القائمة الرئيسية

الصفحات



مسطرة نزع الملكية في التشريع المغربي ذ.حسن العفوي



مسطرة نزع الملكية في التشريع المغربي  ذ.حسن العفوي          



الفـــهـــرس

مقدمة:نبذة تاريخية عن تطور فكرة نزع الملكية.                 ص 3
المبحث الأول:المرحلة الإدارية لنزع الملكية من اجل المنفعة العامة.                   ص 13 
الفرع الأول:قرار إعلان المنفعة العامة.                                       ص 16
الفرع الثاني:قرار التخلي.                                                    ص 19
الفرع الثالث:مسطرة التقويم والاقتناء عن طريق المراضاة.                   ص 20
المبحث الثاني:المرحلة القضائية لنزع الملكية من اجل المنفعة العامة.                   ص 22
أولا:دعوى نقل الحيازة.                                                         ص 22
ثانيا:دعوى نقل الملكية.                                                          ص 23
المبحث الثالث: رقابة الغرفة الإدارية على مقررات نزع الملكية
                             من اجل المنفعة العامة.                                    ص 26  
الفرع الأول: رقابة القضاء الإداري على شرط المنفعة.                       ص 28
أولا : تأثر الغرفة الإدارية بمظاهر الرقابة التقليدية .                               ص 29
ثانيا : التخلي عن المفهوم التقليدي للرقابة على القرارات.                       ص 33
الفرع الثاني: إقرار نظرية الموازنة.                                             ص 37
أولا: تطبيقات نظرية الموازنة في الاجتهاد القضائي المغربي                        ص 38
ثانيا: تكريس خيار الاستمرارية في قضاء المجلس الأعلى.                         ص 43
خاتمة.                                                                                   ص 46















بسم الله الرحمن الرحيم
مسطرة نزع الملكية
في التشريع المغربي

المقدمة:
لقد عرفت المحاكم الإدارية منذ إنشائها بمقتضى الظهير الشريف رقم 225-91-1 الصادر في 22 ربيع الأول 1414 (10 شتنبر 1993) بتنفيذ القانون رقم 90-41 نموا مطردا في عدد القضايا الإدارية المعروضة عليها وذلك نظرا لعدة عوامل أساسية أبرزها قرب هذه المحاكم من المواطنين وتغطيتها لمجموع التراب الوطني بالإضافة إلى تبسيط المساطر القضائية لا سيما فيما يتعلق بدعاوى إلغاء القرارات الإدارية بسبب تجاوز السلطة والتي كانت تختص بها الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا، وإذا كان الطابع الغالب على هذه الدعاوى هو الطعون الإدارية سواء فيما يتعلق بقضايا الانتخابات أوالطعون بسبب تجاوز السلطة وكذا الطعون الضريبية، فإن المحاكم الإدارية عرفت منذ إحداثها سيلا عارما من قضايا نزع الملكية لأجل المنفعة العامة نظرا لحاجة الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية إلى أراضي لإقامة مشاريع اقتصادية واجتماعية وتنموية لفائدة المواطنين.
وقبل التطرق إلى مختلف الإشكاليات التي تطرحها قضايا نزع الملكية أمام المحاكم الإدارية لا بد من إعطاء نظرة ولو وجيزة عن تطور مفهوم نزع الملكية من أجل المنفعة العامة في التشريع المغربي، فالسلطات العامة وحتى تقوم بوظائفها على أحسن وجه وبالسرعة المطلوبة تتمتع بحسب طبيعة مركزها بامتيازات لا يمكن الاعتراف بها للأفراد العاديين، ومن هذه الامتيازات أن السلطة العامة تتمتع بالحق في التنفيذ المباشر دون إتباع المسطرة القضائية للحصول على أحكام تقرر حقوقها في مواجهة الأفراد العاديين ومنها أن العقود التي تبرمها الدولة أو مختلف المؤسسات العمومية التابعة لها لا تقف أمامها على قدم المساواة مع الأفراد المتعاقدين معها، وإنما تستطيع بإرادتها المنفردة أن تعدل بنود تلك العقود أو تقوم بإعلان فسخها من جانب واحد متى اقتضت المصلحة العامة ذلك.
ومن أهم هذه الامتيازات أيضا تلك المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت، فكثيرا ما تحتاج السلطة العامة في إطار تدبير الشأن العام والإشراف على المرافق العامة وتنفيذ مخططاتها التنموية إلى عقارات، وقد خص المشرع العقارات المملوكة للدولة بنظام قانوني خاص  .
والسلطة في سبيل حصولها على ما تحتاجه في هذا الصدد تلجأ إلى إحدى طريقتين:
1-فقد تقتني ما يلزمها من عقار بالطرق العادية وهي تتصرف في هذه الحالة كشخص عادي تشتري أو تقايض أو توصي أو يتبرع لها، ومن تم تخضع لقواعد القانون الخاص التي تحكم مثل هذه التصرفات.
2-وقد يستعصي عليها الحصول على ما تحتاجه بالطرق العادية وحتى لا يتعرض نشاط الدولة عموما للشلل والركود وتتعرض برامجها للتعثر فقد أباح لها المشرع وكذلك لمختلف المؤسسات العمومية والإدارات التابعة لها أن تلجأ إلى نظام نزع الملكية من أجل المنفعة العامة أو نظام الاحتلال المؤقت.
أولا:الأساس القانوني لفكرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة:
لقد ظلت الملكية العقارية ومنذ أقدم التشريعات حقا مطلقا لصاحبها يتصرف فيه كيفما شاء بل ومقدسا يمنع على الكافة المساس به.
وفي الوقت الراهن وفي ظل كل الشرائع تقريبا أضحت الملكية الخاصة حقا ذا وظيفة اجتماعية واقتصادية بل إن هذه الوظيفة الحديثة لحق الملكية قد وجدت لها صدى منذ أواخر القرن الثامن عشر في الفصل 17 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر بفرنسا في 26/8/1789 والذي أباح نزع ملكية الخواص مقابل تعويض عادل، كلما اقتضت المصلحة العامة ذلك بالرغم من تأكيده لقدسية ذلك الحق.
ولقد بلور التشريع المغربي هذا المفهوم الجديد لحق الملكية من خلال الفصل 15 من دستور المملكة والذي جاء ينص على ما يلي:"حق الملك مضمون".
وللقانون أن يحد من مداه واستعماله إذا دعت إلى ذلك ضرورة النمو الاقتصادي والاجتماعي.
ولا يمكن نزع الملكية إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون".
وفي الحقيقة فإن ما جاء به دستور المملكة من خلال فصله الخامس عشر قد كرسته نصوص مغربية أخذت تظهر معالمها منذ عقد الجزيرة الخضراء، ثم توطدت بظهائر سلطانية ابتداء من سنة 1914.
ثانيا:نظرة تاريخية عن تطور فكرة نزع الملكية من اجل المنفعة العامة:
1-الفكرة في الفقه الإسلامي:
لم تكن فكرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة مفهوما جديدا بصفة عامة وعلى الفقه الإسلامي بوجه خاص، ذلك أن المذهب المالكي السائد في المغرب إلى جانب المذاهب الفقهية الأخرى فقد عرفها وطبقها في مجال الفقه والقضاء وقد أشارت كتب الفقه الإسلامي إلى حالتين اثنتين لنزع الملكية قسرا على صاحبها ورعاية لمصلحة عامة.
-حالة نزع الملكية من اجل بناء مسجد أو توسعته.
-حالة نزع الملكية من اجل تشييد طريق أو توسيعه.
وتستمد هذه الأحكام في الحقيقة من واقعة حدثت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، فعلى سبيل المثال فقد استملك الرسول الكريم المكان الذي بنى به أول مسجد في الإسلام بالمدينة المنورة بعد الهجرة إليها، وسعى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى توسيع أحد المساجد لضيق المصلين به.
2-الفكرة من خلال اتفاقية الجزية الخضراء:
وافق أطراف اتفاقية الجزيرة الخضراء من خلال الفصل 113 على الأخذ بنظام نزع الملكية بالمغرب.
وقد نص الفصل 114 من الاتفاقية على أن نزع الملكية لا يمكن أن يمارس إلا إذا سبقه بحث أولي وأعلنت المنفعة العامة بشأنه.
وقد أسندت نصوص المعاهدة للسلك الدبلوماسي المعتمد آنذاك بمدينة طنجة مسألة وضع تنظيم للإجراءات الإدارية والمسطرية التي يجب أن تتخلل عملية نزع الملكية من أجل المنفعة العامة والتي لم تكن تهدف في واقع الأمر إلا إعطاء رعايا الدول الأجنبية الموقعة على تلك المعاهدة بعض الامتيازات وتوفير الحماية لمصالحهم القنصلية  .
3-الفكرة من خلال منشور فاتح نونبر 1912:
لكي يتمكن المخزن المغربي-ومن خلفه سلطات الحماية الفرنسية بطبيعة الحال-من القيام بإنجاز بعض المشاريع الضخمة وحتى يتأتى له نزع ملكية الأراضي التي يحتاجها لهذا الغرض، فقد صدر عن الصدر الأعظم منشورا في فاتح نونبر 1912 يفرض من خلاله على كل من اكتسب حق ملكية عقار ما، أن يطلب من الإدارة المغربية الموافقة على التصرف الذي نتج عن ذلك الكسب مقابل التزامه كتابة بتفويت العقار المكتسب إلى المخزن كلما دعت الضرورة إلى ذلك كشرط مسبق لصحة التصرف المذكور.
ولقد احتجت الدول الاستعمارية آنذاك على هذا المنشور عندما اعتبرته نوعا من الخرق السافر لعقد الجزيرة الخضراء المبرم سنة 1906 وللتنظيم الدبلوماسي لمنطقة طنجة الدولية والصادر في سنة 1908.
4-نزع الملكية من خلال ظهير 26/3/1914.
لقد أصدر المشرع المغربي ظهيرا بالغ الأهمية بتاريخ 26/3/1914 اعتبرت بمقتضاه كل المنطقة التي سيباشر بها تشييد السكة الحديدية التي تربط بين مدينتي طنجة وفاس خاضعة لارتفاق عام مفاده أنه يحرم إجراء أية معاملة عقارية في محيط المنطقة المذكورة أو القيام ببنايات أو أغراس أو تحسينات بها دون الموافقة المسبقة للإدارة العامة للأشغال العمومية ويستمر الارتفاق المذكور في ترتيب آثاره إلى أن تأخذ الإدارة الأجزاء التي تحتاجها لبناء خط السكة الحديدية المزمع إنجازه، ولم ينطلق الظهير السالف الذكر لا من عقد الجزيرة الخضراء ولا من التنظيم الدبلوماسي لمدينة طنجة وإنما اكتفى بتحديد المنطقة اللازمة لإقامة المشروع المعلن عنه.
5-القوانين المتعلقة بنظام نزع الملكية:
الظهير الصادر في 31/8/1914: 
في البداية لا بد من الإشارة إلى أنه قد كان هناك مشروع أولي لنص تشريعي خاص بنظام نزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت تمت صياغته داخل إدارة الأملاك المخزنية سنة 1913، وقد استبعد هذا المشروع لكونه جاء صورة طبق الأصل للمرسوم الفرنسي الصادر في 5/9/1905، والذي اتضح أن الأوضاع قد تجاوزته آنذاك، وقد صدر ظهير 16/4/1914 الخاص بتنظيم المدن، ونظرا للنجاح الكبير الذي لاقاه مضمون هذا الظهير فقد أسندت إلى من كان وراء صياغة مشروعه الأولي الأستاذ ج تارد G.TARDE مهمة وضع مشروع أولي لنظام نزع الملكية بالمغرب، وقد انبثق عن عمل الأستاذ تارد ظهير 31/8/1914 الذي يمثل أول نص عام يقوم بتنظيم مسألة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت بمنطقة الحماية الفرنسية بالمغرب.
ولقد استمد الظهير المذكور مبادئه الأساسية من القانون الفرنسي لسنة 1841 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة، إلا أنه رجع إلى تشريعات أخرى لسد الثغرات التي أبانت عنها الممارسة العملية بالنسبة للتشريع الفرنسي السالف الذكر، ومن هذه التشريعات نذكر تلك الصادرة في دول شمال افريقيا كالجزائر وتونس ومصر، وفي بعض دول غرب أوربا كبلجيكا وايطاليا وألمانيا.
ويشتمل الجزء الخاص من الظهير على 28 فصلا قسمت إلى خمسة أبواب؟، خصص الأول منها لحالات نزع الملكية ولإعلان المنفعة العامة، وخصص الثاني للإجراءات الإدارية التي تسبق نزع الملكية وللتملك عن طريق المراضاة، وخصص الثالث للحكم القضائي الصادر بشأن نزع الملكية ولتحديد التعويضات الواجب دفعها لذوي الحقوق، وخصص الباب الرابع لتأدية التعويضات ونقل الحيازة إلى نازع الملكية، بينما خصص الباب الخامس والأخير للإجراءات الاستثنائية التي يجب أن يلجأ إليها نازع الملكية في حالة الاستعجال القصوى، إلا أنه بعد مرور ما يقارب 37 سنة على إصدار هذا الظهير تدخل المشرع المغربي بتاريخ 3/4/1951 حيث أصدر ظهيرا جديدا آخر يلغي مقتضيات ظهير 31/8/1914 في محاولة منه لإيجاد توازن بين مصالح نازع الملكية والمنزوعة ملكيته، وذلك بسن قواعد جديدة تكفل حماية حقوق هذه الفئة الأخيرة.
-أسباب استصدار ظهير3/4/1914:
إن إلقاء نظرة ولو خاطفة على مقتضيات ظهير 21/8/1914 يتبين بكل جلاء أن المشرع المغربي قد أعطى لنازع الملكية امتيازات جد هامة على حساب الطرف المنزوعة ملكيتهم، وقد حاول ظهير 3/4/1951 استدراك جانب من هذا النقص، ونكتفي في هذا الصدد بالوقوف عند المثالين التاليين:
أ-استصدار مقرر التخلي:
نجد أنه في إطار ظهير 1914 تظل العقارات التي كانت موضوعا لقرار يقضي بتخصيصها المنفعة العامة محل ارتفاقات عديدة مدة سنتين قابلتين للتجديد في كل مرة وهكذا فإن هذه العقارات تبقى مهددة بالاستملاك لسنوات طويلة دون أن يكون هناك ما يلزم السلطة نازعة الملكية لممارسة هذا الإجراء من الناحية القانونية.
إما بالنسبة لظهير 3/4/1951 فإن الفترة السالفة قد حددت في سنتين غير قابلتين للتجديد بحيث يجب على السلطة نازعة الملكية أن تستصدر قرار التخلي، وأن تطلب من القضاء الحكم بنزع الملكية خلال هذه الفترة وإلا ترتب عن ذلك بطلان مقرر إعلان المنفعة بقوة القانون.




ب-تحديد التعويضات:
بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 13 من ظهير 1914 يلاحظ بأن المشرع المغربي قد ألزم القاضي قبل الحكم بالتعويض المقابل لنزع الملكية بأن يحدد القيمة التي كانت للعقار قبل إعلان المنفعة العامة ثم قيمته قبل النطق بالحكم القاضي بنزع الملكية ثم يحكم بعد ذلك بأقل القيمتين.
وإذا علمنا بأن الحكم القاضي بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وتحديد التعويضات كثيرا ما كان يستغرق سنوات طويلة قد يصل إلى العشر أو يتجاوزها في بعض الأحيان، يتبين لنا مدى الضرر والحيف الذي يصيب في مثل هذه الحالات الأشخاص المنزوعة ملكيتهم، فإذا كان هناك ارتفاع في أثمان العقارات فإن الملاك لا يستفيدون منه، وإذا سجل انخفاض في هذه الأثمان فإن السلطة النازعة للملكية هي التي تكون المستفيد الأول منه، وهذا بالضبط حسب رأينا ما كان يسعى إليه المشرع المغربي آنذاك.
أما بالنسبة لظهير 3/4/1951 فإن القيمة التي أصبحت تؤخذ بعين الاعتبار من أجل تحديد مقدار التعويض فهي تلك التي كانت للعقار وقت نشر مقرر التخلي دون الوقوف عند أي تاريخ آخر في الحالة التي يقوم فيها نازع الملكية خلال مدة ثلاثة أشهر تبتدئ من تاريخ نشر المقرر المذكور بمحاولة تملك العقار عن طريق المراضاة وتقديمه طلبا إلى القضاء من أجل الإذن له في الحيازة.
وإذا لم يلتزم نازع الملكية بالقواعد المسطرية السالفة الذكر فإن تقدير التعويض يتم انطلاقا من القيمة التي كانت للعقار وقت تقديم الطلب القضائي الخاص بنزع الملكية إلى كتابة الضبط بالمحكمة المختصة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن المشرع كان يستهدف من وراء سن هذه الأحكام الجديدة توخي الإسراع بإجراءات نزع الملكية حفاظا على الأموال العمومية من جهة، وضمانا لحقوق الملاك من جهة أخرى، ومن الأمثلة على ذلك أنه عندما يفشل نازع الملكية في اقتناء العقار عن طريق المراضاة أصبح باستطاعته أن يقدم طلبا استعجاليا إلى القضاء المختص في هذا الصدد يرمي إلى الحكم بنقل الحيازة مقابل تعويض مؤقت يساوي على الأقل العروض العينية التي سبق وأن قدمها للمنزوعة ملكيته في إطار محاولته الأولى.
وتعتبر بذلك الأحكام السالفة الذكر في صالح الطرفين معا، نازع الملكية والمنزوعة ملكيته على حد سواء فالأول يحوز العقار ليشرع في تهييئه وإنجاز المشروع المزمع القيام به، والثاني يضع يده على التعويض المؤقت الذي يمكنه من اقتناء عقار آخر أو يستثمره في مشروع ما يعوضه عما فاته ريثما ينظر قاضي الموضوع في مسألة التعويض النهائي مقابل نقل الملكية.
كانت هذه أهم المقتضيات التي جاء بها ظهير 3/4/1951، أما فيما عدا ذلك وخاصة الإجراءات الإدارية والقضائية فإنها لم يطرأ عليها أي تغيير يذكر.
ونأتي الآن على المرحلة الأخيرة التي شهدت صدور ظهير 6/5/1982 الذي لازال ساري المفعول إلى وقتنا الراهن.
صدور ظهير 6 مايو 1982.
بعد مرور ثلاثة أشهر وثلاثين سنة على سريان ظهير 3/4/1951 صدر الظهير الشريف رقم 54-81-1 بتاريخ6/5/1982 بتنفيذ القانون رقم 81/7 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت والذي صادق عليه مجلس النواب بتاريخ 22/12/1980.
وقد أعقبه بتاريخ 16/4/1983 مرسوم تحت رقم 382-82-2 بشأن تطبيق القانون رقم 81/7.
فما هي الأسباب التي دعت إلى إصدار هذا التشريع الجديد؟
لقد أبانت الممارسة العملية اليومية أن مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة قد أصبحت مسطرة كثيرة التعقيد سواء في مرحلتها الإدارية أو القضائية وأن سبب هذا التعقيد يعود بالأساس للنصوص القانونية نفسها، فمن جهة أولى فقد أظهرت التجربة أنه لا فائدة تجنى من بعض الإجراءات الإدارية الواجبة الإتباع، ومن جهة ثانية فقد كان هناك خطـأ في المنهاج الذي اتبعه المشرع في نقل الملكية من أجل المنفعة العامة، وكان من الطبيعي جدا أن يتدخل المشرع من جديد ليصلح ما أبانت عنه التجارب السابقة.
وفي هذا الصدد بادر المشرع إلى وضع بعض القواعد الجديدة من أهمها:
أ-الاستغناء عن إلزامية بعض الإجراءات الإدارية.
لقد نص الفصل 12 من ظهير 3 ابريل 1951 ومن قبله الفصل 10 من ظهير 1914 على وجوب إتباع مسطرة أولية تقضي التفاوض مع المالك أو المفترض أنهم ملاك من أجل نقل الملكية بطريقة ودية، وتتم هذه المسطرة عادة باستدعاء جميع المعنيين بالأمر ملاكا كانوا أو أصحاب الحقوق العينية كالمنتفعين أو من لهم حق سطحية على العقار وكذا أصحاب الحقوق الشخصية كالمكترين للعقار أو لجزء منه، وكذلك السلطة نازعة الملكية أو من يقوم مقامها للحضور أمام السلطات المحلية لمحاولة التفاوض من أجل اقتناء العقار المرغوب فيه بصفة رضائية. وتقوم السلطة المذكورة بتحرير محضر رسمي بشأن كل اتفاق شامل أو جزئي يتم بين الأطراف المعنية. ومن البديهي أن مثل هذه الاتفاقات-إذا ما تمت- من شأنها أن تسرع بنقل الملكية وتختزل بذلك الإجراءات الموالية وخاصة ما اتصل منها بالمسطرة القضائية.
ولقد أبانت الممارسة العملية عن فشل هذا الإجراء إذا انتهى الأمر في نهاية المطاف إلى القيام بمسطرة روتينية لا أقل ولا أكثر بعدما تم إفراغها من مهمتها التوفيقية وأضحت قاصرة على الدور المنوط بها في سبيل إنهاء المسطرة عن طريق المراضاة مما يتحقق معه تخفيف العبء عن المحاكم المختصة.
والسبب الرئيسي في نظرنا لفشل هذا الإجراء هو أن الملاك قلما يقبلون بفكرة نزع الملكية من أساسها، وحتى إذا قبلوا بها فإنهم دائما وأبدا يرفضون التعويضات المقترحة عليهم من طرف نازعي الملكية نظرا لهزالتها.
ولأجل ما سبق فقد استغنى المشرع في القانون الجديد عن إلزامية اللجوء إلى مسطرة الاقتناء بالتراضي، وترك لنازع الملكية الخيار في أي يسلكها أو يستغني عنها حسب ما تمليه ظروف وملابسات كل حالة على حدة.
ب-تغيير نظرة المشرع إلى مسطرة نزع الملكية.
بالنسبة لظهير 31/8/1914 وكذا ظهير 3/4/1951 فإن إجراءات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة سواء في مرحلتها الإدارية أو القضائية تتخذ في غالب الأحيان في مواجهة الملاك أو أصحاب الحقوق العينية أو الحقوق الشخصية التي تنقل العقار مباشرة، لذلك كان من اللازم البحث عن هؤلاء الأشخاص واحدا تلو الآخر والاتصال بهم بكيفية مباشرة وهو ما كان يجعل إجراءات نزع الملكية تتعثر لسنوات طوال وكثيرا ما تزيد الأمور تعقيدا بوفاة أحد المالكين أو المنتفعين من نفس الحقوق حيث تبدأ المسطرة من جديد في مواجهة الورثة بعد أن يترك لهم الوقت الكافي لإثبات صفتهم بالطرق المحددة قانونا.
أما بالنسبة للقانون الجديد فإن الإجراءات الإدارية والقضائية المذكورة أصبحت تباشر من حيث المبدأ في مواجهة العقارات موضوع نزع الملكية وليس في مواجهة أصحاب الحقوق العينية والشخصية الواردة على تلك العقارات.
وقبل التطرق إلى مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة فلا بد من التعرض ولو بإيجاز إلى مسطرة الاحتلال المؤقت، وهذا بالرغم من أن النصوص القانونية المتعاقبة في هذا المجال والتي أشرنا إلى أهمها تنظم جانبا إلى جنب مسطرة نزع الملكية ومسطرة الاحتلال المؤقت في ذات الوقت، فان هناك فرقا جوهريا يميز بين كل من النظامين بالإضافة إلى فروق قانونية أخرى تتصل بالإجراءات.
فمن الناحية الجوهرية فإن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة يرمي إلى إحلال الدولة بوجه عام أو من يقوم مقامها محل المالك الأصلي مقابل تعويض، فيظهر ذلك النزع كنوع من البيوع الجبرية، أما الاحتلال المؤقت فيرمي فقط إلى احتلال ملك معين من طرف السلطة العامة أو من يحل محلها خلال فترة زمنية محددة قد تطول أو تقصر مقابل تعويض عادل يدفع إلى المالك فيظهر بذلك الإحتلال المؤقت كنوع من الاكرية الجبرية، ومن الناحية الإجرائية فمقرر إعلان المنفعة العامة يتم بمرسوم يصدر عن الوزير الأول، بينما يصدر القرار القاضي باحتلال ملك الغير لمدة مؤقتة من الوزير المعني بالأمر.
والآن وحتى نستوعب موضوع نزع الملكية من كل جوانبه سوف نتطرق إليه من خلال مبحثين نخصص الأول للإجراءات الإدارية ونخصص الثاني للإجراءات القضائية.
المبحث الأول: المرحلة الإدارية لنزع الملكية من اجل المنفعة العامة
لقد بين المشرع المغربي في الفصل الأول من قانون نزع الملكية الجديد الأموال التي يمكن أن تطالها إجراءات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، كما بين في فصله الثالث الأشخاص الذين يحق لهم الاستفادة من الامتياز الخاص بنزع الملكية.
القاعدة في التشريع المغربي أن نزع الملكية من أجل المنفعة يمس العقارات وحدها دون المنقولات مع بعض الاستثناءات.
أولا:القاعدة
لتحديد مفهوم العقارات وكذلك الحقوق العينية العقارية المتصلة بها والخاضعة لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة لا مناص من الرجوع إلى أحكام ظهير 2/6/1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة والذي يشير في فصله الخامس إلى أن العقارات بمفهومها الواسع تنقسم إلى عقارات بطبيعتها، وعقارات بالتخصيص، وإلى أموال عقارية وإلى عقارات بحسب المحل الذي تنسحب إليه.
1-العقارات بطبيعتها
يتضح من الفصل السادس من ظهير 2/6/1915 أن العقارات بطبيعتها هي الأراضي والبنايات والمنشآت المثبتة والمرساة ببناء أو الاغراس المثبتة بجذورها في الأرض  .
2-العقارات بالتخصيص
تعتبر عقارات بالتخصيص الأشياء المنقولة التي جعلها المالك بأرضه لمصلحة هذه الأرض واستغلالها، وتعتبر عقارات بالتخصيص كذلك جميع الأشياء المنقولة الملحقة بالملك بصفة دائمة، ومن ذلك المحراث والفؤوس والجرارات.
ونظرا للغايات المتوخاة من نظام نزع الملكية من أجل المنفعة العامة والمتمثلة في الغالب الأعم في الحصول على أراضي معينة من أجل إنجاز بعض المشاريع الاجتماعية أو الاقتصادية ذات النفع العام فوقها، فإن العقارات بالتخصيص يجب مبدئيا استبعادها من مجال نزع الملكية.
3-الأموال العقارية.
تعتبر أموالا عقارية الحقوق العينية التي ترد على العقارات بطبيعتها وتنقسم هذه الحقوق إلى حقوق عينية أصلية وحقوق عينية تبعية.
أ-الحقوق العينية الأصلية.
تعتبر حقوقا عينية أصلية تلك الحقوق القائمة بذاتها من دون حاجة إلى حقوق أخرى ترتكز عليها، والحقوق العينية الأصلية في التشريع المغربي هي: الملكية، الانتفاع، الارتفاق، الأحباس، الاستعمال السكنى، الكراء الطويل الأمد، السطحية، والحقوق العينية المستمدة من العرف الاسلامي كالزينة والجلسة والجزاء والاستئجار والهواء، ويمكن أن تكون جميع هذه الحقوق محلا لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة شريطة أن تنصب على عقار، وذلك بصريح المادة الأولى من قانون نزع الملكية الجديد.
ب-الحقوق العينية التبعية.
وهي عبارة عن ضمانات لديون ما، لذلك من المستحيل تصورها لوحدها دون حقوق شخصية أخرى تتبعها أو تدور معها وجودا وعدما، والحقوق العينية التبعية في التشريع المغربي والتي تعنينا في هذا المجال هي الرهن الحيازي العقاري والرهن الرسمي والامتيازات العقارية.
4-العقارات بحسب المحل الذي تنسحب إليه:
يقصد بالعقارات بحسب المحل الذي تنسحب إليه الدعاوى التي ترمي من خلال الحكم فيها إلى استحقاق عقار.
إذ أنه بحسب الفقرة الأخيرة من الفصل الثامن من ظهير 2/6/1915 فإن هذه الدعاوى تكتسب الصفة العقارية ذلك أنه "لما كانت الدعوى هي الحق الذي ينتقل من حالة السكون إلى طور الحركة عندما يقابل صاحبه بالعدوان، فإن كل دعوى تحمي حقا عينيا على شيء عقاري تتصف بطبيعة الحق الذي تحميه وتعتبر إذن دعوى عقارية".
ومن البديهي أن لا تكون الدعاوى العقارية محلا بذاتها لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة، وإنما يقتصر ذلك على العقار المتنازع بشأنه، ومن ثمة فلا يمكن لهذه الدعاوى أن تؤثر أو توقف إجراءات نزع الملكية، وقد نص المشرع صراحة على هذه الفرضية من خلال الفصل 38 من قانون نزع الملكية الجديد بالقول أنه: "لا يمكن لدعاوى الفسخ أو الاستحقاق وجميع الدعاوى العينية الأخرى أن توقف نزع الملكية وأن تحول دون إنتاج آثاره، وتحول حقوق المطالبين إلى حقوق في التعويض ويبقى العقار خالصا منها".
من له حق نزع الملكية من أجل المنفعة العامة؟
ينص الفصل الثالث من قانون نزع الملكية الجديد ما يلي:
"يخول حق نزع الملكية إلى الدولة والجماعات المحلية وإلى الأشخاص المعنويين الآخرين الجارية عليهم أحكام القانون العام، أو الخاص، أو الأشخاص الطبيعيين الذين تفوض إليهم السلطة العامة حقوقها للقيام بأشغال أو عمليات معلن أنها ذات منفعة عامة".
يستفاد من هذا النص وبالمقارنة مع نظيريه في القوانين السابقة أن المشرع وسع من نطاق الأشخاص الذين لهم مبدئيا حق نزع ملكية الخواص من أجل المنفعة العامة.
ونعتقد أن هذا التوسع يعود إلى سببين أولهما مسايرة التطور الذي عرفه تدخل الدولة في العديد من الأنشطة والتطور المستمر الحاصل في وظائفها، وثانيهما مسايرة التحول الكبير الذي مس التنظيم الجماعي للمملكة والذي تم تجسيده في الظهير بمثابة قانون الصادر في 30/9/1976.
وباستقراء مضمون الفصل الثالث السالف ذكره يتضح أن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة يثبت بصفة أصلية للدولة والجماعات المحلية، أما الأشخاص الآخرين فلا يثبت لهم ذلك الحق إلا بتفويض من السلطات العامة ذاتها.
الفرع الأول:قرار إعلان المنفعة العامة
ما دام تحقيق المنفعة العامة هو الذي يبيح نزع ملكية الخواص فإن أول إجراء إداري تتخذه السلطة العامة لهذا الغرض يتمثل في إصدار المقرر القاضي بإعلان المنفعة العامة.
وقد نص الفصل السادس من قانون نزع الملكية الجديد على ما يلي:
"تعلن المنفعة العامة بقرار إداري يعين المنطقة التي يمكن نزع ملكيتها " كما نص الفصل الأول من المرسوم الملكي التطبيقي لهذا القانون على أنه: "تطبيقا للفصل 6 من القانون رقم 81/7 المشار إليه تعلن المنفعة العامة بمرسوم يتخذ باقتراح من الوزير المعني بالأمر".
لا يثير حق طلب إعلان المنفعة العامة أية إشكالية تذكر، ما دام المبدأ هو أن السلطة التي ستقوم بعملية نزع الملكية هي التي تختص أصلا بطلب إعلان المنفعة، واعتمادا على ما سبق فإن الجهة المختصة بطلب إعلان المنفعة العامة تختلف بحسب الأحوال من حالة إلى أخرى حسبما يتعلق الأمر بنقل ملكية العقارات التي سوف تنزع إلى ملك الدولة العام أو إلى ملكها الخاص أو إلى ملكها الغابوي أو إلى إحدى المؤسسات العمومية أو إلى ملك إحدى الجماعات المحلية أو إلى ملك شخص طبيعي أو معنوي يخضع لأحكام القانون الخاص.
فبالنسبة لنزع الملكية لصالح الملك العمومي للدولة كما لو تم ذلك من أجل تشييد ميناء أو بناء طريق أو قنطرة أو سد، فإن وزارة الأشغال العمومية هي التي تطلب إعلان المنفعة العامة، وقد تكون وزارة النقل أو وزارة الطاقة والمعادن متى تعلق المشروع بنشاط أو عمليات تدخل في اختصاصاتهما باعتبار أن هاتين الأخيرتين تتوزعان مبدئيا مع الوزارة الأولى-الأشغال العمومية-الوصاية على الأملاك العامة.
وبالنسبة لنزع الملكية لصالح الملك الخاص للدولة كما لو تم ذلك من أجل بناء مساكن اقتصادية أو مدرسة أو مستشفى أو مكاتب إدارية فإن طلب إعلان المنفعة يقدم مبدئيا من طرف وزارة المالية.
أما بالنسبة لنزع الملكية لفائدة الملك الجماعي البلدي أو القروي فإن للجماعة المحلية المعنية أن تطلب إعلان المنفعة العامة بعد مناقشة المشروع في اجتماع للمجلس وحصوله على إذن بذلك من الوزارة الوصية طبقا لأحكام المادة 31 من الظهير الخاص بالتنظيم الجماعي الصادر في 30/9/1976.
أ-صدور إعلان المنفعة العامة.
تمثل مسألة إعلان المنفعة العامة من طرف الوزير الأول إحدى أهم الأدوات القانونية التي يملكها هذا الأخير لمراقبة جانب من مختلف الأنشطة ذلك أن"...الوزير الأول يصادق مسبقا بمرسوم على كافة العمليات العقارية المنجزة باسم الدولة أو الجماعات المحلية، وبسبب الانعكاسات الاقتصادية والمالية للعمليات العقارية فإن المصادقة عليها تشكل أداة تنسيق بالغة الأهمية بين يدي رئيس الحكومة...".
ومن الناحية العملية فإن الوزير الذي يختص باقتراح إعلان المنفعة العامة يقوم بتوجيه مشروع القرار الواجب اتخاذه وتصميم المنطقة التي ستنزع ملكيتها مرفوقتين بمذكرة تقديم إلى الأمانة العامة للحكومة قصد التوقيع عليه من جانب الوزير الأول، ويتخذ القرار الصادر في هذه الحالة شكل مرسوم، وحتى ينتج المرسوم المتعلق بإعلان المنفعة العامة كل الاثار التي رتبها عليه القانون لا بد أن تتخذ بشأنه تدابير الإشهار الآتية:
1-ينشر القرار بكامله في الجريدة الرسمية (الجزء الأول) وينشر بشأنه في جريدة أو عدة جرائد مأذون لها في نشر الإعلانات القانونية مع الإشارة إلى الجريدة الرسمية التي وقع نشره بها.
2- يعلق نصه الكامل بمكاتب الجماعة أو الجماعات التي تقع بها المنطقة المقرر نزع ملكيتها ويمكن أن تتم التدابير المذكورة بجميع وسائل الإشهار الملائمة الأخرى كالمناداة في الأسواق عن طريق "البراح" مثلا.
ب-الآثار المترتبة عن قرار إعلان المنفعة العامة.
ينص الفصل السادس من قانون نزع الملكية الجديد على ما يلي:
"تعلن المنفعة العامة بمقرر إداري يعين المنطقة التي يمكن نزع ملكيتها ويمكن أن تشمل هذه المنطقة بالإضافة إلى العقارات اللازمة لإنجاز المنشآت أو العمليات المعلن أنها ذات منفعة عامة على الجزء الباقي من هذه العقارات، وعلى العقارات المجاورة لها إذا تبين أن نزع ملكيتها ضروري لتحقيق هدف المنفعة العامة المنشودة أو إذا كان إنجاز الأشغال يؤدي إلى زيادة ملحوظة في قيمة العقارات المذكورة".
فالأصل إذن هو أن المرسوم المعلن للمنفعة العامة هو الذي يحدد من الناحية القانونية المنطقة التي تقع ضمنها العقارات التي ستنزع ملكيتها، ولم يبين المشرع بكيفية صريحة لا في النص الأصلي ولا في المرسوم التطبيقي كيفية تحديد هذه المنطقة وقد جرى العمل الإداري على تبيان حدودها الأربعة وعلى إرفاقها بتصميم توضيحي لها ينفي عنها كل جهالة.
وينص الفصل 15 من نفس القانون على ما يلي:
"لا يجوز خلال سنتين تبتدئ من تاريخ نشر المقرر القاضي بإعلان المنفعة في الجريدة الرسمية إقامة أي بناء أو غرس أو تحسين في العقارات الواقعة داخل المنطقة المحددة في المقرر المذكور دون موافقة نازع الملكية".
والظاهر أن الذي حذا بالمشرع إلى وضع القيد السالف ذكره هو محاربة كل مضاربة من جانب الملاك أو أصحاب الحقوق العينية الأخرى بقصد الاستفادة من تعويضات جد مرتفعة أو إسكان أشخاص آخرين يستفيدون بدورهم من تعويضات أخرى بطريقة قد تضر بميزانية المشروع الذي ستنزع الملكية من أجله.
بيد أن المشرع قد ترك الباب مفتوحا أمام نازع الملكية كي يوافق على القيام ببعض التحسينات أو بعض الأبنية الضرورية متى تطلبت الظروف ذلك كما لو شب حريق مثلا أو سقطت أمطار جارفة أضرت بالمباني والمنشآت وأتلفت الأغراس.
الفرع الثاني:قرار التخلي
يعتبر إعلان مقرر التخلي ثاني إجراء يباشره نازع الملكية أو من فوض له ذلك، فالقرار المعلن للمنفعة العامة يعين المنطقة التي سينجز بها المشروع الذي ستنزع الملكية من أجله، أما قرار التخلي فهو الذي يبين ويحدد بكل دقة الأملاك العقارية الواجبة لهذا الغرض.
ويمكن من الناحية القانونية لنازع الملكية أو من يقوم مقامه أن يستغني عن مقرر التخلي متى تكفل القرار الخاص بإعلان المنفعة العامة بصفة مباشرة بتعيين الأملاك التي ستقع تحت وطأة إجراءات نزع الملكية، وفي هذه الحالة يعتبر المرسوم المعلن للمنفعة العامة بمثابة مقرر للتخلي في نفس الوقت كذلك، فقد نص الفصل السابع من قانون نزع الملكية الجديد على أنه:"يمكن للمقرر المصرح بالمنفعة العامة أن يعين مباشرة الأملاك التي يشملها نزع الملكية وإلا فإن هذا التعيين يقع بموجب مقرر إداري يدعى"مقرر التخلي".
ولكي يرتب قرار التخلي جميع الآثار القانونية المتوخاة منه، أوجب المشرع نشره، وفي هذا الصدد نص الفصل 13 من قانون نزع الملكية الجديد على ما يلي:
"تتخذ بشأن مقرر التخلي نفس تدابير الإشهار المقررة في الفصل 9 بالنسبة للمقرر القاضي بإعلان المنفعة".
وبالرجوع إلى أحكام الفصل الثامن المحال عليه فإنه يجب أن تتخذ بشأن مقرر التخلي تدابير الإشهار التالية:
-ينشر المقرر بكامله في الجريدة الرسمية (الجزء الأول).
-ينشر إعلان بشأنه في جريدة أو عدة جرائد مأذون لها في نشر الإعلانات القانونية مع الإشارة إلى الجريدة الرسمية التي وقع نشره بها.
-يعلق نصه الكامل بمكاتب الجماعة التي تقع فيها المنطقة أو المناطق المقرر نزع ملكيتها.
ويمكن أن تتم التدابير المذكورة بجميع وسائل الإشهار الأخرى الملائمة.
ومما يجدر التأكيد عليه أن هذه الإجراءات تعتبر جوهرية يمكن للمعنيين بالأمر التمسك بخرقها أمام قاضي نزع الملكية أو قاضي الأمور المستعجلة عندما يطلب منه الإذن لنازع الملكية في الحيازة وفقا لأحكام الفصل 24.
الفرع الثالث:مسطرة التقويم والاقتناء عن طريق المراضاة





من الإجراءات الإدارية الهامة التي نص عليها المشرع هناك الإجراء الخاص بتحديد التعويض الذي قد يعرض على المنزوعة ملكيتهم مقابل تخليهم عن الحقوق التي ستنزع ملكيتها خدمة للمنفعة العامة ويتم التعويض المذكور في ثلاث حالات:
1-حالة نقل الملكية عن طريق المراضاة المنصوص عليه في الفصل 42 من قانون نزع الملكية الجديد.
2-حالة تقديم طلب إلى قاضي المستعجلات بقصد الإذن في حيازة العقار الذي ستنزع ملكيته طبقا لأحكام الفصل 24 من القانون السابق.
3-حالة تقديم طلب إلى قاضي الموضوع لكي يصرح بواسطة حكم بنزع الملكية مقابل تعويض طبقا لأحكام الفصل 24.
ولكي تتم المحافظة على الأموال العامة من جهة، وحتى لا تهضم حقوق المنزوعة ملكيتهم من جهة أخرى –أوجب المشرع-وتطبيقا للفصل 42 من القانون الجديد وللفصل 7 من المرسوم التطبيقي الصادر بشأنه تحديد التعويض المذكور من طرف لجنة إدارية محايدة مكونة من عدة أشخاص مختلفي الاختصاصات تتوفر فيهم أو من المفروض أن تتوفر لهم منفردين ومجتمعين الحنكة والتجربة في مجال نزع الملكية والمعرفة الكافية بأوضاع سوق العقار.
فلقد نص الفصل السابع من مرسوم 16/4/1983 على ما يلي:
تتألف اللجنة المشار إليها في الفصل 42 من القانون 81/7 الأنف الذكر والمكلفة بتحديد ثمن العقار أو الحقوق العينية المنزوعة ملكيتها من الأعضاء الدائمين الآتي بيانهم:
-السلطة المحلية أو ممثلها رئيسا.
-رئيس دائرة أملاك الدولة أو منتدبه.
-قابض التسجيل أو التنبر أو منتدبه.
-ممثل طالب نزع الملكية أو الإدارة التي يجري نزع الملكية لفائدتها.
ويضاف إلى اللجنة المذكورة أعضاء غير دائمين وهم بحسب طبيعة العقار:
-مفتش الضرائب الحضرية أو منتدبه إذا تعلق الأمر بأراضي حضرية.
-مفتش التعمير أو منتدبه إذا تعلق الأمر بأراضي مبنية أو غير مبنية.
-مفتش الضرائب القروية أو منتدبه.
-الممثل الإقليمي لوزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي إذا تعلق الأمر بأراضي قروية وتتولى السلطة القائمة بنزع الملكية الكتابة".
وتجتمع اللجنة المشار إليها في النص أعلاه بطلب من نازع الملكية وهذه اللجنة تنحصر مهمتها الأساسية في وضع تقويم تقريبي للعقارات أو الحقوق العينية محل نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، على أنه لا بد من ملاحظة أن التعويضات التي يتفق عليها أعضاء لجنة التقويم كمقابل للأملاك أو الحقوق العينية محل نزع الملكية تكون في الكثير من الأحيان زهيدة جدا بكيفية تـنزع عنها طابع الجدية.
وانتفاء طابع الجدية عن التعويضات التي تقدرها لجنة التقويم الإدارية عادة ما تكون له جوانب سلبية من أبرزها أن المعنيين بالأمر يصرون دائما عن عدم قبولها فتطول بذلك المسطرة، في حين أنه كان بالإمكان وضع حد لها بعرض تعويضات ملائمة عليهم.
المبحث الثاني:المرحلة القضائية لنزع الملكية من اجل المنفعة العامة

تعتبر السلطة القضائية عموما حامية للملكية الخاصة من جميع الاعتداءات التي قد تتعرض لها من طرف الغير، سواء كان هذا الغير فردا أو سلطة عامة أو شخصا من أشخاص القانون العام، وإمعانا في هذه الحماية أوكل المشرع للمحاكم العادية سابقا والمحاكم الإدارية حاليا مراقبة جميع الإجراءات الإدارية المفروض سلوكها على نازع الملكية أو من يقوم مقامه، كما خولها وحدها دون غيرها النطق بالحكم القاضي بنزع الملكية قسرا على صاحبها مقابل تعويض عادل، وهكذا فبعدما نص الفصل الثاني من قانون نزع الملكية على أن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة لا يتم إلا بحكم قضائي نص في الفقرة الأولى من الفصل 24 من نفس القانون على أنه:"عندما يلتمس نازع الملكية الحيازة لا يجوز لقاضي المستعجلات رفض الإذن في ذلك إلا بسبب بطلان المسطرة".
أولا: دعوى نقل الحيازة
حتى يتمكن طالب نزع الملكية من الشروع في إنجاز المشروع أو العمل الذي يريد القيام به دون انتظار الحكم القضائي القاضي بنزع الملكية والذي عادة ما يستغرق بعض الوقت، وحتى يتمكن المالك من استثمار ثمن الأرض في مشاريع أخرى فإن المشرع قد سمح للأول بأن يقدم إلى قاضي الأمور المستعجلة طلبا يرمي من ورائه إلى نقل الحيازة إليه مقابل دفع تعويض احتياطي أو إيداعه، وفي هذا الصدد نص الفصل 19 من قانون نزع الملكية على أنه:"يختص قاضي المستعجلات وحده للإذن بواسطة أمر في الحيازة مقابل دفع أو إيداع تعويض احتياطي يعادل مبلغ التعويض الذي اقترحه نازع الملكية".
ولقد أناط المشرع بقاضي الأمور المستعجلة من خلال الفصل 24 المومأ إليه مراقبة صحة الإجراءات الإدارية التي يباشرها نازع الملكية والتي تسبق عادة الإجراءات القضائية، ومن ذلك مثلا إعلان مقرر المنفعة العامة ونشره، ثم اتخاذ مشروع مقرر التخلي ونشره، وبعد ذلك إجراء بحث أولي بشأنه وإيداعه ببعض المصالح الإدارية.
وبالإضافة إلى ما سبق فإن الحكم بنقل الحيازة لا يمكن أن يتم من الناحية القانونية إلا إذا تم دفع التعويضات الاحتياطية التي سبق أن حددت من طرف لجنة التقويم الإدارية أو إيداعها.
ويدفع التعويض الاحتياطي للمعنيين بالأمر الذين عرفوا بأنفسهم بكيفية قانونية، غير أنه إذا لم يعرف ذوو الحقوق بأنفسهم وجب إيداع التعويضات المستحقة لدى صندوق الإيداع والتدبير.
ونظرا للأهمية القصوى التي يحظى بها التعويض في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة فقد اشترط المشرع المغربي صراحة من خلال الفقرة الثانية من الفصل 24 وجوب النص في الأمر الاستعجالي على أن التعويض قد دفع أو تم إيداعه بالكيفية التي سبق بيانها وإلا أضحى الأمر المذكور معرضا للنقض.
ثانيا: دعوى نزع الملكية من أجل المنفعة العامة
إذا لم يفلح نازع الملكية في اقتناء العقار الذي صدر مقرر التخلي بشأنه بكيفية ودية في أثناء المرحلة الإدارية طبقا لأحكام الفصل 42 فلا يبقى أمامه إلا سلوك دعوى نقل الملكية قبل انصرام أجل سنتين من نشر مقرر التخلي أو تبليغه والا وجب التصريح برفض الطلب المتعلق بدعوى نقل الملكية، وفي هذا الصدد نص الفصل 17 على ما يلي:
"يحدد الأجل الذي يمكن أن تبقى خلاله الأملاك المعينة في مقرر التخلي خاضعة لنزع الملكية في سنتين ابتداء من تاريخ نشر هذا المقرر في الجريدة الرسمية أو عند الاقتضاء من تاريخ تبليغه، إذا لم يوقع نازع الملكية خلال الأجل المقال المنصوص عليه في المقطع الأول من الفصل 18 فإنه لا يمكن الحكم بنزع الملكية إلا بموجب إعلان جديد للمنفعة العامة".
ومن المؤكد جدا أن الفصل 17 السالف الذكر هو قاعدة آمرة تتصل بالنظام العام يجب على قاضي نزع الملكية أن يسهر على حسن تطبيق مقتضياتها ولو لم يطلب منه ذوو المصلحة ذلك، وعليه فإن إعادة استصدار مقرر جديد للمنفعة العامة مع كل ما يستتبع ذلك من إجراءات إدارية وقضائية موالية يمثل في الواقع الأمر عقابا لطالب نزع الملكية على تهاونه في مسألة لا تحتمل التماطل.
وتخضع دعوى نزع الملكية من حيث المبدأ للقواعد الإجرائية العامة المضمنة في قانون المسطرة المدنية باستثناء بعض الإجراءات المخالفة الأخرى التي ورد النص عليها صراحة في قانون نزع الملكية والتي اقتضتها الطبيعة الخاصة لهذه الدعوى، وفي هذا الصدد نص الفصل 49 من قانون نزع الملكية على أنه: "تطبق في قضايا نزع الملكية جميع قواعد الاختصاص والمسطرة المقررة في قانون المسطرة المدنية ما عدا في حالة الاستثناءات المنصوص عليها في هذا القانون".
ومن ذلك مثلا ما نصت عليه الفقرة الثالثة من الفصل 18 التي تشير على أنه: "استثناء من أحكام الفصل 32 من قانون المسطرة تقبل الطلبات المذكورة ولو لم ينص فيها على أحد البيانات المقررة في الفصل المذكور إذا تعذر على نازع الملكية الإدلاء بها".
والاستثناء المذكور ما يبرره من الناحية القانونية بعدما أصبحت إجراءات دعوى نزع الملكية تباشر عمليا في مواجهة العقارات أو الحقوق العينية المتصلة بها، وليس في مواجهة أصحاب تلك العقارات أو تلك الحقوق نظرا للمنحى الذي أصبح يهيمن على القانون الجديد لنزع الملكية.
وفي ختام هذا المبحث يبقى أن نشير وحسب مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 42 إلى أنه بالإمكان إجراء اتفاق أو صلح يقضي بنقل الملكية إلى نازعها وبتحديد التعويضات الواجب دفعها لأصحاب الحقوق المعنية بنزع الملكية أثناء المرحلة القضائية وينتج هذا الاتفاق جميع الأثار القانونية التي يرتبها الحكم القاضي بنزع الملكية ويؤدي حتما إلى سحب الدعوى من أي مرجع قضائي كانت عليه.
وإذا كانت الممارسة الإدارية وأحكام القضاء عموما هي الكفيلة وحدها بالكشف عن جوانب الضعف وعن جوانب القوة في قانون من القوانين وكيفما كانت طبيعته، فهذا أمر لم يتأت بعد بالنسبة للقانون الجديد الخاص بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة.
ولعل ما يثير الانتباه في هذا الصدد هو أن المشرع المغربي قد توخى السرعة والفعالية من إجراءات نزع الملكية وهي سرعة وفعالية-في حالة تحققها-ستكون لا محالة في صالح جميع الأطراف.
وحتى يصل المشرع إلى ذلك المبتغى فقد حاول ان يجعل الإجراءات عينية أكثر منها شخصية.
المبحث الثالث :رقابة الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى على مقررات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة

إذا كان المشرع قد سمح بالمساس بحق الملكية، كلما دعت إلى ذلك ضرورة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإنه من ناحية أخرى ظل منسجما مع مبدأ تقديس حق الملكية وصيانتها، ولذلك فإن مسطرة نزع الملكية لا تتوقف عند حدود المرحلة الإدارية، بل تمتد إلى المرحلة القضائية، وهي مرحلة دقيقة تم ضبطها قانونا، بغية إنصاف المنزوعة ملكيتهم وحمايتهم من كل تعسف.
وهكذا تعد الرقابة القضائية إحدى أهم الضمانات الأساسية للأفراد المنزوعة ملكيتهم، وقد جعل منها المشرع رقابة متميزة بشساعة نطاقها وتعدد آلياتها، كما تتغير خلالها الوضعية القانونية لأطراف الدعوى. فنازع الملكية بعدما يكون هو المدعي يتحول إلى المدعى عليه، خاصة عندما يتعلق الأمر بتحديد التعويض، والطعن في مشروعية مقرر إعلان المنفعة العامة، هذا فضلا عن تعدد أصناف الدعاوى والجهات القضائية المختصة التي تشكل هرم القضاء الإداري بالمغرب، خاصة بعدما خول القانون4رقم 90-41 للمحاكم الإدارية الاختصاص بالنظر في النزاعات المتعلقة بنزع الملكية5ولرئيسها صفة قاضي المستعجلات في ميدان نقل الحيازة ورفع الاعتداء المادي6.
وطالما أن نزع الملكية يتم استنادا إلى مقرر إعلان المنفعة العامة الذي يصدر عن الوزير الأول في شكل مرسوم، فإن الطعن في مشروعية هذه المقررات لا يتم إلى أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى7. لذلك فولاية الإلغاء في إطار دعاوى نزع الملكية من اختصاص الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى.
وتشكل دعوى الإلغاء، بصفة عامة، ضمانة أساسية لتحقيق مشروعية تصرفات الإدارة وخضوعها لحكم القانون8، ذلك أن رجل الإدارة في ممارسته للإختصاصات المنوطة به يجب ألا يخضع في تصرفاته وقراراته لما تمليه عليه الأهواء، وإنما يلزم أن يستند في كل ما يصدره من قرارات وما يمارسه من نشاط ، إلى أسباب واقعية تسوغ له ذلك 9. 
ولما كانت الوقائع هي مدار المنازعة في كل قرار إداري، بل هي أساس كل منازعة، وحولها تدور الرقابة القضائية على القرار الإداري، فإنه لا يكفي لتحقيق فعالية تلك الرقابة الوقوف بها عند التحقق من صحة الوقائع المادية، وإنما يلزم أن يكون لهذه الوقائع وجود قانوني، أي أن يكون تكييف الإدارة لهذه الوقائع تكييفا يفتقد ونية المشرع حتى تصلح سببا لحمل قرارها 10.
اعتبارا لذلك كان لزاما على القاضي الإداري أمام عجز وسائل الرقابة العادية عن استيعاب هذه التطورات وملاحقتها، أن يطور رقابته لتستجيب لتلك التغيرات، وذلك حتى يستطيع إعادة التوازن إلى نصابه ليوفر الحماية لحقوق الأفراد وليمنع الجور والحيف على حرياتهم11، وفي سبيل تحديد هذه الغاية ابتدع مجلس الدولة الفرنسي العديد من النظريات في إطار توسيع رقابته على القرارات الإدارية، ومن أبرزها نظرية الموازنة، ليواجه بها حالات امتناعه عن رقابة الوقائع في قرارات إعلان المنفعة العامة في مجال نزع الملكية، بل وليتجاوز نطاق هذه الحالات لينفذ إلى صميم التقدير الإداري ذاته، ويسلط رقابته على مجالات جديدة للعمل الإداري لهذا فإن نظرية الموازنة تعد إنجازا جديدا من إنجازات مجلس الدولة الفرنسي، الذي يرجع له الفضل في إرساء أساس قواعد القانون الإداري، سيما في الجانب المتعلق بالرقابة على الإختصاص التقديري للإدارة.
غير أن القضاء الإداري المغربي بالرغم من تأثره التاريخي بنظيره الفرنسي، ظل إلى عهد قريب متشبثا بأساليب الرقابة التقليدية على القرارات الإدارية، بما فيها قرارات نزع الملكية، ولم تعرف اجتهادات الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أحكاما تغير من مدى رقابتها لهذه القرارات إلى حدود سنة 1992، وذلك بصدور قرارها الشهير في قضية الشركة العقارية "ميموزا12، الذي شكل بداية التخلي عن المفهوم القديم للرقابة على القرارات الإدارية الصادرة بنزع الملكية، وتجاوزه إلى رقابة أكثر عمقا.
لكن التساؤل الذي يطرح بهذا الصدد يتمحور حول مدى التزام الغرفة الإدارية بهذا النهج الجديد، وبالتالي هل يمكن اعتبار قرار ميموزا البداية الأولى لتأسيس نظرية الموازنة في القضاء الإداري المغربي؟ 
الفرع الأول :رقابة القضاء الإداري على شرط المنفعة العامة
لقد وقفت رقابة القضاء الإداري لشرط المنفعة العامة المبررة لنزع الملكية في الفترة السابقة عن الإتجاه الحديث عند حدود فحص عيب الانحراف في استعمال السلطة، رغم ما يكتنف إثباته من صعوبة، فوصفت هذه الرقابة بالضيقة والكلاسيكية 13.
وتشير معظم الكتابات في هذا المجال أن القضاء الإداري المغربي ظل وفيا للاتجاه التقليدي حتى بعد ظهور نظرية الموازنة في كل من فرنسا ومصر14، والتي لم يأخذ بها إلا في أحكام متأخرة. وبذلك تميز مسلكه في إقرار هذا الاتجاه الحديث بنوع من التردد يمكن تحديد ملامحه من خلال التزامه بالمحافظة على مظاهر الرقابة على شرط المنفعة العامة أكثر من عقدين من الزمن على ظهور حكم مجلس الدولة الفرنسي الشهير في قضية "المدينة الشرقية الجديدة "ville Nouvelle Est" والذي أسس لنظرية الموازنة بفرنسا.
أولا: تأثر الغرفة الإدارية بمظاهر الرقابة التقليدية:
ظل الإجتهاد القضائي في الدول التي أخذت بنظام إزدواجية القضاء يتردد أحيانا بين التوسع في مدى رقابته على حرية الإدارة في التقدير وبين التضييق من نطاق هذه الرقابة، وذلك برفض التعقيب على تقدير ملائمة العمل الإداري إلا في حدود عيب الغاية أو الإنحراف بالسلطة15.
وظل هذا التردد يطبع اجتهادات الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى فيما يخص قرارات إعلان المنفعة العامة التي لم تكن تمارس بصددها إلا رقابة ضيقة متأثرة في ذلك بالإتجاه التقليدي الذي ساد القضاء الإداري الفرنسي قبل سنة 1971، تاريخ صدور حكم " المدينة الشرقية الجديدة ".
ومن خلال استعراضنا لإجتهادات المجلس الأعلى في الموضوع، يتضح أنه كان يمتنع عن رقابة السلطة التقديرية للإدارة في إعلان المنفعة العامة مكتفيا بالتأكد من مادية الوقائع أي من وجود المشروع الذي اقتصت المنفعة العامة إنجازه، وفي أقصى الأحوال الوقوف عما إذا كان يشكل منفعة عامة (أي صحة هذه الوقائع )، معلنا بذلك أن الإدارة تملك أن تقرر بمنتهى الحرية:
ـ المنفعة العامة التي تبرر اللجوء إلى نزع الملكية، فلا يمكن مناقشتها في طبيعة المنفعة العامة، التي تخول لها حق نزع الملكية ما دامت هذه المنفعة تختلف باختلاف الظروف والأحوال. فانحصرت رقابة المجلس الأعلى في البداية على التأكد من إعلان المنفعة العامة ومن اقتران نزع الملكية بها16. ولا يمكن لهذه الرقابة أن تمضي إلى أبعد من ذلك، ولا يتعدى مجرد التحقق من هذا الوجود الفعلي للواقع المدعى به، فالقاضي الإداري يمنع عليه أن يزن مدة المنفعة العامة التي يقتضيها سد هذه الحاجة الواقعية، فإذا رأت الإدارة أن تخلها لسد هذه الحاجة بإقامة المشروع أو بتوسيع الشارع أو غير ذلك يمثل منفعة عامة، فإن القضاء يمتنع عليه مناقشتها في هذا الصدد، ولا يملك إلا التسليم بتوافر هذه المنفعة، وحتى في المراحل التالية التي حاولت فيها بحث الدفوعات المتعلقة بمناقشة وجود منفعة عامة حقيقية، بقي دائما وفيا للإدارة، معترفا بالسلطة التقديرية في اختيار المنفعة العامة التي تستند عليها في نزع ملكية الأفراد.
واجتهادات الغرفة الإدارية تؤكد هذه الملاحظة، فقد درجت منذ تأسيس المجلس الأعلى على التسليم بسلطة الإدارة التقديرية في تقرير توافر منفعة عامة لمشروع معين، وضرورة نزع ملكية عقار بعينه دون غيره لإقامة هذا المشروع، فمناط نزع الملكية هو أن تتوافر في الواقع المنفعة العامة التي تدعيها الإدارة من وراء إقامة هذا المشروع، ورأي الإدارة في هذا المجال لا معقب عليه من القضاء، فلا يسمح لأحد الادعاء بأن ما تراه الإدارة محقق للنفع العام، لا تتحقق معه هذه المنفعة.
هكذا رفع إلى الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى طعن ضد مقرر إعلان أن من المنفعة العامة نزع ملكية أرض عارية -بها سكنى ومعمل- في ملك الجماعة بقصد استعمالها من طرف هذه الأخيرة كمرآب لشاحناتها، وتمسك رافعه بانعدام وجود المنفعة العامة لمجموعة من الأسباب أهمها أن السكنى موضوع نزع الملكية توجد بالقرب من المجزرة، ومع ذلك تسعى الجماعة إلى استغلالها كمستودع لشاحنات الأزبال، وأن ذلك له انعكاسات سلبية على سلامة الذبائح وعلى الاقتصاد الوطني بعدما هددت السوق الأوروبية بتوقيف استيراد اللحوم ما لم يتم تحسين مستوى المجازر، فضلا عن كون الكلفة المالية تفوق بكثير ما ستجنيه الجماعة من عملية نزع الملكية، لكن المجلس الأعلى تجاهل كل تلك الادعاءات ولم يجب عنها، واكتفى بالتأكد من أن إنشاء مرآب في العقار المنزوع ملكيته لإستعماله كمستودع لناقلات الجماعة يحقق المنفعة العامة التي تطلبها القانون لتبرير نزع الملكية حيث قرر ما يلي: " لكن حيث أنشىء مرأب في العقار المنزوع ملكيته لإستعماله للمصلحة العامة، كمستودع لناقلات الجماعة تكون المنفعة العامة التي يتطلبها القانون لتبرير نزع الملكية متوفرة، ولهذا فإن القرار المطلوب إلغاؤه لا يشوبه أي شطط "17  .
وجاء في إحدى حيثيات قرار18  مماثل ما يلي: " وحيث إن إنشاء منطقة صناعية بمدينة مراكش ليس الهدف منها مجرد تجريد الخواص بمن فيهم الطاعنون من أملاكهم، ولكن استجلاب رؤوس أموال وطنية قصد القيام بصناعات حيوية تعود على مدينة مراكش بالازدهار، مما يعني أن عنصر المصلحة العامة متوفر وأن المرسوم المطعون فيه لا يتسم بأي شطط في استعمال السلطة ".
نفس التوجه سيكرسه قرار المجلس الأعلى بتاريخ 21 دجنبر 199519، حيث أورد من بين حيثياته ما يلي: "لكن حيث يتضح من مراجعة مشروع الأرضية التي يملكها الطاعنان تتجلى في إحداث تجزئة سكنية بسوق أربعاء الغرب، وحيث يتضح من البيانات التي قدمتها الإدارة في خصوص هذا المشروع المزمع إنجازه أن الأمر يتعلق بمشروع ذي طابع إجتماعي لأنه سيمكن من تهيئ قطع أرضية اقتصادية مخصصة لذوي الدخل المحدود، كما سيضمن هذا المشروع تجهيزات أساسية وإدارية لمدينة سوق الأربعاء الغرب، إضافة إلى مركب رياضي على مساحة ست هكتارات ".
اختيار العقارات اللازمة للمنفعة العامة، طالما أن الباعث هو المنفعة العامة، سواء فيما يتعلق باختيار الموقع أو القطع التي سيشملها المشروع، أو فيما يتعلق بتحديد حاجياتها فيما يرجع لمساحة الأرض الواجب نزع ملكيتها أو فيما يتعلق أخيرا بإمكانية الاستغناء عن أجزاء من الأرض الواجب نزع ملكيتها لفائدة بعض الأطراف المنزوعة ملكيتهم واحتفاظها بأراضي ملاك آخرين دون المساس بمبدأ المساواة 20.
ومن أحكام المجلس الأعلى قراره الصادر بتاريخ 30 نوفمبر 199521: "ولكن حيث إن استغناء الإدارة على أجزاء من الأرض التي تقرر نزع ملكيتها لفائدة المنزوع ملكيتهم واحتفاظها بأراضي ملاك آخرين، لا يعني أنها قد خرقت مبدأ المساواة بين المواطنين، بل إنها مارست سلطتها التقديرية في تحديد حاجياتها الحقيقية من الأراضي الضرورية لتنفيذ أغراض المنفعة العامة التي تسعى إلى تحقيقها، إلا إذا ثبت أن الإدارة قد استغنت عن قطع ضرورية ولازمة لتحقيق المشروع المزمع إنجازه، وأن هدفها الحقيقي كان هو حرمان بعض الملاك من أراضيهم رغم عدم حاجتها إليها لتحقيق مرامي المنفعة العامة، وأنها كانت تقصد المضاربة على الفرق بين ثمن الإقتناء وثمن البيع على حساب مصالح الملاكين المذكورين الشيء الذي لم يثبت في النازلة، مما يكون معه السبب المستدل به غير منتج ".
وهناك أحكام أخرى22 صدرت عن الغرفة الإدارية في هذه المرحلة والتي أرست مبادئ بخصوص رقابة القاضي لقرارات نزع الملكية، والتي يتضح منها جليا أن القضاء الإداري في المغرب كان يقف برقابته عند حد التأكد من صحة الوقائع فحسب، دون أن يتجاوز ذلك إلى الخوض في دائرة الملائمة التي جعلها من الإختصاص المطلق للإدارة.
وإذا كان هناك من تفسير لهذا الموقف، فإننا نجده في طبيعة المرحلة التي كان يجتازها المغرب غداة الإستقلال، والتي أعطيت فيها الأولوية لبناء الهياكل الإدارية والسياسية للدولة لأجل ضمان الإقلاع في الميادين التنموية، الاقتصادية والاجتماعية... فالدولة كانت تطمح أولا إلى تكريس هيبتها وضمان فرض سلطة الإدارة، وهو هدف لا يسمح بإمكانية خلق نظام قضاء إداري منفتح أكثر فأكثر على حماية حقوق الأفراد، فمثل هذا النظام لا يمكن إلا أن يعمل على إضعاف الإدارة، لذلك يمكن القول أن هذا التوجه العام كان منطقيا ومقبولا في هذه المرحلة، حيث كان على المغرب أن يهتم أولا وقبل كل شيء ببناء إدارته التي كانت في وضعية حرجة نظرا لعدم قدرتها على الخروج من التبعية الاستعمارية.
وقد وعى القاضي الإداري المغربي جيدا الأهداف العميقة للمشرع، فحرص على الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الوطنية، حيث لم ينسق وراء موجة التجديد التي عرفتها حركة حقوق الإنسان وحماية الأفراد في فرنسا 23.
فظهر المجلس الأعلى في هذه المرحلة بصورة المحابي للإدارة أكثر من الأفراد حتى يكون مقبولا في وسط سياسي وإداري جديد، وكان ذلك ضروريا على الأقل كمرحلة أولى، الأمر الذي يفسر تأخر المغرب في الأخذ بالعديد من الاتجاهات المتطورة في القضاء الإداري، ومن بينها نظرية الموازنة بين المنافع والأضرار في قرارات نزع الملكية التي أظهرت بشكل واضح عدم جرأة القاضي الإداري المغربي، فإذا كانت دعوى الإلغاء مقبولة ضد قرارات إعلان المنفعة العامة، فإن القاضي الإداري المغربي قد أنحاز للإدارة في مجموعة من القرارات التي أقر فيها بوجود هذه المنفعة العامة بالرغم مما شابها من أضرار لمصالح الأفراد كما هو الشأن بالنسبة للقرار الصادر في فاتح أبريل 198724.
ثانيا : التخلي عن المفهوم التقليدي للرقابة على القرارات الصادرة بنزع الملكية  
تميزت مرحلة بداية التسعينات بأحداث مهمة، كان في مقدمتها إنشاء المحاكم الإدارية السبعة بقانون 90-41 دعما لتعميق الرقابة القضائية من أجل حماية أكثر فعالية للمواطن، ومما زاد من أهمية هذا الحدث اقترانه بإنشاء مجموعة من المؤسسات التي تهدف إلى تحقيق أكبر قدر من الحماية للمواطنين، كالمجلس الإستشاري لحقوق الإنسان، كما ظهرت في هذه المرحلة رغبة السلطات في إعطاء الرقابة القضائية الإدارية طابعا حديثا وتوجها ديموقراطيا، والهدف هو إقامة عدالة بموجبها يتم حماية الأفراد وحرياتهم وترسيخ مبادئ دولة الحق والقانون.
 هكذا حمل تشريع هذه المرحلة مؤشرات إيجابية تصب في اتجاه تعميق المكتسبات الجديدة بالإضافة إلى تسهيل لجوء المواطنين إلى دعوى الإلغاء، ساهمت الدولة بدورها في وضع ميكانيزمات حديثة الهدف منها تطوير الرقابة القضائية على الإدارة، فتبنى المجلس الأعلى حلولا أظهرت بشكل واقعي التكيف الحقيقي للمعطيات والظروف الجديدة للمجتمع والدولة 25.
وكان سعي القضاء الإداري المغربي حثيثا نحو تشديد رقابته على السلطة التقديرية الممنوحة للإدارة26 ، والأخذ بالتوجهات الحديثة في مجال الرقابة القضائية، ومن أبرز المجالات التي نشط فيها عمل المجلس الأعلى، القرارات المتعلقة بنزع الملكية، حيث ظهرت لأول مرة بوادر الأخذ بنظرية الموازنة بين المنافع والأضرار في هذا النوع من القرارات مع قرار الغرفة الإدارية الشهير بقضية الشركة العقارية ميموزا والتي تتلخص وقائعها في أن هذه الشركة قامت بتهيئة قطعة أرضية في ملكيتها وحصلت على رخصة لإنجاز تجزئة سكنية، أنجزت منها الشطر الأول، وبدأت في إنجاز الشطر الثاني، إلا أنها فوجئت بصدور مرسوم يعلن أن المنفعة العامة تقتضي إنجاز مشروع التنمية الحضرية لمدينة القنيطرة المشتمل على تغيير هياكل مدن الصفيح ووضع التجهيزات الأساسية الضرورية، ولما طعنت الشركة في هذا المرسوم أثارت النقط التالية: ـ أنه قد رخص لها القيام بنفس المشروع الذي تنوي الإدارة إنجازه في نفس المكان وفوق عقارها؛ ـإنجازها للشطر الأول من المشروع وإنفاقها أموالا طائلة دون أن تحرك الإدارة أي ساكن؛ ـ تفويت الإدارة للبقع المجهزة من طرف الشركة للخواص بمبلغ مائة وعشرين ألف درهم للمتر المربع وشروع هؤلاء في البناء؛ حصولها على قرار استئنافي بإيقاف أعمال التفويت والأشغال الجارية بالعقار.
وانتهى المجلس الأعلى إلى إلغاء مرسوم إعلان المنفعة العامة، ومما جاء فيه ما يلي: " إذا كانت الإدارة تتوفر على السلطة التقديرية بخصوص المنفعة العامة التي تسعى إلى تحقيقها من وراء نزع الملكية، فإن ذلك لا يمنع القضاء الإداري من مراقبة مضمون وأغراض المنفعة العامة المذكورة، وما إذا كان المنزوع ملكيته، كما هو الحال في النازلة، يسعى إلى تحقيق نفس الأغراض والأهداف بموافقة الإدارة المسبقة لإنجاز هذا المشروع، مما يعني أن الإدارة التي رخصت للطاعنة لتحقيق هذا المشروع وتركها تحقق جزءا منه وتنفق مبالغ هامة لا يمكنها أن تسعى إلى نزع هذه الملكية للمنفعة العامة لتحقيق نفس الأغراض، وإلا فإنها تكون مشتطة في استعمال سلطتها.
إن المنفعة العامة التي تتذرع بها الإدارة لإصدار المرسوم المطعون فيه قد تحققت بالفعل، بعد أن أنجزت الطاعنة طرفا مهما منه باعتراف الإدارة وبموافقتها الواضحة والصريحة، مما يجب إلغاء المقرر المطعون فيه " .
وعلى الرغم من أهمية هذا القرار والنتيجة التي انتهى إليها إلغاء قرار إعلان المنفعة العامة، بعد ترجيح الجهة المؤهلة للقيام بالمشروع ـ هل الجهة المالكة للعقار والمرخص لها بإنجازه والتي أنفقت أموالا طائلة من أجل التجهيز، أم الإدارة التي تركت الطاعنة تقوم بكل تلك الأشغال وتنفق كل تلك الأموال لتنزع منها ملكيتها من أجل القيام بنفس المشروع، فإنه لم يشكل إجتهادا متواترا يمكن تعميمه.
والدليل على ذلك هو أن كثيرا من القرارات اللاحقة صدرت عن الغرفة الإدارية، وظلت تقر للإدارة بسلطتها التقديرية في مجال إعلان المنفعة العامة، شريطة عدم الإنحراف في استعمال هذه السلطة، وهو بذلك ليس توجها للمجلس الأعلى، وأن تفسيره الوحيد هو كونه ألغى المقرر المعلن عن المنفعة العامة، الشيء الذي لم يكن مألوفا لدى السلطات نازعة الملكية27.
هكذا حرص المجلس الأعلى على التأكيد بأنه لا يمكن مقارنة المنجزات التي تنوي الإدارة تحقيقها مع المشروع الذي يدعي الطاعن إنجازه على قطعته الأرضية، فرغبة المنزوع ملكيته في إقامة نفس المشاريع التي من أجلها تقرر نزع الملكية، أو مشاريع أخرى ذات صبغة المنفعة العامة لا يكفي لإثبات انحراف السلطة النازعة للملكية.
ومن اجتهادات المجلس الأعلى في هذا الصدد ما يلي:
القرار عدد 515 بتاريخ 30 نوفمبر 1995 في قضية رشيد بن محمد بوحجرة 28: "وحيث إنه حتى على فرض أن الطاعن كان ينوي إحداث مشروع سياحي على القطعة المنزوع ملكيتها، فإن المنفعة العامة المتوخاة تبقى فوق كل الإعتبارات الشخصية مادامت الإدارة قد احترمت أسس هذه المنفعة ولم تحد عنها ولم تنحرف في استعمال سلطتها التقديرية في هذا المجال، ولم يكن هدفها هو حرمان الطاعن من أرضه لأغراض أخرى غير غرض المنفعة العامة التي من أجلها تقرر نزع الملكية مما يكون معه السبب المستدل به غير مؤسس." 
القرار عدد 557 بتاريخ 21 دجنبر 199529: "وحيث إن رغبة المنزوع ملكيتهم في إقامة نفس المشاريع التي تنوي الإدارة إنجازها أو مشروعات قريبة منها لا يكفي للقول بأن هناك شططا في استعمال السلطة ما دامت المنفعة العامة فوق كل الإعتبارات الشخصية ومادامت الإدارة لم تنحرف أو تنوي الإنحراف عن الأهداف المتوخاة من هذه المنفعة." 
ودائما في إطار الترجيح، أجاب المجلس الأعلى على ادعاء بكون نزع الملكية لفائدة الشركة الوطنية للتجهيز والبناء تنعدم فيه المنفعة العامة لأن الغرض تجاري محض ترمي من ورائه النازعة المضاربة في الفرق بين شراء الأرض وبيعها، بكون ليس ممنوعا عليها إضافة مرافق اقتصادية واجتماعية وثقافية للتجزئة ما دامت هذه المرافق تدخل ضمن المنفعة العامة30.
ولعل صدور مثل هذه القرارات يوضح تردد للمجلس الأعلى في المضي قدما نحو إقرار اجتهادات أكثر جرأة، وبالرغم من ذلك ستظل أهمية قرار ميموزا قائمة باعتباره أول قرار يخرج فيه المجلس الأعلى عن التوجه الذي رسمه طيلة 40 سنة بخصوص قضايا نزع الملكية التي كان يقر فيها بالسلطة التقديرية الغير مقيدة للإدارة، ويعطي الأسبقية لأشخاص القانون العام حينما تلتقي أطراف نزع الملكية حول نفس الأهداف أي حينما يهدف الطرف المنزوعة ملكيته إلى تحقيق نفس المنفعة العامة أو شبيهة بها.
والملفت للانتباه هو أن الغرفة الإدارية كانت ستبقى على قرارها ضمن القرارات العادية خلال الحقبة الزمنية التي صدر فيها ولو أنها بنت إلغاءها للمرسوم المعلن عن المنفعة العامة على الانحراف في استعمال السلطة ما دامت تؤكد في قراراتها اللاحقة على سلطة الإدارة التقديرية في هذا المجال الذي لا يزاحمها فيه إلا انحرافها في السلطة، كما ظلت تؤكد بان المنفعة العامة فوق كل اعتبار مرجحة حق الإدارة في إنجاز المشروع وفي المنفعة العامة عوض المالك 31.
انتظرنا مطلع سنة 1997 ليدخل المجلس الأعلى عهدا جديدا من الرقابة على قرارات إعلان المنفعة العامة ميزتها الأساسية مراقبة السلطة التقديرية للإدارة في اتخاذ هذه القرارات وإعمال نظرية الموازنة التي ابتدعها قضاء مجلس الدولة الفرنسي، وقد بدا لنا من خلال جهدنا المتواضع في البحث عن مدى جدية قضائنا الإداري في الأخذ بهذا التوجه الجديد، أن العزم هذه المرة أكيد على الاستمرار في تطبيق هذه النظرية وذلك من خلال التراكم الذي تشهده الاجتهادات القضائية في هذا الموضوع.
الفرع الثاني: إقرار نظرية الموازنة
لقد استطاع القاضي الإداري المغربي أن يخرج عن القاعدة العامة التي كانت تستكنف من خلالها، اجتهاداته عن التدخل لمراقبة عناصر الاختصاص التقديري في القرارات الإدارية الصادرة بنزع الملكية ليدشن لمرحلة جديدة باتجاه تعميق هذه الرقابة. وهو إذ لم يفعل ذلك إلا في قرار فريد (قرار ميموزا) ما فتئ بعده يرجع إلى نهجه القديم، فإنه عاد من جديد من خلال قرارات متواترة ليعلن عن ميلاد نظرية جديدة رسخت من خلال هذا التواثر وتأكدت بتصريح رئيس أعلى هيئة قضائية بالمغرب عن عزم القضاء الإداري المغربي بالأخذ بهذا التوجه ضمانا لحقوق الأفراد ودعما لأسس دولة الحق والقانون32. وعلينا أن نتساءل عن طبيعة الرقابة الممارسة على قرارات نزع الملكية في ظل هذه النظرية؟ وذلك بعد أن نكون قد تعرضنا لمختلف التطبيقات العملية لهذه النظرية.
أولا:تطبيقات نظرية الموازنة في الاجتهاد القضائي المغربي.
ابتداء من سنة 1997، وعلى إثر صدور المرسوم بإعلان أن المنفعة العامة تقضي بإنجاز تجزئة سكنية بسيدي العابد بعمالة الصخيرات-تمارة، وبنزع ملكية القطع الأرضية اللازمة لهذا الغرض، تقدمت شركة بونيفلار بطعن بإلغاء المرسوم المذكور لخرقه لقدسية الملكية وعرقلته للمبادرة الحرة بعلة أن الغرض الحقيقي من هذا النزع هو إنشاء فيلات ومساكن ضخمة مطلة على البحر، في حين أن الشركة المذكورة كانت تعتزم تحقيق مشاريع اجتماعية واقتصادية بإنشائها لمجمع سياحي وسكني على ملكيتها33.
وقد أصدر المجلس الأعلى قرارا تمهيديا بإجراء خبرة حددت فيه مهام الخبير في النقط الآتية: تحديد طبيعة المشروع الذي كانت الطاعنة المنزوع ملكيتها تنوي تحقيقه مع المقارنة بين تكاليف المشروعين المذكورين وتحديد المنافع التي يمكن الحصول عليها من كل واحدة منها، تحديد الإمكانيات التي تتوفر عليها الشركة الطاعنة والمبالغ الموجودة لإنجاز مشروعها مقارنة مع الغلاف المالي المخصص من طرف الإدارة لإنجاز مشروعها، بيان النسبة التي يشكلها العقار موضوع النزاع من المساحة الإجمالية المخصصة للمشروع، وأخيرا تحديد نوع الأضرار التي تتحملها الشركة الطاعنة من جراء نزع الملكية مقارنة مع المصالح التي يتوقع الحصول عليها من جراء تنفيذ مشروع الإدارة وتحديد الفئات الاجتماعية التي تستفيد من نزع الملكية ونوع المنافع التي ستجنيها.
وكان الهدف من إجراء الخبرة هو الرغبة في الوقوف على طبيعة المنفعة العامة المتوخاة من قرار نزع الملكية المطعون فيه، بعدما نازعت الطاعنة في ذلك وادعت بأن الغرض من نزع الملكية هو إحداث فيلات وسكن راق، والتبرير هو أن الإدارة وإن كانت تستقل بتحديد أغراض وعناصر المنفعة العامة المتوخاة انطلاقا من سلطتها التقديرية، وانطلاقا من مسؤولياتها التي تؤهلها لتحديد حاجياتها من الأراضي الواجب نزع ملكيتها موقعا ومساحة، فإن قضاء الإلغاء يفرض مع ذلك رقابته على مشروعية اختيار الإدارة وعلى دواعيه ومدى ما يمكن أن تترتب عنه من أضرار سواء بالنسبة للطرف المنزوعة منه ملكيته أو بالنسبة للمرفق العام الذي نزعت الملكية لفائدته 34.
 وبذلك يكون المجلس الأعلى من خلال هذا القرار قد حاول الوقوف على الغرض الحقيقي الذي تستهدفه الإدارة من نزع الملكية، معترفا لنفسه بأحقيته في بسط رقابته لتمتد إلى سلطة الإدارة في اختيار العقارات المراد نزع ملكيتها ومتخذا من مبدأ الموازنة بين الفوائد التي سيحققها المشروع المزمع إنشاؤه والمصالح الخاصة التي سيمس بها معيارا لبحث مشروعية قرار النزع 35.
وباختصار، فلئن كان المجلس الأعلى يكتفي في اجتهاده السابق بمراقبة بعض عناصر النزاع المتعلقة بالنصوص والمسطرة، يعني المشروعية الخارجية لفعل نزع الملكية 36، فإنه في هذا القرار قد تجاوز ذلك للنظر في المضمون الحقيقي للمشروع الذي يستلزم نزع الملكية.
وكان القضاء الإداري المغربي أكثر وضوحا حين عبر عن اتجاهه الجديد في الرقابة على قرارات إعلان المنفعة العامة في قرار آخر صدر عنه بتاريخ 7 ماي 199737،/ حيث انه بموجب مرسوم 14 دجنبر 1994 تم الإعلان عن المنفعة العامة لتحديد مجموعة من القطع الأرضية المزمع نزع ملكيتها من أجل إنجاز مشروع سيدي عبد الله بسلا، وتقدم المطالبون بمقال للطعن من أجل الشطط في استعمال السلطة أمام المجلس الأعلى عارضين أن نزع الملكية جاء مخالفا للمسطرة المنصوص عليها في ظهير 6 ماي 1982، وأضافوا بأنهم ينوون هم بأنفسهم إقامة مشروع على الأرض المعنية، وقد أمر المجلس الأعلى بإجراء خبرة لتحديد طبيعة مشروع الإدارة وآثاره على المصلحة العامة بالمقارنة مع مصلحة مالكي الأرض.
ومما جاء في هذا القرار:"إن الاتجاه الحديث في القضاء الإداري لا يكتفي بالنظر إلى تحقيق المنفعة العامة نظرة مجردة وإنما تجاوز ذلك إلى النظر فيما يعود به القرار من فائدة تحقق أكبر قدر من المصلحة العامة، وذلك عن طريق الموازنة بين الفوائد التي يحققها المشروع المزمع إنشاؤه والمصالح الخاصة التي يتسم بها، وبالتالي تقييم قرار نزع الملكية على ضوء مزاياه وسلبياته والمقارنة بين المصالح المتعارضة للإدارة والخواص المنزوعة ملكيتهم 38 .
ومما لا شك فيه فقد أحدث القاضي بهذا التعليل منعطفا ذا أهمية قصوى في مجال نزع الملكية، وتبدو العبارة بمثابة قطيعة مع الاجتهاد القضائي التقليدي لكونها تحيل على اتجاه جديد وحديث في مجال القضاء الإداري. فقد خلص إلى أن الوقت قد حان لكي لا يقتصر على مراقبة ما إذ كانت شكليات بسيطة قد احترمت وأن يتبرأ من دوره الحقيقي كقاض ينظر في الطعون ضد تجاوز السلطة خاصة وأنه في هذا المجال لا يجب النظر إلى التجاوز كمجرد خرق للنصوص، بل كانحراف للفلسفة التي يستمد منها مفهوم نزع الملكية، وهنا تكمن أهمية القرار.
فخلافا للأساليب الكلاسيكية والتقليدية المتعلقة بدراسة نزع الملكية، تأتي نظرية الموازنة التي تبناها المجلس الأعلى لتدقيق وسائل استقصاء المراقبة القضائية، ولتساعد القضاء على فحص البواعث الظاهرة التي غالبا ما تعمل على إخفائها لكونها لا تتماشى في بعض الأحيان ومتطلبات المصلحة العامة.
إلا أن الأهم في السلطات التي اكتسبها القاضي في هذا المجال، هو تقديره لما يمكن أن ينتج عن نزع الملكية المزمع إجراؤه من سلبيات، يتعين تقييمها بالمقارنة مع المصلحة العامة التي هي المحدد الرئيسي لنزع الملكية، فعلى هذا المستوى بالضبط تندرج نظرية الموازنة في صلب التحليل، ذلك أن تقدير نزع الملكية يتم باعتبار الضرر الذي يحدثه للمصلحة الخاصة، وهذا ما يفهم من قضية "الأبيض".وهذا ما له أثر احتياطي لكون شبح الإلغاء يحث الإدارة على أن تدرس بدقة المشاريع المتعلقة بنزع الملكية لكي تتوفر فيها شروط المشروعية الخارجية (احترام الآجال،النشر...) وكذلك الشروط المتعلقة بالدوافع الكاملة وراء نزع الملكية (أسبابها) وآثارها على المنفعة العامة39.
هكذا يكون قرار المجلس الأعلى الصادر في قضية الأبيض قد فتح المجال نحو مراقبة عملية نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، لا فيما يتعلق بالجوانب المسطرية فحسب، كما كان عليه الحال منذ ما يزيد عن أربعين سنة، بل يتعلق كذلك بمراقبة مشروعية المنفعة العامة، ثم إن المفاهيم التي استعملها المجلس الأعلى في قراره لم تأت بصفة تلقائية، فهي تدل على القصد الصارم للقاضي في أن يستبدل اتجاهه التقليدي بآخر جديد وحديث. ولم يكن من باب الصدفة كونه وظف هذه الفكرة في تعليل قراره 40.
وما يزكي ذلك أنه إلى حدود كتابة هذه الأسطر لم يصدر عن المجلس الأعلى اجتهاد مخالف للاتجاه الحديث الذي أصبح يميز ميدان نزع الملكية، بل على العكس من ذلك، فإن القرارات التي صدرت بعد ذلك كلها تكرس هذا المنحى وتتبناه في حلولها.
هكذا أكدت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في قرارها الصادر بتاريخ 2 دجنبر 1999 41. والذي ذهب إلى أن إخضاع أرض لمقرر نزع الملكية، بعد الترخيص لصاحبها باستغلالها كمحطة للوقود، يكتسي شططا في استعمال السلطة يبرر إلغاء المقرر المذكور. ومما جاء في هذا القرار ما يلي: "حيث إنه من الثابت من أوراق الملف أن الطاعن قد حصل على ترخيص بإحداث محطة للوقود على القطعة موضوع النزاع على أساس أنها داخلة في تصميم التهيئة، وأن ادعاءات الإدارة بخصوص الموقع الحقيقي لأرض الطاعن لا تبدو جدية ما دام الخبيران قد تأكدا من موقع الأرض المذكورة، وكونها توجد في جانب الطريق.وقد أثبت الطاعن أن الإدارة قد رخصت له باستغلال ممرات في ملك البلدية للوصول إلى المحطة المذكورة، الشيء الذي يعني أن الإدارة وإن كانت عازمة على إحداث حي صناعي وجعل القطعة المذكورة جزءا من المشروع المذكور، إلا أنها قد سبق لها أن رخصت للطاعن بإحداث محطة للوقود وهو المشروع الذي قام المعني بالأمر بإعداد كل الإجراءات الضرورية لإنجازه، وحيث إنه ما دامت الإدارة لم تخصص الأرض المذكورة لنشاط صناعي معين وأن الطاعن تمسك بأحقيته في إنجاز مشروعه المذكور والذي لا يشكل أي عائق بالنسبة لنزع الملكية ككل، فإن إلغاء مرسوم نزع الملكية للمنفعة العامة بخصوص القطعة المذكورة الراجعة ملكيتها للطاعن لها ما يبررها من خلال أوراق الملف، ومن خلال الدراسة التي قام بها الخبيران، مما يكون معه المقرر المذكور مشوبا بالشطط في استعمال السلطة في خصوص إخضاع قطعة الطاعن لنزع الملكية، والحالة أن الإدارة تعاملت مع المعني بالأمر على أساس انه مؤهل لاستغلال القطعة المذكورة لحسابه الخاص".
وأكدت الغرفة الإدارية في قرار حديث لها 42  أن حرمان صاحب العقار من تحقيق المشروع السياحي الذي طلب ترخيصا له، واقتصار الإدارة على السعي إلى تحقيق مداخيل مالية للجماعة على حساب مصلحة المنزوعة ملكيته يشكل شططا في استعمال السلطة يعرض القرار المطعون فيه للإلغاء. ومن الحيثيات الهامة التي وردت في هذا العقار ما يلي:"حيث انه من الثابت من أوراق الملف ، وباعتراف الإدارة نفسها أن العقار المعني بالأمر موضوع الرسم العقاري عدد 32899/03 هو في إسم الطاعن بصفته المالك الوحيد له، وأنه عند تاريخ تقييد مشروع نزع الملكية بالرسم العقاري بتاريخ3/4/70 كناش 175 عدد 242، لم تقم الإدارة بأية إجراءات لتحقيق المشروع المزمع إنشاؤه حسب مرسوم نزع الملكية المطعون فيه، وهو إحداث تجزئة جماعية بعد تجفيف الشاطئ المذكور الذي توجد به الأرض المشار إليها، بل إنه على العكس من ذلك، وكما تثبته الوثائق والمستندات المضافة للطلب، والتي اطلعت عليها الإدارة ولم تجادل فيها، فإن المجلس البلدي اقتصر على كراء أجزاء متفرقة من الأرض المذكورة للخواص لإقامة أكشاك أو مستودعات لوقوف السيارات مقابل مبالغ مالية معينة".
"والحالة أن الاجتهاد القضائي قد استقر على أن نازع الملكية يتعين عليه أن يحقق المشروع الذي اتخذ من أجله قرار نزع الملكية، في حين أنه رغم مرور أكثر من عشرين سنة على قرار نزع الملكية، فإن الإدارة لم تحقق أي مشروع على الأرض المذكورة، وحرمت صاحب الأرض من تحقيق المشروع السياحي الذي كان ينوي تحقيقه، الشيء الذي يعني أن المصلحة العامة لم تكن هي المتوخاة من قرار نزع الملكية، ما دامت المستفيدة من قرار النزع قد أحجمت عن تحقيق هذه المصلحة، واكتفت باستغلال العقار في مجالات الهدف منها تحقيق مداخيل مالية للجماعة على حساب مصالح المنزوع ملكيته، مما يعتبر شططا في استعمال السلطة يتعين من اجله إلغاء نزع الملكية".




ثانيا:تكريس خيار الاستمرارية في قضاء المجلس الأعلى.
واضح من الأحكام التي ذكرناها آنفا، أن القضاء الإداري المغربي لم يجهل تماما نظرية الموازنة بين المنافع والأضرار، ولم تعد غريبة عن أحكامه المتعلقة بنزع الملكية التي أصبحت واضحة فيها الموازنة بين المصالح المتعارضة وترجيح بعضها على البعض الآخر متى قام بينهما تعارض، في صورة آثار القرار من حيث ما يترتب عليه من منافع وما ينجم عنه من أضرار اقتصادية واجتماعية...
وباستقراء هذه الأحكام يتضح لما جليا هذا التحول السابق الإشارة إليه، واقتراب القضاء الإداري المغربي في هذا الصدد من قرينه الفرنسي. فخلافا للمبادئ المستقرة نجد أن قرارات الغرفة الإدارية بشأن نزع الملكية أصبحت تؤسس على اعتبارات لم يسبق للقضاء الإداري في المغرب أن تطرق إليها أو استند عليها.
هكذا اصبحت القرارات الإدارية الصادرة في إطار السلطة التقديرية للإدارة لا تكون دائما بمنأى عن الرقابة القضائية، وأصبح القاضي الإداري يتوفر على صلاحية إجراء المقارنة والموازنة بين مشروع الإدارة المتوخى من قرار نزع الملكية للمنفعة العامة ومشروع الخواص المنزوعة ملكيتهم. كما اعتبرت الغرفة الإدارية تماطل الإدارة في تحقيق المشروع المزمع إنجازه بمقتضى قرار نزع الملكية، واقتصارها على استغلال الأراضي لأغراض أخرى-كالكراء مثلا- يعد مؤشرا على تعسف الإدارة وانحرافها في استعمال السلطة التقديرية.
وعلى الرغم من أهمية الرقابة التي تبناها الاتجاه الجديد الذي يعد من أكثر الاتجاهات تطورا، وعلى الرغم من كونه لاقى ترحيبا وتقديرا من معظم الأوساط الفقهية والقضائية المهتمة بضرورة تحقيق ضمانات فاعلة للمواطنين بقصد حماية وصيانة حقوقهم وحرياتهم ضد احتمال تعسف أو تسلط الإدارة حينما تباشر اختصاصاتها المتعلقة بهذه الحقوق أو تلك الحريات، بما لها من سلطة تقديرية، نقول رغم ذلك، أننا نجد جانبا آخر من الفقه نظر إليه بحذر لدرجة أن الأستاذ فالين waline حذر مجلس الدولة الفرنسي، أنه إذا لم يمارس تلك الرقابة بحيطة وحذر على نحو ما قال مفوض الدولة بريبان braibant في قضية المدينة الشرقية الجديدة، فإن القاضي الإداري قد يجد نفسه مضطرا لاتخاذ مواقف سياسية.
وبالنسبة للقاضي المغربي، فقد حرص على بيان نوعية الرقابة التي يباشرها على القرار الإداري في مثل هذه الحالات، ليبين أنه يظل في نطاق رقابة المشروعية ولا ينتقل إلى ممارسة رقابة الملاءمة، غاية ما في الأمر أنه في هذه الحالات (حالات نزع الملكية) تختلط مناسبة العمل بمشروعيته، ويلزم دائما ليكون العمل مشروعا أن يكون ملائما ومناسبا 43.
ففي قضية "الابيض" مثلا، وبعدما تحدثت عن الاتجاه الحديث في القضاء الإداري بمناسبة رقابتها على قرارات نزع الملكية، حددت الغرفة الإدارية ذلك في نطاق المشروعية المخولة لقاضي الإلغاء. نفس التحديد سيتكرر في قضايا أخرى مشابهة، ومن بينها قرار الغرفة  الإدارية الصادر بتاريخ 2 ابريل 1998 في الملف عدد 62/95.
وذهب بعض الباحثين في تأييدهم للاتجاه الجديد إلى أن هذا التأييد يجد حده الطبيعي في عدم تخطي مجال الملاءمة الخالصة في القرار الإداري 44 ، وذهبوا إلى أنه بالرغم مما تحمله هذه الرقابة المستحدثة في طياتها من سلطة التدخل للقاضي، فإنها لا تخرج عن إطار رقابة المشروعية 45.
وفي جميع الأحوال يبقى مبدأ الموازنة سلاحا مهما لحماية المشروعية، من خلاله يمارس القاضي الإداري دورا مهما للحد من السلطة التقديرية المخولة للإدارة للحيلولة دون تحولها إلى سلطة تعسفية. وهو بذلك لن يقف في طريق الإدارة وإنما سيقف في طريق انحرافها. فليس مقبولا في دولة تحترم القانون التسليم بأن حرية الإدارة في التقدير هي حرية مطلقة لأنها دون ريب ستتحول إلى تسلط مطلق.
يبقى لنا أن نتساءل في الأخير عن مدى اعتبار هذه القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى، والتي أخذت بنظرية الموازنة كما عرفها الاجتهاد القضائي الفرنسي، بداية توجه جديد رسمه القاضي الإداري المغربي لنفسه دون نية الحياد عنه. في هذا الصدد يمكن أن نقول إن هناك اعتبارات مهمة توحي بأن المجلس الأعلى في المغرب يعمل على إنشاء مبادئ دائمة لنظرية الموازنة.
وأولى هذه الاعتبارات هو حصول تراكمات مهمة من القرارات الصادرة بهذا الشأن، والتي توفر بشأنها التواتر الذي يعد الشرط الأساسي للحديث عن توجه جديد. فقد قادتنا مجهوداتنا إلى تفحص جل القرارات الصادرة عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، خلال الفترة الممتدة من 1997 إلى 2004، وقد لاحظنا أنها تتجه جميعها نحو الأخذ بنظرية الموازنة بشكل صريح.
وبذلك فإننا نميل إلى القول بأن المجلس الأعلى سيعمل على إرساء تلك المبادئ التي جاء بها مجلس الدولة الفرنسي، وسيعتـنق فكرة الموازنة بين المصالح، دون إمكانية التراجع عنها في قرارات لاحقة، نظرا لتطابق هذا التوجه مع روح المبادرة الحرة وتشجيع الملكية الفردية وحمايتها في دولة الحق والقانون.
وما يزكي طرحنا هذا كذلك، تصريح رئيس أعلى هيئة قضائية في البلاد، بمناسبة إلقائه للخطاب الافتتاحي للسنة القضائية الجديدة 2001 أمام جلالة الملك، وذلك في معرض حديثه عن توجهات المجلس الأعلى بعقد العزم على المضي قدما في تطبيق نظرية الموازنة في قرارات نزع الملكية، نظرا لما تحققه من ايجابيات في حفظ حق الملكية المقدس.




خاتمة:
لقد عرف مفهوم المنفعة العامة تطورا ملحوظا، على مر الحقب وباختلاف المجتمعات، فلم تعد المنفعة العامة تقتصر على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإنما تجاوزت ذلك لتشمل تكوين أرصدة عقارية لتحقيق هذه الأهداف. كما أن الأملاك المشمولة بالنزع أصبحت تتجاوز إطار العقارات والحقوق العينية العقارية لتشمل الأصل التجاري وبراءة الاختراع وأي منقول متى كان ضروريا ولازما.
وأمام تنامي تدخلات الدولة الاقتصادية والاجتماعية، وبسبب تغير الفلسفة التي تنبني عليها العلاقات بين الفرد والسلطة العامة، جاء دور القضاء الإداري المغربي لتكريس بعض الاتجاهات الحديثة في الرقابة القضائية الهدف منها تحقيق معادلة التوازن بين امتيازات الإدارة وحقوق الأفراد والتوفيق بين أهمية نزع الملكية وضرورتها، وبين حماية حق الملكية وقدسيته.
وهو توجه لا مناص من التنصل منه، فالوضع الجديد وما يعرفه العالم من تنافسية شديدة وارتفاع إبعاد عولمة الاقتصاد وتحرير التجارة الدولية والخوصصة، يفرض على المغرب إعادة هيكلة بنايته الاقتصادية والقانونية معا وفي نفس الوقت، فعالم اليوم هو عالم الاستثمار، وكل استثمار إلا ويبحث عن جو تام من الثقة والاستقرار ومن مناخ استثماري مربح يوفر له كافة الضمانات التي تمكنه من التطور بصورة قانونية وسليمة، فتحقيق التنمية الاقتصادية وتشجيع الاستثمار لا يمكن أن يتحقق دون المبادرة الفردية وتحقيق استقرار المعاملات وحماية حق الملكية بإقرار مجموعة من الضمانات.
لكن بالرغم من التطور الذي شهدته الرقابة القضائية على قرارات نزع الملكية، فإن جوانب القصور لازالت قائمة. لذلك فإننا لا نملك إلا أن نضم صوتنا إلى الأصوات التي تنادي بضرورة القيام بالمزيد من الإصلاحات في اتجاه تقوية مركز المنزوع ملكيته في عملية النزع عن طريق التعجيل بالمسطرة وتبسيطها وتفعيل وسائل الإشهار وضمان تعويض عادل مسبق.
ويبقى أن نشير في الأخير إلى أن أهم ضمانة لقضاء إداري فعال هو ضمان تنفيذ أحكامه، لأن ذلك هو الكفيل بتحقيق الشراكة المرجوة بين الإدارة والقاضي تحقيقا لدولة الحق والقانون.وحتى لا تبقى اجتهادات القاضي الإداري المغربي فارغة من محتواها وجب إيجاد آليات فعالة لضمان احترام حجية الأحكام الصادرة ضد الإدارة.



اقتراحات من اجل تسريع مسطرة نزع الملكية
1-تفعيل دور اللجنة الإدارية للتقويم عبر الإجراءات التالية:
إسناد رئاسة اللجنة الإدارية إلى قاضي مختص.
الاستعانة بخبراء في الميدان العقاري من منعشين وموثقين أو غيرهم.
إعادة النظر في التعويضات الممنوحة للمنزوعة ملكيتهم بتحيين المعاييرالمعتمدة في تحديد أثمنة العقارات.
2-إلزام السلطة نازعة الملكية باللجوء إلى اللجنة الإدارية قبل الانتقال إلى المنازعة أمام القضاء.
3-ترك الباب مفتوحا أمام الأطراف قصد اختيار وسيط لحل النزاع قبل عرضه على القضاء.
ميادين تدخل الوسيط في مسطرة نزع الملكية
من اجل المنفعة العامة
1-التركيز على دور الوسيط خلال المرحلة الإدارية لمسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.
2-تدعيم دور الوسيط بإلزام السلطة نازعة الملكية بتقديم كل إشكال المساعدة على أداء مهامه.
3-ضرورة اختيار الوسطاء في دعوى نزع الملكية من بين الأشخاص الذين لهم تجربة ودراية بالسوق العقاري.
4-إفساح المجال أمام الأطراف قصد الاستعانة بخدمات الوسيط لفض النزاع خلال جميع مراحل المسطرة القضائية.
5-إعطاء قرارات الوسيط الصيغة التنفيذية مع التنصيص على عدم قابليتها لأي طريق من طرق الطعن.



المراجع المعتمدة:
  شرح قانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة في ضوء القانون المغربي-الكتاب الأول للأستاذ البشير باجي مطبعة الأمنية بالرباط-1991.
  نزع الملكية من اجل المنفعة العامة:
  الأسس القانونية والجوانب الإدارية والقضائية-الدكتور محمد الكشبور مطبعة النجاح الجديدة 1989.
  الوجيز في قانون المرافق العمومية الكبرى-الدكتور عبد الله حداد منشورات عكاظ الرباط اكتوبر 2001.
  الوسيط في شرح القانون المدني الجديد الجزء الثاني، حق الملكية للدكتور عبد الرزاق احمد السنهوري دار النهضة العربية بالقاهرة.
  دعوى نقل الملكية وإجراءاتها أمام المحكمة الإدارية.
  دراسة عملية-للأستاذ محمد محجوبي الطبعة الأولى 1425هـ-2004 م.
المقــــــالات:
  اختصاص المحاكم المغربية في موضوع نزع الملكية-نقل الملكية والتعويض-للأستاذ مصطفى مدرع.
  نزع الملكية للمنفعة العامة كأحد مصادر تملك الدولة ومؤسساتها للعقارات-للأستاذ محمد النجاري، منشور بأعمال الندوة الأولى للقضاء الإداري.
  رقابة الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى على مقررات نزع الملكية من اجل المنفعة العامة-سمير احيذار-منشور بالمجلة المغربية للمنازعات القانونية.

تعليقات