إثبات النسب ونفيه بالتحاليل الطبية مقارنة تشريعية وفقهية وقضائية
الأستاذ يوسف فلالي محسن
إهتم الإسلام بالنسب إهتماما كبيرا، ونبه القرآن الكريم الإنسان إلى ما في النسب من فوائد، وفي ذلك يقول تعالى:" هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا " إن هذه الآية تنبه الإنسان إلى مظهر من المظاهر التي تدل على عظيم قدرته تعالى فخلق من الماء بشرا هوآدم وزوجته ثم جعله يتكاثر عن طريق التناسل الذي يتم أثناءه التلاقح بين النطفة التي يحتوي عليها ماء الرجل ( المني ) وبين البويضة التي تكون في رحم المرأة، وبعد تمام مدة الحمل الذي يتصور فيه الجنين المتكون بقدرته تعالى من النطفة والبويضة، يخرج إلى الدنيا في أحسن تقويم ليتكاثر ويملأ الأرض، وتتكون منه شعوب وقبائل
ومن القواعد التي تنظم النسب في الإسلام هو إنتساب الإنسان لأبيه لأنه ثمرة الزواج المقدس وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى:" وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف"
لقد نظم المشرع المغربي النسب ووسائل إثباته في الباب الثاني من القسم الأول من الكتاب الثالث وخصص له 13 المادة من 150 إلى 162 فعرف النسب بأنه لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف إلى الخلف ثم حدد أسباب لحوقه على سبيل الحصر في الفراش والإقرار والشبهة وبين وسائل إثباته وهي الفراش- إقرار الأب-شهادة العدلين- بينة السماع ثم أضاف إليها عبارة، كل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة القضائية وهذا هو الجديد في مدونة الأسرة مع مدونة الأحوال الشخصية الملغاة .
إن المشرع باتخاذه هذا المنحى المحمود والمرن في تعامله مع وسائل إثبات النسب بجعل الخبرة الطبية من ضمن وسائل الإثبات، يكون بموقفه هذا مطابقا لقاعدة فقهية راسخة تقوم على أن الشرع متشوق للحوق النسب، وأمام صعوبة معالجة موضوع النسب من جميع نواحيه، آثرنا أن نقتصر على دراسة إثبات النسب ونفيه بالتحاليل الطبية من خلال المحاور التالية:
1) حالات إثبات النسب بواسطة الخبرة الطبية.
2) القوة الثبوتية للخبرة على ضوء مدونة الأسرة
3) موقف القضاء المغربي والمقارن من الخبرة الطبية في قضايا إثبات النسب.
4) الإشكاليات العملية المثارة بشأن إمكانية اللجوء للخبرة في إثبات ونفي النسب.
المحور الأول: حالات إثبات النسب بواسطة الخبرة الطبية:
الإثبات لغة هو تأكيد الحق بالبينة، يقال ثبت الأمر عنده وتأكد، وأثبت الحق أكده بالبينات وفي لغة القانون يعني الإثبات إقامة الدليل أمام القضاء بالطريقة التي يحددها القانون لتأكيد حق متنازع فيه له أثر قانوني
وقد نصت المادة 158 من مدونة الأسرة على أن النسب يثبت:
1) بالفراش: أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية على أن النسب يثبت بالفراش، كما أكدوا على أن الفراش يثبت بالزواج وقد اعتمد المشرع المغربي هذه القاعدة في نصوص المدونة (8مكرر) وتجدر الإشارة إلى أن النسب يثبت بالزواج الصحيح، والزواج الفاسد والزواج الباطل .
2) الإقرار: هو ما يطلق عليه فقهاء الإستحقاق، وعرفه إبن عرفة بقوله:" إدعاء المدعي أنه أب لغيره" وقد نظمه المشرع من خلال المواد: 160-161-و162 من مدونة الأسرة.
3) الشبهة: كما لو أن رجلا وجد امرأة نائمة على فراشه فاعتقد أنها زوجته فجامعها، ثم ولدت ولدا.
والشبهة التي يثبت بها النسب إما شبهة الملك كمواقعة أب جارية إبنه ظانا إباحتها له، وأما شبهة العقد كما إذا تبين أن المدخول بها أخته من الرضاع،أو شبهة الفعل كمن يتبين له بعد أن دخل بمن ظنها زوجته أنها ليست له .
4) شهادة العدلين: تعتبر شهادة الشهود حجة كافية في إثبات النسب(11 مكرر) والقاعدة العامة المعمول بها في الفقه المالكي هو أن شهادة الشهود التي يثبت بها النسب هي شهادة رجلين أو شهادة رجل وإمرأتين ويجب في الشاهد أن تتوفر فيه شروط أجملها ابن عاصم الغرناطي بالكيفية الآتية:
وشـاهد صفته المرعــية *** تيقظ عدالة حــرية
والعدل من يجتنب الكبــائر *** ويتقي في الطالب الصغائر
5) شهادة السماع : جعل المشرع بينة السماع ضمن وسائل إثبات النسب من خلال مقتضيات المادة: 158 من مدونة الأسرة، ويقصد بشهادة السماع من الناحية الفقهية، إخبار الشاهد أمام القضاء أنه قد سمع سماعا فاشيا أن فلانا ابن فلان، يقول صاحب التحفة في هذا المجال:
وأعملت شهادة السماع *** في الحمل والنكاح والرضاع
واشترط فقهاء المالكية لصحتها خمسة شروط أساسية: الإستفاضة- السلامة من الريبة-أداء اليمين تزكية لها- طول الزمن وألا يتعلق الأمر بنقل شهادة.
6) الخبرة الطبية: من المزايا الكبرى لمدونة الأسرة أنها اعتبرت الخبرة الطبية من ضمن وسائل الإثبات الأخرى المقررة شرعا، فما المقصود بهذه الخبرة مثل تحليل الحامض النووي أو ما اصطلح على تسميته بالبصمة الوراثية لذلك نرى من اللازم إعطاء نظرة حول هذا العلم.
قبل سنة 1952 كان تعريف الخلية محصور في مجموعة مكونة من 3 عناصر:
ـ نواة.
ـ سيتوبلازم.
ـ غشاء سيتوبلازمي.
وكانت المعلومات المتعلقة بها – أي الخلية – بسيطة وضعيفة نظرا لقلة وسائل البحث فتوالت البحوث في مجال الخلية وخصوصا البحوث الكيميائية إلى أن تم التوصل إلى الصيغة الكيميائية للمكون الرئيسي للنواة والعقل المدبر لها ولسائر الجسم:
ADN acide Désoxyribo Nucleique
وهي ما اصطلح على تسميتها البصمة الوراثية وكان ذلك سنة 1952،فهناك من وضع تعريفا لها بأنها الصفات الوراثية
التي تنتقل من الأصول إلى الفروع والتي من شأنها تحديد شخصية كل فرد عن طريق تحليل جزء من حامض ADN الذي يحتوي عليه خلايا جسده، أما بالنسبة لتعريفها العلمي: " التركيب الوراثي الناتج عن فحص الحمض النووي لعدد واحد أو أكثر من أنظمة الدلالات الوراثية" توجد البصمة الوراثية داخل نواة الخلايا وتظهر على شكــل صـــبغيات ( Chromosomes) موزعة داخل النواة على شكل أزواج، وبالنسبة للنوع البشري فإن كل الخلايا تحتوي على نفس العدد أي 46 صبغيات ماعدى الخلايا الجنسية Cellules sexuelles التي تحتوي على 23، وتعتبر البصمة أصغر من المليمتر بمائة ألف مرة، إلا أنه لم يعرف في البصمة الوراثية إلا ما قدره، 5¬% ويمكن إستخراج البصمة الوراثية من أية خلية ( الدم- اللعاب- الشعر- المني- عظم- أسنان ........) أما الطريقة المستعملة فتتلخص في إستعمال تقنية تكنولوجية حديثة PCR (polymerase chain reaction) هي التقنية المستعملة للحصول على البصمة الوراثية التي بواسطها (أي التقنية) يتم عزل، تكبير وطبع أجزاء من ADN على ورق الطبعة ( البصمة) المحصل عليها، وهي عبارة عن شفرات ( CODES ) التي تتم مقارنتها مع أشخاص متهمين أو أشخاص لهم قرابة عائلية مع حامل البصمة، وتستعمل البصمة الوراثية في عدة ميادين: 1) الجرائم (القتل، إغتصاب ، انتهاك عرض، تحديد مسؤولية رسالة مجهولة ....)
2- الطب : ( نزاع في حالة الخطأ المهني ، أو تشخيص بعض الأمراض)
3- وفي ميدان الأسرة :( إشكال تنفيذ وصية- إنكار وصية- تحديد صلة وراثية- إلا أن الحالات الأكثر تداولا في ميدان الأسرة هي إثبات الأبوة وبدرجة أقل إثبات الأمومة) إذ أن كل إنسان ينفرد بنمط خاص في التركيب الوراثي ضمن كل خلية من خلايا جسده لايشاركه فيه أي شخص آخر في العالم، أما فيما يتعلق بنسبة الإستيثاق Deqrédefiabilité فإن حالة الإثبات تتم بنسبة مقدارها: 99،95 % أما النفي فالنسبة هي: 100% .
خلاصة القول أن البصمة الوراثية: دائمة – تابثة ومستقرة لكل شخص ، يمكن إستخراجها من أية خلية في الجسم لتحليلها، 50% من هذه المادة مصدرها الأب والأخرى مصدرها الأم، وكلما اقتربت الصلة كانت البصمة أكثر تشابه بين الأفراد
وفي إطار مدونة الأسرة فإن المشرع المغربي لم يعد يحيل في مجال إثبات النسب على الفقه الإسلامي أو على البينة الشرعية فقط حسب ما كان عليه في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، بل أصبح يشير إلى الخبرة أو الخبرة القضائية ، وذلك في الحالات التالية:
- 1) ثبوت الزوجية: حيث نصت المادة 16 من المدونة في فقرتها الثانية على مايلي: " إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته ، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة".
- 2) نفي النسب : حيث نصت المادة 153 على أنه " يثبت الفراش بما تثبت به الزوجية"
يعتبر الفراش بشروط حجة قاطعة على ثبوت النسب، لايمكن الطعن فيه إلا من الزوج عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة تفيد القطع بشرطين.
- إدلاء الزوج المعني بدلائل قوية على إدعائه.
- صدور أمر قضائي بهذه الخبرة
- 3) إثبات النسب : إذ نصت المادة: 158 على ما يلي: " يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب، أو بشهادة عدلين أو بينة السماع وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة القضائية".
المحور الثاني : القوة الثبوتية للخبرة على ضوء مدونة الأسرة :
إن اللجوء إلى الخبرة بواسطة البصمة الوراثية ADN لايتناقض مع أحكام الفقه الإسلامي وفي هذا الإطار يقول الفقيه الشاطبي:" القطع يقدم على الظن، فكيف لنا أن لا نأخذ بهذه الحقيقة ونكتم ما أظهره الله من الحق....." كما أن تاريخ الإسلام عرف ما يسمى بالقافة
وقد اعتبر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة خلال سنة 2002 أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهما، فهي أقوى بكثير من القيافة العادية ( التي هي إثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الأصل والفرع) وأن الخطأ في البصمة الوراثية ليس واردا من حيث هي وإنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث وقرر ما يلي:
1) إن إستعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية لذلك لابد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية.
2) لايجوز شرعا الإعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ولا يجوز تقديمها على اللعان.
3) لايجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعا .
4) يجوز الإعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التالية:
أ- حالات التنازع على مجهول النسب.
ب- حالات الإشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها وكذا الإشتباه في أطفال الأنابيب.
ج- حالات ضياع الأطفال وإختلاطهم بسبب الحوادث أو الكوارث او العروب، وتعذر معرفة أهلهم أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها.
كما يوصي المجمع بأن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء
كما اعتبر المشاركون في أعمال الندوة المنعقدة بالكويت سنة 2000 حول حجية البصمة الوراثية في موضوع النسب، بأن الدولة المتقدمة بدأت في تطبيق هذه البصمة كأحد الإختيارات الأساسية في إثبات النسب ( أو العكس) مع التأكيد على توخي الحيطة والحذر عند تحليل النتائج وإسناد هذه المهمة إلى خبراء على دراية كافية بإجراء مثل هذه التحليلات .
ومن الدول التي تعتمد على الخبرة ( بواسطة البصمة الوراثية ) فرنسا- مصر وتونس حيث نص الفصل 75 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية على ما يلي:" إذا نفى الزوج حمل زوجته أو الولد اللازم له، فلا ينتفي عنه إلا بحكم الحاكم وتقبل في هاته جميع وسائل الإثبات الشرعية".
أما بالنسبة للمشرع المغربي فقد سبقت الإشارة إلى أنه قرر الإعتماد على الخبرة الطبية في مجال إثبات النسب ونفيه لكن بشروط تم التنصيص عليها في المادة 153 من مدونة الأسرة وهي:
1) إدلاء الزوج بدلائل قوية على إدعائه ، كأن يدلي مثلا- لنفي النسب- بشواهد طبية تثبت عقمه، وفي غياب الدلائل القوية، يمنع اللجوء إلى الخبرة لنفي النسب المستند إلى فراش صحيح.
2) أن يصدر أمر من المحكمة بإجراء الخبرة، بحيث لايمكن قبول خبرة طبية إتفاقية لم يسبق للمحكمة أن أمرت بها.
3) أن تفيد الخبرة الطبية القضائية القطع، وقد سبقت الإشارة إلى أن نتائج البصمة الوراثية قاطعة لم تعد محل شك، وأن نسبة الإستثاق في حالة الإثبات هي: 99،95 % أما النفي فالنسبة هي: 100 % .
المحور الثالث: موقف القضاء المغربي والمقارن من الخبرة الطبية في قضايا إثبات النسب:
1- موقف القضاء المغربي:
من بين القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى التي استبعدت الخبرة في نفي النسب، القرار الصادر بتاريخ 15/09/1981 المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 30 صفحة 95 والذي جاء فيه:" حيث يطعن طالب النقض في الحكم المذكور بعدم الإرتكاز على أساس وعدم التعليل لأنه لم يورد النص التشريعي الذي ألغى الخبرات الطبية في الموضوع وأنه على العكس من ذلك فإن النصوص التشريعية تأخذ بعين الإعتبار ما قد يصل إليه الأطباء في تحليلاتهم فيما يخص الحمل وذلك ما نصت عليه مدونة الأحوال الشخصية في الفصل 76 من المدونة إذ جعلت للقاضي وهو ينظر في مادة النزاع أن يستعين ببعض الخبراء من الأطباء للتوصل إلى الحل الذي يفضي إلى الحكم ...إن ما قضى به الحكم المطعون فيه يجد أساسه في الفصل 91 من مدونة الأحوال الشخصية الذي ينص على أن القاضي يعتمد في حكمه على جميع الوسائل المقررة شرعا في نفي النسب، وليس من بين هاته الوسائل وسيلة التحليل الطبي، وأن ما نص عليه الفصل 76 من المدونة خاص بما إذ بقيت الريبة في الحمل بعد إنقضاء سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة لمعرفة ما في البطن هل علة أم حمل، وبذلك تكون الوسيلة غير مبنية على أساس....."
وفي نفس الإتجاه صدر قرار عن المجلس الأعلى بغرفة الست المجتمعة جاء فيه:" فيما يتعلق بالفرع الرابع من الوسيلة الأولى مع الوسيلة الثانية المتعلقتين بعدم الجواب على دفوع العارض وانعدام التعليل وعدم الإرتكاز على أساس وخرق الفصل 345 من قانون المسطرة المدنية، ذلك أن العارض أدلى بقرار صادر بتاريخ: 10/07/2000 عن محكمة المنازعات الكبرى بملهوز بفرنسا، وبعد خبرة طبية تفيد بأن البنت المطلوب نفقتها من طرف المدعية ليست من صلبه، وأصبح الحكم بنفي نسب البنت باتا ووقع التشطيب عليها من سجل الحالة المدنية لأبيها وأصبحت تحمل إسم أمها والقرار المطعون فيه لها ادلى به العارض ولما اثبته القرار الصادر عن القضاء الفرنسي المذكور مع ملاحظة ان المغرب مرتبط باتفاقية مؤرخة في 10/08/1981 مع الجمهورية الفرنسية وذلك حتى لاتصدر قرارات متناقضة ..."
وقد رفض المجلس الأعلى هذا الطعن بناء على مايلي:" لكن حيث إن المحكمة المطعون في قرارها قد بنت قضاءها على أنه إذا ولدت الزوجة بعد فراق يثبت نسب الولد إذا جاءت به خلال سنة من تاريخ الفراق، مع مراعاة ما ورد في الفصل 76 من مدونة الأحوال الشخصية المطبقة على النازلة والذي يتضمن أن أقصى أمد الحمل هو سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة وأنه ثبت أن الطالب قد طلق زوجته المطلوبة بمقتضى رسم الطلاق المؤرخ في 02/02/1996، كما ثبت من عقد الإزدياد رقم 004080/96 بتاريخ 17/09/1996 الصادر عن مكتب الحالة المدنية لمدينة ملهوز بفرنسا بذلك فإنها قد ولدت داخل سنة من تاريخ الفراق، وأن نسبها ثابت لأبيها طبقا للفصل 76 مؤيدة الحكم الإبتدائي فيما قضى به معللا بأن الحكم الأجنبي المحتج به الصادر عن محكمة المنازعات الكبرى بملهوز بفرنسا بتاريخ 10/07/2000 حكم بأن المدعى عليه ليس أبا للطفلة المزدادة بتاريخ 13/09/1996 بملهوز اعتمادا على دراسة الدم وتحليله لنفي نسب البنت المذكورة عن المدعى عليه إلا أن ذلك مخالف لمقتضيات الفصل 76 المذكور كما أنه كان في وسع الزوج الطاعن نفي النسب عن طريق اللعان.
وحيث إن الإتفاقية المتعلقة بحالة الأشخاص والأسرة وبالتعاون القضائي بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية الموقعة بالرباط في " 10/08/1981 المستدل بها، فإن فصلها الرابع من مقتضياتها العامة نص على أنه: ( لايمكن العدول عن تطبيق قانون إحدى الدولتين المحدد بمقتضى هذه الإتفاقية من طرف محاكم الدولة الأخرى إلا إذا كان منافيا بصورة واضحة للنظام العام) والمحكمة المطعون في قرارها لما اعتبرت استدلال الطالب بالاتفاقية المذكورة في غيره واستبعدتها ضمنا لكون القضية تخضع لمقتضيات الباب الأول من الكتاب الثالث من قانون مدونة الأحوال الشخصية... وبالتالي فإن القرار المطعون فيه جاء معللا تعليلا كافيا مما يكون معه الفرع والوسيلة المذكوران أعلاه على غير أساس"
إلا أن المجلس الأعلى غير موقفه بتاريخ 09/03/2005 في قرار شرعي صادر بغرفتين جاء فيه:"...كان على المحكمة أن تبحث بوسائل الإثبات المعتمدة شرعا ومنها الخبرة التي لايوجد نص قانوني صريح يمنع المحكمة من الإستعانة بها، والمحكمة لما اكتفت بالقول ردا على ملتمس إجراء خبرة، بأن ما تمسك به الطالب يخالف أصول الفقه والحديث الشريف حول اعتماد نص قاطع في الموضوع، فإنها لم تضع لما قضت به اساسا وعرضت قرارها بذلك النقض...."
كما أن المجلس الأعلى بتاريخ 4 يناير 2006 قرر ما يلي:"...الفراش الصحيح حجة قاطعة على ثبوت النسب ولا يمكن نفيه إلا عن طريق اللعان أو الخبرة الطبية إذا توفرت شروطهما....."
ومن بين المحاكم الإبتدائية التي اعتمدت على الخبرة الطبية (ADN) في إثبات النسب: المحكمة الابتدائية بالرباط فقضت بثبوت الزوجية وبثبوت نسب الإبن لأبيه المدعى عليه.
والمحكمة الإبتدائية بمراكش حينما صرحت بثبوت البنت لوالدها المدعى عليه.
2) موقف القضاء المقارن: من خلال القضاء التونسي والقضاء المصري.
إن القضاء التونسي يعتمد بدوره على الخبرة فقد نص الفصل 75 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية على مايلي:
" إذا نفى الزوج حمل زوجته أو الولد اللازم له فلا ينتفي عنه إلا بحكم الحاكم وتقبل في هاته جميع وسائل الإثبات الشرعية" وهكذا فقد رفض قضاة الموضوع سواء على مستوى الدرجة الأول أو الثانية سماع دعوى نفي النسب بناء على التحليلات الطبية تغلبيا للفراش واعتمادا على أن التحليلات الطبية لاتعتبر وسائل شرعية لنفي النسب وهو ما تقتضيه محكمة التعقيب بناء على مايلي:" حيث اتضح من مراجعة القرار المطعون فيه أنه أسس قضاءه بإقرار حكم البداية القاضي برفض الدعوى على اعتبار أن إثبات عدم التلاقي بين الطرفين قبل الحمل لنفي نسب الطفل وليد لايمكن أن يكون مركزا أساسا على طريقة تحليل الدم التي لا تعد وسيلة إثبات شرعية.
وحيث إن التعليل التي انتهجته محكمة القرار غير مستساغ قانونا ولا يتماشى مع مظروفات الملف ومعارضا لما أقره الفصل 75 من مجلة الأحوال الشخصية التي اقتضى أنه إذا نفى الزوج حمل زوجته أو الوليد اللازم له فلا ينتفي عنه إلا بحكم الحاكم وتقبل في هاته الصورة جميع وسائل الإثبات الشرعية وأن مدلول صيغة هذا النص يغير ما أورده المشرع بالفصل 68 من نفس المجلة الذي عين لثبوت النسب طرقا مخصوصة وصورا معينة جاءت بالحصر والذكر ذلك أن نفي النسب في هذه الحالة يكون مع توفر الفراش والزواج الصحيح ولكن الولادة أو الحمل الذي جاءت به الزوجة هو موضوع الطعن والنفي بحسب ما يقدمه الزوج من وسائل الإثبات الشرعية والقانونية والتي لا تعد شهادة الشهود فيه كافية بل يجب الاعتماد على الأبحاث والاختبارات الطبية التي يكون لها تأثير سواء سلبي أو إيجابي ومن ذلك وسيلة تحليل دم كل من والزوجة والمولود المطالب بنفي نسبه، وأنه لا شيء يمنع من اعتماد تلك الوسيلة التي حقق علماء الطب الشرعي صحتها والتي تعد طريقة علمية قاطعة وهو ما درج عليه فقه وقضاء هذه المحكمة وأن عدم استجابة محكمة الموضوع لهذا الدفع يعتبر إفراطا في السلطة وإهدارا لحق الدفاع مع سوء تأويل القانون ... كما سبق لمحكمة النقض المصرية أن قضت بأنه : "متى كانت الحقائق العلمية المسلم بها في الطب الشرعي الحديث تفيد أن تحليل فصائل الدماء قد تقطع نتيجة في نفي نسب الطفل عند المنازعة فيه وإن كان من غير اللازم أن تقطع في ثبوته واتخاذ الفصائل أو اختلافها بين الأصول والفروع أيا كان الرأي العلمي فيه هو اعتبار عام لا ينهض في وجه ما تمسك به الطاعن في خصوص دعواه من أن الطفل لا يمكن نسبته إليه ولو بدليل محتمل، محتكما إلى الخبرة الفنية البحثة التي لا تستطيع المحكمة أن تشق طريقها فيها إلا بمعونة ذويها لما كان ذلك، وكان لا يعرف حاصل ما كان ينتهي إليه رأي المحكمة لو ثبت لها بيقين من نتيجة تحليل الفصائل أن الطفل لا يمكن أن يعزى إلى المتهم، وكان رد الدفاع يحدث في وجدان القاضي ما يحدثه دليل الثبوت، لما كان ما تقدم، فقد كان متعينا على المحكمة أن تحقق هذا الدفاع الجوهري عن طريق المختص فنيا وهو الطبيب الشرعي، أما وهي لم تفعل اكتفاء بما قالت من أنه ليس من اللازم أن تتخذ فصائل دماء الأصول والفروع. فإنها بذلك تكون قد أحلت نفسها محل الخبير الفني في مسألة فنية، ومن ثم يكون حكمها معيبا بالإخلال بحق الدفاع مما يتعين معه نقضه والإحالة دون حاجة إلى التعرض لسائر الطعن
المحور الرابع : الإشكاليات العملية المثارة بشأن إمكانية اللجوء للخبرة في إثبات ونفي النسب
من المعلوم أن من بين المستجدات التي اتت بها مدونة الأسرة في موضوع النسب، كونها تضمنت مجموعة من الحقوق لفائدة الطفل. معززة مكانته داخل الأسرة. وذلك بتثبيت حقه في الانتساب إلى أبيه من خلال اعتماد وسيلة إثبات جديدة. ألا وهي الخبرة الطبية، باعتبارها وسيلة إثبات إلى جانب باقي الوسائل الأخرى التي اعتمدها المشرع في إثبات أو نفي النسب، ومن الإشكاليات العملية المطروحة في هذا المجال :
1) تأثير الخبرة على الوسائل الشرعية لإثبات النسب : ما الحكم عندما تتعارض نتائج الخبرة ADN مع قاعدة الولد للفراش أو مع الإقرار بالنسب ؟
أ- التنازع بين الفراش والخبرة الطبية :
لم يتطرق المشرع لهاته المسألة، لكن المجلس الأعلى، لما عرضت عليه نازلة من هذا النوع أصدر قرارا تحت عدد : 658 المؤرخ في : 30/12/2004 بغرفة الست المجتمعة، وقد سبق الإشارة إليه بإسهاب عند دراستنا للمحور الثالث : موقف القضاء المغربي من الخبرة الطبية في قضايا إثبات النسب (أنظر صفحة 6 و 7).
ونعتقد أن الاتجاه الذي سار عليه المجلس الأعلى –حينما رجح الفراش على الخبرة الطبية- هو عين الصواب إذ لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعا وذلك حماية لأعراض الناس وصونا لأنسابهم، ومن القواعد الأصولية والفقهية أن درء المفاسد تقدم على جلب المصالح، وأن الذرائع المؤدية للفساد يجب سدها وقاعدة الحكم بالظاهر والله يتولى السرائر وكل ذلك يقتضي منع اعتماد الخبرة أو البصمة الوراثية لنفي نسب ثابت شرعا بحيث متى ثبت النسب بالفراش يعتبر حجة غير قابلة لإجراء أي ترجيح بينه وبين غيره من تلك الأسباب، ولا قبول إثبات عكس ما صح بالفراش بأية وسيلة من وسائل الإثبات لذلك فالنسب الثابت بالفراش لا يقبل الانتقاء إذا توفرت سائر شروطه ولا ينتفي الولد عن الزوج ما دامت شروط الفراش متوفرة من مدة الحمل وإمكان الاتصال بنوعيه المادي والمعنوي.
ب- التنازع بين الاستلحاق والخبرة الطبية :
الاستلحاق في عرف الفقهاء عبارة عن إقرار، والإقرار في الفقه هو الاعتراف بما يوجب حقا على قائله بشرطه، وعرفه ابن عرفة بقوله : "ادعاء المدعي أنه أب لغيره". ونص عليه المشرع ضمن المواد : 160-161 و 162 من مدونة الأسرة، لكن ما الحكم إذا ما أقر شخص بنسب آخر، ثم عاد فطلب بنفي النسب اعتماد على البصمة الوراثية ADN ؟ لم يتعرض المشرع لهذا الإشكال إن الإقرار متى تم صحيحا لا يقبل الرجوع فيه من الناحية الفقهية فقد جاء في كتاب جواهر الإكليل لمؤلفه صالح عبد السميع الآبي الأزهري :"وإن استلحق المكلف ولدا في صورة يلحق به فيها، ثم أنكره. أي نفاه عن نفسه بعد استلحاقه وقال ليس بولدي، ثم مات الولد عن مال ومستلحقه حي فلا يرثه، أي لا يرث المستلحق المستلحَق لنفيه عن نفسه واعترافه، أنه لاحق له في إرثه ووقف ماله، أي المال الذي تركه المستلحق، فإن مات الأب الذي استلحق ورجع عن استلحاقه فالمال الموقف لورثته، أي الأب لأن رجوعه عن استلحاقه غير معتبر بالنسبة لهم".
وجاء في كتاب أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية وفق مدونة الأحوال الشخصية، الجزء الثاني للدكتور محمد المعجوز صفحة 50 "وإذا استلحق الرجل ولدا بالشروط المذكورة، ثم رجع في استلحاقه، فإن هذا الولد يثبت نسبه لمن استلحقه، ولا يسقط بذلك الرجوع، ثم إن مات الأب فإن ابنه المستلحق يرثه كما يرث الإبن في أبيه. وإن مات الإبن المستلحق فإن والده الذي رجع في استلحاقه لا يأخذ نصيبه من إرثه. لأن رجوعه في الاستلحاق يعتبر إنكارا منه لحقه في إرث هذا الولد، وإنما يوقف ذلك النصيب لحساب هذا الوالد، فلا يتصرف فيه شخصيا ... إلى أن يموت هذا الأب، وحينئد يدخل ذلك النصيب في تركته ويوزع بين ورثته".
وأغلب الفقه المعاصر مجمع على أن الإقرار بالنسب يقدم على النفي بالبصمة الوراثية تغليبا لحق الطفل المجهول النسب والذي تدعمه قاعدة أن الشرع متشوف للعوق الأنساب.
وقرر مجلس المجمع الفقهي في دورته السادسة عشرة التي انعقدت في مقر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من 21-26 شوال 1422 هـ، جواز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في حالات التنازع على مجهول النسب
وقد انتهى المشاركون في اعمال الندوة المنعقدة بالكويت على مدار يومي الأربعاء والخميس 3 و 4 ماي 2000 في موضوع : حجية البصمة الوراثية في موضوع النسب إلى حصر المناقشات في المحاور التالية :
1- الاحتكام إلى البصمة الوراثية في حالة تنازع إثنين في أبوة مجهول النسب، وفي حالة عدول الأب عن استلحاق مجهول النسب أو إنكار أبنائه ذلك بعد وفاته، وفي توريث مجهول النسب إذا أقر بعض الإخوة بأخوته ونفاها البعض الآخر.
إلا أنه ومن خلال وجهة نظرنا متواضعة نعتقد أن الاستلحاق شأنه شأن الفراش لا يقبل الانتفاء إذا توفرت سائر شروطه، إلا في حالة إدلاء المستلحق بدلائل قوية على ادعائه واقتناع المحكمة بها.
2- تأثير الخبرة على العمل باللعان :
نصت المادة 153 من مدونة الأسرة على ما يلي :
"يثبت الفراش بما تثبت به الزوجية
يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب، لا يمكن الطعن فيه إلا من الزوج عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة تفيد القطع بشرطين.
- إدلاء الزوج المعني بدلائل قوية على ادعائه.
- صدور أمر قضائي بهذه الخبرة"
كل طفل يولد أثناء فترة العلاقة الزوجية المحددة في المادة 154 يثبت نسبه إلى الزوج بقرينة قانونية غير قابلة لإثبات العكس من أي كان ما عدا الزوج نفسه الذي يمكنه أن يطعن في نسب الطفل إليه عن طريق المطالبة باللعان، أو بخبرة طبية تفيد القطع بوجود أو عدم وجود العلاقة البيولوجية بينه وبين الطفل المعني، وذلك مثل الحامض النووي الذي يعبر عنه بالبصمات الوارثيـة. ولا يقبل من الزوج طلب الخبرة الطبية إلا إذا عزز ادعاءه بقرائن قوية ترجح صدقه فيه فحسب هذه المادة يمكن الاعتماد على وسيلتين لنفي النسب : اللعان أو الخبرة الطبية (ADN) فالعدول عن اللعان والاحتكام إلى الخبرة يعتبر في نظر أحد الفقهاء المغاربة ظلم للزوجة وحرمان لها من حقوقها التي ضمنها لها الإسلام باللعان والمتمثلة :
1- حقها في الدفاع عن نفسها وشرفها، والاكتفاء منها بمجرد أيمانها لرد أيمان الزوج مثلا بمثل وعددا بعدد، دون تدخل طرف ثالث قد يخطئ أو يتلاعب بالنتائج ودون تكاليف مالية كما قال تعالى : "ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات باللـه إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين" (سورة النور الآية : 9).
2- سقوط دعوى الزوج ضدها وبطلان اتهامه لها، فلا يدري الناس من الكاذب منهما ؟ كما قال النبي (ص) للمتلاعنين : (الله يعلم أن أحدكما كاذب) (رواه أبو داود والبخاري).
3- احتفاظها بصفة العفاف والحصانة التي كانت تتمتع بها قبل قذفها ولعانها.
4- الستر عليها وعدم فضحها، فاللعان ستر لها ولأهلها، والبصمة الوراثية فضيحة لها وتشهير بها وبأهلها كما أن العدول عن اللعان والاحتكام للخبرة يعتبر إضرارا بالولد وحرمانا له من حقوقه المضمونة له في اللعان التي تتلخص في :
1- بقاء فرصة استلحاقه بعد اللعان إذا ندم الزوج وأكذب نفسه فإنه يعد ويلحق به الولد، وهذا بخلاف الخبرة فإنها تفوت عليه هذه الفرصة إذا تبين أنه ليس من الزوج فإنه لا يمكنه استلحاقه مستقبلا.
2- حمايته من القذف، ففي حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ترمى الملاعنة ولا يرمى ولدها إلا أن الإشكال المطروح : هل يمكن اعتماد الوسيلتين معا : اللعان والخبرة الطبية وما الحل في حالة تعارضهما ؟ موقف فقهي يرى أن البصمة الوراثية تحل محل اللعان لأن نتائجها يقينية، واللعان مبني على الشك لا اليقين، فمتى أثبتت البصمة الوراثية النسب فلا يصح بعد ذلك نفيه بواسطة اللعان والعكس صحيح وموقف آخر يرى أن البصمة الوراثية لا تقدم على اللعان لأن من شأن ذلك أنه سيؤدي إلى تعطيل نص قطعي في كتاب الله. فالجواب إذن يبقى على الزوج أن يختار إحدى الوسيلتين، وهو إن اختار لا يرجع وفي نظر أحد فقهاء القانون، تظل البصمة الوراثية وسيلة احتياطية لا يمكن اللجوء إليها بعد التحقق من شروطها إلا في حالة عدم الاحتكام إلى اللعان وفي قضية عرضت أمام المحكمة الابتدائية بالحي الحسني عين الشق بالدار البيضاء تتعلق بنفي نسب البنت مع تطبيق مسطرة اللعان بناء على طلب الزوج، قضت المحكمة برفض الطلبين الأصلي والإصلاحي لكون المدعي لم يمتثل للخبرة الطبية المأمور بها بمقتضى الحكم التمهيدي، وبناء على ما جاء في مضمون الشواهد الطبية التي تبين من خلالها أن بداية حمل المدعى عليها ترجع لتاريخ : 29/08/2003 في حين أقر المدعي كونه ظل على اتصال بزوجته ويعاشرها معاشرة الأزواج إلى غاية متم شهر غشت 2003 مما يتبين معه كون اعتزال المدعي لزوجته المدعى عليها لم يتم إلا بعد وقوع الحم، وبالتالي تبقى دعوى اللعان هاته مفتقرة لأهم شروطها المتمثلة في استبراء الزوجة واعتزال الزوج لها مباشرة بعد طهرها من الحيض مما يجعل طلب المدعي لكل ذلك غير مؤسس قانونا ويتعين بالتالي رفضه
3- كما أنه من الإشكاليات العملية المثارة والتي لا تقل أهميتها عن سابقتها في حالة امتناع الأب عن إجراء تحليل الحمض النووي لإثبات النسب ؟
كان جواب الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين : " إنه في حال رفض الزوج الخضوع لتحليل البصمة الوراثية، فيعد هذا دليلا ضده وليس له، ويكون من حق القاضي أن يفعله رغما عن الزوج"
وفي حوار لجريدة الأحداث المغربية مع الأستاذة زهور الحر اعتبرت رفض الزوج بمثابة اعتراف ضمني بنسب الطفل، مضيفة بأن هناك أحكام عديدة صدرت في هذا الشأن وتم تأييدها من طرف محكمة الاستئناف.
إن الإشكاليات العملية المثارة بشأن اللجوء إلى الخبرة في إثبات ونفي النسب كثيرة لا حصر لها واقتصرنا على بعضها فقط. لأن هذا الموضوع يصعب معالجته من جميع جوانبه في هذا المقال كما أن الإشكاليات التي تطرحها المادة : 153 تحتاج إلى مزيد من الوقت للحصول على اجتهادات مستقرة وحلول قضائية ملائمة.
نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والنجاح في هذا العمل.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم