القائمة الرئيسية

الصفحات



الوصية الإرادية والواجبة فقها وقانونا ذ. ادريس اجويلل أستاذ بكلية الحقوق بمكناس




الوصية الإرادية والواجبة فقها وقانونا
ذ. ادريس اجويلل
أستاذ بكلية الحقوق بمكناس



تمهيد:
الوصية تصرف من التصرفات الشرعية والقانونية تخضع لسلطان الإرادة المنفردة للإنسان. عرفتها حضارات قديمة متعددة ومتنوعة كالرومان واليونان والبابليين وقدماء المصريين والعرب في الجاهلية، وتميزت الوصية عند هذه الحضارات بالاختلاف والتنوع في إنشائها؛ فعند البعض اتسمت الوصية بالجور والظلم حيث كان الموصي حرا غير مقيد بقيد أو شرط معين في وصيته، حيث كان يوصي للأجنبي بما شاء وكيف شاء إما نكاية في أسرته أو افتخارا أو مباهاة بجميع التركة أو بجزء منها حسب رغبته وهواه على حساب أولاده الذين قد يقعون فريسة للحاجة والعوز بعد أن ذهبت ثروة أبيهم إلى غير المستحقين لها. 
جاء الإسلام ونظم الوصية تنظيما محكما ودقيقا حيث جعلها حقا من حقوق الميت في ماله تنفذ بعد موته وقيدها بقيدين أساسيين هما: تحديد مقدارها في حدود الثلث وعدم جوازها للورثة. وبذلك يكون الإسلام قد أجاز الوصية وشرعها لحاجة الناس إليها لما فيها من صلة للأرحام مع ذوي القربى غير الوارثين، ولما فيها أيضا من سعة على ذوي الحاجة والمعوزين.
في هذه المداخلة المتواضعة سأتحدث عن الوصية الإرادية أو الوصية بالمال في فصلين إثنين نتناول في الفصل الأول الإطار النظري للوصية الإرادية من حيث تعريفها ومشروعيتها وشروطها وأركانها وفي الفصل الثاني نتحدث فيه عن الإطار التطبيقي للوصية الإرادية من حيث تعليقها على شرط معين أو تقييدها به ومن حيث تنفيذها وحكم الرجوع فيها ثم قبولها أو ردها والأسباب التي تبطل بها ثم خاتمة واستنتاج. 
الفصل الأول: الإطار النظري للوصية الإرادية (1)
نتناول في هذا الفصل الجانب النظري للوصية الإرادية من حيث تعريفها ودليل مشروعيتها وشروطها وأركانها في المباحث الآتية:
المبحث الأول: الوصية الإرادية في اللغة والاصطلاح الفقهي والقانوني 
أولا: الوصية لغة. 
الوصية لغة من وصيت الشيء إذا وصلته، يقال: أرض واصية أي متصلة النبات، ويقال كذلك، وصيت إلى زيد أو لعمرو بكذا..، وأوصيت، ووصيتك بفلان أن تبره، وبأرضي أن تعمرها(2)، وهذا : وصيي، وهؤلاء أوصيائي ،وهذه وصيتي، ومن المجاز، أوصيك بتقوى لله، ومنه قوله تعالى: (وأوصى بها إبراهيم بنيه)(3).
وسميت الوصية وصية لأن الميت يصل بها ما كان في حياته بعد مماته لنيل الثواب من الله عز وجل والأجر في الدار الآخرة؛ فهي تطلق على فعل الموصي وعلى ما يوصى به من مال أو غيره من عهد ونحوه؛ فتكون بمعنى المصدر وهو الإيصاء، وتكون بمعنى المفعول وهو الإسم(4). 
ثانيا: الوصية في الاصطلاح 
الوصية في الاصطلاح الفقهي، عرفها ابن عرفة بقوله: "عقد يوجب حقا في ثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه بعده"(5).
يتبين من هذا التعريف أن الوصية عقد متله مثل سائر العقود تخضع في إنشائها لشكليات معينة يجب التقيد بها حتى يكون العقد صحيحا، وهي بذلك ليست وعدا كما هو الشأن بالنسبة للخطبة في باب الزواج حيث لا يترتب عن الوعد أي أثر قانوني اللهم إلا إذا أحدث ضررا ماديا أو معنويا للطرف المتضرر أثناء العدول حينذاك يلزم التعويض. وعقد الوصية يوجب حقا في مال الإنسان بعد وفاته، وهذا دليل على أن هذا العقد لا ينفد إلا بعد موت الموصي، كما أن العطف الوارد في التعريف ب " أو " يفيد التنويع، أي أن التعريف تضمن نوعين من الوصية عند الفقهاء وهما: الوصية بالمال المحددة في الثلث – موضوع هذه الدراسة -، والوصية بالنظر (الإيصاء) الذي يلزم الموصى له بالنظر في أولاد الموصي القاصرين بعد وفاته، وهو ما قُصد في التعريف: "أو نيابة عنه بعده ".
وقد سايرت مدونة الأسرة المغربية في المادة 277 رأي ابن عرفة تقريبا وإن خالفته بعض الشيء عندما قدمت الكلام عن الإيصاء بالنظر في باب الأهلية والنيابة الشرعية، المادة 229 " الأهلية إما ولاية أو وصاية أو تقديم"، وعرفت الوصية بالمال أو الوصية الإرادية في المادة 277 بقولها: "الوصية عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلزم بموته"، حيث نستنتج من تعريف المدونة ما يلي:
أ- إن الوصية عقد كما جاء في تعريف ابن عرفة، يخضع في تكوينه لشكليات معينة يجب التقيد بها ومراعاتها مثله مثل سائر العقود التي تخضع لمبدإ سلطان الإرادة المنفردة للإنسان، وخاصة في باب التبرعات.
ب- إن الوصية حسب التعريف المذكور تشمل الأعيان والمنافع فقط حسب ما أشارت إليه المدونة في المادة 294.
ج- حدد التعريف مقدار الوصية بالمال في الثلث ولا تنتقل إلى الموصى له إلا بعد موت الموصي.
إن هذه الاستنتاجات المشار إليها في منطوق المادة 277 يلاحظ أنها شاملة وجامعة لجميع أنواع الوصايا المالية (العقارات والمنقولات) وكذا الحقوق التي تنتقل عن طريق الإرث (حقوق الارتفاق). 
وقد وقفت بعض التشريعات العربية موقفا متباينا في تعريفها للوصية بالمال، حيث نجد المشرع المصري في قانون الوصية رقم 71/1946 في المادة الأولى منه، وكذا قانون الأحوال الشخصية السوري في المادة 207، والقانون المدني الأردني في المادة 1125 يعرفون الوصية بأنها: "تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت"، كما عرفها القانون الموريطاني للأحوال الشخصية في المادة 203 "الوصية تصرف على وجه التبرع مضاف إلى ما بعد موت الموصي سواء كان عينا أو منفعة"، والقانون التونسي للأحوال الشخصية في الفصل 171: "الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع سواء كان عينا أو منفعة". ويلاحظ على هذه التعاريف باستثناء تعريف مدونة الأسرة المغربية أنها سايرت واقتبست تعريف ابن عابدين الحنفي في حاشيته المعروفة 6/648 " الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع سواء كان الموصى به عينا أم منفعة " 
المبحث الثاني: دليل مشروعية الوصية
الوصية تبرع من التبرعات المقيد تنفيذها بوفاة الموصي؛ فهي من خصائص الأمة المحمدية تكثيرا للزاد وأهبة للمعاد، وهي كذلك نوع من أنواع التكافل الإسلامي تجاه الفقراء والمساكين والمحتاجين في المجتمع، والأصل في إنشائها الندب كما يرى جمهور العلماء(6). وهي مشروعة بالقرآن والسنة والإجماع والمعقول.
أ- فمن القرآن آيات متعددة في مشروعية الوصية منها قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية إثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض"(7)، حيث دلت هذه الآية على الإشهاد على الوصية مما يعني أنها مشروعة، وقوله تعالى: "من بعد وصية يوصي بها أو دين".. "من بعد وصية يوصين بها أو دين".. "من بعد وصية توصون بها أو دين"(8)، دلت هذه الآيات على جواز الوصية وعلى مشروعيتها كذلك.
ب- ومن السنة، أحاديث كثيرة بلغت في روايتها حد التواتر المعنوي، منها قوله صلى الله عليه وسلم:"ماحق إمرؤ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه"(9)؛ في الحديث دليل على كتابة الوصية بالخط إذا عرف وهو دليل على مشروعيتها.
ج- وأما الإجماع، فقد أجمع علماء المسلمين على جواز مشروعية الوصية ولم يثبت عن أحد من علماء الأمة أنه أنكر القول والعمل بها أو قال بعدم مشروعيتها.
د- وأما المعقول؛ فمن الصواب والمنطق القول به لأن حاجة الناس إلى الوصية التي هي نوع من أنواع التبرعات دليل على التكافل والتضامن والعطف على جميع الفئات المحتاجة في المجتمع أقارب غير وارثين أو فقراء محتاجين، وبذلك يتدارك الإنسان ما فرط به من أعمال في حياته حيث يصل ما كان فيه بما هو مقبل عليه في آخرته من حسنات، والله عز وجل يقول: " إن الحسنات يذهبن السيآت". 
المبحث الثالث: شروط وأركان عقد الوصية
يختلف الشرط عن الركن في الحقيقة حيث الشرط ما كان خارجا عن ماهية الشيء وحقيقته، والركن ما كان داخلا في حقيقة الشيء وماهيته وجزءا أساسيا منه لا يتكون إلا به.
يقول المناطقة:
الركن في ماهية قد ولجا        والشرط عن ماهية قد خرجا
وعلى هذا فإن الوصية كعقد من العقود يشترك فيه شروطا عامة وجوهرية خاصة بتكوينه وإنشائه وإلا كان باطلا، وشروطا خاصة في كل ركن من أركانه (الصيغة والموصي والموصى له والموصى به) وهو ما سنتعرض إليه في المطلبين المواليين:
المطلب الأول: الشروط الجوهرية العامة في تكوين عقد الوصية 
إذا توافرت في عقد الوصية الشروط الآتي ذكرها كان صحيحا وإذا لم تتوفر يكون العقد باطلا، ومن هذه الشروط ما يلي: 
أ- يجب في عقد الوصية أن يكون الموصي بالغا عاقلا راشدا غير محجر عليه، يعني أن يكون كامل الأهلية، لأن كمال الأهلية من الشروط الأساسية الواجب توفرها في إنشاء عقود التصرف كيفما كان نوعها وشكلها.
ب- يشترط في عقد الوصية أن يكون خاليا من التناقض والغموض معبرا عن نية الموصي في إنشاء وصيته فلا يجوز شرعا أن يشتمل عقد الوصية على ما حرمه الشرع كالوصية بشراء خمر لمن يشربها أو الوصية بشراء خنزير وبيعه للناس، أو الوصية لدفع مال لشخص معين من أجل أن يقتل شخصا آخر.. فكل ذلك من بطلان الوصية ؛ والأصل في عقد الوصية أن يكون مما أباحه الشرع وليس مما حرمه، وفي هذا الصدد نصت المادة 278 من المدونة على هذا الشرط بقولها: "يشترط في صحة عقد الوصية خلوه من التناقض والتخليط مع سلامته مما منع".
ج- يشترط كذلك في عقد الوصية أن يتم الإشهاد عليه إما من طرف شاهدين عدلين أو أية جهة مكلفة بالتوثيق أو بخط يد الموصي، وقد نصت المدونة على هذا في المادة 296 "يشترط في صحة الوصية أن يصدر بها إشهاد عدلي أو إشهاد أية جهة رسمية مكلفة بالتوثيق أو يحررها الموصي بخط يده مع إمضائه؛ فإذا عرضت ضرورة ملحة تعذر معها الإشهاد أو الكتابة قبل إشهاد الموصي على وصيته من اتفق حضورهم من الشهود، شريطة أن لا يسفر البحث والتحقيق عن ريبة في شهادة الشهود، وأن تؤدى شهادتهم يوم التمكن من أدائها أمام القاضي(10) الذي يصدر الإذن بتوثيقها، ويخطر الورثة فورا ويتضمن الإخطار مقتضيات هذه الفقرة.."، وعلى هذا ذهب المجلس الأعلى(11).
د- يشترط كذلك في الوصية أن يكون السبب الباعث في إنشاء العقد مشروعا غير مخالف لمقاصد الشريعة وللأخلاق الحميدة وللنظام العام والقانون؛ فإذا كان مخالفا لهذه المقتضيات يكون باطلا لأن ما يبنى على الفاسد فاسد، وقد نص قانون الالتزامات والعقود المغربي في الفصل 62 على هذا " الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن.
يكون السبب غير مشروع إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو للنظام العام"، كما نص الفصل 63 بعده على أنه "يفترض في كل التزام أن له سببا حقيقيا ومشروعا ولو لم يذكر".
وقد سار المجلس الأعلى في هذا الاتجاه عندما أبطل وصية لكون السبب الباعث فيها غير مشروع، حيث جاء في القرار الصادر بتاريخ 14/09/1977 "الوصية التي يحررها الموصي إرضاء لخليلته تتنافى مع الأخلاق الحميدة وبالتالي تتعارض مع النظام العام المغربي الذي لا يقر ما ينبني على فساد الأخلاق من معاملات والتزامات فهي وصية باطلة وإن كان الموصي قد راعى في منح هذه الوصية اعتبارات أخرى إنسانية واجتماعية، فصالح الأسباب لا يجيز الفاسد منها"(12).
ھ- يشترط في عقد الوصية أن يقبلها الموصى له وإلا كانت باطلة، لأن قبولها شرط للزومها(13)، والمذهب المالكي يعتبر قبول الموصى له شرط في صحة الوصية قياسا على الهبة وسائر العقود(14). 
و- من شروط عقد الوصية أيضا أن لا تكون الوصية لوارث لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث"، ولقول ابن عاصم في التحفة:
وامتنعت لوارث إلا متى إنفـاذ باقـي الـوارثين ثبتـا
وقد نصت المدونة صراحة على هذا الشرط في المادة 280 "لا وصية لوارث إلا إذا أجازها بقية الورثة غير أن ذلك لا يمنع من تلقي الإشهاد بها".
المطلب الثاني: أركان عقد الوصية 
إن إنشاء عقد الوصية من أول وهلة يحتاج إلى أركان أساسية يقوم عليها ولا يوجد إلا بها وإلا كان باطلا.وأركان عقد الوصية هي : الصيغة والموصي والموصى له والموصى به، ونتطرق إلى هذه الأركان في الآتي بيانه:
الركن الأول: الصيغة
الصيغة هي كل ما دل على الوصية؛ فكل فعل يدل دلالة واضحة على معنى الوصية ويفهم منه قصدها وإنشاؤها دون التقيد بصيغة معينة يعتبر وصية.
وبما أن الوصية تبرع وتمليك بغير عوض، فالصيغة فيها هي كل فعل يدل عليها لأن القاعدة العامة في مختلف العقود أن العبرة فيها للمعاني لا للألفاظ والمباني؛ فلا يشترك فيها لفظ مخصوص ولا عبارة معينة. 
وإذا كان الموصي في وصيته يجب أن يكون مختارا غير مكره ولا مخطئ في إيصائه، لأن الوصية هي عقد تنشئه الإرادة المنفردة للموصي، وهو عقد غير لازم فلا ينفذ إلا بعد الموت، ولابد فيه من الإيجاب الذي يصدر عن الموصي في وصيته ولا تنعقد الوصية بدونه، فقد نصت على هذا المادة 284 "تنعقد الوصية بإيجاب من جانب واحد وهو الموصي"، والملاحظ هنا أن المدونة لم تتعرض للقبول الذي يقابل الإيجاب في مختلف العقود لأن القبول في الوصية يختلف عن سائر العقود ولا يكون إلا بعد وفاة الموصي. وإن كانت القاعدة أن كل إيجاب يقابله قبول فالأمر ليست كذلك في باب الوصايا.




وقد حددت مدونة الأسرة في المادة 295 عناصر الصيغة في انعقاد الوصية: "تنعقد الوصية بما يدل عليها من عبارة أو كتابة أو بالإشارة المفهمة إذا كان الموصي عاجزا عنهما" ولابد من تحديد هذه المفاهيم فيما يلي:
أ - العبارة: 
العبارة هي اللفظ المفيد الدال على المقصود في الوصية، ولا يشترط فيها لفظ معين؛ فكل لفظ يدل عليها كأوصيت لفلان بثلث أو ربع أو خمس مالي فهو وصية، وكذلك إذا قال الموصي وهبت لفلان كذا بعد موتي، أو ملكته كذا بعد وفاتي، أو أعطوا لفلان كذا بعد موتي، أو اشهدوا علي أنني أوصيت لفلان، أو اجعلوا لفلان بعد موتي كذا (الربع، الخمس، الثلث) ونحو هذا من الألفاظ التي تدل على إضافة التصرف إلى ما بعد الموت فإن الوصية تنعقد وتكون صحيحة، عن طريق العبارة (15).
ب - الكتابة:
إن إنشاء الوصية عن طريق الكتابة من العاجز عن النطق جائز بلا خلاف في ذلك؛ أما القادر على النطق فللعلماء في ذلك آراء مختلفة، حيث ذهب الحنفية إلى جواز الوصية بالكتابة إذا كانت بخط يد الموصي وأشهد عليها، أما إذا كانت بخط غيره فلا يجوز(16)، أما الحنابلة فلا يشترط في الوصية بالكتابة عندهم أن يكون بخط يد الموصي، بل يجوز أن يكتبها له غيره فيقرأها عليه ثم يوقع الموصي عليها(17)، أما الشافعية لا يعمل بالوصية عندهم حتى يشهد عليها(18) لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم)(19).
والمشهور المعمول به في المذهب المالكي أنه لا يعمل بالوصية إلا إذا أشهد الموصي الشهود على أن ما في الوثيقة المكتوبة بخطه هي وصيته، أو قال للشهود أو للورثة نفذوا ما فيها، سواء قال لهم ذلك بلسانه أو كتب بخطه في وصيته (إذا مت فلينفذ ما كتب بخطي؛ فإذا ثبت أن الخط هو خطه إما بإقرار من الورثة أو ببينة تشهد بأنه خطه صحت الوصية، ومثل ما كتبه بخطه ما كتب بخط غيره إذا ثبت أنه قرأه على الشهود أو قرئ عليه، فإنه لا يعمل به إلا إذا أشهد أن ذلك وصيته أو قال نفذوها(20) وما عدا ذلك لا يعمل بالوصية المكتوبة.
ج-الإشارة المفهمة: 
كما تنعقد الوصية بالعبارة والكتابة كما أشرنا تنعقد كذلك بالإشارة المفهمة من العاجز عن النطق(21) بالكتابة إن كان يكتب وإلا فبإشارته المفهمة، وهذا هو مذهب الفقه المالكي، وعليه سارت المدونة في المادة 295، قال ابن عاصم: 
ومن أصـم أبكم العقــود جائـزة ويشهـد الشهـود
بمقتضى إشـارة قـد أفهمت مقصـوده وبرضاه أعلمت
فإن يكن مع ذاك أعمى امتنعا لفقـده الفهم والإفهام معـا
فإذا كان الموصي زيادة على صممه وبكمه أعمى(22) ففي هاته الحالة يحجر عليه من طرف القاضي ولا يمكنه أن يتبرع أو يبيع لأنه فاقد للفهم والإفهام معا، وقد سبق وأن أشرنا إلى أن عقد الوصية يشترط فيه أن يكون خاليا من التخليط والتناقض، والشخص الذي به صمم وبكم وعمي قد يخلط في وصيته ولا يعي ما يقول فتكون بذلك وصيته باطلة. وقد نص القانون رقم 03/16 المتعلق بخطة العدالة في المادة 29 على ما يلي: "يسوغ تلقي الإشهاد مباشرة من العاجز عن الكلام أو السمع بالكتابة وإلا فبالإشارة المفهمة مع التنصيص على ذلك في العقد"
الركن الثاني: الموصي
الموصي هو المالك للمال ملكا تاما ظاهرا. وقد اشترط الفقهاء في الموصي شروطا معينة لابد من توفرها حتى تكون وصيته صحيحة وإلا كانت باطلة، ومن هذه الشروط ما يلي:
أ- أن يكون الموصي أهلا لما يوصي به، يعني أن يكون راشدا عاقلا بالغا رجلا كان أو امرأة مسلما كان أو كافرا، وسن الرشد هو 18 سنة شمسية كاملة حسب مقتضيات المادة 209 من المدونة.
ومما يجدر التنبيه عليه أن الإسلام لا يعتبر شرطا لصحة الوصية إلا أن يوصي غير المسلم بخمر أو خنزير لمسلم، فهنا تكون الوصية غير صحيحة، لأنها اشتملت على ما منع شرعا (المادة 278 من المدونة)، وسواء كانت الوصية في الصحة أو في المرض فإنها صحيحة لأن تنفيذها لا يكون إلا بعد الموت وليست بلازمة وللموصي الرجوع فيها متى شاء أو إدخال شرط فيها(23).
وقد جوز المالكية وصية المجنون حال إفاقته والسفيه والمعتوه والمريض والصغير المميز(24)، وعلى غرار هذا ذهبت المدونة في المادة 279: "يشترط في الموصي أن يكون راشدا. تصح الوصية المجنون حال إفاقته ومن السفيه والمعتوه" ولم تذكر المريض والصغير المميز.
قال ابن عاصم:
في ثلث المال فأدنى في المرض      أو صحـة وصية لا تعتـرض
حتـى من السفيـه والصغيـر إن عقـل القربة(25) في الأمور
العبـد لا تصح منـه مطلقـا          وهي من الكفـار ليست تتقى
ب-أن يكون الموصي مالكا للشيء الموصى به شرعا، يعني أن يكون بين يديه فعلا وفي ملكه وتحت تصرفه، كما أن الموصى له لابد وأن يكون أيضا موجودا إما حقيقة كإنسان أو حمل ظاهر أو سيظهر في بطن أمه أو حكما كمشروع مؤسسة أو جمعية أو مسجد أو دار للأيتام أو مستشفى...، وهو ما أشارت إليه المدونة في المادتين 281 و282، أما إذا كان الموصى له مجنونا فالوصية تعتبر باطلة(26).
ج-ألا يكون الدين قد استغرق جميع مال الموصي لأن الدين في تنفيذ التركة مقدم على الوصية بإجماع العلماء وهو مذهب المدونة في المادة 322.
د-أن يكون الموصي جادا في وصيته، لأن الوصية ناقلة للملك الموصى به ومثبتة له، فيجب على الموصي أن يكون راضيا مختارا بإرادته المنفردة فلا تصح وصية الهازل والمكره والمخطئ لأن هذه العوارض تفوت الرضى، والرضى لابد له في عقود التمليكات(27).
هـ- للموصي أن يحدد وصيته في حدود الثلث أو أقل منه (الربع، الخمس...) والأصل في هذا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد بن أبي وقاص: "الثلث والثلث كثير"، وما زاد على الثلث وقف على إجازة الورثة؛ فإن أجازوه فلا إشكال، ويمضي الثلث على حكم الوصية، لا يحتاج إلى حيازة ولا إلى قبض، وما زاد على الثلث فحكمه حكم العطايا التي لا تتم إلا بالقبض(28).
الركن الثالث: الموصى له
الموصى له هو الطرف الثاني في عقد الوصية وهو كل من يتصور ملكه للموصى به وقد يكون واحدا أو متعددا، لذلك اشترط الفقهاء في الموصى له:
أ- أن يكون موجودا ومعلوما أي معينا إما بالشخص كإدريس ومحمد وعلي، وإما بالنوع كالفقراء والمساكين ودور الأيتام والعجزة، فلو قال الموصي أوصيت بثلث مالي ولم يعين الموصى له بطلت الوصية للجهالة، كذلك إذا مات الموصى له قبل قبول الوصية لم يكن لورثته قبولها بطلب الوصية(29)، فإن كان حملا ظاهرا أو سيظهر في المستقبل فإن ولد واستهل صارخا صحت الوصية وإن لم يستهل صارخا بطلت ورجعت ميراثا لأن الميت لا يملك(30).
ب-أن يكون الموصى له أهلا للتملك والاستحقاق؛ فلا يجوز شرعا أن يكون الموصى له جهة معصية، كالوصية مثلا لدور البغاء والدعارة وأندية اللهو والقمار والمراقص الليلية، وبناء كنيسة أو ترميمها، وكتابة كتب السحر والشعوذة والنصب والاحتيال، والوصية لجهة معينة من اجل القيام بأعمال إرهابية؛ فالوصية للموصى له في مثل هذه الحالات تكون باطلة باتفاق العلماء وهو ما ذهبت إليه المدونة في المادة 278.
ج-أن يكون الموصى له موجودا وقت صدور الوصية، فإن كان غير موجود فإن الوصية لا تصح، لأن الوصية تمليك والتمليك لا يكون لغير الموجود؛ فلا تجوز الوصية عند جمهور العلماء للميت، وقال مالك: "إن علم أنه ميت فهي جائزة وهي لورثته بعد قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه، فإن لم يكن له وارث بطلت الوصية"(31)، ويرى الجمهور غير المالكية (الحنفية، الحنابلة، الشافعية) أن الوصية للمعدوم(32) باطلة، لأن من شروط الموصى له أن يكون موجودا حين الوصية إما بالاسم أو بالإشارة، فلا تصح الوصية لمن سيكون أو لميت، لأن الوصية تمليك، والمعدوم غير الموجود لا يملك، والوصية كالميراث ولا يرث المتوفى إلا من كان موجودا فكذلك الوصية. ولقد أخذ القانون المصري والسوري برأي المالكية تعميما للانتفاع بالوصية وتحقيقا لرغبات الموصين في إيصال الخير وبر الناس (33).
د-ألا تكون للموصى له صفة الوارث وقت موت الموصي إذ أنه لا وصية لوارث كما سبق في الحديث إلا إذا أجازها الورثة ولتنصيص المدونة صراحة على هذا الشرط في المادة 283 "يشترط في الموصى له ألا يكون له صفة الوارث وقت موت الموصي".
هـ-أن لا يكون الموصى له قاتلا للموصي، والقتل المانع من الوصية هو القتل العمد العدوان( )، سواء كان القاتل فاعلا أصليا أم شريكا أم شاهد زور، أدت شهادته إلى الحكم بالإعدام على الموصي ونفذ الحكم؛ فالقتل يمنع الوصية ابتداء واستمرارا كما يمنع الإرث كذلك لأن من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه كما هو مقرر فقها، وقد اعتبرت المدونة في المادة 283 عدم قتل الموصى له للموصي عمدا إلا إذا أوصى له من جديد، ونفس الأمر سار عليه المشرع الموريطاني للأحوال الشخصية في المادة 230 وقانون الوصية المصري في المادة 17، وقانون الأحوال الشخصية السوري في المادة 223، ومجلة الأحوال الشخصية التونسية في الفصل 198.
الركن الرابع: الموصى به
الموصى به هو كل شيء يصح تملكه شرعا؛ فيخرج من ذلك الخمر والنجاسات وكل ما لا يصح تملكه شرعا( )، لذلك اشترط الفقهاء في الموصى به شروطا معينة وهي:
أ- أن يكون الموصى به قابلا للتمليك يعني مما يصح تملكه شرعا إما بالعقد أو بالإرث أو بالتبرع عينا أو منفعة، لأن الوصية ناقلة للملك وما لا يقبل التمليك لا يصح الإيصاء به، وقد نصت المدونة على هذا الشرط في المادة 292 "يجب في الموصى به أن يكون قابلا للتمليك في نفسه" ونصت المادة 294 "يصح أن يكون الموصى به عينا أو يصح أن يكون منفعة لمدة محددة أو مؤبدة ويتحمل المنتفع نفقات الصيانة"
ب- أن يكون الموصى به موجودا ومملوكا للموصي وقت إنشاء الوصية لأن الوصية في الشيء المعين هي نافلة للملك في ذلك المعين، أما إذا كان غير موجود أصلا أو موجودا ولكنه في ملك الغير فالوصية في هذه الحالة لا تصح وتكون باطلة قياسا على بيع ملك الغير الذي لا يصح شرعا وقانونا( ).
ج- أن لا يكون الموصى به شيئا محرما لأن الوصية تبرع والقصد من التبرع هو وجه الله تعالى والدار الآخرة وكل اوجه البر والخير والإحسان، فلا يجوز أن يوصي الموصي بمال من اجل أن يشتري به خمرا لمن يشربها أو يوصي بدفع مال لشخص معين من أجل قتل شخص آخر أو يوصي ببناء مسجد أو مدرسة أو مستشفى على أرض معصوبة أو موقوفة، أو يوصي لفتاة من اجل أن تبقى معه في علاقة غير شرعية، أو يوصي لشخص من أجل أن يصوم عنه أو يصلي عنه أو يوصي بجعل مكيف هوائي في قبره بعد موته.. إلى غير ذلك من اوجه المعصية التي يكون الباعث فيها سببا غير مشروع فتكون الوصية في هذه الحالات وغيرها باطلة وما يبنى على الباطل باطل كما سبق بيانه.
د-أن لا يكون الشيء الموصى به زائدا على ثلث التركة بإجماع العلماء على الاقتصار على الثلث في التركة استنادا إلى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مالك في الموطأ( ) وغيره، عن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال: "جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعُودُني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله، قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال رسول الله صلى الله عليهوسلم : "لا"، فقلت : فالشطر؟، قال: "لا"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الثلث والثلث كثير" إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت، حتى ما تجعل في في امرأتك"؛ فالموصى به الزائد على الثلث متوقف على إجازة الورثة فإن أجازه الورثة نفذت الوصية، وإن لم يجيزوه بطلت، وقد أجاز قانون الوصية المصري في المادة 37 الوصية للوارث من غير توقف على إجازة الورثة أخذا برأي الشيعة الإيمانية في الموضوع( ) ونص المادة هو: "تصح الوصية بالثلث للوارث وغيره، وتنفذ من غير إجازة الورثة، وتصح بما زاد على الثلث ولا تنفذ في الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصي وكانوا من أهل التبرع عالمين بما يجيزونه، وتنفذ وصية من لا دين عليه ولا وارث له بكل ماله أو بعضه من غير توقف على إجازة الخزانة العامة.
الفصل الثاني: الإطار التطبيقي لعقد الوصية
إذا كنا قد تحدثنا في الفصل السابق عن الجانب النظري في عقد الوصية من حيث تعريفها ومشروعيتها وشروطها وأركانها، فإننا سنتطرق في هذا الفصل إلى مجموعة من الأمور الأساسية والتي تشكل إطارا تطبيقيا لعقد الوصية حال تنفيذه، وسنبحث هذه الأمور في المباحث الآتية:
المبحث الأول: حكم تعليق عقد الوصية على شرط معين



الوصية من العقود التي تقبل التعليق على الشرط باتفاق الفقهاء، والشروط في العقود جائزة وعقد الوصية من العقود التي يجوز فيها الاشتراط لأنها من العقود التي تقبل التعليق على شرط معين إما لمصلحة الموصي( ) أو الموصى له( ) أو لغيرهما؛ فإذا تضمن عقد الوصية شرطا معينا فإن العقد يكون صحيحا تطبيقا للحديث الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: "المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا"؛ فللموصي في وصيته الحق في أن يشترط ما شاء أو يبدل أو يغير أو يضيف أو يعدل في الوصية، وهذا هو مذهب الفقه المالكي وعليه سارت المدونة. قال الإمام مالك: "الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن يغير من ذلك ما شاء ويصنع من ذلك ما شاء حتى يموت، وإن أحب أن يطرح تلك الوصية ويبدلها فَعَل( ).
إذا تضمن عقد الوصية شرطا معينا، فإن الوصية تكون صحيحة لأن الشرط التزام والقاعدة العامة "من التزم بشيء لزمه"، ومثاله أن يقيد الشرط حق الموصى له كاشتراط الموصي بأن يتزوج الموصى له كي تنفذ الوصية المتضمنة تمليكه مسكنا معينا فالزواج عمل مباح وشرعي واشتراطه في الوصية صحيح، أو يوصي لفلان بمبلغ من المال على أن لا يتزوج فيصح العقد ويبطل الشرط لأن عدم الزواج أمر لا تقره الشريعة ولا عبرة له إذا اشترط في عقد الوصية.
لكن إذا كان الشرط في عقد الوصية فيه مخالفة صريحة لمقتضيات العقد ولمقاصده فإن الشرط يكون باطلا والعقد صحيحا، ومن باب ذلك ما إذا كان الشرط فيه مخالفة صريحة لمقاصد الشريعة كأن يعلق شخص وصيته لخليلة على علاقته الآثمة معها، فإن الوصية في هذه الحالة تكون باطلة لأنها معصية والباعث عليها معصية، وما يبنى على الفاسد فاسد كما سبق، أو يعلق الشرط في الوصية على حدث معين كأن يقول الموصي مثلا إذا رجعت من سفري أو مت وهو لم يمت ولم يرجع فإن الوصية تبطل لأنه علقها على الموت في السفر والحذر، حيث يلغى الشرط وتصح الوصية( ).
وقد نصت المادة 285 من المدونة على ما يلي: "يصح تعليق الوصية بالشرط وتقييدها به إن كان الشرط صحيحا، والشرط الصحيح ما كان فيه مصلحة للموصي أو الموصى له أو لغيرهما، ولم يكن مخالفا للمقاصد الشرعية" كما نص القانون المصري في المادة 4 والقانون السوري في المادة 210 على صحة إضافة الوصية إلى المستقبل وتعليقها بالشرط وتقييدها به إذا كان الشرط صحيحا، والشرط الصحيح هو ما كان فيه مصلحة للموصي أو الموصى له أو لغيرهما ولم يكن منهيا عنه ولا مخالفا لمقاصد الشريعة"
المبحث الثاني: تنفيذ عقد الوصية 
كل العقود تقبل التنجيز حال الحياة إلا الوصية والإيصاء فلا يقبلان ذلك لكون مفهومهما فيه إضافة إلى المستقبل ولأن كل ما علق فيه الملك بالموت فهو وصية سواء في ذلك ملك الرقبة وملك المنفعة، كان الموصي صحيحا أو مريضا؛ فكل وصية تتوقف على موت المعطي فهي وصية( ).
والوصية باعتبارها تبرع من التبرعات لا تنفذ إلا بعد وفاة، ولا تنفذ أبدا في حياة الموصي أو حال مرضه لاحتمال رجوعه عنها أو حدوث نقصان في المال أو طُرُو آفة عليه أو وفاة الموصى له قبل الموصي بطلت الوصية لقول ابن عاصم:
وليس من شيء لمن يوصى له إلا إذا الموصي يموت قبله
ويمكن أن نتساءل في هذا الصدد عن الجهة المخول لها تنفيذ الوصية شرعا وقانونا؟، والجواب على هذا يمكن أن نستشفه من منطوق المادتين 297 و298 من المدونة اللتان حصرتا تنفيذ الوصية في جهتين أساسيتين هما:
أ - الجهة المكلفة من طرف الموصي: 
قد يسند الموصي أمر تنفيذ وصيته إلى شخص أو جهة معينة. فهذا الشخص أو هذه الجهة هي التي يقع على عاتقها أمر تنفيذ الوصية حسب إرادة الموصي؛ فإذا امتنع الشخص أو هذه الجهة عن تنفيذ الوصية نظرا لوقوع خلاف ونزاع بين أطرافها أو لكونهم لم يتفقوا على تنفيذها لسبب معين فيرفع الأمر هنا إلى القاضي للنظر في الموضوع وتعيين من يقوم بالتنفيذ.
ب - الجهة المعينة من طرف القاضي: 
كما قلنا في حالة حدوث الخلاف بين أفراد الجهة المكلفة من طرف الموصي بتنفيذ الوصية في هذه الحالة يعين القاضي جهة خاصة يكلفها بأمر التنفيذ ويحدد لها وقتا معينا لذلك. وقد تواجه الجهتين سواء المكلفة من طرف الموصي أو المعينة من طرف القاضي صعوبات في التنفيذ لسبب من الأسباب ويستحيل معها القيام بمعملية التنفيذ، ومن هذه الصعوبات مثلا استغراق الدين للوصية، ففي هذه الحالة لا تنفذ الوصية إلا إذا أبرأ الدائنون الموصي وأسقطوا ديونهم عليه أو أجازوا تنفيذ الوصية قبل الدين، تطبيقا لما أشارت المادة 299 "لا تنفذ الوصية في تركة استغرقها الدين إلا بإجازة الدائن الكامل الأهلية أو بسقوط الدين"، والعبرة في تنفيذ الوصية هو يوم تنفيذها بعد وفاة الموصي والثلث هو المعتبر في التنفيذ بعد إخراج الحقوق الأخرى المتعلقة بالتركة (المادة 322 من المدونة). وقد نص على هذا المقتضى المادة 301 من المدونة "يعتبر الثلث بالنسبة لما تبقى من التركة بعد الوفاء بالحقوق التي تخرج من التركة قبل الوصية".
ومما يجدر التنبيه عليه أن الوصية التي لم يتم الإشهاد عليها من طرف شاهدين عدلين ولم يحرر في شأنها عقد خاص حيث كتبها الموصي بخط يده ووقع عليها فلابد وأن يتضمن ما يفيد إذنه بتنفيذها، حيث يمكن حسب مقتضيات المادة 297 من المدونة أن يرد إذن التنفيذ بأية صيغة دالة عليها( ).
المبحث الثالث: الرجوع في الوصية 
يقصد بالرجوع في الوصية إبطالها وعدم تنفيذها من طرف الموصي صاحب الإرادة المنفردة في إنشائها( )، وقد نصت المادة 286 من المدونة على الرجوع في الوصية "للموصي حق الرجوع في وصيته وإلغائها ولو التزم بعدم الرجوع فيها وله إدخال شروط عليها وإشراك الغير فيها وإلغاء بعضها كما شاء وفي أي وقت يشاء في صحته أو مرضه".
فإذا كانت الوصية عقد غير لازم كما سبق وتنفيذها لا يتم إلا بعد وفاة الموصي فمادام على قيد الحياة فإرادته في الوصية تخول له إشراك الغير فيها والرجوع عنها أو إلغاؤها وإدخال شروط عليها في أي وقت أراد في صحته أو في مرضه حتى ولو التزم عدم الرجوع فيها، قال ابن عاصم:
وللذي أوصى ارتجاع ما يرى من غير ما بتل أو ما دبرا
والرجوع في الوصية يكون بالقول الصريح أمام الشهود بحيث يقول الموصي اشهدوا علي أنني رجعت في وصيتي أو ما يفيد ضمنيا الرجوع عنها كبيع العين الموصى بها أو التصدق بها أو هبتها أو رهنها لشخص أو لجهة أخرى غير الموصى له أو لها، وفي حالة رجوع الموصي عن وصيته بما سبق عليه أن يوجه نسخة من رجوعه لقاضي التوثيق قصد فتح ملف خاص بالرجوع في الوصية وهذا ما أشارت إليه المدونة في الفقرة الأخيرة من المادة 296 (للموصي أن يوجه نسخة من وصيته أو تراجعه عنها للقاضي قصد فتح ملف خاص بها،. وقد اعتبر المجلس الأعلى في قراره رقم 4 الصادر بتاريخ 03/01/1995 ( ) "تفويت الموصي قيد حياته للموصى به عن طريق الصدقة وانتقال الملكية إلى المتصدق عليه يعتبر رجوعا عن الوصية".
المبحث الرابع: قبول الوصية وردها
من المتفق عليه فقها أن الموصى له المعين يملك لنفسه القبول والرد إذا كان كامل الأهلية لأنه صاحب الولاية على نفسه (المادة 289)، أما الموصى له الفاقد الأهلية كالمجنون والمعتوه والصبي غير المميز فليس له القبول أو الرد لأن عبارته ملغاة وإنما يقبل وليه عنه أو يرد( )، هذا إذا كان الموصى له معين، أما إذا كان غير معين فلا تحتاج الوصية هنا إلى قبول ولا ترد برد أحد حسب مقتضيات المادة 288، ومن اوجه الوصية لغير المعين الوصية لأوجه الخير بمختلف أنواعها دون تحديد الجهة المعينة، ففي هذه الحالة الوصية لا تحتاج إلى قبول لأن كل جهة من جهات الخير معنية بهذه الوصية وبالتالي فإن كل جهة من جهات الخير والبر تستفيد من هذه الوصية وتنفذ في وجهها، وقد نصت المادة 308 على هذا: "من أوصى لله تعالى ولأعمال البر بدون تعيين جهة معينة صرفت وصيته في وجوه الخير، ويمكن أن تتولى الصرف مؤسسة متخصصة في ذلك قدر الإمكان مع مراعاة أحكام المادة 317 بعده". كما أن قبول الموصى له الوصية أو رده لها لا يعتبر إلا بعد وفاة الموصي كما سبق (المادة 290)، كذلك يجوز للموصى له قبول بعض الوصية ورد البعض منها في حالة تعدد الموصى لهم بشرط أن يكون كامل الأهلية وأن يكون القبول والرد بعد الوفاة بطبيعة الحال كما سبق( ). وقد نصت المادة 291 على هذا "يجوز رد بعض الوصية وقبول بعضها كما يجوز ذلك من بعض الموصى لهم كامل الأهلية وتبطل بالنسبة للمردود والراد فقط".
وإذا كانت الوصية تقبل وترد حسب حالة الموصى له معينا كان أو غير معين، فإنها قد تبطل نهائيا وتصبح لاغية لا عمل عليها شرعا وقانونا، وقد حددت مبطلات الوصية حسب مقتضيات المادة 314 من المدونة كما يلي: 
أ-موت الموصى له قبل الموصي
ب- هلاك الموصى به المعين قبل وفاة الموصي
ج- رجوع الموصي عن الوصية.
د- برد الموصى له الراشد الوصية بعد وفاة الموصي.
خاتمة واستنتاج:
إذا كنا قد تطرقنا في هذه الدراسة المختصرة إلى كل ما يحيط بعقد الوصية؛ فهذا لا يعني أننا قد أتينا على جميع ما يتعلق بتكوين هذا العقد؛ فلقد بقيت هناك نقاط عالقة لم نشر إليها تجنبا للإطناب، وتركناها لدراسة مستقبلية بحول الله. ومن خلال ما تعرضنا إليه في هذه الدراسة عن الوصية الإرادية (الوصية بالمال)، يمكن أن نستنتج ما يلي:
- إن الإسلام قد نظم عقد الوصية تنظيما محكما ودقيقا.
- إن إنشاء عقد الوصية يتسم بمجموعة من الشروط الجوهرية والأركان الأساسية والتي لا يمكن تجاوزها لا شرعا ولا قانونا وإلا كانت الوصية باطلة.
- إن الوصية تبرع كما سبق تهدف إلى إشاعة روح التضامن والتكافل داخل المجتمع كما تحث على مواساة الفقراء والمحتاجين وصلة ذوي القربى غير الوارثين.
- إن الوصية تساهم مساهمة فعالة في مجالات التنمية عن طريق بناء المستشفيات والمدارس ودور العجزة والأيتام والمساجد ومقرات الجمعيات على مختلف أنواعها.
والله من وراء القصد
إن رأيت عيبا فسدد الخللا فجل من لا يخطئ وعلا
نموذج لعقد وصية بالثلث:
الحمد لله وحده إشهاد على وصية بالثلث تلقاه العدلان فلان وفلان المنتصبان للإشهاد بدائرة المحكمة الابتدائية ب (...) على الساعة (...) بتاريخ (...) الموافق (...) المدرج بمذكرة العدل الأول عدد (...) صحيفة (...) نصه أشهد السيد (...) المولود (...) الساكن (...) تعريفه الوطني رقم (...) مهنته (....) وأوصى أنه إن قضى الله بوفاته وأدبرت من الدنيا أيام حياته فيخرج عنه من جميع متخلفه من قليل الأشياء وكثيرها جليلها وحقيرها العقار وغيره جميع الثلث الواحد ويعطى بأجمعه لفلان (...)( ) يكون ماله وملكه على وجه الوصية النافذة بعد الموت قصد بذلك وجه الله العظيم وثوابه الجسيم والدار الآخرة والله لا يضيع أجر من احسن عملا ولا يخيب لراجيه وقاصده أملا إشهادا وإيصاءا تامين عرف قدره شهد به عليه وهو بأتمه( ) وعرفه (أو وعرف به بتعريفه الوطني المشار إليه أعلاه) وحرر بتاريخ (...) عبد ربه فلان (...) وعبد ربه فلان (...). بشكلهما، ثم طابع المحكمة وخطاب القاضي.


المراجع المعتمدة في إعداد هذه الدراسة

- إحكام الأحكام، يوسف الكافي 
- أساس البلاغة، الإمام الزمخشري
- بداية المجتهد، ابن رشد الحفيد.
- البهجة في شرح التحفة، الشيخ عبد السلام التسولي 
- تبيين الحقائق، للإمام الزيلعي 
- التدريب على تحرير الوثائق العدلية لأبي الشتاء الغازي الحسيني.
- حاشية ابن عابدين.
- دليل عملي لمدونة الأسرة، وزارة العدل
- لسان العرب، لابن منظور.
- الموطأ، الإمام مالك بن أنس 
- المغني، لابن قدامة المقدسي
- مواهب الجليل، للحطاب
- مجموعة قرارات المجلس الأعلى في المادة المدنية وفي الأحوال الشخصية.
- المسؤولية المدنية، الأستاذ محمد الشرقاني
- نيل الأوطار، للشوكاني 
- النظرية العامة للالتزامات، الأستاذ محمد الشرقاني 
- النوازل الصغرى، الشيخ المهدي الوزاني
- شرح الهواري على وثائق بناني.
- شرح حدود ابن عرفة، للرصاع
- شذرات في الوصية، الأستاذ عبد السلام حادوش
- فتح الباري، لابن حجر العسقلاني
- الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي
- الوصايا والتنزيل في الفقه الإسلامي، د. محمد التاويل
- الوصية والوقف، د. محمد أحمد الشافعي 
- الوصية الواجبة في الإسلام، د. هشام قبلان.
- الوسيط، د. عبد الرزاق السنهوري.

تعليقات