعاقب"  و ليس "يجوز أن يعاقب" ، و إصدار النيابة العامة أمرا بحفظ ملف الدعوى يستوي مع  حكم البراءة ، مع أن اصدار حكم البراءة لا يختص به سوى قضاء الحكم و كما أن العفو من اختصاص رئيس الجمهورية و ليس ملكا للنيابة العامة ، فالمشرع عندما أصدر مجموعة قوانين يكيف فيها الجنايات – الجنح و المخالفات ، أراد من وراء ذلك مباشرة الاتهام ضد كل من يقترفها  وقيام النيابة العامة  بتقرير حفظ ملف الدعوى في جريمة توافرت فيها شروطها القانونية فيه إلغاء من النيابة العامة لتطبيق قانون العقوبات ، وقد أخذ المشرع الألماني بنظام الشرعية، حيث تنص المادة 160 من القانون الألماني التنظيمي للدعوى الجنائية ، على أنه على النيابة العامة أن تباشر الاتهام ليس فقط عند تلقي شكوى أو بلاغ ، بل عليها القيام بذلك بمجرد الاشتباه بوقوع الجريمة ، وإلا أصبحت النيابة العامة مرتكبة لجريمة إهدار مبدأ الشرعية ، كما تبنى المشرع الايطالي نظام الشرعية كأساس لمباشرة الاتهام من طرف النيابة  فالمواد 01،74،75  من قانون الإجراءات الجنائية الايطالي تجعل مباشرة الاتهام من النيابة العامة أمرا لازما كقاعدة مطلقة غير قابل لأي استثناء ، و في حالة تقاعس عضو النيابة عن القيام بذلك تبقى إمكانية اللجوء إلى الرئيس  الإداري للنيابة العامة الذي يصدر أمرا له  بمباشرة الاتهام .
إلا أن  من سيئات النظام القانوني الإلزامي أنه يجعل من النيابة العامة مجرد منفذ للقانون بصورة آلية  ويحرمها من أي سلطة تقديرية لمدى ملائمة الاتهام و إقامة الدعوى العمومية لمصلحة المجتمع ، إذ قد تدفع إلى قاعات المحاكم بمرتكبي بعض الجرائم التافهة مما سيؤدي إلى كثرة الدعاوى و إرهاق القضاء الذي يتعين عليه الفصل  فيها ، كما أنه من الممكن أن تقام الدعوى العمومية على بعض الأبرياء الذين لا يوجد أي دليل على ارتكابهم للجريمة و الذين وردت أسماؤهم في الإبلاغ عن الجريمة أو في الشكوى .
أما عن النيابة العامة في القانون الجزائري فقد أخضعها  المشرع لنظام الملائمة كأصل عام  ، و الذي يخولها سلطة تقدير مدى ملائمة الاتهام, و ذلك ما سنعترض له بالتفصيل عند دراسة مبدأ الملائمة في مباشرة الاتهام .
المطلب الثاني :سلطة النيابة التقديرية في ظل مبدأ الملائمة (النظام التقديري)
 ويطلق عليه نظام الملائمة ، و مقتضاه ترك  السلطة التقديرية للنيابة العامة , حين يصل إلى علمها نبأ الجريمة  في أن تحرك أو لا تحرك دعوى الحق العام (الدعوى العمومية( إذ لها حق تقدير مدى ملائمة إقامة الدعوى ، فهي حرة في تحريك الدعوى العمومية أو عدم تحريكها وفقا لما تراه ملائما و دون أن تكون ملزمة بتحريك مثل هذه الدعوى عن كل جريمة تصل إلى علمها ، وهذا المذهب يعطي للنيابة العامة حرية واسعة و سلطة كبيرة في التقدير لمدى الفائدة الاجتماعية لتحريك الدعوى، فإن هي قدرت عدم جدواها في بعض الحالات ، فيستحسن عدم إلزامها بتحريكها  وهذا المذهب يجنب  النيابة العامة من أن تحيل إلى القضاء جميع الشكاوى و البلاغات عن الجرائم ، و النيابة العامة في تقديرها ملائمة تحريك الدعوى العمومية أو عدم تحريكها لا ترضي شخصا معينا ، و إنما تراعي اعتبارات موضوعية ، ذلك أن قانون العقوبات قانون عام و مجرد يتضمن جرائم مختلفة و عقوبات مقررة لها و لا يمكن للمشرع إدراك كل الظروف الخاصة التي تصاحب في بعض الأحيان  ارتكاب الجريمة و التي قد تخفف من خطورتها كون أن الجرائم ترتكب في ظروف متنوعة جدا، كما تتنوع ظروف المتهمين كذلك، و من المصلحة ان يكون نشاط النيابة العامة متلائما مع هذه الظروف(1).  فالمشرع عند إقراره مبدأ الملائمة و إعطائه للنيابة العامة سلطة تقدير ملائمة الاتهام افترض أنه ليست ثمة مخالفة للنظام العام بالجريمة التي لم تباشر فيها النيابة العامة الاتهام إذ جعل منها قاضي 
ــــــــــــــــــــــــ
1-د/ محمد العيد الغريب-المرجع السابق –ص 370.
الملائمة وبمعنى أخر قاضي مقتضيات النظام العام .
وقد اعتمد أنصار هذا المذهب على حجج عديدة منها أن قرار النيابة بالتخلي عن الإتهام يتصل بالعمل القضائي ،فيما يتعلق بالفصل في الجسامة القانونيةو الإجتماعية للفعل.فهو يجنب المتهم مخاطر المحاكمة الجنائية متى اقتضت اعتبارات الصالح العام ذلك فالتهديد برفع الدعوى العمومية، قد يكون كاف بذاته للتأثير في المتهم من أن يكون التهديد بحكم الإدانة، كما يضمن هذا النظام استقلالية النيابة العامة في مواجهة السلطة التنفيذية فلا تكون ملزمة بمباشرة الاتهام أو عدم مباشرته ، بل تقدر ذلك لما ترتئيه،وهي كنائبة عن المجتمع و أمينة على مصالحه ،بالإضافة إلى أن دور النيابة لم يعد مقصورا على مجرد أنها جهاز إداري يتكفل  بنقل المخالفة القانونية إلى القاضي للفصل فيها ، بل يمتد إلى حجز هذه المخالفة لديها و الفصل فيها بالامتناع عن مباشرة الاتهام عند الاقتضاء ، وهو بلا شك عمل من أعمال القضاء،ولكن هذا لا يعني أن قرار الحفظ الذي تصدره النيابة العامة قرار قضائي ، مثل تلك التي يجوز الطعن فيها إذ أنه يصدر من النيابة العامة بوصفها هيئة قضائية و ليست جهة قضائية فاصلة في النزاع (1).غير أنه تفاديا لمساوئ و عيوب كلا النظامين الإلزامي و التقديري ،الاستفادة من مزاياهما فإن غالبية التشريعات لا تعتنق أيا من المذهبين على الإطلاق ، ويحاول كل تشريع أن يتبنى من حيث المبدأ أحد المذهبين و يدخل عليه بعض الاستثناءات أو القيود بهدف تجنب المساوئ التي تنتج عن إعمال هذا المذهب أو ذاك ، فالتشريعات التي تأخذ بالمذهب الإلزامي قد خرجت عليه في بعض الأحوال ، فعلقت تحريك الدعوى بالنسبة لبعض الجرائم على تقديم شكوى أو طلب أو بعد الحصول على إذن من بعض الجهات ، و بعض التشريعات التي تأخذ بمذهب الملائمة  أعطت للمضرور من الجريمة حق تحريك الدعوى العموميةمطالبا، بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من الجريمة ، و أجبرت النيابة العامة في هذه الحالة على تحريك الدعوى العمومية ، كما أن هذه  التشريعات تعطي لجهات غير النيابة حق تحريك الدعوى العمومية كما في حالات جرائم الجلسات ، وينبغي التمييز بين المراحل الدعوى العمومية ، ففي مرحلة تحريك الدعوى  فإن التشريعات في غالبها تأخذ بمذهب الملائمة ، و يكون للنيابة العامة سلطة تقديرية في تحريكها أو عدم تحريكها ،أما مرحلة استعمال الدعوى  فإن النيابة العامة إذا كانت قد حركت الدعوى العمومية فإنها
ـــــــــــــــــ
1- د/محمد العيد الغريب-المرجع السابق ص 395.
 تلتزم باستعمالها وليست لها أي سلطة تقديرية فيما يتعلق بمباشرة هذه الدعوى أمام القضاء فلا يجوز 
لها إنهاؤها أو سحبها أو التنازل عنهالأن الدعوى العمومية بعد تحريكها ،و إحالتها أمام المحكمة المختصة تخرج نهائيا من حوزة النيابة العامة  و تدخل في حوزة المحكمة .
المطلب الثالث: موقف المشرع الجزائري من الأنظمة السابقة: 
 إن قانون الإجراءات الجزائية الجزائري أناط للنيابة العامة وظيفة الاتهام و المتابعة و نص في القسم الثاني منه ، المتعلق باختصاصات النيابة العامة، الفقرة الأولى من المادة36 ،على أنه "يقوم وكيل الجمهورية بتلقي المحاضر و الشكاوي و البلاغات و يقرر ما يتخذ بشأنها".
فبالر جوع إلى نص المادة المذكور أعلاه – و المشابهة لنص المادة 40/01من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي – يتضح أن المشرع الجزائري قد تبنى نظام الملائمة كأصل عام في مباشرة الاتهام من طرف النيابة العامة ، وذلك ما يستخلص من عبارة "يقرر ما يتخذ بشأنها"….   و هي العبارة التي توحي بشكل صريح أن المشرع خول النيابة العامة السلطة التقديرية بأن تتصرف في المحاضر و الشكاوى و البلاغات الواردة إليها،,إما بحفظ القضية إداريا ، أو تحريك الدعوى العمومية ،و ذلك حسب ما يتراءى لها مدى ملائمة الاتهام .
 ولذلك يكون الأساس القانوني لنظام الملائمة في القانون الجزائري هو نص الفقرة الأولى من المادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية ،التي لم تترك أي مجال للشك في حذو المشرع الجزائري حذو المشرع  الفرنسي في الأخذ بنظام الملائمة في مباشرة الاتهام من طرف النيابة العامة ، هكذا يكون المشرع الجزائري قد تفادى كل المناقشات و الخلافات الفقهية التي ظهرت في فرنسا حول هذا الموضوع  قبل فضها بصدور المادة 40 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي .
و يلاحظ أ ن المشرع الجزائري إن كان قد كرس نظام الملائمة في نص المادة 36/01 من قانون الإجراءات الجزائية كأصل عام في  مباشرة الاتهام ،إلا أنه أخذ بنظام الشرعية كاستثناء لمباشرة الاتهام في مواد  الجنايات ، و ذلك عندما نص في المادة 66  من قانون الإجراءات الجزائية "أن  التحقيق الابتدائي وجوبي في مواد الجنايات. "بمعنى أن النيابة العامة عندما تتلقى محضر أو شكوى أو بلاغ يفيد وقوع جريمة  تبدو في ظاهرها أنها جناية  و كان  مرتكبها مجهولا  كأن يتم العثور على جثة شخص مشكوك في وفاته ، فليس للنيابة العامة في هذه الحالة أن تقرر حفظ الأوراق بحجة عدم معرفة الفاعل ، كما هو الحال في الجنح و المخالفات بل يجب عليها أن تباشر الاتهام بتقديم طلب افتتاحي لقاضي التحقيق  تطلب فيه فتح تحقيق ضد مجهول ، وهذا ما سار عليه كذلك الاجتهاد القضائي في الجزائر (1).
فالنيابة العامة طبقا للمادة  66 من قانون  الإجراءات الجزائية  قد أخضعها المشرع لالتزامات نظام الشرعية الذي يفرض عليها مباشرة الاتهام في مواد الجنايات بتحريك الدعوى العمومية عن طريق طلب افتتاحي  وتحرك هذه الدعوى ضد شخص مسمى أو غير مسمى (مجهول ) طبقا لنص المادة 67/02 من قانون الإجراءات الجزائية (2) .
إلا أن المشرع الجزائري بتبنيه نظام الملائمة كأصل عام في مباشرة الاتهام من طرف النيابة العامة  يثار تساؤل حول ما إذا كانت  تعمل النيابة العامة في ظل القانون الجزائري في إطار سلطتها التقديرية دون الخضوع إلى أي نوع من الرقابة ؟.
و الجواب هو أن النيابة العامة تخضع لمبدأ التبعية التدرجية الذي يحكم نشاطها فكل عضو من أعضاء النيابة يخضع لرئيسه التدريجي الذي له سلطة الإشراف و الرقابة على أعمال و نشاط مرؤوسيه، و بناءا عليه فأعضاء النيابة بوصفهم مرؤوسين ملزمون بتبليغ رئيسهم عن كل القرارات المتعلقة بمباشرة الاتهام  في الدعوى العمومية و للرئيس التدرجي سلطة إلغاء هذه القرارات متى رأى أنها مخالفة لالتزامات نظام الشرعية ، أو أنها اتخذت عن قصد أو خطأ  في إساءة  استعمال السلطة التقديرية  التي يقررها نظام الملائمة و تسمى هذه الرقابة "بالرقابة التلقائية".
وقد أخذت العديد من التشريعات نظام الرقابة التلقائية كالتشريع الفرنسي و التشريع المصري فتنص المادة 125  من قانون السلطة القضائية المصري لسنة1972 على أن: "أعضاء النيابة العامة يتبعون رؤساءهم  وهم جميها يتبعون وزير العدل ، و للوزير حق الرقابة والإشراف على النيابة العامة و أعضائها، و للنائب العام حق الإشراف و الرقابة على جميع أعضاء النيابة العامة "

ــــــــــــــــــــ
1-د/أحسن بو سقيعة- قانون الإجراءات الجزائية في ظل الممارسات القضائية-الديوان الوطني للأشغال التربوية-2001-ص 38.
2- راجع أحكام المواد 66و 67 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.

أما المشرع الجزائري فقد أخذ بنظام الرقابة التلقائية كذلك عندما ركز سلطات النيابة العامة في يد النائب العام  الذي يرأس أعضاء النيابة العامة الذي يعملون بالمحاكم التابعة للمجلس القضائي الذي يشرف عليه،فللنائب العام على مرؤوسيه سلطة كافية في الأشراف و الرقابة من الناحيتين الآدارية و الفنية معا ،لكننا نلاحظ أبضا أن وزير العدل بدوره يمارس سلطة الرقابة و الأشراف على أعضاء النيابة العامة و يتجلى دلك من خلال نص المادة 30 من قانون الإجراءات الجزائية <<......كما يسوغ له فضلا عن دلك أن يكلفه كتابة بان يباشر أو يعهد بمباشرة متابعات أو يخطر الجهة القضائية المختصة بما يراه ملائما من طلبات الكتابة .
فوزير العدل رغم انه ليس من أعضاء النيابة و لا بمثلها أمام الجهات القضائية ،إلا انه يملك سلطة توجيه أعضاء النيابة لتحريك الدعاوى العمومية و مباشرتها، أو تقديم طلبات معينة طبقا لنص المادة 31/01 من قانون الإجراءات الجزائية ،كما انه طبقا للمواد 33 و35 من القانون السالف الذكر فان وكلاء الجمهورية في المحاكم إنما يمثلون النائب العام لدى المجلس القضائي ، باعتباره انه هو من يمثل النيابة العامة على مستوى المجلس القضائي بمجموع المحاكم التابعة له ،كما أكد القانون الأساسي للقضاء السلطة السلمية و التبعية التدرجية لسلك أعضاء النيابة ،تحت إشراف و رقابة ووزير العدل.
كما أن القانون الجزائري  الذي تبنى نظام الملائمة كأصل عام ، لا يوجد فيه ما يؤكد منح المشرع للمضرور من الجريمة  حق التظلم الإداري  من قرارات الحفظ التي تصدرها أعضاء النيابة العامة  عند تلقيهم المحاضر و الشكاوي و البلاغات بشأن الجرائم المرتكبة ، أي أن المشرع أغلق باب التظلم الإداري عند امتناع النيابة العامة عن مباشرة الاتهام في الدعوى العمومية  كنظيره المشرع الفرنسي ، غير أن الفقه في فرنسا أجاز منح حق التظلم الإداري للمضرور من الجريمة و ذلك استنادا إلى قواعد القانون العام بشأن الأعمال الإدارية (1).
و باعتماد المشرع نظام الملائمة في مباشرة الاتهام منح بالمقابل للمضرور من الجريمة الذي صدر في حق شكواه قرارا بالحفظ، حق تحريك الدعوى العمومية عن طريق الادعاء المدني أمام قاضي التحقيق أو الادعاء المباشر أمام المحكمة. و هو الحق الذي يقصد به تمكين الأفراد من مراقبة النيابة 
ــــــــــــــــــ
1-STEFANI (G) ET LE VASSEUR (G)-droit pénal et procédure pénal-DALLOZ-PARIS-page97et c.
العامة في تصرفاتها لتفادي الأضرار التي تنجم عن إهمالها أو امتناعها عن تحريك الدعوى العمومية 
إذا ما فوتت بذلك على المضرور من الجريمة فرصة إثبات مسؤولية مرتكبها و هذا ما يصطلح عليه بالرقابة القضائية. كما أن التشريعات التي خولت مثل هذا الحق للمضرور من الجريمة قد حرصت على حماية المصالح الفردية التي تضار من الجريمة التي قد لا تجد اهتماما من النيابة العامة التي لا تراعي في مباشرة الاتهام ، سوى اعتبارات المصالح العامة للمجتمع كونها الممثلة له في الدعوى العمومية '(1)
 وبانتهائنا من دراسة هذا المبحث التمهيدي الذي تناولنا فيه سلطة النيابة العامة بين نظامي الشرعية و الملائمة في مباشرة الاتهام و مدى حدود السلطة التقديرية التي تتمتع بها النيابة العامة في كل من النظامين ، وبينا فيه خطة المشرع الجزائري الذي اعتمد نظام الملائمة كأصل عام في مباشرة الاتهام  من قبل النيابة العامة .
 سنتعرض في الفصل الأول من هذا البحث إلى السلطة التقديرية التي تمارسها النيابة العامة عندما تقرر حفظ أوراق ملف القضية ، في حين نتعرض في الفصل الثاني إلى سلطة النيابة العامة التقديرية عندما تقرر تحريك الدعوى العمومية و رفعها بين يدي القضاء .









  
ـــــــــــــــــ
1-ROUX(D.A)Le ministére publique de la partie lése-thése –paris-1898-page 42.














الفصل الأول : سلطة النيابة العامةالتقديرية في إصدار قرار الحفظ 
إذا رأت النيابة العامة أن لا محل للسير في الدعوى أمرت بحفظ الأوراق، وينطوي هذا القرار الذي جوهره صرف النظر مؤقتا عن تحريك الدعوى العمومية على قدر كبير من الخطورة رغم قلة الأحكام القانونية المنظمة له.
لذلك سوف نتعرض إلى الدراسة تحليلية لقرار الحفظ موضحين المقصود به ثم الفرق بينه و بين الأمر بالأوجه للمتابعة ثم الفرق  بينه و بين الأمر بالا وجه  لإقامة الدعوى )المبحث الأول) و كذا إلى أسباب إصدار هذا القرار و نطاقه في (المبحث الثاني)، و أخيرا وليس آخرا إلى أحكامه و طبيعته القانونية و الآثار المترتبة عنه ((المبحث الثالث).
المبحث الأول : المقصود بقرار الحفظ و الفرق بينه و بين الأمر بالا وجه للمتابعة  و الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى 
المطلب الأول :المقصود بقرار الحفظ 
لم تضع مختلف التشريعات المقارنة تعريف لقرار الحفظ  بل إكتفت بالنص عليه في قوانينها  وذلك ما فعله المشرع الجزائري بدوره من خلال التنصيص عليه في نص المادة 36ّّّّّّ/04من قانون الإجراءات الجزائية  الجزائري، ما جعل الفقه و القضاء يجتهدان في وضع مفهوم له و تناوله بالدراسة ، لذلك عرف الفقه المصري قرار الحفظ أنه : "صرف النظر مؤقتا عن تحريك الدعوى الجنائية ، و عن رفعها إلى القضاء لعدم صلاحية الأمر ، كما هو وارد في محضر جمع الاستدلالات لا التحقيق , ولا للعرض على القضاء(1)،. كما عرفه أيضا"محض إجراء إداري لا يجوز الطعن فيه تصدره النيابة العامة  بناء على التحقيقات الأولية قبل تحريك الدعوى ،ولا يكسب أي حجة، لذلك يجوز لها العدول عنه في أي وقت قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية و لم تظهر أدلة جديدة بعد"(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-د/محمد زكي أبو عامر/الإجراءات الجنائية- دارالكتاب الحديث-القاهرة-ص 137.
2-د/أشرف رمضان عبد المجيد/النيابة العامة و دورها في المرحلة السابقة على المحاكمة- ص 169.

و عرفه الفقه الفرنسي على أنه : " قرار بعدم المتابعة الجنائية للاعتبارات التي تقدرهاالنيابة العامة 
يصدر منها بصفتها سلطة اتهام، و هو لا يكسب حقا و لا يحوز حجية, و يجوز العدول عنه من ذات 
وكيل الجمهورية الذي أصدره ، أو بناء على أوامر الرؤساء (1)"كما عرفه أيضا أنه : "قرار يصدر من النيابة العامة بوصفها سلطة اتهام بعدم تحريك الدعوى العمومية إذا مارأت أنه لا محل للسير فيها.(2)
لكن مهما تعددت المفاهيم التي تعطى لقرار الحفظ فيبقى المقصود به هو صرف النظر من النيابة العامة عن تحريك الدعوى العمومية الناشئة عن الجرم المثبت بمحاضر الضبطية القضائية.
ورغم عدم النص  صراحة في بعض القوانين على سلطة  النيابة العامة  في الحفظ إلا أن العمل أستقر على مبدأ سلطة النيابة العامة في تقرير ما إذا كان ملائما تقديم المتهم على كل جريمة للمحاكمة  أو صرف النظر عن ذلك  و الأمر بحفظ القضية  (3).
و نحاول إعطاء تعريف لقرار الحفظ بناء على ما تقدم فنقول أنه :" مجرد قرار إداري صادر عن النيابة العامة  لا يحوز أي حجة  تختتم به مرحلة التحقيقات الأولية إذا رأت النيابة العامة صرف النظر عن تحريك الدعوى العمومية ".
المطلب الثاني: الفرق بين قرار الحفظ و الأمر بألا وجه للمتابعة:
يتجلى الفرق  واضحا بين قرار الحفظ و الأمر بألا وجه للمتابعة في الأنظمة التي تتبنى الفصل بين سلطتي الاتهام و التحقيق وهو حال النظام القانوني الجزائري، فقرار الحفظ لا يتصور صدوره إلا من النيابة العامة. بعد ما تسبقه أعمال البحث و التحري أو الاستدلال مارستها الضبطية القضائية ، فهو بذلك يعتبر خاتمتها أو خلاصتها ،ويصح صدوره من عضو النيابة  أيا كانت درجته و لا يتصور – حتى منطقيا- صدوره من قاضي التحقيق إذ أن جوهر قرار الحفظ ، هو الأمر بعدم التحقيق أما إذا كانت الدعوى العمومية قد تحركت عن طريق طلب افتتاحي لفتح تحقيق من طرف النيابة العامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-RASSAT MICHELLE-Laure-Le ministre publique entre son passé et son avenir-thése-paris-1967-page 223.
2-RASSAT-(M-L) OP-cit-page223
3-د/رؤوف عبيد-مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري-دار الجيل للطباعة-طبعة16-1985-ص333.
 أو عن طريق شكوى مصحوبة بإدعاء مدني من طرف المضرور فإن الأمر الصادر يكون الأمر بألا وجه للمتابعة على أساس أنه صدر كنتيجة لتصرف قاضي التحقيق في التحقيق الابتدائي .
كما أن الأمر بألا وجه للمتابعة باعتبار أنه يمنع إحالة الدعوى العمومية على قضاء الحكم ، فهو قابل للاستئناف أمام غرفة الاتهام سواء من طرف النيابة العامة أو المدعي المدني (1)،أما إذا لم يستأنف الأمر و أصبح نهائيا حال دون تحريك الدعوى العمومية حول نفس الواقعة مرة ثانية .
و بالنظر إلى أسباب صدور كل من قرار الحفظ و الأمر بألا وجه للمتابعة ، نجد أن المشرع الجزائري عندما اعترف للنيابة العامة سلطة إصدار قرار الحفظ ، لم يقيدها بوجوب اسناده إلى سبب محدد ، وإنما ذكر في صياغة عامة أن للنيابة العامة سلطة إصدار قرار الحفظ ، إذا ما رأت  أنه لا محل للسير في الدعوى ، على عكس الأمر بألا وجه للمتابعة الصادر عن قاضي التحقيق،  فلابد أن يستند  هذا الأخير إما على سبب من الأسباب القانونية أو الموضوعية المحددة قانونا وبالتالي لا يتمتع قاضي التحقيق بسلطة الملائمة في إصدار هذا القرار مثلا لعدم الأهمية أو التفاهة أو عدم الصحة أو عدم ملائمة المتابعة(2). 
وبالتالي تختلف الجهات الصادر عنها علا القرارين ، فقرار الحفظ صادر عن النيابة العامة التي تتمتع بسلطة الملائمة و التي بموجبها لها تقرير حفظ أوراق الملف رغم توافر أركان الجريمة  وثبوت مسؤولية مرتكبها ، في حين أن عمل قاضي التحقيق أساسا هو عمل قضائي لا يستطيع إصدار الأمر بألا وجه للمتابعة إلا إذا إستند إلى أسباب قانونية أو موضوعية .
فالاختلاف في الجهات المصدرة لكلا القرارين هو ما يفسر اختلاف الطبيعة القانونية لكليهما فالأول ذو طبيعة إدارية  يؤدي إلى عدم إقامة الدعوى  رغم قابليته للإلغاء، في حين أن الثاني ذو طبيعة قضائية  يحول دون طرح الدعوى العمومية على المحكمة و إنهائها على مستوى مرحلة التحقيق بعد تخطيها مرحلة الاتهام (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-راجع المواد 170و 174 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
2-د/أشرف رمضان عبد المجيد_مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام و التحقيق-دراسة مقارنة-دار الفكر العربي- 2004-ص651.
3-د/محمود نجيب حسني ، شرح قانون الإجراءات الجنائية /ط2/القاهرة/دار النهضة العربية1988 ص185 .                                                                                         
المطلب الثالث : الفرق بين قرار الحفظ و الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى 
تطرح مسألة التفرقة بين قرار الحفظ و الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى في الأنظمة التي تجمع فيها النيابة العامة سلطتي الاتهام و التحقيق ، كما هو حال القانون المصري و بعض القوانين الأخرى التي تجيز للنيابة العامة مباشرة التحقيق في الدعوى العمومية .
فأمر الحفظ تصدره النيابة العامة بوصفها سلطة اتهام أو استدلال لا سلطة تحقيق(1) و الدليل على ذلك أنه يتخذ قبل أن تكون الدعوى الجنائية تحركت بأي إجراء من إجراءات التحقيق ، أما إذا كانت الدعوى الجنائية، تحركت سوءا بالتحقيق الذي أجرته النيابة بنفسها أو الذي قامت به  الضبطية القضائية بناء على انتداب منها فإن الأمر الصادر يكون بألا وجه لإقامة الدعوى و هو أمر قضائي له حجيته(2).فالعبرة إذن في تكييف طبيعة الأمر، هل هو أمر بالحفظ أو قرار بألا وجه لإقامة الدعوى ؟ بالتحقيق القضائي فإذا كان الأمر مسبوقا بتحقيق قضائي أجرته النيابة العامة نفسها أو قام به أحد رجال الضبطية القضائية كان قرار بألا وجه لإقامة الدعوى أما إذا كان صدور الأمر من النيابة العامة لم يسبقه تحقيق قضائي فهو أمر بالحفظ بصرف النظر عن التسمية التي منحت له . (3)
ورغم صدور كلا الأمرين  من النيابة العامة إلا أنهما يختلفان من حيث الآثار ، فالأمر بألا وجه لإقامة الدعوى يحوز حجية خاصة تحول دون العودة إلى التحقيق أو طرح الدعوى على المحكمة طالما لم تظهر أدلة جديدة من شأنها أن تعزز الاتهام نظرا لطبيعتة القضائية في حين أن الأمر الصادر من النيابة العامة بحفظ الأوراق الذي لم يسبقه تحقيق قضائي لا يكون ملزما، لها بل إن لأعضائها حق الرجوع فيه بلا قيد و لاشرط بالنظر إلى طبيعة الإدارية، ما دام ذلك قد تم قبل المدة المقررة لسقوط الدعوى بالتقادم.و بالتالي إذا باشرت النيابة التحقيق في قضية ما ثم تراءى لها غلق الملف ففي هذه الحالة تصدر قرار بألا وجه لإقامة الدعوى بشرط أن يكون قد تم تحقيق فعلي و صحيح (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1-من هذه القوانين/القانون الياباني،الأردني،الكويتي،الليبي،اليمني،والسوداني.
2-د/محمد زكي أبو عامر/المرجع السابق-ص138.
3-قرار صادر من محكمة النقض المصرية بتاريخ20/06/1976-أحكام محكمة النقض /ص161.
4-د/محمد زكي أبو عامر-المرجع المذكور أعلاه ص138.
فإذا اشر عضو النيابة العامة على محضر الاستدلال بإعادته إلى الضبطية القضائية لسماع شاهد، فإن ما يصدره بعد ذلك هو أمر بالحفظ لأن الإجراء المتخذ في هذه الحالة إجراء استدلالي  وليس من إجراءات التحقيق بوصفها سلطة تحقيق .
المبحث الثاني: الأسباب القانونية و الموضوعية لقرار الحفظ و نطاقه 
سوف نتعرض في هذا المبحث إلى ثلاثة نقاط أولا إلى الأسباب القانونية لقرار الحفظ( مطلب أول) ثم إلى الأسباب الموضوعية للقرار )مطلب ثاني ) و ثالثا إلى مجال و نطاق قرار الحفظ )مطلب ثالث).
المطلب الأول: الأسباب القانونية لقرار الحفظ: 
تقوم الأسباب القانونية في الحالات التي يتبين فيها للنيابة العامة من الأوراق أن  أركان الجريمة لم تتوافر قانونا ، أو هناك سبب لامتناع العقاب أو لانقضاء الدعوى العمومية أو لعدم جواز رفع الدعوى  و المقصود بالأسباب القانونية هي العقبات القانونية التي تحول دون قيام النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية مما يضطرها إلى إصدار قرار الحفظ و تتمثل هذه الأسباب في ما يلي :
1 )- انعدام الصفة الإجرامية للفعل :تتحقق هذه الحالة عندما تكون الواقعة محل البحث و التحري لا يعاقب عليها القانون أي أنها لا تشكل جريمة في نظر قانون العقوبات أو القوانين المكملة له ، كأن تكون ذات طبيعة مدنية، فمثلا تحفظ القضية التي ينسب فيها بائع المنقولات للمشتري أنه إرتكب جريمة خيانة الأمانة لأنه استولى على المبيع المنقول  لنفسه دون أن يسدد ثمنه فمن البديهي أن عقد البيع لم يرد ضمن العقود الذي إعتبر القانون الإخلال بتنفيذها مكونا لجريمة خيانة الأمانة ،و يستعمل تعبير: عدم الجناية،  أي أن الحفظ تحت هذه التسمية سواء كانت الدعوى المقصودة أصلا هي جناية أو جنحة أو مخالفة . يفيد أنه لا جريمة في الوقائع التي تناولها محضر ضبط الواقعة ونضرب مثالا أخر للتوضيح أكثر كأن  تتسرب المياه من حقل)أ)  إلى حقل) ب ) فتتلف زراعة هذا الأخير فيتقدم بشكوى إلى ضابط الشرطة القضائية  الذي يقوم بإثبات ذلك في محضر رسمي، ويحيله بعد ذلك إلى وكيل الجمهورية ولما كان الإتلاف لا يعاقب عليه قانونا إلا إذا وقع عمدا فلا جريمة أصلا ما دام تسرب المياه من حقل المشكو ضده لم يكن إلا نتيجة إهماله أو عدم احتياطه هنا تحفظ النيابة العامة الملف لعدم الجناية ، باعتبار أن  الوقائع المادية ذات طبيعة مدنية ، فللمضرور اللجوء للقضاء المدني و المطالبة بالتعويضات  .
(2 - توافر سبب من أسباب الإباحة :قد تكون الأفعال موضوع محضر البحث و التحري معاقبا عليها، و لكن مع و جود نص التجريم يوجد نص للإباحة يلغي نص التحريم ، و تتحقق هذه الحالة في عدة أوضاع كحالة الدفاع الشرعي المنصوص عليها في المادة "39/02 من قانون العقوبات الجزائري.
أو إذا تعلق الأمر بالشروع في جنحة ، لا ينص القانون على العقاب عند الشروع فيها أصلا ، أو أن يقوم ضابط الشرطة القضائية بتوقيف شخص للنظر لمدة48 ساعة و بعدها يتقدم الموقوف للنظر بشكوى لوكيل الجمهورية يشكو فيها من حجزه بمركز الشرطة لمدة48  ساعة دون مبرر قانوني ، في حين تبين فيما بعد أن ضابط الشرطة قد احتجز الشاكي فعلا تحت المراقبة  لتلك المدة لأخذ معلوماته و التعريف على هويته بشأن التحقيق في جريمة ما ، فالأصل أن حجز الأشخاص يعاقب عليه قانونا، لكن ضابط الشرطة يمارس سلطته كسبب من أسباب الإباحة وهنا نص الإباحة يعطل نص التجريم فيكون الفعل غير مجرم أصلا.
3 )- الحفظ لامتناع العقاب :يجوز للنيابة العامة حفظ الدعوى إذا كان هناك نص قانوني يعفي الفاعل  من العقوبة ، حيث يكون تحريك الدعوى في هذه الحالة غير مجد و لا طائل منه ، و من أمثلة ذلك ما نص عليه المشرع من إعفاء كل من يبلغ السلطات بكشف جمعيات الأشرار من عقوبة تكوين تلك الجمعيات أو المساهمة فيها بحسب المادة 179 من قانون العقوبات و كذلك إخفاء الزوجة زوجها الفار من العدالة، و كذا زواج الخاطف بالقاصرة التي يخطفها إذا تزوج بها زواجا شرعيا .
-(4الحفظ لامتناع المسؤولية : للنيابة العامة الحق في حفظ الدعوى العمومية إذا كان الفاعل غير مسؤول جنائيا بأن كان حدثا غير مميز أو كان مجنونا وقت ارتكابه الجريمة و الحكمة من ذلك واضحة هي أنه لا طائل و لا فائدة من تحريك الدعوى و إحالتها للقضاء لأن عنصرا المسؤولية وهما الخطأ و الأهلية غير متوفرين معا  حتى مع ثبوت إتيان الفعل المادي المجرم. 
5)-الحفظ لعدم إمكان تحريك الدعوى:و يقصد به أن لوكيل الجمهورية حق التصرف في محضر الضبطية القضائية بإصدار قرار حفظ أوراق الدعوى، لعدم إمكان تحريكها في الحالات التي ينص فيها المشرع صراحة على تعليق تحريكها على شرط لم يتحقق في الدعوى العمومية ، ومثال ذلك ما إشترطه المشرع في بعض الجرائم من تقديم شكوى أو صدور طلب ، أو استصدار إذن لإمكان المتابعة، ومثال ذلك جنايات  جنح متعهدي توريد الجيش الوطني الجزائري المنصوص عليها في المواد من 161إلى 164 من قانون العقوبات الجزائري ، و جريمتي ترك الأسرة و الزنا المنصوص عليهما في المادتين 330 و 339من قانون العقوبات، و كذلك جرائم الأموال التي تقع بين   الأقارب و الحواشي حتى الدرجة الرابعة  المنصوص عليها في المواد 368و 369و 373 و 377 من قانون العقوبات الجزائري ، و أيضا الجنايات و الجنح المرتكبة من أعضاء المجلس الشعبي الوطني ، أو أعضاء مجلس الأمة المنصوص عليها في المادتين 110 و 111 من الدستور الجزائري لسنة 1996.
-(6الحفظ لانقضاء الدعوى العمومية : لا شك في أن الدعوى العمومية إذا إنقضت بأحد الأسباب العامة أو الخاصة التي نصت عليها المادة06 من قانون  الإجراءات  الجزائية  وهي : التقادم ، وفاة المتهم، العفو الشامل، إلغاء القانون الجزائي، وصدور حكم  حائز لقوة الشيء المقضي به، و الصلح القانوني  وسحب الشكوى بعد تقديمها ، لا يكون هناك مبررا  لتحريك الدعوى  من جديد ، الأمر الذي معه يلتزم عضو النيابة المعروض عليه محضر الاستدلالات بأن يصدر أمرا بحفظ المحضر لانقضاء الدعوى،و ذلك لأن انقضاء الدعوى من النظام العام.
تلك هي أسباب الحفظ القانونية التي يجب فيها على النيابة العامة إصدار أمر بحفظ أوراق الملف فإذا هي قدمتها للقضاء من باب الخطأ أو الإهمال بتعين الفصل فيها بالبراءة أو العفو أو بانقضاء الدعوى العمومية حسب الأحوال.
المطلب الثاني: الأسباب الموضوعية للحفظ:
يقصد بالأسباب الموضوعية، تلك الأسباب التي يكون مصدرها متعلقا بموضوع الدعوى و وقائعها من حيث معرفة الجاني و توافر أدلة الإسناد ضده ، و ما إذا كانت الادعاءات المقامة ضده صحيحة أم غير  صحيحة  ولها أهمية أم لا ؟ و يمكن القول أن الأسباب الموضوعية للحفظ تنحصر في أربعة و هي :

(1 الحفظ لعدم معرفة الفاعل : أحيانا تقع جريمة متكاملة الأركان  غير أن محضر الاستدلالات  يشير إلى عدم معرفة مرتكبها كأن تقع جريمة سرقة ، ويبلغ المضرور عنها للسلطات و لا يشتبه في أي أحد ثم يتولى ضابط الشرطة القضائية مهمة البحث و التحري عن فاعلها ،غير أن هذه الأخيرة لا تسفر عن معرفته ففي هذه الحالة يكون مصير  الاستدلالات هو الحفظ ، فعدم معرفة الفاعل هو سبب موضوعي للحفظ  يتعلق بثبوت الواقعة المدعى بها ، و يعد هذا السبب أكثر الأسباب شيوعا في الحفظ  لدرجة أن أغلبية قرارات الحفظ تصدر لهذا السبب.
2)- الحفظ لعدم كفاية الأدلة:في هذه الحالة يكون الفاعل معروفا ولكن الأدلة القائمة ضده لا تنهض دليلا على إدانته،و بالتالي متى ثبت للنيابة العامة أن محضر جمع الاستدلالات لم يكن قد توصل إلى أدلة متكاملة تكفي لتحريك الدعوى العمومية ، وإنما هي استدلالات أو شبهات لا تقطع باقتراف المشتبه فيه للجريمة ولا تكفي بذاتها لإحالته على المحكمة ، فإن النيابة العامة بناء على سلطتها في ملائمة تحريك الدعوى العمومية  لها أن تصدر قرار بحفظ الأوراق لعدم كفاية الأدلة (1) .
 (3-الحفظ لعدم الصحة :يعرف الفقه عدم الصحة  بأنه "عدم وقوع الفعل من الناحية المادية". و في  حالة ما إذا أشار محضر الاستدلال إلى عدم صحة الواقعة المبلغ عنها ،فإنه يجب على عضو النيابة العامة أن يتريث و لا يلجا إلى الأمر بالحفظ لعدم الصحة ،إلا إذا تم التحري ثانية في الموضوع ليصل إلى الحقيقة الدامغة ، قبل أن تكون قد قرر الحفظ لعدم الصحة ، و كل ذلك يتوقف على  حسن تقدير أعضاء النيابة العامة و سلامة وزنهم للأمور في كل حالة يتطرق فيها الشك إلى الدليل بناء على شواهد تؤدي إلى هذا الشك.(2)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1-د/عبد الفتاح بيومي حجازي-سلطة النيابة العامة في حفظ الأوراق و الأمربألاوجه لإقامة الدعوى الجنائية-دراسة مقارنة-دار الفكرالعربي-مصر-2004ص224.
2-محمود نجيب حسني_المرجع السابق_ص258.





وعليه بعد أن تتأكد النيابة العامة من أن الواقعة المبلغ عنها في محضر الاستدلالات أو الشكوى لم ترتكب أصلا، فإنها تصدر قرار بحفظ الأوراق لعدم صحة التهمة، وذلك ما أكده المجلس الأعلى للقضاء في قرار له صادر بتاريخ 25/12/1984(1).
(4-الحفظ لعدم ملائمة المحاكمة أو عدم أهمية الجرم : تنفرد النيابة العامة دون غيرها من سلطات التحقيق أو القضاء بالحق في أن تتخذ من عدم الأهمية  معيارا لغض النظر عن الدعوى العمومية ، ويعد هذا النوع  من الحفظ هو الصورة المباشرة لنظام الملائمة وهو أكثر  أنواع الحفظ أهمية ، ذلك أن النيابة العامة تتطرق فيه إلى وزن الواقع مع الجريمة المرتكبة و تقديرهما لتقرير عدم ملائمة المحاكمة ، و لو أن التطبيق المجرد للقانون يسوغ إجراء المحاكمة ، نظرا لثبوت الجريمة في حق المتهم بجميع أركانها.
و لا توجد معايير تحدد على أساسها عدم ملائمة المحاكمة أو عدم أهمية الجرم ، إذ أن الأمر في ذلك متروك لتقدير النيابة العامة في كل حالة على حدى تبعا لاتخاذ الواقع صورا لا حصر لها  فقد مارست النيابة العامة السلطة  التقديرية  بالمعنى المتقدم في حالات الإهمال الثابت في حق مرتكب الجريمة غير العمدية حين تكون عواقب إهماله أكثر إيلاما من توقيع العقوبة عليه بسبب هذا الإهمال(2)، و كذلك درجت النيابة العامة على عدم تقديم متهم مبتدئ في الإجرام للمحاكمة، إذا كان المجرم الواقع منه تافها خشية من أن يفسده تنفيذ العقوبة عليه(3) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- قرار صادر بتاريخ 25/12/1984 الغرفة الجنائية الثالثة رقم 31341 – المجلة القضائية –العدد الأول سنة 1990 ص 301.
2-على سبيل المثال : إذا إستيقظ رجل في الليل من نومه إثر إنطلاق الانين من بطن إينه المريض , فأشعل مصباحا بتروليا غير أنه لسبب أو لاخر سقط منه المصباح و تحطم على الارض فاشعلت النيران في سرير كان ينام عليه إثنان من الابناء ماتا محترقين , كما إمتدت النيران لبقية المنزل فأتت عليه , فإن هذه الواقعة الموصوفة قانونا بوصفين الحريق بإهمال , و القتل بإهمال و القابلة بالتطبيق للقانون لان تكون محلا للمحاكمة , تبعا لثبوت الاهمال في حق المتهم , لا يكون من الملائم تقديم المتهم بها للمحاكمة , لانه هو نفسه ضحية لاهماله الشخصي , و يعتبر تطبيق العقوبة عليه أقل قسوة من الاذى الذي لحق به نتيجة إهماله (أنظر كتاب د/ أشرف رمضان عبد المجيد - مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام و التحقيق- هامش الصفحة 424).
3-محمود نجيب حسني –المرجع السابق-ص404.


و قد نصت المادة 805 من تعليمات النيابة العامة في مصر ،أن من أسباب أمر الحفظ هو "عدم الأهمية أو عدم ملائمة المحاكمة" وقد قررت المادة 807 من هذه التعليمات أنه :"يجوز للنيابة العامة رغم ثبوت الواقعة و توافر أركان الجريمة  أن تقرر حفظ الأوراق ، كما إذا كانت الواقعة قليلة الأهمية أو كان المتهم طالبا ، و لم يرتكب جرائم من قبل ، أو كان قد إرتكب جرما بسيطا و تصالح مع المجني عليه  و يراعى في الحفظ هنا التنبيه على المتهم على عدم العودة لمثل ذلك مستقبلا"كما نصت المادة 708 من ذات التعليمات :"تستدعي النيابة العامة و الدي المتهمين أو من لهم حق الولاية عليهم في جميع قضايا الأحداث و طلبة المدارس و المعاهد بصفة عامة،  و التي تحفظ لعدم الأهمية و تحذيرهم عاقبة العودة إلى ما وقع منهم ".
المطلب الثالث: مجال و نطاق قرار الحفظ 
إن نطاق و مجال قرار الحفظ يختلف من نظام قانوني إلى آخر ، ففي النظم القانونية التي تتبنى نظام الشرعية كأصل عام في مباشرة الاتهام ، و نظام الملائمة كاستثناء لا يجوز للنيابة العامة الامتناع عن تحريك الدعوى العمومية  عن كل جريمة يصل إلى علمها نبأ وقوعها، إذ ليس لها إصدار قرار الحفظ  إلا في حالات استثنائية حددها القانون على سبيل الحصر، كما هو الحال في القانون الألماني فقد خول المشرع الألماني للنيابة العامة سلطة  إصدار قرار الحفظ في تسعة حالات فقط ،حددها على سبيل الحصر في المادتين 153 و 154 من قانون الإجراءات الجزائية الألماني ،أما ما عاداها فلا مجال لقرار الحفظ ، حيث تكون النيابة العامة خاضعة لنظام الشرعية الذي يفرض عليها تحريك الدعوى العمومية و امتناعها عن اصدار قرار بحفظها، و هذا ما حذت حذوه بعض القوانين.
كما تنص بعض القوانين التي تبنت نظام الشرعية بصورة مطلقة على منع النيابة العامة من اللجوء إلى إصدار قرار بحفظ الأوراق،  كما هو الحال في القانون الايطالي الذي نص في المادة 112 من الدستور و المواد 1 و 74 و 75 من قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي على تبنيه نظام الشرعية بصورة مطلقة ، و لا وجود لأي استثناء لصالح نظام الملائمة .
أما في الأنظمة القانونية التي تبنت نظام الملائمة كأصل عام في مباشرة الاتهام و نظام الشرعية كاستثناء تكون للنيابة العامة سلطة تقديرية واسعة لتقرير ملائمة تحريك الدعوى العمومية، أوالامتناع عن تحريكها و إصدار قرار بحفظ الملف، ما عدا الحالات الاستثنائية التي قررها المشرع لصالح نظام الشرعية ، كما في الجنايات حيث أوجب المشرع على النيابة العامة اتخاذ إجراءات تحريك الدعوى العمومية ، كما هو الحال في القانون الفرنسي و القوانين التي سارت في فلكه كالقانون المصري و القانون الجزائري، فقد قضت المحكمة العليا الجزائرية على أن إجراءات التحقيق في الجنايات أمر لزومي و وجوبي ،طبقا لأحكام المادة 66 الفقرة الأولى من قانون اللإجراءات الجزائية الجزائري ، و يترتب على عدم مراعاته النقض و ذلك ما أكده القرار الصادر بتاريخ 07/12/1982  عن الغرفة الجنائية الأولى في الطعن  رقم 29815 (1).
و على ضوء ما تقدم تبين لنا أن نطاق قرار الحفظ أي بمعنى ما هي الجرائم التي يمكن للنيابة العامة فيها أن تقرر عدم المتابعة، و تبعا لذلك تصدر قرار الحفظ. و ما هي الجرائم التي يجب عليها فيها تحريك الدعوى العمومية و لا يبقي لها مجال لإعمال سلطتها التقديرية- و ذلك يختلف باختلاف النظام القانوني المتبع في مباشرة الاتهام ، فإذا كان المشرع يتبنى نظام الشرعية كأصل عام في مباشرة الاتهام  فإن قرار الحفظ لا  يجد مجاله إلا استثناء، و فقط في الجرائم التي حددها المشرع حصريا.
أما إذا كان المشرع يتبنى نظام الملائمة كأصل عام في مباشرة الاتهام  فإن قرار الحفظ يتسع نطاقه ليشمل مواد الجنح و المخالفات دون  الجنايات ، و ذلك ما نصت عليه المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية المصري  التي تركت للنيابة العامة سلطة ملائمة تحريك الدعوى العمومية في الجنح و المخالفات في حين أن المادة 199 من نفس القانون ، أوجبت على النيابة العامة بأن تجري تحقيقا في الجنايات بنفسها أو بطلب ندب قاضي لمباشرته، إذا كان التحقيق بمعرفة قاضي التحقيق أكثر فائدة ، و في هذا الإطار نص المشرع الجزائري في المادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية بأن التحقيق الابتدائي وجوبي في الجنايات و اختياري في الجنح و المخالفات كما سار  القضاء في الجزائر على وجوب فتح تحقيق في الواقعة التي تحمل شبهة الجناية لو كان مرتكبها مجهولا(2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-أنظر الأستاذجيلالي بغدادي-الإجتهاد القضائي في المواد الجزائية-الجزء الأول-طبعة الأولى-2002 ص147.
2-قرار لمكمة العليا الغرفة الجنائية ملف رقم 62906 بتاريخ 26/05/1990 المجلة القضائية العدد الأول-سنة1973ًص163."لما كان ثابتا أن وقائع القضية تتعلق بجريمة شنقمسكوك فيه ضحته طفل عمره 14سنة ونظرا لحداثة الفعل و حرصا على جمع الشهادات و الدلائل المعرضة للإخفاءيجب على وكيل الجمهورية أن يطلب من قاضي التحقيق فتح تحقيق ضد كل الأشخاص المشكوك فيهم ".
و عليه فإن النيابة العامة إذا ما تلقت محضر استدلال يفيد بوقوع جناية  فليس لها أن تقرر حفظ الملف  بسبب عدم معرفة الفاعل ،أو لسبب أخر ، ذلك أن جسامة الفعل كجناية يفرض عليها عدم الاكتفاء بمحضر الاستدلال لكي تبني عقيدتها عليه ، و بالتالي يتعين عليها أن تطلب من قاضي التحقيق فتح باب التحقيق في الجناية،  حتى و إن كان من شأنه ألا يضيف جديدا لما إنتهى إليه محضر الاستدلال ، و ترجع الحكمة في ذلك  إلى أن الاكتفاء في الجناية بمحضر الاستدلال يحمل على الاعتقاد  بأن هناك تقصيرا من جانب السلطة العامة و درء لأية شبهة  تتجه النيابة العامة إلى طلب فتح تحقيق في الجناية، و هذا على عكس ما هو مقرر في الجنح و المخالفات إذ يجوز للنيابة العامة إصدار قرار  الحفظ في الجنحة أو المخالفة  بسبب عدم معرفة الفاعل أو لسبب أخر ما عدا 
الجنح التي أوجب القانون التحقيق فيها بنص خاص حتى و لو كان مرتكبها مجهولا (1). كما أنه من المستبعد عمليا أن تعمد النيابة العامة إلى حفظ الجناية بناء على محضر جمع الاستدلالات دون أن يقتضي الأمر منها طلب فتح تحقيق في الواقعة (2).
المبحث الثالث : أحكام قرار الحفظ و طبيعته القانونية و الآثار المترتبة عنه : 
نتعرض في دراسة هذا المبحث لجميع الأحكام المتعلقة بقرار الحفظ (مطلب أول) ثم ننتقل  لتحديد الطبيعة القانونية لهذا القرار (مطلب الثاني) فالآثار المترتبة على إصداره (مطلب الثالث).
المطلب الأول : أحكام قرار الحفظ : 
 المقصود بأحكام قرار الحفظ  ما يتعلق بشكل و بيانات قرار الحفظ و كذا إعلانه لذي المصلحة وسيتم تبيان ذلك كالأتي :
1. شكل قرار الحفظ : قرار الحفظ الصادر عن النيابة العامة و الذي ترمي من خلاله امتناعها عن تحريك الدعوى العمومية الأصل فيه أن يكون مدونا بالكتابة، و صريحا في دلالته على صرف النظر مؤقتا عن تحريك الدعوى الجنائية أو إقامتها ، إلا أنه في بعض الأحيان يستفاد ضمنيا من تصرف النيابة العامة في الدعوى العمومية دون حاجة إلى إصدار قرار خاص بذلك ، ما دام الحفظ ينتج حتما 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- د/أشرف رمضان عبد المجيد-مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام و التحقيق-المرجع السابق ص 423.
2-د/أشرف رمضان عبد المجيد-النيابة العامة و دورها في المرحلة السابقة على المحاكمة-المرجع السابق ص246.

و بطريق اللزوم العقلي من هذا التصرف ، كتأشير عضو النيابة العامة على محضر الاستدلال برفع 
دعوى البلاغ الكاذب ضد الشاكي،  لأن معنى ذلك أنه قدر عدم صحة الوقائع المبلغ عنها ، بلا  ضرورة لإصدار قرار الحفظ كتابة، غير أن ذلك لا يفيد من الناحية القانونية حفظ الدعوى العمومية بالنسبة للمشكو منه ،لأن المشرع إذا كان لم يشترط شكلا معينا يفرغ فيه قرار الحفظ إلا أن الضرورة العملية تقتضي أن يكون ثابتا بالكتابة، فقد تكون ثمة مصلحة في إثباته بالكتابة ، بالإضافة إلى أن القانون قد تطلب تبليغه-في القانون المصري- و هو ما يفترض ثبوته كتابة (1).
و على هذا قضت محكمة النقض المصرية بأن الواجب أن يكون قرار الحفظ ثابتا بالكتابة و مؤرخا و موقعا عليه من الموظف المختص ، و ما دام لا يوجد في الدعوى قرار حفظ كتابي فلا يقبل الادعاء بأن النيابة قد حفظت الدعوى حفظا ضمنيا إذ القانون لا يعرف الحفظ الضمني و لا يقره (2).
كما قضت كذلك بأن : "الأصل في أمر الحفظ أن يكون صريحا و مدونا بالكتابة ، فمتى كانت النيابة العامة لم تصدر أمر كتابيا صريحا  بحفظ الدعوى الجنائية بالنسبة إلى المتهم ، بل كان كل ما صدر عنها هو اتهام بارتكاب الجريمة ، فإن ذلك لا يفيد على وجه القطع و اللزوم حفظ الدعوى بالنسبة له بالمعنى المفهوم في القانون .
2)- فيما يخص بيانات قرار الحفظ : لم ينص القانون الجزائري صراحة على البيانات التي يجب ذكرها في قرار الحفظ ، كما لم يشترط ذكر الأسباب التي بني عليها قرار الحفظ ، و يمكن أن يصدر قرار الحفظ من أي عضو من أعضاء النيابة مهما كانت درجته ، لكن مع ذلك يجب أن يكون صريحا فيما انتهت إليه أعمال البحث و الاستدلال  خاصة و أنه قد تتعلق مصلحة ما بهذا القرار .
3)- فيما يتعلق بإعلان قرار الحفظ أي تبليغه: فإنه على النيابة العامة أن تعلنه إلى المجني عليه أو المدعى المدني ،فإذا توفي أحدهما كان التبليغ لورثتهما جملة في محل إقامته تبسيطا للإجراءات( و ذلك طبقا للمادة 62 من قانون الإجراءات الجنائية المصري)  و علة الإعلان أنه إجراء يقصد منه إخطار صاحب المصلحة بما تم في شكواه ليكون على بينة بالتصرف الحاصل فيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1-د/ااشرف رمضان عبد المجيد –النيابة العامة و دورها في المرحلة السابقة على المحاكمة –المرجع السابق-ص250 .
2-نقض مصري 08/04/1932-طعن رقم416-ص282مجموعة القواعد في 25  عاما.
 و لم يرتب القانون عليه أي أثر ،كما لم يقيده بأي أجل معين  و ذلك حتى يتمكن المتضرر من الادعاء مدنيا أمام قاضي التحقيق أو يدعي مباشرة أمام المحكمة متى توافرت الشروط ذلك الادعاء .
و إذا كان المشرع المصري قد أوجب على النيابة العامة أن تعلن قرار الحفظ للمجني عليه أو المدعى المدني أو لورثته ، فإن المشرع الجزائري لم ينص في قانون الإجراءت الجزائية على أي نص يلزم النيابة العامة بأن تقوم بتبليغ صاحب المصلحة بقرار الحفظ ،غير أن المعمول به في الواقع المهني  قيام رجال النيابة العامة بتبليغ المجني عليه أو المدعى المدني بقرار الحفظ عن طريق الضبطية القضائية.
المطلب الثاني : الطبيعة القانونية لقرار الحفظ 
إذا رأت النيابة العامة أنه لا جدوى من السير في الدعوى ، باعتبار أن نتائج البحث الأولى لم تأت بنتائج يمكن الاعتماد عليها في توجيه الاتهام  تأمر بحفظ الأوراق، و جوهر قرار الحفظ هو صرف النظر مؤقتا عن تحريك الدعوى العمومية و عن رفعها إلى القضاء لعدم صلاحية الأمر - كما هو وارد في محضر جمع الاستدلالات - لا للتحقيق و لا للعرض على القضاء .
و النيابة العامة هي وحدها التي تملك إصدار أمر بحفظ الأوراق ، باعتبارها الجهة المختصة بإصدار هذا النوع من القرار فهي المشرفة الرئيسية على مراحل البحث الأولي ، و قرارها بالحفظ هو خاتمة ما تم خلال مرحلة الاستدلال ، و قرار الحفظ هو إجراء إداري لا قضائي ، تصدره النيابة العامة بوصفها سلطة اتهام و متابعة ،تعبر فيه عن إرادتها في عدم إيصالها ملف القضية بين يدي القضاء و هو بهذا الخصوص يختلف عن الأمر بألا وجه للمتابعة الذي يصدره قاضي التحقيق بعد التصرف في التحقيق ، كما يختلف عن الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الذي تصدره النيابة العامة بعد تصرفها في التحقيق الذي يتم بمعرفتها (في ظل القانون المصري طبعا)(1) 
فقرار الحفظ يدخل ضمن الأعمال الإدارية  اليومية لعضو النيابة العامة مجرد من أي صفة قضائية  و قد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية في حكم لها  أن قرار النيابة العامة بحفظ الأوراق رغم أنه صادر تبعا للمادة 40 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي فإنه ليس  عملا قضائيا مادام أنه أتخذ
ــــــــــــــــــــــــــــ
1-د/عبد الفتاح الصيفي –د/فتوح الشادلي-د/علي عبد القادر قهوجي-اصول المحاكمات الجزائية-الدار الجامعية للطباعةو النشر-2000 ص69.
قبل اتخاذ إجراءات التحقيق فهو لا يحوز على قوة الشيء المقتضى فيه،  و يجوز للنيابة العامة العدول عنه في أي وقت كان طالما أنه لم تنقضي الدعوى العمومية لأي سبب من الأسباب (1).
و قد استقرت أحكام محكمة النقض المصرية أن قرار الحفظ إداري لا قضائي ، و لايغير من طبيعته أن تكون النيابة العامة قد باشرت قبل إصداره إجراء من إجراءات الاستدلال كما لو أحالت النيابة الأوراق إلى أحد رجال الضبطية القضائية ، لأن ذلك لا يعد ندبا له لإجراء التحقيق - فيما عدا استجواب المتهم- و كما لو قام و كيل الجمهورية بسؤال المتهم على ظهر المحضر دون كاتب أو أرسل الأوراق للشرطة لسؤال شاهد من الشهود ، في هذه الحالة الإجراءات المتخذة من النيابة العامة تكون إجراءات استدلال و ليست إجراءات تحقيق بوصفها سلطة تحقيق (2).
و بالرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية الجزائري  نجد أن المشرع الجزائري قد أظهر بصفة صريحة و واضحة الطبيعة الإدارية لقرار الحفظ و ذلك بنصه في نص المادة 36 منه  "...و يبلغ الجهات القضائية المختصة بالتحقيق أو المحاكمة  لكي تنظر فيها أو يأمر -أي و كيل الجمهورية – بحفظها بقرار قابل دائما للإلغاء" ، و بالتالي لم يدع المشرع الجزائري أي مجال للشك حول الطابع الإداري لقرار الحفظ  حيث لم يجعله قابلا للطعن أو الاستئناف بل فقط الإلغاء.
المطلب الثالث : الآثار المترتبة على قرار الحفظ 
الأمر بالحفظ - كما سبق ذكره- هو إعراض مؤقت عن تحريك الدعوى العمومية  صادر عن النيابة العامة قبل إجراء أي تحقيق ، و باعتبار أنه إجراء إداري بحت ، فإنه يترتب عليه عدة أثار قانونية  نحاول جمعها في النقاط التالية:
أ) من حيث جواز الرجوع فيه : يجوز الرجوع عن الأمر بحفظ أوراق القضية لأن هذا الأمر في حقيقته إجراء إداري  و ليس قرار قضائيا ،كما أنه ليس مسبوق بتحقيق لهذا كان من الجائز الرجوع عنه  و مواصلة تحريك الدعوى  من جديد إذا كان هناك ما يبرر ذلك ، و بالتالي فهو غير ملزم للنيابة العامة فلها أن تعود و تعدل عنه دون قيد أو شرط ، فهو قرار قابل دائما للإلغاء و ليس نهائي بل مؤقت أي 
ـــــــــــــــــــــــــــــ 
1-د/محمد العيد الغريب-المرجع السابق-ص397.
2-د/محمد العيد الغريب-المرجع المذكور اعلاه-ص396.



أن أساسه قد يتغير أو يزول  فيتعدل القرار حتى و لو لم يظهر أي دليل جديد و من باب أولى إذا ظهر.
ب) قرار لا يحوز الحجية القانونية أو القضائية : بمعنى أنه لا يكسب حقا لمن صدر لصالحه  و لا يمنع الخصم الذي صدر ضد مصلحته من أي يباشر دعواه بطرق أخرى، أو يعمل على تقوية الأدلة أو تعديل قرار الحفظ بإزالة أسبابه إن أمكن، فله تحريك الدعوى العمومية عن طريق الادعاء مدنيا أمام قاضي التحقيق أو عن طريق الإدعاء أو التكليف المباشر بالحضور أمام المحكمة ، كما لا يجوز للمشتبه فيه أن يحتج أو يدفع بعدم جواز نظر المحكمة ، على أساس أنه قد صدر في نفس القضية قرار بحفظ الأوراق .
ج) عدم قابلية القرار للطعن : لا يقبل الأمر بالحفظ أي طعن فيه سواء بطريق التظلم أو الاستئناف فليس للمجني عليه  و لا للضحية مراجعة الأمر بالحفظ و ذلك على أساس أن قرار الحفظ مجرد من الحجية و القوة و لا وجود لأي مصلحة تبرر الطعن  مادام للنيابة العامة حق العدول عنه , كما يبقي للمضرور طرق أخرى لتحريك الدعوى العمومية  رغم صدور قرار الحفظ .
د) قرار الحفظ لا يقطع التقادم :بمعنى أنه لا يعتد به إلا إذا ثبت بمحضر رسمي و قام  بتحريره كاتب ضبط مختص،  كما هو الشأن في جميع الإجراءات القانونية و لا تنقضي به الدعوى العمومية إلا بمرور مدة التقادم القانونية للواقعة لإجرامية، و بصفة عامة فالأمر بالحفظ لا بد و أن يكون مدونا بالكتابة من ناحية , و صريحا في الإفصاح عن دلالته بصرف النظر عن تحريك الدعوى العمومية مؤقتا من ناحية أخرى ، و  بالتالي لا يمكن استخلاص أمر الحفظ من مجرد سكوت النيابة العامة عن تحريك الدعوى،  إذ لا بد أن يذكر ذلك كتابة  فأمر الحفظ الضمني الذي يحتمل الإعراض عن الدعوى  و إمكانية تحريكها في نفس الوقت لا يعتد به.

























الفصل الثاني :سلطة النيابة العامة التقديرية في تحريك الدعوى العمومية .
بعد أن تنتهي مرحلة البحث و التحري  (الاستدلالات) بقيام ضباط الشرطة القضائية بتحرير محضر يسمى محضر جمع الاستدلالات ، يدون فيه كافة الإجراءات التي اتخذوها ، و عندها يكون على النيابة العامة التصرف في القضية على ضوء هذه المحاضر ، و لا يخرج هذا التصرف عن أمرين ، إما : إصدار أمر بحفظ أوراق القضية (كما رأينا سابقا)و أما إذا رأت النيابة العامة بوصفها وكيلة عن المجتمع و ممثلة لمصالحه- تقدر في كل حالة على حدا ملائمة تحريك الدعوى العمومية - أن الواقعة محل الاستدلال - المعروضة عليها تشكل جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات ،او أي قانون آخر مكمل له ، و لا يشوبها أي مانع إجرائي ، و توافرت فيها الأدلة القانونية الكافية ، فإنها تستعمل سلطتها التقديرية في مباشرة الاتهام ، واتخاذ الإجراء القانوني الذي تراه مناسبا في تحريك الدعوى العمومية.
و تظهر الأهمية القانونية في الإجراء الذي تتخذه النيابة العامة لتحريك الدعوى العمومية في أن القضاء - سواء قضاء التحقيق أو قضاء الحكم - لا يمكنه النظر في الدعوى العمومية من تلقاء نفسه, و لا يختص بالفصل فيها إلا بإحالتها عليه من طرف النيابة العامة كأصل عام ، و استثناء من المدعى بالحق المدني , ومن ثم يكون القضاء في حاجة إلى جهة تأذن له النظر و الفصل في الدعوى العمومية. (1)
غير أن سلطة النيابة العامة في مباشرة الاتهام و اختيار الإجراء القانوني المناسب لتحريك الدعوى العمومية ، تحكمه ضوابط قانونية محددة ،و بالنظر إلى نوع الجريمة من جهة وصفة الجاني من جهة أخرى.
 ففي حالات معينة يجوز للنيابة العامة أن تختار بين إحالة الدعوى العمومية مباشرة على المحكمة المختصة ، أو إحالتها على جهات التحقيق و في حالات أخرى تكون النيابة العامة مجبرة بإحالة الدعوى العمومية على جهات التحقيق  , و على ضوء ذلك نقسم هذا الفصل إلى مبحثين ، كمايلي :
المبحث الأول و نتعرض فيه إلى الحالات التي تتمتع فيها النيابة العامة بسلطة جوازيه في إحالة 
__________________________
(1)-د/اشرف رمضان عبد المجيد -النيابة العامة و دورها في المرحلة السابقة على المحاكمة-المرجع السابق-ص179. 
الدعوى و في المبحث الثاني نتطرق فيه إلى الحالات التي تكون فيها النيابة العامة مجبرة بإحالة القضية على جهة التحقيق.
المبحث الأول : جواز إحالة الدعوى العمومية على المحكمة أو على جهات التحقيق :
إذا قررت النيابة العامة المضي قدما في سيرورة الدعوى العمومية ، فلها أن تحيل القضية إما على المحكمة مباشرة ، أو أمام قاضي التحقيق ،و هنا تختار النيابة العامة الإجراء القانوني المناسب لتحريك الدعوى العمومية  و فق سلطتها التقديرية، و تمارس سلطتها في حالات هي : المخالفات - الجنح و الجنح المتلبس بها ، و لا براز مجال سلطة النيابة العامة التقديرية في كل حالة من هذه الحالات الثلاثة , نتناول دراسة هذا المبحث في ثلاثة مطالب : الأول نتعرض فيه لحالة الجنح و الثاني لحالة المخالفات و الثالث لحالةالجنح المتلبس بها.
المطلب الأول : سلطة النيابة التقديرية في حالة الجنح:
إذا تبين للنيابة العامة بعد الانتهاء من البحث الأولي و جمع الاستدلالات و التدقيق فيها أن الواقعة تشكل جنحة في غير حالة التلبس ، و لا يشوبها أي مانع إجرائي مع ثبوت أدلتها و نسبتها إلى شخص معين (الفاعل)،  تكون في هذه الحالة الجنحة صالحة لمباشرة الاتهام فيها و تحريك الدعوى العمومية بشأنها( ).
و تتمتع النيابة العامة في هذه الحالة بسلطة تقديرية في اختيار الطريق أو الإجراء القانوني المتبع لتحريك الدعوى العمومية - فلها أن تحيلها - بعد الاستدلال- على المحكمة المختصة مباشرة عن طريق التكليف بالحضور أو ما يسمى بالاستدعاء المباشر ، إذا رأت أن تلك الجنحة جاهزة للفصل فيها ، كما لها أن تحيلها على جهات التحقيق عن طريق طلب افتتاحي إذا رأت بأنها - رغم الاستدلال- تحتاج إلى تحقيق.
و تبرز السلطة التقديرية للنيابة العامة ، في اختيار الطريق أو الإجراء القانوني المتبع لتحريك الدعوى العمومية في مواد الجنح ، من خلال ما نصت عليه المادتين 36/4 و 66/2 من قانون الإجراءات الجزائية،  حيث تقضي الأولى منهما "و يبلغ الجهات القضائية المختصة بالتحقيق
أو المحاكمة لكي تنظر فيها أو يأمر - أي وكيل الجمهورية _بحفظه بقرار قابل دائما للإلغاء...........".
و تقضي الثانية :"... أما في مواد الجنح فيكون فيكون اختياريا - أي التحقيق- ما لم يكن ثمة نصوص خاصة ..... (1).
و إذا استعملت النيابة العامة سلطتها التقديرية بتحريك الدعوى العمومية في الجنح عن طريق التكليف بالحضور أو الاستدعاء المباشر  فإنها تقوم بإرسال ملف الدعوى إلى الجهة القضائية المختصة ، و تخطر المتهم بتاريخ الجلسة ، إن كان حاضرا او تكليفه بالحضور إن كان غائبا و يعد هذا الإخطار أو التكليف بالحضور الموجه من النيابة العامة تحريكا للدعوى العمومية و اتهاما للشخص الموجه إليه
لذلك(2) أوجب المشرع في المادة 334 و مايليها من ق إ ج الجزائري أن يحتوي الاخطار أو التكليف بالحضور على البيانات الجوهرية - من إسم المتهم و لقبه - و ينوه به عن الواقعة محل المتابعة و يشار إلى النص القانوني الذي يعاقب عليها و المحكمة المطلوب الحضور أمامها، و تاريخ الجلسة ومن ثمة فإن الشخص بمجرد إخطاره أو تكليفه من طرف النيابة العامة  و بورقة التكليف بالحضور  يتحول مركزه القانوني من مشتبه فيه إلى متهم ، و تنتقل الدعوى العمومية من مرحلة الاتهام و بدء مرحلة المحاكمة(3).
و على هذا الأساس إذا لم يستوفي التكليف بالحضور شروطه الجوهرية كان باطلا  أثر له  أما إذا كان صحيحا فإنه يرتب أثره ،و أهم هذه الآثار أنه يقطع التقادم و يخرج الدعوى من يد سلطة الاتهام ليدخلها في حوزة المحكمة و تصبح بذلك ملزمة بالفصل فيها.
أما إذا رأت النيابة العامة- حسب سلطتها التقديرية - أن الجنحة موضوع الاستدلال لازالت بحاجة إلى تحقيق قضائي  فإنها تحيلها على جهات التحقيق عن طريق طلب افتتاحي يوجه  لقاضي التحقيق و يترتب على إحالة الدعوى للتحقيق خروجها نهائيا من يد سلطة الاتهام ، و لا يبقى للنيابة العامة بعد 
_______________________________
1)-د/محمد محدة –ضمانات المشتبه فيه في البحريات الأولية –الجزء الثاني-الطبعة الأولى_1999-دار الهدى-ص61.
2)-احمد شوقي الشلقاني-مبادئ الإجراءات في التشريع الجزائري-الجزء الثاني-الطبعة الثا لثة -2003-ص201.
3)-د/محمد محدة-المرجع المذكور أعلاه-ص62

ذلك أن تصدر قرارا بالحفظ ، لان الإحالة على التحقيق يعتبر نوعا من التصرف في الدعوى بعد جمع الاستدلالات تتحرك به الدعوى العمومية أمام جهة التحقيق، ومتى كان الاتهام موجها ضد شخص معلوم و محدد في الطلب الافتتاحي ،كان هذا الطلب بداية الخصومة الجزائية و يصير من كان مشتبها فيه متهما.
أما  في مصر فالنيابة العامة عند توجيهها الاتهام  تباشر التحقيق من تلقاء نفسها و معنى ذلك  أن النيابة العامة تكون لها صفة مزدوجة  فالنيابة العامة بوصفها سلطة اتهام تحيل الدعوى إلى النيابة بوصفها سلطة تحقيق ، و يتم ذلك إذا قررت مباشرة التحقيق بعد أن أتمت أعمالا هي من قبيل جمع الاستدلالات باعتبار أن النيابة في مصر هي جهة اتهام و تحقيق في نفس الوقت ،كما لها أن تطلب ندب قاضي التحقيق لفتح تحقيق في الموضوع.
المطلب الثاني : سلطة النيابة العامة التقديرية في حالة المخالفات :
للنيابة العامة بعد إطلاعها على محضر الاستدلال، المقدم من رجال الضبطية القضائية و تراءى لها أن الواقعة المعروضة عليها تشكل مخالفة طبقا لقانون العقوبات و القوانين المكملة له ،و قدرت أن أدلة الإدانة فيها كافية و قوية ، وهو تقدير مبدئي من وجهة نظرها لا يلزم الجهات القضائية، ففي هذه الحالة يمكن للنيابة العامة مباشرة الاتهام في الدعوى العمومية  و تحريكها في مواجهة مرتكب المخالفة .
و تتمتع النيابة العامة في مواد المخالفات في القانون الجزائري - على خلاف القانون المصري و اللبناني - سلطة تقديرية في اختيار الطريق أو الإجراء القانوني المتبع لتحريك الدعوى العمومية كما هو الحال في مواد الجنح - فلها أن تحيل المخالفة مباشرة - بعد الاستدلال على محكمة المخالفات - كما لها أن تحيل المخالفة رغم الإستدلال على جهات التحقيق ادا رأت  أن المخالفة تحتاج إلى تحقيق، فلا يوجد أي مانع قانوني من أن تطلب النيابة العامة فتح  تحقيق في مخالفة ، طبقا لنص المادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري التي تنص في فقرتها الثانية ".... كما يجوز إجراءه - أي التحقيق- في مواد المخالفات إذا طلبه و كيل الجمهورية "ومن خلال ذلك يتبين أن النيابة العامة لها في مواد المخالفات طريقين لإيصال المخالفة ليد القضاء، وذلك إما عن طريق طلب افتتاحي يوجه إلى قاضي التحقيق ، إذا تبين لها أن  التحقيق في المخالفة يكون أكثر فائدة ، وإما عن طريق التكليف بالحضور أو الاستدعاء المباشر لإحالة المخالفة مباشرة على المحكمة المختصة و هو الطريق الطبيعي المتبع في مواد المخالفات.
و إذا كان المشرع الجزائري قد أجاز للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية في مواد المخالفات عن طريق إجراءات التحقيق، فإن ما جرى عليه العمل القضائي ، وهذا ما أثبته الواقع العملي أن تحريك الدعوى العمومية في مواد المخالفات ، لا يتم عادة إلا عن طريق التكليف بالحضور أو الاستدعاء المباشر أمام محكمة المخالفات ، ويعود ذلك ربما لبساطة هذا النوع من الجرائم التي تشكل نسبة كبيرة من النزاعات التي تطرح على القضاء .
أما فيما يتعلق بالبيانات الجوهرية التي يجب أن يتضمنها التكليف بالحضور الموجه للمتهم من النيابة العامة في مواد المخالفات ، باعتباره إجراء يترتب عليه تحريك الدعوى العمومية وتفاديا للتكرار فقد سبق التطرق لهذه البيانات في المطلب الأول  المتعلق بحالة الجنح ، فإن النيابة العامة تلتزم بإتباع نفس الأحكام و الشروط  المتبعة في مواد الجنح ، المنصوص عليها في المادة 334  و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية .
ويلاحظ أن المشرع الجزائري بجوازه إجراء التحقيق في مواد المخالفات طبقا للفقرة الثانية من المادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية ، فإنه يكون قد خالف المشرعين المصري و البناني ، اللذان لا يجيزان فتح تحقيق قضائي في مواد المخالفات ، حيث يجب على النيابة العامة في هذين التشريعيين إحالة المخالفة - بعد الاستدلال - مباشرة على المحكمة المختصة للفصل فيها .
المطلب الثالث : سلطة النيابة العامة التقديرية في حالة الجنح المتلبس بها
سبق و أن تعرضنا لسلطة النيابة العامة في مواد الجنح و المخالفات أين تقتصر على توجيه الاتهام  و اختيار الطريق أو الإجراء القانوني  الذي تراه مناسبا لتحريك الدعوى العمومية و إيصالها إلى يد القضاء ، في حين أن سلطة النيابة العامة في الجنح المتلبس بها تتسع أكثر لتشمل بعض الإجراءات، مثل القبض و التفتيش و الإستجواب و الإيداع، وكلها بحسب الأصل تعتبر من إجراءات التحقيق الابتدائي تختص بها جهات التحقيق( ) ، و قبل التطرق للسلطات المخولة للنيابة العامة في الجنح المتلبس بها، لا بد من تحديد معنى التلبس و تبيان حالاته و شروطه.
1- الفرع الأول: المقصود بالتلبس : 
التلبس هو حالة تلازم الجريمة نفسها و ليس شخص فاعلها، و يتحقق التلبس بوصفه حالة عينية لا شخصية إذا تم إدراك الجريمة حال وقوعها أو عقبة وقوعها ببرهة يسيرة، أو إذا  تتبع العامة الجاني  بالصياح و الصراخ، أو إذا ضبط الجاني حاملا معه أشياء أو أسلحة أو وجدت به آثار على أنه فاعل أو شريك في الجريمة . فالتلبس تقارب زمني بين لحظة ارتكاب الجريمة و لحظة اكتشافها و التلبس على هذا النحو ، " نظرية إجرائية " خالصة فليست لها صيغة موضوعية على الإطلاق فهي لا تفترض تعديلا في أركان الجريمة و إنما تقتصر على العنصر الزمني السابق ، و آثار هذه النظرية هي بدورها إجرائية فقط ( )، وقد عرف التلبس فقها بأنه : "عبارة عن تقارب زمني بين وقوع  الجريمة و اكتشافها وذلك إما بمشاهدة الفاعل إثر ارتكابه الجريمة أو عند نهايته منها و لازالت الآثار  المثبتة كلها دالة عليها  أو عقب ارتكابها ببرهة يسيرة  وبزمن قليل.
كما عرف التلبس بأنه " الجرم الذي يشاهد حال فعله أو عند نهاية الفعل و يلحق به أيضا الجرائم التي يقبض على مرتكبيها بناءا على صراخ الناس أو يضبط معهم أشياء يستدل منها  أنهم فاعلوا الجرم  وذلك خلال برهة زمنية من وقوع الجرم " .
وقد وسع المشرع الجزائري من صلاحيات ضباط الشرطة القضائية وذلك أمر منطقي إذ في حالة التلبس  تبدو فيها احتمالات الخطأ بعيدة، فالجريمة مازالت طازجة لم تذهب آثارها بعد أو هي أقرب ما تكون إلى ذلك،  لهذا كان من الطبيعي أن تتسع سلطات رجال الضبطية قبل أن ينجح الجاني في الإفلات من دائرة الملاحقة .
2-الفرع الثاني: حالات التلبس 
لقد حدد المشرع الجزائري حالات التلبس في المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية ويلاحظ أن تعداد حالات التلبس وارد على سبيل الحصر ، و بالتالي فلا يجوز مطلقا القياس على هذه الحالات 
بإضافة حالات أخرى لم ينص عليها القانون ، مهما كان وجه الشبه أو التقارب بين هذه الحالات  و حالات الجريمة المتلبس بها هي : 
- مشاهدة الجريمة حال ارتكابها بإحدى الحواس الخمسة  لحظة ارتكابها ، وقد يحدث إدراك الجريمة  أثناء تنفيذ الركن المادي للجريمة ، أو قبيل الانتهاء من تنفيذه بأكمله كمشاهدة الجاني وهو يطلق النار على المجني عليه أو يطعنه بآلة حادة أو يخطف حافظة نقوده  أو يناول الموظف مبلغ الرشوة المتفق عليه ، ويقوم التلبس من الناحية القانونية و لو لم يكن الجاني معروفا في بعض صوره فالتلبس حالة واقعية  أو عينية كما أسلفنا القول ترتبط بالجريمة الواقعة ذاتها ، وليس بشخص فاعلها .
- مشاهدة الجريمة عقبة ارتكابها و يطلق عليها حالة إدراك الجريمة عند نهاية الفعل ، ويقصد بذلك أن تكون الجريمة قد وقعت و لا زالت آثارها بادية للعيان كأن يشاهد المجني عليه القتيل ولازالت  الدماء تنزف منه أو مشاهدة السارق حاملا معه المسروقات وهو يهبط درج المسكن الذي سرق إحدى شققه منذ لحظات .
- متابعة العامة المشتبه فيه بالصياح في هذه الحالة تقع الجريمة بأكملها ثم صراخ الناس عقب وقوعها وهم بصدد متابعة الجاني أو مطاردته .
-ضبط أداة الجريمة أو محلها مع المشتبه فيه ، و يستفاد من هذه الحالة أن يوجد مرتكب الجريمة بوقت قريب حاملا آلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراق أو أشياء أخرى يستدل منها أنه فاعل أو شريك فيها.
- وجود آثار أو علامات تفيد ارتكاب الجريمة كأن توجد بالجاني خدوش أو آثار مقذوف ناري حديث أو دماء ظاهرة أو تمزق في الملابس .
- اكتشاف الجريمة في مسكن و التبليغ عنها في الحال .
 و يلاحظ أن بعض التشريعات استخدمت تعبير " الجرم المشهود " كالتشريع اللبناني ، بينما استخدمت بعض التشريعات الأخرى تعبير التلبس ، كالتشريعين المصري و الجزائري و الواقع أن تعبير الجرم المشهود لا يبدو دقيقا لأنه يعكس فرضا واحدا ، و هو المتمثل في إدراك الجريمة بحاسة البصر فقط  بينما الثابت أن هناك فروض أخرى يتصور فيها إدراك الجريمة بحواس أخرى كالسمع و الشم (كمن يسمع صوت عيار ناري يعقبه صراخ المجني عليه أو كمن يشم رائحة المخدر و يسارع للقبض على مستهلكه)، ولذلك فمصطلح التلبس  يبدو من هذه الزاوية أكثر دقة لشموله كافة حالات التلبس ،كما بينتها المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية المذكورة أعلاه.
3-الفرع الثالث: شروط صحة التلبس .
للجريمة المتلبس  بها أهمية بالغة بالنظر إلى ما تتيحه من سلطات لرجال الضبطية القضائية لم تكن لهم بحسب الأصل  كالقبض و التفتيش و ضبط الأشياء ، كما يصبح للنيابة العامة سلطة القيام ببعض الإجراءات الأصل فيها أنه لا يجوز لغير جهة التحقيق اتخاذ هذه الإجراءات أو الأمر باتخاذها، و بالنظر للآثار الجسيمة الناشئة عن التلبس  كان من الطبيعي التحقق من قيام أحد حالاته، و لا يكفي حدوث إحدى الحالات  بل يجب فوق ذلك أن تتوافر في حالات التلبس جميعها بعض الشروط وهي :
أ- أن يكون التلبس سابقا على الإجراء و ليس لاحقا له ،لأن حالة التلبس هي التي تمكن ضابط الشرطة القضائية من ممارسة السلطة في اتخاذ الإجراءات المقررة قانونا ،لأن اتخاذ الإجراء سابقا على قيام حالة التلبس أو عدم قيام التلبس أصلا يعتبر عملا غير مشروع و عديم الآثر ،و التلبس الذي يكتشف عقب إجراء سابق له، غير قائم و لا يرتب أي  أثر قضائي .
ب- إن حالات التلبس أوردها القانون على سبيل الحصر في المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية فلا يجوز لضابط الشرطية القضائية الاستناد لحالة يعتقد أنها تلبس لا تنطبق عليها أي صورة من الصور المذكورة في المادة 41 من ق إ ج  لمباشرة الاختصاصات الاستثنائية. 
ج- يجب أن يقف ضابط الشرطة القضائية على حالة التلبس ، أي الإدراك الشخصي للمظاهر الخارجية لحالة التلبس كأن يشاهدها أو يكتشفها  عقب ارتكابها فلا يكفي أن يتلقى نبأ التلبس عن طريق الرواية ممن شاهده ، فيجب على ضابط الشرطة القضائية في حالة التبليغ عن جريمة متلبس بها الانتقال بنفسه لمكان وقوع الجريمة لمعاينتها و معاينة أثارها  فلا يكفي التبليغ عنها  أو الرواية من الغير .
د- أن يكون اكتشاف حالة التلبس بطريق مشروع ، إذ يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يتحرى المشروعية في عمله ، وهذا يعني أن تتهيأ له المشاهد عرضا ،  أو أن يسعى له بطريق مشروع لا تجاوز فيه للحقوق و الحريات الفردية ، فلا تلبس إذا قام الضابط بتحريض المشتبه فيه على ارتكاب 

الجريمة لضبطه متلبسا بها، أو إحضار المشتبه فيه عنوة دون أمر من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق ، أو النظر من ثقب مفتاح الباب و ذلك لما في الأمر من المساس بحرمة المسكن ، أو دخول منزل أحد  الأشخاص لضبط المخدرات بداخله أو مستندات مزورة دون الحصول مسبقا على إذن بالتفتيش من السلطات القضائية ، فلا تقوم حالة التلبس في مثل هذه الحالات ، لعدم مشروعية الطريق الذي ضبط به، غير أن ذلك لا يمنع ضابط الشرطية القضائية  من استعمال الحيل المشروعة لضبط حالة التلبس كأن يلجأ الضابط إلى شراء كمية من المخدر من أحد الأشخاص و صل إلى علمه أنه يتاجر بالمخدرات.
الفرع الرابع :سلطات النيابة العامة في حالة التلبس 
إن مؤدى قيام حالة التلبس المستوفية لشروط صحتها السابق الإشارة إليها، تخول النيابة العامة  سلطات استثنائية ، و قد وسع المشرع نطاق سلطات النيابة العامة في حالة الجرم المتلبس به  و منها اتخاذ مجموعة من الإجراءات  التي تدخل بحسب الأصل في مفهوم إجراءات التحقيق ، و الواقع أن هذه الإجراءات تتنوع طبيعتها و درجتها كالانتقال إلى محل الواقعة و إثبات الحالة لإجراء المعاينات المفيدة قصد المحافظة على الأدلة  التي من شأنها أن تساعد على إظهار الحقيقة و  التحفظ على الأسلحة و الأدوات التي استعملت في ارتكاب  الجريمة للحيلولة دون العبث بمعالم الجريمة و أدلتها. 
كما تجيز حالة الجريمة المتلبس بها الانتقال حالا إلى منزل الشخص المشتبه في كونه فاعل هذا الجرم بهدف تفتيشه للعثور على ما قد يفيد في كشف الحقيقة،و يتم ضبط ما يعثر عليه و يدون ذلك في محضر ويتم حجز الأشياء المضبوطة بالحالة التي كانت عليها، و تحزم و توضع في أحراز إذا اقتضت ماهيتها  ذلك، و تختم بختم ممثل عضو النيابة العامة و يحرر جرد الأشياء و المستندات المحجوزة .
كما يجوز لعضو النيابة العامة منع المتواجدين بمكان ارتكاب الجرم من مبارحته و الهدف من هذا الإجراء هو توفير ما يلزم من النظام و الاستقرار في مكان ارتكاب الجرم حتى يستطيع القيام بمهامه وحتى يتمكن من الحصول على إيضاحات في شأن الواقعة ممن عاينوا وقوعها.
و طبقا للمادتين 12و 41 من ق إ ج الفرنسي و المادة 41 و مايليها من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري فإن الإجراءات المذكورة أعلاه، يجوز لوكيل الجمهورية أن يمارسها بنفسه باعتباره ممثل النيابة العامة ، كما يجوز أن يمارسها ضابط الشرطة القضائية تحت رقابة و كيل الجمهورية باعتباره مدير الضبطية القضائية.
و هذا طبقا للمادة 56 من ق إ ج الجزائري "....و يقوم وكيل الجمهورية بإتمام جميع أعمال الضبط القضائي المنصوص عليها في هذا الفصل (الفصل المتعلق بالجنايات أو الجنح المتلبس بها) كما يسوغ له أن يكلف كل ضابط شرطة قضائية بمتابعة الإجراءات."
وطبقا للمادة 61 من ق إ ج الجزائري فإن المشرع قد أجاز عند قيام حالة التلبس  في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لكل شخص (أي للكافة)،ضبط الفاعل و اقتياده إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية و يمكن لوكيل الجمهورية الانتقال شخصيا في حالة اكتشاف جثة ، يشتبه في سبب الوفاة إلى عين المكان إذا رأى ضرورة لذلك، مصطحبا معه الأشخاص المؤهلين لتقدير ظروف الوفاة  كالأطباء
إلا أنه إذا تعلق الأمر بالإجراءات الماسة بالحريات الفردية  وحقوق الدفاع، كالأمر بالإحضار و الاستجواب و الإيداع ، فهي سلطات خاصة بعضو النيابة العامة يمارسها بنفسه دون أن تكون له صلاحية تخويلها لضابط الشرطة القضائية ، و نظرا لأهمية هذه الإجراءات و تعليقها بالحريات الفردية و حقوق الدفاع  فإننا سندرسها  بشيء من التفصيل وفق القانون الجزائري كمايلي :
أ/- الإحضار :
أمر الإحضار كأصل هو من الأوامر  التي يصدرها قاضي التحقيق إلى القوة العمومية و ذلك لاقتياد المتهم  ليمثل أمامه على الفور ، غير أنه استثناء خول المشرع الجزائري النيابة العامة سلطة إصدار هذا الأمر و يتجلى ذلك من خلال نص المادة 58 من ق إ ج ،أين أجاز لوكيل الجمهورية في حالة الجناية المتلبس بها إذا لم يكن قاضي التحقيق قد أبلغ بها بعد  أن يصدر أمرا بإحضار المشتبه في كونه فاعل الجريمة أو مساهما فيها .
كما يجوز لوكيل الجمهورية سلطة إصدار أمر الإحضار في الجنح المتلبس بها، بدليل نص المادة 110/3 من قانون الإجراءات الجزائية ، التي تجيز لوكيل الجمهورية إصدار أمر بإحضار المشتبه فيه  إذا رفض الامتثال أو كان في حالة فرار ، و يلاحظ أن المشرع في المادة 110/3 المذكورة أعلاه عندما أجاز لوكيل الجمهورية إصدار أمر الإحضار، لم يبين إن كان في الجنايات أو في الجنح المتلبس بها بل جاء حكمه عاما لكن بالرجوع إلى السياق الذي جاءت فيه المادة 110 من ق إ ج( )  في الباب الثالث تحت عنوان في "قاضي التحقيق" يتضح مما لا شك فيه أن الفقرة الثالثة من المادة المذكورة تتعلق بالجنح المتلبس بها ، ذلك أن أمر الاحضار الذي يصدره و كيل الجمهورية في حالة الجناية المتلبس بها نص عليه المشرع في المادة 58/01 من ق إ ج ، في الباب الثاني تحت عنوان "في التحقيقات" .
ب/- الاستجواب و الإيداع : 
أما فيما يتعلق بسلطة النيابة العامة في استجواب المتهم بالجنحة المتلبس بها و إيداعه الحبس، فإن الفقرة الأولى من المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائية ، أجازت لوكيل الجمهورية متى كانت الجنحة في حالة تلبس و معاقبا عليها بعقوبة الحبس ، و لم يقدم المتهم ضمانات كافية لحضور جلسة المحاكمة ، أن يصدر أمرا بإيداعه الحبس بعد استجوابه عن هويته و عن الوقائع المنسوبة إليه  بشرط ألا يكون قاضي التحقيق قد أخطر بالواقعة .
و إذا كانت الفقرة الأولى من المادة 59 المذكورة قد خولت وكيل الجمهورية سلطة الاستجواب و الإيداع، فإن الفقرة الثانية من نفس المادة أوجبت على وكيل الجمهورية إحالة المتهم بالجنحة المتلبس بها على محكمة الجنح خلال أجل لا يزيد عن ثمانية أيام ابتداء من تاريخ إيداعه الحبس.
   وطبقا لأحكام الفقرة الثالثة من المادة 59 المذكورة فإن المشرع لم يخول للنيابة العامة سلطة استجواب المتهم و إيداعه الحبس في الجنح المتلبس بها ، متى كانت الجريمة تتعلق بجنح الصحافة أو جنح ذات صبغة سياسية أو الجنح التي تخضع لإجراءات تحقيق خاصة أو تلك المرتكبة من الحدث. فالإجراءات المتمثلة في الإحضار و الاستجواب و الإيداع، هي في الأصل سلطات يمارسها قاضي التحقيق في الحالات العادية ، لكن المشرع خولها استثناءا للنيابة العامة في الحالات غير العادية ،وهي حالة التلبس دون غيرها .
و نستخلص من ذلك أن النيابة العامة تمارس سلطة الإحضار و الاستجواب و الإيداع في الجنح المتلبس بها إذا ما اختارت بأن تحرك الدعوى العمومية وفق إجراءات التلبس بإحالة الجنحة مباشرة إلى المحكمة المختصة للفصل فيها . أما إذا رأت بأن الجنحة المتلبس بها ، رغم حالة التلبس فإنها تحتاج إلى فتح تحقيق قضائي فيها ، فإن سلطتها تقتصر على مباشرة الاتهام ، عن طريق طلب افتتاحي توجهه لقاضي التحقيق ، و في هذه الحالة تنحصر سلطة النيابة العامة في الإحضار و توجيه الاتهام دون الاستجواب و الإيداع حيث يعود لقاضي التحقيق – حسب الأصل – اتخاذ الإجراءات .
و في النهاية تجدر الإشارة إلى أن كافة هذه السلطات تستمد شرعيتها من حالة الضرورة الاستثنائية التي تجسدها حالة التلبس ، أين لا تزال الجريمة معالمها طازجة و ردود فعلها لدى العامة مستعرة لم تهدأ بعد ، فإجراءات الإحضار ، الاستجواب ، الايداع مبناها الاستثناء و مبررها الضرورة ، و ليست أعمالا تحقيقيه بالمعنى الصحيح لهذه العبارة تدخل في نطاق الطابع الاستقصائي و الاستدلالي لعمل النيابة العامة .
المبحث الثاني: و جوب إحالة الدعوى العمومية على جهات التحقيق 
تكون النيابة العامة مجبرة على تحريك الدعوى العمومية عن طريق إجراءات التحقيق متى كانت الواقعة المعروضة عليها تشكل جناية أو جريمة مرتكبة من طرف أعضاء الحكومة و بعض الموظفين أو الجنح المرتكبة من طرف الأحداث.
 و على ضوء ذلك نتعرض لدراسة هذا المبحث بتقسيمه إلى ثلاثة مطالب نتناول في المطلب الأول حالة مواد الجنايات، و في المطلب الثاني حالة الجرائم المرتكبة من طرف أعضاء الحكومة و بعض الموظفين، أما المطلب الثالث نتعرض فيه لحالة الجنح المرتبكة من الأحداث .
المطلب الأول : حالة مواد الجنايات
إذا تبين للنيابة العامة عند ختام الاستدلال أو البحث و التحري، و التدقيق في أن الواقعة موضوع الاستدلال لها وصف الجناية، فإنه يجب عليها أن تحرك الدعوى العمومية بتلك الجناية أمام قاضي التحقيق ،فتحريك الدعوى العمومية في مواد الجنايات عن طريق اجراءات التحقيق مبدأ عالمي متبع في كل الأنظمة القانونية( ) فإدعاء النيابة العامة أمام قاضي التحقيق في مواد الجنايات أمر إجباري أو إلزامي ، فلا يقبل منها الإدعاء في الجناية أمام محكمة الجنايات دون مرور تلك الجناية على مرحلة التحقيق القضائي بعد مرحلة الاستدلال .( )
و قد أكد المشرع الجزائري على إلزامية التحقيق في المادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية التي تقضي بأن :  " التحقيق وجوبي في مواد الجنايات .أما في مواد الجنح فيكون اختياريا ما لم يكن ثمة نصوص خاصة. كما يجوز إجراءه في مواد المخالفات إذا طلبه و كيل الجمهورية".
ومن قراءة نص المادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية المذكورة ، يتضح أن الفقرة الأولى منها قد جعلت سلطة النيابة العامة مقيدة في مواد الجنايات ، حيث لا يمكنها الاتهام في جناية ، و تحريك الدعوى العمومية إلا عن طريق إحالتها على جهات التحقيق، على خلاف الجنح و المخالفات ، التي تكون فيهما للنيابة العامة السلطة التقديرية ، في الخيار بين الإحالة المباشرة على المحكمة أو الإحالة على جهات التحقيق.
و بذلك نرى أن المشرع الجزائري قد أخضع موضوع تحريك الدعوى العمومية في مواد الجنايات لمبدأ الشرعية ، الذي يحتم على النيابة العامة بأن لا تبادر بتحريك الدعوى العمومية ، إذا كانت الواقعة المعروضة عليها تحمل شبهة الجناية ، إلى عن طريق فتح التحقيق فيها، في حين – أي المشرع – أخضع موضوع تحريك الدعوى العمومية في الجنح و المخالفات لمبدأ الملائمة ، الذي يخول النيابة العامة سلطة التقدير و المفاضلة بين الإحالة المباشرة على المحكمة ، أو الإحالة على جهات التحقيق ، إذا رأت أن التحقيق في تلك الجنحة أو المخالفة يكون أكثر فائدة.
وتتجلى سلطة النيابة العامة في مواد الجنايات، من خلال ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 58 من قانون الإجراءات الجزائية ، التي تجيز للنيابة العامة ممثلة في وكيل الجمهورية ، إصدار أمر إحضار المشتبه به في مساهمته في الجناية المتلبس بها، إذا لم يكن قاضي التحقيق قد بلغ بتلك الجناية  كما تظهر سلطة النيابة العامة من خلال نص الفقرة الثانية من المادة المذكورة ، التي تخول و كيل الجمهورية سلطة استجواب الشخص المقدم إليه في الجناية المتلبس بها بحضور محاميه إن وجد، و إن حضر هذا الشخص من تلقاء نفسه مرفقا بمحام، استجوبه وكيل الجمهورية بحضور ذلك المحامي.غير أننا نلاحظ بأنه إذا كان هناك ما يبرر منح و كيل الجمهورية سلطة إصدار أمر الإحضار في حالة الجناية المتلبس بها ، التي تتطلب الاستعجال في القبض على المتهم ،و جمع الأدلة قبل إخفائها  و الأمارات قبل إتلافها، فليس هناك ما يبرر منحه، سلطة استجواب الشخص المشتبه في مساهمته في جناية ، مادام أن وكيل الجمهورية سيحيل – بالضرورة – تلك الجناية و مرتكبها و كل ما تم جمعه من استدلالات إلى قاضي التحقيق ، الذي يعود له و حده سلطة استجواب المتهم و كل من ساهم معه في تلك الجناية المتلبس بها ، لذلك فإن كل ما يجوز لوكيل  الجمهورية القيام به في هذه الحالة هو إصدار أمر إحضار المشتبه في مساهمته  في الجناية و سماع أقواله قبل إحالته على قاضي التحقيق .
ذلك أن علم التحقيق الجنائي يفرق بين "سماع أقوال " و " استجواب " فالأول يكون اتجاه شخص مشتبه فيه لم توجه له التهمة بعد ، ولم تحرك الدعوى العمومية ضده عندما يدلي بأقواله من تلقاء نفسه أو بعد سؤاله عن التهمة المنسوبة إليه ، وهذه كلها  أعمال استدلالية يقوم بها و كيل الجمهورية قبل تحريك الدعوى العمومية فهي ليست من إجراءات التحقيق الابتدائي، أما الاستجواب فيكون اتجاه الشخص المتهم من طرف النيابة العامة بعد تحريك الدعوى العمومية ضده ،و يقصد به مواجهة المتهم بالتهمة المنسوبة إليه و بالأدلة القائمة ضده و مناقشته فيها تفصيليا(  )، ومن ثم فالاستجواب ّإجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي لايقوم به إلا قاضي التحقيق أو من في حكمه .
و عليه فإننا نرى بأن سلطة الاستجواب التي خولها المشرع لوكيل الجمهورية في الجناية المتلبس بها ( المادة 58 ق.أ.ج) تبقى بدون معنى مادام أن تلك الجناية ستحال بشكل إلزامي على قاضي التحقيق الذي يعود له وحده سلطة استجواب مرتكبها بعد سماعه من طرف وكيل الجمهورية .
و لذلك فان الاستجواب الذي يقوم به وكيل الجمهورية يجب أن يبقى محصورا في الجنح المتلبس بها  لا غير ، باعتبار أن المادة 59 ق .إ .ج تجيز لوكيل الجمهورية إحالة الجنحة المتلبس بها مباشرة على المحكمة المختصة بعد استجواب مرتكبها ، و متى قرر وكيل الجمهورية إحالة الجنحة المتلبس بها على قاضي التحقيق رغم حالة التلبس فإن سلطته في هذه الحالة تنحصر في سماع أقوال مرتكبها دون استجوابه .
كما أننا نلاحظ كذلك أن المشرع الجزائري استعمل مصطلح الاستجواب في غير محله عندما نص عليه في المادة 52 ق.إ.ج المتعلقة بصلاحيات ضابط السلطة القضائية عند سماع أقوال الشخص الموقوف تحت النظر .


المطلب الثاني : حالة الجرائم المرتكبة من طرف أعضاء الحكومة وبعض الموظفين 
لقد نصت المادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية على أن" التحقيق الابتدائي و جوبي في مواد الجنايات. أما في مواد الجنح فيكون اختياريا ما لم يكن ثمة نصوص خاصة ....... "
و من قراءة بسيطة  لنص المادة المذكورة يتبين أن المبدأ في القانون الجزائري ، هو أن التحقيق الابتدائي أمر إلزامي في مواد الجنايات و اختياري في مواد الجنح ، غير أن المشرع الجزائري نص في المادة 573 و مايليها من قانون الإجراءات الجزائية، على إلزامية التحقيق في الجرائم المرتبكة من طرف  أعضاء الحكومة و بعض الموظفين ، حتى ولو كانت تلك الجرائم من نوع الجنح حيث جعل الاتهام فيها من طرف النيابة العامة ، لا يكون إلا عن طريق تحريك الدعوى العمومية أمام جهات تحقيق محددة و بإتباع إجراءات خاصة.
وتعتبر من الجرائم التي تكون النيابة العامة فيها ملزمة بتحريك الدعوى العمومية أمام جهات تحقيق محددة و باتباع إجراءات خاصة تلك الجرائم المرتكبة من الفئات التالية :
1 – الجرائم المرتكبة من أعضاء الحكومة : 
لقد كان الجزائر وقت الحزب الواحد لا يجوز اتهام عضو من أعضاء الحكومة أو عضو من أعضاء اللجنة المركزية عن الجنايات و الجنح التي يرتكبونها إلا بناءا على ترخيص من وزير العدل و عن طريق تحقيق يجريه أحد قضاة المجلس الأعلى ( المحكمة العليا حاليا )، يعين من قبل الرئيس الأول للمجلس الأعلى للقضاء و بطلب من النائب العام لنفس الجهة القضائية( ).
لكن بعد  إقرار مبدأ التعددية الحزبية في الجزائر بمقتضى الدستور الصادر 01/03/1989 ، وقع تعديل أحكام المواد 573 و 574 و 575 من قانون رقم 90 / 24 المؤرخ في 18 /08 /1990 فأصبح أعضاء اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني لا يتمتعون بأي امتياز قضائي خاص شأنهم في ذلك شأن أعضاء باقي الأحزاب و المواطنين بينما يخضع أعضاء الحكومة لأحكام المادة 573 من قانون الاجراءات الجزائية بعد تعديلها، و التي لا تجيز اتهامهم بجناية أو جنحة إلا عن 


طريق تحقيق، ويقوم به أحد قضاة المحكمة العليا، يعين لهذا الغرض من قبل الرئيس الأول للمحكمة العليا، بناءا على طلب النائب العام لذات الجهة القضائية .
وبناء على ذلك فإن وكيل الجمهورية باعتباره ممثل النيابة العامة، إذا ما أخطر بجناية أو جنحة ارتكبها عضو من أعضاء الحكومة يقوم بإحالة الملف على النائب العام لدى المحكمة العليا، فيرفعه هذا الأخير إلى الرئيس الأول لهذه المحكمة، فإذا ارتأى ضرورة المتابعة يقوم بتعيين أحد قضاة المحكمة العليا ليجري التحقيق في الجريمة ( المادة 573 ق.إ.ج) و عندئذ يقوم القاضي المعين للتحقيق بإجراء التحقيق ضمن الأشكال و الأوضاع النصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية المتعلقة بالتحقيق الابتدائي  في جرائم قانون العقوبات ، وعند الانتهاء من التحقيق يصدر قاضي التحقيق حسب الأحوال إما أمر بالأوجه للمتابعة، و إما أمر بإرسال الملف إلى الجهة القضائية المختصة للفصل فيه، باستثناء الجهة التي يمارس بدائرتها مهامه، إذا كان الأمر يتعلق بجنحة أما إذا كان الأمر يتعلق بجناية فإن الملف يرسل إلى إحدى غرف المحكمة العليا لمتابعة التحقيق فيها، كغرفة اتهام لتصدر في الأخير و حسب الأحوال إما قرار بالأوجه بالمتابعة أو قرار إحالة المتهم  إلى الجهة المختصة للفصل في الجناية باستثناء الجهة التي يمارس بدائرتها مهامه( ) .
أما عن رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة فإن القانون الجزائري قبل صدور دستور 1996 كان يعفي رئيس الجمهورية كليا من المسؤولية الجنائية، إلا أنه و بعد استفتاء 28 /11 / 1996 ،وصدور الدستور 1996 والذي نص في المادة 158 منه، على أن تؤسس  محكمة عليا للدولة، تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية عن الأفعال التي يمكن و صفها بالخيانة العظمى، و رئيس الحكومة عن الجنايات و الجنح التي يرتكبانها بمناسبة تأديتهما لمهامها و فقا للإجراءات التي يحددها قانون عضوي يتولى تشكيل و تنظيم و سير المحكمة العليا للدولة، و هو القانون الذي لم يصدر بعد .




2- الجرائم المرتكبة من قضاة المحكمة العليا  و رؤساء المجالس القضائية و النواب العامون و الولاة :
هؤلاء يتم اتهامهم و متابعتهم عن الجنايات و الجنح التي يرتكبونها أثناء مباشرة مهامهم أو بمناسبتها بإتباع نفس الإجراءات و الشروط المبينة في المادة 573 من قانون الإجراءات الجزائية  و المتعلقة بأعضاء الحكومة .
3- الجرائم المرتكبة من قضاة المجالس و رؤساء المحاكم و وكلاء الجمهورية :
إذا ما أخطر و كيل الجمهورية بجناية أو جنحة ارتكبها أحد قضاة المجلس القضائي أو رئيس المحكمة أو وكيل الجمهورية، يقوم بإرسال الملف بطريق السلمي التدرجي إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا فإذا رأى هذا الأخير أن ثمة محلا للمتابعة، يندب قاضيا للتحقيق من خارج دائرة اختصاص المجلس القضائي الذي يعمل بدائرته القاضي المتابع ( المادة575 ق.إ.ج)، و عند الانتهاء من التحقيق يحال الملف إلى الجهة القضائية التي أجري فيها التحقيق للفصل فيه متى كانت المتابعة تتعلق بجنحة أو يحال الملف أمام غرفة الاتهام بدائرة نفس المجلس إذا كان الاتهام يتعلق بجناية . 
4 – الجرائم المرتكبة من قضاة المحكمة و ضباط الشرطة القضائية : 
بالنسبة لهذه الفئة يقوم وكيل الجمهورية بمجرد إخطاره بالواقعة بإرسال الملف إلى النائب العام لدى المجلس القضائي فإذا رأى هذا الأخير أن ثمة محل للمتابعة، عرض الأمر على رئيس ذلك المجلس الذي يعين أحد قضاة التحقيق خارج دائرة اختصاص الجهة القضائية التي يباشر فيها المتهم مهامه الوظيفية، و تكون نفس الجهة هي المختصة بالمحاكمة ( المادتين 576و577 ق.إ.ج) .
بالرجوع إلى نص المادة 578 من قانون الإجراءات الجزائية، يتضح أن التحقيق و المحاكمة بالنسبة للفئات المذكورة أعلاه تشمل الفاعل الأصلي و الشركاء و يمكن الإدعاء مدنيا في أية حالة تكون عليها الدعوى سواء أمام جهات التحقيق ،أو جهة الحكم، بالنسبة لجميع الفئات المذكورة سلفا ( المادة 580 ق.إ.ج) .
و يلاحظ أن المشرع لم يصنف ضمن الفئات المذكورة أعلاه رئيس المجلس الشعبي البلدي لكن حسب رأينا فإنه بالرجوع إلى المادة 15 من قانون الإجراءات الجزائية التي تضع رئيس المجلس الشعبي البلدي على رأس فئة ضباط الشرطة القضائية فإنه من البديهي في حالة ارتكاب جناية أو جنحة من طرف رئيس المجلس الشعبي البلدي فإن إتهامه و متابعته تتم وفق الإجراءات المتعلقة بالفئة الرابعة الخاصة بقضاة المحكمة و ضباط الشرطة القضائية.
المطلب الثالث :حالة جنح الأحداث : 
إذا كان المشرع قد أوجب في الجرائم المرتكبة من طرف أعضاء الحكومة و بعض الموظفين تحريك الدعوى العمومية فيها من طرف النيابة العامة أمام جهات تحقيق محددة، و بإتباع إجراءات خاصة يكون قد راع في ذلك مسؤولياتهم السياسية أو الوظائف التي يزاولونها فانه – أي المشرع – يكون كذلك عندما أوجب على النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية في جنح الأحداث ،أمام جهات تحقيق خاصة، قد راعى في هذه الحالة ظروف الحدث و صغر سنه ، وقبل التطرق لتحريك الدعوى العمومية في جنح الأحداث من طرف النيابة العامة ، يجدر بنا أن نبين من هو الحدث. 
الحدث هو الشخص الذي لم يبلغ سن الرشد الجنائي، ويختلف هذا السن من نظام تشريعي لأخر . وبالرجوع إلى  المادة 442 من قانون الإجراءات الجزائية، نجد أن الحدث في التشريع الجزائري ، هو كل شخص لم يبلغ سن الرشد الجنائي ، وهو ثمانية عشر سنة كاملة، وتكون العبرة في تحديد هذا السن  بيوم ارتكاب الجريمة و ليس  بيوم المحاكمة  .
و عليه فإذا ما عرضت على النيابة العامة  وقائع تشكل جنحة وكان مرتكبها حدثا، فلا يمكن لها اتهامه بتلك الجنحة ، إلا بتحريك الدعوى العمومية عن طريق إجراءات التحقيق بواسطة عريضة افتتاحية توجه لقاضي الأحداث ، على مستوى المحكمة لمباشرة إجراءات التحقيق مع الحدث ( المادة 452 / ق.إ.ج) . 
و إذا اشترك مع الحدث في جنحة أشخاص بالغون سواء كانوا فاعلين أصليين أم شركاء ، فإن و كيل الجمهورية في هذه الحالة يقوم بإنشاء ملف خاص بالحدث ليتهمه بمفرده عن طريق إجراءات التحقيق أمام قاضي الأحداث الذي يتولى التحقيق مع الحدث ، أما بالنسبة للشركاء البالغين فيتبع بشأنهم القواعد العامة المتعلقة بالجنح المرتكبة من طرف البالغين ، كما سبق بيانها في  المطلب الأول .
 و إذا ما ثبت للنيابة العامة، أن الوقائع المعروضة عليها تشكل جناية إرتكبها حدث سواء بمفرده أو بمشاركة أشخاص بالغين فاعلين أصليين أم شركاء، فإن اتهام النيابة العامة للحدث أو من شارك معه، لا يكون إلا بتحريك الدعوى العمومية عن طريق طلب افتتاحي يوجه لقاضي التحقيق وفقا للقواعد العامة المتبعة في الجنايات كما سبق بيانها في المطلب الثاني- المادة 452/01 ق.ا.ج-
و إذا كانت الواقعة تشكل مخالفة، و كان مرتكبها حدثا بمفرده أو بمشاركة أشخاص بالغين فإن الاتهام فيها من طرف النيابة العامة لا يكون إلا عن طريق تحريك الدعوى العمومية، باحالتها مباشرة على محكمة المخالفات عن طريق الادعاء المباشرأو باحالتها على قاضي التحقيق إذا رأت النيابة العامة أنها تحتاج إلى تحقيق ،و يعني ذلك أن تحريك الدعوى العمومية في مواد المخالفات، المرتكبة من طرف الأحداث ، تخضع للقواعد العامة الخاصة بالبالغين( ) ،على خلاف جنح الأحداث التي يستوجب التحقيق فيها قبل المحاكمة -المادة 446 من ق.ا.ج- 
و يتبين من نص المادة 448 من ق.ا.ج أن للنيابة العامة وحدها سلطة توجيه الاتهام، و تحريك الدعوى العمومية ضد الحدث في الجنايات و الجنح التي يخول فيه القانون للإدارات العمومية حق المتابعة، بعد شكوى مسبقة من الإدارة صاحبة الشأن.


  














الخاتمة:
بناء على ما تم التطرق اليه سابقا ،نكون قد انتهينا من دراسة موضوع السلطة التقديرية للنيابة العامة في حفظ اوراق القضية، و كدا سلطتها التقديرية في تحريك الدعوى العمومية ،و تعد مرحلة البحث و التحري هي المرحلة التي تظهر فيها سلطة النيابة العامة التقديرية بشكل واسع و مباشر ،لتقل نوعا ما في المراحل اللاحقة لتحريك الدعوى العمومية ، اين تمارس النيابة العامة سلطتها التقديرية عن طريق ابداء الطلبات و الاطلاع على اوراق الملف و استئناف اوامر قاضي التحقيق المخالفة لطلباتها ،  وحضور جلسات المحاكمة ،و قيامها بالمرافعات ،و تقديم الطلبات بشانها ، و الطعن في الاحكام و القرارات التي تصدرها المحكمة في الدعوى العمومية. 
و لقد استعملنا مصطلح ''سلطة النيابة العامة" بدل "حق النيابة العامة" ،باعتبار ان الحق ثابت للدولة فقط،فهو حق الدولة في العقاب،و ان هدا الحق لا يستادى من تلقاء نفسه بل لا بد من سلطة تعين الدولة على دلك ،ثم ان الحق يتقادم بمضي المدة اما سلطة النيابة العامة في الحفاظ على هدا الحق –والمخولة لها طبقا للقانون-لا تتقادم.
و قد انتهجنا في بحثنا هدا على منهجية بسيطة ،حيث استهلينا بداية بلمحة موجزة عن الانظمة المتبعة في التشريعات المقارنة فيما يخص سلطة النيابة العامة عند ممارستها الدعوى العمومية،ثم خلصنا الى القول ان المشرع الجزائري قد انتهج نظام الملائمة كاصل عام عند مباشرة الاتهام –و حسنا ما فعل-وهو ما فعله نظيره المصري و الفرنسي ،حيث خول النيابة العامة سلطة اصدار امر الحفظ عندما تتوافر احد اسبابه القانونية او الموضوعية ،و لكن في دات الوقت هناك ضوابط قانونية و قضائية تضمن حسن استعمال النيابة العامة مدى ملائمة الاتهام ، منها حق المدعي المدني في طلب تحريك الدعوى العمومية اما بالادعاء مباشرة امام المحكمة ،او بالادعاء مدنيا امام قاضي التحقيق ،و احيانا اخرى تكون النيابة العامة ملزمة باتباع اجراء معين لتحريك الدعوى العمومية في جرائم معينة،اي يجردها المشرع من سلطتها التقديرية ويخضعها لنظام الشرعية الاجرائية .
ثم تطرقنا الى جميع الاحكام المتعلقة بقرار الحفظ باعتباره وسيلة من وسائل التصرف فيما توصلت اليه نتائج البحث و التحري في مرحلة التحقيق الاولي، فبينا انه مجرد امر اداري يجوز العدول عنه،لا يحوز اية حجية ،ثم انتقلنا الى المرحلة اين تقوم النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية بغية ايصالها بين يدي القضاء،وهنا قد تتسع سلطتها التقديرية و قد تنعدم و دلك بحسب طبيعة الجرم،فاحيانا يكون لها اختيار الطريق الملائم لتحريك الدعوى، و احيانا اخرى تكون ملزمة باتباع اجراءات معينة 
الا انه ما يمكن ان نخلص اليه هو قلة النصوص القانونية المنظمة لاحكام الحفظ،لدلك على المشرع تدارك الامرفي التعديلات اللاحقة لقانون الاجراءات الجزائية ،بنصه صراحة مثلا على تبليغ مقرر الحفظ لصاحب المصلحة ،و كدا امكانية التظلم الاداري فيه امام عضو النيابة المصدرة له او الى رؤسائه،و هدا ما انتهجه نظيره المصري بنصه على دلك صراحة في نص المادة 62من قانون الاجراءات الجنائية ،و هدا حتى يجنب المضرور عناء اللجوء ثانية الى طرق اخرى لتحريك الدعوى 
العمومية.
اما عن النصو ص المتعلقة بكيفية تحريك الدعوى العمومية ،فهي صريحة و واضحة ،  الا اننا ما نتمناه كدلك هو ان تلعب التعليمات النيابية دورها كما هو الشان في مصر ،اين تدون  كتابة و يكون لها الشكل الالزامي،و دلك كله من اجل حسن سير هده الشعبة العضيمة من شعب  السلطة القضائية.                       

قائمة المراجع:
المراجع باللغة العربية:
الكتب القانونية:
1-أشرف رمضان عبد المجيد – النيابة العامة ودورها في المرحلة السابقة على المحاكمة – دراسة تحليلية مقارنة – دار النهضة العربية – القاهرة – الطبعة الأولى 2004.
2- سليمان عبد المنعم – أصول الإجراءات الجزائية في التشريع والقضاء والفقه – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع- الطبعة الثانية.1999.
3-محمد العيد الغريب-المركز القانوني للنيابة العامة-دراسة مقارنة-دار الفكر العربي-
الطبعة 2001.
4-أحسن بو سقيعة –قانون الإجراءات الجزائية في ظل الممارسات القضائية-الديوان الوطني للأشغال الوطنية –الطبعة 2001.
5-محمد زكي أبو عامر-الإجراءات الجنائية –دار الكتاب الحديث-القاهرة.
6-رؤوف عبيد –المبادئ الإجرائية الجنائية في القانون المصري-دار الجيل للطباعة-الطبعة السادسة عشر -1985.
7-عبد الفتاح بيومي حجازي-سلطة النيابة العامة في حفظ الأوراق والامر بالا وجه لإقامة الدعوى الجنائية –دراسة مقارنة –دار الفكر العربي –الطبعة.2004.
8--جيلالي بغدادي –الاجتهاد القضائي في المواد الجزائية–الجزء الأول-الطبعة الأولى -2002.
9-عبد الفتاح الصيفي –فتوح الشاذلي –علي عبد القادر القهوجي -أصول المحاكمات الجزائية –الدار الجامعية للطباعة و النشر –طبعة 2000.
10-عبد القادر القهوجي –شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية -الكتاب الثاني –دراسة مقارنة-منشورات الحلبي الحقوقية –طبعة 2002.

-11محمد محدة –ضمانات المشتبه   فيه في التحريات الاولية-الجزء الثاني –الطبعة الأولى 1999-دار الهدى –عين مليلة.
12-أحمد شوقي الشلقاني –مبادئ الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري –الجزء الثاني –الطبعة الثالثة-2003. 
13-عبد الله أوهايبية –شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري- التحري والتحقيق –دار هومة –طبعة 2003.
14-جيلا لي بغدادي –التحقيق-دراسة مقارنة نظرية وتطبيقية-الطبعة الأولى 1999-الديوان الوطني للأشغال العمومية.
15-سليمان بارش-شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري –دار شهاب للطباعة والنشر –باتنة –طبعة 1986.
المــراجع باللغـة الفرنسية: 
1- STEFANI (G) Et LE VASSEUR (G) – droit pénal et procédure pénal  DALLOZ -  PARIS.
2- ROUX (D.A) Le ministère public de la partie Lèse -Thèse – PARIS.
3- RASSAT MICHELLE – Laure – Le ministre public entre son passé et son avenir Thèse – PARIS 1967.











القوانين:

الدستور الجزائري لسنة 1996. 

1/القانون رقم 06-22 المؤرخ في20/12/ 2006المعدل و المتمم للأمر 66/155،المتضمن 
قانون الإجراءات الجزائية-الجريدة الرسمية العدد84-2006.

2/القانون رقم06/23المؤرخ في 20/12/2006 المعدل و المتمم للامر66/155،المتضمن قانون العقوبات-الجريدة الرسمية عدد84-2006.

3/قانون الإجراءات الجنائية المصري.

4/قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي.

5/القانون الألماني التنظيمي للدعوى الجنائية.
المجلات القضائية:

المجلة القضائية-العدد الاول-سنة .1973
المجلة القضائية-العددالاول-سنة1999
المجلة القضائية-العدد الاول-سنة1996

تعليقات